إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 429-431

شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 429-431للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يشرع إعادة الصلاة المفروضة لمن صلاها ثم حضر المسجد ووجد من يصليها أياً كانت هذه الصلاة عصراً أم فجراً، وتكون الصلاة الأولى التي صلاها هي الفريضة لأنه نواها فريضة وزال بها الوجوب عنه وبرئت ذمته، وتكون الثانية نافلة، وفي ذلك دليل على آكدية صلاة الجماعة وفضلها.

    1.   

    شرح حديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما

    بعد حمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

    فاليوم عندنا مجموعة من الأحاديث، وهي طويلة بعض الشيء، ولذلك أغتنم الوقت في المرور عليها.

    أولها: حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه: ( أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما فجيء بهما ترعد -ترعد بضم التاء- فرائصهما، فقال لهما: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: يا رسول الله! قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أدركتم الإمام ولم يصل، فصليا معه؛ فإنها لكما نافلة ) . قال المؤلف رحمه الله تعالى: رواه أحمد واللفظ له والثلاثة، وصححه ابن حبان والترمذي . حديث يزيد بن الأسود هذا حديث غريب الإسناد.

    تخريج الحديث

    أما ما يتعلق بالنقطة الأولى: وهي تخريج الحديث: فقد رواه أحمد كما ذكر المصنف في مسند يزيد في الجزء الرابع من مسنده .

    ورواه أبو داود أيضاً في الصلاة، باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة أو أدرك الإمام.

    ورواه الترمذي أيضاً في الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة.

    ورواه النسائي في سننه في كتاب الإمامة، باب إعادة صلاة الفجر مع الجماعة .. ورواه غيرهم، وممن روى هذا الحديث أصحاب الطاءات الأربعة -أقول هذا حتى تحفظ أسماؤهم- الطيالسي في مسنده، والطبراني، والطحاوي، والدارقطني، كل هؤلاء رووه، وممن رواه أيضاً عبد الرزاق والحاكم في مستدركه .. وغيرهم.

    والحديث مداره كما ذكر الحاكم في مستدركه: أن الحديث مروي من طريق يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه، فكل طرق الحديث تدور على هذا، فهو حديث غريب، فإن مداره على يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه، وهكذا رواه كل من مضى.

    قال الحاكم : هذا حديث رواه شعبة وهشام بن حسان وغيلان بن جامع وأبو خالد الدالاني وعبد الملك بن عمير ومبارك بن فضالة وشريك بن عبد الله .. وغيرهم عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه. انتهى كلام الحاكم .

    وقد أعل بعض أهل العلم هذا الحديث بالجهالة، بجهالة إسناده، ولعل الجهالة في ظن بعضهم في جابر بن يزيد، أو في يعلى بن عطاء، والواقع أنه لا جهالة في سند هذا الحديث ولا ضعف، فأما يعلى بن عطاء فقد روى له مسلم، فهو من رجال مسلم، وروى عنه جماعة من الثقات، ولذلك فليس بمجهول، فضلاً عن أنه أثنى عليه جماعة من أهل العلم، أثنى عليه الإمام أحمد خيراً، ووثقه يحيى بن معين، والنسائي، وابن حبان ذكره في الثقات، وروى له في صحيحه، وابن سعد .. وغيرهم.

    إذاً: يعلى بن عطاء معروف ليس بمجهول، وهو ثقة عند علماء الجرح والتعديل.

    أما جابر بن يزيد بن الأسود فهو وإن كان أقل شهرة ومعرفة من يعلى، إلا أنه معروف أيضاً، فهو من رجال السنن كما هو ظاهر، فالحديث الذي رواه الآن حديث يزيد بن الأسود قد رواه الترمذي كما رأيت، وأبو داود، والنسائي، وأحمد .. وغيرهم من الأئمة، وأيضاً وجد من وثقه، فقد قال النسائي كما في تهذيب الكمال : ثقة. وكذلك وثقه ابن حبان ذكره في الثقات، وروى له كما هاهنا، وقال ابن حجر رحمه الله في التقريب : صدوق. والذي يظهر لي أن الحافظ رحمه الله أنزله من رتبة الثقة إلى رتبة الصدوق لا لشيء إلا لقلة الرواية عنه، وربما لأن الشافعي رحمه الله أعل إسناد الحديث بالجهالة، وفي الواقع أنه ينبغي أن يكون حكمه الثقة؛ لأنه لا دليل على نزوله عن درجة الثقة، وقد حكم له بالثقة إمام جليل متشدد في الرجال كالإمام النسائي.

    إذاً: الحديث إسناده صحيح، وهكذا حكم عليه جماعة من أهل العلم، منهم الترمذي كما ذكر المصنف؛ فإنه قال عقب رواية الحديث: هذا حديث حسن صحيح. وممن صحح الحديث أيضاً ابن خزيمة، فقد رواه في صحيحه، كما في المطبوع، وهذا آية تصحيحه عنده، وكذلك ابن حبان فقد رواه في صحيحه كما في كتاب الإحسان المطبوع، والحاكم فقد ذكرت أنه رواه وصححه، وكذلك وافقه الذهبي في تلخيصه، وقد نقل الحافظ رحمه الله في تلخيص الحبير تصحيح الحديث عن ابن السكن، وينبغي أن يكون الحافظ ابن حجر ممن صحح الحديث أو حسنه، فقد ذكره في مواضع كثيرة من كتبه محتجاً به، وما أعله، وينبغي أن يكون أقل درجاته عنده: الحسن. لماذا نقول: إن أقل درجاته الحسن عند الحافظ؟

    لأنه حكم على جابر بن يزيد بن الأسود بأنه صدوق، وحديث الصدوق حسن، فهذا أقل أحواله أنه حسن، مع أن له شواهد كما سوف يأتي، يرتقي بها الحديث -حتى على فرض أنه حسن- إلى درجة الصحيح.

    معاني ألفاظ الحديث

    أما ألفاظه فقوله رضي الله عنه: ( أنه صلى صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقد جاء في الروايات الأخرى، في المصادر المشار إليها سابقاً: ( أنه شهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجته )، وأي حجة هذه؟ حجة الوداع، فهي الحجة الوحيدة التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام، فهو حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وصلى معه صلاة الصبح في مسجد الخيف بـمنى، هكذا نطقت الروايات الأخرى: (صلى معه صلاة الصبح في مسجد الخيف بـمنى ).

    أما الرجلان المذكوران فلم يرد في شيء من الروايات فيما اطلعت عليه تسميتهما، فهما مبهمان.

    أما قوله: ( جيء بهما ترعد ) فضبط ذلك بضم التاء وفتح العين: (تُرعَد) مبني للمجهول، والمعنى: تضطرب فرائصهما وترجف؛ وما ذلك إلا لشدة الخوف والوجل من ملاقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأي شيء دعاهما.

    أما الفرائص فهي جمع فريصة، وهي اللحمة الموجودة بين الجنب والكتف، ومن العادة أن الإنسان إذا ضربه الخوف والاضطراب، أصبحت هذه اللحمة ترجف وتهتز عند الفزع.

    الأقوال في حكم صلاة الجماعة في المسجد

    في هذا الحديث مسألة فقهية وهي: فعل الجماعة في المسجد، صلاة الجماعة في المسجد وحكمها.

    وسبق أن ذكرت في المجلس السابق أن الجماعة فيها أقوال أربعة، أصحها: أن الجماعة واجبة على الأعيان.

    بقي سؤال: هل يجوز أن يصلوها في بيوتهم أو مجالسهم أو حدائقهم أو أسواقهم أو مقار عملهم، أم يتعين أن تصلى في المسجد؟ هذه مسألة أخرى صلاة الجماعة في المسجد، وفيها أيضاً كما في المسألة السابقة أربعة أقوال:

    الأول: أنها شرط لصحة الصلاة، وهذا قول غريب، ولكنه ذكره صاحب الإنصاف المرداوي من الحنابلة، ذكر أن هناك قولاً بأن المسجد شرط لصحة الصلاة، ولا أعلم دليلاً لذلك، إلا أن يكون حديث: ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) فربما استدل به واحتج من يقول بوجوب صلاة الجماعة في المسجد، بل بشرطية ذلك، وقد سبق أن الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام علي .. وغيره، كما ذكره الإمام ابن تيمية، هو مشهور من كلام بعض الصحابة، كـعلي رضي الله عنه.

    القول الثاني في المسألة: أن المسجد واجب للجماعة، وهو رواية في مذهب الإمام أحمد .

    ومن أدلة هذا القول: ( من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من غدر ) فإن إجابة النداء هي الإتيان إلى حيث ينادى بها، إلى المسجد، وهذا ظاهر.

    الدليل الثاني: قصة الأعمى كما سبق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص له في ترك المسجد، وما أرشده إلى أن يختار جماعة ويصلي بهم أو يصلي معهم، فدل ذلك على تعين الصلاة في المسجد.

    الدليل الثالث: الهم بالتحريق، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بتحريقهم على تأخرهم عن المسجد، ولم يستفصل منهم: هل صلوا جماعة في بيوتهم أو في محلاتهم، أو لم يصلوا، وإنما هَمَّ بعقابهم على تركهم للصلاة في المسجد. هذه ثلاثة أدلة ظاهرة.

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الصلاة قال: ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها -يعني الجماعة- في المسجد فرض على الأعيان، إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة .

    إذاً: هذا القول هو اختيار الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.

    القول الثالث: أن ذلك سنة، أن فعل الجماعة في المسجد سنة، ولو فعل الجماعة في مكان آخر أجزأه ذلك، وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة، ولهذا قالوا: يجوز فعلها في البيت والصحراء.. وغير ذلك، وهو أيضاً الظاهر من مذهب الأحناف، كما قال في البحر الرائق قال: ولا فرق في ذلك بين أن تكون في المسجد أو في بيته، حتى لو صلى في بيته بزوجته أو جاريته أو ولده، فقد أتى بفضيلة الجماعة، وإن كانوا يقولون: إن فعلها في المسجد أفضل لاشك؛ لأنه سنة، لكن يرون أنه لو صلاها في بيته بزوجته أو جاريته أو ولده، فقد أدرك فضيلة الجماعة التي هي خمس وعشرون، أو سبع وعشرون درجة، وإن كان المسجد أفضل، وهو أيضاً وجه عند الشافعية، وهو مذهب مالك .

    إذاً: يمكن أن نقول: إن القول بأن صلاة الجماعة في المسجد سنة أنه مذهب جمهور أهل العلم.

    واستدل هؤلاء بأدلة كثيرة جداً، منها أولاً: قصة الرجلين: حديث يزيد بن الأسود، فإن فيه: (أنهما صليا في رحالهما)، ومع ذلك قال لهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه، فإنها -أي: الصلاة مع الإمام- لكما نافلة ) ولم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم صلاتهما في رحالهما، فدل ذلك على أنه ليس يتعين على المرء أن يصلي في المسجد الجماعة.

    وقد يعترض على هذا الاستدلال بأن ذلك كان في السفر، كما صح الحديث أنه كان في حجة الوداع، في مسجد الخيف في منى، وقد اعترضوا عليه باعتراض آخر أقوى من ذلك وهو أن يكونوا صلوا في رحالهم جماعة، فإن عادة الحجاج بـمنى أن كل جماعة يجعلون لأنفسهم مسجداً يصلون فيه، يصلي الرجل، ويصلي بصلاته الرجل والرجلان، والجماعة من الناس، كما جرت عليه عادة الناس عبر العصور.

    إذاً: الاحتجاج بهذا الحديث لا يخلو من مؤاخذة أو اعتراض.

    الدليل الثاني -وهو من جنس حديث الباب-: حديث محجن بن الأدرع، وحديث محجن هذا رواه النسائي في سننه، ومالك في موطئه، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم وصححاه: ( أنه رضي الله عنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأذن للصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلى، ثم رجع ومحجن في مجلسه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ قال: بلى يا رسول الله، ولكني كنت قد صليت في أهلي، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إذا صليت في أهلك ثم جئت، فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت ) وهذا الحديث حديث محجن يصلح شاهداً لحديث الباب، أو يصلح حديث الباب شاهداً له؛ لأن حديث الباب ربما أقوى منه إسناداً، وهو دليل لمن قالوا بأن المسجد ليس واجباً للجماعة، بل لو صلى جماعة في أهله أو سوقه أو حيه أجزأه ذلك.

    الدليل الثالث: ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس خلقاً، -يقول أنس - فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح، ثم يقوم صلى الله عليه وآله وسلم فيصلي، ونقوم خلفه فيصلي بنا ) وذلك دليل على أنه ربما صلى عليه الصلاة والسلام الجماعة في بيت أنس بن مالك، وصلى أنس وأمه وراءه عليه الصلاة والسلام، ودلالة الحديث على المقصود ظاهرة.

    على كل حال فيما يتعلق بالدليل الثالث قوله: ( فإذا حضرت الصلاة ) ظاهره أن المقصود بالصلاة هاهنا ماذا؟ صلاة الجماعة أو صلاة الفريضة، وقد يستشكل ذلك بأن المقصود (إذا حضرت الصلاة) أي: أي صلاة ولو كانت نافلة، كما إذا كان وقت صلاة ضحى أو صلاة ليل.. أو ما أشبه ذلك؛ وهذا لأن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجده بأصحابه، ولا يتأخر عنهم إلا لعذر، وكانوا ينتظرونه عليه الصلاة والسلام، حتى لو تأخر، وربما تأخر بهم في صلاة العشاء حتى انتصف الليل أو تهور الليل، أو ابهار الليل، أو ذهب عامة الليل، فجاء وصلى بهم وقال: ( إنه لوقتها، لولا أن أشق على أمتي .. ) وربما حصبوا بابه عليه الصلاة والسلام من شدة تأخره عليهم.

    ومن المعروف في حديث سهل بن سعد المتفق عليه: ( أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فتأخر جداً حتى جاء بلال وأقام الصلاة، فتقدم أبو بكر وصلى، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فتأخر وتقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام ) .

    إذاً: يبعد جداً أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منه التأخر عن الجماعة، بغير عذر، أو عارض قوي، فقد يقال: إن المقصود بحضور الصلاة صلاة النافلة، وليست الفريضة.

    الدليل الرابع: ما جاء في الصحيحين أيضاً عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ( سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس، فجحش ساقه -أي: جرح أو شق- قال أنس رضي الله عنه: فدخلنا عليه صلى الله عليه وآله وسلم نعوده، فحضرت الصلاة، فصلى قاعداً، وصلى أصحابه وراءه قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا. ثم قال في آخر الحديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به ) .. إلى آخر الحديث، كما هو موجود في حديث الباب.

    فذلك دليل على أنه صلى بهم صلى الله عليه وسلم صلاة الفريضة، كما هو ظاهر في بيته جماعة، فدل على أن المقصود الجماعة ولو صلاها في بيته، وهذا قد يقال فيما قيل في الذي قبله، فإنه جاء في بعض طرق الحديث: ( أنه صلى بهم السبحة ) وهي النافلة، وقد تكون في حقه صلى الله عليه وسلم فريضة؛ لأنه معذور، وأما في حقهم هم فهي نافلة؛ لأنهم صلوا في المسجد، وهذا أيضاً لا يخلو من مؤاخذة أو إشكال.

    وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين نحو حديث أنس.

    الدليل الخامس: الحديث المتفق عليه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي.. وذكر منها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ) فجعل الأرض كلها مسجداً، فكل مكان صلى فيه المرء فهو مسجد، وجاء في حديث آخر: ( فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده، وعنده طهوره ) يعني: الأرض هي مسجد وطهور، تصلح أن يصلي فيها الإنسان ويتيمم عليها.

    وقد جاء في رواية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم ) فدل على أن الأنبياء السابقين كانوا يصلون في أماكن معلومة، لا يصلون في غيرها، أما هذه الأمة فقد رخص لها أن يصلي المرء في أي مكان، بل جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( ولم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه ) هذه أهم وأقوى الأدلة: على أن صلاة الجماعة في المسجد سنة، ليست بواجبة.

    القول الرابع: أن ذلك فرض كفاية، أن الصلاة في المسجد فرض كفاية، وهذا وجه آخر لأصحاب الشافعي، ورواية في مذهب الإمام أحمد، وقال بعض المصنفين: إن كثيراً مما قالوا بالسنية عنوا فرض الكفاية، أي: أنها سنة بالنسبة للأفراد، لا أن المساجد تعطل وتغلق أبوابها ولا يصلى فيها.

    ومن أقوى أدلة هؤلاء: الترخيص في ترك الجماعة للعذر؛ فإنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الترخيص في ترك الجماعة للعذر، كالمطر والبرد الشديد، والخوف .. ونحو ذلك، قالوا: فلم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة للعذر، إلا لأن أصل حضور الجماعة في المسجد واجب على المجموع، لا على الأفراد، وربما طرأ عارض جعل منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( صلوا في رحالكم ) فتركوا الصلاة في المسجد لعذر عام.

    ومن أدلتهم أيضاً: الجمع بين أدلة السابقين فقالوا: إن الأدلة الأولى الدالة على الوجوب، أو على الشرطية حتى، إنما تدل على استحباب ذلك وآكديته ومشروعيته، أما الأدلة الأخرى للقائلين بالسنية، فهي تدل على أنه يجوز للإنسان للفرد الواحد أن يصلي مع جماعة في بيته، أو سوقه، أو مكان عمله، لكن لا يجوز أن تعطل المساجد بحال.

    ومن الأدلة على ذلك أيضاً: حديث أبي الدرداء : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان ) فهو دليل على وجوب إقامة صلاة الجماعة في الحي، أو البلد، أو القرية، أو المسجد، فهذه أقوى أدلتهم.

    والذي يظهر لي والله تعالى أعلم بالصواب: أن هذا القول له قوة ووجاهة؛ لقوة الأدلة التي سقتها في سياق القائلين بالسنية، لكن يجب أن يعلم أن الجماعة في المساجد لا زالت شعيرة عامة, يتوارثها المسلمون توارثاً عملياً مستفيضاً، من عهد الرسالة إلى يوم الناس هذا، لا يكاد يوجد ملأ ولا قرية ولا ناحية ولا ضاحية تقام فيها المساجد، إلا ويجتمع المسلمون في مساجدهم ليصلوها، فهي سنة عملية متوارثة، من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليوم؛ ولذلك ورد في فضل الجماعة في المساجد أحاديث خاصة، لم ترد في غيرها، فمثلاً: قوله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل صلاة الجماعة: ( وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج فأتى المسجد، كانت كل خطوة ترفعه درجة، والأخرى تضع سيئة ) هذا نص فيمن أتى المسجد.

    ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( صلاة الرجل في مسجده أفضل من صلاته في سوقه أو في بيته بخمس -أو بسبع- وعشرين درجة ) فنص على الصلاة في المسجد، ولذلك كانت إقامة الصلاة في المسجد من الشعائر الظاهرة العظيمة، التي ربما لم يحافظ المسلمون عبر العصور على شعيرة، مثلما حافظوا عليها، فدل ذلك على آكديتها، لكن لو أن جماعة من الناس صلوا جماعة في مقر عملهم لحاجة، من أجل جمع كلمة الناس على الصلاة، أو من أجل المحافظة على الأوراق.. أو ما أشبه ذلك من الحاجات، التي تتعلق بها مصالح الناس، لم يكن في ذلك عليهم إن شاء الله تعالى من بأس ولا حرج.

    هذه هي المسألة الفقهية المتعلقة بحديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه.

    فوائد الحديث

    وفي الحديث فوائد غير ما سبق منها، وأسردها؛ لأن الوقت يمضي:

    من فوائد الحديث: إعادة الصلاة إذا صلاها ثم وجد من يصليها في المسجد أياً كانت هذه الصلاة، عصراً أم فجراً أم مغرباً .. أم غير ذلك، وهذا هو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الحديث، وبه قال الإمام الحسن البصري والزهري .. وغيرهم، واستثنى قوم من ذلك المغرب؛ لأنها ثلاثية، واستثنى آخرون الصبح؛ لأن ما بعدها وقت نهي, كما حكي ذلك عن الأوزاعي والنخعي، وكذلك استثنى بعضهم العصر؛ لأن ما بعدها وقت نهي، وهذا مذهب أبي حنيفة، فإنه لا يرى إعادة المغرب ولا الفجر ولا العصر، فكأنه استثنى أكثر الصلوات، فلم ير إعادة شيء من الصلوات إلا الظهر وإلا العشاء؛ لأنها رباعية، ولأن ما بعدها ليس وقت نهي.

    والحديث حجة على هؤلاء، فإنه في صلاة الفجر، وهو أمر من النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة، كما سبق.

    وفيما يتعلق بصلاة العصر، فقد جاء في سنن أبي داود وغيره قصة الرجل الذي أقبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من يتصدق على هذا فيصلي معه ) وربما كان هذا في صلاة الظهر، والله تعالى أعلم.

    وكيف يفعل إذا أعاد صلاة المغرب؟ قيل: يسلم مع الإمام، وقيل: يأتي برابعة، والوجه الثالث: أنه لا يعيدها. ثلاثة أقوال مشهورة للفقهاء، قيل: لا يعيد المغرب، وقيل: يعيدها كما هي ثلاثاً، وقيل: يأتي برابعة ليوتر المغرب، وهذا على كل حال من الأسباب المبيحة للصلاة في وقت النهي، كما نص على ذلك في حديث الباب، وقد سبق في أوقات النهي أنها تفعل فيها ذوات الأسباب، وإعادة الجماعة فيها من ذوات الأسباب.

    أما ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال، كما عند أصحاب السنن وهو حديث صحيح: ( أنه رآه رجل لم يصل، فقال: إني كنت قد صليتها، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي في يوم مرتين ) فإن المقصود ألا يصلي الإنسان في يوم مرتين، أي: أن ينوي كلتا الثنتين صلاة فريضة، فإنه لا يجوز أن يصلي الظهر مرتين، بل ينوي إحداهما نافلة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم هنا: ( فإنها لكما نافلة ) .

    الفائدة الثانية من الحديث: أن الصلاة الأولى التي صلاها المرء هي الفريضة؛ لأنه نواها فريضة وزال بها الوجوب عنه وبرئت بها الذمة، ولهذا قال هنا عليه الصلاة والسلام: ( فإنها لكما نافلة ).

    وقيل: إن الثانية هي الفريضة، وعلى هذا فإنه يجب عليه أن يرفض الأولى، قبل أن يدخل في الثانية، حتى يدخل في الثانية وذمته معلقة بالفريضة.

    وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: ( ليس ذلك إليك، إنما يحتسب الله عز وجل أيتهما شاء ) والصواب: أن الأولى هي الفريضة، وأما الثانية فهي النافلة.

    ومن فوائد الحديث: آكدية صلاة الجماعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جيء بهذين ترعد فرائصهما، وعاتبهما: ( ما منعكما أن تصليا معنا؟ ) ثم أمرهما أن يصليا مع الجماعة؛ لئلا يوجد في الأسواق أو المساجد .. أو غيرها من يمشي، أو يقعد، أو يعمل في وقت صلاة الجماعة، حتى ولو كان صلى بمفرده، أو صلى مع جماعة أخرى، فإن هذين كانا اثنين، والظاهر من حالهما أنهما صليا معاً، والاثنان فما فوقهما جماعة، ومع ذلك لم يعذرهما النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال: ( فصليا مع الإمام؛ فإنها لكما نافلة ).

    الفائدة الرابعة: وجوب إنكار المنكر، وتولي الإمام ذلك بنفسه، أو من ينيبه عنه، ويؤخذ ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان من المحتمل حينما جيء بهما أنهما لم يصليا الفريضة، وهذا لا شك منكر.

    ومن الفوائد: مشروعية صلاة الجماعة في السفر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في مسجد الخيف في منى، وأنكر على هذين تركهما صلاة الجماعة، لكن قد يستدل بحال الرجلين على عدم الوجوب في السفر، قد يستدل بحالهما على عدم الوجوب في السفر، إذ لم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم صلاتهما قبله، لكن أنكر عليهما ترك الصلاة معه، وفي هذا إشكال ذكرته قبل، إذ هما اثنان، ويحتمل أنهما صليا معاً، لكن لا شك أنه يخفف ويتسامح في صلاة المسافر ما لا يتسامح في غيره، فالمسافر من حقه أن يقصر الصلاة، بل السنة القصر، بل قال بعض أهل العلم: يجب عليه القصر، وهو يحتاج إلى الجمع أحياناً، وقد يصيب المسافر من وعثاء السفر وتعبه ما يترتب عليه ترك الجماعة.

    ومن فوائد الحديث: الإنكار على من ظاهر فعله المخالفة، ولو كانت حقيقته غير ذلك، كما في حال هذين الرجلين، فإن ظاهر فعلهما ترك الجماعة، أما الحقيقة فقد صليا مع إمام.

    ومن فوائد الحديث: تجنب مواطن الشبهات، وهو ظاهر.

    ومن فوائده: الأمر بالنوافل والحث والتحريض عليها، من غير إيجاب ولا إلزام، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإنها لكما نافلة ) دليل على أن أمره بقوله: (فصليا معه) هذا الأمر هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ قوله: ( إذا أتيتم والإمام لم يصل فصليا معه ) هل هو أمر للوجوب أو للاستحباب؟

    الأمر هنا للاستحباب والدليل قوله: ( فإنها لكما نافلة ) والنافلة هل هي مفروضة؟ ليست مفروضة، النافلة مستحبة وليست بواجبة، ففي الحديث قرينة على أن الأمر ليس للوجوب، وإنما هو للاستحباب.

    1.   

    شرح حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به ...)

    الحديث الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، إذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين ) .

    يقول المصنف رحمه الله: رواه أبو داود وهذا لفظه وأصله في الصحيحين.

    تخريج الحديث

    هذا الحديث أخرجه البخاري بنحوه كما في مواضع، منها: كتاب الأذان، باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة.

    وأخرجه مسلم أيضاً في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأمومين بالإمام.

    ورواه أبو عوانة، وابن أبى شيبة، وأحمد، وأبو داود، كما ذكر المصنف بهذا اللفظ في كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود.

    ورواه النسائي أيضاً في افتتاح الصلاة، باب تأويل قول الله عز وجل: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].

    ورواه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب إذا قرأ فأنصتوا.

    ورواه الطحاوي، وعبد الرزاق، والبغوي، وابن حبان .. وغيرهم.

    شواهد الحديث

    وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة، أذكرها؛ لأننا سوف نحتاجها بعد قليل أدلة لإحدى المسائل الفقهية.

    فمن شواهد الحديث: ما روته عائشة رضي الله عنها، كما في الصحيحين في البخاري ومسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو شاكٍ -أي: مريض- فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بيده أن اجلسوا، فلما انصرف، قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً أو جالساً فصلوا جلوساً ). هذا الحديث متفق عليه.

    الشاهد الثاني: حديث أنس رضي الله عنه وهو بنحو حديث عائشة السابق، هذه ثلاثة أحاديث: حديث عائشة، وحديث أنس، والثالث: حديث أبي هريرة .

    قال ابن حبان رحمه الله كما في صحيحه، وهو في كتاب الإحسان المطبوع، قال: هذه السنة -يعني: القعود وراء الإمام- رواها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من الصحابة، وعد منهم: أنس بن مالك وعائشة وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وأبا أمامة الباهلي .. وغيرهم.

    الأقوال في حكم اقتداء المأمومين بالإمام الجالس

    وفي الحديث مسألة فقهية: وهي مسألة اقتداء المأمومين بالإمام الجالس، أو صلاة المأمومين جلوساً خلف الإمام الجالس.

    وهذه المسألة فيها أقوال كثيرة أسردها الآن، ثم أذكر بعض فوائد حديث الباب.

    القول الأول: إذا صلى الإمام قاعداً صلى المأمون خلفه قعوداً وأدلته

    القول الأول: أن الإمام إذا صلى قاعداً لعذر بطبيعة الحال؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يصلي قاعداً إلا لعذر، لقول الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فإذا صلى الإمام قاعداً لعذر، صلى المأمومون وراءه قعوداً أيضاً، وهذا هو رواية معروفة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو مروي عن الإمام مالك رحمه الله، كما ذكر ذلك ابن حبان، ولم أر أحداً ذكر هذا رواية عن مالك غير ابن حبان، كما في كتاب الإحسان المطبوع، وهو مذهب الظاهرية، مذهب داود الظاهري وابن حزم، وسائر أهل الظاهر، واختاره فقهاء أهل الحديث، كـالبخاري، ومحمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة، وابن المنذر .. وغيرهم، ونقل هذا القول عن جماعة من الصحابة منهم من سبق، كما ذكرت كلام ابن حبان فيمن نقلوا هذه السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كـأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعائشة، وعبد الله بن عمر، وأبي أمامة الباهلي، وجابر بن عبد الله .. وغيرهم، وينبغي أن يكون هذا القول أيضاً هو قول ابن حبان، فقد نصره في صحيحه نصراً عظيماً، ورد على من خالفوه، وهو معدود في فقهاء أهل الحديث.

    وحكى ابن حزم هذا القول أنه مذهب جمهور السلف، بل إن ابن حبان رحمه الله حكاه إجماعاً عن الصحابة وإجماعاً عن التابعين؛ لأنه قال: إن هذا قول من ذكرنا من الصحابة، ولا يعلم لهم مخالف، فيجب أن يكون ذلك إجماعاً، ثم حكاه عن جماعة من التابعين، كـجابر بن زيد أبي الشعثاء .. وغيره، قال: ولا يعلم لهم مخالف، فيجب أن يكون إجماعاً من التابعين، قالوا: وأول من أبطل صلاة المأموم قاعداً، إذا صلى جالساً خلف إمامه الجالس هو المغيرة بن مقسم، وهو صاحب النخعي، ثم أخذ هذا القول عنه حماد بن أبي سليمان، وأخذ أبو حنيفة هذا القول عن حماد بن أبي سليمان .

    هذا القول له أدلة، منها:

    أولاً: حديث أبي هريرة : ( وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين ) والحديث متفق عليه.

    الدليل الثاني: حديث عائشة في القصة: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام سقط من فرس، فجحش شقة أو ساقه، فصلى في بيته قاعداً، وصلى بصلاته أقوام، فأشار إليهم أن أجلسوا، ثم قال: إذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلواً قعوداً أجمعين ) .

    الدليل الثالث: حديث أنس كما سبق في القصة ذاتها، طيب. هذه ثلاثة أدلة سبقت.

    ومن الأدلة أيضاً وهو الدليل الرابع: ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ضمن حديث طويل: ( إن من طاعة الله أن تطيعوني، ومن طاعتي أن تطيعوا أمراءكم، فإن صلوا قياماً فصلوا قياماً، وإن صلوا قعوداً فصلوا قعوداً ) وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني، والطحاوي، ورواه ابن حبان وصححه، وقال الهيثمي : رجاله ثقات، وسند الحديث لا بأس به، وهو يتقوى بما سبق.

    الدليل الخامس: ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه قوم وقد حضرت الصلاة فصلى بهم قاعداً وهم قيام، فلما حضرت الصلاة الأخرى ذهبوا يقومون، فقال: ائتموا بإمامكم، فإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً، وإن صلى قائماً فصلوا قياماً ) .

    وهذا الحديث رواه أحمد، ورواه بنحوه البخاري في صحيحه، وفي قوله: ( إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً ) .

    والدليل السادس: حديث جابر بنحو حديث أنس السابق، وقد رواه أبو داود، وابن خزيمة، والبيهقي، وسنده صحيح، بل هو على شرط مسلم، وقد جاء عند أبي داود وغيرهم أحاديث كثيرة، هي بنحو ما ذكرت، فلا داعي للإطالة بسردها.

    هذا هو القول الأول، وهذه أدلته.

    القول الثاني: عدم جواز صلاة المأموم القادر على القيام خلف الإمام القاعد وأدلته

    القول الثاني: أنه لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد، أنه لا يجوز له أن يصلي خلفه إلا قائماً، فيقوم المأمومون، ولو كان الإمام قاعداً لعذر، وهذا مذهب أبي حنيفة، كما أشرت إليه قبل قليل في النقل الذي ذكرته عن ابن حبان، وينبغي أن يكون هو أيضاً مذهب المغيرة بن مقسم، وحماد بن أبي سليمان، وفي النقل السابق عن ابن حبان ما يرشد إلى ذلك، وهو مذهب الشافعي، حيث ذكر الشافعي رحمه الله كما في كتاب الرسالة : أن ذلك الأمر بالقعود منسوخ، بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، وهو مذهب الحميدي أيضاً، فإن البخاري نقل عنه أن ذلك منسوخ، بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في مرض الموت، قال كما روى البخاري عن الحميدي : وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبه قال الثوري وأبو ثور وعبد الله بن المبارك، وهو رواية عن الإمام مالك، حكاها عنه الترمذي في سننه، وحكاها غيره، بل حكى هذا القول الخطابي في معالم السنن شرح أبي داود، عن أكثر الفقهاء، وحكاه الحازمي في كتاب الاعتبار، وابن المنذر عن أكثر أهل العلم، وقال النووي : هو مذهب جمهور السلف. وأنت تلاحظ التغاير بين نقل ابن حزم الذي حكى القول الأول عن جمهور السلف، والنووي حكى القول الثاني عن جمهور السلف، كل حكى بحسب اجتهاده وما اطلع عليه.

    حجة هذا القول الذي يبدو أنه مذهب الأكثرين من الأئمة المتبوعين: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -فيما روت عنه عائشة - صلى في مرض موته جالساً، والناس خلفه قيام )، وهذه آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    وقد جاء في صحيح مسلم صريحاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر رضي الله عنه قائم يقتدي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر ).

    فـأبو بكر كان قائماً إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أبو بكر يقتدي -كما تقول عائشة - بصلاة النبي صلى عليه وسلم، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر .

    هذا أقوى ما استدلوا به، وقالوا: هذا ناسخ لما سبق، ولا شك أن القول بالنسخ صعب؛ لأنه يتطرق إلى هذا احتمالات كثيرة، وإن كان هذا ما صرح به الحميدي والشافعي وغيرهما، لكن يتطرق إلى هذا احتمالات كثيرة، فيحتمل أن يكون ذلك لأن الناس ابتدءوا الصلاة قياماً، كما ذهب إليه أحمد رحمه الله، ويحتمل أن يكون الناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه، كما ذهب إليه جماعة، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان جواز القيام وجواز القعود، كما ذهب إليه جماعة، بل ويحتمل أمراً رابعاً ذكره ابن حزم : أن الناس كانوا قعوداً، وقد رد عليه العراقي في طرح التثريب من وجوه كثيرة، لا يتسع المجال لسردها، والصواب أن الناس كانوا يصلون قياماً خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر .

    المهم أن القول بالنسخ يحتاج إلى دليل صريح، لا يتطرق إليه الاحتمال.

    القول الثالث: عدم جواز صلاة القاعد بالقادر على القيام وأدلته

    القول الثالث: أن أصل الصلاة خلف القاعد لعذر لا تجوز، يعني: صلاة القادر على القيام خلف القاعد لعذر لا تجوز، فلا يجوز للناس أن يصلوا خلف القاعد لعذر، لا قياماً ولا قعوداً، وهذا المذهب المشهور عن مالك، وهو مذهب محمد بن الحسن الشيباني من فقهاء الأحناف، وحكاه ابن بطال عن الثوري، وقد روي هذا القول عن المغيرة بن مقسم كما سبق.

    وحجة أصحاب هذا القول ضعيفة، حجتهم ما رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحد بعدي جالساً ) يعني: لا يصلي إماماً وهو جالس.

    وهذا الأثر رواه عبد الرزاق في المصنف، ومحمد بن الحسن في موطئه وهو مطبوع، والدارقطني، والبيهقي، ولكنه ضعيف جداً، بل شبه الموضوع، قال الدارقطني : لم يروه عن الشعبي غير جابر الجعفي وهو متروك، والحديث يقول الدارقطني : مرسل لا تقوم به حجة. ومثل ذلك قال ابن حبان والبيهقي وابن عبد البر .. وغيرهم، فتكاد تجمع كلمة أهل الحديث على أن هذا الحديث لا يصح، وإن جاء من طرق أخرى غير ما ذكرت، فكلها طرق ضعيفة جداً.

    القول الرابع: اقتداء المأموم بما ابتدأ به الإمام من حيث القيام والقعود وأدلته

    القول الرابع والأخير في المسألة، وهو مذهب الإمام أحمد المشهور عنه: أنه يقول بالتفصيل، فإن ابتدأ الإمام الصلاة قائماً، ثم طرأ عليه العذر الموجب للقعود فقعد، ظل من وراءه قياماً؛ لأنه ابتدأ الصلاة قياماً، فوجبت عليهم قائمين، وإن ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً لعذر، صلوا وراءه قعوداً.

    إذاً: القول الثاني في مذهب الإمام أحمد : التفصيل: أنه إن ابتدأ الصلاة قائماً، ثم طرأ عليه العذر صلوا قياماً، أما إن ابتدأ الصلاة قاعداً، وكان عذره من أول الصلاة، فإنهم يصلون وراءه قعوداً، وذلك جمعاً بين الأحاديث؛ فإن الإمام أحمد يقول: إنهم لما كانوا في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأشار عليهم أن اجلسوا؛ لأنه ابتدأ الصلاة قاعداً، كان قاعداً عليه الصلاة والسلام من أول الصلاة، أما في مرض موته، فإن أبا بكر رضي الله عنه ابتدأ الصلاة بالناس قائماً، ثم جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بهم، وصلى أبو بكر بصلاته، ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى هذا التفصيل.

    ولا شك أن هذا التفصيل ليس بقوي والله تعالى أعلم، لوجوه:

    منها:

    أولاً: الإشكال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان هو الإمام أو أبو بكر؟ وهذا فيه كلام طويل.

    الإشكال الثاني: أن القول بالتفريق بين ما إذا ابتدءوا قائمين، أو ابتدءوا قاعدين وأن هذا فرق مؤثر يترتب عليه حكم شرعي، أن ذلك يحتاج إلى دليل، وقد ثبت في الدليل أن الناس في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدءوا صلاتهم قياماً، ثم أشار إليهم أن اجلسوا، فربما استدل بذلك على أن هذا الفرق غير مؤثر، وأن التفصيل بين حال ما إذا طرأ عليه العذر، أو كان العذر من أول الصلاة، أن ذلك قد لا يكون قوياً جداً.

    وعلى كل حال! هو أحد الروايتين في مذهب الإمام أحمد، ومع هذا فإن الإمام أحمد اشترط للصلاة خلف الإمام قاعدين عدة شروط:

    أولها: ما سبق أن يبتدئ الصلاة قاعداً، فلو ابتدأها قائماً صلوا قياماً، ولو قعد لعذر طارئ.

    الشرط الثاني: أن يكون هو إمام الحي.

    الشرط الثالث: أن يكون مرضه مرجو الزوال، أما إن كان مرضه غير مرجو الزوال، فإنه يؤتى بإمام آخر غيره.

    هذه أربعة أقوال، ومن تأمل في أدلة هذه الأقوال ونظرها، ربما يتحير في اختيار أيها أقوى وأصح، ولكن الذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أن الأولى بالنصر والتعزيز ما دل عليه ظاهر الحديث: ( وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين أو أجمعون ) .

    فنقول: الأولى بالنصر والتأييد والترجيح هو القول الأول، الذي يجيز الصلاة خلف الإمام إذا صلى الإمام قاعداً، فيصلي من وراءه قعوداً، ونقول: الذي جعل لنا القيام في الصلاة فرضاً أو ركناً أو واجباً من هو؟ أليست الشريعة؟ أليس الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ بلى.

    طيب، والذي قال لنا: ( وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين ) هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فنقول: الأصل أن يصلي القادر قائماً، إلا إن صلى خلف إمام قاعد لعذر، فإنه يصلي قاعداً في الفرض والنفل على حد سواء، كما دل على ذلك الحديث الصحيح، بل الأحاديث الصحيحة، ولا يوجد ما يعارض ذلك.

    أما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، ففيها الإشكالات التي ذكرتها سابقاً، وبناء عليها؛ فإن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، ولا تقوى تلك الأحاديث على معارضة الأحاديث القوية الكثيرة الصحيحة القولية والفعلية، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وهو الذي كان عليه العمل عند جماعة من الصحابة، كما رواه أبو داود وغيره رضي الله عن الصحابة أجمعين.

    فوائد الحديث

    في الحديث فوائد نختم بها؛ لأن الوقت انتهى.

    في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فوائد:

    منها: عدم جواز تقدم المأموم على الإمام؛ لقوله: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) وهو مذهب الجمهور.

    ومن الفوائد: أنه لا تعلق لصحة صلاة المأموم بصحة صلاة الإمام، فقد تصح صلاة المأموم، ولا تصح صلاة الإمام، ولذلك قال: (إنما) وهذه أداة حصر. (إنما جعل الإمام) لماذا؟ (ليؤتم به).

    إذاً: قد تصح صلاة المأموم، ولا تصح صلاة الإمام، والعكس، قد تصح صلاة الإمام، ولا تصح صلاة المأموم، وذلك كما لو صلى الإمام مثلاً على غير طهارة ناسياً، وصلى وراءه المأمومون، فالصواب أن صلاتهم صحيحة وصلاته هو باطلة ولا بد من إعادتها.

    ومن فوائد الحديث: وجوب الاقتداء بالإمام في الأفعال والأقوال، إلا ما دل الدليل على استثنائه، ولهذا قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فركعوا، وإذا سجد فاسجدوا ) .. إلى آخر الحديث.

    ومن فوائد الحديث: أن فعل المأموم يكون متراخياً عن فعل الإمام يأتي بعده، فلا ينتقل المأموم إلى ركن إلا بعد أن يتم انتقال الإمام إليه، فلا تركع حتى يتم الركوع، ولا تسجد حتى يتم السجود، ولهذا قال: (فإذا كبر) يعني: انتهى من التكبير. (فكبروا)، (وإذا ركع) يعني: تم ركوعه (فاركعوا)، (وإذا سجد) يعني: وصلت أعضاء سجوده كلها إلى الأرض (فاسجدوا)؛ ولهذا كان كما في حديث البراء وهو في البخاري قال: ( فإذا كنا خلفه عليه الصلاة والسلام لم يحن أحد منا ظهره، حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساجداً، ثم نسجد بعده ).

    ومن فوائد الحديث: وجوب تكبيرة الإحرام؛ لقوله: ( فإذا كبر فكبروا )، خلافاً لمن لم يقل بوجوبها، أو قال بأنه يجزئ عنها غيرها من الألفاظ، كقول: الله أجل، أو الله أعظم، ومذهب الجمهور وجوبها، بل قال كثير منهم: إنها ركن من أركان الصلاة.

    ومن فوائد الحديث: أن الاقتداء بالإمام إنما هو فى الأشياء الظاهرة، وليس في الأشياء الباطنة؛ ولهذا قال في تفسير: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، قال: فإذا ركع)، (فإذا كبر) (فإذا سجد) أي: في الأشياء الظاهرة، أما الأمور الباطنة فلا تعلق لها بالإمام، فمثلاً: يجوز أن يكون هناك اختلاف في النية بين الإمام والمأموم، فيكون الإمام ينوي الظهر، والمأموم ينوي العصر، أو ينوي الإمام فريضة والمأموم ينوي نافلة، أو العكس؛ لأن هذا الأمر الوارد: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) إنما هو في الأشياء الظاهرة، حيث بينه عليه الصلاة والسلام بقوله: (فإذا كبروا) و(إذا ركع) و(إذا سجد).

    ومن فوائد الحديث: أن قراءة الإمام تجزئ عمن وراءه، ولهذا جاء في الرواية الأخرى: ( وإذا قرأ فأنصتوا ) وهي عند أهل السنن، وقال الإمام أحمد : هو حديث صحيح .

    فقراءة الإمام تجزئ عن قراءتهم إذا لم يستطيعوا القراءة.

    ومن فوائد الحديث: أن الإمام إن صلى قاعداً صلى المأمومون قعوداً كما سبق تفصيله في المسألة.

    ومن الفوائد: أنه إذا قال الإمام: (سمع الله لمن حمده) قال المأموم: (ربنا ولك الحمد) ولا يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، بل يقول: ربنا ولك الحمد، أو: اللهم ربنا ولك الحمد، أو: اللهم ربنا لك الحمد، كل هذه الوجوه وردت، وقد سبق ذكرها في صفة الصلاة.

    هذه أهم فوائد الحديث.

    1.   

    شرح حديث: (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من وراءكم ...)

    ننتقل للحديث الثالث نختم به إن شاء الله ليس فيه كبير شيء.

    الحديث حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً، فقال: تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من وراءكم، ولا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله ) .

    تخريج الحديث

    الحديث رواه مسلم كما ذكر المصنف فى كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها.

    ورواه أبو داود أيضاً في كتاب الصلاة، باب صف النساء، وكراهية التأخر عن الصف الأول.

    ورواه النسائي في الإمامة، باب الائتمام بمن يأتم بالإمام، وآخر الحديث عندهم كما ذكرته في قراءة الحديث: ( ولا يزال أقوام يتأخرون، حتى يؤخرهم الله ).

    معاني ألفاظ الحديث

    قوله: (رأى في أصحابه تأخراً) يعني: عن الصفوف في الصلاة، أنهم يتأخرون عن الصف الأول.

    وقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (تقدموا) أي: تقدموا إلى الصف الأول، أو إلى الصفوف الأول.

    (فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم) أي: من وراءكم، فيستدل على أفعالي بأفعالكم، يعرف أني ركعت بركوعكم، والمقصود بمن بعدهم الصفوف المؤخرة، التي قد لا ترى الإمام، أو لا تسمع تكبيره أو تسميعه.

    وقوله: (لا يزال أقوام يتأخرون) أي: عن الصفوف الأول.

    (حتى يؤخرهم الله تعالى) فيجازيهم بجنس عملهم، بأن يؤخر عنهم رحمته أو فضله.

    هذا ما يتعلق بمعنى الحديث.

    فوائد الحديث

    أما فوائد الحديث فمنها:

    أولاً: استحباب التبكير إلى الصلاة؛ لقوله: (تقدموا).

    ثانياً: فضيلة الصف المقدم.

    ثالثاً: أن الجزاء من جنس العمل: (ولا يزال أقوام يتأخرون، حتى يؤخرهم الله).

    رابعاً: جواز الاستدلال على فعل الإمام بفعل من وراءه، كما إذا كان الإنسان لا يسمع صوت الإمام، أو لا يراه، فيستدل على فعله بفعل من وراءه، ممن يراهم من المأمومين، فيقتدي بالإمام في الحقيقة، اقتداؤه بالإمام، لكنه استدل على فعل الإمام بما يرى من فعل المأمومين.

    الخامسة: جواز التبليغ عن الإمام إذا احتيج إلى ذلك، فيرفع صوته بالتكبير ليسمعه الناس، أو بالتسميع.

    والسادسة: جواز الاعتماد على المبلغ الذي يرفع صوته بالتكبير ونحوه.

    هذه أهم الفوائد.

    في الأسبوع القادم إن شاء الله عندنا حديث زيد بن ثابت، وحديث جابر، وعائشة، وأبي هريرة .

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767456301