إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [21]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرم الله سبحانه الذهب على الذكور وأباحه للنساء، وأباح لهم الفضة، وحرم عليهم لبس الحرير وأحله للنساء، غير أنه سبحانه وتعالى قد أباحه لهم عند الضرورة والحاجة رحمة بهذه الأمة.

    1.   

    الأمور المؤثرة في تغير الأحكام الشرعية بتغير الزمان والمكان وعلاقة ذلك بالتصوير

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فقد تكلمنا سابقاً عن أقسام التصوير، وذكرنا أدلة كل قسم، وكان حظنا من القراءة قليلاً بسبب التفصيل الذي ذكرناه؛ لأهمية الباب، ويُظن أن باب التصوير اعتراه ما اعترى التطوير أو التنوير كما يقولون في بعض المسلمات، مع أن الواقع هو أن التصوير لم يعن عناية تامة في السابق بحثاً وتفصيلاً ليس إلا، وإلا فإن الأحكام الشرعية لا يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان إلا إذا كانت متعلقة بثلاثة أمور: إن كانت متعلقة بالعُرف فإنها تتغير بتغير الزمان والمكان، أو كانت متعلقة بالمصلحة، فالمصلحة تختلف من بلد إلى بلد، ومن زمان إلى زمان أو كانت متعلقة بسد الذرائع، وسد الذرائع تختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان وهذه ثلاثة أشياء يتغير الحكم إذا كان بسببها بتغير الزمان والمكان، والأشخاص والأحوال، أما الأحكام الشرعية التي ثبتت بالكتاب والسنة، أو ثبتت بالقياس الصحيح أو بالإجماع فإنها لا يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان.

    1.   

    استعمال الذكر للمنسوج والمموه بالذهب والفضة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحرم على الذكر استعمال منسوج بذهب أو فضة، أو استعمال مموه بذهب أو فضة غير ما يأتي في الزكاة من أنواع الحلي قبل استحالته، فإن تغير لونه ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار لم يحرم؛ لعدم السرف والخيلاء].

    تعريف المنسوج بذهب

    قول المؤلف: (ويحرم على الذكر استعمال منسوج بذهب أو فضة)، المنسوج هو الذي جُعل كهيئة الخيط بأن يكون خيوطه من كِتان ومن ذهب، أو من كِتان ومن فضة، فيكون مخلوطاً ويكون كهيئة الثوب، هذا هو المقصود، وليس المقصود أن يُعجن، المقصود النسج، مثل الغترة فإنها عبارة عن خيوط لكنها رُكبت بطريقة يدوية، أو بطريقة ميكانيكية فصارت كأنها قطعة واحدة، هذا معنى المنسوج، فإذا كان الثوب منسوجاً بخيوط ذهب وكِتان لكن يُعرف أنه ذهب فهذا محرمٌ على الرجل.

    لبس ما نسج جميعه أو غالبه من الذهب

    وقد اتفق الفقهاء على تحريم اللباس المنسوج من الثياب إذا كان جميعه أو غالبه من الذهب، وهذا بلا خلاف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه: (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حرُم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأُحل لإناثهم)، رواه الإمام أحمد و الترمذي و النسائي وفي سنده انقطاع، وذلك أن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى ، وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرة وذهباً في يده الأخرى وقال: هذان حرام على ذكور أمتي)، وهذا الحديث حسنه بعض المتأخرين كـالنووي وغيره وهو إلى الضعف أقرب، والذي يظهر -والله أعلم- في لبس الذهب أن أصح شيء في الباب هو ما جاء في لُبس الخاتم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر : (حينما خلع النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه من الذهب)، وهذا يدل على أنه قد نُهي عن لُبس الخاتم وهو قليل، فدل على أن ما زاد على ذلك فهو منهي عنه من باب أولى، ولُبس الخاتم إذا نُهي عنه فلُبس المنسوج والثوب من باب أولى.

    حكم ما نسج فيه بقدر أربعة أصابع من الذهب

    واختلف العلماء فيما كان يسيراً كقدر أربعة أصابع ونحوه إذا لم يكن خاتماً، أو كان على هيئة الأزرة، أو على هيئة الكبك المعروف، مع اتفاقهم على أن ما زاد على ذلك فهو مُحرم كلُبس الساعة إذا كان فيها أكثر من أربعة أصابع، فإن كان فيها قدر أربعة أصابع أو أقل فقد اختلف العلماء فيها:

    القول الأول: مذهب أبي حنيفة رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد واختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله، فقالوا: إذا كان الذهب تابعاً وليس بالمنفرد كالأزرار والعلم، ومعناه العلامة والخيط الذي يوضع أحياناً على الطوق، أو يوضع على آخر القميص، أو آخر الأكمام، أو آخر الثوب، أو على الجيوب ونحو ذلك، وكان يسيراً جاز.

    وإن كان كثيراً أو غير تابع حرُم. واستدلوا بما رواه الإمام أحمد و أبو داود و النسائي من حديث ميمون القناد عن أبي قلابة عن معاوية رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لُبس الذهب إلا مقطعاً)، والحديث جاء من غير هذا الطريق، وإلا فإن هذا الطريق ضعيف، فإن ميمون القناد غير معروف كما قال الإمام أحمد ، ثم إنه لم يسمع من أبي قلابة كما قال البخاري ، ولم يسمع أبو قلابة من معاوية كما قال أبو حاتم ، وروي من حديث الحسن عن معاوية ، و الحسن معروف تدليسه بالمرسل الخفي، فـالحسن البصري اُشتهر بالإرسال الخفي، حيث أنه قد عاصر من دلس عنه لكنه لم يسمع منه، وكذلك روي من طريق أبي الشيخ عن معاوية ، والحديث لو صح بمجموع طرقه وإن كان إلى الضعف أقرب فإن العلماء اختلفوا في معنى: (إلا مقطعاً)، فذهب أبو عُبيد و الخطابي و ابن الأثير وأكثر أهل الغريب إلى أن معنى (مقطعاً)، الشيء اليسير كالزر والعلم في الثوب، وقالوا: إن المخاطب به هي المرأة وليس الرجل، فيكون الحديث ليس فيه دلالة على مسألتنا.

    ورأى ابن تيمية أن (مقطعاً) يعني: من غير انفراد بل تابعاً ويسيراً، ففسره على رأيه رحمه الله، وإن كان أكثر أهل الحديث وأهل الغريب يرون أن هذا مخاطب به المرأة وأن المرأة لا ينبغي لها أن تتوسع في الذهب؛ لما يدخل في قلبها من الخُيلاء والفخر والكبر، وقالوا: إن هذا الحديث إن صح فهو منسوخ بجواز لُبس الذهب في حق المرأة ولو توسعت في ذلك؛ لقول الله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18].

    واستدلوا، بما رواه البخاري وهو أقوى حيث قال: (باب المزرر بالذهب) ثم ذكر حديث المسور بن مخرمة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أقبية ولم يُعط مخرمة شيئاً، فقال لي: ادع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظُم عليّ ذلك أن أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم له، قال: يا بُني! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بجبار، قال: فدعوته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب، وقال: خبأت هذا لك)، وجه الدلالة أنه مزرر بذهب وقال: (خبأت هذا لك)، فدل ذلك على أن ما كان يسيراً غير منفرد أنه يجوز، وقد قال الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث: هذا الحديث مُحتمل أن يكون وقع قبل التحريم -مثل ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس الخاتم من الذهب قبل التحريم، فيكون هذا إنما وقع قبل التحريم- أو يكون إنما أعطاه هذا القباء ليكسوه نساءه، ويكون معنى حديث: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قباء)، ليس المقصود أنه لابسه ولكنه في يديه، وهذا الحديث مُشكل حقيقة.

    أما قول: إنه كان قبل التحريم فليس فيه ما يفيد ذلك بل إن المسور بن مخرمة كان صغيراً، ثم إن دعوى النسخ من غير دليل مشكل، خاصة أنه ليس في معنى الخاتم فالخاتم أكثر في الغالب؛ لأن الخاتم قد يكون مائتي جرام أو ثلاثمائة جرام، أما الزر فلا يُقدر إلا بالشيء اليسير، فإذا كان مثل الخاتم بالجرامات أو أكثر فإنه حرام؛ لأنه كثير، فإذا حُرم الخاتم فمثله من باب أولى، لكنه إذا كان يسيراً مثل بعض الكبكات أو بعض الساعات الفاخرة كرولكس التي تكون مموجة أو مخلوطة بالذهب، فتجد أن الساعة بقيمة خمس وعشرين ألفاً، أو ثلاثين ألفاً أو مائة ألف حتى إن البائع يقول لك: فيها كذا غرام من الذهب، فإن كان أكثر من أربعة أصابع، يعني: أكثر من خاتمين أو ثلاثة، فهي حرام في حق الرجل وليس فيه خلاف، إنما الخلاف إذا كان يسيراً، أما إذا كانت غراماتها تصل إلى مائة أو أكثر فإنها محرمة.

    أما القول الثاني: وهو مذهب عامة أهل العلم وهم الجمهور فإنهم قالوا بتحريم لبس ما فيه ذهب مطلقاً وأن الأحاديث الدالة على حرمة لبس الذهب عامة لم تفصل بين يسير وغيره إلا لضرورة، والضرورة مثل السن، وقبيعة السيف ونحو ذلك، أو ميل المكحلة فهذا لا بأس، ومثل رأس القلم حتى لا يصدأ وهو يسير جداً، فهذه جوزها العلماء، وإن كان تجويزهم بناء على أحاديث فيها كلام، كحديث: (كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذهب)، والواقع أنها قبيعة سيف عمر وكانت من فضة لا من ذهب، والآثار في هذا مشهورة، لكن إذا كان لضرورة وحاجة فلا حرج؛ لقصة عرفجة : (الذي انقطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ مكانه أنفاً من فضة فأنتن، ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب)، وهذا الحديث رواه أبو داود و البيهقي وغيرهما.

    والذي يظهر والله أعلم وهو الأحوط قول الجمهور وقول عامة أهل العلم، إلا أن اليسير جداً وهو ما كان أقل من الخاتم ولم يكن خالصاً كالأزرة بل مشوباً بالذهب أو ما يكون في الساعة إذا كان داخل مكينتها أو داخل عقاربها، أو كان في حزام الساعة الذي تسمونه الصنقل باللهجة العامية، إذا كان يسيراً ليس كاملاً فإن الأولى تركه على قول الجمهور، فلو فُعل فالقول بالتحريم مُشكل لكننا نتركه احتياطاً، والله أعلم.

    استعمال الفضة للذكور

    وأما الفضة فالخلاف فيها أخف، فجمهور أهل العلم يرون فيها التحريم كالذهب، والقول الثاني: يرى الإباحة بمقدار أربعة أصابع كالحنفية، ويرى بعض الفقهاء وهو القول الثالث: الإباحة مطلقاً في حق الرجل، وروي عن أبي العباس فقد استدل بحديث: (وأما الفضة فالعبوا بها)، لكنه ليس صريحاً يقينياً، لكنه قال قاعدة جميلة، قال ابن تيمية : وأما لُبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يُحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا جاءت السنة منه في لُبس خاتم الفضة كان ذلك دليلاً من الشارع في إباحة ذلك أو ما كان في معناه أو كان دون ذلك، فإذا جاءنا دليل في لبس الخاتم من الفضة دل ذلك على أنه يجوز استعمال الفضة فيما كان بمقدار الخاتم أو كان دونه، والخاتم الآن يصل أحياناً إلى مائتين وخمسين جراماً أو مائتي جرام، وعلى هذا فإذا فعل الإنسان في ساعته، أو في قلمه، أو في أزرته بمقدار ذلك لم يكن لأحد أن يمنعه من غير حجة؛ لأن الشارع جوز لبس خاتم الفضة للرجل كما ورد في الصحيحين: (ثم نزعه ثم لبس خاتماً من فضة بعد).

    وأقول: إن ما كان بمقدار لُبس الخاتم من الفضة يجوز استعماله وهذا أظهر والله أعلم؛ وذلك لأن أم سلمة رضي الله عنها كما روى البخاري اتخذت جُلجلاً من فضة فيها شعرات من شعرات النبي صلى الله عليه وسلم.

    وأما حديث: (وأما الفضة فالعبوا بها)، فهذا حديث أبي هريرة وفي سنده ضعف، إذ أن في سنده أسيد بن أبي أسيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة ، و أسيد بن أبي أسيد لم يوثقه غير ابن حبان ، وقال الدارقطني : يُعتبر به، ومعنى (يُعتبر به)، يُقبل في الشواهد ولا يقبل إذا تفرد، وهذا مما تفرد به.

    وقوله: (وأما الفضة فالعبوا بها) ليس المقصود به مخاطبة الرجل بدليل أن بداية الحديث: (من سره أن يُلبس حبيبته)، فهذا يدل على أن المخاطب المرأة وليس الرجل، ثم إن الحديث مُنكر؛ لأن فيه النهي عن التحليق، ولبس الذهب المحلق في حق المرأة جائز، والأحاديث الواردة في تحريم المحلق للمرأة ضعيفة أو منسوخة كما حكى ذلك أهل العلم، وإن كان الشيخ الألباني يرى حرمة ذلك، لكن الواقع أن الحكم منسوخ وهو إلى الضعف أقرب، وعلى هذا فلا يفيد هذا الحديث جواز لبس الفضة للرجل؛ لأنه ضعيف ثم إن المخاطب به المرأة، ثم إن الحديث منسوخ كله، والله أعلم؛ لأن المرأة يجوز لها أن تلبس من الفضة والذهب ما شاءت، لكن نحن نقول: إن الفضة يجوز استعمالها بمقدار الخاتم سواء كان في الكبك أو الساعة ونحو ذلك، فإذا كان هناك ساعة فيها فضة بمقدار الخاتم فإنه يجوز لبسها ويسأل أهل الذهب والفضة كم مقدار الخاتم من الجرام في الغالب، يعني: ما نأتي بفص من الفضة ونقول: هذا خاتم هذا ليس بمعتد به.

    تعريف المموه بذهب أو فضة

    قال المؤلف رحمه الله: (أو استعمال مموه بذهب أو فضة)، التمويه غير المنسوج، فالتمويه أن يُذاب شيء من الذهب والفضة فيُلقى في الشيء المراد تمويهه فيكتسب لونه بحيث لو عُرض على النار لبقي منه شيء.

    استعمال المموه يسيراً بالذهب

    أما الثريا الذي يقولون أن فيه نسبة من الذهب فهذه ليست نسبة كبيرة، وإنما هي نسبة لإبقاء اللون بدليل أنك تجد أن هذه الثُريا الكبيرة تباع بألفين وخمسمائة، أو بثلاثة آلاف، أو بأربعة آلاف، ولو كان فيها ذهب لكانت بأغلى الأثمان، فدل ذلك على أن ما عُرض على النار ولم يبق منه شيء فإنه لا بأس به، وأحسب أن الخيوط التي توضع على المشالح ونسميها خيوطاً ألمانية تُجعل فيها مادة صبغية عشرة بالمائة من هذه المادة يكون فيها ماء ذهب وليس ذهباً، فتُخلط؛ ليبقى بريقها ولمعانها، لكنها لو عُرضت على النار لم يبق منها شيء، ثم إن هذا اللون يتغير مع مرور الزمن، والذهب لا يتغير لونه، ولهذا قال: (فإن تغير لونه ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار لم يحرم؛ لعدم السرف والخيلاء)، وعلى هذا فلبس المشالح التي فيها هذا النوع لا بأس به؛ لأنه ليس منسوجاً وإنما هو مموه، ولكن هذا التمويه قليل جداً والقصد منه النظارة واللمعان، وإلا فلو عُرض على النار لم يبق منه شيء، ويقال مثل ذلك في بعض الثُريا، وبعض الأشياء التي تُستعمل إنما التمويه فيها لأجل بقاء اللون ليس إلا، وهذا يوجد حتى في الدهانات يقولون: هذا ورق ذهب، مع أن الورق ليس ذهباً ولكنه مموه لأجل بقاء لونه ليس إلا، فهذا لا بأس به.

    استعمال المموه كثيراً بالذهب

    أما إذا كان مموهاً بذهب، يعني: مُذاب فيه ذهب وله أصل فهذا محرم، وقد رأيت بعض الجُدر الموجودة في القصور يقولون: إن نسبة الذهب فيها كذا كذا جرام، يعني: أن فيها ذهباً، ونسبة الذهب في السقف كذا كذا جرام، فهذا محرم، وهذا هو الذي نتحدث عنه، لكن لو أنه لو عرض على النار ولم يبق منه شيء فإنه لا بأس به، والله تبارك وتعالى أعلم.

    ثم إن المموه أخف من المنسوج، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن المموه بالفضة جائز للرجال، بل إن ابن تيمية جوز المنسوج والمموه من الفضة، والله أعلم.

    استعمال المطلي بالذهب

    أما المطلي فإنه محرم؛ لأنه يغير لون الشيء إلى لون الذهب، ولأنه يزيد في الجرامات، فلو أن عندك ذهباً أبيض وطليته بذهب أصفر فإنه يزيد من وزنه وهذا محرم.

    قال المؤلف رحمه الله: (أو مموه بذهب قبل استحالته)، يعني: (إن تغير لونه ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار لم يحرم لعدم السرف والخيلاء).

    1.   

    أحكام لبس الحرير

    قال المؤلف رحمه الله: [وتحرم ثياب حرير ويحرم ما، أي: ثوب، هو أي: الحرير أكثره ظهوراً مما نسج معه على الذكور والخناثي دون النساء لبسها بلا حاجة، وافتراشاً واستناداً وتعليقاً، وكتابة مهر، وستر جدر غير الكعبة المشرفة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)، متفق عليه].

    حكم لبس الحرير الخالص للرجال

    لبس الحرير في حق الرجال محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة)، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب بآنية الذهب والفضة، وعن لُبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه)، رواه البخاري ، وعن علي رضي الله عنه قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجلس على المياثر) رواه مسلم ، والمياثر فيها حرير، وهذا في لبس الحرير.

    لبس الحرير المخلوط بكتان أو صوف للرجل

    أما لبس كِتان قد نُسج بحرير، فيقول المؤلف: (ويحرم ما)، يعني: ويحرم ثوب (أكثره ظهوراً) الحرير (مما نُسج معه)، فلو نُسج الحرير مع كِتان أو مع صوف وكان الصوف أكثر أو كان مساوياً فإن الحنابلة يجوزون ذلك، مثل الفُرش التي تأتي من إيران فإن كانت حريراً خالصاً حرمت، وإن كان الحرير مخلوطاً بالصوف فإن كان الصوف أكثر أو مساوياً، فإنه على مذهب الحنابلة جائز، ويفرقون بين المنسوج بالحرير وبين أن يكون حريراً خالصاً في العلم أو في الرقبة أو في الثوب فإنهم لم يجوزوا منه إلا أربعة أصابع.

    يقولون: إذا كان أكثره نسجاً حريراً حرُم على الذكور وعلى الخناثي؛ لأنه لا يُعلم هل هي امرأة أم رجل.

    لبس الرجل حريراً للحاجة

    قال المؤلف رحمه الله: (دون النساء لُبسها بلا حاجة) فإن كان هناك حاجة مثل وقت الحرب فلا بأس، يقول ابن تيمية : فإن كان لبس وقت الحرب ولم يوجد بديل فهذا جائز باتفاق الفقهاء، لكن إذا وجد بديل فقد وقع خلاف، بعضهم جوزه كالحنابلة ولو وجد بديل.

    ويجوز لبسه لمن كان به حكة فقد جاء في الصحيحين من حديث أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للزبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف لبس الحرير من حكة كانت بهما).

    افتراش الحرير للرجال والاستناد عليه وستر الجدر به

    قال المؤلف رحمه الله: (وافتراشاً) بأن يجعله فراشاً ينام عليه (واستناداً)، بأن يجعله وسادة يتكأ عليها، (وتعليقاً وكتابة مهر وستر جُدر) كل هذا محرم، وقد قال ابن مفلح : ذكر الشيخ موفق الدين -يعني: ابن قدامة - في كل ما كتبه أن لُبس الحرير وافتراشه محرم، ثم قال: وظاهر هذا أن ستر الجُدر والحيطان به كغيره من الساتر فيه روايتان، يعني: أن الكراهة ليست لأجل ما فيه من حرير ولكن لأجل كراهة ستر الجُدر، ثم قال: وأنه لا أثر لكونه حريراً.

    إذاً النهي لأجل ستر الجُدر لا لأجل وجود الحرير، وعلى هذا فالفُرش التي نسميها بساطاً إذا كان فيها جزء من الحرير ولم ينم عليها الإنسان، أو لم يتكئ عليها جائزة عند الحنابلة؛ لأنه لا يستخدمها يعني: لا ينام عليها ولا يفترشها.

    ودليل النهي عن لبس الحرير وعن الجلوس عليه، حديث حذيفة : (وعن لُبس الحرير وأن نجلس عليها)، رواه البخاري ، وحديث علي : (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجلس على المياثر)، والمياثر فيها حرير وأما إذا وضعت في المجالس من غير أن يجلس عليها فإنها جائزة كما هو مذهب الحنابلة، وقد أشار ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية إلى ذلك، وأشار إليه أبو عمر ابن عبد البر بقوله: المراد بهذا الخطاب هو لُبس الحرير ولباس الذهب دون الملك وسائر التصرف.

    قال المؤلف رحمه الله: (غير الكعبة المشرفة) فإن الكعبة المشرفة سترها بالحرير معروف أنه لا بأس به؛ لأن النهي في حق الرجال دون النساء وغيرهن، فلو أن المرأة سترت بعض ما تستعمله في البيت لا حرج، إنما النهي على الرجال من حيث الاستعمال والاتكاء والجلوس. والله أعلم.

    واستدل المؤلف بحديث: (لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلسبه في الآخرة)، والحديث متفق عليه.

    وضع الحائل الصفيق فوق الحرير للصلاة والجلوس عليه

    قال المؤلف رحمه الله: [وإذا فُرش فوقه حائل صفيق جاز الجلوس عليه والصلاة]، يعني: لو أن عندنا بُردة من حرير ثم جاء شخص وأخذ سجادته وجعلها فوقها ثم صلى صحت صلاته عند الحنابلة؛ لأنهم يقولون: (فإن فُرش فوقه حائل صفيق جاز الجلوس عليه والصلاة) قالوا: مثله مثل ما لو كان هناك نجاسة غير رطبة فوضع بساطاً عليها وصلى فإن صلاته صحيحة والواقع أنهم منعوا أن يكون الحرير بطانة، فلو أن عندنا فراشاً فإن الفراش الفوقي يسمى ظهارة والتحتي بطانة، وقد قالوا: لا يجوز أن يُجعل الحرير بطانة، ولا فرق بين هذه الصورة، وبين إذا فُرش فوقه حائل صفيق جاز الصلاة عليه، فإن هذا مثل البطانة والظهارة، فأرى أن هذا يُمنع الصلاة والجلوس عليه وإن كانوا يقولون إن البطانة سوف تتغطى بالحائل لكننا نقول: الأولى ترك ذلك والله أعلم.

    لبس ما استوى فيه الحرير بغيره

    قال المؤلف رحمه الله: (لا إذا استويا)، يعني: إذا نسج الحرير بصوف وكِتان ونحو ذلك، فإن كان الحرير أكثر حرُم، وإن كان الكِتان أكثر أو كان متساوياً مع الحرير جاز ذلك عند الحنابلة، والرواية الأخرى المنع وهو قول ابن عقيل واختيار ابن تيمية وهو الأظهر؛ لعموم الأحاديث الدالة على حرمة لُبس الحرير ويدخل فيه ما كان مساوياً؛ لأنه إذا تعارض حاظر ومُبيح قُدم الحاظر.

    إلحام الحرير بثوب وغيره

    قال المؤلف رحمه الله: [وما نُسج معه ظهوراً، ولا الخز وهو ما سُدي بالإبريسم]، ويجوز ضم السين (بالإبريسُم)، [وأُلحم بصوف أو قطن ونحوه]، واللحم غير النسج فلو وضع في أكمام القميص حرير وخيط معه بحيث يكون هذا قطعة وهذا قطعة، فالحنابلة يجوزون ذلك إذا كان قطعة يسيرة، واستدلوا على الجواز بما رواه الإمام أحمد و أبو داود من حديث ابن عباس أنه قال: (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من قز -المصمت يعني الكامل- أما السُدي والعلم فلا نرى به بأساً)، هذا قول ابن عباس ، ويرى بعض أهل العلم على أن ما كان علماً أو سُدي به من الحرير إن كان بمقدار أربعة أصابع فجائز وإلا فلا، ولعل هذا القول أظهر؛ للحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما كان دون أربع أصابع.

    الحالات التي يجوز فيها لبس الحرير

    قال المؤلف رحمه الله: [أو لبس الحرير الخالص]، يعني: ويجوز لبس الحرير الخالص، [لضرورة، أو حكة، أو مرض، أو قمل، أو جرب]، كل ذلك حاجة.

    قال المؤلف رحمه الله: [أو كان الحرير حشواً لجلباب] أي: بطانة داخلية أو حشواً لفُرش؛ لعدم الفخر والخيلاء، ولأنه لا يظهر، والنهي ليس لأجل مجرد اللبس وإنما لأجل الظهور، [بخلاف البطانة] فالبطانة يستخدمها الإنسان ويلبسها ويظهر.

    قال المؤلف رحمه الله: [ويحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل]، يعني: لعموم الأحاديث الدالة على حرمة لبس الرجل الحرير وكذلك يحرم على ولي الصبي أن يلبسه إياه، ولهذا قال ابن تيمية : فإن ما حرم على الرجل فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير، لأن عمر رضي الله عنه أنكر على الزبير حينما ألبس ابنه الصغير حريراً فنزعه عمر وقال: لا تلبسوهم الحرير.

    وكذلك ابن مسعود مزق ثوب حرير كان على ابنه.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـلحسن بن علي: (كخ كخ، ارم بها، يعني: التمرة من الصدقة، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة) أما الحرير الصناعي فجائز وهذه الأحكام إنما هي في الحرير الطبيعي.

    نقف عند هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755835837