إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونصلي ونسلم على خاتم رسله، وأفضل أنبيائه، وخير أصفيائه محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الأحاديث التي عندنا اليوم ثلاثة أحاديث، هي آخر أحاديث في موضوع سجود السهو, وكلها أحاديث ضعيفة, فقد ختم المصنف رضي الله عنه كل حديث منها بقوله: بسند ضعيف, ولكن إن شاء الله نرجو أن يكون فيها على الأقل مفاتيح لبعض المسائل.
الحديث الأول منها: حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا شك أحدكم فقام في الركعتين، فاستتم قائماً، فليمض، ولا يعود, وليسجد سجدتين, فإن لم يستتم قائماً، فليجلس، ولا سهو عليه ).
وروى الحديث أيضاً ابن ماجه كما ذكر المصنف, والدارقطني باللفظ المذكور، في باب الرجوع إلى القعود قبل استتمام القيام, ورواه أيضاً أحمد في مسنده، والبيهقي في سننه .. وغيرهم بألفاظ متقاربة.
ومدار إسناد الحديث على جابر بن يزيد الجعفي، كما ذكر أبو داود أنه رواه من طريقه, فمدار الأسانيد كلها على جابر الجعفي , وهو شيعي أو رمي بالتشيع, ونسب إليه أنه يقول بالرجعة, رجعة الإمام علي رضي الله عنه, وفسر قوله تعالى -كما في مقدمة صحيح مسلم وغيره- قوله تعالى: فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [يوسف:80] قال: هذه لم يجئ تأويلها بعد. وفسره بالرجعة, ونسب إليه ابن حبان ذلك.. وغيره, بل قال ابن حبان : إنه من السبئية، يعني: من أتباع وأصحاب عبد الله بن سبأ ابن السوداء اليهودي صاحب صنعاء , وكذبه غير واحد, وضعفه الكثيرون, ووثقه جماعة, قال ابن قتيبة : كان يؤمن بالرجعة, وكان صاحب نيرنجات وشبه, يعني: أكاذيب وأغاليط, والجمهور على تضعيفه, وبناء عليه فالحديث ضعيف , ومع ضعفه فإنه يعارضه حديث آخر لا بأس بإسناده, وهو حديث أنس رضي الله عنه: ( أنه تحرك للقيام في الركعتين من العصر -يعني: بعد الركعتين- ونسي التشهد الأول, فسبحوا به من ورائه فجلس, ثم سجد للسهو ).
وحديث أنس هذا رواه البيهقي في سننه، والدارقطني في كتاب العلل بإسناده, وأشار الدارقطني إلى أنه جاء في بعض الطرق من حديث أنس هذا، أنه قال: (هذه هي السنة), يعني: ما فعله رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص : ورجاله ثقات.
حديث أنس هذا يخالف حديث الباب من وجهين أو من وجه واحد، فما وجه مخالفته لحديث الباب؟
حديث أنس ما ذكر السجود قبل السلام ولا بعده, قال: سجد للسهو.
ولو سهواً عليه, وحديث أنس أنه سجد للسهو مع أنه لم يستتم قائماً، ولا شك أن حديث أنس أولى بالصواب لأمور:
أولها: أنه أصح إسناداً؛ لأن ظاهر إسناده أن رجاله ثقات، كما ذكر الحافظ، فهو أولى بالقبول والصواب.
ثانياً: أنه من حيث النظر أليق بالأصول وأنسب, فإن القيام نسياناً من التشهد الأول هو سهو في الصلاة, ولو لم يستتم قائماً، فهو إذاً ينبغي أن يسجد له.
أولاً: من حيث النظر أنه قام عن واجب وشرع في ركن, فلا ينبغي أن يقطعه ويعود إلى غيره، وهو القيام.
ثانياً: مر معنا حديث نص في المسألة.
قام الرسول عليه الصلاة والسلام وعليه جلوس, حديث عبد الله ابن بحينة، فإن حديث عبد الله ابن بحينة فيه: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام عن التشهد الأول ناسياً، ولم يعد إليه, ثم سجد للسهو ) فيحمل هذا على أنه صلى الله عليه وسلم لم ينتبه ويتذكر إلا بعد ما استتم قائماً, فلم يعد، ولكنه استمر في صلاته ثم سجد للسهو بعد ذلك قبل أن يسلم.
فهذه هي الحالة الأولى, وهذا كما قال النووي في المجموع : هذا المذهب وبه قطع الجمهور, يعني: مذهب الشافعية، أو قطع به جمهورهم, وسيأتي أنه مذهب غيرهم أيضاً.
مالك رحمه الله يقول: إن كان إلى القيام أقرب لم يعد, -يعني: إن كان قريباً من القيام، فإنه يكمل القيام ولا يعود-، وإن كان إلى القعود أقرب، فإنه يعود. فألحق الحالة بما هو أقرب إليها, قال: إن كان قام أكثر القيام ولم يبق إلا قليل، أكمل القيام, فإن كان أقرب إلى القعود فإنه يرجع, هذا مذهب مالك .
أما النخعي فإنه يقول: إن ذكر قبل الاستفتاح -يعني: قبل قراءة الفاتحة- عاد ولو كان استتم قائماً, وإن لم يذكر إلا بعد أن شرع في الفاتحة لم يعد, وهذا وجه ضعيف أيضاً عند الشافعية.
ونقل أيضاً عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: إن ذكر قبل الركوع رجع، وإن لم يذكر إلا بعد ما ركع، فإنه يستمر في صلاته. والأقوى هو الأول, أنه إن استتم قائماً لم يعد، وإن لم يستتم قائماً رجع.
أما سجود السهو فالأقرب أن عليه السجود في الحالين، إلا إذا كان لم يبدأ في القيام، يعني: مثلاً نهض من السجود على نية القيام، ثم تذكر أن عليه جلوساً، يعني: للتشهد، قبل أن يبدأ في القيام, يعني: قبل أن تنفصل العضلات عن بعضها بما يدل على أنه بدأ في النهوض.
الحديث كما ذكر المصنف في التلخيص الحبير : رواه الدارقطني، فهو في سنن الدارقطني، في الجزء الأول، صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة، في كتاب الصلاة، باب: ليس على المقتدي سهو، وعليه سهو الإمام, وكذلك رواه البزار ورواه البيهقي .. وغيرهم, وفي إسناده عندهم جميعاً خارجة بن مصعب كما ذكر المصنف, وهو ضعيف, فالإسناد ضعيف.
مثلما لو نسي التسبيح في الركوع أو السجود، أو الدعاء بين السجدتين، أو نسي القراءة في التشهد الأول مثلاً, فحينئذٍ الحديث يدل على أنه ليس عليه سهو, وأن الإمام يتحمل عنه هذا النقص الحاصل في صلاته, إنما يجب السهو على المأموم إذا سها الإمام فقط، فيسجد معه, وهذا قول الحنفية والشافعية وعامة أهل العلم, وقد نقل عن مكحول من التابعين أنه قام عن قعود إمامه فسجد، يعني: سها وهو مأموم، فقام يظن الإمام قائماً، فسجد للسهو، قبل السلام أو بعده، لم يذكر هذا، المهم أنه سجد, وهذا يدل على أنه يرى أن الإمام لا يتحمل سهو المأموم في كل حال.
وعلى كل حال فالحديث حجة عليه لو صح, فإذا لم يصح الحديث فما هي الحجة على مكحول؟
حديث ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة، فهو حجة على أن الإمام يتبع, وكذلك يحتج بأحاديث أخرى على أن الإمام يتحمل, مثل؟
( ... يصلون، فإن أصابوا فلكم ولهم, وإن أخطئوا فعليهم ولكم ), فهذا يدل على كون الإمام يتحمل عن المأموم أشياء في الصلاة، مثل: الفاتحة لو جاء والإمام راكع، وهذا دليل على أنه يتحمل عنه السهو الذي يقع منه أيضاً, لكن ينبغي من الناحية الفقهية البحتة أن يعرف أن في المسألة حالات:
عليه, قبل السلام أو بعد السلام؟
قبل السلام؛ لأنه عن نقص, المأموم هل يسجد معه أو لا يسجد؟ يسجد قولاً واحداً, مع أن المأموم حينئذٍ لم يكن منه سهو، ولكن يسجد موافقة للإمام، هذه حالة.
لو فرضنا أن المأموم فاتته الركعة الأولى من صلاة الظهر, وكان الإمام سجد في تلك الركعة ثلاث سجدات ناسياً, فهل على الإمام حينئذٍ والمأموم سجود أو ليس عليهم سجود؟ الذين أدركوا الصلاة كلها عليهم سجود قبل السلام أو بعد السلام؟
بعد السلام؛ لأنه عن زيادة, هذا المسبوق إذا سلم الإمام، فإن من شأنه أن يقوم للقضاء, سنذكر بعد قليل تفصيل المسألة, لكن السؤال الذي يعنينا الآن: هل على المأموم في الحالة هذه السجود، باعتبار التبعية للإمام، أو ليس عليه سجود باعتبار أنه لم يدرك السهو؟
الذي يتكلم لابد أن يتكلم بناء على دليل ومعرفة, نعم.
عليه السجود، والدليل؟
نقول: عليه السجود؛ والدليل أنه أصلاً لا يدري ما هو سهو الإمام؟ لا يعلم أين سهو الإمام؟ فيفترض أنه يحتمل أن يكون سهو الإمام فيما أدرك هو من الصلاة, أما كونه أخر السجود إلى ما بعد السلام، فقد يكون أخره.
ناسياً، ثم ذكر بعدما سلم، فسجد للسهو, وبناء عليه نقول: يجب على المأموم أن يسجد للسهو حينئذ, هل هناك وجه آخر أو دليل آخر؟
لا, نحن نريد أدلة على الوجوب أولاً, أدلة على وجوب السجود، وأن هذا من كمال الائتمام بالإمام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ), أيضاً.
إن متابعة الإمام واجبة, فلو قام الإمام عن التشهد الأول وجبت متابعته, فدل على أنه يتابع في هذه الحالة, وهذا هو الصحيح أنه يجب على المأموم متابعة إمامه, ولو كان السهو فيما فاته من الصلاة, قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك, يعني: على وجوب السجود على المأموم تبعاً لإمامه, وذكر إسحاق بن راهويه أيضاً أن هذا إجماع أهل العلم، سواء كان السجود قبل السلام أو بعد السلام, واستدل بحديث: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ).
إذاً: إذا كان المأموم مسبوقاً فسها إمامه فيما لم يدركه من الصلاة، فإن عليه سجود السهو معه، وقد روي هذا القول عن جماعة كثيرة من أهل العلم، منهم: عطاء، والحسن، والنخعي، والشعبي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وابن سيرين، وإسحاق، ومالك، والأوزاعي، والليث، والشافعي .. وغيرهم، على تفاصيل بينهم متى يسجد المأموم؟ هل يسجد مع الإمام أو يسجد بعد السلام؟ المهم اتفقوا على أنه يسجد, وهذه لها أحوال تشبه ما ذكرناه قبل قليل.
الحالة الأولى: إذا استتم قائماً لقضاء الركعة, فحينئذ نقول له: لا يرجع, ولكنهم في هذه المسألة تسامحوا, ونصوا -فيمن في ذلك الإمام أحمد - على أنه لو رجع لا شيء عليه, هذا إذا استتم قائماً قبل أن يشرع في قراءة الفاتحة, هذه حالة.
الحالة الثانية: إذا لم يستتم قائماً، فإنه يعود ويسجد للسهو مع إمامه.
هذه أصبحت واضحة.
الحالة الثالثة: استتم قائماً وشرع في قراءة الفاتحة, فحينئذٍ يحرم عليه الرجوع؛ لأنه -كما قلنا- بدأ بركن، فلا يجوز له أن يقطعه إلى ما ليس بركن.
إذاً: حال المأموم على ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: ألا يستتم قائماً, وأدرك أن الإمام قد سجد للسهو، فحينئذٍ نقول: عليه أن يرجع ويسجد مع الإمام.
الثانية: أن يستتم قائماً دون أن يقرأ الفاتحة, فحينئذٍ هو مخير, والأولى ألا يعود, الأولى ألا يرجع, وبعضهم صرح بتحريم الرجوع, والإمام أحمد تسامح في هذا, ولكن رأى أن الأولى ألا يعود.
الحالة الثالثة: أن يستتم قائماً, ويشرع في الفاتحة, فحينئذٍ يحرم عليه أن يرجع.
الحديث الثالث: حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ) .
إذا ما رجع، مثلاً: استتم قائماً, أو شرع في قراءة الفاتحة, وأكمل الذي عليه, فمتى يسجد للسهو؟
يسجد بعدما يقضي صلاته سواء قبل السلام أو بعده, فيه تفصيل واختلاف، المهم أنه إن لم نقل إجماعاً فهو مذهب جماهير أهل العلم, وكافة أهل العلم أن عليه سجود السهو بعدما يقضي ما فاته.
لأن فيه إسماعيل بن عياش، وراويته عن الحجازيين ضعيفة , وهذه هي العلة التي ضعفه بها البيهقي، فإن البيهقي قال في كتاب المعرفة كما أسلفت، قال: تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بالقوي. وكذلك ضعفه غير البيهقي، المصنف مثلاً ضعفه هنا, وكذلك ذكرت تضعيفه عن من؟ نقلت تضعيفه عن؟ من يذكر؟ المصنف يقول ...., نقلت تضعيفه -إن لم تكن خانتني الذاكرة- عن النووي، قال: في حديث ضعيف ظاهر الضعف, كما في كتاب المجموع له, يقين أني ذكرت هذا في الأسبوع الماضي, هؤلاء ضعفوه.
وقد تعقب ابن التركماني في الجوهر النقي البيهقي على تضعيف هذا الحديث, وقال: إن ابن عياش -إسماعيل - روى هذا الحديث عن رجل شامي، وهو عبيد الله الكلاعي , وقد قال البيهقي نفسه كما يقول ابن التركماني، في باب ترك الوضوء من الدم: قال البيهقي : ما رواه ابن عياش عن الشاميين صحيح. يقول ابن التركماني : فلا أدري من أين جاء الضعف لهذا الحديث؟ يعني: ما دام البيهقي صحح ما رواه ابن عياش عن الشاميين, وهذا الحديث رواه عن عبيد الله الكلاعي وهو شامي, فالمفترض على قاعدة البيهقي .. وغيره: أن يكون هذا الحديث صحيحاً؛ لكن في الحديث علة أخرى: وهي أن فيه زهيراً , كنيته أبو زهير بن سالم , زهير بن سالم لم يوثقه غير ابن حبان , وقد قال الدارقطني عن زهير هذا: منكر الحديث. فالحديث إن سلم من علة إسماعيل بن عياش، لا يسلم من علة زهير بن سالم.
الأولى: حكم سجود السهو, وفي حكم سجود السهو ثلاثة أقوال، سأذكرها وأطلب منكم أدلتها؛ لأن معظم أدلتها سبقت معنا.
وربما استدلوا من حيث النظر على أنه زيادة، ليست من صلب الصلاة، فلم تكن واجبة. هذا القول الأول.
الأدلة هي:
حديث ابن مسعود , ما هو اللفظ الذي نتمسك به؟
قوله: ( إذا شك أحدكم في صلاته ) إلى قوله: ( ثم ليسجد سجدتين ) فإن قوله: (ليسجد) هذا فعل مضارع مقرون بلام الأمر، فهو إحدى صيغ الوجوب، كما هو مقرر عند الأصوليين, فظاهره الوجوب إلا بقرينة, هذا دليل.
أيضاً: حديث عبد الله بن جعفر كيف تتمسك به على الوجوب؟
في حديث عبد الله بن جعفر : ( فليسجد سجدتين بعدما يسلم ) كل هذه الأحاديث سبقت معنا, وهو كالسابق فيه الأمر.
راوية البخاري : ( فليتم، ثم ليسجد سجدتين ), وهي إحدى روايات حديث ابن مسعود .
أيضاً من الأدلة: حديث أبي هريرة في فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه سجد للسهو, وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ), وغيره من الأحاديث التي فيها فعله عليه الصلاة والسلام.
أيضاً: حديث ذي اليدين , فإن نظرنا إلى كونه فعله عليه الصلاة والسلام، مع أنه قال كما سلف: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ).
ومن الأدلة أيضاً: ( سجد بعد السلام والكلام ) رواية .... من حديث عبد الله بن مسعود .
أيضاً من الأدلة: حديث ثوبان الذي هو موضوع الحديث الآن: ( لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ), والحديث وإن كان إسناده ضعيفاً كما ذكرنا، إلا أن له شواهد ذكرناها في الأسبوع الماضي, فهو يدل على وجوب سجود السهو.
أيضاً: حديث المغيرة إن صح فقوله: ( ليسجد سجدتين ) حديث عمران بن حصين، وقد سبق بروايتيه من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب سجود السهو, وسيأتي مزيد تفصيل ذلك.
نعم, إن كان عن نقص فهو جبر, ولا ينبغي أن ينصرف من صلاته إلا بعدما يجبر نقصها, أما إن كان عن زيادة، فهو كما سبق ترغيم للشيطان، وليس بواجب.
هل يمكن أن يستأنس لمذهب مالك بالحديث؟ هل يمكن أن يستأنس له بحديث سبق معنا؟ ( ... كانت له نافلة ) في حديث أبي سعيد عند أبي داود وابن ماجه , هذا قد يستأنس به للإمام مالك .
أيضاً: هناك حديث آخر, حديث ذكرناه سابقاً عند الأثرم : أنه سأل الإمام أحمد عن معنى حديث: ( لا غرار في الصلاة ), فقال بعضهم: يعني لا ينصرف من صلاته إلا بعد ما تيقن أنه قد أتمها, فقد يستأنس له بذلك.
إذا سها عن ركن, هل يصلح هذا الكلام؟
لأن الركن لا يجبره سجود السهو.
إذاً: هذا الكلام والله أعلم هو فيما إذا سها عن واجب, أما إذا سها عن سنة, سها لترك سنة, فالجمهور على أنه لا يشرع له سجود سهو أصلاً, قال الحسن، وعطاء، وسالم، ومجاهد، والقاسم، والشعبي، وعلقمة، والأسود، والأوزاعي، والشافعي .. وغيرهم: لا يسجد لترك سنة, وهو أيضاً رواية في مذهب الإمام أحمد، وقال آخرون فيما يتعلق بترك السنة: بل يشرع له أن يسجد، لكن لا يجب عليه السجود, وهذا هو ما نص عليه الإمام أحمد في مسألة من جهر في صلاة سرية، أنه يشرع له السجود، ولا يجب عليه, وقد صح: [ أن أنساً رضي الله عنه جهر في صلاة الظهر والعصر، ولم يسجد ] ولذلك قال الإمام أحمد : إن سجد من الجهر فلا بأس في ذلك, وإن لم يسجد فليس عليه شيء.
ومن الأدلة على أنه لا يجب السجود بترك السنة أن السنة أصلاً ليست واجبة, فالسجود جبر لما ليس بواجب فلا يكون واجباً, هو جبر لأمر ليس بواجب، فلا يكون هو واجباً, لكن هنا ينبغي التفطن إلى مسألة وهي: متى يسجد الإنسان استحباباً لترك السنة؟
الشيخ: نعم, إذا كان من عادته العمل بهذه السنة، ثم تركها ناسياً, مثال: الجهر كما ذكرنا والإسرار، إنسان صلى صلاة الظهر، وكان الجو مطيراً ومظلماً فصلوا في الدور الأرضي أو ما تحت الأرض, وفي غفلة نسي أنها صلاة الظهر فجهر يظن أنها المغرب, فسبحوا به أو لم يسبحوا, فهذا يشرع له أن يسجد, ولكن لا يجب عليه السجود, وعكسه لو أسر في صلاة جهرية، مثل: المغرب أو العشاء أو الفجر، فهذا يشرع له أن يسجد، ولا يجب عليه سجود, وكأن هذا أيضاً يقيد -والله أعلم- بقيد آخر: وهو أن تكون السنة من السنن الظاهرة، مثل: الجهر والإسرار.. ونحوهما, أما لو كانت من السنن الخفية، مثل: مسألة مثلاً وضع الأيدي في السجود, أو عدد ما يقوله في السجود أيضاً من التسبيحات.. أو نحو ذلك، فإنه لا يشرع له في حقها سجود, وبذلك نكون أتينا على معظم المسائل المهمة في سجود السهو، مع أنه ينبغي أن يعلم أن في سجود السهو مسائل وتفصيلات لا تظفر بها في هذا الدرس, وإنما تظفر بها في المطولات من كتب الفقه.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر