إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [42]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا رفع المصلي رأسه من ركوعه فهو مخير بين وضع يديه على صدره وعدمه، ثم يقول إن كان إماماً أو منفرداً: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وإن كان مأموماً فيقول: ربنا ولك الحمد، ثم يسجد دون أن يرفع يديه، ويكون نزوله بركبتيه ثم يديه، ويسجد على جبهته وأنفه مباشرة من غير حائل إن أمكن.

    1.   

    تابع الرفع من الركوع

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    الذكر الوارد في الرفع من الركوع

    قال المؤلف رحمه الله: [ويقولان بعد قيامهما واعتدالهما: ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أي: حمداً لو كان أجساما لملأ ذلك، وله قول: اللهم ربنا ولك الحمد، وبلا واو أفضل عكس ربنا لك الحمد، ويقول مأموم في رفعه: ربنا ولك الحمد فقط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، متفق عليه، من حديث أبي هريرة].

    قول المؤلف رحمه الله: (ويقولان بعد قيامهما)، يعني بذلك الإمام والمنفرد؛ لأنه قال: (قائلا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده، ويقولان)، يعني: الذي هو الإمام والمنفرد. يقولان بعد قوله: سمع الله لمن حمده: (ربنا ولك الحمد، ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)، وهذا نوع من أنواع الذكر، ومن المعلوم أن بعد الرفع من الركوع وردت روايات على أربعة أنواع:

    النوع الأول: قول: (ربنا لك الحمد) بلا واو.

    النوع الثاني: (ربنا ولك الحمد) بالواو، كما أشار المؤلف إلى أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ربنا ولك الحمد).

    النوع الثالث: يقول: اللهم ربنا لك الحمد، بزيادة اللهم وبحذف الواو.

    النوع الرابع: أن يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، هذه أربع روايات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية وتبعه ابن القيم أنه لم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع اللهم والواو، اللهم ربنا ولك الحمد، يقول: لا يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والواقع أن الحديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

    وقول: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، جاءت في أحاديث منها حديث ابن عباس ومنها حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم ، ومنها حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم ، وغيرها من الأحاديث.

    وقول: (ملء السماء وملء الأرض)، جاء في رواية أبي سعيد عند مسلم ، وكذلك حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم : (ملء السماوات)، بجمع السماء، (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)، والمؤلف رحمه الله فسر معنى (ملء السماوات)، قال: (أي حمداً لو كان أجساماً لملأ ذلك)، ومن المعلوم أن الحمد وصف ليس قائماً بنفسه، يسميها العلماء إضافة غير قائمة بنفسها إذا أُضيفت إلى الله سبحانه وتعالى، أو وصف غير قائم بنفسه ويسميه علماء الكلام: ليس بجوهر، فهو يقول: إن هذا الحمد (لو كان أجساماً لملأ ذلك)، وبعض العلماء يرى أن هذا من التأويل، والصحيح أنه على ظاهره وهو أنه حمد يملأ السماوات والأرض، وهذا ذكره بعض العلماء.

    وعلى كل فالمعروف من الحديث واضح وهو أنك تُثني على الله سبحانه وتعالى وتحمده حمداً يملأ السماوات والأرض، وهذا مثل ما تقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، بالعدد، فالعدد معدود، فسواء عددته بالعدد أو بالحجم، فليس هذا تأويلاً إذا قلت: حمداً لو كان أجساماً؛ لأنك تشير إلى المعدود وإلى الحجم، ولست تشير إلى الحمد نفسه، تقول: الحمد لله عدد خلقه، أليس كذلك؟ تقول: سبحان الله عدد خلقه، الآن أنت قلت: سبحان الله عدد خلقه، كم عدد خلقه؟ لا أحد يحصيهم، فكأنك تقول: سبحان الله عدد خلقه، أو تقول: زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، الآن سبحان الله عدد خلقه، جعلت سبحان الله بالمعدود، وسبحان الله زنة عرشه جعلته بالوزن، أو تقول: الحمد لله ملء السماوات، هذا بالحجم، تقول: الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض، يعني: أنا أحمد الله سبحانه وتعالى حمداً لا ينقطع، أو حمداً ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، حتى إذا كان يوم القيامة أُثيب العبد بعدد هذا الحجم، نسأل الله أن يرزقنا من واسع فضله.

    واعلم أن مثل هذه الصيغ توقيفية لا يسوغ لأحد أن يقيس عليها إلا ما ورد فلا تقل: لا إله إلا الله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد؛ لأن هذه الصيغ توقيفية فلا تقال إلا بما ورد، ولا يصح بدل سبحان الله عدد خلقه أن تقول: الحمد لله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه؛ لأن الوارد إنما هو سبحان الله أو سبحان الله وبحمده. كذلك ملء السماوات تقول: اللهم ربنا لك الحمد أو ربنا لك الحمد ملء السماوات، فلا تقول: لا إله إلا الله ملء السماوات وملء الأرض؛ لأن هذه الصيغ إنما هي توقيفية، والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (وله قول: اللهم ربنا ولك الحمد، وبلا واو أفضل)، يعني: اللهم ربنا لك الحمد، (عكس ربنا لك الحمد) فبوجود الواو أفضل، والمؤلف ذكر هذا بناءً على كلام ابن القيم رحمه الله في التفصيل بين الربوبية والتحميد، وأخذوا هذا وجهاً في اللغة، والذي يظهر والله أعلم ورود ذلك على الصيغ الأربع.

    قول سمع الله لمن حمده في حق الإمام والمأموم

    قال المؤلف رحمه الله: (ويقول مأموم في رفعه ربنا ولك الحمد)، يعني: أن المأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، فهذا يدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، والإمام يقولها، لقول أبي هريرة كما في الصحيح قال: (ثم قال: سمع الله لمن حمده حينما رفع صلبه من الركعة، ثم قال وهو قائم: ربنا ولك الحمد)، فهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: سمع الله لمن حمده وقال: ربنا ولك الحمد، والمأموم لم يقل: سمع الله لمن حمده وقال: ربنا ولك الحمد، وإذا قال المأموم ربنا ولك الحمد، فإنك تقول مثل هذا القول أو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه موطن حمد لله سبحانه وتعالى.

    واعلم أن الأذكار الواردة في الركوع كما قلنا سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وكذلك تقول: (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، وهذا رواه مسلم في صحيحه بهذه الزيادة، وغيره.

    وأيضاً تقول: ( اللهم طهرني من خطاياي بالثلج والبرد، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ )، وهذه الزيادة رواها مسلم في صحيحه، ولكن اختلف في هذه الرواية فالحديث مداره على عبد الله بن أبي أوفى واخُتلف عليه فرواه عبيد بن الحسن عن عبد الله بن أبي أوفى بلفظ (كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)، وهذا يرويه الأعمش عن عبيد , وتابعه شعبة فرواه عن عبيد بلفظ: كان يدعو بهذا الدعاء، بلا ذكر: إذا رفع رأسه من الركعة، كان يدعو هذا الدعاء فقط، وجاء من طريق آخر ليس من طريق عبيد بن الحسن، ولكن من طريق شعبة عن مجزأة بن زاهر عن عبد الله بن أبي أوفى : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من بعد، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الوسخ).

    إذاً هذه الزيادة لم تذكر أنها بعد الركوع، و مسلم إنما ذكر هذا في باب الركوع قال: باب الدعاء بعد الركوع، ثم ذكر هذه الزيادة، والواقع أنه وإن لم تُذكر بعد الركوع لكن هو الظاهر، لماذا؟ لأنه قال: (اللهم ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض)، أليس كذلك؟! وهذا الدعاء إنما قاله عليه الصلاة والسلام بعد الركوع أو بعد الرفع من الركوع، هذه من باب الفائدة.

    كذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كما عند البخاري : (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركا ًفيه)، والناس يزيدون طيباً طاهراً، ولا يُحفظ لا بإسناد صحيح ولا ضعيف زيادة طاهراً، إنما هي من قول العامة.

    وجاء أيضاً حديث حذيفة عند الإمام أحمد رحمه الله، و أبي داود و النسائي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد الرفع من الركوع: لربي الحمد، لربي الحمد، لربي الحمد)، وهذا الحديث صححه الألباني ، والحديث فيه بعض الشيء، والله أعلم.

    يقول المؤلف: أن تقول: ملء السماوات، وبعض العلماء يرى أنك لا تقول إلا: ربنا ولك الحمد فقط، والأقرب أنك لا بأس أن تزيد ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو المذهب، والله أعلم.

    وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع

    قال المؤلف رحمه الله: [وإذا رفع المصلي من الركوع فإن شاء وضع يمينه على شماله أو أرسلهما].

    قول المؤلف رحمه الله: فإذا رفع المصلي فإن شاء يضع يده اليمنى على كفه اليسرى أو أرسلهما، جعل المؤلف هنا التخيير، وهذا هو المذهب، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله قال: أرجو أن لا يُضيق ذلك، يعني: أن المسألة ليس فيها نص، وقاعدة أحمد رحمه الله أنه إذا لم يرد نص في هذا والأحاديث تحتمل خفف فيها، مرة فعل ومرة ترك، وهذا هو المذهب، وجزم أبو يعلى من الحنابلة أنه يضع يده اليمنى على كفه اليسرى، وهو ظاهر قول ابن حزم ، واستحبه بعض علماء الحنفية كما ذكر ذلك الكاساني في بدائع الصنائع وقال: إنه يُستحب في كل قيام فيه قرار.

    ومما يشهد لهذا أنه يضع يده اليمنى على كفه اليسرى، حديث رواه النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن موسى بن عمير العنبري و قيس بن سليم العنبري ، كلاهما عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله)، وقلنا: إن هذه الرواية جاءت مختصرة بلفظ قبض، وإلا فإن النسائي بوب باب الوضع، ولعلها من باب التجوز، لكن الشاهد أنه إذا كان قائماً في الصلاة قبض، فهذا يصدق عليه قائماً بعد الركوع أو قبل الركوع، وكذلك يشهد لذلك حديث سهل بن سعد الساعدي أنه قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل وهو في الصلاة يده اليمنى على ذراعه اليسرى)، والصلاة والقيام.

    1.   

    السجود

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يرفع يديه].

    رفع اليدين عند التكبير للسجود

    روي عن علي رضي الله عنه: أنه إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه، قال: ولا يرفع يديه بشيء من صلاته وهو قاعد، وهذا يقول العلماء قاعدة: أن نفي العلم ليس عدماً، والصحيح كما قال ابن تيمية أن نفي العلم مع العلم ليس عدماً، ولهذا دائماً يقول: المُثبت مقدم على النافي، فبعضهم يقول جاءنا حديث ميمون المكي أنه ( رأى عبد الله بن الزبير يشير حين يقوم وحين يركع وحين يسجد وحين ينهض للقيام، فذكروا ذلك لـابن عباس رضي الله عنه، فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بـعبد الله بن الزبير )، هذا الحديث تكلم فيه العلماء، والذي يظهر والله أعلم أن الصحابة دائماً يقولون هذا لا يقصدون أفعال عبد الله بن الزبير بأكثر من خشوع ابن الزبير ، فكان رضي الله عنه كأنه خشبةً معروضةً في المسجد، وكان كثير التبتل والقيام والركوع، فهذا الذي أشار إليه ابن عباس لم يقصد أفعال ابن الزبير إن صح الحديث، والحديث لا يصح، وكذلك حديث وائل بن حجر أنه أشار إلى أنه رفع يديه في السجود، والصحيح والله أعلم أن أحاديث النفي أصح وأثبت، وأن هذه الأحاديث لا تنهض للاحتجاج بها، هذا الذي يظهر والله أعلم، وعلى هذا فنفي العالم أو الراوي الشيء عن علم هو علم، ولا يقال المُثبت مقدم على النافي؛ لأن النافي إذا كان عن علم فهو مقدم، والله أعلم.

    ما يكون النزول به أولاً عند السجود

    قال المؤلف رحمه الله: (ساجداً على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه)، أشار المؤلف إلى أنه يُقدم الركبة قبل اليدين، وهذه مسألة صار لها قبل سنين مد وجزر وصولة وجولة، والمسألة كما قال أبو العباس بن تيمية : واتفق الفقهاء على أن الخلاف إنما هو في الأفضلية، وجائز أن يقدم ركبتيه قبل يديه، أو يديه قبل ركبتيه، ولكن الخلاف في الأفضلية، إذا ثبت هذا فما هو الأفضل؟

    الذي يظهر والله أعلم أن الأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه؛ لأمور:

    الأمر الأول: أن ذلك صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى الطحاوي من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال: حدثنا إبراهيم النخعي يقول:حدثنا أصحاب عبد الله بن مسعود ، علقمة و الأسود أنهما قالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه، وهذا إسناد صحيح كما أشار إلى ذلك الطحاوي .

    الأمر الثاني: ومما يدل على ذلك ما رواه عبد الجبار بن وائل عن أبيه وائل بن حجر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقدم ركبتيه قبل يديه)، وهذا الحديث مُرسل ولكنه مُرسل يُحتج به إذا عضده فعل الصحابي.

    الأمر الثالث: وأن الحديث الذي يرويه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)، هذا حديث ضعيف؛ وذلك لأن عبد العزيز بن محمد الدراوردي تفرد بالرواية عن محمد بن عبد الله بن الحسن الهاشمي ولا يُعرف سماع عبد العزيز من محمد ، ولا يُعرف سماع محمد من أبي الزناد كما أشار إلى ذلك الإمام البخاري في التاريخ الكبير.

    كذلك تكلم العلماء في محمد بن عبد الله بن الحسن فبعضهم وثقه وبعضهم قال ليس بالقوي، والذي يظهر والله أعلم أن أبا الزناد يروي عنه خلق كثير فيبعد أن يكون محمد بن عبد الله بن الحسن الذي ليس مشهوراً بالحديث يتفرد بهذا الحديث الذي يتناقله الناس ويرويه عن أبي الزناد ، و أبو الزناد له تلاميذ كثُر فهذا يدل على أن الحديث ليس له أصل، وعلى هذا فقد ضعف البخاري رحمه الله هذا الحديث، وكذلك حمزة و الخطابي و ابن رجب و ابن القيم .

    وقد ذكر ابن القيم أن الحديث الصحيح أنه قلبٌ على الراوي، والأقرب والله أعلم أن الحديث ضعيف، ولا يصح في الباب حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حسن، وأما ما روي عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، فالصحيح أن الحديث ضعيف، أو يكون ابن عمر إنما فعله حال الكِبر كما أشار إلى ابنه في ذلك، ورواه أبو بكر السرقسطي ، و الألباني رحمه الله ذكر هذا عن ابن عمر قال: وقد رواه إسحاق بن راهويه ولم يُشر أحد إلى ذلك، وهذا الحديث فيه ضعف؛ وذلك لأن أبا بكر السرقسطي في غريب الحديث رواه عن ابن عمر أنه قال: إن اليدين تسجدان كما تسجد الجبهة، هذه الرواية المعروفة عن ابن عمر ، والله أعلم.

    على كلٍ ليس هناك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم اليدين قبل الركبتين، ولكن الصحيح أنه يقدم الركبتين، وهذا أولى، وليس المقصود بالخرور أن يسقط سقوطاً غير لائق بحال الصلاة، بل المقصود أن ينزل شيئاً فشيئاً، هذا هو السنة والله تبارك وتعالى أعلم.

    كف الثوب أو الشعر عند النزول للسجود

    قال المؤلف رحمه الله: (ثم يديه ثم جبهته مع أنفه؛ لقول ابن عباس : (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم ولا يكف شعراً ولا ثوبا) )، أي: لا يجمع شعره ولا يجمع ثوبه مثلما يفعله بعض الإخوة إذا أراد أن يسجد تجده يأخذ بثوبه ويجمعه في كفيه ثم يسجد وهذا خلاف السنة، بل يجب عليه أو يُستحب له أن يجعل ثوبه يسقط على الأرض لكي يؤجر على ذلك بإذن الله، إلا إذا كان لبس الثوب على هيئة معينة مثل المشلح فإنك لو لم تجمع أطرافه لربما كان في ذلك أذية عليك وأذية على من عن يمينك وشمالك، فهذا الثوب إذا كانت هيئته بهذه الطريقة فلا حرج أن يجمعه، ومما يُستدل به على ذلك العمامة، فإن العمامة تكف أليس كذلك؟ ولكن هذه لبسها على طريقتها، وهل يصنع الإنسان ذلك في غترته بأن يرفعها، أم يسدلها؟ بعض مشايخنا كالشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنك تسدلها، وشيخنا محمد بن عثيمين يرى أنك إن رفعتها قبل الصلاة فلا حرج تكون في حكم العمامة، وإن صليت ولم ترفع فلا ترفع بعد ذلك، وهذا واضح ويظهر والله أعلم أنها في حكم العمامة؛ فالعمامة لها ذؤابة فلو أبعدت الذُؤابة لا حرج في ذلك إن شاء الله، وإن كان الأولى أن يسقط شيء من ثيابك على الأرض كي تؤجر بإذن الله سبحانه وتعالى، ومسألة الأجر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن بعض أهل العلم أشار إلى هذه الحكمة، وأما الشعر المعقوص المربوط فقد قال ابن عباس : إنما مثل هذا مثل من يصلي وهو مكتوف، كما في صحيح مسلم .

    ومن الأخطاء ما يفعله بعض العامة في كف الثياب التي نحن نسميها الأكمام، أو يجمع الثوب ثم يضع فيه حبلا فكل هذا من الكف المكروه كما أشار إلى ذلك ابن قدامة رحمه الله في الكافي وغيره من كتبه.

    السجود على الأنف

    المؤلف أشار إلى الأنف قال: (ولـالدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: (لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض) )، هذه رواية عكرمة عن ابن عباس يرويها شعبة و سفيان ، والحديث لو كان سفيان و شعبة روياه لهان الخطب لكن الراوي عنهما رجل يقال له أبو قتيبة لا يُفرح به، وعلى هذا فالصحيح أن هذه الرواية مرسلة عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالحديث ضعيف.

    وقد اختلف العلماء في حكم وضع الأنف في السجود فنقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يُجزئ وضع الأنف فقط، يعني: أن تضع الأنف دون الجبهة وهذا واضح؛ وذلك لأن السجود إنما يكون على الجبهة، وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أنفه دليل على أن الأنف من ضمن الوجه في سجود الوجه والجبهة، فإن اقتصر على الجبهة أجزأ على القول الراجح والله أعلم خلافاً للحنابلة؛ فإن الحنابلة أوجبوا السجود على الأنف، والراجح والله أعلم أن السجود على الأنف مُكمل ولا ينبغي للإنسان أن يدعه لكنه لو فعل أجرأ بإذن الله؛ لحديث ابن عباس الذي هو في البخاري و مسلم .

    وعلى هذا فالجبهة هي الأصل والأنف تكملة لذلك، كما في مسح الأذنين، لو مسح الرأس بلا مسح الأذنين أساء ولكن وضوءه صحيح؛ لأن الأذنين من الرأس.

    السجود على حائل

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا تجب مباشرة المصلي بشيء منها].

    وقول المؤلف: (ولا تجب مباشرة المصلي بشيء منها) يعني: لا يجب أن يصلي ويباشر بجلده الأرض؛ لأنه يجوز أن يصلي بالخفاف والجوارب بالإجماع، وكذلك الركبتان فإنه يسجد وقد سترهما بالسراويل أو بالإزار، وكذلك اليدان والجبهة، أما الجبهة فقد أشار الإمام الشافعي إلى وجوب أن يسجد بلا حائل في جبهته، يعني: إذا أراد أن يسجد يجب عليه عند الإمام الشافعي أن يرفع، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن السجود على طرف العمامة أو على القلنسوة أو على الثوب المتصل به مكروه إلا لحاجة. واعلم أن السجود على حائل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: السجود على حائل عن الأرض غير متصل بالمصلي فهذا جائز؛ لأن (النبي صلى الله عليه وسلم سجد على الخُمرة)، فعلى هذا فالسجود على السجاد لا بأس بذلك وإن كان بعض أهل العلم كما نقل ذلك ابن أبي شيبة استحب أن يسجد على الأرض، ولكن الراجح جواز ذلك.

    القسم الثاني: أن يسجد على أحد أعضاء السجود مثل أن يسجد على كفيه فهذا لا يجزئ، لقول عامة أهل العلم؛ لأنه لم يسجد على الجبهة؛ لأن اليدين والرجلين والركبتين والجبهة السجود عليهن ركن، فإذا سجد ويداه على جبهته لم يكن قد فعل الركن.

    القسم الثالث: أن يسجد على حائل متصل به في صلاته، مثل أن يسجد على أكمامه لمن كان كمه طويلاً، أو يسجد على طرف ثوبه أو غترته فهذا مكروه، أو يسجد على طاقيته أو قلنسوته فهذا مكروه إلا لحاجة لحديث أنس عند البخاري قال: (وكنا إذا كان حر فلم يستطع أحدنا أن يضع جبهته سجد على أكمامه)، أو كما قال رضي الله عنه، وهذه ثلاثة أقسام خلافاً لـالشافعي رحمه الله.

    قال المؤلف رحمه الله: [فتصح ولو سجد مع حائل بين الأعضاء ومصلاه، قال البخاري في صحيحه: قال الحسن : كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة إذا كان الحائل ليس من أعضاء سجوده]، هذا القسم الثاني إذا كان الحائل من أعضاء سجوده، فإن جعل بعض أعضاء السجود فوق بعض كما لو وضع يديه على فخذيه أو جبهته على يديه لم يُجزئ؛ لأنه لم يسجد على الركن.

    ترك مباشرة الجبهة للأرض حال السجود

    قال المؤلف رحمه الله: [ويكره ترك مباشرتها بلا عذر]، هذا هو المذهب كما قلنا، وهو مذهب مالك و أبي حنيفة ، وأما الشافعي فيوجب ذلك، ولهذا أشار أبو العباس بن تيمية إلى أن الأحاديث والآثار تدل على أنهم في حال الاختيار كانوا يباشرون الأرض بالجباه وعند الحاجة كالحر لا حرج في ذلك، يقول أنس : (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه)، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يسجد على ثوبه إلا إذا كان هناك حساسية أو لمعنى من المعاني أو رائحة الأرض ليست طيبة فلا حرج، لكن سجوده على الأرض أفضل، وإذا اضطر إلى أن يخلع غترته ويسجد عليها فلا يجعلها متصلةً به، هذا هو السنة، والله تبارك وتعالى أعلم.

    السجود على بعض العضو كطرف الجبهة أو أطراف الأصابع

    قال المؤلف رحمه الله: [ويجزئ بعض كل عضو، وإن جعل ظهور كفيه أو قدميه على الأرض، أو سجد على أطراف أصابع يديه فظاهر الخبر أنه يجزئه].

    قول المؤلف: (ويجزئ بعض كل عضو)، يعني: المقصود من ذلك أنه لو سجد على أطراف أصابعه أجزأه ذلك، ولو سجد على أطراف جبهته أجزأه ذلك؛ لأن المقصود هو ذكر ما يصدق عليه أنه جزء من اليدين أو من الجبهتين أو غير ذلك؛ لأن هذه قاعدة الواجب: الشارع إذا أمر بأمر أجزأ منه ما يصدق عليه فعل الواجب.

    وقول المؤلف: (وإن جعل ظهور كفيه أو قدميه على الأرض، أو سجد على أطراف أصابع يديه فظاهر الخبر أنه يجزئه، ذكره في الشرح)، هذا واضح؛ لأنه سجد على يديه، وأما قول ابن حامد : لا بد أن يستغرق اليدين، هذا مثل ما يفعله بعض الإخوة حينما يسجد يجمع أصابعه، أو يسجد على أطراف أصابعه ولا يمكن راحته في الأرض، وهذا كثير من بعض الإخوة هداهم الله، لذلك بعض أهل العلم لا يرى أنه يجزئ كما هو قول ابن حامد عند الحنابلة، والصحيح الإجزاء ولكن لا ينبغي له أن يصنع ذلك خاصة الذي يسجد على الأصابع.

    العجز عن السجود على الجبهة لعذر أو مرض

    قال المؤلف رحمه الله: [ومن عجز بالجبهة لم يلزمه بغيرها ويومىء ما يمكنه].

    يقول: إذا لم يستطع أن يسجد على الجبهة كمن به حروق فلا شيء بدله، يعني لا يسجد على طرف رأسه، أو على الرأس؛ لأن هذا لا يجزئ ولا يلزمه، لكنه يومئ إيماءً؛ لأن هذا ليس له بدل، والبدل فقط هو الإيماء، فعليه أن يومئ ما أمكنه.

    لعلنا نقف عند هذا، والله تبارك وتعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767460916