أما بعـد...
أيها الأحبة.. في هذه الليلة المباركة، وهي ليلة اليوم الأول من الشهر السادس لعام ألف وأربعمائة وإحدى عشرة للهجرة, نبقى مع الدرس الرابع والثلاثين، وهو درس استثنائي كما علمتم، وعنوان هذا الدرس: (الشريط الإسلامي ما له وما عليه).
وسأتحدث عن هذا الموضوع الكبير المهم في عدة نقاط, أبدؤها بالكلام عن أسباب طرح هذا الموضوع، ثم أذكر ميزات الشريط، وأسباب انتشاره، ثم المعوقات, وننتقل بعد ذلك إلى السلبيات والمآخذ، وأنتهي إلى المقترحات، وأخيراً وقفة مع يوميات.
فأما فيما يتعلق بالنقطة الأولى وهي أسباب الحديث عن هذا الموضوع، فلعل الأسباب ظاهرة في ذهن كل امرئ منكم، فإن ثمة أسباباً كثيرة تدعو إلى طرح هذا الموضوع, منها:
أولاً: الهجوم على الشريط الإسلامي, فإننا منذ زمن ليس بالبعيد بدأنا نسمع هجوماً ضارياً على الأشرطة الإسلامية وعلى ما يسمى بالكاسيت وتجارة الكاسيت, عبر أجهزة كثيرة، منها: الصحافة التي سخرت أقلام عدد من كتابها لطرق مثل هذه الموضوعات والحديث عنها بطريقة أو بأخرى.
ثانياً: انتشار الشريط والحاجة إلى ترشيده؛ فإن الأشرطة اليوم أصبحت هي أوسع وسائل الدعوة انتشاراً، أوسع من الكتاب، وأوسع من المجلة، وأوسع من غيرها, ولا يكاد يوجد إنسان إلا ولديه مجموعة أشرطة قلَّت أو كثرت، ولا بد أنه استمع شريطاً ما، ثم مهما كان مستواه من حيث السن أو العلم أو العمل والوظيفة أو نوعية الثقافة, أو ما أشبه ذلك.
ثالثاً: أهمية التعاون بين العلماء والدعاة وبين القائمين على محلات التسجيلات، وكذلك بين الرواد الذين يقتنون هذه الأشرطة ويسمعونها، التعاون في اختيار الموضوعات المهمة مثلاً, والتعاون في توفير المادة التي يحتاج إليها في طرق الموضوع, والتعاون في تصحيح ما قد يحدث من أخطاء أو ملاحظات مما لابد للبشر أن يقع فيه.
1- سهولة الاستفادة منه, فإن الإنسان يستطيع أن يستمع إلى الشريط وهو قائم، أو وهو قاعد أو نائم, أو ماشٍ في سيارته، وبكل وضع، وبكل حال؛ ولذلك فإن الاستفادة من الشريط أصبحت كبيرة.
2- سرعة الانتشار، يكفي أن تعلم أن أحد محلات التسجيل الإسلامية يوجد عنده من الأشرطة المتداولة أكثر من تسعة آلاف وخمسمائة شريط, يباع من هذه الأشرطة شهرياً ما يزيد عن ستين ألفَ شريطٍ, وهذه لا شك أرقام قد تكون خيالية بالنسبة لتصور بعض الناس, ويكفي أن تعلم أن هناك شريطاً واحداً، وهو شريط: هاذم اللذات، ولا بد أن أكثركم سمعوه, هذا الشريط بيع منه في محل واحد أكثر من ثلاثين ألف نسخة, وفي المملكة كلها ربما بيع من هذا الشريط ما يربو على مائتي ألف نسخة, ولعله ضرب رقماً قياسياً في سرعة الانتشار وكثرة الانتشار, مع أن المحلات -محلات التسجيلات الإسلامية- هي الأخرى أصبحت -ولله الحمد- في ازدياد وانتشار, ففي الرياض -مثلاً- يوجد ما بين ستين محلاً إلى سبعين محلاً للتسجيل, بل ربما تزيد على ذلك, وفي القصيم يبلغ عدد محلات التسجيلات ما يقارب الثلاثين, ولا تستغرب هذا الرقم أو تعتبر أنه كبير، فهو رقم متواضع, لكن بالقياس إلى الواقع يعتبر رقماً جيداً، وإلا فلو قارنته -مثلاً- بمحلات التسجيل الأخرى -تسجيلات الأغاني- لوجدت أن عدد محلات الأغاني حسب بعض المصادر يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة محل, وهذا رقم لا شك كبير, ولكنها ولله الحمد آخذة في التناقص والانتهاء، وهي تتساقط كأوراق الخريف, وأغلق كثير منها بأسباب مختلفة، وبيع كثير منها، وحول عدد منها أيضاً إلى محلات لتسجيل المواد والأشرطة الإسلامية, وهذه أيضاً نعمة من نعم الله عز وجل.
وهذا يؤكد أن الشريط سريع الانتشار, وأنه قوي التأثير فعلاً.
3- تغطية كافة الطبقات من المجتمع، الرجل الكبير السن يجد ما يناسبه, والمرأة تجد ما يناسبها, بل الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب يستطيع أن يستمع إلى الشريط وينتفع به, وإنني أتذكر أنني أحياناً أدخل على نساء مسنات، وربما تكون الواحدة منهن في آخر عمرها، وعلى كبر سنها تجد أن عندها أشرطة لبعض العلماء والمشايخ وأشرطة القرآن والحديث والوعظ وما أشبه ذلك, فهي تستفيد منها وتنتفع بها, فهو يخاطب كافة الطبقات, فقد تجد أن هناك أشرطة تخاطب الطفل، ويمكن أن تستفيد الأسر من هذا النوع من الأشرطة وتقتنيها، وتجعل أطفالها يتربون على مواد مفيدة ونافعة.
4- قوة التأثير, وذلك سواء بالصوت والعبارة أو الأسلوب أو غير ذلك, فإن الذي يستمع للشريط كأنه يستمع إلى شخص يتحدث, يستمع إلى العبارات، يستمع إلى مخارج الحروف, يستمع إلى العاطفة, يستمع إلى الأسلوب، يستمع إلى التأثير، وكأنه يستمع إلى خفقات قلب المتحدث, فيتأثر وينفعل معه, ويحزن لحزنه، وقد يبكي, لكن الذي يقرأ كتاباً أصم ربما لا يشعر بمدى تأثر المؤلف بما يقول ويكتب, وهذه ميزة خاصة للشريط, ولذلك يقول بعضهم: الشريط إذا فرغته تحول إلى مادة أخرى غير مؤثرة, لكن إذا استمعت إليه كما هو وبإلقاء محدثه يكون له من التأثير الشيء الكبير.
5- التنوع, فنحن لدينا الآن -مثلاً- في محلات التسجيل دروس مختلفة, وهذه الدروس منها دروس في العقيدة، وهي كثيرة، سواء في كتب معينة كـالعقيدة الواسطية أو الطحاوية أو غيرها, ودروس فقهية، ودروس حديثية، ودروس في التفسير، وكذلك اللغة والنحو، ودروس في الأصول, وهذه أشياء كثيرة، وربما كان في فهارس التسجيلات التي صدرت -وهي كثيرة- ما يعطي قائمة ببعض هذه, فضلاً عن المحاضرات، فضلاً عن الندوات والأمسيات الشعرية والقصائد والكتب والإصدارات والمناقشات, وقبل ذلك كله الأشرطة المتعلقة بتسجيل القرآن الكريم, سواء لقراء معروفين أو التسجيل من صلاة التراويح والقيام في شهر رمضان المبارك لأئمة الحرم وأئمة مشهورين, من هذا البلد ومن غيره من البلاد الأخرى, فهي تتميز بالتنوع وتغطية موضوعات شتى ومجالات مختلفة.
أولاً: سمعة المتحدث؛ فإن كثيرا ًمن الناس يقتنون الشريط بالنظر إلى المتحدث أو الملقي, خاصة إذا كان من العلماء المشهورين، من أمثال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أو فضيلة الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني, أو فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين, أو أمثالهم من كبار العلماء أو الخطباء المشهورين الذين يتحدثون بقوة ووضوح وقدرة ويهتمون, فتجد أن كثيراً من الناس يقتنون أشرطة هؤلاء ويتابعونها أولاً بأول، خاصة إذا كانت تصدر على شكل سلسلة لشرح كتاب أو ما أشبه ذلك.
ثانياً: جودة المادة وارتباطها بحدث معين؛ فإن الناس إذا وجدوا مادة قد أجاد فيها من أعدها, واهتم بها وجمع المعلومات الكافية، فإنهم يقبلون عليها، وكذلك إذا كانت المادة متعلقة بحدث معين, وعلى سبيل المثال: الأحداث التي وقعت في الخليج وما تلاها من أحداث متسلسلة جَرَّت الناس إلى سماع ما يقوله المتحدثون والعلماء والخطباء, ومتابعة ذلك؛ فإن جودة المادة وارتباطها بحدث من الأحداث من أسباب انتشارها والإقبال عليها.
ثالثاً: طرافة الموضوع؛ فإن الإنسان حينما يجد إعلاناً في محل التسجيل عن موضوع ما, يجد في نفسه تطلعاً إلى سماع هذا الموضوع, ومعرفة ماذا قال المتحدث فيه، حتى ولو لم يكن يعرف المتحدث, ولا يدري هل أجاد أو لم يجد لكن الموضوع بحد ذاته جذاب, وهذا يدل على أهمية اختيار الموضوعات التي يتحدث عنها الناس.
رابعاً: الدعاية للشريط؛ فبعض التسجيلات -مثلاً- تتقن فن الدعاية لأشرطة معينة, وإبرازها للرواد، وجعلهم يفكرون ويقبلون عليها -وهذا لا شك سواء في محل التشكيل أو في غيره- يصنع إقبالاً على الشريط.
خامساً: الأسلوب الذي طرق به المتحدث موضوعه وطريقة الإلقاء, مثل الإكثار من القصص والشواهد والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأحداث التاريخية والأبيات الشعرية وما أشبه ذلك, فضلاً عن الحماس الذي يتميز به المتحدث.
المهم أن الأسلوب بشكل عام من أقوى الوسائل لإقبال الناس على الأشرطة, فإذا كان المتحدث يتميز بأسلوب قوي، فإن هذا من أسباب ودواعي الإقبال على ما يطرح.
سادساً وأخيراً: عناصر التشويق والإخراج, فإذا تمكن المتحدث أو تمكنت محلات التسجيل من إخراج الشريط إخراجاً جيداً, والاهتمام بعناصر التشويق في بداية الشريط ونهايته، فإنها تستطيع بذلك أن تكسب عدداً آخر من المستمعين إلى هذه المادة.
1- الأعداء الخارجيون الذين يحاولون أن يخيفوا الناس من الشريط, ويحملون الشريط ما لا يحتمل, حتى إنهم يصورون الشريط كأنه مادة متفجرة قابلة للانفجار، كما فعلوا في صورهم وكاريكاتيراتهم ودراساتهم, بل إنهم يعقدون الجلسات في أماكن عليا وفي مؤسسات إدارية وسياسية كبرى, ليتحدثوا عن الشريط، ويحاولون أن ينفخوا في هذا الأمر، ليثيروا مخاوف الآخرين من مثل هذه المادة, هذه من المعوقات التي يترتب عليها ما بعدها من التخوف من الشريط، وبالتالي الوقوف في وجهه أو الحيلولة دون انتشاره أو عدم الإذن به وترخيصه, أو ما أشبه ذلك من العقبات التي تحول دون انتشار الشريط.
2- بعض الصحافة والعلمانيين الذين يشنون حملات كبيرة على الشريط الإسلامي، كما سوف أشير إلى ذلك فيما بعد.
3- بعض الجهات والأطراف التي يتوقف على دورها وموقفها انتشار الشريط وتداوله بين أيدي الناس أو عدم انتشاره، وامتناع الناس من شرائه أو تداوله, إضافة إلى أنها تتحكم وتؤثر في فتح المحلات الجديدة وفي عدم ذلك, أو فتح فروع جديدة للمحلات أو تحويل المحلات التي تباع فيها أشرطة الأغاني إلى محلات إسلامية، فبقدر ما يكون التجاوب في هذه المجالات بقدر ما يكون انتشار الشريط أو عدم انتشاره.
فالشريط كما أسلفت وسيلة من أقوى وأكثر وسائل الدعوة تأثيراً وانتشاراً ورواجاً، وكم من إنسان سلك هدايته بتوفيق الله عز وجل ثم بسبب الشريط الذي استمع إليه, فكان السبب في تغيير خط حياته ومساره من الضلال إلى الهدى, ومن الظلام إلى النور, ومن الغواية إلى الرشد, وهذه نعم كبيرة جداً.
أولاً: الإلقاء كما هو معروف يعتريه شيء من التوسع في العبارة أو عجلة أو جهل, ولذلك تأتي أهمية المراجعة؛ فإن الذي يتكلم ليس كالذي يقرأ من ورقة، قد يحصل له سهو، أو غفلة أو عبارة لم يرد أن يقولها فقالها، أو توسع في الأسلوب, ففهمه الناس على غير وجهه, ولذلك فإن من المهم أن يكون هناك مراجعة مستمرة.
وإنه ليطيب لي أن أذكر في هذه المناسبة أنني بإذن الله تعالى سوف أجعل من ضمن الدروس العلمية العامة التي ألقيها في هذا المكان سلسلة من الدروس اسمها: المراجعات, وهذه الدروس سوف أخصصها -إن شاء الله- لبعض الملاحظات والأخطاء التي وقعت مني، سواء اكتشفتها بنفسي من خلال سماع الشريط أو راسلني بها بعض الإخوة جزاهم الله عني خيراً, وسأتحدث عنها في مناسبتها وأبين ما فيها, سواء كان خطأً علمياً أو خطأً في الأسلوب.
وأذكر في هذه المناسبة أن عدداً من الإخوة كتبوا إليّ فيما يتعلق بشريط: جلسة على الرصيف, ونبهت على ذلك، ولكن لا مانع من الإعادة للأهمية أنه عندما تحدثت عن المجاهرين بالمعاصي وعن الأغاني، وذكرت طبقة من المغنين لا كرامة لهم، وأشرت إلى مجاهرتهم بالمعصية, وتحدثت عن قضية الكفر، وأن مثل هؤلاء مخلدون في النار, ففهم بعض الإخوة خلاف ما أريد، وسواء كان الخطأ مني في العبارة وعدم ضبطها أو كان الخطأ مشتركاً مني ومن الإخوة أو منهم, المهم أنني أود أن أشير كما أشرت في المجلس السابق إلى أنني أعني أولئك الذين يستخفون بالمعاصي التي يفعلونها, ويستخفون بحدود الله عز وجل وحرماته, ولا شك أن الاستخفاف من المكفرات التي تدل على أن فاعل المعصية لا يؤمن بتحريمها, وكنت أقصد بالضبط نوعاً من المغنين, كتبوا أغاني ونطقوا بها وسجلوها على أشرطة يتداولها الشباب, وهذه الأغاني يفتخرون فيها بالجريمة, ويفخرون بها، ويعيبون من لا يفعلها, ويتباهون بأنهم غرروا بالفتيات والشباب، وفعلوا معهم الجرائم والموبقات, ويتمنون على الله عز وجل أن يكون الناس كلهم فجرةً ومرتكبي فواحش وما أشبه ذلك من الكلام البذيء الوقح الذي أعوذ بالله أن يقال في مثل هذا المكان، والذي يدل أن قائله لا يؤمن أبداً بقوله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] هذا هو مقصودي فقط، أما مجرد المجاهرة بالمعصية، فلا شك أنه لا يعتبر كفراً، فهذه من القضايا المعروفة.
ثانياً: الخطأ؛ فهو من طبيعة الإنسان، وبسبب سعة انتشار الشريط وكثافة التوزيع كما أشرت إلى بعض الأرقام في ذلك, فإن حجم الخطأ يكون أكبر, فإن الإنسان إذا أخطأ في مجلس من عشرة، فسوف يكون الأمر يسيراً, لكن إذا أخطأ في شريط قد يتداوله الألوف بل عشرات الألوف أحياناً, فمعنى ذلك أن حجم الخطأ يكبر، ويحتاج إلى تصحيح, ولذلك أقول: لا بد أن يكون الحل بأحد أمور:
الأول: إما أن يكون ما يلقيه الإنسان مكتوباً, بحيث يقرؤه من ورقة، خاصة إذا كان مهماً.
الثاني: وإما أن يضبط الحديث بعناصر، يتدرج بها واحداً بعد آخر.
الثالث: التدرب على التريث في الحديث وعدم الاستعجال، خاصة في المسائل العلمية والعقدية والقضايا الحساسة التي قد يترتب على الخطأ فيها آثار بعيدة.
الرابع: المراجعة، فإن كل عالم أو طالب علم لا مانع أن يصدر بين الحين والآخر شريطاً بعنوان: المراجعات, أو بعنوان آخر يكتب فيه النقاط التي ينبه عليها, كما يقع ذلك للعلماء في كل زمان وفي كل مكان.
ثالثاً: التكرار؛ فإن كل شيء الآن أصبح يسجل كما تلاحظون، حتى إن بعض العلماء إذا قام من بيته إلى المسجد أو من المسجد إلى بيته أو خرج إلى السوق, فإنه يكون معه طلبة يسجلون ما يقول وهو في الطريق, وأصبح كل شيء يسجل، وبناءً على ذلك أصبح هناك تكرار كبير في أشياء كثيرة؛ لأن الإنسان ليس لديه وقت للتحضير دائماً, وليس التسجيل مقصوراً على مجرد دروس ومحاضرات يعدها الإنسان, بل أصبح يسجل من الإنسان كل شيء, ولذلك أرى أن الحل يتلخص في إحدى النقطتين:
إما التجديد وإعطاء المستمعين حقهم, بحيث يتعب الإنسان فيما يقدم للناس, ويعد ويفرغ وقته لهذا الأمر, فإذا استمع إليه الناس, قالوا: إن هذا الإنسان يحترم مستمعيه فعلاً فقد قدم لهم شيئاً, فإذا لم يستطع ذلك لغلبة المشاغل وضيق الوقت، فلا بد من عدم التسجيل, وأن يكون التسجيل لأشياء مخصوصة فقط, والأمور الأخرى لا يأذن الإنسان بتسجيلها, اللهم إلا في نوعية خاصة من العلماء كمن ذكرت أسماءهم من قبل؛ فإن أمثال هؤلاء من العلماء ربما الفتوى مطلوب تسجيلها, مهما كان وقت الفتوى وزمانها ومكانها, لكن البقية يكفي أن يسجل لهم دروس أو محاضرات أعدها وتعب في إعدادها وفي تحضيرها ضماناً لعدم التكرار.
رابعاً: عدم الاهتمام -أحياناً- بالتأصيل, فإن المتحدث قد يتحدث في عموميات كثيرة جداً، ولا يهتم بوضع الأصول والضوابط والمنطلقات التي يستطيع الناس أن يضبطوها ويفهموها ويستفيدوا منها.
خامساً: عدم مراعاة واقع الناس أحياناً في اختيار الموضوع وعدم التفاعل مع الأحداث, فقد تجد أن الناس مشغولون في حديث أو حدث ما, والحديث في مجال آخر!
فعلى سبيل المثال لما وقعت أحداث الكويت -مثلاً- وأحداث الخليج بعدها, وهي أحداث حية ومتفاعلة في نفوس الناس كلهم، فقد تأتي إلى خطيب وهو يتحدث في موضع بعيد كل البعد عن هذه القضايا, فالناس يفكرون في أمر، وهو يتحدث في أمر آخر, وهذا لا شك ليس من الحكمة في شيء؛ فإن الحكمة أن يتحدث الناس عن الموضوع الذي يشغل بال المستمعين ليوجههم إلى الطريقة المناسبة والحل الشرعي لمثل هذه القضايا التي تهمهم.
سادساً: عدم التحضير للموضوع -أحياناً- من حيث المعلومات والإحصائيات والحقائق والنصوص وغيرها, وقد يكون الموضوع أمراً مهماً، لكن ليس فيه مادة علمية جيدة قد تعب صاحبها في إعدادها وتحضيرها.
سابعاً: ومن ذلك الأخطاء في اللغة العربية من جهة طبيعية؛ لأن المتحدث قد تسبق إليه كلمة عامية أو خطأ في اللغة العربية رفع المنصوب أو نصب المرفوع أو ما أشبه ذلك, فهذا أمر طبيعي، ولكن ينبغي أن يراعيها الإنسان بقدر المستطاع, أما ما يتعلق باللهجة العامية، فأرى أنه لا بأس أحياناً أن الإنسان لإزالة الملل والسأم عن الناس قد يأتي بمثل عامي أو كلمة عامية بسبب السرعة أو ما شابه ذلك, وهذا معروف عند السلف، فقد كانوا يستخدمون بعض ذلك، ولا حرج إن شاء الله.
يتمثل في جهد فردي للإنسان، وهو أن يهتم بما يقدم ويضبط ويتعود، وكذلك في جهد علمي من المحلات التي تقوم ببيع الأشرطة الإسلامية, بإيجاد لجان محكمة متخصصة واستشارة العارفين في ذلك, أي: كيف نستطيع أن نضبط هذه السلبيات من المتحدثين؟
أولاً: المتحدث مطلوب منه أن يهتم بما يخصه، وأن يقدم للناس مادة جيدة بقدر المستطاع وبقدر الوقت.
ثانياً: بالنسبة لمحلات التسجيل يا حبذا أن يكون لها لجان متخصصة محكمة، تراعي وتراقب هذه المواد؛ بحيث أنها تعتني بها، وتحاول أن تصححها بقدر المستطاع أو تستبعد ما لا يصلح منها أو تراجع صاحب التسجيل أو تستشير العارفين بهذه الأمور.
أولاً: تغيير الأسماء أحياناً؛ فإنك قد تجد المحاضر أو الشريط الواحد يحمل أكثر من اسم, أسماء متعددة؛ وذلك لأن الإخوة يضعون عناوين الأشرطة باجتهادهم هم, والمراجع قد يأتي يأخذ الشريط هذا ويظنه جديداً، فإذا استمعه يجد أنه قد اشتراه من قبل, لكن الاسم تغير, وهذه قضية أمانة ينبغي أن يراعى فيها الدقة؛ بحيث يوضع العنوان الذي اختاره المتحدث له.
ثانياً: عدم التركيز على الدروس العلمية؛ فإن العناية بالدروس العلمية وتقديمها للناس ومحاولة نشرها بين الشباب والدعاية لها مهمة؛ لأن الدروس العلمية لا شك هي الباقية بخلاف كثير من الأشياء الوقتية التي قد تنتهي وتزول.
ثالثاً: عدم المبادرة في طلب الحديث أو المشاركة في مناسبات معينة, فكثير من التسجيلات ربما يكون دورهم هو التسجيل فقط والنشر, لكن لا مانع -بحكم أنهم يحتكون بالناس ويدركون أن هناك موضوعات ينبغي أن يكون الحديث عنها, وتحتاج إلى طَرْق أن يقدمها للمتحدثين من المشايخ والعلماء على أن هذه الأشياء يكثر السؤال عنها, وأن كثيراً من الناس يأتي للمحل يقول: هل عندك أشرطة حول موضوع كذا؟ أو ما أشبه ذلك, وكذلك إصدار موضوعات من قبل أنفسهم، فهو أمر حسن.
رابعاً: عدم التعارف بين أصحاب التسجيلات، وهذا من السلبيات التي تؤخذ, فينبغي أن يكون بينهم تعارف وتنسيق في أمور كثيرة، وتبادل الخبرات والمعلومات، وتعاون بما يخدم المصلحة العامة، فإن الذي أعلم من أصحاب هذه التسجيلات أن كلهم أو جلهم على الأقل ممن يحمل هم الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولذلك فإنني أقول: إن الاهتمام بموضوع الشريط والعناية به وعقد الندوات أو حلقات للنقاش لمثل هذا الموضوع بين المختصين هو من أهم الأمور.
خامساً: عدم متابعة الجديد والإعلان عنه, فإنك قد تجد في بعض المحلات عدم معرفة بالجديد من الأشرطة.
سادساً: ارتفاع السعر أحياناً، كما يشكو من ذلك بعض الإخوة, وخاصة أن الناس اليوم يتساءلون ويراقبون ويراعون قضية السعر والمال, بسبب ظروفهم المادية بلا شك, فكل شيء يؤثر فيهم؛ ولذلك كلما أمكن أن يكون السعر منخفضاً كان هذا أكثر تأثيراً في انتشار المادة والانتفاع والإقبال عليها.
والاحتساب بالدعوة إلى الله عز وجل يجب أن يكونه وارداً، أنا لا أقول: إن أصحاب التسجيلات أصحاب أهداف مادية كما يقول بعض الصحفيين، حاشاهم من ذلك! وإن كنا لا نقول: كلهم على قلب رجل واحد أيضاً, لكن أعرف من أصحاب التسجيلات من يبيع بسعر مخفض، وهذه محمدة, وأعرف من يوزع نسخاً مجانية كثيرة، وهذه أيضاً تشكر لهم, وأعرف من يقومون بمشاريع تعاونية خيرية، وأعرف من يقومون بنسخ مواد مفيدة على بعض الأشرطة السيئة بالمجان، في هذا البلد وفي الرياض وفي أماكن أخرى.
على كل حال هذه الأشياء من السلبيات يتحملها الإخوة؛ لأن المقصود منها التوجيه ولفت النظر لبعض هذه الأمور.
أولاً: ضرورة نقل مناهج الدراسة إلى أشرطة, سواء مناهج قرآن كريم أو مناهج المواد الأخرى للطلاب في الابتدائي والمتوسطة وغيرها, بحيث تكون في متناول الطلاب بنين وبنات… وهذا مفيد.
ثانياً: وجود برامج متخصصة لطبقة معينة من المجتمع, مثل برامج للعوام، برامج للأطفال، برامج للمرأة، برامج للمثقفين، برامج للشباب... إلى غير ذلك, وهناك بداية جيدة، ولكن تحتاج إلى تخطيط وترتيب أكثر.
ثالثاً: اقتراح موضوعات يحتاجها الناس كما أشرت إلى ذلك، وينبغي أن يوجد هناك رابطة بين المتحدث وبين السامع، وذلك بالاقتراح والتجاوب.
رابعاً: تطوير الناحية الفنية في الشريط والإعداد، وهذه ناحية مهمة, فمن المزعج أن يسمع الإنسان شريطاً مشوشاً أو مرتبكاً أو فيه معانٍ متداخلة وأصوات غريبة وما أشبه ذلك, فلذلك لا بد من العناية بها من الناحية الفنية وجودة الإخراج، وبعض المحلات خطت خطوات في هذا المجال.
خامساً: من المقترحات تخفيض السعر بقدر الإمكان, فالناس كما ذكرت في ظروفهم الاقتصادية يهتمون بالسعر.
سادساً: تغطية المناطق بالمندوبين الذي يتابعون ما يجد.
سابعاً: العناية بنوعية الشريط؛ فإن بعض محلات التسجيل قد تسجل على أشرطة غير جيدة, سريعة التآكل والانتهاء، فلا يستفيد منها الناس، ولا يستطيعون الاحتفاظ بها.
أما من الناحية العلمية فالفرق كبير جداً بين البلدين، فهاهنا العلم بحمد الله يمد رواقه ويضرب، وهناك ليس لديهم علم، إنما لديهم علماء يتبعون، وليسوا علماء بل علماء ضلالة، فالعامة تتبعهم دون روية ودون تبصر ودون تفكير قل مثل ذلك في الناحية الاجتماعية وتركيبة الناس وواقع الناس, إضافة إلى النواحي التاريخية، كل هذه الفوارق المؤثرة الكبيرة يتجاهلها أولئك حين يربطون هذه الأوضاع بما يجري أو ما جرى في تلك البلاد، ويهولون الأمر ويضخمونه من أجل تخويف الناس من هذه الأشرطة.
إيران بلد القلاقل وبلد الثورات وبلد الاضطرابات، وهي من بلاد المشرق, التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: {هناك الزلازل والفتن حيث يطلع قرن الشيطان} .
أما هذه البلاد فهي بلاد الحرم الآمن: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:3] بلاد رعاة الغنم حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن السكينة والهدوء عندهم، وهم أصحاب الصدق والوضوح والصلاح والاستقامة وتوافق ظاهرهم مع باطنهم, فمن يقيس هذا على ذاك كمن يقيس الخمر على اللبن، كما يقول بعض الإخوة, وهي (شنشنة نعرفها من أخزم) فإن هذه الدوائر تهدف إلى استعداء القادرين على الإسلام وأهله، واختلاق أوهام كبيرة في النفوس لا حقيقة لها, وهذا ليس بغريب، ولكن الغريب أن يتلقف بعض الموتورين هذه الأفكار الغربية الأجنبية, ويأخذونها معلبة وينشروها بأسمائهم دون أن يذكروا المصادر التي نقلوا منها وأخذوا عنها, ولو على الأقل من باب الأمانة العلمية.
فمن زمن حين ثارت قضية الحداثة نُشِرَ في جريدة اليوم في عددها رقم خمسة آلاف وثلاثمائة وتسعة وتسعين مقال بعنوان: فوضى الكاسيت، وتحدث المتحدث في هذا المقال، فجمع بين جلسات الطرب وجلسات الوعظ على حد سواء, وقارن الأغاني الغربية بالخطب العصماء على حد تعبيره, وأبدى امتعاضه من الرواج الكبير التي تلقاه الأشرطة الدينية كما يقول, وذكر أنها أصبحت نوعاً من التجارة الرابحة لدى الباعة الذين لا يريدون خيراً من وراء تسويق هذه الأشرطة كما يقول، وإنما هي متاجرة بالدين لا تليق بمسلم, ووصف المتحدثين بتلك الأشرطة بأنهم لا يعلم إلا الله مدى تمكنهم من الحديث والطرح الجاد لصالح الإسلام والمسلمين, فهو ينتقد أصحاب التسجيلات، وينتقد بعد ذلك الذين يتحدثون في تلك الأشرطة الدينية والخطب العصماء كما يسميها, ووصف ما يجري بأنه نوع من العبث, وأنه خطر داهم لا يمكن الاستهانة به, بل لا بد من التعامل معه بحزم حفاظاً على ماذا؟ ليس حفاظاً على سمعته الشخصية ولا على مكتسباته الحداثية، وإنما يقول: حفاظاً على نقاء الدين الإسلامي الحنيف, تبارك الله! هذه الغيرة الكبيرة ما عهدناها إلا حين جاءت قضية الشريط الإسلامي!
حفاظاً على نقاء الدين الإسلامي الحنيف وصيانة للمجتمع من عوامل الانشقاق, إذا تسربت إليه بذور الشر وعوامل الانشقاق!
الذين يبثون لانشقاق في المجتمع هم الذين يدعون إلى التوحيد وإلى الصلاة والزكاة والصوم والحج, وهم الذين يحاربون النحل الضالة من العلمانية والحداثية وغيرها, أما أصحاب الحداثة الذين ينشرون سمومهم في هذا المجتمع، ويبثون أوبئتهم، ويدسون رءوسهم في كل مكان، ويدسون أنوفهم في كل مكان, فهؤلاء هم دعاة الوحدة الوطنية.. أجاركم الله!
يقول: لا بد من صيانة المجتمع من بذور الشك التي تنشر على أيدي أولئك الذين يفترون على الله الكذب, وهو لم يحدد من هم , فهذا الكلام نفسه ينطبق على حد زعمه على كل من يتكلم في هذه الأشرطة التي تحدث عنها.
عجباً ما هذا الفزع؟! ما هذه الغيرة العجيبة على الدين وأهله؟! أين هذه الغيرة من تلك الأشرطة التي تتاجر بالعفاف كما أشرت قبل قليل؟! وتبيع الرذيلة عياناً بياناً وتفتك بالشباب؟! وأصحابها منك قاب قوسين أو أدنى؟! وما هذا الاطلاع على دخائل القلوب وما تكنه النفوس والضمائر؟! حين تصف هؤلاء بأنهم يتاجرون بالدين وأنهم وأنهم...؟!
ثم أين الثقة بالمجتمع؟! لقد عهدناكم تقولون: إن المجتمع محل ثقة, وإننا نريد أن تتاح الفرصة لكل أحد أن يطرح ما عنده من أفكار ومذاهب ونظريات, هكذا تقولون! والمجتمع محل ثقة، لا مانع من طرح كل شيء ليأخذ ما يريد بحرية، ويترك ما يريد بحرية، ولا بد من إتاحة الفرصة لما تسمونه أنتم بالرأي الآخر, فأين هذه الثقة التي كنتم تمنحونها المجتمع؟! لماذا سحبتموها من المجتمع؟! ووصفتم المجتمع بأنه كما يقول كاتب المقال: بأنه من العامة الذين يصدقون كل ما يسمعون؟!
لماذا لا تقول أيضاً: إن هؤلاء العامة الذين يصدقون كل ما يسمعون يجب حمايتهم من الحداثة؟! ويجب حمايتهم أيضاً من العلمانية؟! ويجب حمايتهم من الفكر الدخيل الذي يأتي على شكل قصة أو قصيدة أو شعر أو مقالة؟! ويجب حمايتهم من دعاة التخريب والتغريب بل من دعاة الاستعمار الذين يمدحون الاستعمار على صفحات جرائدنا ومجلاتنا؟! ويقولون: إن هذا الاستعمار وإن أخذ أموالنا إلا أنه نَوَّرَ عقولنا وأفكارنا… إلى هذا الحد!
ولماذا لا تطالب بحماية الناس من تلك الأفكار والمبادئ التي غزت كثيراً من شبابنا ومثقفينا، وجعلتهم يرددون نظريات الغرب, وتحليلاته دون تعديل يذكر؟! لماذا تغفل عن هذا كله؟! وتجعل همك حول هذه الأشرطة؟! ثم هل أنت على درجة تستطيع أن تقول على هؤلاء: إنهم يفترون على الله الكذب؟
إن كنت عالماً جليلاً فقيهاً نبيلاً تربيت في حلقات العلم, وأخذت من العلم الشرعي بنصيب، وأذنت لك الأمة، فنعم من حقك أن تحكم على أحد أنه يفتري على الله الكذب, أما أن تصف أناساً هم بلا شك أقدر منك في مجال الشرعيات وأدرى منك في هذه الأمور بمثل هذه التهمة، فذلك كما يقول المثل العربي: رمتني بدائها وانسلت، فهذا هو العجب العجاب!
وكتب آخر في جريدة عكاظ "باتجاه المطر"، وأشار إلى قضية مهمة, يقول: إن كثيراً منهم معزول, ويتحدث عن نفسه أنه وجد نفسه معزولاً حتى من أقرب الناس إليه, حتى زوجته وبنته وولده؛ حيث يتهمونه بالزندقة والمروق من الدين, لماذا؟ لأن هناك أشرطة تحدثت عن الفاسدين والمفسدين والعلمانيين والحداثيين وغيرهم, وهذا يؤكد فعلاً أن المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع متدين, وقد سبق أن ذكرت في بعض المناسبات أن الإنسان المنحرف يجد نفسه معزولاً محصوراً حتى بين أقرب الناس إليه, وهذا مصداق ما كنت ذكرته, فهو يقول: إن الزوجة والتلاميذ والأولاد والجيران والأقارب والمعارف كلهم أصبحوا ينظرون إليه شزراً، وكأنه ملحد أو كأنه زنديق.
وسبب ذلك ما هو؟ يقول كاتب المقال: إن سبب ذلك صكوك النار التي منحها البعض له ولأمثاله من الذين يفكرون بشكل مغاير للسائد, يفكرون بطريقة مخالفة لما عليه المجتمع، ولذلك يزعم أن هؤلاء أعطوه صكاً إلى النار.
ولا شك أن هذا من تهويلهم ومبالغتهم وبعدهم عن الأمانة العلمية؛ فإن صكوك الجنة وصكوك النار هذه لدى النصارى, ونحن المسلمين هاتوا لنا رجلاً واحداً حكم عليه بأنه كافر, هاتوا لنا عالماً أو طالب علم أو داعية أو سمى شخصاً وقال: فلان كافر, أين هذا؟ كونك تقول: هذا العمل كفر, فهذا شيء, وكوني أحكم على الشخص أنه كافر، فهذا شيء آخر, أنا قد أقول مثلاً: إن هذا القول كفر, وأقول ذلك إذا كان القول كفراً، لكن لا يلزم أن أحكم على كل من قاله بأنه كافر؛ لأنه قد يكون قاله جاهلاً أو قد يكون تراجع عن ذلك وتاب منه, وهناك احتمالات كثيرة تمنعني من أن أصدر حكماً عليه شخصياً , لكن يمكنني أن أحكم على الفئة نفسه بذلك، وهم لا يميزون بين هذا وذاك.
وهو وغيره لا يدرون الفرق بينهما؛ ولذلك يتحاملون على طلبة العلم والدعاة والعلماء بمثل هذا الكلام الذي ذكرته, ولذلك يصيح مثل هذا الإنسان يقول: أنقذونا قبل أن تصل النار إلى رءوسنا.
ويكتب ويقول: لماذا يأتي المتحدث في شريط؟ لماذا لا يأتي في النور ويتكلم أمام الجميع؟! فأقول: سبحان الله! هل تركتم مجالاً لأحد يتحدث؟! لقد أمسكتم بخناق الصحف ووسائل الإعلام, فأصبحتم لا تأذنون غالباً إلا بالمادة التي تخدمكم، وتئدون وتحاربون كل صوت حر نـزيه يفضح ما أنتم فيه أو يخالف ما أنتم فيه, فلا تنشرون من ذلك إلا النـزر اليسير.
أما الصوت الذي يؤيدكم ويوافق ما أنتم عليه، فإنكم تلمعونه وتنشرونه, وإن كان ضعيفاً صححتموه، وبالغتم في نشره ونفختم فيه حتى يصبح ذا شأن, فلم تدعوا مجالاً لأحد ليتكلم، ولم يبق للدعاة إلى الله عز وجل إلا المسجد والمنبر والمنصة وما يتبع ذلك من هذا الشريط الذي يعبرون فيه عن الرأي الصحيح, ومع ذلك انـزعجوا وصاروا يشنون مثل هذه الحملات التي أشرت إلى شيء منها.
وزعم الكاتب أن الزمن هو الوحيد القادر على فرز الجيد من الرديء من الأفكار, وهذا زعم غريب؛ فالزمن لا يأتي بفرز الجيد من الرديء! وهانحن بعد مرور مئات السنين بل آلاف السنين, نجد الجدل يحتدم بين نظريات فلسفية قيلت منذ قرون طويلة؛ فالزمن لا يحسم شيئاً, وكون الشيء وقع وتحقق في مجتمع الناس لا يصيره صحيحاً مشهوراً، وقد يقع أمر وينتشر بين الناس ويروج ويكون خطأً, ويكون هناك صواب مغمور, فليس الزمن وحده الكفيل -كما تزعم- أبداً.
ويقول: وقديماً قال فقيه ألمعيٌ: بين أصحابنا من أرجو بركته ولا أقبل شهادته, قلت: -والكلام لصاحب المقال- في أمور السياسة, أي لا يقبل شهادته في الأمور السياسية.
فيا عجباً! متى كان الفصل بين الدين والسياسة؟! ومنهج من هذا؟! هل عندنا علماء نرجو بركتهم, ونقبل عنهم الحلال والحرام، ونأخذ منهم الحديث والعلم, ولا نقبل كلامهم في أمور السياسة؟! وهل أمور السياسة بمعزل عن الدين؟! هل هناك سياسة وهناك دين وهما طرفان متنافران؟! أم أن السياسة والاقتصاد والاجتماع والفن والآداب والإعلام وكل أمور المجتمع يجب أن تخضع للإسلام؟ لا شك أن الجواب هو الثاني, ولا نعرف في دين الإسلام فرقاً بين شيء اسمه السياسة وشيء اسمه الدين, وما هي قيمة العالم إذا لم يبين للناس قضاياهم السياسية التي هي من أهم القضايا التي يحتاجون إليها, والتي تتعلق بمصالح الأمة العامة؟! هل تريد أن يبقى العالم محصوراً فقط في أحكام الذبائح والصيد والنسك والحيض والنفاس والوضوء والغسل ومسح الخفين ويترك قضايا الأمة لغيره, ممن لم يتذوقوا طعم العلم الشرعي؟! ولم يعرفوا ببلائهم وجهادهم في سبيل الله عز وجل؟! ولا شهدت لهم الأمة بالجهاد في ميدان دعوتها وإعادتها إلى الطريق المستقيم؟! هل تريد هذا؟!! هيهات! ألا تدري أنك بكلامك هذا قد أسقطت مجموعة هائلة من فتاوى وبيانات هيئة كبار العلماء في هذه البلاد, وهي فتاوى وبيانات تتعلق بأمور سياسية بجميع المقاييس, وأسندت الأمر في هذه الفتاوى بعد أن أسقطتها عنهم إلى من تنوبهم أنت, وتقبل شهادتهم.
إنك تطالب باحترام التخصص كما هو ظاهر من عباراتك, وهذا إجمالاً ممكن ومعقول, لكن لننظر هل هذه القاعدة عامة لكل الناس؟! أم أنك مستثنىً من هذه القاعدة؟! ولك الحق في طرح أي موضوع بدون استثناء؟! ما بالك خضت في قضايا مشرقة وأخرى مغرّبة؟! فأنت مرة اقتصادي ماهر ومحلل في مسائل التنمية تكتب كما في بحث أو مقال: أوهام وأضغاث أحلام في ملحمة التنمية، وذلك في مجلة الاقتصاد والإدارة, وتكتب بحثاً بعنوان: التنمية وجهاً لوجه، وهو كتاب مطبوع في سلسلة إصدارات تهامة.
ومرة أخرى أنت خبير في الصناعة والتخطيط الصناعي تكتب بحثاً بعنوان: "الجبيل وينبع كيف ولماذا؟" وهو موجود في وزارة التخطيط بـالرياض, وتكتب بحثاً آخر بعنوان: "الصناعة في الخليج آفاق جديدة"، وهو عبارة عن محاضرة صغيرة ألقيتها في جمعية المهندسين البحرينية, ومرة تكتب في الصحة والخدمات الصحية, حيث نشرت لك مقالة بعنوان: نحو خدمة صحية أفضل، ومرة أنت خبير في السياسة والعلاقات الدولية حيث دراساتك -رسالة الماجستير والدكتوراه- ومن ذلك مقال نشر بعنوان: "نظرية العلاقات الدولية هانس جي ونقاده" وحتى إنك ذكرت في مقابلة في المجلة العربية في هذا الشهر: أن المصلحة الوطنية -وهذا مما يتعلق بالخبرة والسياسة الدولية- تقتضي أنك عندما تكون حليفاً لدولة ما أن تعتبر كل ما يدور بداخل هذه الدولة خيراً كان أو شراً من شئونها الداخلية، أي من حقك أن تعقد حلفاً مع دولة مهما كان فساد هذه الدولة الداخلي, ولا يعنيك شأنها الداخلي, بمعنى أنك حين قلت قصيدة تمجد فيها صمود العراق في وجه إيران, يوم كانت العراق تحارب إيران حسب تصريحك أنت في العدد نفسه: مصيب ولست بنادم على القصيدة، أي من حقك -مثلاً- أن تتجاهل جرائم صدام حسين مع المسلمين الأكراد والسنة في العراق, ومجازره البشعة ضد العلماء في بلده وضد الدعاة, واستئصاله لشأفتهم, وقضاءه المبرم عليهم, وأن تعتبر هذا أمراً داخلياً لا شأن لك به، مادامت مصلحتك الوطنية تقتضي أن تكون حليفاً له, هذا معنى كلامك ومضمون حديثك, وهو جزء مما تتحدث فيه عن العلاقات الدولية والخبرة السياسية!
ومرة أخرى أنت مؤرخ تنقل في مجلة اليمامة العدد 684 ورقة عائلية من تاريخ الطبري, لتستنج منها أن عمر رضي الله عنه يدعو زوجته إلى تناول طعام الغداء مع ضيف جاء إلى عمر من أحد البلاد, وأن الذي منع المرأة من ذلك فرفضت القدوم أنها ساخطة على عمر, وإلا كانت جاءت تأكل مع الضيف, ولماذا هي ساخطة؟! سخطت لأن عمر لم يشتر لها ملابس جميلة, كملابس فلانة وفلانة من نظيراتها, ثم عقبت على مقالك هذا بالهجوم على السادة الكرام الذين يتصورون أن المرأة مخلوق من الدرجة الثانية, وربما من الدرجة العاشرة، ولم تبين بالضبط من تعني بالسادة الكرام, فربما نكون نحن جميعاً من أولئك السادة الكرام!
ومرة أنت مفسر ومحدث تنقل عن الطبري في تفسيره أقوالاً منكرة غريبة, وآثاراً مرفوضة, وتتجاهل كلام ابن كثير في نكارتها، وتتجاهل العقل الذي يرفضها وينكرها, وتتجاهل أن إسنادها مظلم كالليل، وتُمَكِّن لهذه الروايات لتستدل على بعض نظراتك التي تتعلق بالأوضاع السياسية في منطقة الخليج وما حولها!
ومرة أنت باحث اجتماعي كما في كتابتك: "قضية القضايا وبقية القضايا"، حيث تحدثت عن التغيير الاجتماعي، وكيف يتم هذا التغيير، وأنه من خلال التغيير الاجتماعي يمكن أن تحسم قضايا كثيرة في المجتمع, كما حُسمت أمور سابقة, كقضية اللاسلكي -مثلاً- أو تعليم المرأة أو عمل المرأة أو قضية التلفاز أو غيرها, وأنه يجب أن يتم الحوار حول القضايا المفتوحة في جو هادئ, بعيداً عن التشنج والانفعال واستعداء السلطة على الرأي الآخر, وبعيداً عن الاتهامات التي تلقى جزافاً وبلا مبالاة, ولا أدري ما دمت تحذر من الاستعداء -استعداء السلطة على الرأي الآخر- ماذا كنت تعني بالضبط بقولك في يوميات كاسيت: أيتصور بعضنا جهاز الكاسيت معركة باردة؟! أي أن الجواب عندك أنها معركة ساخنة، فخذوا حذركم.
ومرة أخرى أنت كاتب أصولي في أصول الفقه, تكتب عن آداب الاجتهاد والاختلاف في الإسلام, كما في اليمامة، وتنقل عن ابن القيم رحمه الله، والإمام مالك رحمه الله، والإمام الشاطبي رحمه الله, وقد عددت في هذا الكلام نقولاً كثيرة, بل إن الكلام كله نقول، وختمت القول بقولك: ترى متى يتعلم المسلمون المعاصرون من أسلافهم العظام شيئاً من أدب الاجتهاد وأدب الاختلاف.
ونحن نوافق على أنه يجب أن نتعلم من أسلافنا كل شيء، وليس فقط أدب الاجتهاد والاختلاف, لكن لا أدري أين ذهبت هذه الآداب في مقالة الشريط؟! حيث برزت الاتهامات بالكذب والاختلاف, فظهر أنك تتهم بعض المتحدثين بأن هناك أشياء وقصصاً يروونها لا وجود لها إلا في خيالهم, ومعنى ذلك أنهم تخيلوا شيئاً واختلقوه، ورسموا منه قصة موضوعة وسردوا حكايات لا وجود لها إلا في خيالهم, ولا أدري لماذا التدخل في توزيع التخصصات والاستغناء عن خدمات العلماء, إنك تلمح بأن بعض المتحدثين في تلك الأشرطة أنهم كإذاعة بغداد، أو أنهم أخذوا عنها بعض ما يتكلمون فيه عن مخاطر وجود المرأة الأجنبية مجندة كانت أو غير مجندة على هذه البلاد وأخلاقياتها, وأن همهم إثارة البسطاء واستفزازهم بقصص خيالية, فهذا الكلام يصدق على الممثلين، ويصدق على الفنانين، ويصدق على المشتغلين بالإعلام، ويصدق على بعض الأدباء والشعراء الذين همهم إثارة البسطاء واستفزازهم, أما العلماء فإنهم يتكلمون عن حقائق ووقائع، وإن كانت لا تعجبك على كل حال, أين الأسلوب العلمي؟! أين الهدوء الذي تدعو إليه؟!.
وقد تحركت عاصفة جديدة في هذا الكلام، ولكنها عاصفة من نوع آخر غير العواصف التي تعودناها منك، في جريدة: الشرق الأوسط.
ومرة أخرى تتحول إلى مفتٍ يفتي في الجليل والحقير, ففي مقابلة مع عكاظ يفتي بالموسيقى، ويفتي بكشف المرأة لوجهها, ويقول: هاتوا لي دليلاً من الكتاب والسنة على تحريم قيادة المرأة للسيارة, والكلام المطروح حتى الآن غير مقنع عن هذا الموضوع.
وقد تجرأت أكثر وأكثر, حين كتبت في جريدة المسلمون في عدد هذا الأسبوع عنوان: "حد القذف: هل يشترط التصريح أم يكفي فيه اللتميح؟" وهذا تدخل في أعمال القضاة, تحدث عن القذف وأنه حرام في الكتاب والسنة, وساق الأدلة على تحريمها، وأنا ألخص لكم الفائدة حتى تنتفعوا بها, ثم ذكر أن ألفاظه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: صريح, كناية, وتعريض.
فما بقي لنا -بارك الله فيك وأصلحك الله- إذا وصلت لهذه القضية؟! ما بقي لنا؟!
السياسية: لا تتكلموا فيها, والاقتصاد: ليس من شئونكم, والصناعة والصحة والإعلام, والآن جئت في تخصصنا أيضاً، في موضع القذف، وفي قضايا فقهية, تتحدث عن الأدلة، وتنقل وتقول: إنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وساق خلاف العلماء حول الكنايات والتعريض, كقول القائل لامرأة: يا فاسقة يا فاجرة يا خبيثة!
ونقل مذهب الأحناف من كتاب سماه الميسور للسرخسي، هكذا في المطبوع، ويمكن أنه خطأ مطبعي أو أنه ليس من كاتب المقال, ولكن نشرت باسمه, ولا أستطيع أن أتكلم إلا بعد التثبت, قد يحصل شيء أو اعتذار عن هذا, على أي حال لا أعرف كتاباً بهذا الاسم, وكتاب المبسوط للسرخسي هو المقصود على كل حال.
ونقل من كتاب آخر اسمه: الفقه على المذاهب الأربعة، وهذا الكتاب يقول بعض علمائنا المعاصرين: إنه يجب إحراقه؛ لأنه كتاب غير موثق ولا يعتمد, ومع ذلك نقل مذاهب الفقهاء من هذا الكتاب, وعقب بقوله: فأعجب من نفر يدعون الغيرة على الأعراض، وهم يستخدمون ألفاظاً يستحق قائلها الحد أو التعزير، ومعروف من يقصد بذلك, ولا أدري بالضبط هل سمع هو أو سمع غيره شخصاً معيناً يرمي أحداً أو يقذفه بالفاحشة.
أصل القضية أن الكلام في حد القذف يفتقر إلى أن يكون أمامنا شخص قاذف فلان بن فلان قذف, بعد ذلك تبحث هل قذف بعبارة صريحة أم كناية أو تعريض، وهل يستحق الحد أو التعزير، أو هو مخطئ أم مصيب، هذا موضوع آخر, لكن الآن ليس أمامنا شخص معين وجد أنه قذف حتى يأتي أصل فكرة البحث, فأصل فكرة البحث مبنية على شفا جرف هار, لكن هكذا من تدخل فيما لا يحسن أتى بالعجائب, كيف تتحدث عن فعل لا فاعل له؟!
ثم أنت الشاعر الرقيق صاحب الدواوين العديدة والتي منها ديوان: معركة بلا راية؟!
وأستغفر الله وأتوب إليه حين أجد نفسي مضطراً كما اضطررت من قبل أن أقرأ لكم شعر القباني, أن أقرأ لكم مقاطع من ديوان معركة بلا راية لهذا المفتي:
أتفهمين إذا قالوا غداً ذهبا أتفهمين إذا قالوا اختفى هربا |
بلا وداع بلا همس بلا قبل وخلف الكأس تبكي الصيف والعنبا |
مقطع آخر:
أفتش بين الوجوه
فألمح شوق البشر
إلى رحلة في بوادي الخدر
وألمح خلف العيون
حنيناً إلى سفرة في الجفون
وترثي الكئوس لمن يشربون ولا يسكرون؟!!
مقطع آخر:
وهذي الجموع تحاول نسيان آلامها
وتبني محاريب أوهامها
وتحلم فيها
بليلة سكر
ومخدع عطر
يحوم عليها بخار الكحول
ويروى المساء حكايا الفحول
وكيف يصيدون أحلى النساء
وكنتِ بقربي!
وكان السرير يحدث عن ليلة ثائرة
أتحسبين أننا بقبلة..
نقدر أن نخلق نفسينا كما نشاء؟!!
وأننا بضمة..
نقوى على نسيان ما يدور في الخفاء
وأننا إذا ارتمينا في السرير عاريين
نهرب مما كان في ثيابنا.
مقطع آخر:
sh= 9903691نعم أحببت قبلك ألف مَرَّة وذقت الحب نَشْوتَه ومُرَّه
sh= 9903692> وطرتُ مع الشقاء إلى ربيع قطفت وروده وشربت خمره
sh= 9903693>وغصت مع النهود إلى لهيب نشقت دخانه وأكلت جمره
وأنا أستغفر الله عز وجل، وأنا أعتذر إليكم من إيراد مثل هذا الكلام المنتن في مثل هذا المكان الطيب المبارك, ولكن هذا مما لا بد منه لإيضاح الأمور وكشف الحقائق وتجليتها لمن لا يدركها.
ونخلص من هذه النقطة إلى أنك ترى أن الناس يجب أن يتخصصوا ويحترموا تخصصهم, خاصة من كانوا في المجالات الشرعية, يجب ألا يتدخلوا فيما لا يعنيهم, أما غيرهم فإن من حقهم أن يتكلموا في أي موضوع!
ما هذه التناقضات؟! إنني لا أستطيع أن أفهم شخصاً يتكلم عن ابن القيم رحمه الله ومالك رحمه الله والشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله والشاطبي رحمه الله, ثم يتحدث بلهجة أخرى عن مثل نـزار قباني بأنه شاعر فحل, لا يزيده هجوم الهاجمين عليه إلا شموخاً وسموقاً, كما في مقابلته مع عكاظ 1402هـ ، وهي عندي مصورة, لـَم لم تثر حميتك الدينية ضد نـزار قباني كما ثارت لصالح قضية القذف التي تكلمت عنها وانفعلت بها؟! لـَم لم تثر حميتك كما ثارت في قضية الكاسيت؟! ألم تسمع نـزار قباني يسخر برب العالمين ويقول في كتاب الحب:
قد يعرف الله في فردوسه المللا.
ألم تسمع نـزار قباني يقول في ديوانه:
أنا أرفض الإحسان من يد خالقي
هل هناك أكثر من هذا الكفر؟! هل هناك وقاحة أشد من هذه الوقاحة؟! فلماذا نلمع مثل هؤلاء الناس الذين أعلنوا كفرهم برب العالمين، ونتكلم عنهم كأنهم عظماء ولو في مجالهم، دون أن نتكلم بكلمة واحدة عن مناوأتهم لهذه الأمة ومخالفتهم حتى لأخلاقياتها وقيمها بل حتى لمصالحها؟!.
كيف تتحدث عن طه حسين بأنه الذي خلده التاريخ، وتتناسى أنه يقول: قد يحدثنا القرآن عن إبراهيم وإسماعيل، وهذا لا يعني بالضرورة وجودهم التاريخي؟! لـَم لم تثر حميتك الدينية من ذلك المحاضر الذي طردك من القاعة كما تقول -كما في اليمامة العدد (1127) - والذي تعلمت منه منحنيات العرض والطلب, وقانون المنفعة المتناقضة ونظرية الميزة النسبية, وسمعت منه لأول مرة اسم آدم سميث وكارل ماركس.
أود قبل أن أغادر النقطة السابقة أن أشير إلى مقابلة نشرت في الشرق الأوسط.
هاهي هدى الحسيني تسأله: هل يمكن للإنسان أن ينجح بأن يكون دبلوماسياً وسياسياً وشاعراً وكاتباً صحفياً وفي الوقت نفسه أديباً وفقيهاً وعالماً ومفتياً وقاضياً؟ سألت عن أربع نقاط, والجواب له: من الناحية المنطقية يمكن للإنسان أن يكون عدة أشياء، فأين الصعوبة؟ لا توجد صعوبة, لقد عرف التاريخ العديد من الدبلوماسيين الذين كانوا في نفس الوقت شعراء وكتاب قصة, وأعظم الشعراء في الوقت الحاضر كان من الدبلوماسيين أمثال عمر أبو ريشة, ونـزار قباني، وبدوي الجبل كان وزيراً وكان سياسياً, ولذلك ليس بالغريب ولا بالبدعة أن يكون الإنسان دبلوماسياً وشاعراً وكاتباً في وقت واحد, وهنا نقول: ولمن التخصصات؟!
النقطة الثانية التي أشرت إليها قضية: كيف نفهم هذا التناقض؟ ثم ما هذا الهجوم الصارخ على كل من تسميهم بالأصوليين؟ وهي تسمية نصرانية مستوردة غريبة كما هو معروف, أنت تحاربهم بسيفك الخشبي القديم المتآكل, ما هو السر في حرصك أن تحشرهم جميعاً في زمرة صدام حسين, وأنت مرة تسميهم بالصداميين أيضاً, ومرة أخرى تقول عنهم "فئة المزايدين من زعماء ما يسمى بالحركات الأصولية, ومنطق هؤلاء وصولي محض -أي هدفهم الوصول إلى السلطة بكل وسيلة- لا تزال الشعارات المعادية للإمبريالية ذات بريق في الشارع الأصولي, فهم يستخدمونها لأغراضهم السياسية, أعتبر هذا موقفاً انتهازياً من ساسة يهمهم الوصول إلى الحكم تحت أي شعار وبأية وسيلة.
ثم ذكر موقف زعيم الأصولين في السودان كما يقول، ثم يقول: إنه هدف واحد يتيم، الوصول إلى السلطة، وقس على هذا الموقف على بقية ساسة الأصوليين المتعطشين إلى الحكم.
أولاً: الذي تعهده من المخلص لقضيته -وأنت تظهر الإخلاص لقضيتك أن يكون حريصاً على أن يكسب الناس ضد صدام، وليس أن يحشرهم في زمرة صدام, فما بالك مع من ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية حرصت أن تجعلهم جميعاً وتحشرهم جميعاً في زمرة الموالين لصدام حسين, مع أنني لا أنكر أبداً ولا أحد ينكر أن هناك فئة غير قليلة ممن يتنسبون إلى الدعوة الإسلامية قد انخدعوا بهذه الدعوات والألفاظ البراقة التي أعلنها صدام حسين, وركضوا وراءه، وهتفوا باسمه، وتحالفوا مع البعثيين وغيرهم, وهذه غلطة كبيرة تحدثت عنها في غير هذا الموضع, وتكلمت فيها، وهي أمور في الواقع تؤكد فعلاً أنه يجب مراجعة أمور كثيرة بالنسبة للدعوة الإسلامية, وأوضاع الدعاة, ولكن أليس من الخطأ أن بعض الذين في قلوبهم مرض يستغلون غلط فئة ليحاولوا أن يلصقوها بكل من يتنسب إلى الدعوة الإسلامية؟!
فأنت سميتهم: الأصوليين الصداميين وحشرتهم جميعاً, دون أن تميز بعضهم من بعض أو تفرق بينهم, وبدأت تلقي التهم جزافاً تحت مظلة أن هؤلاء من أصحاب صدام، وأن من حقك أن تقول فيهم ما تشاء.
فنحن حريصون على أن كل إنسان ليس موالياً لـصدام يعلن صوته, ويبرئ ساحته، ولسنا حريصين على أن نتهمه بذلك، ونحاول أن نشهر إعلامياً أنه من المؤيدين له وإن لم يكن كذلك, أين إخلاص القضية التي تكتب عنها صباح مساء؟!
إنك الآن تتهم هؤلاء بأنهم طلاب حكم أو طلاب سياسة, وأنا لست مدافعاً عنهم، فهذا أمر آخر, ولكنني أقول: إنك أيضاً في مقالك: يوميات الكاسيت، وصفت طائفة أخرى من المؤمنين تستهدف الشهرة من خلال الشريط, فها أنت تقول ساخراً من شاب بكى لوجود مجندة أجنبية: لماذا لم ينضم إلى المقاومة الكويتية؟! أرجو ألا يكون السبب الخوف، ثم قال: وليس كذلك اللقاء مع أشرطة الكاسيت فهو شعبية بلا ثمن, قال بعض الفقهاء عن صيام رمضان في الشتاء: غنيمة باردة.
إذاً أنتم يا أصحاب الكاسيت طلاب شهرة وطلاب شعبية لا أكثر ولا أقل.
أما صاحب المقال فليس كذلك, ألم تقرءوا في جريدة الشرق الأوسط حين قابلت معه هدى الحسيني: أنا لم أكن في يوم من الأيام في مباراة كَسْب شعبية، ولست أنا الآن في كسب شعبية مع أحد، ولن أخوض في المستقبل مباراة كسب شعبية لا مع زعماء ولا مع شعوب! سبحان مغير الأحوال! فما بين المقالين إلا أيام وليال.
ولي هنا أكثر من سؤال:
أولاً: إذا لم تكن تريد الشعبية، ولست تريد المنصب كما نفيت ذلك أيضاً، فأنت تريد الجنة فقط بكل عملك هذا، ولسنا من الحراس على باب الجنة، وعلم الله أننا نتمنى لكل إنسان أن يهديه الله عز وجل سواء السبيل، وأن يكون من أهل الجنة، هذا ما يعلمه الله في قلوبنا, حتى الذين أساءوا وظلموا نتمنى أن يهديهم الله عز وجل إلى سواء السبيل، وأن يرفعوا الرايات البيضاء، ويعلنوا ولاءهم للإسلام وأهله صدقاً بقولهم وفعلهم, لا بمجرد التمسح بألفاظ وعبارات إسلامية, علم الله أننا نتمنى أن يهديهم الله عز وجل, لكن أعمالاً كثيرة تقوم بها ليست من الأعمال التي شرعها الله تعالى للوصول إلى الجنة.
ثانياً: لم هذا الزخم الهائل من الكتابات حتى كثرت مقالاتك ومقابلاتك وقصائدك وتعليقاتك ومشاركاتك؟! حتى إن بعض الصحف ربما لو لم يصلها المقال لما صدرت ذلك اليوم, ولتأخر صدورها، فضلاً عن المجلات الأسبوعية والشهرية والكتب, وأخيراً الأشرطة!
حتى تجار الكاسيت -كما يسميهم- لم ترض إلا أن تشاركهم في عملهم الذي لم يبق بأيديهم غيره!
وكأنك تندب حظك العاثر حين تقول في يوميات: جاء دوري، استمعت إلى كاسيت بصوت قبيح يحتوي على القصائد التي كتبتها بعد الاحتلال, وهأنا أصنف نفسي دون تردد من مجاهدي الكاسيت: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، وهأنا عرفت قدري، جبان يخاف الموت في المعركة، فآثر السلامة في الكاسيت، وأنا على خلاف زملائي في المهنة -ما زال الكلام له- من مجاهدي الكاسيت أحمد الله على أن جعل البترول ضرورياً للعالم كله، كأنك تلمح إلى عدم انتشار شريطك وسبب ذلك أنك تعزوه إلى صوتك القبيح كما وصفت.
واسمح لي أن أقدم رأياً متواضعاً، فأقول:
أولاً: السعر غالٍ بعشرين هو والكتاب, والمضمون واحد؛ لأن الكتاب مفرغ في الشريط, فالذي يستمع إلى الشريط لا يحتاج الكتاب والذي يستمع الكتاب لا يحتاج إلى الشريط, فلماذا يقرن بينهما في كيس واحد؟
ثانياً: الكتاب سبعون صفحة سميكة ملونة فخمة, منها عشر صفحات بيضاء مائة بالمائة, والباقي يكون في الصفحة أحياناً كلمتين أو ثلاث كلمات أو أربع, فما حاجة القارئ إلى شراء صفحات بيضاء؟ مع أنك تعلم ظروف القارئ المادية والاقتصادية.
وما الحاجة لشريط بصوتك القبيح على أنغام الموسيقى؟!
سؤال أخير: ما معنى نشرك: باقة من الورود.. ما دمت من الزهاد في الشهرة، والزهاد في الشعبية، والزهاد في المنصب، والزهاد في كل شيء إلا فيما عند الله عز وجل؟! فما معنى نشرك في الشرق الأوسط باقة من الورود التي هي تعبير عن الإعجاب بشخصك، فقد احتوت على نشر مجموعة من الرسائل أنقلها باختصار:
- فلان يرجو قبوله مريداً لنا!
الجواب: لن تجد أكثر منا ترحيباً بمريد.
- فلان سمى مولوده باسمنا, وفلانة تصف كلماتنا بأنها جرعة أمن وأمان لنا في هذا الزمن البائس.
وأرسل إلينا فلان قصيدة جميلة، ولا أدري كيف صارت جميلة؟! مطلعها:
سفير المعالي والمفاخر والندى! صارت جميلة لهذا.
وفلان يصف شخصنا المتواضع بالجوهرة.
والأخ الكريم فلان يعتبر ما نكتبه يعبر تعبيراً صادقاً عن شعورنا كسعوديين.
وآخر يرسل رجاءً حاراً هو ألا نمتنع أبداً عن الكتابة.
وعاشر يقول: إن شعور كل واحد أنك إنما تنطق بلسانه وتخط بيمينه.
والعشرون يعبر عن إشفاقه علينا من المخاطر الكبيرة التي نعرض أنفسنا لها.
والثلاثون سمى ولده باسمنا، مثل الأول.
وبعده واحد كتب قصيدتين جميلتين، ولم يذكر أبياتاً من القصائد حتى نشارك في الحكم على جمالهما.
وآخر يخبرنا بأنه يحبنا.
وبعده واحد ينصح باتباع الحذر والحيطة خوفاً من أتباع الطاغية صدام.
والأخت الكريمة فلانة تقول: أنت والله الوحيد ممن يكتبون من يستطيع إثارة مكامن الفكر في نفسي, ولاحظ أنها ليست مكامن الفكر في عقلي، بل مكامن الفكر في نفسي, والذي نعرفه أن الفكر في عقل الإنسان.
وفلان يقول: كل من لا تعجبه كتاباتنا فهو من أنذال العرب.
وفلان يصفه بأنك قائد الكتاب الخليجيين.
وآخر يقول له: لقد أنشدت فأطربت.
والأخ الكريم ع م أ. يستغرب أن تصل لنا رسالة شتيمة واحدة, يقول: إني لم ألمس لك إلا الحب الشديد من كل الناس.
وفلان يقول: عين العاصفة هي الوجبة الدسمة الشهية.
وفلان أرسل لي يقول:
وإذا الفتى بلغ السماء بفضله كانت كأعداد النجوم عداهُ > |
أقول: إن مجتمع الأمة لا يمكن أن تتقبل مثل هذا المديح، ولا أن تتقبل البراءة من حب المديح وحب الشهرة من إنسان ينشر مثل هذه القائمة الطويلة ممن مدحوه وكتبوا له رسائل ثناء وشكر وإطراء.
وعلى كل حال الأمة تعرف مجاهدي الكاسيت كما سميتهم منذ زمن بعيد, وقد بلتهم وجربتهم في المحن والشدائد، فوجدتهم أنهم أخلص الناس لها, وأثبت الناس في المواقف والأزمات وأصدق الناس, وإن كانوا ليسوا بالملائكة ولا بالمعصومين، ولكنهم من أتباع الرسل، وهم الورثة لهذا الميراث النبوي الكريم, وتاريخهم طويل، ولكن لعل اكتشافك لمعرفة الأمة بهؤلاء الرجال, وبأن الأمة لا ترضى بهم بديلاً، ولا يمكن أن تقدم عليهم أحداً, وأنها تلفظ وترفض كل من يناوئهم, هذا الاكتشاف جاء متأخراً، وهو الذي سبب هذا الإزعاج، فظننت أنهم ولدوا في يوم وليلة.
وهذا ما أحببت أن أطرحه بين أيديكم.
الجواب: هذا صحيح, وهي من أهم المطالب التي يطالب بها الإخوة أصحاب التسجيلات, أن يعملوا على إيجاد إصدارات خاصة بالطفل، تراعي السن وتراعي صفاء العقيدة.
الجواب: في الواقع أنه لم يقل أحد من أهل العلم بذلك, بل الأمة كلها مجمعة على جواز استخدامه والانتفاع به، بل هو من أهم الوسائل وأعظم طرق التوثيق؛ فإن الشريط أكثر توثيقاً من الكتاب, من حيث أن الشريط من صوت المتحدث, وقد يختلق كتاب وينسب إلى شخص, لكن الشريط بصوت المتحدث بحيث أنه يسلم من الاختلاق والتزوير.
الجواب: نعم, وهناك محلات -كما قلت- تقوم مجاناً بهذا.
الجواب: كل شيء في وقته وفي مناسبته, هو مناسب في مجال، وغير مناسب في مجال آخر, كونك تأتي في درس علمي -مثلاً- أو محاضرة جادة، وتطرح مثل هذا، فهذا لا يناسب, لكن إذا كان موضوع الشريط يناسب، وإن كان الشريط يخص شخصاً معيناً فلا بد من استئذانه في هذا أيضاً.
الجواب: سبق أن بينت رأيي في الأناشيد, وأنها تجوز بثلاثة قيود:
1- أن تكون سالمة من المعاني الرديئة, سواء المعاني الشركية أم غيرها.
2- أن تكون سالمة من الدفوف والطبول ونحوها.
3- ألا تغلب على الإنسان وتكون هي جل همه.
الجواب: أقول في نظري وهو نظر قاصر لا شك: إنه ينبغي التفريق بين نوعين من الأشرطة، فهناك نوع قام المحل بإعداده وإنتاجه، وتعب فيه وضحى فيه بأموال وأوقات، واستقدم -مثلاً- مشايخ ودعاة، وقام بإعداده حيث أصبح إصداراً، فهذا من حقه أن يملك شيئاً يجعله يستمر في هذا الطريق.
وهناك نوع آخر من الأشرطة سجله كما سجله غيره , فهذا ليس من حقه بحال من الأحوال أن يفرض عليه حقوقاً.
الجواب: هذا صحيح، وقد تكلمت عنه, وينبغي أن يعالج على كافة المستويات.
الجواب: عن طريق الانتقاء والنشر, نحن بحاجة إلى أن نتضافر لنشر الشريط كلنا, كل واحد منا -مثلاً- في حيّه، يتولى الحي بالنيابة عن الجميع يقوم بنشر الشريط في الحي, وآخر في المدرسة يقوم بنشره, وثالث وسط العائلة التي ينتسب إليها, والرابع في مسجده, وخامس وسادس.. بحيث تتضافر جميعاً في نقل الشريط الإسلامي المفيد النافع حتى يسمعه كل إنسان، ونحن نثق بالناس أنهم يسمعون، فإذا سمعوا شيئاً مفيداً تقبلوه وأخذوه, وإن سمعوا شيئاً فيه خطأ ردوه.
الجواب: إن كنت تقصد بحفظها أنك تحفظها عن ظهر قلب, فهذا شيء جيد، أعطاك الله ذاكرة بهذا الأمر, أما أنك تقصد بحفظها في أدراج ودواليب فهو أيضاً أمر آخر حسن, وحتى الأشرطة كلها ما دامت أشرطة إسلامية فحفظها حسن.
الجواب: هذا مطلب جيد, وكان هناك معي رقعة أخرى تطلب نحو ذلك, وينبغي أن يكون هناك حرص على جمع التبرعات أحياناً لشراء كميات كبيرة من الأشرطة وتوزيعها على الشباب وعلى غيرهم, وهذا -كما هو مجرب- من أعظم وسائل الدعوة، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
الجواب: لا أرى ذلك, لا أرى أن الزكاة تصرف في نسخ الأشرطة وبيعها.
الجواب: أولاً: اختيار الشريط, لأن كثيراً من الأشرطة تكون مناسبة لفئة معينة أو طبقة معينة, فيحتاج أولاً: أن يختار الشريط المناسب.
ثانياً: أن ينسخ من هذا الشريط كميات كبيرة.
ثالثاً: أن يتضافر جهد الشباب في هذا المجال, مثل جمع التبرعات من جهة, مثل جمع الأشرطة التي فيها أغانٍ وتحويلها إلى أشرطة مفيدة، واحتساب ذلك عند الله عز وجل.
الجواب: هذه فعلاً من المشكلات, الآن نحن ندخل أماكن كثيرة في كثير من البلاد، فنجد أن البقالة تبيع أشرطة الأغاني وتبيع أشرطة الفيديو, ورأيت هذا بنفسي في أماكن كثيرة, فهناك بقالات كثيرة أو ما يسمونه بالسوبر ماركت, وتبيع جرائد ومجلات وبعض الكتيبات, لكن الشريط الإسلامي يلاحظ أن هناك حرباً عليه, حتى إن بعضهم يلاحقون من يبيعه ملاحقة لا هوادة فيها, وكأنهم يلاحقون مجرماً من المجرمين, وقد رأيتهم بعيني في بعض الأماكن بطريقة غير صحيحة, ويمنعون ذلك ويتابعون من يبيع مثل هذه الأشياء.
وفي الواقع إما أن يطبق النظام على الجميع، والمساواة في هذا الأمر على ما فيها عدالة, وإما أن يكون من حق صاحب أي محل أن يبيع الشريط, ما دام الشريط مرخصاً ومأذوناً فيه؛ كما أن الآخر يبيع أغاني, وكما أن الثالث يبيع جرائد ومجلات، والرابع والخامس.
ولا شك أن هذه الأشياء أولى بأن نتحمس ونسعى إلى الترخيص والنشر فيها من غيرها, وينبغي إذا رأينا أو لاحظنا من أحد القائمين على الأمر التقصير أن نكلمه، فإن استجاب وإلا كلمنا من فوقه، ورفعنا الأمر؛ لأن بعض هؤلاء قد يستغلون بعض الفرص للحيلولة دون انتشار الشريط, وقد يحققون أهواء في نفوسهم وأشياء في ضمائرهم وقلوبهم الله تعالى أعلم بها.
ولا شك أن المؤمن الذي يرغب في نشر الخير, يسره انتشار الشريط والله الذي لا إله إلا هو، بغض النظر عنمن يتكلم، وبغض النظر عن الموضوع, مادام الشريط يتكلم في قضية مفيدة للناس فلينتشر, وإن كان فيه خطأ, فالخطأ يعدل ويصحح، والناس على مستوى أن يفهموا ويدركوا ويميزوا، وهذا أمر جربته بنفسي
تأتيني من الإخوة رسائل كثيرة تدل على النضج والفهم والوعي والقدرة على الإدراك، وأنهم يستطيعون أن يميزوا بين الخطأ والصواب، وأن يضبطوا العبارة، وأن يستدركوا على المتحدث الذي قد يأخذه الحماس أو الاندفاع أو السرعة في الحديث، فيخفى عليه بعض ذلك.
وفي نهاية هذا اللقاء الطيب المبارك أدعو الله تعالى وأتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا, وهو الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد, وهو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور العزيز الحكيم, الذي عودنا كل خير أن يعمنا جميعاً برحمته وتوفيقه وهداه.
اللهم ارحمنا برحمتك وأنت أرحم الراحمين.
اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف الغنى, اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم اهد ضال المسلمين، وردهم إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين, اللهم اهدهم أجمعين, اللهم اهدنا ولا تضلنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأعنا ولا تعن علينا، ووفقنا لما تحب وترضى من الاعتقاد والقول والعمل يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك أوابين، بك مستعينين، عليك متوكلين يا أرحم الراحمين.
اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم عاف مبتلاهم، اللهم صحح أبدانهم، اللهم نور عقولهم، اللهم أصلح قلوبهم، اللهم كثر أموالهم، اللهم حسن أخلاقهم، اللهم اهدهم لما تحبه وترضى يا رب العالمين.
اللهم وفق شبابنا وفتياتنا إلى ما تحب وترضى، اللهم أنجحهم في دراستهم يا حي يا قيوم, اللهم وفقهم في اختباراتهم وامتحاناتهم, اللهم أعنهم، اللهم أصلحهم، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم اجعلهم قرة أعين لآبائهم وأمهاتهم يا حي يا قيوم، واجعلهم قرة عين للإسلام والمسلمين في كل مكان يا حي يا قيوم.
اللهم اهدنا إليك، اللهم لا تفضحنا في الأرض ولا يوم العرض لا إله إلا أنت, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر