موضوع الدرس عن الأحاديث المتعلقة باستقبال القبلة، وهي أربعة دروس.
حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأشكلت علينا القبلة فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا لغير القبلة، فنزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] ).
الحديث يقول المصنف: رواه الترمذي وضعفه.
إذاً: الترمذي رحمه الله أعل الحديث بهذه العلة: وهي: أشعث بن سعيد أبو الربيع السمان .
والحديث قد رواه غير الترمذي، رواه الطيالسي في مسنده والدارقطني وابن ماجه وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم.
والحديث فيه علتان:
أولاهما: ما أشار إليه الترمذي فيما سبق أشعث بن سعيد أبو الربيع السمان وهو ضعيف، لكن أشعث هذا قد توبع، تابعه راو اسمه عمرو بن قيس، وروايته عند الطيالسي والبيهقي، قال: حدثنا أشعث بن سعيد وعمرو بن قيس، لكن عمرو بن قيس هذا لم أقف على ترجمته، فأخشى أن يكون مجهولاً .
وفي الحديث علة أخرى أيضاً: وهو أنه أن في إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعاصم هذا ضعيف أيضاً، حتى قال فيه الإمام مالك : [ شعبتكم هذا يشدد في الرجال ويروي عن عاصم ]؛ وذلك أن شعبة قد روى عن عاصم مع أن شعبة كان متشدداً لا يروي إلا عن الشيوخ الأقوياء الثقات، ولكنه تسامح في عاصم فروى عنه، فكان مالك ينتقده ويقول: [ شعبتكم هذا يشدد في الرجال ويروي عن عاصم ]، والغريب في الأمر أن مالكاً نفسه روى عن عاصم أيضاً، وأغرب من ذلك أن شعبة سئل عن عاصم فقال: لو قيل لـعاصم : من بنى مسجد البصرة ؟ لقال: حدثنا فلان حدثنا فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بناه فلان بن فلان! يعني: شعبة يتهم عاصماً بتهمة عظيمة، أنه أقرب ما يكون إلى شدة الضعف، وربما يتهمه بما هو أعظم من ذلك، يعني: ظاهر عبارته قد يدل على شدة الوهم، يعني: لا أظن -إن شاء الله- أنه يرميه بتعمد الكذب، ومع ذلك فإنه روى عنه.
الشاهد: أن عاصماً هذا يعتبر علة أخرى في الحديث، ففيه علتان، وبناءً على ذلك فالحديث ضعيف، أقل ما يقال فيه أنه ضعيف.
أولها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو عند الدارقطني والحاكم والبيهقي، قال الحاكم بعد ما رواه قال: رواته محتج بهم غير محمد بن سالم فإنني لا أعرفه بعدالة ولا جرح، قال: وقد تأملت كتابي البخاري ومسلم فلم أجدهما خرجا في هذا الباب شيئاً.
يعني: أن البخاري ومسلماً ما خرجا في (باب من صلى لغير القبلة باجتهاده) لم يخرجا في هذا الباب شيئاً، لكن تعقب الذهبي في التلخيص كلام الحاكم وقال: قلت: محمد بن سالم هو أبو سهل واه. فدل على أنه واه، فحديثه ضعيف جداً، لكن للحديث أيضاً طريقان أخرى عن جابر، هذا طريق عن جابر الذي فيه محمد بن سالم له طريق أخرى عند الدارقطني وغيره فيها العرزمي وهو ضعيف أيضاً، وله طريق ثالث فيها جهالة.
فللحديث ثلاث طرق عن جابر : طريقان منها قابلان للتقوي والانجبار.
الشاهد الثاني للحديث أيضاً: هو راوية معاذ بن جبل رضي الله عنه بنحو حديث الباب، وفيها: ( أنهم لما استبانوا أنهم لغير القبلة شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: لقد رفعت صلاتكم إلى الله عز وجل )، ولم يأمرهم بالإعادة.
وحديث معاذ رواه الطبراني في معجمه الأوسط كما ذكر ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد، رواه الطبراني في معجمه الأوسط، وفي إسناده رجل يقال له أبو عبلة واسمه: شمر بن يقظان، هذا الرجل ذكره ابن حبان في الثقات، وذكره أبو حاتم في الجرح والتعديل ولم يتكلم عليه بجرح ولا تعديل، فهو أقرب إلى المجهول .
هذه الطرق الثلاث الآن عندنا، صار عندنا ثلاثة أحاديث: حديث الباب الذي هو حديث عامر بن ربيعة وحديث جابر وحديث معاذ بن جبل، كلها معلة؛ ولذلك قال العقيلي في كتاب الضعفاء : لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه يثبت، وكذلك قال البيهقي : هذا الحديث ليس له إسناد يصح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ابن القطان ضعفه.
على أن هناك من العلماء من قوى هذه الطرق بعضها ببعض كما فعل الشوكاني، فإنه قال بعد أن ساق بعض هذه الطرق في كتاب نيل الأوطار، قال: هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً فتصلح للاحتجاج بها.
على كل حال: الأمر في ذلك -إن شاء الله- سهل؛ لأن المسألة التي يدل عليها الحديث نستطيع أن نستدل عليها بغير هذا الحديث حتى مع ضعفه؛ لأن طرقه كلها ضعيفة وضعف بعضها أو أكثرها -فيما يظهر لي- غير قابل للانجبار، لكن المسألة -كما أشرت- المتعلقة بالحديث سيأتي الاستدلال لها بغيره.
الحافظ ابن حجر رحمه الله رأى -كما في كتاب الدراية في تخريج أحاديث الهداية - أن هذا الحديث يعارض ما صح من طريق سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، [ أن هذه الآية -وهي قوله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]- قال: نزلت في التطوع خاصة، تصلي حيث توجه بك بعيرك ]، فـابن حجر قال: إن هذا يعارض هذا، والرواية الأخيرة عن ابن عمر أنها نزلت في التطوع خاصة إسنادها صحيح كما يقول ابن حجر .
والواقع أنه ليس بين الروايتين تعارض، فكلام ابن حجر أنه يعارضه يشكل عليه ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن المعارضة على فرض ثبوتها هي في السبب خاصة، يعني: في سبب النزول، يعني: الجزء الذي يعارض رواية ابن عمر هو قوله: (فنزلت فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115])، أما بقية القصة فلا معارضة فيها. هذا وجه.
الوجه الثاني: أنه حتى سبب النزول ليس فيه معارضة صريحة؛ لأن قول ابن عمر : (نزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115])، ليست صريحاً في أن هذا هو سبب النزول، قد يكون قوله (فنزلت) يعني أن هذا لبيان الحكم، ولا يلزم أن يكون هو سبب النزول.
الوجه الثالث: أن يقال: لا يمنع أن يجتمع الأمران معاً، فتكون الآية فيمن صلى لغير القبلة باجتهاد، وكذلك تكون الآية في التطوع على الراحلة في السفر كما سيأتي بعد قليل.
القبلة: هي الجهة التي يستقبلها المصلي ويتجه إليها، سميت بذلك لأنه يقابلها وتقابله فتكون قبلة له.
استقبال القبلة في الصلاة واجب بالكتاب والسنة وإجماع العلماء.
أما الكتاب: فقول الله عز وجل: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، فقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هذا نص في وجوب استقبال القبلة للمصلي.
وأما السنة: فقد وردت أحاديث كثيرة في وجوب استقبال القبلة، منها: ( قوله صلى الله عليه وسلم للرجل المسيء لصلاته الذي جاء فصلى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فعلها ثلاثاً. ثم قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها فعلمني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ، ثم استقبل القبلة فكبر )، وهذا اللفظ هو إحدى روايات الإمام مسلم في صحيحه، فأمره باستقبال القبلة.
ومن الأدلة على وجوب استقبال القبلة من السنة أيضاً: حديث أسامة بن زيد -وهو في الصحيحين-: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت -يعني: في حجة الوداع- فكبر في نواحيه كلها ودعا ولم يصل فيه، ثم خرج فصلى في قبل الكعبة ركعتين، وقال: هذه القبلة ).
ومن الأدلة من السنة أيضاً: ما رواه البخاري وغيره عن البراء بن عازب رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مكة إلى جهة بيت المقدس، ثم صلى إليه بعد الهجرة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ثم نزل عليه قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]، قال: فصلينا -فكانت أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة هي صلاة العصر- فصلى معه رجال، ثم خرج رجل منهم فمر على قوم يصلون إلى بيت المقدس فقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني صليت معه العصر إلى الكعبة. فاستداروا كما هم إلى جهة الكعبة )، استداروا من بيت المقدس إلى جهة الكعبة، فهذا الحديث دليل صريح على وجوب استقبال القبلة في الصلاة.
ومثله أيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حين كان بـمكة يصلي إلى جهة بيت المقدس ويجعل الكعبة بين يديه )، يعني: يكون مستقبلاً للكعبة ومستقبلاً لـبيت المقدس في نفس الوقت، فيجعل الكعبة بينه وبين قبلته التي هي بيت المقدس، ( فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم صرف إلى الكعبة ).
والأحاديث في وجوب استقبال القبلة كثيرة جداً لا تحصر، لعل منها حديث الباب نفسه الذي سيأتي، حديث عامر بن ربيعة الثاني في قوله: ( غير أنه لا يصلي إليها المكتوبة )، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي المكتوبة إلى الكعبة.
وأما الإجماع على وجوب استقبال القبلة، وأنها شرط لصحة الصلاة؛ فقد نقل هذا الإجماع طائفة كبيرة من أهل العلم، وممن نقل الإجماع على ذلك الإمام الحافظ ابن عبد البر، وكذلك القرطبي صاحب التفسير وابن رشد في بداية المجتهد والنووي رحمه الله في المجموع .
أما الشوكاني في نيل الأوطار فقد حكى الإجماع على وجوب استقبال القبلة، لكنه كأنه -رحمه الله- ينازع في الشرطية، يعني: يقول: هو واجب، لكن ينازع في كونه شرطاً لصحة الصلاة، وهذا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه؛ فإن العلماء قبله نقلوا الإجماع على شرطية استقبال القبلة، والصحيح أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، كما نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر والقرطبي وابن رشد والنووي وغيرهم من أهل العلم، فمن صلى لغير القبلة فصلاته باطلة، ويجب عليه الإعادة إلا في الحالات التي سوف أذكرها الآن.
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم مكث يستقبل بيت المقدس ستة عشر شهراً، كما ثبت في حديث البراء وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ثم كان صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يستقبل الكعبة، فكان يقلب بصره في السماء ينتظر نزول الوحي عليه بتغيير القبلة وتعديلها، فنزل قول الله عز وجل: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]، فصلى عليه السلام أول صلاة إلى الكعبة وكانت صلاة العصر، ثم انتشر هذا الحكم بين أصحابه، وغضب اليهود لذلك غضباً شديداً، وقالوا: لا يترك من أمورنا أمراً إلا غيره، ما ولاه عن قبلته التي كان عليها؟! فنزل قول الله عز وجل: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:142]، فرد الله تعالى كيد اليهود في نحورهم.
الحالة الأولى: التنفل في السفر، فإن المسافر له أن يتنفل -يصلي النافلة- على أي جهة كان، كما سيأتي تفصيله بعد قليل إن شاء الله تعالى.
الحال الثانية: هي حال الخوف، إذا كانوا في حرب أو قتال فإنه يسقط عنهم استقبال القبلة إذا احتاجوا إلى استدبارها أو جعلها ذات اليمين أو ذات الشمال؛ لقول الله عز وجل: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، يعني: فصلوا رجالاً قائمين قياماً على أرجلكم أو ركباناً على رواحلكم. قال ابن عمر رضي الله عنه -كما في صحيح البخاري -: [ فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا قياماً قائمين على أقدامهم أو ركباناً على رواحلهم مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ]. قال مالك : قال نافع : لا أعلم ابن عمر رضي الله عنه روى هذا إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( تصلون قياماً أو ركباناً مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها )، ومن المعلوم أن المقاتل في حال المعركة الذي يصلي وهو واقف أو وهو راكب على راحلته أو على دبابته أو على طيارته أو على غيرها مما يحتاج إليه في الحرب؛ أنه يحتاج إلى أن يستقبل القبلة أو يستدبرها أو يجعلها ذات اليمين أو ذات الشمال، فأذن له بذلك حال الخوف.
الحالة الثالثة التي يباح للإنسان فيها عدم استقبال القبلة: هي حال العجز، إذا عجز عن استقبال القبلة، وذلك كالمأسور إلى غير القبلة، إنسان مأسور أو مصلوب إلى غير القبلة وجهه إلى الشرق مثلاً وظهره إلى القبلة، ومثله المريض إذا كان مضطجعاً إلى غير القبلة لا يستطيع أن يقعد ولا أن يقوم ولا أن يستقبل القبلة، فإن ذلك يسقط عنه؛ لقول الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فإنه لا يلزمه إلا ما يقدر عليه.
ومثل ذلك لو كان الإنسان في طائرة، مثلاً: مسافر في طائرة أو راكب في سفينة إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يستقبل القبلة، مثل أن يكون بعضهم يميل إذا وقف واستقبل القبلة ويصاب بتعب، وربما يحصل له ضرر أو لا يقدر على ذلك أصلاً، كما إذا كان الإنسان في طائرة أحياناً ويخشى من خروج الوقت ولا يستطيع أن يقوم، ربما تكون الطائرة -مثلما يقولون أحياناً- في حالة تتطلب من الراكب أن يظل في مكانه وأن يشد الحزام، قد يكون هناك -كما يقولون- مطبات هوائية أحياناً أو في حالة نزول أو صعود، ولا يستطيع أن يؤجل الصلاة؛ لأنه لو أخرها لخرج الوقت، ولا يستطيع أن يستقبل القبلة.
فنقول في هذه الحال: إذا عجز فإنها تسقط عنه ويصلي حيث كان بقدر ما يستطيع، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
الحالة الرابعة: هي حال الجهل، إذا كان الإنسان في حال غيم أو سفر ولا يعرف القبلة تحرى ثم صلى، إنسان ما يعرف النجوم ولا مهب الريح، ولا يعرف مجرى الأنهار ولا يعرف، وليس في بلد مسلمين ليسألهم، وليس في البلد محاريب حتى يصلي إليها، طبعاً هذا في العصر الحاضر ربما يكون حالات قليلة باعتبار أنه تقدمت الوسائل وأصبح هناك إمكانية لمعرفة القبلة في كل مكان من خلال البوصلة وغيرها من علامات معرفة القبلة وبعض الساعات وسواها، لكن نفترض وجود هذه الحالة، فالإنسان صلى واجتهد وصلى بحسب ما يستطيع، ثم بان له بعد ذلك أنه صلى لغير القبلة، فهذا لا حرج عليه كما سيأتي تفصيله.
إذاً: هناك أربع حالات يسقط عن الإنسان فيها وجوب استقبال القبلة.
وتستثنى من القول بشرطية استقبال القبلة.
ومن عجيب قصص عامر بن ربيعة رضي الله عنه أنه لما أكثر الناس من الطعن على عثمان رضي الله عنه في آخر خلافته قام ليلة فصلى -صلى من الليل- ثم اضطجع، فأتاه آت في منامه فقال له: قم فصل وسل الله تعالى أن يقيك من الفتنة، فقام فصلى وسأل الله عز وجل أن يقيه من الفتنة. قال ابن حجر رحمه الله -بل الرواية في موطأ مالك - قال: فما خرج من بيته إلا جنازة رضي الله عنه وأرضاه، وكان موته قبيل مقتل عثمان رضي الله عنه أو مع مقتله أو بعده بيسير، وحماه الله تعالى وكفاه شر الفتنة التي ثارت في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه.
وأما الكلام على الحديث من حيث الصحة وعدمها فسبق الكلام عليه.
أولا: لو استبان له وهو في الصلاة، هذه الحالة المتفق عليها، لو استبان له وهو في الصلاة جهة القبلة فماذا يصنع؟ بعدما صلى ركعة تبينت له القبلة.
يتحول إليها، هذا أمر متفق عليه أنه يتحول إلى القبلة ويكمل صلاته إليها، هذا لا إشكال فيه.
واحتجوا بأدلة كثيرة، منها: حديث الباب إن صح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن صلاتكم رفعت إلى الله عز وجل ) والآية نزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فدل على أن صلاتهم صحيحة ولا إعادة عليهم.
من الأدلة: حديث البراء بن عازب المتفق عليه -وقد سردته قبل قليل- وفيه: ( أن ملأً من الأنصار من بني سلمة كانوا يصلون جهة بيت المقدس، فجاءهم رجل وقال لهم: أشهد أنني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهة الكعبة، فاستداروا كما هم فصلوا إلى الكعبة )، فهؤلاء القوم أول صلاتهم هل كانوا إلى القبلة الشرعية أم إلى غيرها؟
كانوا إلى غيرها؛ لأن القبلة نسخت، فأول صلاتهم وقع إلى بيت المقدس، مع أن القبلة كانت نسخت آنذاك، يعني: قبل هذا بوقت كانت نسخت، بحيث الرسول عليه السلام صلى العصر إلى الكعبة، وهم صلوا أول العصر إلى بيت المقدس، فاستداروا كما هم، وما معنى استدارتهم؟ كيف استداروا؟
معنى ذلك أن الإمام بدل أن كان في أول المسجد أصبح أين؟ بدل أن كان في أول المسجد أصبح في آخره، هذا معنى الاستدارة، والجماعة كذلك التفوا التفافاً كاملاً وسووا الصفوف، والنساء -مثلاً إذا افترضنا أن المسجد فيه نساء- بدل كون النساء في آخر المسجد رجعن وصرن في أوله، فالاستدارة ترتب عليها حركة كثيرة لا شك فيها، لكنها لمصلحة الصلاة، ثم سووا صفوفهم إلى جهة الكعبة وأكملوا صلاتهم ولم يقطعوا الصلاة، مع أن أولها وقع لغير القبلة.
فدل هذا على أن من صلى إلى غير القبلة باجتهاده وأن هذا مبلغ علمه أنه لا إعادة عليه.
ومن الأدلة أيضاً: أن من صلى إلى غير القبلة باجتهاده صلى كما أمر بحسب ما يستطيع، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، بذل جهده في معرفة القبلة وتحريها بالوسائل التي يستطيعها، ثم صلى، فمن أدى الصلاة في وقتها كما أمر فالأصل أنه لا إعادة عليه، ومن قال بوجوب الإعادة فعليه الدليل.
ومن الأدلة أو الحجج على أنه لا إعادة عليه: أنه معذور بجهله بالقبلة الحقيقية، فلا إعادة عليه، وكذلك أنه عاجز، والشرط يسقط بالعجز.
فهذه الأدلة كلها تدل على أنه لا إعادة عليه فيما صلى، هذا القول الأول.
ويرد على استدلال الشافعية أن يقال بالفرق بين القبلة وبين ما ذكروا.
فأما بالنسبة لمن صلى على غير وضوء فهل نقول: إنه عاجز عن الوضوء؟ هل هو عاجز؟ ليس بعاجز، كان بإمكانه أن يتوضأ ولو على سبيل الاحتياط، فليس عاجزاً عن إدراك الشرط. هذا الجواب.
أما قولهم بالوقت لمن صلى قبل الوقت؛ فنقول: إن الذي صلى قبل الوقت لم يكن مخاطباً بالصلاة، حين صلاها ولا مأموراً بها، فوقعت صلاته على غير أمر الشارع، لم يكن الشارع أمره بهذه الصلاة، فلما دخل الوقت بدأ الأمر الآن، فوجب عليه أن يصلي؛ لأنه لم يصل في الوقت المأمور، والله تعالى يقول: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].
كما أن الفقهاء يفرقون بين فعل المأمور وترك المحظور، فلذلك قالوا: إن من استقبل غير القبلة باجتهاده ثم تبين له ذلك فلا إعادة عليه، لكن من صلى على غير وضوء فقد ترك أمراً أمر به فيجب عليه أن يعيد الصلاة.
والصحيح قول الجمهور: أن من صلى بحسب اجتهاده ثم تبين أنه لغير القبلة أنه لا إعادة عليه، هذا هو الصحيح.
ثم قال الترمذي : وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: عمر وعلي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، يعني: روي عنهم قولهم: ما بين المشرق والمغرب قبلة إما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو موقوفاً.
والحديث رواه أيضاً ابن ماجه، وصححه -كما سبق- الترمذي، وقبله البخاري كما ذكر المصنف وقواه البخاري، وذكر هذا الزيلعي في نصب الراية .
وممن صححه من المعاصرين: الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، والشيخ الألباني في إرواء الغليل، فالحديث على كل حال صحيح: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ).
وقد جاء للحديث شاهد آخر عن ابن عمر رضي الله عنه، رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ورواه -يعني: حديث ابن عمر - البيهقي أيضاً، والحديث روي مرفوعاً وموقوفاً، يقول النووي في المجموع : صح عن عمر رضي الله عنه موقوفاً، وصحة الموقوف عن عمر لا تعكر على صحة المرفوع إلى النبي صلى الله وسلم، فهو صحيح مرفوعاً وموقوفاً على عمر رضي الله عنه وغيره .
المعنى الأول: أن الإنسان يصلي في كل مكان، كأنه قال: (الأرض كلها مسجد)، كما في الحديث الآخر: ( الأرض كلها مسجد )، وهذا معنى غامض وبعيد.
المعنى الثاني -وهو المتبادر، وهو الظاهر، وهو الراجح-: أن يكون المراد أن ما بين الجهتين قبلة، أي أن ما بين جهة المشرق وجهة المغرب قبلة، ويكون ذلك لأهل المدينة ؛ لأنه بالنسبة لنا نحن هنا قبلة أهل المدينة تكون إلى أي جهة؟ إلى جهة الجنوب، فما بين المشرق والمغرب لهم قبلة، وكذلك من يكونون على مسامتتهم كأهل الشام والجزيرة والعراق وخراسان، الجزيرة موضع معروف في العراق، وخراسان وغيرها، فإن ما بين المشرق والمغرب لهم قبلة، يعني: لا يلزم أن يصيبوا عين القبلة وإن كان ينبغي لهم ذلك.
ومما يؤكد أن هذا هو المعنى المقصود: ما روى عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: [ إذا جعلت المشرق عن يسارك والمغرب عن يمينك فتلك القبلة. أو: فما بينهما قبلة ]، وهذا رواه الترمذي ورواه ابن أبي حاتم في العلل عن ابن عمر رضي الله عنه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، ورجح الرواية عن عبد الله بن عمر، وهذا المعنى -كما ذكرت- الراجح.
أما بالنسبة لأهل البلاد الأخرى غير المدينة فلا شك أنه في كل بلد بحسبه، فبالنسبة لنا هنا -مثلاً- ماذا نقول؟ نقول: ما بين الشمال والجنوب قبلة، فلو صلى الإنسان منحرفاً عن القبلة انحرافاً يسيراً؛ فإن هذا لا يضره، لكن لا شك أنه لا ينبغي للإنسان أن يتعمد ذلك، لكن هذا من باب التوسعة، وإذا احتاج إلى ذلك أو كان هناك انحراف في أصل القبلة انحرافاً يسيراً فإنه لا يضر.
هذا هو المعنى الصحيح في الحديث.
أما من كان عند الكعبة معايناً لها -يعني: يراها بعينه ينظر إليها- فهذا لا شك أن الفرض في حقه أن يستقبل عين الكعبة ولو بعضها، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، أن من كان يعاين الكعبة وينظر إليها يشاهدها أو في حكم من يشاهدها؛ فإنه يجب عليه أن يستقبل عين الكعبة، وهذا -كما ذكرت لكم- إجماع أهل العلم.
ولأصحاب هذا القول حجج كثيرة أذكر منها باختصار -ولعلنا نوجز- لكسب الوقت، من حججهم:
أولا: حديث الباب: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة )، فإنه دليل على أنه لا يلزم الإنسان أن يصيب عين القبلة إذا كان بعيداً عنها.
ومن حججهم: أن الصف الطويل صلاتهم صحيحة بإجماع أهل العلم، مع أنه يجزم بأنه ليس كلهم مستقبل القبلة، يعني: إذا صلى الناس -مثلاً- في مصلى العيد صفهم طويل جداً، لو فرض أن بعضهم أصاب عين القبلة فإن من المجزوم به أن آخرين لم يصيبوا عين القبلة، ومع ذلك اتفق العلماء على صحة صلاة هؤلاء.
ومن أدلتهم أيضاً قالوا: إن هذا -يعني: استقبال الجهة- هو الممكن، وإن إلزام الناس باستقبال عين الكعبة في أماكن بعيدة هذا متعذر أو متعسر، يعني: إما غير ممكن أو صعب.
من حججهم: الآية الكريمة، وهي قول الله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]، وما معنى (شطر)؟ يعني: جهة المسجد الحرام، فدل على أن المطلوب هو أن يولي الإنسان وجهه جهة المسجد الحرام ولا يلزم أن يصيب عينها، إنما يجتهد في ذلك.
ومن الأدلة ما ذكره شيخ الإسلام أن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا في الأمصار وبنوا المساجد، ومن المعلوم أن كثيراً من هذه المساجد لو خرج منها خط مستقيم فإنه لا يمكن أن يقع على عين الكعبة، ومع ذلك فصلاتهم في الأمصار كلها صحيحة بإجماع العلماء ولم ينكر عليهم ذلك أحد.
هذه أهم الأدلة على أن المفروض هو استقبال الجهة وليس استقبال العين.
وأهم دليل لهم هو ما سبق، حديث أسامة بن زيد المتفق عليه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت وكبر في نواحيه ودعا ولم يصل، ثم خرج فصلى في قبل البيت )، قُبُل بضم القاف والباء، أو بسكون الباء قُبْل البيت، وكأنه يجوز أن تكون في قبل البيت، لكن المشهور (في قُبُل البيت) يعني: في جهته، صلى فيه ركعتين ثم قال: ( هذه القبلة )، والحديث متفق عليه.
وقد ذكر العلماء لقوله: (هذه القبلة) ثلاثة معان:
المعنى الأول: وهو الذي ذكره النووي رحمه الله، قال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذه القبلة ) دليل على أن الذي يجب استقباله ليس الحرم كله -مثلاً- ولا مكة ولا المسجد المحيط بالكعبة، وإنما المطلوب استقباله هو ذات الكعبة، عين الكعبة. وهذا المعنى الذي ذكره النووي لا شك أنه صحيح، فإن أصل المأمور باستقباله هو الكعبة؛ ولذلك الذي يكون في داخل المسجد الحرام داخل المصلى أين يستقبل؟
يستقبل الكعبة، ولو استقبل الحجر -مثلاً- هل يجزئه ذلك؟ يجزئه على الصحيح إذا استقبل الحجر، الحجر: حجر إسماعيل الذي هو إلى الشمال من الكعبة، إذا استقبله يجزئه على الصحيح إلا طرفه من جهة الشمال فإنه ليس من الكعبة، الحجر من الكعبة نحو ستة أذرع ونصف أو قريباً من ذلك، هذا من الكعبة، فلو استقبله أجزأه على الصحيح، ومنهم من قال: لا يجزئ.
ولكن مما يدل على أنه يجزئ: أن الإنسان لو طاف داخل الحجر هل يجزئه ذلك؟ لا يجزئه الطواف، لابد أن يطوف خارج الحجر.
إذاً: المعنى الأول في قوله: ( هذه القبلة ) أن المقصود: استقبال عين الكعبة، وهذا المعنى الذي ذكره النووي هو احتمال وجيه جداً.
وذكر الخطابي رحمه الله احتمالين آخرين في قوله (هذه الكعبة).
الاحتمال الثاني: أن يكون المعنى: أن هذه القبلة التي استقر التشريع عليها فلا تنسخ إلى يوم القيامة: ( فاستقبلوها حيث كنتم )، يعني: تأكيد للحكم وأنه باق محكم غير منسوخ لا ينسخ إلى يوم القيامة.
المعنى الثالث الذي ذكر الخطابي أيضاً قال: إن قوله صلى الله عليه وسلم: ( هذه القبلة ) إشارة إلى أن إمام الحرم ينبغي أن يصلي في وسط الكعبة استحباباً، وإلا لو صلى في جهة منها أجزأه، فكأن الخطابي يقول: يستحب -بمقتضى هذا الحديث على حسب ما فهم- أن الإمام الذي يصلي بالناس في الحرم لا يصلي إلى زاوية في الكعبة، وإنما يصلي إلى إحدى الجهات الأربع الأصلية، هكذا ذكر الخطابي ولا أعلم دليلاً لما ذكر، فإن الحديث ليس ظاهراً فيما ذكره رحمه الله تعالى.
على كل حال حديث أسامة بن زيد هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة، والصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة كما أثبته بلال، وحديثه في الصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة ركعتين )، وأما قول أسامة : إنه لم يصل فهذا يعني أن أسامة ما اطلع على صلاته، ما علم أنه صلى، والصحيح أنه صلى، والمثبت مقدم على النافي، وكذلك ربما كان الباب أغلق، الباب أغلق فعلاً على النبي عليه السلام، فيمكن أنه صار هناك نوع من الظلام فما اطلع أسامة على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ولذلك نفاها، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وصلى خارجها، وهذا حجة للجمهور على جواز الصلاة في الكعبة مطلقاً.
وأيهما أفضل: الصلاة في الكعبة أو خارجها؟
هناك تفصيل: أما النافلة فإذا لم يكن مشقة ولا حرج فالأفضل الصلاة في الكعبة؛ لأنها أفضل.
أما الفريضة فلاشك أن الأصل الصلاة خارج الكعبة مع الجماعة، يعني: لمراعاة فضل الجماعة؛ لأن القاعدة الفقهية أنه: إذا كان هناك تفضيل بأمر يتعلق بذات العبادة، وتفضيل يتعلق بمكانها، فيقدم الفضل المتعلق بذات العبادة على الفضل المتعلق بمكانها، الصلاة -مثلاً- في البيت -صلاة النافلة في البيت- أفضل من صلاة النافلة في المسجد، مع أن المسجد أفضل من البيت؛ وذلك لأن الصلاة في البيت لها فضل يتعلق بذاتها من حيث الخشوع وبعد الرياء وما أشبه ذلك من المقاصد المطلوبة للشارع، فتقديم الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بتقديم الفضل المتعلق بمكان العبادة.
وإذا كانوا جماعة قليلين فصلوا في جوف الكعبة عند الجمهور أن هذا أفضل، وهو رواية -أيضاً- في مذهب الإمام أحمد.
هذه كلها استطرادات حول حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه.
ابن تيمية رحمه الله قال: إنه ليس هناك خلاف حقيقي في هذه المسألة. كأنه رأى أن الخلاف لفظي؛ لأنه حتى الشافعية الذين يقولون: يجب أن يستقبل عين الكعبة لا يخطئونه إذا اجتهد فصلى ولو لم يصب عين الكعبة، ولا شك أن العلماء متفقون على أن المطلوب أصلاً والمتعبد به هو استقبال عين الكعبة، لكن هذا متعذر للبعيد أو متعسر، فيستقبل عين الكعبة بقدر ما يستطيع، فلو صلى إلى عين الكعبة أو إلى جهتها بقدر ما يستطيع فقد أصاب ما يجب عليه، ولا يلزمه شرعاً أن يتحرى إصابة عين الكعبة ما دام بعيداً، فالصحيح أنه لا يلزم استقبال عين الكعبة.
بالنسبة لمن كان موجوداً يشاهد عين الكعبة هذا يجب عليه أن يستقبل عين الكعبة عند جميع العلماء، ولذلك -مثلاً- في المذهب عندنا في الحنابلة يقولون -كما في زاد المستقنع - يقول: وفرض من قرب من القبلة إصابة عينها، ومن بعد جهتها، يعني: ومن بعد ففرضه إصابة جهتها، فإن أخبره ثقة بيقين أو وجد محاريب إسلامية صلى إليها.
عامر بن ربيعة سبق ترجمته رضي الله عنه.
وحديث ابن عمر هذا متفق عليه، وذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر أيضاً على راحلته.
ومن شواهد حديث الباب أيضاً حديث جابر -وهو متفق عليه أيضاً-: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع، قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي التطوع على راحلته في غير القبلة )، وحديث جابر هذا ثبت في رواية أخرى في صحيح البخاري أنه في غزوة أنمار.
إذاً: جابر يتكلم عن حادثة معينة، أن النبي عليه السلام كان إلى غير القبلة، كانت القبلة إلى يساره صلى الله عليه وسلم، زاد الترمذي في حديث جابر : ( يومئ ويجعل السجود أخفض من الركوع )، وفي إسناده أبو الزبير عن جابر وهو مدلس كما سبق مراراً .
من شواهد الحديث أيضاً حديث ابن عمر في صحيح مسلم : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على حمار، وذلك في غزوة خيبر ). والحديث رواه مسلم، وفيه عن أنس وغيره رضي الله عنهم أجمعين.
في الحديثين مسائل تتعلق بالتطوع للمسافر .
هل يجب أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام؟
الجماهير قالوا: لا يجب، وإنما يستحب؛ لأن غاية ما ورد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس، ومن المعلوم أن مجرد الفعل من النبي عليه الصلاة والسلام لا يدل على الوجوب، وغاية ما يدل عليه الاستحباب، فقالوا: يستحب له أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام، لكن لا يجب عليه ذلك، فلو كبر تكبيرة الإحرام إلى غير القبلة جاز، ولذلك أكثر الأحاديث الواردة مطلقة، لم تذكر أنه كان يستقبل القبلة في تكبيرة الإحرام، هذا قول الجماهير وهو الصحيح.
وهناك قول عند الشافعي -وهو رواية في مذهب الإمام أحمد - أنه يجب أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام؛ لحديث الباب، ولا شك أن الاستدلال بهذا الحديث ضعيف؛ لأن الاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقط، والفعل لا يدل على الوجوب .
إذاً: الصحيح أنه يستحب للإنسان إذا تطوع في السفر أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام ثم يصلي حيث كان وجه ركابه، ولا يجب عليه ذلك.
الحكمة تتلخص في أمرين: لئلا ينقطع المسافر عن العبادة، ولئلا ينقطع المتعبد عن السفر، لاحظ! لئلا ينقطع المسافر عن العبادة، ولئلا ينقطع المتعبد عن السفر.
الحكمة من هذا التخفيف والتيسير والإذن للمتنفل في السفر أن يصلي إلى غير القبلة -ما أقول: تنحصر- لكن تتلخص -فيما يظهر لنا- في أمرين:
أولهما: لئلا يمتنع المسافر من العبادة؛ لأنه لو ألزم المسافر باستقبال القبلة -وربما يكون سفره جهة إلى غير القبلة لانقطع من الصلاة وتركها، فلئلا تفوته الصلاة النافلة أباح الله عز وجل له أن يصلي إلى غير القبلة.
والحكمة الثانية: لئلا ينقطع المتعبد عن السفر؛ فإن بعض المتعبدين ربما لو لم يؤذن له في ذلك ورأى أنه سيترتب على سفره فوات قيام الليل والعبادات والنوافل وصلاة الضحى وغيرها لترك السفر، والسفر -لا شك- فيه مصالح عظيمة للخلق، خاصة أهل الذكر والعبادة والخير والصلاح ينتفعون من السفر منافع عظيمة، فلئلا ينقطعوا من السفر خفف الله تعالى عليهم ذلك، وأذن لهم بأن يتنفلوا حيث كان وجه ركابهم ولو إلى غير القبلة، هذه بعض الحكم، وهي من الرخص والتخفيف الذي خفف الله تبارك وتعالى به عن عباده، هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
ومن حججهم قالوا: إن جميع الأحاديث الواردة في هذه الرخصة فيها النص على السفر، فمثلاً: حديث أنس فيه السفر، حديث ابن عمر فيه السفر، حديث جابر قال: في غزوة تبوك، وفي الحديث الآخر قال: غزوة أنمار، حديث عامر بن ربيعة فيه ذكر السفر، حديث ابن عمر -كما ذكرت- بين المدينة ومكة، قالوا: فلم يرد حديث إلا وهو مقيد بالسفر، فدل على أن هذه الرخصة إنما تتعلق بالمسافر فحسب لا تتعلق بغيره، هذا استدلالهم.
قالوا: لأن الحكم واحد والحاجة كما أنها للمسافر كذلك تكون للمقيم الذي يكون على سيارته.
ومن الطريف أن بعض الفقهاء الشافعية -كما قاله القاضي حسين وغيره- قالوا: إن أبا سعيد الإصطخري هذا ممن يقولون: يجوز التنفل حتى في الحضر على الراحلة لغير القبلة، قالوا: أبو سعيد الإصطخري كان محتسباً في بغداد، وكان يجوب الشوارع على رحلته، يعني: مكلف من قبل السلطان بمهمة أشبه ما تكون بمهمة الدوريات في عصرنا الحاضر، يسمونه: محتسباً، فكان يتنفل على راحلته، فلعل أبا سعيد الإصطخري شعر بتشابه الحالين من خلال العمل أو الوظيفة التي كان يقوم بها، ولهذا أفتى بهذه الفتوى.
ولا شك أن الراجح مذهب الجمهور: أنه لا يجوز للمقيم أن يتنفل على راحلته؛ وذلك لأن الحكم -كما سبق- خاص، الحكم العام: هو استقبال القبلة، يستثنى من ذلك رخصة، الرخصة لا يقاس عليها ولا يتعدى بها الحد الذي وردت به وهو أن تكون في حال السفر.
بعض الشافعية -هذا قول مشهور عندهم- يقولون: إذا كان جهة القبلة يتنفل ولو كان مقيماً، يعني: يجوز أن يتنفل على الراحلة، المهم أن يكون مستقبل القبلة. وحتى هذه أرى أنها لا تجوز، أرى أن المقيم لا يجوز له أن يصلي على راحلته نفلا، بل إذا تنقل لابد أن ينزل ويستقبل القبلة ويصلي على الأرض.
يومئ برأسه، كما ورد في حديث ابن عمر وفي حديث عامر بن ربيعة وحديث الباب -رواية البخاري -: (يومئ برأسه)، وهذا الإيماء ورد مبهماً في الروايتين الصحيحتين، في البخاري قال: (يومئ برأسه) يعني: للركوع والسجود، لكن رواية الترمذي وغيره فيها: أنه يجعل السجود أخفض من الركوع رعاية للأصل؛ لأن الأصل أن السجود أخفض من الركوع، فإذا أومأ للسجود خفض أكثر مما يومئ للركوع، وهذا حسن في النظر والقياس، ولا يخالفه ما ورد في الرواية، بل يعضده رواية الترمذي عن جابر وإن كان فيها ما فيها .
فمن فوائد حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه : مشروعية التنفل في السفر، وهذه اختلف فيها أهل العلم، لكن خلاصة القول الراجح في هذه المسألة: أن المسافر يستحب له أن يصلي جميع النوافل إلا راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء.
إذاً: يستحب للمسافر أن يصلي صلاة الليل وهذا واضح جداً؛ كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل، كما في حديث ابن عمر الذي سقته شاهداً لحديث الباب قال: (صلاة الليل)، يعني: كان عليه السلام على راحلته، فالمشروع للمسافر أنه يصلي صلاة الليل، يشرع للمسافر أن يوتر، هذا لا شك فيه، بل معروف عند أهل العلم، والقول بالوجوب -وجوب الوتر- مذهب أبي حنيفة ورواية عند بعض المالكية، وإن كان هذا القول مرجوحاً.
إذاً: الوتر يصلى عليها.
صلاة الضحى يصليها المسافر أو لا يصليها؟ يستحب له أن يصليها، وقد جاء في صحيح البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على
النوافل الأخرى -على القول بأنها ليست واجبة- مثل صلاة الكسوف، صلاة الاستسقاء، صلاة العيد، وغيرها تصلي أيضاً في السفر.
راتبة الفجر تصلى في السفر، وهكذا النوافل بين الأذان والإقامة تصلى في السفر.
الخلاصة: أن جميع النوافل المشروعة للمقيم فهي مشروعة للمسافر، لا يستثنى من ذلك إلا ركعتان قبل الظهر أو الأربع، والركعتان بعدها والركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء، فهذه لا يشرع للمسافر أن يصليها، لكن لو صلى صلاة نافلة مطلقة لا حرج عليه في ذلك .
ومن فوائد حديث الباب -وهذه الفائدة كدت أن أذكرها- أن الوتر ليس بواجب، ومن أين نأخذ هذه الفائدة؟
من قوله: ( ولم يكن يصنعه في المكتوبة )، يعني: في الصلوات المكتوبات، مع ما صح من حديث ابن عمر الذي ذكرته في الشواهد أنه قال: ( ويصلي على راحلته الوتر )، يصلي الوتر على راحلته، حديث ابن عمر المتفق عليه ذكرته شاهداً لحديث الباب، ذكر أن النبي عليه السلام يصلي الوتر على راحلته، فدل على أن الوتر ليس بواجب، ولو كان الوتر واجباً لصلاه النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض.
وقد ورد في أحاديث أخرى صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً إذا جاء الوتر نزل فصلى الوتر، فأوتر على الأرض، ثبت هذا في الصحيح، فنقول: كان يفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً، كان أحياناً يوتر على الراحلة وأحياناً ينزل فيوتر على الأرض ويستقبل القبلة صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري : ( أن
من فوائد حديث الباب أيضاً -وكلها فوائد- كما تلاحظون -نفيسة وعزيزة- أن ما جاز في النفل جاز في الفرض، من أين تأخذ هذه الفائدة؟
موضع الشاهد قوله: ( ولم يكن يصنعه في المكتوبة )؛ لأن تحفظ الصحابة رضي الله عنهم في شأن المكتوبة دليل على أنه لو لم يستثنها لكان حكمها حكم غيرها، فلما استثنى المكتوبة أنه لم يكن يصنعها دل على أن الأصل: أن ما جاز في النافلة جاز في الفريضة، إلا ما استثني فقد وردت استثناءات كثيرة تجوز في النفل ولا تجوز في الفرض، منها: موضوع الباب الذي هو صلاة النافلة إلى غير القبلة للمسافر على راحلته، هذا يجوز في النفل ولا يجوز في الفرض، وجاء مثل ذلك أحكام عديدة، من يذكر منها شيئاً مما يتعلق بالنفل، ما نقول: يجوز في النفل ولا يجوز في الفرض، لكن ورد استثناؤه؟
المشي في الفريضة للحاجة ممكن، والشرب للحاجة، ذكر بعض السلف أنه يجوز في النافلة، لكن هذا ما ورد فيه نص.
الجلوس، يجوز للإنسان أن يصلي النافلة قاعداً، وثبت هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله، وقال: ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )، لكن هل يجوز أن يصلي الفريضة قاعداً؟ كلا: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فالقيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة.
كذلك من الأحكام المستثناة جواز قطعها، فإن المتطوع أمير نفسه، شريطة ألا يكون عابثاً في الصلاة، فلو شرع في نافلة جاز له قطعها إذا احتاج إلى قطعها، مثلما لو شرع في نافلة ثم أقيمت الصلاة وهو لا يستطيع أن يكمل النافلة ويدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، فهنا الأولى له أن يقطعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )، رواه البخاري، وفي رواية لـأحمد : ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت )، أما إن كان يستطيع أن يتمها خفيفة ويدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام فهذا أولى.
كذلك من الأحكام الخاصة ما يتعلق بالإطالة في النافلة فليطول ما شاء، وأذكر من الأحكام ما يتعلق بالالتفات، فإن الرسول عليه السلام لما ( سئل -كما في حديث
ومن الفروق أن هناك نوافل مطلقة، أما الفريضة فكما قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].
الجواب: ذكرت أن من كان معايناً للكعبة يراها ويستطيع أن يصيب عين الكعبة يجب عليه أن يستقبل عين الكعبة؛ فإن صلى إلى غيرها وجب عليه أن يعيد.
إنسان داخل الحرم وبإمكانه أن يرى الكعبة أو يصيبها، ثم صلى إلى غيرها وتبين أنه صلى إلى غير الكعبة؟ هذا عليه أن يعيد الصلاة، صلاته باطلة وعليه أن يعيدها.
في الواقع أن القبلة لها أحكام كثيرة، منها: هل يجب وجود شيء شاخص يستقبل؟ وهل تجوز الصلاة في سطح الكعبة؟ ومنها: أحكام تتعلق بتاريخ الكعبة لم أحب أن أدخل فيها، وإن كان فيها متعة ولذة وفائدة وعلم طيب إن شاء الله، لم أرد أن أدخل في هذا؛ لأنني في نيتي -إن شاء الله- أن أتكلم في هذا الموضوع بشيء من التفصيل يناسب المقام ضمن الدروس العلمية العامة، وسوف أخصص -إن شاء الله تعالى- درساً يتعلق بالكعبة وذكر ما حدث للكعبة، ذكر -مثلاً- حالة الكعبة في زمن ابن الزبير وما حصل للمسلمين، وبنائها وكيف كانت، والمراحل التي مرت بها، وسيكون في هذا -إن شاء الله- فوائد عزيزة ونفيسة لم أحب أن أذكرها مختصرة الآن، فربما يفوت علينا فوائد أخرى، أُجل التفصيل في هذا الموضوع إلى أوانه إن شاء الله تعالى.
الجواب: راتبة الظهر والمغرب والعشاء يخرجها من الأداء في السفر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصليها في السفر، إنما كان يصلي راتبة الفجر فحسب، وكذلك الوتر.
الجواب: صلاة الفرض داخل الكعبة فيها خلاف، الجمهور على جواز ذلك، والأصل: أنه ما جاز في الفرض جاز في النفل كما أسلفت، وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات رجح عدم الجواز، لكنه لم يذكر دليلاً قوياً في ذلك، إنما ذكر حديث (هذه القبلة) يعني: الكعبة، ونحن نقول: حتى الذي يصلي في جوف الكعبة يستقبل القبلة، يستقبل أحد جدرانها، لابد أن يستقبل أحد جدرانها.
وحديث بلال لما صلى في جوف الكعبة يدل على جواز الصلاة، حديث بلال يدل على جواز الصلاة.
الجواب: إذا كان مسافراً على راحلته، على سيارته يجوز له أن يصلي النافلة إلى غير الكعبة في أي مكان كان، لكن أود أن أشير إلى ملاحظة مهمة جداً، وهذه يجب أن تعلق في الدرس، وهي أن الإذن للمسافر بالتنفل على راحلته في السفر يجب أن يكون مقيداً بما إذا لم يترتب على ذلك مفسدة، أما إن ترتب على ذلك مفسدة فإنه يحرم عليه أن يتنفل على راحلته، مثل ماذا المفسدة؟ مثل أن يكون هو سائق السيارة، فإن سائق السيارة يحتاج حضور الذهن والتركيز لأي عارض قد يعرض له إلى شيء كثير، ولا شك أن اشتغاله وهو يقود السيارة بالنافلة نوع من التفريط لو ترتب عليه ضرر لربما يؤخذ به، فمثل الذي يقود السيارة لا يشغل بالنافلة، هذا مثال.
المثال الثاني: إذا كان يترتب على النافلة تفريط بواجب وكل إليه، مثل إنسان قد لا يكون هو السائق، ركب بجوار السائق، لكن -مثلاً- معه جهاز أو مطلوب منه أن يراقب وضعاً معين، يراقب لضبط الأمن أو متابعة المجرمين أو حفظ مصالح عامة للناس تتطلب أن يكون حاضر الذهن منتبها، فانشغاله بالنافلة عن ذلك لا شك أيضاً أنه من باب الانشغال بالنفل عن الفرض، فهذه يجب أن يقيد بها الإذن للمسافر بالتنفل على الراحلة، إذا لم يترتب فيه على ذلك مفسدة تخصه خاصة به أو عامة للناس.
الجواب: طبعاً الخوف أنواع: هناك إنسان يخاف بسبب الذعر في نفسه، يعني: إنسان خواف، يخاف في غير مجال الخوف، فهذا لا شك أنه لا يؤذن له بذلك، لكن هناك إنسان طبيعي معتدل، يعني: خوفه معتدل ليس عنده تهور ولا عنده جبن أيضاً وذعر، وسلك طريقاً مخوفاً فعلاً، مخوفة ومعروفة وفيها لصوص وقطاع طرق ولحقوا به فهرب منهم، هرب منهم إلى غير القبلة، ولو انتظر لخرج وقت الصلاة، فهذا له أن يصلي على أي حال كان.
وأخيراً: سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى أصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر