إسلام ويب

عقيدة التوحيدللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله خلق الإنسان وجمله بالعقل ليوحد الله تعالى ويطيع رسله، ويعبده ولا يشرك به شيئاً، ولقد رجع بعض الناس القهقرى في هذا العصر إلى الجاهلية الأولى، حيث كثر الشرك في كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام، فيجب على المسلمين التمسك بالعروة الوثقى والحذر من البدع ما ظهر منها وما بطن.

    1.   

    ضرورة التمسك بعقيدة التوحيد

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد؛ الذي جاء بالتوحيد، وهدم الأصنام وأزالها، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها الناس: اتقوا الله عز وجل.

    عباد الله: تمسكوا بعقيدة التوحيد، واعرفوا معنى لا إله إلا الله، فإن الله جل وعلا خلق الإنسان، وجملَّه بالعقل؛ ليفهم وليعرف أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19].

    عباد الله: لقد أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين يدعون إلى الله عز وجل، وأنزل معهم الكتب فيها البراهين القاطعات تبين معنى لا إله إلا الله، فقامت بذلك الحجج على العباد، فقد فاز -والله- من أطاع الرسل ووحد الله، وقال خالصاً من قلبه: لا إله إلا الله. وخسر -والله- من تمرد وعتا، وأبى الانقياد لله ورسله، ولم يحقق معنى: لا إله إلا الله، فحسبه جهنم وبئس المصير.

    شروط لا إله إلا الله

    أمة الإسلام: اعلموا أن لـ (لا إله إلا الله) شروطاً، وهي:

    الشرط الأول: العلم بمعناها: بأنه لا معبود بحقٍ إلا الله، فمن لم يعرف المعنى فهو جاهل بمدلولها.

    الشرط الثاني من شروط لا إله إلا الله: اليقين المنافي للشك.

    لأن من الناس من يقول: لا إله إلا الله وهو شاك فيما دل عليه معناها.

    الشرط الثالث من شروط لا إله إلا الله: الإخلاص المنافي للشرك؛ فإن من لم يخلص أعماله كلها لله، فهو مشرك شركاً ينافي الإخلاص.

    الشرط الرابع من شروط لا إله إلا الله: الصدق المنافي للنفاق؛ لأن المنافقين يقولونها، ولكن لم يطابق ما قالوه لما يعتقدونه، فصار قولهم كذباً لمخالفة الظاهر للباطن.

    الشرط الخامس من شروط لا إله إلا الله: القبول المنافي للرد؛ لأن من الناس من يقولها مع معرفة معناها، ولكن لا يقبل ممن دعاه إليها؛ إما كبراً، أو حسداً، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من القبول، فتجده يعادي أهل الإخلاص، ويوالي أهل الشرك ويحبهم، والمرء مع من أحب يوم القيامة.

    الشرط السادس من شروط لا إله إلا الله: الانقياد المنافي للترك؛ لأن من الناس من يقولها وهو يعرف معناها، لكنه لا ينقاد فيأتي بحقوقها ولوازمها من الولاء والبراء، والعمل بشرائع الإسلام، ولا يلائمه إلا ما وافق هواه، أو تحصيل دنياه، وهذه حال كثير من الناس.

    الشرط السابع من شروط لا إله إلا الله: المحبة المنافية للبغض.

    فتجب محبة الله بكل القلب، وإرضاؤه بكل الجهد.

    الشرط الثامن من شروط لا إله إلا الله: الكفر بما يعبد من دون الله.

    أيها الناس: هذه شروط لا إله إلا الله، فيجب على كل مكلف معرفة الله تعالى؛ لأنه رب العالمين، الرحمن الرحيم، المالك المتصرف ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وجميع الكون وكل ما فيه خلقه وملكه وعبيده، وتحت ربوبيته وتصرفه وقهره، إذا عرفت هذا -أيها الإنسان- عرفت أن الله جل وعلا هو المستحق للعبادة دون ما سواه.

    والعبادة تكون بمنتهى الذل مع منتهى المحبة. والعبادة: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الحسية الظاهرة والقلبية الباطنة، فمن صرف من ذلك شيئاً لغير الله فقد أشرك مع الله غيره في عبادته، والمشرك حرام عليه الجنة ومأواه النار.

    مظاهر من الشرك في عبادة الله تعالى

    عباد الله: إنه من المؤسف جداً ما يفعل في كثيرٍ من الأقطار التي تنتسب للإسلام؛ حيث إن كثيراً ممن ينتسبون للإسلام يشركون بالله في كثيرٍ من أنواع العبادة مثل: الدعاء، والذبح، والنذر، وهم يدعون الأموات، ويطلبون منهم حوائجهم، أو رد غائبهم، أو شفاء مرضاهم، ويجعلونهم وسائط بينهم وبين الله. فيذبحون لغير الله، كذبحهم للقبور وللجن، وينذرون لغير الله، إلى غير ذلك من أنواع الشرك الأكبر الذي قال الله فيه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    و مع الأسف -يا عباد الله- ما يفعل عند تلك الأضرحة وعند تلك القبور من الدعاء والتوسل والذبح والنذر لغير الله، فلو رأيتم إسبالهم العبرات، وبكاءهم وصراخهم، وطوافهم عند تلك القبور وحولها، وسفك الدماء لها، وبذل الأموال الطائلة للسدنة، ولو رأيتم ذلك -يا عباد الله- لتقطعت قلوبكم حسراتٍ على التوحيد وعلى العقيدة، فكم من أناسٍ يدعون الإسلام وهم مشركون، ولقد قال لي بعض إخواننا الوافدين إلى هذه البلاد: إن آباءنا وأمهاتنا قد ماتوا على الشرك -والعياذ بالله- حيث إنهم إذا أصابتهم المصائب، ونزلت بهم البلايا، وألمت بهم الملمات؛ لم تسمع منهم إلاّ التوسل بأهل تلك القبور، فتسمع من يقول: يا رسول اللهّ! ومنهم من يقول: يا علي! ومنهم من يقول: يا حسين! ومنهم من يقول: يا زيلعي! ومنهم من يقول: يا عبد القادر! ومنهم من يقول: يا عيدروس! ومنهم من يقول: يا محضار.. يا زهير.. يا شاذلي.. يـا ابن علوان.. يا بدوي.. يا دسوقي.. يا جيلاني.. إلى غير ذلك من الألفاظ الشركية، فهم دائماً يندبون ويتوسلون ويدعون أولئك الأموات الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، والله ثم والله! إن أولئك الأموات لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    إنها مصيبة عظمى؛ حيث رجع أكثر الناس إلى الوثنية، ورجع أكثر الناس إلى الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} والله لو أنزلوا حاجاتهم وفاقاتهم بالله، وتضرعوا إلى الله والتجئوا إلى الله، ودعوه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى؛ لجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، ولكن عميت قلوبهم عن الحق، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدي ضال المسلمين، ويردهم إلى الحق المبين، حتى يرجعوا إلى العلي الأعلى.. إلى الكبير العظيم، إلى الجليل.. الحميد المجيد، إلى السميع البصير.. العليم، إلى القوي العزيز.. المكين.. إلى القدير.. الغني.. الحكيم.. إلى الحي القيوم.. الحيي الستير، إلى الصبور العفو.. الشهيد الرقيب.. الحفيظ اللطيف المجيب المغيث.. الجواد الكريم.. الوهاب الودود الشكور.. الغفور الغفار.. التواب الأحد الصمد.. القهار الجبار.. الحبيب العدل الرشيد.. الحكم القدوس.. السلام الفتاح الرزاق.. المقدم والمؤخر، والمعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، إلى غيرها من أسماء الله الحسنى.

    اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى أن تملأ قلوبنا بالإيمان.

    قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء:110-111].

    وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    ضرورة التوبة إلى الله تعالى

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب لنا سواه، لا ملجأ ولا مفر لنا منه إلا إليه، هو ملاذنا وهو مغيثنا، وإليه نرفع حاجاتنا وسؤالاتنا وتضرعاتنا، فلا رب لنا غيره ولا إله لنا سواه، نحمده اللهم على كل حال، ونعوذ به من أهل النار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله له التصرف التام في جميع خلقه، وفي كونه العلوي والسفلي، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ الذي جاء بالتوحيد، وبالعقيدة نقية بيضاء لا فيها غموض إلا على من أضله الله عن طريق الحق، اللهم اهدنا ولا تضلنا، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: أيها المفرطون في جنب الله: أما آن لكم أن تتوبوا إلى الله ربكم؛ الذي خلقكم ورزقكم من الطيبات، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، والذي سوف يميتكم ثم يبعثكم ويجازيكم جزاءً يوافق ما قدمتموه من عمل! إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

    أما آن لكم أن ترجعوا إلى الله قبل أن يأخذكم هادم اللذات ومفرق الجماعات وقاطع الآمال. أما آن لكم أن تذرفوا الدموع أسفاً وندماً على ما أسلفتموه من تفريط وإهمال في دين الله، فوالله! إن أحدكم لا يدري إذا أصبح هل يمسي وإذا أمسى هل يصبح، ثم بعد الموت يقدم على ما قدم من عمل؛ إن كان صالحاً فقد فاز، وإن كان غير ذلك فذلك الخسران المبين، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    عباد الله! الله الله في عقيدة التوحيد، الله الله في التمسك بالعروة الوثقى (لا إله إلا الله) احذروا البدع ما ظهر منها وما بطن، فإن أعداء الإسلام يريدون أن تضلوا السبيل فالحذر الحذر! والله الله بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نسألك ونستغيث بك، ونتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى: أن تعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم طهر بلدان المسلمين من الشرك والبدع والخرافات يا رب العالمين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم دمرهم تدميراً واجعلهم غنيمة للمسلمين.

    اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم ارزقنا وإياهم الجلساء الصالحين، ووفقنا للجلساء الصالحين الناصحين؛ الذين يذكروننا إذا نسينا، ويعينوننا إذا ذكرنا، واجمعنا جميعاً في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين.

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أسقنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا.

    واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755766153