هذا الدرس الثامن والأربعون من" الدروس العلمية العامة" في ليلة الإثنين 26/جمادى الأولى/ 1412للهجرة.
والعنوان" هموم ملتزمة".
من نعني بكلمة ملتزمة.
إننا نعني بها تلك الفتاة التي آمنت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم نبياً ورسولاً، ورضيت بمنهج الله تعالى وشريعته ديناً ودرباً وطريقاً، فلم ترض بقوانين الشرق والغرب ولا تقاليدها، وإنما رضيت أن تكون أسوتها وقدوتها هن النسوة المؤمنات الصالحات من أمهات المؤمنين ونساء الصحابة والتابعين.
فليست هي تلك الفتاة التي أخذت الدين تقليداً عن آبائها وأجدادها، وهي تشعر أنه عبءٌ ثقيل تتمنى أن تلقيه عن كاهلها صباحاً أو مساءً، ولا تلك الفتاة التي أخذت من دينها بظاهره، وغفلت عن باطنه وحقيقته، فإن الدين كلٌ، مظهر ومخبر، سلوك وعقيدة، ولا ينبغي ولا يجوز للإنسان أن يفرط ببعض الكتاب: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ [البقرة:85].
وهذه قصيدة للشاعر العشماوي في وصف بعض التناقض الموجود عند بعض البنات والنسوة، يقول:
هذي العيونُ وذلك القــدُّ والشيحُ والريحـانُ والنـَّـدُّ |
من أين جئتِ؟ أَأَنْجَبَتْكِ رؤىً بيضٌ فأنتِ الزهـرُ والـوردُ |
قالت وفي أجفانِها كَحَـــلٌ يُغري وفـي كلماتهـا جِـدُّ |
عربيــةٌ حُريتـي جَعَلَـتْ مـني فتـاةً مالـهـا نـدُّ |
أغشى بقاعَ الأرضِ ما سَنَحَتْ لي فرصَـةٌ بالنفـس أعتـدُّ |
عربيةٌ.. فسألتُ: مسلمــةٌ؟ قالت: نعم، ولخالقي الحمـدُ! |
فسألتها والحزن يَعْصِـف بي والنارُ في قلـبي لهــا وقْـدُ |
من أين هذا الزِّيُّ ما عَرَفَـتْ أرضُ الحجازِ ولا رأت نَجْـد?! |
هـذا التبـذُّل يا محدّثــتي سـهمٌ من الإلـحاد مرتَـدُّ! |
فتـنمَّرَتْ ثم انْثَنَـتْ صَـلَفًا ولسانُها لسِبابهـا عَبْــدُ |
قالـت: أنا بالنـفسِ واثقـةٌ حريَّتي دون الهــوى سـدُّ |
فأجـبتُها والنـارُ تَلْفَحُـني: أخشــى بأن يتناثَرَ العِقـدُ! |
ضِـدَّانِ يا أُختاه ما اجتمعـا: دينُ الهدى، والكفرُ والصَـدُّ |
والله مـا أزْرى بأمتِـنــا إلا ازدواجٌ ما لـه حـدٌّ! |
تقول إحداهن في مطلع اقتراحها للموضوع: إن الملتزمة بحاجةٍ ماسة إلى من يأخذ بيدها، ويطور لها التزامها، وبالذات مع شعورنا بأن هناك من الواعين من يعتقد أن تحجُّب الفتاة وتركها لمشاهدة التلفاز هو النقطة الأخيرة التي تقف عندها.. وليتهم يعلمون أن معظم الملتزمات يملكن كل شيءٍ إلا الفكر والفهم السليم! فهكذا تقول الأخت.
وإذا كنا نوافق أن كثيرًا من الناس يظنون أن الالتزام ينتهي عند حد الحجاب وترك مشاهدة التلفاز، مع أن الواقع أن المسلم أو المسلمة لايزالان في جهاد وترقٍّ إلى الموت، تصديقًا لقول الله عز وجل: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] وقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
فالالتزام ليس مرحلة يتجاوزها الإنسان إلى غيرها.. كلا! وليس قضيةً ينتهي عندها المرء! بل إن الالتزام هو محاولة مستمرة تظل مع الفتى ومع الفتاة إلى الممات، حتى في ساعة الموت يجاهد الإنسان نفسه ويعبد ربه: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]. ومادام أن الروح في الجسد، ومادام أن النَّفس يتردد؛ فأمام الإنسان ألوان وألوان من المجاهدات والمصابرات والمدافعات؛ يحتاج الرجل إليها، وتحتاج المرأة إليها.
ولكننا لا نوافق تلك الأخت، على أن معظم الملتزمات يملكن كل شيءٍ إلا الفكر والفهم السليم، فإن كثيرًا من الأخوات الملتزمات يملكن-بحمد الله- قدرًا جيدًا من الفهم السليم، ويملكن عقولاً ناضجة، ويملكن مواهب قوية، نسأل الله لنا ولهن جميعًا الثبات.
أما العناوين فهي كالتالي:
أولاً: المرأة والالتزام.
ثانياً: من صفات الداعية.
ثالثاً: من مشكلات الدعوة النسائية.
رابعاً: عقبات في الطريق.
خامساً: موضوعات وكتب.
إن من الواجب: أن تُستخدم الوسائل العلنية العامة في مخاطبة النساء كالشريط، والكتاب، والمحاضرة المتخصصة.. بل والمدرسة والجامعة، حتى أقول: والسوق، وكلَّ وسيلة متاحة مباحة، فإنه ينبغي أن يستخدمها الدعاة إلى الله تعالى في الوصول إلى عقول النساء، وقلوبهن، ومخاطبتهن بآيات الله تعالى والحكمة.
كانت رموز الوطنية والتحرر والثقافة- زعموا- في معظم البلاد العربية، أمثال: هدى شعراوي، وأمينة السعيد، ونوال السعداوي... والقائمة المعروفة، رموزاً في نظرهم يطبل لها الإعلام، وتتكلم عنها الصحافة، ويعتبرن رائدات في مجالهن.
أما في بلاد الجزيرة بالذات، فلا تزال المستغربات في العقل والشعور موضع ازدراء وسخرية من المجتمع- بحمد الله تعالى- فهن يكتبن في صحافتنا بكل تأكيد، ولكن على استحياء، وبشيء من الغموض!
فإذا أرادت إحداهنَّ نقد الدين؛ عبرت بالطقوس، والتقاليد البالية، والسراب، ومخلفات القرون السابقة، ولكنها لا تستطيع أن تتكلَّم عن الدين هكذا صراحًا بواحًا.
وإذا أرادت نقد العلماء والدعاة؛ عبّرت عنهم بالمتطرفين والأصوليين، وأصحاب العنف وضيق الأفق.. أو أبعدت النجعة؛ فعبَّرت بالكهانة والكهنة!!
وهنا يبرز مسئولية القادرات من أخواتنا وبناتنا، في وجوب وجود قيادات نسائية معروفة على كافة المستويات. فلابد أن يوجد في المدرسة قيادات، وفي نطاق التعليم قيادات، وعلى مستوى البلد قيادات؛ بل وعلى مستوى الإقليم قيادات.
وهذا وإن كان واجبًا في كل بلاد الإسلام، إلا أنه في هذه البلاد أيسر وأسهل، فلا يزال الميدان مكشوفًا مفتوحًا لمن أراد.
والجواب: أقول لإخوتي وأخواتي: إننا في مجتمعٍ لا ننفرد نحن بصياغته وصناعته؛ بل هو مجتمعٌ فيه صناع كثيرون، ذوو عقول شتى، ومذاهب مختلفة، وآراءٍ متباينة؛ بل ونظرياتٍ واتجاهاتٍ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار- كما يقال- فإذا توقفت الملتزمة عند حدٍ معينٍ فغيرها لا يتوقف. ومعنى ذلك أننا حين ننصح المتدينات بترك الدراسة -مثلاً- أو ترك مجالات العمل والتأثير؛ فإننا سمحنا لكل الفئات، وكل الطبقات، وكل الاتجاهات التي لا تسمع لنا أصلاً- لها بأن تنمو وتتوغل وتتغلغل في المجتمع، ووضعنا سدًّا منيعًا أمام العنصر الوحيد الذي يمكن أن يساهم بشكلٍ جيدٍ في ضبط المسيرة، أو يساهم في تحجيم الشر والفساد، ولا أعتقد أن ثمة خدمةً يمكن أن نقدمها للعلمانيين بالمجان أكثر من هذه الخدمة، ولا توجد خدمة يمكن أن نقدمها لأصحاب النوايا السيئة وصرعى الشهوات أعظم من هذه الخدمة، وليس هناك أعظم من أن تصبح التجمعات النسائية بجامعاتها وبكلياتها ودراساتها ومعاهدها وندواتها وأعمالها خالية من الفتاة الملتزمة، التي ترفع راية الدين، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.
و أقل ما يمكن أن تقوم به تلك الملتزمة هو: أن تشعر المجتمع بما يجري داخل تلك المجتمعات النسائية، وما يكون وراء الكواليس، ووراء الستار.
إنَّ العلماء والدعاة-بل والعامَّة- أحوج ما يكونون إلى من يقول لهم: إنه يجري في أوساط النساء كيت، وكيت، وكيت، فأين دوركم؟ وما مجالكم؟ وأين هي أصواتكم؟ فإخبارهم بما يحصل ويحدث داخل تلك الأسوار هو أقل ما يجب.
ومع ذلك أقول أيها الإخوة وأيتها الأخوات: إنني أعتقد أن زمن الشكوى المجردة قد انتهى، أو كاد أن ينتهي، وأعني بذلك أن دور الخيرين والخيرات لا يجوز أبداً أن يتوقف عند مجرد رفع الشكاوى للجهات المختصة: حصل كذا، وحصل كذا، وحصل كذا، وأقول: إن هذا الدور الذي يقف عند مجرد الشكوى فقط.. قد انتهى، أو كاد أن ينتهي لأسبابٍ أهمها:
أولاً: إنه لو كان هناك إصرار من القمم على منع رياح التغيير والفساد لأحكموا غلق النوافذ، والمسئولون الصغار دائماً وأبداً يتلمسون مواقف الكبار، وردود فعلهم، ومدى حزمهم، أو تساهلهم، ولذلك يقال في النكت والطرائف: إذا أردت أن تعرف مدى قوة المسئول في بلدٍ؛ فانظر في سلوكِ البقال، فإذا صار بينك وبين البقال مشاجرة، فقلت له: إن فعلت وإلا رفعتك إلى مدير الشرطة، أو إلى المحافظ، أو إلى الأمير، فإن وجدته اضطرب وارتبك وخاف فاعرف أن هذا دليل القوة والعدل، وأن سيف الحق صارم، أما إن قال لك: ارفع وافعل ما شئت، وأمامك هيئة الأمم المتحدة، وأمامك وأمامك... فاعلم أن الأمر دليلٌ على التراخي.
ثانياً: ضغوط الناس لا يمكن إهمالها بحالٍ من الأحوال، فنحن -الآن- في عصرٍ صار للجماهير فيه تأثيرٌ كبير، فأسقطوا زعماء كباراً، وهزوا عروشاً، وحطموا أسواراً وحواجز، وما زالت صورة العُزَّل الذين يواجهون الدبابات بصدورهم في الاتحاد السوفيتي، بعدما قام الإنقلاب الشيوعي الأخير الذي فشل، ما زالت صور أولئك العزل يتدافعون في وجوه الدبابات بالآلاف، بل بعشرات الآلاف حتى استطاعوا، وهم لا يملكون ولا رصاصة واحدة أن يقفوا في وجه ذلك الانقلاب ويفشلوه، ما زالت هذه الصورة ماثلة للأذهان، وقد رآها العالم كله حيةً في شرقه وغربه.
فإذا كان المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعاً منقسماً، وهذه حقيقة: فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ النمل:45] والإنقسام إلى حق وباطل، ومهتدٍ وضال، ومؤمنٍ وفاجر، هذا أمر لا خيار فيه، ولا حل له، ولا يعني أن هناك سعياً إلى تمزيق المجتمع، بل هو سعي إلى تسمية الأمور بأسمائها الحقيقة، ووضع الأمر في نصابه.
فإذا كان المجتمع منقسماً -وهذه حقيقة- فيجب أن يمارس الخيرون كافة الوسائل لتحقيق قناعاتهم الشرعية. والشكوى وسيلة لا يمكن أن نهون منها أو من شأنها، ولكنها من أضعف الوسائل خاصةً إذا لم يكن معها غيرها. لكن يستطيع الأخيار أن يمارسوا دورهم كغيرهم.
فكما أن تلك الفتاة المنحرفة المشبعة بأفكار الغرب واتجاهاته، استطاعت أن تصل إلى موقع التأثير والمسئولية، وغيرت عقول بعض بناتنا وفتياتنا، وأثرت عليهن، فكذلك تستطيع الفتاة الطيبة الصالحة المهتدية أن تكون في الموقع نفسه، وليس هناك حواجز -بحمد الله- كبيرة تقفُ في وجهها، وإن وجدت حواجز فالتغلب عليها ممكنٌ، والحاجة أم الاختراع، والمؤمن الصادق لا يعدم حيلةً توصله -بإذن الله تعالى- إلى ما يريد.
الأمر الثالث الذي يجعلني أقول: إن مجرد الشكوى لا يكفي: هو أن من غير الممكن اليوم أن نقول للناس: أغلقوا الجامعات، والمستشفيات، والمؤسسات النسائية، فإن هذا أمرٌ غير ممكن، وهو أيضاً غير مطلوب، فلا بد للناس من كل هذه الأمور، وهي مؤسساتٍ ارتبطت بحياة الناس -الآن- بدون شك، فلم يبق إلا أن يرسم لهذه المؤسسات والمدارس والمستشفيات الإطار الشرعي الصحيح، والشرعُ جاء ليضبطِ كل شيء، قال تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً [الاسراء:12] ولم يبق إلا أن تشجع الفاضلات على إدارتها، أو على الأقل على المساهمة فيها، ومزاحمة الاتجاهات الأخرى غير المهتدية.
ومعنى كون المرأة ملتزمة: أنها مطيعة لربها، يقول الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] إذاً فأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر؛ هو جزءٌ من التزامها، وقيامها بالدعوة إلى الله تعالى هو جزءٌ من التزامها، لأن الله تعالى يقول: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [آل عمران:110]: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] إذاً فقيامها بواجبها، وقيامها بالدعوة إلى الله، وقيامها بالإصلاح، وقيامها بالأمر والنهي هو جزءٌ من التزامها.
وقد أثبتت الأحداث والتجارب الكثيرة، أن هذه الأمة -رجالاً ونساء- لديها قدرة على قبول الحق؛ بل لديها رغبة في سماع الحق والتزامه.. إذاً لا عذر لرجل منا -أو امرأةٍ- أن يقول: أنا ملتزمٌ ولكني غير داعية... أبداً! وهذا الكلام يجب أن ينتهي؛ لأن كل ملتزمٍ هو داعيةٌ بالفطرة، لأن التزامه يعني أنه مطيع، والذي أمره بالصلاة هو الذي أمره بالدعوة، وهو الذي أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمكن أن نفرق بين هذا وذاك بحالٍ من الأحوال، ولذلك ستجدون -وستجدن أيتها الأخوات- أن حديثي ينصب علىالملتزمة الواعية الداعية، باعتبار أنها هي المخاطبة أصالةً بهذا الموضوع، ولا شك أن كل صفةٍ نتصورها في الرجل الداعي.. هي أيضاً مطلوبة في المرأة.
والشرع واضحٌ بحمد الله، إما آية محكمة، أو سنة ماضية، أو إجماعٌ قائم، أو قولُ معروف مبني على اجتهاد صحيح واضح كالشمس، فلا بد أن تعرف المرأة المسلمة الأمر الذي تدعو إليه بدليله، بحيث إذا قال لها أحد: ما الدليل؟ أو لماذا؟ استطاعت أن تجيب على ذلك.
إذاً من الخطورة بمكان أن يتكلم الإنسان بلسانه، ثم يكذب ذلك بأفعاله.
يا واعظَ الناس قد أصبحتَ متَّهمًا إذ عِبْتَ منهم أمورًا أنت تأتيها |
أصبحتَ تنصحهم بالوعظ مجتهدًا والموبقات- لَعَمري- أنت جانيها |
والرجل والمرأة في هذا الحديث سواء، وإنما ذكر الرجل على سبيل التغليب، وإلا فالحكم واحد، والطبيعة واحدة، وما ثبت في حق الرجل ثبت في حق المرأة إلا بدليلٍ يخرجها منه.
يا أيها الرجلُ المعلمُ غــيرَه هلَّا لنفسِك كـان ذا التعليمُ |
تصفُ الدواءَ لذي السقام وذي الضَّنى كيما يصـح بـه وأنت سقيم |
فهناك يُقبل إن وعظت ويقتدى بالقول منك وينفـع التعـليمُ |
لا تَنْهَ عن خلقٍ وتـأتي مثلـه عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيــمُ |
فالتربية والدعوة بالسلوك -أحياناً- أحسن من ألف محاضرة، وسلوك امرأةٍ بين زميلاتها في حسن خلقها وأدبها، ومظهرها ومخبرها، وطيب حديثها، والتزامها بشريعة ربها، وصلاحها؛ أعتقد أنه أفضل من كثيرٍ من الكلمات والمحاضرات التي نبدئ فيها ونعيد، ونردد الكلام، وقد لا يسمعه الكثيرون.
فكثيرٌ من الأخوات وكثير من البنات تقول: أنا ليس عندي رغبة في سماع الأشرطة الدينية؛ وهذا كثيراً ما يقع، لكن لو وجدت أمامها نموذجًا حيًّا، وصورةً حيةً من فتاةٍ ملتزمةٍ متدينةٍ، فأعجبتها؛ أعتقد أنها هنا لاتحتاج إلى أن تسمع شريطًا أو لا تسمع؛ فالحق واضحٌ، ولا يحتاج إلى صعوباتٍ في من يريده.
فلابدّ من القدوة الحسنة، وأن تكون الأخت الداعية قدوةً حسنةً في عبادتها، وسلوكها، ومخبرها، وقلبها، وعقيدتها، وأخلاقها، وطيبتها، ومظهرها أيضًا: في شكلها وثيابها وفي شعرها وثيابها ومشيتها، وفي حركاتها، في أعمالها وأقوالها، وكل شيء، وأضرب لكَ ولكِ مثلاً على ذلك:
المرأة الداعية القدوة، التي تظهرٍ بمظهر لا يليق بمثلها؛ كأن تلبس مثلاً عباءةً لامعةً مطرزة، أو تلبس كابًا مطرزًا هو زينة بنفسه، أو تضعه على كتفها، أو تظهر زينتها للأجانب، أو تكون مولعة بمتابعة الموضات والتسريحات أولاً بأول.
إن هذا المظهر حين تتحدث وتدعو -لا نقول: إنه يجب عليها أن تسكت إذا كانت هكذا، لا! فهي مطالبة بالدعوة كما قلنا منذ قليل- فإنها تكون بهذا العمل الذي عملته قد سنت للأخريات سنةً يقلدنها فيها، إما عن حسن ظن بأن هذا العمل الذي فعلته لا شيء فيه، والدليل أن فلانةً فعلته، أو سيقولون: إن هذه المرأة لا تستحق أن يسمع لها، لأنها تناقض قولها بفعلها، بل أقول: لا بأس أن تتجنب الأخت الداعية هذا، بل ينبغي أن تتجنب بعض الأمور المشتبهة حمايةً لعرضها، وحمايةً لدعوتها.
وأقول هذا؛ لأنه قد يظن بعض الناس أنني أدعو المرأة المتدينة الداعية إلى أن تكون متبذلة، بعيدةً عن الاهتمام بمظهرها.. كلا! فالمظهر هو البوابة الرئيسة التي لابد من عبورها إلى قلوبِ الأخريات.
ومن الطَبَعي أن تتحلى المرأة، أو تبحث عن الثوب الجميل، وقد قال الله تعالى: أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18].. فكون الفتاةِ تنشأُ منذ طفولتها في الحليةِ هذا أمرٌ طبعيٌ لا تلام عليه.
ومن الطبعي: أن تهتم المرأة بتسريح شعرها مثلاً، وأن تعتني بمظهرها، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى الرجل بذلك، ولما جاءه رجل أشعث الرأس أمره بأن يسرح شعره ويدهنه، ولما جاء بعد ذلك قال: {هذا خير من أن يأتي أحدكم أشعث الرأس كأنه شيطان} فالمرأة مع بنات جنسها من باب أولى.
ونحن بطبيعة الحال لا نقبل أبدًا أن تتبرج المرأة المسلمة بزينة، ولا أن تتطيب لخروجها من بيتها، لكن هذا لا يعني بحالٍ التبذل، أو أن تذهب إلى المجتمعات النسائية في أثواب مهنتها، خاصة حين تكون داعية يشار إليها بالبنان.
وإنني أقول لكم أيها الإخوة ولكنَّ أيتها الأخوات عن تجربةٍ وصلت إلي من عددٍ من الأطراف: كثيرٌ من الفتيات اليوم يعرضن عن الدعوة، لأنهن يتصورن أن معنى الالتزام وحضور الحلقة في المسجد -مسجد المدرسة- أو سماع الشريط يعني أن الفتاة سوف تتخلى عن كل مظهرٍ من مظاهر اهتمامها بنفسها، وهي لا تريد ذلك، فتقول: كل شيء إلا اهتمامي بمظهري
فمن الذي قال: إنّ الإسلام يحول بينها وبين ذلك في حدود ما أباحه الله تعالى، وفي حدودِ ما ليس بحرام؟! فالمظهر مباح إذا كان ثوباً ليس زينة في نفسه وغير متطيبة فيه ولا تظهر به أمام الرجال.
الاعتدال في كل شيء، ومن الاعتدال: الاعتدال في مشاعرها بين الإفراط والتفريط.
فنحن نجد من بعض الأخوات من تكون جافة في عواطفها ومشاعرها، فلا تتجاوب مع الأخريات، ولا تبادلهن شعورًا بشعور، وودًّا بود، ومحبةً بمحبة، أو تبتسم في وجوههنَّ، وترى أن جديَّة الدين وجدية الدعوة تتطلب قدرًا من الصرامة والوضوح والقسمات الحادة، وهذا أمر-بلا شك- غير مقبول: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقول للمرأة أيضاً: وتبسُّمُكِ في وجه أختكِ صدقة أيضاً؛ فالحكم عام.
وبالمقابل هناك من النساء ومن الأخوات من تبالغ في المشاعر، وتبالغ في إغراق الأخريات بمشاعر قد تصل أحيانًا إلى حد الإفراط، فتجدين أن من الأخوات من لا تصبر عن فلانةٍ ساعةً من نهار، فإذا ذهبت إلى بيتها بدأت تتصل بها بالهاتف، وتكلمها الساعات الطوال، وربما خلت بها أوقاتًا طويلة، تبث إحداهنَّ إلى الأخرى مشاعرها وهمومها وشجونها؛ بل ربما تغار إذا رأت أخرى تجالسها أو تحادثها... تغار منها لأنها تريدها لنفسها فقط!!.
وهذا نوع مما يسمى بالإعجاب في أوساط البنات، فضلاً عن قضية المحاكاة والتقليد، أي أنها تقلدها في كل شيء: في حركاتها وسكناتها، وفي طريقة كلامها، وفي لباسها، وفي حذائها، وفي حركة يدها… في كل شيء تقلدها.
ولاشك أن ذوبان شخصية البنت في أخرى-ولو كانت داعيةً- ضياع؛ لأن الله عز وجل خاطب كل إنسان بمفرده: إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا مريم:93-95] وقال سبحانه: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [الشمس:7-10].
فينبغي أن تشعر المسلمة باستقلاليتها، وأنها لا يجوز أن تذوب في شخصيةٍ أخرى، فإن لها استقلاليتها، ولها مسئوليتها، فهي موقوفة بين يدي الله تعالى يوم القيامة بذاتها وبمفردها.
والحلُّ أمام هذه المشكلة يتمثل في عدةِ أمورٍ أعرضها باختصار وبسرعة؛ رغبةً في استكمال الموضوع:
فمن الحلول: طلب المشاركة من الجميع، بمعنى أن تحرص الأخت المسلمة على أن تشارك كل النساء في الدعوة إلى الله تعالى، وأن تشارك كل الغيورات، حتى مع وجود شيءٍ من التقصير، وينبغي أن نضع في أذهان النساء والرجال أيضاً: أنه لا يشترط للدعوة أن تكون كاملاً، فالدعوة ليست نادياً للكَمَلَة، والكمالُ في البشر عزيز، وما من إنسانٍ إلا وفيه نقص؛ لكن هذا النقص لا يمكن أن يحول بين الإنسان وبين قيامه بواجب الدعوة إلى الله تعالى، فأنت تدعو -مثلاً- إلى ما عملت، بل حتى ما لم تعمله يمكن أن تدعو إليه بطريقتك الخاصة.
فمثلاً: الإنسان المقصر -رجلاً كان أو امرأة- يمكن أن يقول للناس: أيها الناس إن الأمر الذي إن وقعت فيه، وهو كيت وكيت وكيت، أعرف أنه خطأ، وأستغفر الله تعالى منه، وأتوب إليه، وقد يكون فيكم من هو أقوى عزيمةً مني، أو أصلب إرادةً، أو أصدق إيماناً، أو أخلص لله عز وجل، فيستطيع أن ينجح هو فيما فشلت فيه أنا، فتكون دللت على الخير، ولك مثل أجر فاعله، ولو كنت مقصراً فيه:
ولو لم يعظ في الناسِ من هو مذنبٌ فمن يعظُ العاصين بعـد محمـدِ |
وعلى هذا فوقوع الإنسان في المعصية لا يسوِّغ له ترك النهي عنها أبدًا؛ بل ينهى عن المعصية ولو كان واقعًا فيها، ويأمر بالمعروف ولو كان تاركًا له، وإن كان الأكمل والأفضل والأدعى للقبول هو سيرةُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88].
إذًا حتى مع التقصير يجب أن تجر الأخت الداعية الأخريات إلى المشاركة، فمثلاً بعض الطالبات في المدارس يمكن أن تشارك إحداهن في كلمة، أو في توجيه، أو في إعداد بحث مصغر في أمور معينة، تُحدّث بها بنات جنسها، من خلال حلقةِ المسجد، أو من خلال الدرس، أو من خلال أيه مناسبة أخرى.. مع مراعاةِ تعهد هؤلاء النساء بالتوجيه؛ فكونها قامت، وتكلمت، أو ألقت محاضـرة أو كلمة أو بحثًا؛ لا يعني ذلك أنها قد جاوزت القنطرة، وأصبحت داعيةً، يطلب منها ولا يوجه إليها؛ يطلب منها أن تأمر الناس ولا تُؤمر هي، كلا! بل هو مطلوبٌ أن تُتَعاهد، ويُحرص عليها، وتُنصح، وتُقرأ مشاعرها، وتوضع في موضعها الطبعي، فلا يبالغ في الثقةِ بها وإطلاقِ العنان لها بما قد يضر بها.
وقد سمعت واطلعت على كثيرٍ من الحالات، منها أن الفتاة عندما تكون في المرحلة الثانوية -مثلاً- ثم يسند إليها أمرُ الدعوة كله في المدرسة؛ فتكون هي الداعية، وهي المعلمة والمتكلمة والواعظة والمتحدثة وتصبح الأنظار تتجه إليها، والأصابع تشير إليها، والأخريات ينظرن إليها نظرةً معينة... أن هذا يفقدها -أحيانًا- نوعاً من القدرة على ضبط نفسها، وعلى اتزانها، ويكونُ له تأثيرٌ سلبيّ على نفسيتها، وعلى اهتماماتها التربوية الأخرى، فربما تنسى نفسها أحيانًا، وربما تبالغ في بعض الأمور، وربما تجتهد فلا تصيب؛ لأن الفترة والسن التي تعيش فيها لا تجعلها قادرةً على الاجتهاد في كل المسائل؛ بل ربما يشعر أهلها بشيءٍ من التقصير، وقد اطلعت على حالاتٍ وصلت إلى حد أزمة نفسيةٍ بسبب هذا الأمر.
إذاً يجب أن نفرق بين كوننا نقول: لا تتدخل الفتاة وهي في هذا السن في الدعوة، وهذا لا يصلح، وبين كوننا نضع في يدها الأمر كله من الألف إلى الياء، ونجعلها هي القائمة بالأمر قياماً كاملاً، فهذا أيضاً لا يصلح، بل ينبغي أن تكون في مجال التدريب والمساهمة والمشاركة مع أخريات، وأن نتعاهدها بالتوجيه والنصح، ونقول: هنا أصبت، وهنا كنت تحتاجين إلى احتياط في الأمر أكثر، وهذا خطأ ينبغي تجنبه.. وهكذا.
الحل الثاني: الاتجاه نحو الجهود العامة:
فمثلاً: مجموعة من الجلسات قد لا تشمل سوى عشرين أو ثلاثين امرأة، أي: قد تجعل المرأة في بيتها جلسةً خاصةً لخمسٍ من جيرانها -خمسُ نساءٍ فقط- لكن لو أنها أقامت محاضرة أو درسًا عامًّا أو أمسية؛ لكان من الممكن أن تشمل مئات النساء، فيكون هذا الجهد المحدود الذي صرفته إلى خمس، كان من الممكن أن تصرفه إلى خمسين، أو إلى خمسمائة امرأة.
وبطبيعة الحال نحن لا نقلل من أهميّة الدروس والجلسات الخاصة؛ فهذه الدروس والجلسات الخاصة لها أهميتها، فهي:
أولاً: أنها تخاطب فئة من المجتمع.
ثانيًا: أنها ربما قد توجد امرأة تقدر على أن تقيم جلسةً خاصة لخمس؛ لكنها لا تستطيع أن تقيم محاضرةً أو درسًا عامًّا.
ثالثًا: أن الجلسة الخاصة -خمس نساء أو عشر- يمكن التحكم في وقتها وفي مكانها، وهذا كله يسهل إمكانية أن تُقام، لكن درساً أو محاضرة قد يصعب قيامه.
لكن متى أمكن أن تقوم المرأة بنشاط عام: كمحاضرةٍ أو درسٍ عام أو ندوة؛ فإن هذا يكون أبلغ في التأثير، وأوسع في المنطقة التي تخاطبها.
الحل الثالث: ضرورة التركيز من الجميع -رجالاً ونساءً- على إعدادِ جيلٍ من الداعيات الواعيات ممن يحملن هم الإسلام، وتنمية هذه المعاني -معاني الدعوة- لديهن.
فقد تكون زوجتك-مثلاً- ممن تصلح لهذا، فلا يجوز أن يكون زواجها نهاية المطاف، أو أختك، أو قريبتك، أو بنت أختك، أو محرمك؛ فينبغي أن تحرص على أن تعدها داعيةً إلى الله تعالى، وكذلك النساء الداعيات من المدرسات ينبغي أن يعتنين بإعداد نوعياتٍ من الفتيات وتهيئتهن وتأهيلهن للقيام بهذه المهمة الصعبة؛ لأن واحدةً من النساء يمكن أن تقوم عن عشرٍ، وكما يقال:
والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ وواحدٌ كالألفِ إن أمرٌ عَنَا |
ولا نحتاج إلى تحريف في هذا البيت، فقد حرفه قبلنا: أبو عبد الرحمن بن عقيل، فقال:
والناس ألفٌ منهمُ كواحدة وواحدة كالألفِ إن أمرٌ عَنَا |
وهذا صحيح، فربما امرأة غلبت آلاف الرجال، ومن يستطيعُ أن يأتي في عيار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أو خديجة، أو حفصة، أو زينب، أو أم سلمة رضي الله عنهن، أو غيرهنَّ من المؤمنات الأُول؟ حتى كبار الرجال تتقاصر هممهم دونهن، وما زال في هذه الأمة خيرٌ، رجالاً ونساءً.
الحل الرابع: الاستفادة من النشاطات الرجالية:
فلماذا نتصور أن نشاط المرأة ينبغي أن يكون محصورًا؟ فالنشاطات الرجالية: كالدروس-مثلاً- والمحاضرات، والندوات، ومعظم الكلام الذي يقال فيها يصلح للرجال ويصلح للنساء، وكما أسلفت أن الشرع جاء للرجل والمرأة، وخاطب الجنسين معًا، وما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل.
وليس يلزم أن تكون المرأة مجتمعًا مستقلاًّ متكاملاً، فقيهتها منها، وداعيتها منها، ومفتيتها منها.. أن هذا ليس بلازم، والرسل عليهم الصلاة السلام كانوا رجالاً فقط، قـال الله تعـالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109].. إذًا فالرسل كانوا رجالاً، ولا أرى أن أدخل في جدلٍ عقيمٍ حول: هل بعث من النساء أحد؟ فإن ابن حزم له رأيٌ، وبعض الفقهاء لهم رأىً آخر، ولكن الجمهور- كما ذكر القرطبي وغيره -على أن الرسل كلهم كانوا من الرجال، ولم يبعث الله نبية قط.
فلا أريد أن أدخل في الجدل العقيم، فنقف عند الآية: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ [يوسف:109].. وهؤلاء الرجال كانوا يخاطبون الرجال، ويخاطبون النساء؛ ويدعون الجميع على حدٍ سواء.
إذًا لا مانع- حفظًا للجهود- أن تنضم النساء إلى مواكبِ المستمعين إلى الدروس والمحاضرات والمجهودات الرجالية.. بطبيعة الحال على انفرادٍ، ومع التزامهنَّ بأوامر الشرع: في عدم التطيب إذا أرادت الخروج، وعدم لبس الثوب الذي يكون زينةً في نفسه، وستر نفسها، وعدم الجهر بالقول والاختلاط بالرجال… إلى غير ذلك؛ لكنها -أيضاً- تستفيد في مجالاتها الخاصة المنعزلة.
وهنا يأتي دوركم أنتم يا أولياء الأمور: دور الأب، ودور الزوج، دور الأخ، في تسهيل المهمة وإعانة المرأة على بلوغ محلها الذي تريد.
وكثيراً ما تقول الفتيات: كنت وكنت... وأصبح كثير من الأخوات كنتياً! فهي تستطيع أن تقول: كنتُ وكنتُ، لكن لا تستطيع أن تقول: أنا الآن أفعل كذا إلا في القليل، ولا أزعم أيضاً أنني أملك حلاً لهذه المعضلة، ولكنني أحاول المشاركة في بعض الحلول:
فأول إضاءة في هذا الطريق هي في ظل قول الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:2-3] ويقول الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5] ويقول الله تعالى: يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29].
فالتقوى هي أول حل: أن يتقي العبد ربه، وتتقي الأمة ربها جل وعلا في نفسها، ووقتها، وزوجها، وعملها، ومسئولياتها.
والتقوى ليست معنىً غامضًا كما يتصور البعض؛ نحن من الممكن أن نحدد التقوى في بعض النقاط والأمثلة التالية:
من التقوى: أن تختصر الفتاة ثلاث ساعات تجلسها أمام المرآة، وهي تعبث بالأصباغ وترسم وتمسح، وتزين شعرها؛ لتصبح هذه الثلاث الساعات نصف ساعة-مثلاً- أو ثلث ساعة، دون تفريطٍ في العناية بجمالها لزوجها، الذي هو جزءٌ من شخصيتها وجزء من فطرتها.
ومن التقوى: أن تختصر الفتاة مكالمةً هاتفية تقضي فيها ساعتين مع زميلتها، في أحاديث لا جدوى من ورائها؛ لتكون هذه المكالمة ربع ساعة، أو عشر دقائق في السؤال عن الحال والحلال والعيال وغير ذلك.
ومن التقوى: أن تختصر الفتاة الوقت المخصص لصناعة الحلوى-مثلاً- من ساعةٍ ونصف إلى صناعةٍ جيدةٍ جاهـزةٍ، لا يستغرق تحضيرها -أحيانًا- نصف ساعة.
ومن التقوى: أن تقتصد المؤمنة في نومها، فالنوم من صلاة الفجر -مثلاً- إلى الساعة العاشرة ضحى، وبعد الظهر، وقسطًا كافيًا من الليل.. هذا من عادات الجاهلية، وامرؤ القيس لما كان يمدح معشوقته، كان يقول: نئوم الضحى، فيمدحها بكثرةِ نومها، لكن في الإسلام مضى عهد النوم وانتهى، وأصبح المؤمن مطالبًا بأن يكون قسطه من النوم مجردَ استعدادٍ لاستئناف حياةٍ من البذل والجهاد.
فنومها إلى الساعة العاشرة ضحىً، ثم بعد صلاة الظهر، وقسطًا كافيًا من الليل.. هذا الأمر لا يسوغ، والرجل مثلها، ولذلك في قصة أم زرع وهي في صحيحي البخاري ومسلم: {اثنتي عشرة امرأة اجتمعن وتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا، فكل واحدةٍ قالت: زوجي كذا… زوجي العشنق، إن أنطق أطلَّق، وإن أسكت أعلَّق}... إلى آخر القصة الطويلة التي لا شأن لنا بها الآن، لكن الخامسة منهن قالت: {زوجي إن دخل فَهِد، وإن خرج أَسِد، ولا يَسْأل عما عَهدْ}.. فما معنى فهد؟
يقول ابن الأنباري: إن معنى قولها: (إن دخل فهد). هو أنه صار كالفهد، وهو حيوان كثير النوم، فهي تقول:إنه إذا دخل التف بفراشه وغفل عنها، ونام نومًا طويلاً، أما إذا خرج فهو كالأسد الهصور على الناس، (ولا يسأل عما عهد) أي: أنه رجلٌ فيه كرمٌ وفيه إعراض، فهو لا يدقـق في كـل شيء، ولا يسأل عن كل شيء، وقد كان العرب يمدحون الإنسان بمثل هذا الشيء.
ومازال العرب-أيضًا- يمدحون الإنسان بقلة نومه واقتصاده في ذلك، وأراكم تذكرون قول الهُذلي الذي يقول مادحاً رجلاً:
فأتت به حُوشَ الفؤاد مُبَطَّناً سُهُدًا إذا ما نام ليلُ الهَوْجَلِ |
فكون الإنسان قليل النوم ذلك مما يمدح به الرجل والمرأة، والاقتصاد في ذلك ممكنٌ، فالعلماء في السابق كانوا يقولون: إن القدر المعتدل من النوم ما بين ست إلى ثمان ساعات يومياً، وهذا الكلام ذكر جماعةٌ من السابقين إجماع الأطباء عليه.
أما الآن فقد ظهر أطباء معاصرون يقولون: لا. بل الأمر الغالب أن النوم الطبيعي من ست إلى ثمان ساعات؛ لكن قد يكتفي الجسم بدون ذلك، كثلاث أو أربع ساعات أحيانًا، وقد يحتاج إلى أكثر من ثمان ساعاتٍ أحيانًا، وهذا وذاك قليل، لكنه موجود.
الإضاءة الثانية: هي قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [النحل:90] وقول النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه الشيخان- لـعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: {إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً} وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً}.
والزَوْر يحتمل أن يكون المقصود به: الجوف، أي: أن نفسك لها عليك حق، فينبغي أن تأكل بقدر ما تحتاج مثلاً، وقيل: إن المقصود بالزور: الزوَّار، فلهم حقٌ عليك أيضًا، وحقُّ الأضياف ألا تهملهم وتهجرهم وتخسرهم، وتعرض عنهم: {فآت كل ذى حقٍ حقه} ولذلك سوء التوزيع يكون سببًا في ضياع الثروة.
وإذا كانت أغلى ثروة نملكها هي الوقت؛ فإن سوء توزيع الوقت من أسباب الضياع، ولو أن الرجل والمرأة أفلحا في ضبطه وتوزيعه بطريقة معتدلة؛ لكسبا شيئاً كثيراً.
فبعض الزوجات الداعيات-مثلاً- تشتكي أن زوجها الملتزم لا يعطيها من الوقت ما يكفيها، وهذه جاءت لي فيها شكاوى كثيرة، وأقول- ولعلي لا أكون من هؤلاء-: ليس أولئك بخياركم! فمن يقصرون في حقوق بيوتهم ليسوا من الخيار.
فكثير من النساء تشتكي أن زوجها لا يعطيها من الوقت ما يكفيها، وقد لا يأوي إلى البيت إلا متأخراً، وربما يأوي وهو متعب قلق أو متضايق، فهو لا يريد أن ينظر إلى زوجته، ولا أن يجلس معها، وإنما يريد أن يأوي إلى الفراش، أو ينام أو يخلو بهمومه، أفليس من المناسب إذن- إذا كان الأمر كذلك- أن تكون المرأة منشغلةً بعض الوقت بشئون بيتهـا، أو شئون دعوتهـا، أو شئون أولادها في ظل غياب زوجها؟! خاصةً ونحن نعلم أن المرأة إذا كانت جالسةً في البيت تنتظر الزوج، فهي تعدُّ الساعات والدقائق عدًّا، فإذا جاء زوجها كانت قد استطالت غيبته، واستبطأت مجيئه، لكن إذا كانت المرأة هي الأخرى مشغولة في أمورٍ مفيدةٍ نافعة في دينها أو دنياها؛ فإن الوقت يمر عليها بغير ذلك.
ومن العدل ترتيب الأولويات والمهمات، فالفرض-مثلاً- يقدم على النفل، وربنا تعالى يقول في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه…} إذًا أولاً الفرائض ثم النوافل؛ لأنّ الله تعالى لا يقبل نافلةً حتى تؤدَّى الفريضة، كما قال أبو بكر رضي الله عنه في وصيته.
فالفرض يقدم على النفل، والضرورات تقدم على الحاجات، والحاجات تقدم على الأمور التكميلية التحسينية، هذا إذا كان هناك تعارض.
فليس من العدل أن تهمل المرأة زوجها وبيتها وأولادها؛ بحجة أنها -مثلاً- مشغولة بالدعوة، كما أنه ليس من العدل أن يهمل الرجل بيته وزوجه وأولاده؛ بحجة أنه مشغول بالدعوة، وليس من العدل أن تغفل المرأة الداعية عن عملها الوظيفي الذي تتقاضى عليه مرتبًا من الأمة، أو تغفل عن عملها الدعوي الذي هي فيه على ثغرة من ثغور الإسلام، ويُخشى أن يؤتى الإسلام من قبلها، فبإمكانها أن تسند بعض المهمات إلى آخرين، وهذا من الحلول، فيتحملون معها المسئولية، وهي تقوم بدور التوجيه والإشراف، فإذا كثرت عليها الأعمال استطاعت توزيع المهمات مثلاً، فيمكن أن يساعدها أحدٌ في القيام على شئون الأطفال، خاصةٍ ممن يوثق بعلمها ودينها وخلقها، ويمكن أن يساعدها أحدٌ في ترتيب بيتها، ويمكن أن يساعدها أحدٌ في مهماتها الدعوية - كما أسلفت قبل قليل- ويساعدها أخرياتٌ يتدربن على هذه الأعمال شيئاً فشيئاً، ويقمن بهذه المهمة، ويساعدن عليها.
أما الإضاءة الثالثة فهي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين [الأنعام:161-162]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن جابر، ومسلم عن حذيفة رضي الله عنهما: {كلُّ معروف صدقة} و(كل): من ألفاظ العموم: {كل معروف صقة}.
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي، والحاكم عن جابر رضي الله عنه: {وإن من المعروف أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وأن تفرغ من دلوك في إناء جارك}.. ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطيالسي، وأحمد، والنسائي عن عمرو بن أمية الضمري { كل ما صنعت لأهلك فهو صدقة عليهم}.. والكلام للرجل والمرأة-أيضًا- على حدٍ سواء؛ بل في الحديث المتفق عليه الذي رواه البخاري ومسلمعن أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل سلامى من الناس عليه صدقة -أي كل مفصل من المفاصل أو عضو من الأعضاء عليه صدقة، فينبغي لكل إنسان أن يؤديها- كل يوم تطلع فيه الشمس؛ تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها، أو ترفع له متاعه عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوةٍ تخطوها إلى الصلاة صدقة، ودلُّ الطريق -دل الإنسان على الطريق- صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة} إذًا الصدقات كثيرة جداً، فعمل المرأة ودعوتها يمكن أن يكون لزوجها، سواء كان زوجها ملتزمًا أو عاديًّا أو منحرفًا.
إنّ قيام فتاةٍ بسد الثغرة الخلفية للداعية، بمعنى أنها تقف وراءه، وتسدُّ عنه ثغرةً من الثغور: ثغرة البيت -المنـزل- الذي هو الحصن الداخلي والجبهة الداخلية، إن قيامها بذلك هو جزءٌ من مهمتها ومن دعوتها.
أو قيامها بتحويل زوجها من إنسان عادي همه الدنيا، إلى إنسانِ داعيةٍ يشتعل في قلبه هم الإسلام، يعتبر دعوة، أو قيامها بدعوة زوجها، من زوج منحرف ضال، مقصر في الصلاة، أو مرتكب للحرام، إلى إنسان صالح مستقيم؛ يعتبر أيضاً جزءاً من الدعوة، ويمكن أن يكون لها في ذلك دوركبير.
كما أنه يمكن أن يكون لأولادها تربية على الخير، وتنشئة على الفضيلة، وهذا جزء من دعوتها ومسئوليتها، ونحن جميعاً نعرف ما هي الأجواء التي تربى فيها عبد الله بن عمر، أو عبد الله بن الزبير، أو عبد الله بن عمرو بن العاص، أو غيرهم من شباب الصحابة، وأي نساء ربينهم.
كما أن تدريس المرأة في مدرستها لا يجوز أبدًا أن يكون عملاً وظيفيًّا آليًّا تقوم به، فنحن لا يهمنا أن تتخرج البنت وقد حفظت نصوص البلاغة مثلاً، أو عرفت المعادلات الرياضية، أو أتقنت التفاعلات الكيميائية، وهذا كله جزء من المقرر، ونحن نقول: لا تثريب على المعلمة في تدريسه والحرص عليه، ولكن كل هذه المواد، ومواد اللغة، ومواد الشريعة، وكل ما يقدم للبنت وللرجل أيضاً؛ فإنه يهدف إلى هدف واحد فقط، وهو بناء الإنسان الصالح رجلاً أو امرأة.. وبناء الإنسان المتدين المستقيم الصالح، فهذا هو الهدف، ولا يجوز أن ننشغل بالوسيلة عن الهدف والغاية.
فلماذا لا تخصص المعلمة مثلاً من الحصة خمس أو عشر دقائق للتوجيه، وحين أقول: للتوجيه لا أعني بذلك النصيحة المباشرة، فقد تثقل أحيانًا على النفوس، ولا أعني أن تكون هذه النصيحة سداً للفراغ، حين لا تكون المعلمة قد أعدت الدرس إعدادًا جيدًا، فتقدّم النصيحة لملء الفراغ… لا، ولكنها كلمة صادقة من قلب يحترق للآخرين، تتدسس بها إلى قلوب الطالبات، وتحرك إيمانهن، وتساهم في توعيتهن، وتحل مشكلاتهن، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : {الكلمة الطيبة صدقة} فنريد أن توزع المدرسة من الصدقات على الطالبات.
والآن -ولله الحمد- ما من بنت إلا وهي تدرس في المدرسة، فلو وجدنا في كل مدرسة معلمة ناصحة داعية مخلصة، فمعنى ذلك أننا استطعنا أن نوصل صوت الخير إلى كل فتاة، وهذا مكسبٌ عظيمٌ جداً لو استفدنا منه.
كما أنه من الممكن أن تحرص المعلمة -أيضاً- على إقامة الجسور والعلاقات الأخوية الودية مع زميلاتها المدرسات ومع طالباتها، وطالما سمعنا ثناء الجميع على معلمة لحسن خلقها وطيب معشرها، وطالما استطاعت معلمة واحدة أو مشرفة أو إدارية أن تقلب المدرسة كلها رأساً على عقب؛ بل إنني أعرف حالات استطاعت فيها معلمة واحدة في مطلع حياتها الوظيفية أن تقلب قريةً بأكملها، وتحول الفتيات فيها إلى فتيات صالحات متدينات.
وفي مجال عمل الداعية -مثلاً- في بيتها، أقترح بعض الاقتراحات السريعة، فمن المقترحات:
أن توفر المرأة مكتبةً صغيرةً للقراءة، تختار فيها مجموعةً من الكتب الصغيرة المناسبة، يكون فيها: كتبٌ توجيهية، وقصص، وكتب وعظية، وكتب فيها بيان أحكام الصلاة، والأشياء التي يحتاج إليها في البيت، وتعليم أمور العقيدة، وسوف أذكر في نهاية هذا الدرس بعض الكتب المقترحة.
ومن المقترحات -أيضاً- توفير مكتبةٍ صوتيةٍ، تحتوي على عددٍ طيبٍ من الأشرطة الإسلامية المفيدة، مثل: أشرطة في القرآن الكريم، وأشرطة في السنة النبوية، وأشرطة في الدروس والمحاضرات، وأشرطة توجيهية، وبيان بعض الأحكام التي يحتاج إليها أهل المنـزل، حتى بعض الأشرطة المفيدة الترفيهية في حدود المباح، وما أباحه الشرع، وما أشبه ذلك مما يُحتاج إليه في المنـزل، ويستغني به الصغار والكبار والأميون عن قضاء الوقت في القيل والقال والغيبة والنميمة، أو مشاهدة التلفاز، أو غير ذلك.
ومن المقترحات عقد حلقة أسبوعية لأهل البيت: فيكون في البيت درس أسبوعي لأهل البيت، تجتمع فيه النساء الكبار والصغار من المحارم، ويتلقون فيه أشياء يسيرة: آيةً محكمة، سنةً من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام، تدريب على عبادة من العبادات، تعليم عقيدة من العقائد، تربية، قصة، أنشودة، قصيدة، مسابقة إلى غير ذلك.
مقترح رابع: تحسين العلاقة مع كافة أفراد المنـزل تمهيدًا لدعوتهم إلى الله، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فإن المرأة إذا كانت في البيت -سواء كانت زوجةً أو بنتاً- إذا استطاعت أن تكون محبوبةً عند الأم وعند الأب وعند إخوانها وعند أخواتها، فإنها تستطيع أن تؤثر فيهم كثيراً، لكن إذا كانت الأمور على النقيض، فأعتقد أنها كمن يضرب في حديدٍ بارد.
وتشتكي كثيرٌ من النساء من مثل هذا.
فأقول: ينبغي أن يراعى هذا بالنسبة للنِّساء الكبيرات في السن بأمور:
منها أن تتلطف المرأة في الدعوة؛ ومنها أنها إذا رأتهن على منكر فمن الممكن أن تصرفهن عنه أولاً، فإذا رأت غيبة فتحاول أن تطرح موضوعاً آخر بعيداً عنه، فإذا انشغلت النساء بهذا الموضوع الجديد عن موضوع الغيبة، بحثت الفتاة يوماً من الأيام عن كتاب يكون فيه كلمة لأحد العلماء المعروفين-كسماحة الشيخ ابن باز مثلاً أو غيره- فيه تحذير من الغيبة، أو من النميمة، أو بيان الحكم الشرعي الذي أخطأت فيه المرأة، ثم تأتي المرأة وتقول: أريد أن أقرأ عليكن فتوى للشيخ ابن باز يقول: بسم الله الرحمن الرحمن، وتقرأ، فحينئذ لا تملك المرأة -الأم الكبيرة- أن تقول: هذا دينٌ جديد، أو أنتم كل شيءٍ غيرتموه؛ بل تقول: سبحان الله! سبحان الله! العلم بحر! وتقبل هذا الكلام؛ لأنها عرفت أن هذا الرجل له ثقله، وله قدره، وله وزنه.
ومن الحلول: مراعاة الحاجة إلى أسلوب ملائم في الدعوة يتميز بالمرح والمؤانسة وتطييب قلوب وخواطر الآخرين وتقديم النصيحة لهم في قالبٍ من الود والمحبة، ويمكن أن يأتي هنا دور الهدية؛ فإنها تَسُلُّ السخيمة كما جاء في حديث، وإن كان لا يصح.
والمشكلة هو أن تشعر الفتاة بكمالها أو أهليتها التامة، ومعنى ذلك أنها لن تسعى إلى تكميل نفسها أو تلافي عيبها، ولن تقبل النصيحة من الآخرين؛ لأنها ترى في نفسها الكفاية، أما شعورها بالنقص والتقصير، فهو مدعاة إلى أن تستفيد مما عند الآخرين، وأن تقبل النصيحة، وينبغي أن تعلم الأخت الداعية أنه ما من إنسان صادق إلا ويشعر بهذا الشعور0
ويقول لي الكثيرون من الإخوة الشباب: لو تعرف حقيقة ما نحن عليه؛ لعذرتنا وغيرت رأيك، ونحن لا نقول هذا على سبيل التواضع، أو هضم النفس، ولا نعتقد أن النقص الذي عندنا هو كالنقص الذي عندك أو عند الآخرين؛ كلا! بل نحن مقصرون إلى درجةٍ لا تحتمل..
والغريب أن هذا الكلام يقوله كلُّ إنسانٍ عن نفسه، فوالله أيها الإخوة، لو نطق أفضل الناس في هذا العصر، لقال هذا الكلام بعينه، ولكنه يدور في قلبه وفي نفسه، ويؤثر ألا يقوله؛ لئلا يفجع الآخرين أو يثبط عزائمهم أو يفتر هممهم، وهذه طبيعة الإنسان، أنه كلما ازداد صلاحه، زاد شعوره بالتقصير، وكلما علم وعرف علمًا جديدًا، ازداد معرفةً بأنه جاهل، كما قال الشاعر:
وكلما ازددت علمـًا ازددتُ علمًا بجهلـي |
فكلما زاد فضل الإنسان زاد شعوره بالنقص، وكلما زاد جهله وبعده زاد شعوره بالكمال.
وباختصار.. فإنه ما دامت الروح في الجسد، فلن يكمل الإنسان، وكلما شعر بالتقصير وهضم النفس، كان أقرب إلى الله تعالى وأبعد عن الكبر والغرور.
وقد يبتلي الله تعالى العبد أو الأمَة بنوع تقصير خفي لا يعلمه الناس، يحميه الله تعالى به من داء العجب، ويجعله به دائم الذل لله، ودائم الانكسار والانطراح بين يديه عز وجل، فلا يمنعنَّكِ الشعور بالتقصير من الدعوة إلى الله؛ فإنها من أعظم العبادات التي يكمل الإنسان بها نفسه، وهي من أفضل القربات، ونفعها يتعدى إلى الأخريات، وهي أفضل من نوافل الصوم، وأفضل من نوافل الصلاة: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
ومن عقبات النفس أيضاً: التخوف والإحجام والتهيب من الدعوة والكلام أمام الأخريات، وهذا لا يمكن أن يزول إلا بالتجربة والممارسة، ففي البداية: يمكن أن تتعلم الفتاة وسطَ مجموعةٍ قليلة، فتلقي كلمة ولو كان مكتوبةً في ورقة، ثم مع مجموعةٍ أكثر، ثم تشارك في المسجد والدروس التي تقام في المدرسة، ثم تبدأ بعد ذلك في إعداد بعض العناصر، وتُلقي ما سوى ذلك من نفسها، وبطريقة الارتجال، ولابد من التدرب، وإلا ستظل المرأة، وسيظل الرجل يقول: لا أستطيع!
ولو ظل إنسانٌ يتلقى طُرقَ السباحة -مثلاً- عشرسنوات نظرياً، ما استطاع أن يسبح؛ لكن لو نـزل خمس دقائقَ في الماء، وحاول أن يعوم، وخشي من الغرق، ولكنه تغلب، وهناك من يرشده ويؤيده ويساعده ويسدده، فإنه يتعلم في خمس دقائق أو أقل من ذلك.
وأضرب لذلك مثلاً، وهي رسالة جاءتني من إحدى الأخوات، تتكلم عن هذا الصرح العلماني المعروف.. معهد الإدارة العامة، تقول: العاملات فيه من الفلبينيات غير المسلمات غالبًا -أقسم بالله لك- أن بعض الطالبات يجدن متعةً في الحديث معهن بكل صراحة، حتى إنها تعمل لهـا ما يسمى بالحلاوة وقص الشعر وكتابة الأشعار الغزلية وترجمتها، والمسجد عبارة عن مترين في مترين، مَمَر تقطعه ستارة بسيطة، جلستُ مرةً أنصح - ولا يزال الكلام للأخت- بعض طالبات التمريض، فكادوا يكونون عليَّ لبدًا، يقلن: لا يدخلك الدين.. شوي شوي، وهذا هو الكلام الذي يقولونه لها.
فهذا مثال، وهو مثال صغيرٌ محدود، والمستشفيات مثلاً، مضايقات بعض الأطباء والمراجعين والممرضين، الجامعات وما فيها من اختلاط، وحفلات مختلطة، ورجال يدرسون البنات مباشرة بدون حجاب، وليس عن طريق الدائرة التليفزيونية المغلقة، وقد تكون الدائرة التليفزيونية المغلقة موجودة، وتترك ليتكلم الرجل مع النساء مباشرة، ويأخذ توقيعاتهن بالموافقة على أن يدخل عليهن كفاحًا ووجهًا لوجه!!.
دكتور يشرف على رسالة طالبة، وقد يلتقي بها على انفراد في غرفته الخاصة.. إلى آخر تلك المهازل التي ليس لها آخر!!
وقبل أيام أثيرت قضية قريباً منا جداً، هنا فيالكويت، وقد تكلمت عنها الصحف بشكل مزعج للغاية، وهي أن الدكاترة في كلية الطب هناك يمنعون الطالبات المنتقبات من دخول الفصول، سبحان الله!! لماذا تمنعونهن من دخول الفصول؟! قالوا لك: إذا كانت الفتاة منتقبة -قد لبست النقاب على وجهها- معنى ذلك أن المريض قد يخاف، ولا يكون مرتاحاً نفسياً، ولا يساعد ذلك على العلاج!! فانظر كيف يأتون بالحجج الواهية.. وإلى هذا الحد بلغت عنايتهم بالمرضى!!
وآخر يقول: أنا أقرأ التعبيرات والتأثر على وجوه الطلبة، ومن خلال رؤيتي لوجه الطالب، أعرف إن كان الطالب فهم أو لم يفهم، قبل أو لم يقبل، أُعجب أو لم يُعجب، فكيف أقرأ هذا في وجه الطالبة وهي منتقبة؟! فانظر كيف الحيل، وهي حيلٌ أوهى من بيت العنكبوت، وأتفه من عقولهم! وهذا الكلام السخيف الذي لا ينطلي على أحد، ثم يكتب في الصحف ويقال، وثارت قضية كبرى.
وأنا أقول: يا إخوة! إنما أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض، فإذا كان هذا في جامعات الكويت، وهي منا قاب قوسين أو أدنى، فما الذي يأؤمنك أن يكون الدور عليك؟! ولذلك أقول: إنما أُكِلتُ يوم أُكل الثور الأبيض.
فيجب على أصحاب الغيرة أن يتحركوا الآن في هذه القضية وفي غيرها، ويكون لهم مساهمة، وأقل ما نستطيع أن نفعله هو مخاطبة المسئولين وولاة الأمر ومكاتبتهم.
أمر آخر: تلك الصحف الكويتية التي تنشر هذه المهاترات وما هو أحطُّ منها، وقد رمت سهامها، وأصلتت سيوفها على رقاب الخيرين، فما تركت لفظًا من ألفاظ السباب والشتائم في قاموس اللغة، بل وما ليس في قاموس اللغة، إلا وألصقته بهؤلاء الأخيار، وتكلمت فيهم وسبتهم، وشتمتهم وعيرتهم، وقالت الكلام البذيء المفجع المفظع، الذي لا يجوز أن يقال في مثل هذا الكلام، فوالله قصاصاتٌ -أحلف لكم بالله- لو جلست إلى الفجر أقرأها ما انتهت، كلها هجاء للأخيار، وليكن الأخيار فيهم أخطاء، ونحن لا نقول: إنهم ملائكة، لكن إلى هذا الحد، ويهجوهم أناسٌ لهم تاريخٌ معين، فكثير ممن يهجوهم لهم تاريخ معين، إلى يومك هذا.
فأقول: ما هو دورنا؟
أقل ما نستطيع أن نفعله هو أن نمنع دخول هذه الجرائد إلى بلادنا؛ لأنها إنما تُشْتَرى في أسواقنا هنا أكثر مما تُشْتَرى في مكان آخر، ولو أنها أوقفت أو طولبت بأن تكف عن أعراض الأخيار، وأن تتكلم بعقل واعتدالٍ ومنطق، ونحن لا نقول: لا تنتقد الأخيار، بل انتقد من شئت، لكن بالحجة، والبرهان، وبالموضوعية، وبالتعقل، وبالمنطق، وبالكلام، وبالدليل، أما كونك تأتي بألفاظ السباب والتجريح، والتجديف دون دليلٍ ولا حجة؛ وإنما هو مجرد بذاءة وقلة أدب، فقلة الأدب لا يجوز أن نشتريها بأموالنا.
وأقول: أين الرجال؟.
أقل دورٍ يمكن أن نقوم به هو: منع دخول هذه الجرائد والمجلات إلى بلادنا، ومنع بيعها في بقالاتنا، وإذا لم نفلح، فأقل ما نستطيع هو أن نتنادى نحن الأخيار والغيورين، وأن نكلم كل أفراد المجتمع بوجوب مقاطعة هذه الصحف والمجلات، ومحاربتها، وشنَّ حملةٍ لا تتوقف عليها، حتى تتوقف هي عن النيل من ديننا، ومن كرامتنا، ومن مقدساتنا، ومن أخلاقنا، ومن الرجال الصالحين
حلول لفساد البيئة:
ولعلي شطحت بعيداً في الكلام عن بعض المشكلات التي تتعلق بالأسرة أو بالبيئة التي تعيش فيها المرأة، ومن الحلول في ذلك:
مواصلة العلماء وطلاب العلم والدعاة الغيورين بكل ما يحدث داخل تلك المجتمعات.. إنها ليست أسرارًا ولاخفايا، كيف وهي تنشر في بعض الصحف العالمية؟! أعني بعض ما يجري في مجتمعات النساء هنا، فإذا تحدثت طالبةٌ -مثلاً- أو راسلت أحد الدعاة، حُقق معها بحجة أنها نشرت أسرار الجامعة، أو نشرت أسرار المستشفى، كيف يحدث هذا؟!
إننا يجب أن نطمئن جميعًا على الجو الذي تتعلم فيه بناتنا، وتتعلم فيه أخواتنا، ومن حقنا جميعًا أن نعرف عنهن الكثير، مثلاً قبل أيام: نُشر من إحدى الجمعيات النسائية إعلان عن حفل غنائي سوف تحييه المغنية من جدة المدعوة بـ: ديسكفري، وسوف يقام على شرف زوجة فلان، والتذاكر بمائتين وخمسين إلى مائة ريال، والمكان هو المكان الفلاني، والزمان هو الزمان الفلاني، وهذا إعلان يباع في كل مكان، ويوزع في البقالات، فهل هذا من الأسرار حين يتنادى الغيورون لمقاومة مثل هذا الفساد؟! إن هذا ليس سراً، وأقول من باب وضع الحق في نصابه: قد وصل إليّ ما وصل إلى غيري من اعتذار تلك الجمعية عن هذا الحفل، وأنه لن يقام، لكن ينبغي أن يعرف ماذا وراء هذا؟ هل فعلاً سيتوقف الحفل، أم أنه سوف يقام سراً بطريقة معينة؟! ومن الذي كان وراء مثل ذلك الإعلان في جمعية نسائية خيرية في مكان ما؟!
ومن الحلول: النـزول للميدان مهما كانت التضحيات، فالهروب من هذه المجالات عبارة عن هدية ثمينة -كما أسلفت- نقدمها بالمجان للعلمانيين والمفسدين في الأرض، وأرى-اجتهادًا- ضرورة خوض هذه الميادين، وتحمل الفتاة ما تلقاه في ذات الله عز وجل إلا إن خشيت على نفسها الفتنة، ورأت أنها تسير إليها فعلاً؛ لضعف إيمانها، أو قوة الدوافع الغريزية لديها، أو ما شابه ذلك، فحينئذٍ فالسلامة لا يعدلها شيء.
ويجب أن تظل الدعوة هاجسًا قويًا للأخت مع كل الأطراف، فلا تعين الشيطان على أخواتها الأخريات، فحتى تلك التي يبدو فيها شيء من الجفوة في حقها، أو الصدود عنها، أو سوء الأدب معها، يجب أن تتحمل منها، وتتلطف معها، وتضع في الاعتبار أنه من الممكن أن تهتدي، والله تعالى على كل شيء قدير: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [القصص:56].
ويجب على الدعاة والتجار والمخلصين أن يسعوا جاهدين إلى إقامة مؤسسات إسلامية أهلية نظيفة مستقلة.
فلم يعد مستحيلاً إيجاد مستشفى نسائي خاص، ولم يعد مستحيلاً إقامة أسواق نسائية خاصة؛ بل هي موجودة بالفعل، ولم يعد مستحيلاً إقامة مدارس نسائية خاصة، بل وليس من المستحيل إقامة جامعات، أو جامعة على الأقل خاصة بالنساء، في هذا البلد وفي كل بلد.
وأعتقد أن الظروف الاقتصادية والظروف العلمية والظروف الإسلامية مواتية -الآن- لمثل هذه الأعمال، فقد طال تململ الناس من تلك الأوضاع الفاسدة في عددٍ من المؤسسات الصحية والتعليمية والإدارية دون أن يطرأ عليها أي تغيير، ولم يجعلنا الله بمنه وكرمه بدار هوانٍ ولا مضيعة، وهاهي أمم الكفر الآن قد سعت في هذا المضمار.
وقد رأيت بعيني جامعات تضم ألوف الطالبات في قلب أمريكا ليس فيها طالب واحد على الإطلاق، مع أن دينهم ليس هو الذي أملى عليهم ذلك -فهم غير متدينين حقيقة- ولكنهم رأوا في ذلك مصلحة ما.
أفليس هذا جديراً بنا؟! كما قرأت في عدد من الأخبار أن هناك فنادق في ألمانيا وغيرها مخصصة للنساء، كما أننا نجد في بعض البلاد العربية والإسلامية بدايات لذلك، فمثلاً سمعت أن في سوريا مستشفيات مخصصة للنساء.
وهنا لابد أن نشير إلى بعض البوادر:
إنّ هناك بعض الجمعيات الخيرية وبعض الجهود الفردية كانت وراء إقامة مستشفيات ومستوصفات مخصصة للنساء، تحمي المرأة المسلمة من المشاكل والصعوبات والقضايا الصعبة التي تواجهها المرأة، حينما تذهب للتطبيب في المستشفيات العامة.
بل هي تحل مشكلة كبيرة، فنحن نجد أن هناك جهوداً غير عادية لمحاولة إثارة قضيّة التمريض في أوساط البنات، ودعوتهن إليه بكل وسيلة، وتمنيات كبيرة من قبل المسئولين في الاكتفاء بالممرضات السعوديات كما يقولون.
وأقول: هذا لن يكون أبداً، إلا إذا أوجدنا البيئة الصالحة، التي تستطيع الفتاة أن تجد فيها الحفاظ على دينها وأخلاقها، وهي تقوم بتمريض النساء من بنات جنسها، بعيدًا عن ارتكاب الحرام، وبعيدًا عن الاختلاط بالرجال.
فإذا كنتم تريدون فعلاً من بناتنا وبنات المسلمين أن يدخلن معاهد التمريض والمعاهد الصحية، فيجب عليكم أولاً أن توجدوا البيئة الصالحة التي تُطمئن الفتاة وتُطمئن أهلها، إلى أنها سوف تكون بهذا المكان المأمون المضمون البعيد عما حرَّم الله.
وحينئذٍ نعم، أما أن يزجُّ الرجل ببنته في مثل هذه البيئات التي لا يأمن الإنسان على بنته فيها، والتي يرى فيها من المنكرات الشيء العظيم، فلا أعتقد أن هذا ممكنٌ أبدًا بحال من الأحوال، حتى غير المتدين لا يتقبل هذا؛ لأن الفتاة التي صارت في مثل هذه الأوضاع فإن الرجل إذا أراد أن يتزوجها، فإنه يعزف عنها، فحتى من الناحية المصلحية ومن الناحية الدنيوية، فإنهن سوف يكن بعيدات عن مثل هذه الأمور.
وبدءًا أقول: هذه الأمة أمة مجربة، فلست أنت أول من دعا؛ وإنما دعا قبلك كثيرون وكثيرات، وكان التجاوب كثيرًا وكبيرًا، والكفار الآن يدخلون في دين الله أفواجًا، فمن باب أولى أن المسلمين يستجيبون لله وللرسول إذا دعوا إلى ما يحييهم، وإذا أمروا ونهوا.
فأما أسباب عدم التجاوب فإنها ترجع إلى بعض الأمور التالية:
أولاً: منها ما يتعلق بالمدعوة نفسها:
فقد يكون السبب فعلاً من المدعوة، وذلك كأن تكون شديدة الانحراف، أو طال مكثها في الشر، وأصبح خروجها منه ليس بالأمر السهل، وأصبحت جذورها ضاربة في تربة الشر والفساد، أو صعوبة طبعها وعدم ليونتها، كون عندها شيء من العناد والصعوبة في المراس، أو فساد البيئة التي ترجع إليها، ووجود قرينات سوء يدعونها إلى الشر والفساد.. وهذا كله يمكن أن يعالج بالصبر وطول النَّفَس، والأناة، وتكثيف الجهود، وربط هذه الفتاة ببيئة إسلامية جيدة جديدة تكون بديلاً عن البيئة الفاسدة التي تعيش فيها.
وقد يكون عدم قبولها للدعوة بسبب كبر سنها -كما أسلفت قبل قليل- فيعالج بالوسائل المناسبة.
ومن هذه الأسباب التي تعوق قبول الدعوة ما يتعلق بالداعية نفسها -المرأة التي تدعو- وذلك كعدم استخدامها الأسلوب المناسب، أو عدم قدرتها على الوصول إلى قلوب الأخريات، أوقسوتها، أو شدة تركيزها على أخطاء الآخرين، وهذه مشكلة.. وهي كون الدعوة تركيزاً على الأخطاء، أو شعور الأخريات بأن الداعية تمارس نوعًا من الأستاذية أو التسلط، مما يحرضهن على مخالفتها ومعاندتها؛ لأنهن يعتبرن عملها هذا مسّاً للكرامة، أو جرحًا للكبرياء، والشيطان حاضر، فيؤجج في الفتاة مشاعر الكبرياء والعزة، فترفض الدعوة ولا تُقبل عليها.
والعلاج: أن تحرص الفتاة الداعية على استخدام أسلوب الالتماس، والعرض، والتلميح، دون المواجهة والضرب في الوجه كلما أمكن ذلك، وألا تُشعر الأخريات بأنها مستعلية عليهن، أو أنها فوقهن، أو أنها تشعر بالأستاذية، أو التسلط عليهن.
ومن العلاج: العناية بشخصية المرأة: عقيدةً، وثقافةً، وسلوكًا، ومظهرًا، ومخبرًا، دون إهمال الأمور المعنوية المهمة والأساسية، بسبب الاشتغال بالقضايا المظهرية فحسب.
أقول: إن (90%) من الأسئلة التي تصل إلي -أيها الإخوة- لا تكاد تتجاوز شعر الرأس إلا إلى أكمام اليدين، أو حذاء القدمين!! إذاً فأين عقيدة المرأة؟! وأين أخلاقها؟! وأين خوفها من ربها؟! وأين معرفتها بأحكام دينها؟! وأين معرفتها بعباداتها؟! وأين معرفتها بالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج؟! وأين معرفتها بحقوق الآخرين عليها؟! أين.. أين..؟
كل هذه الأمور لا تكاد تجد عنها أسئلةً! إنما تجد الأسئلة محصورة في موضوعات محدودة جدّاً، وقد قلت ذلك من خلال استقراء لعدد كبير من الأسئلة التي وصلت إلي، ونحن لا نهوّن من أمر شيء من الدين، فالدين كله مهم، ولما قيل للإمام مالك في مسألةٍ ما: هذا أمرٌ صغير، قال: ليس في الدين شيء صغير، والله تعالى يقول: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) [المزمل:5].
فالدين كله كذلك، لكن أيضًا رحم الله امرءًا وضع الشيء في موضعه، فمن الحكمة أن يضع الإنسان الشيء في موضعه، فمثلاً: لماذا نهوّن من أمور العقيدة وأمور القلب؟! القلب الذي يقول فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام: {ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله} لماذا لا نعتني بالقلب وصلاحه صلاحاً للظاهر أيضًا؟!
ومن العلاج أيضاً: عدم تتبع الزلات والعثرات، فما من إنسان إلا وعليه مآخذ وله زلات، وليس من الأسلوب التربوي أبداً التركيز على ملاحظة الزلات، بل قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني أحيانًا، ويمدح الإنسان الذي يستحق المدح بخصال الخير الموجودة فيه، وكتب المناقب في البخاري، ومسلم، وكل كتب السنة مليئة بمثل ذلك، فيثني على الإنسان بالخير الموجود فيه؛ حتى ينمو هذا الخير ويكبر، وحتى يقتدي به الآخرون في ذلك، لأن مدح الإنسان بالخير الموجود فيه يدعو إلى مزيد منه، وليس شرطاً أن تمدح الشخص، بل تمدح الفئة، أو الأمة، أو الطائفة بالخير الموجود فيهم، فإن هذا يدعوهم إلى مزيد من الخير، وإلى التغلب على خصال النقص الموجودة لديهم، ولا يمنع هذا أن يُلاحظ على الفتاة أحيانًا شيء من النقص، فتُنصح مباشرة في رسالة، أو حديثٍ أخوي مباشر، أو مكالمةٍ هاتفية… أو غير ذلك؛ لكن لا يكون هذا هو الأصل؛ بل يكون طارئاً، بمناسبة وجود غلطٍ معين.
ومن العلاج: عدم محاصرة المرأة المخطئة أو المقصرة، أو المسارعة في اتهامها، فنحن لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس، ولا أن نشق عن بطونهم، ومالنا إلا الظاهر، ولسنا مغفلين بكل تأكيد، لكننا لا نطلق لخيالنا العنان في تصور فساد مستور، أمره إلى الله تعالى، إن شاء عذَّب، وإن شاء غفر، ويقول الله تعالى في الحديث القدسي: {ورحمتي سبقت غضبي} وأحيانًا يتصور الإنسان فساداً، ويغلب على ظنه أنه واقع، لكن ليس هناك داعٍ مادام الأمر مستوراً، أو لم يظهر لك، ولا عندك أدلة عليه، فدع أمر الناس للناس، وقد يتبين لك أن ما كنت تظنه خطأً، وسوء الظن مشكلة تعذب قلب الإنسان نفسه، وقد تسبب أذىً للآخرين، وقد تحول بينه وبينهم في دعوتهم إلى الله تعالى.
فالأمور المستورة دعها إلى الله، ومن أظهر شيئاً أخذناه به، أما المستور فأمره إلى الله تعالى.
وبين اليقظة وسوء الظن خيطٌ رفيع، فبعض الناس عنده تغفيل، والتغفيل مذموم، فقد يرى الفساد ويتجاهله أو يتغافله؛ وهذا لا يصلح، فينبغي أن يكون الإنسان يقظًا واعيًا مدركًا، وفي نفس الوقت سوء الظن يبعده جانباً.
الطهارة.
التوبة.
محبة الله تعالى.
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثقافة الفتاة.
اللباس والزي الشرعي، وشروطه.
نصائح للفتاة قبل الزواج.
الأُخُوّة في الله، ومعناها، وفضلها، وبيان متى تكون الأُخُوّة دينية، ومتى تكون الأُخُوّة عواطف مذمومة.
آثار المعصية على الفرد، وآثار المعصية على المجتمع.
التواضع وفضله.
الأمانة.
إصلاح القلوب.
أنواع القلوب.
أسباب صلاح القلب وأسباب فساده.
أثر الإيمان باليوم الآخر على الفتاة.
عذاب القبر ونعيمه، ووسائل النجاة من عذاب القبر.
أثر الإيمان بالقدر في حياة الإنسان، وفي حياة المرأة.
الأمانة.
دور الفتاة في إصلاح المجتمع.
دور الفتاة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصفات الآمر والناهي.
صفات الداعية.
الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين.
واقع المرأة الغربية وأسبابه.
أسباب السعادة الزوجية.
طرق تربية الأبناء، ودور الأم في ذلك.
سير ونماذج من حياة الصحابيات، وهذا عدة موضوعات.
أثر المسلسلات والأفلام على الفتاة.
وسائل أعداء الإسلام لإفساد المرأة.
حقوق الآخرين.
حقوق الوالدين.
حقوق الزوج.
حقوق الإخوة.
حقوق الأبناء.
حقوق الأصدقاء.
حقوق الجيران.
أثر الجليس على الإنسان.
موضوع قراءة القرآن، وفضله، وآدابه.
موضوعات للمناسبات، مثل:
الحج.
الصيام.
الإجازات الصيفية.
الأحداث المتجددة القريبة والبعيدة.
الأذكار والأدعية الشرعية.
كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
التحفة العراقية لـابن تيمية في أعمال القلوب.
الشمائل المحمدية للترمذي ومختصره للشيخ الألباني.
صيد الخاطر لـابن الجوزي على ثغرات فيه.
حقوق النساء في الإسلام لـرشيد رضا.
عودة الحجاب لـمحمد أحمد المقدم.
المرأة المسلمة المعاصرة للدكتور/ أحمد محمد بابطين.
كيف تخشعين في الصلاة؟ لـرقية المحارب.
الموضة في التصوير الإسلامي لـفاطمة بنت عبد الله.
عمل المرأة في الميزان للدكتورالبار.
النساء الداعيات لـتوفيق الواعي.
رسائل إلى حواء لـمحمد رشيد العويد.
كلمات إلى حواء لطائفة من الكتاب.
دليل الطائفة المؤمنة لـمحمد الخلف
مواقف نسائية مشرفة لـنجيب العامر.
الجواب: هذه فعلاً مشكلة، وعندي فيها عدة أمور، حتى أنَّ واحداً يقول: أعرف بيتاً فيه ثلاث أخوات ملتزمات، وفيه أربع خادمات، ففي هذا البيت فيه ثلاث بنات غير متزوجات، وأربع خادمات، حتى أن بعض الفتيات أحياناً طبخ الشاي لم تتعود عليه، لأنها ألفت أن تسند هذه الأمور إلى غيرها، إما إلى الأم، وإما إلى الخادمة، والأم كثيراً ما ترأف بالبنت، فتقول: إنها متعبة، أو اتركوها تدرس، أو ما أشبه ذلك، وتنسى أن هذه البنت ستواجه مشكلة كبيرة بعد الزواج، فبعدما تتزوج سوف تكون في بيت مستقل، زوجها يطلب منها كل شيء، وعليها أن تقوم بكل شيء، فكيف تعمل؟ وكيف تصنع؟ إذا وجدت صعوبة، فستكون كارثة.
وفي مرة من المرات اتصلت امرأة على بيت لا تعرفه، تقول: الله يعافيكم، الله يجزيكم خيراً، بينوا لي كيفية طريقة طبخ الماكرونة بالطريقة الجديدة، قالوا لها: لا نعرف، قالت: زوجي عنده ضيوف، وقال: اطبخيها بالطريقة الجديدة، وأنا زوجة جديدة، فقلت له: إن شاء الله، لأنني لا أستطيع أن أقول له: لا أعرف، فهذه المرأة إذا تعلمت الوصفة والطبخة عن طريق الهاتف، فستغلط فيها مائة مرة، وأنا -والله- لما سمعت الخبر، يعلم الله أني رثيت لحال هذه الفتاة، وتصورت موقفها الصعب مع زوجها، فمن المسئول؟ المسئول أمها، وقبل أمها هي المسئولة فعلاً، لأنها امرأة عاقلة رشيدة، والمفروض أن تدرك أنه ينبغي أن تعد نفسها للحياة الزوجية إعداداً كاملاً، وألا تستهين بشيء، فتعلمها كيف تعد نفسها، وكيف تعد بيتها، وكيف تنظف بيتها؟ وكيف تعد مطبخها، وكيف تعد الطعام، وبعض الأمثال يقول: أقرب طريق إلى قلب الزوج هو بطنه، أي: أن توفر له الطعام الطيب، وبغض النظر عن كون هذا الكلام صحيحاً، أو خطأً، لكن بلا شك أن الرجل لما يجد أن المرأة أخفقت في صناعة الشاي والقهوة، وفي إعداد الطعام للضيوف، وفي أمورٍ كثيرة، فسيبدأ ينتقد مرة، ومرة، ومرة، وفي النهاية قد تحصل مشكلة، بل قد يحصل طلاق، بل حصل هذا في مرات عديدة، فينبغي للفتاة أن تدرك أن معرفة مثل هذه الأمور هو جزء من شخصيتها وكمالها.
الجواب: كثيراً ما تشغل الرجل علاقاته بزوجته -العلاقات الطبيعية الفطرية الغريزية- عن أن يقوم بحقوقها في تعليمها، كأن يجعل لها درساً في كل يومين، أو في كل ثلاثة أيام، أو في الأسبوع، ويعطيها بعض الكتب لتقرأها، وبعض الأشرطة لتسمعها، ويخصص لها من وقته حتى أقول: لو خصص ثلاث ساعات في الأسبوع للزوجة، يسألها عما قرأت؟ وهل في هذا الكتاب مشكلة؟ وسألها وأجابها وحل بعض الأمور وساعدها، لكان ذلك كافياً، ووزع هذه الثلاث الساعات على ثلاث فترات، هذا يكفي، وبقية وقت المرأة تخلو بنفسها، فتقرأ كتاباً، أو تستمع إلى شريط، ثم تقوم بحقوقها الشرعية الأخرى بلا شك.
الجواب: ينبغي أن يكون لك جهود أكبر من ذلك، فينبغي أن تقنع إخوتك الصغار بترك التلفاز، وأن تجعل لهم جلسةً خاصة كما ذكرت، وتجعل في البيت أشرطةً، وكتباً مفيدة، وتحدث والديك عن خطر التلفاز، وضرره على الأولاد والبنات، وتحدثهم عن البث المباشر القادم وخطورته، حتى يقتنعوا بضرورة إخراجه، وتظل تصر وتضرب هذا الباب حتى تنجح، وكما قيل:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجh |
الجواب: هذا صحيح، كثيراً مما ينشر باسم النساء هو من كتابة الرجال، وإذا وجد الفساد في مجتمعنا -ونحن نقول أنه موجود- فهو قليل في الرجل والمرأة أيضاً، فإذا وجد في المجتمع عشر نساء منحرفات، فهذا المجتمع والحمد لله فيه مئات من النساء المهتديات الصالحات، لكن ربما لا يكتبن في الصحف، ولو كتبن إلى الصحف فربما كان كثير من ذلك لا ينشر.
الجواب: نعم. يمكن -كما قلت سابقاً- أن تقرئي عليهن كتاباً لسماحة الشيخ/ ابن باز، أو ابن تيمية، أو لـابن القيم، أو لبعض علمائنا المعاصرين، وتقولي: هذا كلام العلماء، ليس كلامي.
الجواب: المشكلة أنها وإن كانت خارجةً إلى مجتمعٍ نسائي، إلا أنها في كثيرٍ من الأحيان تمر بالرجال، فإذا كانت -مثلاً- ذاهبةً للمدرسة، فسائق الأوتوبيس، وبواب المدرسة، وإذا خرجت فالرجال الواقفون على جانب الطريق ينتظرون بناتهم، كل هؤلاء من الرجال الذين لا يجوز لهم أن يجدوا ريحها.
الجواب: الله المستعان!
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد |
الجواب: لا. بل ينبغي أن يقوم إنسان عنده القدرة على الرد بمنطقٍ قوي، ويتكلم بكلامٍ حكيم هادئ، ويظل ينقض ما قاله وفتله ذلك الإنسان شيئاً فشيئاً، حتى ينتهي منه، ولا أعتقد أن من المصلحة أبداً أن يخرج الناس على شكل مجموعات، سواء في محاضرةٍ أو أمسيةٍ أو غيرها، فإن هذه الصورة صورةٌ غير لائقة، وتدل على نوع من التسرع والطيش وعدم الانضباط، وخاصةً بعض المحاضرات وبعض الأمسيات أمسياتٌ طيبة، ويقوم عليها رجالٌ فضلاء ودعاةٌ نبلاء، فينبغي أن نكون جميعاً ساعين على إنجاحها وانضباطها، وتسامع الناس عنها بصورةٍ جيدة على عكس ما يحصل، لأنه قد يحصل أمرٌ غير ما تريد، فالناس حين يتكلمون عن أن هناك محاضرة أو أمسية حصل فيها هرجٌ ومرجٌ، وكلامٌ وقيل وقال، قد يتصور بعض الناس أن هذا دليل على عدم نجاح الأمسية، ولو كانت الأمسية في الحقيقة ناجحة، والجمهور غفير.
ولكن مع الأسف مثل هذه التصرفات غير المدروسة تفسد أكثر مما تصلح، فألفِتُ إلى ذلك الأنظار، والإنسان ينبغي أن يكون منضبطاً في تصرفاته، كما أن الاعتداء على الآخرين أحياناً بالضرب أوغيره بغير بينةٍ لا يجوز، وقد بلغني أنه في مناسبات عديدة اعتدي على أشخاصٍ بسوء الظن، فقد يظن ببعضهم جاءوا لأغراضٍ سيئة، أو أنهم ينقلون الكلام، أو يتجسسون، أو ما أشبه ذلك، فيظهر أن هذا غير صحيح، فقد يكون الإنسان أحياناً له ظروف نفسية، أو أمور خاصة، أو أشياء جعلت الناس يظنون به ظناً معيناً، ولا يجوز أن يؤخذ الناس بغير علم، بل ينبغي للعبد أن يتقي ربه، ويدرك أنه محاسبٌ على تصرفاته، وأن تصرفاته لا تحسب عليه هوفقط، بل تحسب أحياناً على قطاعٍ عريضٍ من الناس.
الجواب: الالتزام مظهر ومخبر كما أشرت، والعناية بالقلب، وتصحيح الاعتقاد، وتصحيح المشاعر، وتصحيح السلوك أمر أساسي، والمظهر جزءٌ من الدين أيضاً، والذي أمر الرجل مثلاً بإعفاء اللحية وأخذ الزينة عند الصلاة هو الذي أمر الرجل بأن يصلح قلبه، وأن يتقي ربه وأن يخاف الله عز وجل، والذي أمر المرأة مثلاً بأن تتحجب هو الذي أمر المرأة بأن تخاف ربها، وتطيع زوجها، وتؤمن بالله تعالى وباليوم الآخر، فلا يجوز أن نفرق بين هذا وذاك.
الجواب: ذكرت أنه قد جاء -إن شاء الله- نفي لهذا الخبر، وأرجو أن يكون النفي لا يحتاج إلى نفي أيضاً.
الجواب: الحل في الحقيقة هو أن يُسعى إلى تحويل هؤلاء الرجال إلى مدارس الأولاد، وألا يدرس النساء إلا نساء مثلهن، فإن دخول الرجل على المرأة -إضافة إلى أنه يحرجه هو ويضايقه- لا شك أن فيه مفاسد كثيرة جداً من سماع أصوات النساء، خاصة وهي تقرأ القرآن، وربما تعتقد أنها سوف تحسن صوتها في القرآن، فيكون صوتها فيه ليونة، وتأثير، ونعومة، وأشياء كثيرة من هذا القبيل.
الجواب: لقد ذكرت بعض هذه الكتب، وبعض الأسباب والوسائل التي من شأنها أن تجعل المرأة تحصل على بعض العلم وتصل إلى شيء.
أما سبب قلة المتفقهات في الدين، فأقول: أنه ليس بلازم أن نقارن دائماً بين الرجل والمرأة، فليس من الضروري أن يوجد متفقهات في الدين في أوساط النساء كالرجال، بل لن يوجد هذا أصلاً، وعبر التاريخ حين تقرأ كتب التراجم -مثلاً- تجد تراجم الرجال بالألوف، لكن حين تأتي إلى تراجم النساء تجدها أقل، وتجد في الغالب أن النساء المترجم لهن يغلب على أحوالهن الجهالة وأنهن غير معروفات، وهذا دليل على أنه فعلاً المرأة المسلمة ظلت تعيش في مجتمعها الخاص طيلة القرون في العالم الإسلامي، فهو مجتمع متكامل المرأة معزولة فيه عن الرجل، وهذا الذي يحاول أعداء الإسلام خرقه الآن بكافة الوسائل، لكن هذا لا يمنع النساء من أن يتفقهن في الدين، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: [[رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين]]وكثير من النساء كانت تأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وتسأله في أمور دينها أسئلة، وتقدم قولها: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فالتفقه في الدين مطلوب، وينبغي لمن تأنس من نفسها قوة أن تتفقه لنفسها ولغيرها، لتعلم من حولها من النساء.
الجواب: كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل}والنذر يجب الوفاء به، فإذا نذر الإنسان وألزم نفسه بشيء وجب عليه الوفاء به، ولكن ينبغي ألا يعود الإنسان نفسه أن ينذر شيئاً؛ لأن هذا النذر لا يقدم ولا يؤخر، ولا يرد من قدر الله تعالى شيئاً.
الجواب: يمكن أن تغطي ذلك دون الحاجة إلى الكذب، فمثلاً: إذا قيل لها: كيف حالك مع زوجك؟ بدلاً من أن تقول: أمورنا طيبة ولله الحمد، وكما يقال في المثل: سمن على عسل، وكل شيء على ما يرام، وتبدأ تذكر محاسنه، فبدلاً من ذلك إذا كانت تخاف ممن حولها، فإنها تستطيع أن تقول: الله المستعان، الله يصلح الأمور، الله يصلح الأحوال، البيوت لا تخلو من مشكلات، الحياة ليس عليها أحد مرتاح، وما أشبه ذلك من الكلام العام الذي ليس فيه تصريح بحقيقة الحال التي تعيشها مع زوجها، وفي نفس الوقت ليس فيه كذب تؤاخذ به.
الجواب: كثير من الطالبات ربما يتناولن المعلمات والعكس، فتقول بعض المعلمات: إنهن إذا التقين فإن الحديث بينهن غالباً ما يكون عن بعض الطالبات، فلانة فيها، وفلانة فيها، وفلانة مقصرة، وأحياناً لا تكون المسألة مجرد تقويم للطالبة ومستواها الدراسي، وما أشبه ذلك، بل تتعدى إلى الكلام عن شخصيتها، وتصرفاتها، وطبيعتها، وما أشبه ذلك من الأمور التي لا تحتاج إلى بيان، وهذا لا شك من الغيبة، والعكس صحيح أيضاً.
فكون الطالبات إذا اجتمعن تكلمن في المدرسات، وجعلن لكل واحدة منهن لقباً يعيرنها به، ويتكلمن: هذه فيها، وهذه فيها، وهذه... فإن هذا أيضاً من الغيببة التي لا تجوز، وقد قال الله عز وجل: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12].
هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر