يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قال الله عز وجل: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7].
فإياك أن تحقر أحداً، فإنك لا تعلم منازل الناس عند الله، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين -يعني: يلبس أسمالاً بالية- مدفوع بالأبواب - إذا فتحت بابك فرأيته أغلقت دونه الباب؛ لأنك استقذرته؛ ولم يملأ عينك- لو أقسم على الله لأبره) ، والذهب أنفس المعادن، ومع ذلك فعندما تستخرجه من باطن الأرض، تستحقره بعينك وتمتهنه، ولا تراه يساوي شيئاً حتى يدخل النار.
وكثير من العباد مثل الذهب، يداري أصله طمراه وثيابه، وبذاذة هيئته، فلا تحقرن عبداً.
حدثت مشاجرة بين أخته الربيع بنت النضر وبين جارة لها، فاعتدت الربيع على جارتها فكسرت ثنيتها -والثنية مقدم الأسنان- فأراد الناس أن يقتصوا من الربيع ، فأبى أنس ، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون القصاص، فأبى أنس ، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله! أتكسر ثنية الربيع ؟ لا والذي بعثك بالحق، لا تكسر أبداً). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
أما أم موسى؟ فإنها أمة من إماء الله عز وجل، شرفها الله تبارك وتعالى ورفع قدرها وأعلى كعبها مرتين: المرة الأولى: يوم ولدت موسى فاصطفاه الله عز وجل، والمرة الثانية: يوم أوحى لها وربط على قلبها، واختصها من بين نساء العالمين بذلك.
ففي قوله تبارك وتعالى: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7] كان مقتضى الأمر أن يقول: (إذا خفت عليه فأخفيه) أي: فأحرزيه بصندوق في مكان آمن، لكن أن يقال لها: إذا خفت عليه فألقيه إلى المجهول! وألقيه في البحر، وهي لا تدري أين يقذفه الموج، ولا من الذي يستلمه بيديه فأي أمن في هذا؟ فمن أعظم الفوائد التي تستفاد من هذا الموضع: أنك لا تستصعب جلاء المصيبة، ومهما جاءك من محنة ظاهرها الألم الشديد، فأمِّل في الله خيراً أن يكون تحتها الخير العميم، وهكذا كل مصيبة يحتسبها العبد لا بد أن يجد تحتها خيراً.
ففي قوله تبارك وتعالى: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7] كان مقتضى الأمر أن يقول: (إذا خفت عليه فأخفيه) أي: فأحرزيه بصندوق في مكان آمن، لكن أن يقال لها: إذا خفت عليه فألقيه إلى المجهول! وألقيه في البحر، وهي لا تدري أين يقذفه الموج، ولا من الذي يستلمه بيديه، فأي أمن في هذا؟! فمن أعظم الفوائد التي تستفاد من هذا الموضع: أنك لا تستصعب جلاء المصيبة، ومهما جاءك من محنة ظاهرها الألم الشديد، فأمِّل في الله خيراً أن يكون تحتها الخير العميم، وهكذا كل مصيبة يحتسبها العبد لا بد أن يجد تحتها خيراً.
وعندما نسوق القصة سيُعلم كيف يخرج الخير من الشر، وما هو ضابطه..
قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرجت معه، فصار السهم على عائشة رضي الله عنها فخرجت في تلك الغزوة -وهي غزوة المريسيع ، أو غزوة بني المصطلق- فلما قضوا غزوتهم ورجعوا قافلين إلى المدينة ، أرادت عائشة رضي الله عنها أن تقضي حاجتها، وكانت تركب الجمل داخل الهودج -والهودج: هو الغرفة التي كانت تزف فيه العروس قديماً أيام الحياء، فقد كانت توضع المرأة في هذا الصندوق الخشبي، ويوضع على ظهر بعير وتزف، فهذا هو الهودج-.
فأرادت السيدة عائشة وهي راكبة في هذا الهودج، أن تقضي حاجتها، فأمرت الذين يرحلون بالبعير أن يسرعوا أمام الجيش، لتقضي حاجتها، حتى إذا جاء الجيش مشوا جميعاً، فاستحثوا الذين يرحلون البعير وتقدمت، وأنزلوا هذا الهودج على الأرض وأعطوها أقفيتهم حتى تنزل، فنزلت وأوغلت في الصحراء، حتى قضت حاجتها ورجعت، وبينما هي راجعة تحسست صدرها فإذا عقد لها قد انفرط، فرجعت من نفسها؛ لأنها كانت جارية حديثة السن، ليس لها خبرة، وكان من المفترض أن تقول للذين يرحلون بها: لقد انقطع عقدي، فانتظروني. لكن لحداثة سنها تصرفت من عند نفسها.
فرجعت إلى مكان قضاء حاجتها تبحث عن عقدها، وبعد مدة قدرها الرجال الذين يصحبونها بمدة قضاء الحاجة فظنوا أنها قد جاءت ودخلت في الهودج، فحملوا الهودج يظنونها فيه، ووضعوه على البعير واستحثوه فنفر، ومضوا.
وهذا أدب ينبغي أن نتعلمه، فـعائشة رضي الله عنها تلتمس لهم العذر الذي جعلهم يحملون الهودج ولا ينتظرونها، تقول: (كانت النساء خفافاً) أي:خفاف الوزن، لم يثقلهن اللحم، فظن الناس -لخفة النساء آنذاك- أنها في الهودج، لذلك فهي تلتمس العذر لهم ولا تلومهم، ولم تقل لهم: لماذا لم تنتظروا؟ وتلقي عليهم الملام.
فمضوا وظفرت هي بعقدها، قالت: (وجئت ديارهم فلم أجد بها داعياً ولا مجيباً، فظللت مكاني، وعلمت أنهم إذا فقدوني رجعوا إلي)، وهي في صحراء شاسعة مترامية الأطراف وحدها، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه على امرأة حديثة السن وحدها في صحراء مقفرة قاحلة، قالت: (فألقى الله علي النوم فنمت).
والنوم في مواطن الفزع نعمة؛ لأن الخائف لا ينام بل يصاب بأرق، فإذا نام في موضع الخوف فالله هو الذي أمنه، كما قال عز وجل: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [الأنفال:11] وكيف ينام رجل يستعد للحرب وعدوه في مقابله؟ لكن هذا أمن من الله تعالى.
صفوان بن المعطل السلمي الصحابي كان يتأخر بطبعه، وفي بعض الروايات أنه كان نئوماً، وكان إذا نام لا يستيقظ إلا بصعوبة، حتى يأخذ راحته في النوم.
فهو عندما استراح الجيش نام، فتركوه نائماً ومضوا، وكان إذا أفاق من نومه بحث في المعسكر إذا خلف أحد شيئاً، أو نسي أحد شيئاً، فيصيب الإداوة أو يصيب القدح، ثم يذهب فيعرفه لهم، فجاء صفوان متأخراً كعادته، وكان يعرف عائشة ؛ إذ كان يراها قبل الحجاب، قالت: (فلما رآني استرجع -قال: إنا لله وإنا إليه راجعون- فاستيقظت لاسترجاعه، فخمرت وجهي بجلبابي، فوالله ما كلمني كلمة، سوى أنه أناخ بعيره فركبت عليه فاستنفره فمضى خلف الجيش، حتى أدركناهم موغلين في حر الظهيرة)، وخاض الناس في حديث الإفك.
فـعائشة رضي الله عنها خرجت مع أم مسطح لتقضي حاجتها، وكانت قريبة لها في الرحم، فقضوا حاجتهم، ثم وهم راجعون عثرت أم مسطح في مرطها، أي: تعثرت في ثوبها، فقالت: (تعس مسطح! ). تدعو على ابنها، وهذه كلمة كانت تخرج وتجري على لسان العرب، لا يقصد بها الدعاء، مثل قول النبي عليه الصلاة والسلام لـمعاذ : (ثكلتك أمك يا
فقالت أم مسطح : (تعس مسطح! ) فقالت عائشة : (فأنكرت عليها ذلك، وقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلاً شهد بدراً؟! فقالت: أي هنتاه! أولا تدرين ما يقول؟ قالت: وما يقول؟ فقصت عليها حديث الإفك، وما يخوض الناس فيه. قالت: فازددت مرضاً على مرضي، وظللت ليلتي أبكي، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، فلما أصبحت استأذنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتي أبوي، وذلك لأستوثق من الخبر، قالت: فجئت فدخلت على أمي -أم رومان - فقلت: أي أماه! ما الذي يتحدث الناس فيه؟ قالت: هوني عليك يا بنيتي، فوالله لقلما وجدت امرأة وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. فقالت عائشة : سبحان الله! أوقد تحدث الناس بذلك؟!
قالت: فبكيت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، قالت: ويريبني أني لا أجد اللطف الذي كنت أجده من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أشتكي).
فلا يريبها شيء إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام يكون شديد اللطف معها إذا مرضت، وهي الآن مريضة ثلاثين يوماً، شهر كامل، ومع ذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقول لها غير كلمتين اثنتين فقط، طوال ثلاثين يوماً، يدخل وهي مريضة طريحة الفراش، وحولها أمها وبعض النساء وأبو بكر الصديق ، فيدخل فيسلم، ثم يقول: (كيف تيكم؟) (تيكم): اسم إشارة، أي: كيف هذه؟ كيف حالها؟ هذا فقط هو ما كان يقوله طيلة شهر، وهي تستغرب أين اللطف المعتاد؟! ولا تجد سبباً، حتى وجدته بعد شهر كامل.
قبل أن يأتي الإسلام كانت هناك حروب طاحنة بين الأوس والخزرج، فمن الله عليهم بالإسلام، وصاروا إخوة متحابين، لكن بقيت بقايا في النفوس، فـسعد بن معاذ تحرز لنفسه وراعى التاريخ القديم -تاريخ العداوات والحروب- فأخرج هذه الجملة الدقيقة، قال: إن كان من الأوس ضربت عنقه، ولم يستثن ولم يتحرز؛ لأنه سيدهم، وإن كان من إخواننا من الخزرج، فقدم لفظ (الأخوة) ولم يقل: ضربت عنقه؛ لأنه خاف من حدوث فتنة، وبرغم لطافة العبارة فقد حدث الذي خاف منه.
فلم ترض هذه الكلمة سعد بن عبادة زعيم الخزرج؛ لأن أراد أن ينال شرف الدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فـسعد بن معاذ تكلم عن الأوس، فيريد هو أن يتكلم عن الخزرج ويقول أيضاً: إن كان من الخزرج ضربت عنقه، فساءه أن سعد بن معاذ يتكلم عن الخزرج وهو حي.
فلما قال سعد بن عبادة ذلك، قام له أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال: (والله إنك لمنافق وتجادل عن المنافقين)، فقاموا لبعضهم في المسجد، وثار الحيان: الأوس والخزرج، والرسول عليه الصلاة والسلام واقف على المنبر، وأخرجوا السلاح، ووقفوا لبعض ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم بيديه، فلا زال يهدئهم ويخفضهم حتى سكتوا..
كان والد إبراهيم عليه السلام كافراً، ولم يعير إبراهيم بأبيه، وكان ابن نوح وامرأته كلاهما كافر، ولم يعير نوح أبداً بكفر ابنه ولا بكفر امرأته، وكانت امرأة لوط أيضاً كافرة، ولم يعير بها لوط عليه السلام، فالزنا فيه من العار ما ليس في الكفر، ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنه: ( لم تزن امرأة نبي قط )، قال ذلك في قول الله عز وجل: فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10]، قال: ليست الخيانة خيانة عرض.
فتتهم زوجة النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا وهم أحياء!! فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وعائشة تبكي ليلها ونهارها، وأعظم شيء فت في عضدها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبرئها، بل هو متردد، وقد استلبث الوحي شهراً كاملاً لا ينزل؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، فكان عليه الصلاة والسلام يدخل البيت، ويقول: (كيف تيكم؟) ثم يخرج.
فحز ذلك جداً في نفسها، وكانت تنتظر أن يبرئها لتاريخها معه، ولا يتوقف في شأنها، بل يقول هي بريئة، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتكلم عن هوى نفسه، وهوى نفسه أن تكون امرأته بريئة، بل ينتظر الوحي حتى ينزل، فلا يتقدم بين يدي ربه، ولذلك سكت ولم يتكلم، قالت عائشة : (فلما قال ذاك قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة). فذهب هذا النهر الفياض على مدار ثلاثة أيام، لم تجد قطرة دمع واحدة في عينها.
ومن أصعب الأشياء: الانتظار، فإن الإنسان المحكوم عليه بالإعدام، وهو ينتظر الحكم، لا يأكل ولا يشرب، وجسمه ينحل؛ إذ أن أصعب شيء في حياة الإنسان انتظار نتيجة لا يدري ما هي! لكن لو عرف أنه ميت أو حي فإنه يستريح، وهكذا لو مات ابن رجل ودفنه بيده خير له من أن يضيع ويبحث عنه في المستشفيات وفي أقسام الشرطة، وفي بلاد الله، وهو لا يدري أحي ابنه أم ميت؟ بل إنه يقول: لو مات لكان خيراً لي، ولاسترحت؛ لأن الانتظار سيء للغاية.
فقد كانت عائشة رضي الله عنها تبكي باستمرار وهي لا تدري ما الذي يكون، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبدئها، بل قال لها تلك الكلمة التي زادت من ألمها وحزنها، حتى قالت: (قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة، وقلت: إنني إذا قلت لكم: إنني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقونني، وإذا قلت لكم: إنني فعلت -والله يعلم أني بريئة- لتصدقنني بذلك، فوالله ما أجد لكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18].
وجاء في بعض الروايات أنها قالت: (وتاه عني اسمه)، وأبو يوسف هو يعقوب عليه السلام، لكنها بحثت عن اسم يعقوب في ذهنها فلم تجده من الهم، والهم يضيع الملكات، ويضيع الذكاء والبديهة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سُر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، فجاء مستبشراً يضحك وهو يقول: (يا
فالرأس مع بقية المجتمع مثل السهم، فإن الرأس المدبب في مقدمة السهم إذا كسر، لا يستفاد ببقية السهم في الاختراق، فحفاظ المجتمع على رأس السهم ضرورة، ولو ضاع رأس السهم لضاع الكل خلفه، وليست هناك لنا أي مصلحة في تدمير رءوس المسلمين، بل أعداؤنا يرون في تدمير الرءوس خفة مئونة.
إذا أسيء الظن بالرأس فسدت المبادئ والقيم، ولذلك فأعداؤنا يحرصون على تشويه سمعة علمائنا، وعلماؤنا هم رءوسنا، بهم نمضي، وبغيرهم نحن ضائعون، وتعرف قيمة المجتمع بكثرة علمائه الذين يدلون على الله، لا بكثرة أطبائه ولا مهندسيه ولا فدائييه، إنما المجتمع يقاس بكثرة علمائه أو بقلتهم، بعزهم وشرفهم أو بمهانتهم.
فهذا المنافق صوب السهم إلى عائشة رضي الله عنها ليتهم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وهكذا لو أن رجلاً رأساً أشيع عنه أنه زانٍ، أو أنه مرابٍ، أو أنه فاجر، فإنه إذا صعد على المنبر وأمر الناس بتقوى الله لا يكون لكلامه رصيد، فنكون قد ضيعنا كل هذا المجتمع بفساد واحد، وصدق من قال: إذا زل العالمِ زل بزلته عالَم.
فهذه المحنة الجسيمة التي ابتلي بها المسلمون جميعاً، وابتلي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه بها، انجلت عن هذا الخير العميم، وكشف الله عز وجل بها المنافقين للناس!
ومن نعمة الله علينا أن هذا التيمم أيضاً يرفع الجنابة، كما في الصحيحين أن عمار بن ياسر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانا في سفر فأجنبا، فأما عمار فقال: فتمرغت في التراب كما تتمرغ الدابة في الأرض، يريد أن يصل التراب إلى كل جسمه، أما عمر بن الخطاب فلم يعرف الحكم فلم يصلِّ، ورجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يكفيكما ضربة للوجه والكفين) ، وهذه الضربة ترفع الجنابة وتثبت الوضوء، وليس كما يفعل بعض الناس حيث يتيمم لرفع الجنابة ثم يتيمم للوضوء.
ففي الحديث الذي ذكرته لم يذكر النبي عليه الصلاة والسلام إلا ضربة واحدة للوجه والكفين؛ ترفع بها الجنابة ويثبت الوضوء.
إنها رخصة عظيمة، لكنها ما جاءت إلا بعد محنة.
وإذا كانت المحن تأتي منها المنح، فمن المحن مصائب لا تنجلي عن خير، فما هو الفرقان بين المصيبة التي تنجلي عن خير والتي تنجلي عن شر؟
إذا وقعت بك مصيبة فأردت أن تنجلي عن خير فعليك بأمرين:
الأمر الأول: أن تسلم لله فيما قضى، وتعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا تتسخط.
الأمر الثاني: أن تحسن ظنك بالله، وأن الله عز وجل لا يقدر لك إلا الخير.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر