وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، علم الهدى، ومنار التقى، ختم الله به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس كافة أجمعين، هدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وكثر به من بعد قلة، وأعز به من بعد ذلة، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد:
فها نحن نواصل حديثنا في الوصايا الربانية التي جاءت في سورة الأنعام، وقد سلف لنا الحديث عن التوحيد والنهي عن الشرك، ومر بنا أمر بر الوالدين وأهميته وآثاره الدنيوية والأخروية، ووصية اليوم عظيمة مهمة، لها أثرها في النفوس والقلوب، ولها أثرها في الأمن والأمان، ولها أثرها في العرض والشرف والأنساب، قال جل وعلا: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151] والفواحش: كل ما فحش وزاد عن الحد بحيث يكون في غاية الذم والقبح. وذلك يتناول المعاصي والذنوب الكبيرة في جملتها، ما كان منها ظاهراً -أي: في الجوارح قولاً أو فعلاً كقذف أو زنا- وما كان منها باطناً بالقلب، سواءٌ أكان كفراً وشركاً، أم استكباراً، وغير ذلك من أدواء القلوب.
وسياق الآيات فيما مضى يبين لنا أن النهي مختص بأمور بعينها، كما مر في الشرك وفي بر الوالدين، وكما يأتي في النهي عن أموال اليتامى وعن عدم الوفاء والقيام بالميزان والقسط، ومن هنا ذكر أهل التفسير أن من المعاني الظاهرة للفواحش اختصاصها بالزنا -أعاذنا الله وإياكم منه ومن القرب منه-؛ لأن السياق يحدد أموراً بعينها ومحرمات بذاتها، فغلب بعض أهل التفسير اختصاص هذه الفواحش في الآية بالزنا، وكل ما زاد عن حده فإنه داخل في عموم ذلك، وقد ذكر كثير من أهل التفسير عند هذه الآية ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانوا في الجاهلية لا يرون بأساً بالزنا في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرم الزنا في السر والعلانية) وذلك فيه دلالة على هذا المعنى الذي غلبه بعض أهل التفسير.
ووقفتنا الأولى في قوله جل وعلا: وَلا تَقْرَبُوا [الأنعام:151] والنهي عن القرب مبالغة في النهي عن الفعل؛ لأنه إذا قيل: لا تقترب من هذا المكان فلا شك أنه من باب الأولى أنك لا تصل إليه ولا تدخل فيه، ومعنى ذلك -كما هو معلوم- أن المعنى ترك كل ما يقرب من الزنا ويوصل إليه، ويهيج النفوس والشهوات إليه، ويبعث الفكر فيه، ويعلق النظر به، ويرعي السمع ويصغيه إليه؛ لأن كل الجوارح تتأثر وتفضي إلى القلب حتى ينعقد العزم وتتوجه الإرادة من بعد لفعل ما تأثر به ذلك القلب، فالعين تنظر، لكن الأثر يكون في القلب ميلاً وشهوة إلى ما رأت العين، والأذن تسمع، والقلب يميل ويهفو، وكذلك كل ما يتعلق بفعل الإنسان يعود أثره على قلبه ونفسه ميلاً وتوجهاً.
وكذلك وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن هذا النظر وما يؤدي به إلى أمور من العظائم والمحرمات، وأكبرها وأبشعها وأقبحها الوقوع في فاحشة الزنا.
ونحن اليوم نرى واقعاً لا يتفق مع هذا من وجوه عدة، وأخطرها وأعظمها تحليل الحرام، فإن كثيرين من الناس اليوم لا يرون النظر إلى العورات محرماً، بل ويطلقون عبارات تدل على جواز مثل هذا وتهوينه في النفوس والقلوب، فمن قائل: العين بحر. أي: لا ساحل لها تنظر متى شاءت وكيفما شاءت، ومن قائل: النظر إلى الجمال عبادة، وهو معنىً قبيح من يقصدونه في النظر إلى العورات والمحرمات، وجعلوا تلك المحرمات عبادات، ومن جهة ثانية وجود وكشف العورات، حتى إن من يريد أن يغض بصره يجد عناءً ومشقة، حيث تفجؤك العورات المكشوفة في الطرقات والأسواق، بل وفي المعاهد والجامعات، وتفجأك العورات المكشوفة المثيرة على الشاشات، وعلى الصفحات؛ إذ لا تكاد ترى اليوم مجلة -وإن قالت: إنها علمية أو ثقافية- إلا وفي صدرها أو في صفحاتها الكبرى داخلية أو خارجية صوراً للنساء باديات الشعور أو النحور أو غير ذلك، وهذا من بعد يجعل قلب الإنسان إذا دخل في هذا الميدان يعلق، فإن النظرة إن لم تصرفها أثرت في القلب فصار يطلبها ويكررها، ويجيل النظر بحثاً عنها، كما قال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
لأن الإنسان إذا فطم نفسه فطمت، وإذا علقها بما تحبه من الشهوات وما تميل إليه من الملذات تعلقت وأبت أن تفطم.
الأولى: في دراسة لخمسمائة فيلم من الأفلام التي تعرض كانت النسبة أن نحو اثنين وسبعين في المائة مما يعرض في هذه الأفلام مركز في مناظر وحوارات الحب والجنس والجريمة، أي: ثلاثة الأرباع. فأين ما يزعمونه من معالجة المشكلات؟ وأين هي الثقافة في تلك الأفلام والمسلسلات؟ وأين وأين مما يقال ويدعى؟ ونحن نعلم ذلك ونقرأ عنه، وربما ابتلينا به فشاهدناه كذلك.
الثانية: وفي دراسة أخرى على مائة فيلم وجد أن فيها بنسبة ثمانية وتسعين في المائة لقطات أو كلمات مما يثير الغرائز الجنسية، ويهيج هذه المعاني الساقطة.
ونحن عندما نقول ذلك ننتقل إلى وجوه أخرى كثيرة، ونحن نعلم ما يدور في مجتمعاتنا وديارنا الإسلامية اليوم، حتى الأذن المصغية قد جاء النهي عن إصغائها إلى ما يثير هذه الكوامن، فالله جل وعلا في سياق الأمر الوارد والتوجيه الوارد لأمهات المؤمنين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -وهن الطاهرات العفيفات المؤمنات القانتات العابدات- ورد الأمر إليهن بقوله: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] لا يقلن كلاماً متكسراً متأنثاً فيه الإغواء والإغراء، والتهييج والإثارة، حتى لا يؤدي ذلك إلى الفتنة وإثارة الشهوة.
وفي الحديث الآخر الذي رواه النسائي في سننه والإمام أحمد في مسنده من رواية أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت فخرجت على قوم ليجدوا ريحها فإنها زانية) والمقصود بذلك ليس حكم الزنا المعروف، فإنه لا يثبت بذلك، ولكن إشارة النبي صلى الله عليه وسلم تفهم من وجوه، وهي أن الزنا المعروف هو زنا الفرج، لكن ثمة زناً للنظر وللعين وللأذن، حتى للرائحة، أو إشارة إلى أن مثل هذا اليسير قد يدعو إلى غيره حتى يصل الأمر إلى الوقوع في الفاحشة.
وإذا جئنا إلى تكملة تلك الاحصاءات في هذا الشأن لنرى كيف تصب في خانة في جملتها تدعو أو تروج أو تقرب إلى الوقوع في المعاصي فإننا نكملها لنرى أن هذه الاحصائية تقول لنا: إن الإنفاق في ذلك العام كان على صبغات الشعر بنحو أربعة ملايين دولار. أي: خمسة عشر مليون ريال، وكلها تنفق لصبغات شعر ليصبح مرة أشقر ومرة أغبر ومرة أحمر، ولست أدري كيف يكون ذلك أيضاً يبلغ مثل هذا الحد!
ويضاف إلى ذلك أن المستهلك في ذلك العام بلغ ستمائة طن من أحمر الشفاة، وتأمل كم يكون الطن؛ لأن أحمر الشفاة خفيف، فكم الذي استهلك منه؟! أليس ذلك يدعونا إلى النظر والتأمل؟! وكيف تنفق هذه الأموال بهذه الأقدار ونحن نعلم أن جزءاً منها على أقل تقدير ينشأ عنه الممارسة المحرمة الخاطئة؟! وكم نحن اليوم في مشكلة كبرى في هذه القضية الخطيرة؟! ألسنا اليوم نشكو ونعلم يقيناً زيادة نسبة الانحرافات الخلقية، والفواحش، والخلوات التي يضبط فيها الشباب والشابات؟! ألسنا نعلم اليوم ونقرأ أحداثاً عن كون هروب الفتيات متزايداً في كل عام؟! ألسنا نسمع ونعلم ما قيل وذكر ونشر عن اعتداء الشباب على الفتيات، والصور التي نقلت عبر الأجهزة والآلات؟! إلى أين يبلغ الحد والمدى؟! لا يعلم ذلك إلا الله؛ لأنه بقدر الاخلال والنقض لما حرم الله وعدم الالتزام بما شرع الله بقدر ما يكون من الآثار الوخيمة الوبيلة.
هناك أولاً نسبة كانت تبلغ تسعة وثمانين في المائة قبل دخول الفضائيات لديهن حرص على العلم والتعليم والتفوق في المجال الدراسي، وست وسبعون في المائة كان رأيهن الحذر والمنع من الاختلاط، وكانت لدى هذه الشريحة نسبة خمسة في المائة من أمراض الأعراض النسائية واضطراب الدورة الشهرية وغير ذلك، ثم ماذا بعد تلك القنوات؟ زادت الأمراض تلك إلى أن وصلت إلى نحو ثلاثة وعشرين في المائة من أفراد العينة، واسمح لي أن أذكر بعض الألفاظ مما لا أذكره ولا أستحسن ذكره في مثل هذا المقال، فإن سبع عشرة في المائة من تلك العينة من الفتيات أفدن أنهن أصبحن يمارسن العادة السرية بعد مشاهدة الفضائيات، وأن خمساً وثمانين في المائة من مشاهداتهن تتعلق بالمشاهد الجنسية والأفلام الجنسية، وأن ستاً في المائة فقط أفدن بمتابعة البرامج الثقافية والترفيهية، ولم يرد إلا صفر لمتابعة البرامج العلمية!
لست أنا ولا أنت من يقول ذلك، بل يقوله الدارسون والباحثون بالاحصاءات والاستبيانات الميدانية، وبعد ذلك يقولون لنا: إنكم تبالغون، وإنكم تهولون، وإنكم منغلقون، لماذا لا تفتحون الأجواء لتعلم الثقافة والفكر والانفتاح؟ ولست أدري أين هي الثقافة في العورات المكشوفة، والأرداف المهتزة، والكلمات المحمومة وغير ذلك؟! فأين هي الثقافة في العري والرقص والمجون والفنون المزعومة؟! إن هذه الثقافة بالفعل في جملتها تدور حول ذلك، وما هو متضمن فيها أو منفرد عنها مما يدخل في تثقيف أو علم قليل في كثير، تذهب فائدته ويُلغى أثره، ولا يبقى إلا أثر ذلك الفساد المحموم والإثارة المغرية التي وصلت في بلادنا هذه إلى ما رأيناه وقرأنا عنه في الاعتداء وسط الطرقات، وفتح أبواب السيارات، ونزع وجذب الفتيات أمام الناس في الطرقات، هل كنا نصدق أن ذلك يبلغ إليه أمرنا؟!!
تقول الاحصاءات: إن خمسة وأربعين مليوناً من البشر مصابون بالمرض أو حاملون له، وإن عشرين مليوناً من البشر قد ماتوا بسببه من قبل، وإن الأعوام الماضية تسجل زيادة يبلغ معدلها في العام ما بين ثلاثة مليون ونصف إلى أربعة مليون، وإن خمساً وتسعين في المائة من الحالات في البلدان النامية وضعوا تحتها خطوطاً حمراء، وأن كل يوم يسجل نحو ستة آلاف حالة جديدة، وقد رصدت الحالات أيضاً في بلادنا وديارنا.
أما الأسباب فإنها مباشرة في الدراسة العلمية:
الرقم الأول: الممارسات الجنسية التي يسمونها غير الآمنة، ونحن نسميها الآثمة المحرمة، وبعد ذلك يقولون: نحتاج إلى التثقيف والتوعية، ونحتاج إلى أخذ الاحتياطات الصحية! بدلاً من أن يقولوا: أوقفوا هذا الفساد والعهر والمجون، أوقفوا هذا الشذوذ الذي بلغ إلى ممارسة الفاحشة مع الحيوانات والبهائم. وهذا واقع معلن عنه، وله جمعيات ونوادٍ وعضويات وبطاقات، وهذا هو الأمر الذي نستيقنه؛ لأننا نوقن بقوله جل وعلا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً [طه:124].
إننا لم نبلغ ذلك، ونسأل الله أن لا نبلغه ولا قريباً منه، لكنني أقول: ما بلغناه اليوم كنا قبل أعوام لا نتصور أن نبلغه، فالخرق يتسع على الراقعين، بل الراقعون يحجبون عن قول كلمة الحق أو التحذير، ونحن اليوم نرى ذلك في كل ما يهيج ويدعو إلى هذا، وكأن صدى هذه الآية غائب، فأين هذه الآية: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151]؟ ليتها تكتب في كل سوق، وفي كل متجر، وفي كل معهد؛ لأننا نحتاج إلى أن نعود إلى الأخلاق، وأن نعود إلى العفة، وأن نعود إلى الطهارة، وأن نعود إلى البصر الذي يغض والأذن التي تمسك عن سماع الحرام، وغير ذلك مما هو معلوم.
خذوا -أيها القوم- ما يقوله من تتغنون بهم في الغرب، فهذه دراسة أمريكية على المرأة ربة الأسرة القابعة في بيتها التي تزعمون أنها مقيدة ومكبوتة وأنها معطلة، هذه الدراسة تقول: إنها بالتحليل العلمي تقوم بسبع عشرة وظيفة، فهي طاهية، وهناك من تعمل طاهية، وهي ممرضة؛ لأنها تمرض أبناءها، وهناك مهنة ممرضة، وهي خادمة لأنها تخدم، وهي مدبرة منزل، وتلك وظيفة، وهي كذا وكذا، حيث عدوا سبع عشرة وظيفة، وقالوا: إن عدد الساعات التي تعملها قد تصل في اليوم إلى تسع عشرة ساعة، فأعطوني امرأة تعمل في دوام تسع عشرة ساعة! وعندما قدروا المبالغ المالية قالوا: إن جملة أجرها في العام ينبغي بموجب هذا التحليل أن يصل إلى خمسمائة ألف دولار (نصف مليون دولار). فكل واحد يقرر لزوجته هذا المبلغ الآن؛ لأنها تقوم بهذه الوظائف.
ثم انظر إلى العمل التي تقوله الدراسات في بلادنا العربية، فنحو ألفين وخمسمائة امرأة عاملة في بلد عربي كبير أجريت عليهن دراسة، فقالت هذه الدراسة: إن نحو سبعين في المائة يتعرضن للمضايقات في الأعمال بسبب الاختلاط بالرجال، وإن من هذه المضايقات أربعاً وخمسين في المائة منها تأخذ أشكالاً جنسية، وسبع عشرة في المائة هي عبارة عن تحرش جنسي!
وأما في بعض الدول الخليجية فأجريت دراسة عن سبب عمل المرأة، فوجد أن خمساً وثلاثين في المائة من العينة كان سبب عملها إرادتها لتحقيق الذات؛ إذ ليس ثمة حاجة، ولكن تريد أن تقول: إني امرأة عاملة. وتريد أن لا يقال لها: إنك في البيت معطلة. أو: إنك زيادة عدد لا قيمة لك ولا فائدة، وأربع وثلاثون في المائة قلن: إنهن يعملن لشغل أوقات الفراغ، وأربع وعشرون في المائة قلن: إنهن يعملن لأجل الكسب والإعانة على مصاعب الحياة.
وعندما نأتي إلى التحليل نجد دراسات أخرى تقول لنا: إن نحو أربعين في المائة مما تحصله المرأة من أجرها ينفق على ملابسها وزينتها عند خروجها لعملها، فنحو الثلث أو أكثر قد ذهب منها في غير فائدة، وكثير من الدراسات التي أجريت على العاملات في الخليج قالت: إن نسبة أكثر من خمسة وسبعين في المائة من أولئك النساء لدى كل واحدة منهن خادمة في البيت أو أكثر لاحتياجها، فستنفق أيضاً راتباً عليها.
وقالت دراسة في اليابان: إن إجمالي ما يعود من اقتصاد المرأة على الاقتصاد العام لا يزيد عن عشرة في المائة؛ لأن المال الذي تحصله المرأة تنفقه كثيراً على أمور تخصها مباشرة، ولا يوظف فيما قد يكون من تنمية اقتصادية عامة.
وبعد ذلك لا نقول هذا، وإن كان يقوله أهل العلم والاقتصاد والتحليل والخبرة، ولا نقول: إن كل امرأة يجب أن تكون في بيتها ولا يجوز خروج امرأة للعمل، ولكنا نقول: تعمل في ميدان يناسبها، وبضوابط شرعية تحفظها، ولمدة بحسب الحاجة، حتى تعود إلى مملكتها، فهل تريدون أن تبقى المرأة عاملة حتى تبلغ الستين لتتقاعد كما يتقاعد الرجل؟! اتقوا الله.
وقد جاءت الاحصاءات بأن أكثر من ثمانين في المائة يقلن: إن العمل يشكل لهن جهداً مضاعفاً؛ لأنها ستعود إلى بيتها، وسيكون لها عمل مع أبنائها ومع أسرتها ومع شئون منزلها، ولا يكون ذلك كذلك حتى في بلاد أخرى.
تقول الاحصاءات: إن اليابانيين الرجال لا يقضون إلا عشرة في المائة من الوقت في مجال خدمات المنزل، وأما تسعون في المائة منه فهو للنساء، فلعل اليابانيين يلحقون بنا ركب المتخلفين؛ لأنهم جعلوا مهمة التربية ومهمة رعاية الأسرة للمرأة، فنحن تخلفنا لذلك، ولعلهم يلحقون بنا ويصيرون متخلفين عند أولئك الذين يقولون هذه المقالات.
ومن هنا كذلك نجد الأحاديث في مثل هذا المعنى عظيمة وكثيرة، والحديث يطول، والآية ظاهرة: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151].
نسأل الله عز وجل أن يسلم قلوبنا وأعيننا وأبصارنا من الفواحش وما يدعو إليها، وأن يطهرنا ويطهر مجتمعاتنا رجالاً ونساءً شيباً وشباناً مما يدعو إلى تلك الفواحش ويقرب إليها.
اللهم! إنا نسألك أن تصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن تصرف عنا المحن والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم! إنا نسألك أن تطهر قلوبنا، وأن تزكي نفوسنا، وأن تغض عن المحرمات أبصارنا، وأن تصم عن الآثام أسماعنا، وأن تجعلنا من عبادك المؤمنين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم! إنا نسألك أن تمكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، وأن تقمع أهل الزيغ والفساد، وأن تنشر رحمتك على العباد، وأن ترفع في الأمة علم الجهاد.
اللهم! إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم! احسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا -اللهم- من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم! استرنا ولا تفضحنا، اللهم! لا تفضحنا على رءوس الأشهاد، نسألك -اللهم- أن ترزقنا إيماناً كاملاً، ويقيناً صادقاً، وعلماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وطرفاً دامعاًًً، وتوبة قبل الموت، ومغفرة بعد الموت، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيها أهل طاعتك، ويذل فيها أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، رد -اللهم- كيدهم في نحورهم، واشغلهم بأنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، واجعل الدائرة عليهم، وأنزل -اللهم- بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم! رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين، امسح -اللهم- عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل -اللهم- لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء.
اللهم! اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتها وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم! احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، احفظ -اللهم- لها أمنها وأمانها، وسلمها وإسلامها، وسعة رزقها ورغد عيشها يا رب العالمين.
اللهم! انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم! صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر