إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [83]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تكره إمامة الجندي وولد الزنا واللقيط والأعرابي إلا بمثلهم، ولا يشترط موافقة الإمام في النية، وعلى هذا فتصح صلاة المفترض خلف المتنفل وعكسه، والمقيم خلف المسافر، وصلاة المؤدي خلف من يقضي.

    1.   

    إمامة الجندي

    ‏بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله: [وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما، وكذا اللقيط والأعرابي حيث صلحوا لها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم )].

    الجند ليسوا على حال واحدة، ففيهم العالم وفيهم المثقف وفيهم طالب العلم، كما أن فيهم الشخص الذي لا يرتضى دينه.

    ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (إذا سلم دينهما)؛ وذلك لأن الذي لا يسلم دينه؛ لا يصلح أن يكون إماماً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس )، وهؤلاء هم الشرط الذين يعذبون الناس، فهؤلاء ظلمهم ينقص من دينهم، ويدخل فيه إمامة الفاسق.

    إذاً: أشار المؤلف إلى الجند هنا لأجل أن الغالب في مثل من لم يسلم دينه هو الفاسق، إما بظلمه للناس، وإما بعدم تعلمه وتعليمه، أو بأن يفعل المحرمات.

    وعلى المذهب: أن إمامة الفاسق لا تصح، قالوا: ولا تصح الصلاة خلف فاسق ككافر، وقلنا: إن الراجح صحة الصلاة.

    1.   

    إمامة ولد الزنا واللقيط والأعرابي

    وأما إمامة ولد الزنا: فإن إثم والديه عليهما وليس عليه، لكن هذه إشارة إلى أن الغالب أنه لا يجد من يقوم بتربيته، فعلق ذلك إذا سلم دينهما، وقد جاءت أحاديث عن النهي أن يؤم الشرطي، وهذه الأحاديث تكلم فيها أهل العلم، ولو صحت فهي الشرطي الذي إما يظلم الناس، وإما أن يكون خلل في دينه لذاته والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (وكذا اللقيط والأعرابي، حيث صلحوا لها)، الأعرابي مر معنا: أن إمامته تكره مع وجود الأولى على المذهب، مر معنا عندما قالوا: وإمامة بصير، ومختون، وحاضر على ضدهما، وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه، وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- أن الكراهة حكم شرعي، لا تثبت إلا بدليل شرعي، وقلنا: إن الأقرب هو مذهب الشافعي : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، فإذا كان الأعرابي أقرأ لكتاب الله أم الناس، ولو مع وجود حاضر، والله أعلم.

    1.   

    اختلاف نية الإمام عن المأموم

    إمامة من يصلي أداءً بمن يقضي وعكسه

    قال المؤلف رحمه الله: [وتصح إمامة من يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه].

    الحنابلة يرون أن الاختلاف نوعان: اختلاف نية، واختلاف فعل، فإذا كان اختلافاً في النية دون فعل الصلاة وحالها جاز فيها الإمامة والائتمام.

    صورتها: لو صلى مقيم بمسافر، فالنية مختلفة ومع ذلك يجوز، ولو صلى مؤدٍ للصلاة بمن يقضيها وعكسه صحت الصلاة، كمن يصلي ظهر اليوم بمن يصلي صلاة ظهر قضاءً بالأمس، فهو على المذهب: تصح الصلاة، قالوا: لأن النية لا تعد اختلافاً، إلا في ما يختلف فيه الفرض من النفل، فإمامة المتنفل بالمفترض لم تصح؛ لأجل الاختلاف، لكن الاختلاف هنا في النية ليس في درجة واحدة.

    وأما اختلاف النية فيما إذا كان في درجة واحدة، فلا يرون فيه بأساً، وأما مع اختلاف النية إذا لم يكن في درجة واحدة فإنه يمنع، كإمامة الصبي بالبالغ، وإمامة المتنفل بالمفترض، فهم يمنعونها، وهذا هو مذهب الشافعي ، ولكن الشافعية أوسع من الحنابلة، فهم يرون جواز الاختلاف عليه لا جواز الاختلاف عنه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فلا تختلفوا عليه )، فالاختلاف عليه غير الاختلاف عنه، لأن الاختلاف عليه المقصود به الاختلاف عليه في الأفعال، أما الاختلاف عنه، فهذا اختلاف في النية، أو اختلاف في نوع الصلاة، وغير ذلك، فلو اختلف شخصان أحدهما يصلي الظهر والآخر يصلي العصر فهذا جائز عند الشافعي ، بشرط عدم الاختلاف عليه، بأن تكون الصلاتان حالهما واحد، فيصححونها.

    ولهذا قالوا: لو صلى مسافر خلف من يصلي المغرب، فالمسافر يصلي العشاء ركعتين، وعلى مذهب الشافعي يجب عليه أن يصلي أربعاً؛ لأجل عدم الاختلاف عليه، وأما جمهور الفقهاء الذين وافقوا الحنابلة وهم الحنفية والمالكية، فقالوا: بأن الاختلاف عنه ممنوع؛ لأن هذا نوع من الاختلاف فيمنع، إلا أن الحنابلة قالوا: إن الاختلاف في النية في مرتبة واحدة؛ لا بأس به، وخالفوا في ذلك الحنفية والمالكية.

    والحنابلة يقولون: إن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فلا تختلفوا عليه ) ليس داخلاً في اختلاف النية إذا كان مرتبتهما واحدة، وأما إذا اختلفت مرتبتهما؛ فهو اختلاف عليه.

    قال المؤلف رحمه الله: [لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت]، فهو يصلي ظهراً، وهذا يصلي ظهراً، فاختلاف نية الأداء بالقضاء كاختلاف نية المسافر بالمقيم، وليس لها أثر إذا كانت الصلاة واحدة على مذهب الحنابلة.

    يقول الحنابلة للحنفية والمالكية: فكما أنكم تجوزون أن يصلي مسافر بمقيم مع اختلافهما في النية، فكذلك إمامة المؤدي بالمقضي، وأرى أن قول الحنابلة أقعد من قول الحنفية والمالكية، ولكن دليل الشافعية أقوى من مذهب الجمهور، ولأجل هذا: فإن الشافعية يرون أوسع من ذلك، فيقولون: إن الاختلاف المقصود به هو الاختلاف في الأفعال، وأن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فلا تختلفوا عليه ) غير قوله: فلا تختلفوا عنه، وهذا اختيار ابن تيمية رحمه الله وهي رواية عند الإمام أحمد : أن الصحيح أنه يجوز الاختلاف عنه، فيصح إمامة المفترض بالمتنفل، وإمامة الصبي بالبالغ وبمن يقضيها بمن يؤديها مطلقاً.

    قال المؤلف رحمه الله: [وكذا لو قضى ظهر يوم خلف ظهر يوم آخر]، قصد المؤلف من يقضي الصلاة بمن يؤديها، وذكر هذا من باب المثال.

    إمامة المفترض بالمتنفل والعكس

    قال المؤلف رحمه الله: [لا ائتمام مفترض بمتنفل لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه )، ويصح النفل خلف الفرض].

    الحنابلة يقولون: إمامة المتنفل بالمفترض لا تصح، قالوا: لأن هذا يعد اختلافاً عليه، فاختلاف النية في مرتبة مختلفة كالاختلاف في الأفعال، وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( فلا تختلفوا عليه ).

    فإن قيل لهم: ما تقولون في إمامة عمرو بن سلمة الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وليؤمكم أكثركم قرآناً، قال: فنظروا فلم يجدوا أكثر قرآناً مني، فأممتهم وأنا ابن ست أو ابن سبع سنين )، ما تقولون في هذا الحديث؟

    قالوا: إن إمامنا لا يرى صحة هذا الحديث، فقد روى الأثرم : أن أحمد حينما سئل عن هذا؟ بدأ ينفض يده ويقول: أيش هذا؟ أيش هذا؟ فكأن الإمام أحمد ضعف حديث عمرو بن سلمة ، واعلم أن هذا الحديث مما انتقد فيه على الإمام البخاري ، وهو من ضمن الاثنين وأربعين حديثاً التي تكلم فيها الحفاظ، ومن المعلوم أن صحيح البخاري أحاديثه صحيحة إلا أحرف يسيرة، وهي نيف وأربعون حديثاً، وما عداه فهو مجمع عليه، كما قال ذلك ابن الصلاح و العراقي و ابن رجب و ابن حجر و السيوطي .

    لكن الذي يظهر أن قول الشافعية أقعد؛ وذلك لما روى البخاري و مسلم من حديث جابر بن عبد الله ( أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يأتي قومه فيؤمهم )، وقالوا في هذا الحديث: ليس فيه ما يدل على أن معاذاً صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بنية الفرض، فجائز أن يكون معاذ صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بنية النفل، وصلاته مع قومه بنية الفرض.

    وقالوا: ونحن لا نرى بأساً بأن يؤم المفترض المتنفل، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر : ( صل الصلاة في وقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة )، فالحنابلة قالوا: إن صلاة معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم نفل، وصلاته مع قومه فرض، ولا شك أن هذا يسميه العلماء تحكماً، وهو الاستدلال في محل النزاع والله أعلم.

    ومما يدل على ذلك أيضاً: عموم حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (ويصح النفل خلف الفرض) يعني: أنه لا بأس باختلاف النية إذا كان صاحب الفرض أقوى، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر الذي رواه مسلم : ( كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل تكن لك نافلة )، وهذا هو مذهب الحنابلة ومذهب جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك الشافعي وهو رواية عند الإمام أحمد حققها ورجحها أبو العباس بن تيمية وهو صحة الصلاة، وهذا هو الراجح.

    إمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العصر

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يصح ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرهما].

    لأنه فرض يختلف عن فرض، فصارت النية مختلفة إذ لم تكن في درجة واحدة، كاختلاف الأفعال والله أعلم، هذا مذهب الحنابلة، والراجح -والله أعلم- جواز ذلك، وهو مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد اختارها ابن تيمية .

    لكن الشافعي يشترط في اختلاف نية الفرض مع الفرض بأن يكون فعل الإمام وفعل المأموم واحداً، وإذا اختلف الفعل فلا يصح، فهو يرى أن المسافر الذي يؤدي العشاء خلف من يؤدي المغرب؛ يجب عليه الإتمام، ولهذا قالوا: ويجب إتمام مسافر يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب قولاً واحداً، وبعض مشايخنا نسب إلى الشافعية أنهم يقولون بذلك، وهذا خطأ، فالشافعية لا يقولون بذلك، بل قالوا في مسألة غير هذه وهي: مسألة من يصلي الفجر خلف من يصلي الظهر، هنا اختلف قول الشافعي على قولين، وأما صلاة العشاء مع المغرب فلا اختلاف؛ لأن المغرب تامة حضراً وسفراً والله أعلم، وهذه المسألة من الإشكالات، وذلك لأننا لو قلنا: يقصر، فهل يؤدي ذلك اختلافاً؟ قلنا: لا يؤدي إلى اختلاف؛ لأن الصحابة في صلاة الخوف صلوا ركعتين وانتظروا النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ركعتين ركعتين، فدل على جواز ذلك، وهذا يدل على أن القول بالقصر قوي، لكني أقول: الأولى هو الإتمام خروجاً من الخلاف؛ لأنني إذا قلت بالإتمام وافقت إماماً، وأما إذا لم أقل بذلك، فلن أجد أحداً يقول بهذا إلا على قول ابن حزم الذي يقول: يجب القصر أبداً، ولكن لو أتم جاز.

    ولهذا شيخنا عبد العزيز بن باز عندما سألته عن هذا أشكلت عليه، فلم يجب، ثم حضرنا درس الفجر جزاه الله خيراً، ثم بعد ذلك ونحن نسير من المسجد إلى السيارة قال: الأحوط الإتمام، لأجل أن يخرج الإنسان من عهدة الطلب بمأمن والله أعلم، لكن لو جاءنا شخص وقد قصر، لا نلزمه بالإعادة.

    إمامة المتنفل بمن يصلي الجمعة

    قال المؤلف رحمه الله: [ولو جمعة في غير المسبوق إذا أدرك دون الركعة].

    يعني أنه لا يصح إمامة متنفل بمن يصلي الجمعة، مثاله: لو أن شخصاً مريضاً صلى الجمعة في بيته ظهراً، ثم تحامل على نفسه وحضر الخطبة فأمهم، قالوا: لا يصح أن يؤمهم؛ لأنه قد صلاها ظهراً، وهو الآن متنفل فلا يصح إلا في صورة واحدة، وهي فيمن جاء والإمام قد رفع رأسه من الركعة الثانية، في صلاة العصر، فدخل مع الإمام بنية الظهر، فهنا قالت الحنابلة: لا يصح إمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العصر إلا في هذه الصورة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة: ( فصلوها ولا تعدوها شيئاً )، والحديث في سنده ضعف.

    لكن الشاهد: أنه يجوز أن يصلي عند عامة أهل العلم، بل حكي الإجماع، ولكن الخلاف هل يصلي ركعتين أم يصلي أربعاً إذا لم يدرك الإمام في الركعة الثانية؟ فإجماعهم على صحة الصلاة جعلت الحنابلة يستثنون، والأولى أن يكون دليلاً للشافعية وليس مستثنى، أو دليلاً على الحنابلة وليس بمستثنى والله أعلم.

    نقف عند هذا، وصلى الله على نبينا محمد. وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755779071