إسلام ويب

تفسير سورة فصلت [19-25]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجمع الله أعداءه يوم القيامة فيسألهم عن كفرهم وفواحشهم فينكرون، فتشهد عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون، فيقولون لهن: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنا نجادل، ثم يقذفون في النار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار ...)

    قال الله جل جلاله: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت:19-20] .

    يقول ربنا جل جلاله: هؤلاء المرتدون المشركون الكافرون بالله وبكتبه وبرسله وبيوم القيامة سيحشرون إلى النار ويُجمعون فيها ويكتلون ويجرون ويسحبون.

    وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ [فصلت:19]، وأعداء الله هم الكافرون واليهود والنصارى وأتباعهم والمستخدمون لهم والمنافقون الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.

    قال تعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا ، أي: هؤلاء الكفار عندما يحشرون إلى النار ويجيئون إليها ويقدمون عليها سيشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون، فإنهم عندما يحشرون ويصبحون مع النار وجهاً لوجه يرون المسلمين يقولون: نحن موحدون مؤمنون، فيؤمر بهم ويدخلون الجنة، فيقولون هم: ما دام هؤلاء قد قالوا ذلك ولم يكذَّبوا فنحن إذا قلنا ذلك فسنصدق ولا نكذّب.

    فيقولون: إنهم مؤمنون ويكذّبون الملائكة والكتب التي جاءت بها الكتبة الكرام من ملك اليمين وملك الشمال، وفي هذه الحالة عندما يفعلون ذلك يطبق الله تعالى أفواههم وتكبر ألسنتهم وتملأ حلوقهم وتكبر الحلوق فلا يستطيعون نطقاً ولا كلاماً، وعند ذلك تشهد عليهم أرجلهم وجلودهم بذنوبهم ومعاصيهم وما كانوا يعملون في الدنيا من كفر بالله وشرك به وأفعال سيئة وجرائم بيّنة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ...)

    قال تعالى: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21].

    أي: بعد ذلك ينطق الله ألسنتهم فيلتفتون إلى الجلود والأيدي والأرجل فيقولون لجلودهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا [فصلت:21]، أي: قالت الجلود: أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21]، أي: يقولون لهذا الكافر: الله هو الذي أنطقنا وأكسبنا قوة النطق.

    (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فكما أنطقكم أنطقنا، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21]، أي: رجوعنا ورجوعكم وخلقنا وخلقكم وقوة نطقنا وقوة نطقكم كانت من الله، فكما أعطاكم القوة للكلام باللسان وخلقكم أول مرة فقد خلقنا وأعطانا قوة الكلام والحديث والشهادة.

    وهذه الآية كقوله تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]، أي: يختم الله على أفواه هؤلاء الكافرين، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون.

    وفي صحيح مسلم والسنن الأربع أن النبي عليه الصلاة والسلام تبسّم فقال لأصحابه: (لا تسألوني لم تبسّمت؟ فقالوا له: يا رسول الله! لم تبسمت؟ قال: عجبت لمجادلة العبد ربه، يؤتى بالمشرك يوم القيامة فيقول لربه: يا رب! ألم تعدني بأن لا تظلمني؟ قال: نعم، ألم يكفك أن أكون عليك شهيداً والملائكة الكاتبون؟ قال: يا رب! لا أجيز علي شهادة إلا من نفسي، فيسكت الله فاه ويخرس لسانه، ثم يقول لجوارحه: انطقي، فتقول اليد: صنع بي يوم كذا كذا وكذا -أي: ضرب بي وقتل، وتناول ما لا يحل له، وتشهد الرجل بأنه ذهب إلى مكان كذا وصنع كذا، ويشهد الفرج بزناه وفساده، وتشهد اليد بالسرقة، ويشهد الجلد بالسكر وبالعربدة وبالعصيان والمخالفة، ثم ينطق الله لسانه فيقول لجوارحه: سحقاً لكن فعنكن كنت أجادل، فيقلن له: أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21]).

    فلا مفر من الشهادة بالحق، وأما النطق فليس في قدرتنا، ولكن الله الذي أنطق ألسنتكم وشفاهكم رزقنا القوة على النطق فشهدنا، هذا قاله ربنا وأكده نبينا صلى الله عليه وسلم شرحاً وبياناً وتفسيراً لأولئك الذين يشركون بالله ويظنون أنهم يوماً سيكذبون على ربهم ويخفون جرائمهم، وهيهات هيهات، فإنهم يشهد عليهم كُتّاب الله المكرمون من ملائكة الشمال واليمين، بل وتشهد عليهم جلودهم وأيديهم وأرجلهم وفروجهم وأفخاذهم وكل عضو من أعضائهم بما كانوا يعملون ويكسبون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ...)

    قال تعالى: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت:22].

    أي: تقول لهم هذه الجلود والأيدي والأرجل بعدما ينطق اللسان ويسألهن: لم شهدتم علينا؟ فيقلن لهم: وهل كنتم تستترون من فعل الفاحشة وإعلان الكفر؟ فلسنا وحدنا الذين رأينا ذلك وشاهدناه، بل كنتم تعلنون ذلك في المجالس والمحافل وتشهرونه مع الناس، بل كنتم من الكفر والإصرار عليه وعلى الباطل بحيث لا تخافون الخالق ولا تستحيون من المخلوق وتجهرون بفعل الفواحش والسيئات وارتكاب الشرك وما يتعلق به.

    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما في السنن قال: كنت أطوف بالبيت -وكان هذا قبل فتح مكة- وإذا بي أسمع ثلاثة يتحدثون عن الله وعن القيامة، وقد عظمت بطونهم وكثرت شحومهم وصغر عقلهم وقل دينهم، فقالوا كلاماً لم أسمع منه إلا كلمات، وأحدهم كان ثقفياً واثنان قرشيان، فقال أحدهم: هل الله يسمع قولنا الآن وكلامنا وما نصنع؟ فقال الثاني: إن رفعنا أصواتنا وجهرنا بها سمعها وإن أخفيناها لا يسمعها! فقال الثالث: إن سمع ما جهرنا به سمع ما أخفيناه. فنزل قوله تعالى وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت:22].

    فهم كانوا يظنون، والظن قد يكون بمعنى اليقين، فقد كانوا يتيقنون وربما شكوا وارتابوا بأن الله يعلم شيئاً ويخفى عليه شيء! ذلك نتيجة كفرهم وشركهم وبعدهم عن الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم...)

    قال تعالى: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23].

    يجيب الله أولئك الذين يظنون أن الله يعلم شيئاً ولا يعلم آخر، أو أنه يعلم ما يعلنون ولا يعلم ما يخفون، فقال لهم: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ [فصلت:23]، أي: أهلككم ودمّركم وساقكم إلى النار.

    فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23]، أي: من الذين خسروا دنياهم وآخرتهم وجهلوا دينهم فأشركوا بربهم.

    وربنا جل جلاله يعلم ما كان وما يكون، وما أعلنا وما أسررنا وما أخفينا في الضمائر ولم ننطق به، فكيف لو قلناه؟ وهذا كما تقول جوارح الكافر له عندما يجادلها: إنكم لم تكونوا تختبئون وتستترون عن جرائمكم وشرككم وكفركم، فكيف تستغربون شهادتنا والكل يعلم أن كل هذا كنتم تفعلونه وتعلنونه وتجهرون به ولا تخشون الله ولا تخافون خلقه؟

    وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ [فصلت:23]، أي: وذلك هو الظن الخاطئ الذي خطر ببالكم واعتقدتم يقيناً أن الله يعلم شيئاً ويخفى عليه شيء، وذلك هو ظن الكفرة، فهذا هو الذي أهلككم وجعلكم كفاراً مشركين، فأصبحتم بهذا الظن الخاطئ وبهذا الكفر المعلن من الخاسرين، فخسرتم الدين والدنيا وخسرتم الدنيا والآخرة.

    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن عبدي بي ما شاء).

    وقال الحسن البصري : من ظن بالله خيراً عمل صالحاً، ومن ظن بالله سوءاً عمل سوءاً، فالظن يكون مع العمل سواء كان خيراً أو كان شراً، فمن ظن خيراً عمل بمقتضاه وهو ظن المؤمنين، ومن ظن سوءاً عمل بمقتضاه وهو ظن الكافرين فالذين يظنون أنهم سيخفون أعمالهم عن الله ولن يعلمها ويقولون: قد غررنا الملائكة أو يظنون أكثر من ذلك، وهو أن يدخلوا الجنة فنقول لهم: هيهات هيهات! وما ذاك إلا من سخافة عقولهم وضياع دينهم، والله خير الماكرين، كما قال تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] فالله هو الذي خلقهم ويعلم سرهم ونجواهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم...)

    قال تعالى: فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:24].

    يقول تعالى لهؤلاء الذين شهدت عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم وأفخاذهم وفروجهم: يا هؤلاء الذين أخذتم في النزاع والشقاق مع بعض أعضائكم! لا تتعبوا أنفسكم، فالنار مثواكم أبداً، فهي منزلكم ومقامكم، فاصبروا أو لا تصبروا؛ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [فصلت:24].

    من الثواء والمقام، أي: دار مقامكم ومنزلتكم سواء صبرتم أو لم تصبروا، فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [فصلت:24]، أي: مقام ودار خالدة لهم.

    وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:24] يستعتبوا السين والتاء للطلب، أي: يكتبوا العتب ويعتذروا عن أعمالهم؛ ليرضوا ربهم، وهيهات هيهات، فلا مجال للعذر.

    وهذا كما قال أصحابهم السابقون للملائكة وهم يسحبونهم إلى النار سحباً ويجرونهم إليها على وجوههم: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ [غافر:49]، فتجيبهم الملائكة: قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر:50].

    وهنا كذلك يأخذون في الاستعتاب إلى ملائكة النار ويقولون: إنما أضلنا فلان وجهلنا وقلنا: نعزم على التوبة وسبقنا الموت، فهل تقبلون عذرنا؟ وهل تعيدوننا إلى دار الدنيا كما كنا؟ فيطلبون من الملائكة أن يتضرعوا إلى ربهم ويسألونه لهم، فتقول الملائكة لهم: هل هذا جديد عليكم أو تعلمونه من قبل؟ أولم تأتكم رسلكم بالبينات؟ فيقولون: بلى، ويعترفون.

    ومع ذلك تمردوا وضلوا وأضلوا وأصروا على الكفر إلى أن وجدوا أنفسهم في واقع ما كانوا ينكرونه، ويشركون بالله فيه، فيحاولون إذ ذاك أن يطالبوا بالعودة إلى الدنيا، وهيهات هيهات، وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:24].

    أي: وإن يعتذروا ويطلقوا العتبى فما هم من المعتبين المعذورين، ولا يقبل لهم عذر ولا عتاب ولا رجاء، ولا تقبل منهم دعوة، فهم في النار خالدين أبداً، والدنيا قد انتهت وفنيت ولم يبق لها وجود بعد أن أدت مهمتها، فلا وجود الآن إلا للدار الآخرة، فإما في جنة دائمة خالدة أو في نار دائمة خالدة، فلا منجى للكافرين منها، ومقام المؤمنين في الجنة خالدين أبداً ما دامت السماوات والأرض عطاء غير مجذوذ، وذلك فضل الله وعطاؤه للمؤمنين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقيضنا لهم قرناء...)

    قال تعالى: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [فصلت:25].

    يذكر الله تعالى أنه هيأ وأعد لهؤلاء الكافرين قرناء سوء وباطل قارنوهم وصاحبوهم وعاشروهم.

    فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم فزينوا لهم ما بين أيديهم من شئون الدنيا وجعلوها زينة بين أعينهم، وجعلوها مآلهم وعزّهم ومكان نجاتهم.

    وزينوا لهم ما خلفهم وما سيأتي بعد موتهم، فزينوا لهم الكفر والضلال والبعد عن الإيمان وأنه لا جنة ولا نار، وما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكهم إلا الدهر، وزعموا ذلك وأعلنوه وكانوا الأئمة والقادة فيه، مثل ملاحدة العصر الذين يصفون أنفسهم بالتقدمية والتجددية وما هم إلا إخوان الشياطين، فقد عادوا للكفر والإلحاد والشرك السابق، ونبشوا على الأولين التراب وبعثوهم من قبورهم ومن جثثهم البالية النتنة، واستمسكوا بدينهم وبأخلاقهم وبأديانهم، ورضوا بالذل والهوان وعقوبة الدنيا والآخرة.

    ومن هنا كان من سعادة الإنسان أن يكون قرينه صالحاً، ومن شقاوته أن يقارن فاسداً، وقديماً قال الحكيم العربي: قل لي من تصاحب أقل لك من أنت. فإن هو صاحب شريرين وكفاراً ومنافقين كان منهم، ومن أحب قوماً ذُكر معهم، وإن صاحب صالحين ومؤمنين وأتقياء كان منهم، وحب الصالحين يدعك أن تكون معهم، وحب الكافرين يدعك أن تكون معهم.

    وقد ورد في الآثار وفي الحكم العربية شعراً ونثراً الحث على مقارنة الأفاضل وأهل التقوى والعلم والصلاح ممن يدلك على الله حاله، ويهديك إليه مقاله، وتكون أقواله لك هداية ودلالة على الخير، وحاله لك أسوة طيبة وقدوة صالحة؛ حتى تقارن أمثاله.

    ولكن هؤلاء رأوا الصالح والطالح فمالوا إلى الطالح؛ لأنهم وجدوا مشابهة بين أنفسهم وأنفس أولئك، وقديماً قالت الأمثال العربية: إن الطيور على أمثالها تقع. فالصالح إذا جالس كافراً أو منافقاً تجد نفسه في غاية ما تكون من الضيق، والكافر بالعكس إذا جالس صالحاً تضيق نفسه وتكاد تخرج من جوانحه، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

    والله عند نثره لذرية آدم من ظهره في الأزل قال لهم: ألست بربكم؟ فأجاب الكل مطيعين وكارهين: بلى أنت ربنا، فمن قالها مطيعاً غير مكره كان من أصحاب الجنة، ومن المؤمنين عندما يخرج جسده وذاته إلى الدنيا، ومن قالها مكرهاً كان من أهل الكفر والفساد، وعندما يخرج جسده إلى الدنيا سيكون مع الكافرين.

    والأرواح الصالحة يحن بعضها إلى بعض في دار الدنيا، والأرواح الخبيثة يحن بعضها إلى بعض في دار الدنيا أيضاً، ومن هنا إذا أردت أن تبحث عن منزلة إنسان وما مقامه إذا استشارك إنسان في مصاهرته أو معاملته أو في أي صلة من صلات الدنيا فعوضاً عن أن تأتي وتسأله: أأنت صالح أو فاسد؟ -وهذا لا يسأله إنسان؛ لأنه لا يقول: أنا فاسد- اسأله: من أصدقاؤك؟ ومن أصهارك؟ ومن الذي تجلس إليه؟ وممن تستفيد؟ وماذا تقرأ من الكتب إن كان قارئاً؟ وما الذي درست؟

    فإذا قال لك: إنه درس على اليهودي الفلاني أو النصراني الفلاني، وأنه يحب ماركس ولينين وهذه الأسماء القذرة الوسخة، ويعجبه ما يسميه بالتقدمية من أنواع الفسق والدعارة والضلال فستجده يجري خلف اليهود ويشيد بهم ويعتز بهم ويذكر شأنهم ويعليهم حتى على مقام الصالحين من المؤمنين والمسلمين.

    وإذا اجتمعت بآخر وقلت له: من جلّاسك؟ ومن قرناؤك؟ ومن تخالط وتعاشر؟ فإذا قال لك: أحضر درس التفسير والحديث، وألازم الصلوات في المساجد، وإذا خرجت من بلدي أُلازم تلاوة الكتاب الذي كنت أتلوه في بيتي وفي مقامي، ويُعجبني في التاريخ ذاك العالم والصائم والعارف بالله، فإنك تعلم أنه من أهل الخير.

    والمربي سواء كان أباً أو معلماً أو وصياً على أيتام أو محجور عليهم إن كان رجلاً صالحاً يبعد هؤلاء عن معاشرة أهل الفساد، ويراقب أولاده وتلاميذه ويدعوهم إلى الله، وينصحهم: لا تعاشروا فلاناً ولا تجالسوا فلاناً، واذهبوا إلى فلان، واقبلوا الحكمة من فلان، والزموا عمل كذا واقرءوا الكتاب الفلاني، ولا تنظروا إلى الجرائد والمجلات إلا لجريدة أو المجلة الفلانية التي فيها صالحون، فيميلهم إلى الصالحين، وهكذا يحثهم على قرناء الخير ويبعدهم عن قرناء الشر؛ لأن هؤلاء القرناء هم الذين سيقودونه إلى الخير أو الشر.

    ومن هنا لما كان العرب في الجاهلية قرناء لـأبي جهل وأبي لهب وعتبة وعتيبة ابنا ربيعة وأمثالهم كان إمامهم الشيطان ومآلهم إلى النيران.

    وعندما برز سيد البشر وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام فمن انضم إليه وكان من جلّاسه ومن أصحابه الذين أخذوا عنه الحكمة والإسلام ودانوا بدينه وتخلقوا بأخلاقه وتبعوا طريقته كان من حزب الرحمن، وأصبح أولئك الأولون حزب الشيطان.

    وعندما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فرق الكفر من اليهود والنصارى وأدعياء الإسلام قال عن فرقة واحدة: هي من أهل الجنة، فقيل: (يا رسول الله! وما هي؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي).

    ومن هنا قال ربنا جل جلاله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].

    وقال ربنا: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

    وقال ربنا جل جلاله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وما سوى ذلك هراء في هراء وسخط في سخط وباطل في باطل، وسواء ورثته عن أبيك أو حميمك أو أستاذك أو قرينك فكل هؤلاء الذين يدعون إلى الشيطان وإلى الباطل فابتعد عنهم إن أردت لنفسك خيراً وجنة ونجاحاً بعد موتك، وأما من يريد الشر والبلاء فسيتبع الشيطان وحزبه.

    قال تعالى: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ وقرناء: جمع قرين، يقال في الجمع: قرناء وأقران، قرينك هو الذي يقرن وجوده وشبحه وروحه وعمله وسلوكه معك، فيفعل فعلك وتفعل فعله، فيكون قريناً لك في العقيدة والأخلاق والسلوك والمعاملة؛ فإن كان القرين رجلاً صالحاً فأنت من أهل الصلاح، وإن كان رجلاً سيئاً فأنت من رجال السوء.

    ومن هنا كان الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وقال عليه الصلاة والسلام: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظله وذكر من السبعة: رجلان تحابا في الله اجتمعا عليها وتفرقا عليه).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الجنة درجات ما بين كل درجة ودرجة ما بين كل سماء وسماء، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وأعلى درجات الجنة الفردوس الأعلى، وهو مساكن الأنبياء والمرسلين) وكان في المجلس رجل من الصحابة مسكيناً لا يكاد يُعرف ولا يُهتم به، فغاب عن المجلس أياماً ثم حضر، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى عليه آثار الحزن والبؤس عن سبب غيابه، فبكى وقال: يا رسول الله! سمعتك تقول: (إن أعلى منازل الجنة الفردوس، وهي منازل الأنبياء والمرسلين ولو دخلت الجنة فكيف لي أن أكون في الفردوس؟ وجنة أدخلها ولا أراك فيها ولا أجلس إليك فيها لا حاجة لي بها. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: أنت مع من أحببت).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) فقال الصحابة إذ ذاك: بقينا سنوات وزمناً طويلاً ما سمعنا كلمة طربت لها نفوسنا وأرواحنا وكانت علينا بمثابة دخول الجنة كهذه المقولة الكريمة من النبي عليه الصلاة والسلام.

    فقصير العمل يرفعه حبّه إلى منازل الصالحين بحيث يكون معهم، ومن هنا فإن النبي عليه الصلاة والسلام علّمنا في الدعوات النبوية أن نقول: (اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك).

    والحب في الله درجة عالية في الإسلام، وقد كتب إمامان بل ثلاثة عن الحب، وهم: ابن القيم كتب (روضة المحبين) وكتب قبله ابن حزم (طوق الحمامة) وكتب قبلهما أبو بكر بن أبي داود كتاب (الزهرة)، تحدثوا فيها عن الحب البشري والحب الإلهي، وانتقلوا من الحب البشري إلى الحب الإلهي، فكان الحب الإلهي هو الحب الدائم الذي يدخل الجنان ويغسل الأدران عن الأجساد، وهو الذي إذا أشربته أعضاء الإنسان وجوارحه وحواسه كان للمحبوب سميعاً مطيعاً، فإذا أحببنا الله فلابد أن نكون سميعين مطيعين لأوامره، مجتنبين تاركين لنواهيه، وإذا أحببنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلابد أن نكون سميعين مطيعين لأوامره ومجتنبين تاركين لنواهيه.

    وقد قال اليهود والنصارى: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، فزعموا أنفسهم أحباء لله، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [المائدة:18].

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الحبيب لا يعذّب حبيبه) فلو كانوا أحباء الله لما عذّبهم، وهم معذّبون خالدون في العذاب؛ لأن الله قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    وهؤلاء الكفرة اليهود يعبدون العزير ويعبدون العجل ويعبدون مريم وعيسى ويعبدون ويعبدون، ومن كان مشركاً لا أمل له ولا رجاء يوماً من الأيام بالعفو أو بالمغفرة أو بالرحمة، فهم أهل النار خالدون فيها أبد الآباد ودهر الداهرين.

    قال تعالى: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [فصلت:25] فأخذوا يضلونهم ويحكمون لهم كفرهم القائم الذي بين أيديهم والذي عايشهم وعاصرهم من فساد دنياهم ومن اتباع الشهوات والنزوات وفعل المنكرات والبعد عن الله وعن أهله، وعن النبوات وعن القرآن الكريم وعن الاهتداء بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم، وأخذوا يزينون لهم الكفر والفساد والأحزاب الضالة والفرق المفسدة وساقوهم إلى الأحزاب التي لا تدعو إلا إلى الفساد والفواحش والمنكرات والكفر بالله فضلوا وأضلوا.

    وكان ذلك نتيجة عشرتهم لقرناء السوء الذين زيّنوا وحببوا لهم الفساد في الدنيا، وأبعدوهم عن الآخرة والإيمان بها، فهذا ما بين أيديهم، أي: من شئون الدنيا، وما خلفهم أي: وما سيأتي بعدهم من الدار الآخرة ومن العرض على الله ومن البعث والنشور، فقد حملوهم على أن ينكروا ذلك ويكونوا من أتباع الكافرين بعقائدهم وبأعمالهم وبسلوكهم؛ قال تعالى: فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [فصلت:25].

    وحق عليهم القول أي: قول العذاب، ووجبت عليهم المحنة والغضب ودخول النار ضمن أمم سبقت ممن كفروا وضلوا من أمثالهم ممن كانوا القدوة والأسوة لهم والأئمة لأعمالهم من قوم نوح وعاد وقوم صالح وقوم لوط وقوم فرعون، إلى جميع تلك الأمم الفاسدة التي مضت، ومن أتى بعدها من الكفار ومن المشركين ومن أعداء الله من أهل النار وسكان أهل النار.

    فقوله تعالى: وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ [فصلت:25]، أي: في شعوب وفرق، وأمم: جمع أمة.

    قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ [فصلت:25] خلت: مضت وذهبت وماتت على كفرها وعلى شركها.

    مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ، أي: من الجن الذين كانوا كفّاراً وماتوا على الكفر، ومن الإنس الذين عاشوا كفّاراً وماتوا كفّاراً وسيبعثون كفّاراً.

    قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [فصلت:25]، أي: تلك الأمم الكافرة التي خلت من قبلهم والتي جاء هؤلاء من بعدهم فدانوا بدينهم وسلكوا سلوكهم وعملوا أعمالهم كلهم؛ الإمام والمؤتم والتابع والمتبوع والزعيم والمزعوم والكبير والصغير في النار، كما قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38] أي: أنهم تجمعهم جهنم جميعاً ويلقون عذابها ونارها معاً.

    وعندما يذكر الله لنا هذا فإنه يذكره عبرة وتذكرة للمتذكر ما دام في حياة الدنيا يسمع ويعقل؛ ليعلم الطريق الحق فيتبعه، وليعلم الطريق السوء الباطل فيجتنبه، وتبقى يوم القيامة وفي الدنيا كذلك الحجة البالغة لله، فلا يقول الإنسان: لم يبلغني ولم أقرأ كتاباً ولم أسمع قرآناً، ولم أجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسمع به ولم تبلغني هداية، وهيهات هيهات! فلم يبق في الأرض منذ القرن الأول بجميع شعابها وجبالها ووهادها من لم يسمع بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي برز في هذه الديار المقدسة فقال: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158].

    فهو خاتم الأنبياء والرسل بشيراً ونذيراً للخلق كلهم ولجميع الأمم في المشارق وفي المغارب، الأبيض والأسود والأحمر، ومنذ عصره إلى يوم القيامة، فلا نبي ولا رسول بعده، وقد اختص من بين جميع الأنبياء بأن كانت رسالته خاتمة شاملة عامّة، كافية لكل عصر وزمان وإنسان عالم وجاهل، كبير وصغير، ذكر وأنثى، ولا يبقى لقائل ما يقوله إذا أتاه منكر ونكير يسألانه: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟

    فإذا أجاب بقوله: سمعت الناس يقولون قولاً فقلته، فقد دلل على جهله وعلى كفره فتعذب روحه في قبره إلى يوم القيامة، حيث تجتمع الروح بالجسم، فيعذب جسماً وروحاً أبد الآبدين.

    والعكس بالعكس، فالمؤمن يرحم عندما يسأل: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ثم يسأل: من نبيك؟ فيقول: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    وقد علمنا كيف نجيب صلى الله عليه وسلم عندما قال لنا: (الله ربنا، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبينا، والقرآن إمامنا، والإسلام ديننا، والكعبة قبلتنا، والمؤمنون إخوة).

    وهذه الكلمات على قلة ألفاظها من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمعت الإيمان كله من الإيمان بالله وبرسله وبكتبه وبأخوة المؤمن وبالقبلة، ولا أخ لنا إلا المسلم، وأما اليهودي والنصراني فليس بأخ لنا، وهؤلاء الذين يقولون اليوم: الإنسانية والأخوة والمساواة، هذه شعارات يهودية، فهم يعنون بالإنسانية الإنسان اليهودي والنصراني، ويعنون بالأخوة: أخوة النصراني واليهودي، ويعنون بالمساواة: المساواة باليهودي وبالنصراني.

    وهيهات هيهات، فلم يقل الله ذلك، وإنما قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

    وقال عن الكافرين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51]، فهم أعداؤنا إلى أبد الآباد يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] والكافر شبيه بالكافر، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] والذي يتولاهم ويقول: أزلت الحواجز بيني وبينهم ويجتهد في إفساح المجالات لهم ويجعلهم سادة الوقت والعصر وأئمة له ومستعمرين لبلاده يكون منهم، فإن كانوا يهوداً فهو مثلهم، وإن كانوا نصارى فهو مثلهم، وإن كانوا مرتدين ملاحدة فهو مثلهم.

    وكتاب الله هو الذي يفصل بين البشر ومن خرج عنه خرج عن الإسلام ولا شيء سوى ذلك.

    وقال تعالى عن هؤلاء الذين عاشروا وقارنوا قادة السوء وقرناء الباطل: أولئك الذين خسروا دينهم ودنياهم في أمم سبقتهم إلى النار، كلما دخلت أمة لعنت أختها، وهكذا حال الكافرين.

    وهذا الطريق السوي من أراد اتباعه فقد أخذ وسلك طريق الجنة، وتلك طريق الشيطان كلها ضلالات وظلمات، فمن اتبعها قادته إلى النار، وليس هناك إلا الجنة أو النار، ومن أراد أن يعيش مذبذباً لا يهودياً ولا نصرانياً ولا مسلماً فهو ليس من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولكنه من أهل النار، فتجد اليهودي يذهب إلى معبده وكذلك النصراني، وأما الذي كان مسلماً ثم ارتد فلا معبد له، وإنما معبده الشيطان ومجالس السوء ومحلات الخنا، ويكون في هذه الحال أقبح وأبعد سوءاً من اليهودي والنصراني، فالمسلم عندما يرتد ويفسق ويبتعد عن كتاب ربه وعن نبيه صلى الله عليه وسلم يبقى بلا دين، فيبقى إلى الحيوانية أقرب، وقد وصفه الله وأمثاله بقوله: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179] فالأنعام نستفيد من ظهورها ومن بطونها ومن ركوبها ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها، وأما الإنسان الكافر المرتد فإن فساده أكثر من صلاحه، وضرره أعم من نفعه، فوجوده تحت الأرض أنفع للإنسان وللبشرية جميعاً قديمها وحديثها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756012743