الحمد لله الذي جعل هذه الدنيا سجناً للمؤمنين, وجعلها جنة للكافرين, كما صح ذلك عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم, جعل هذه الدنيا سجناً للمؤمنين, بالقياس إلى ما ينتظرهم عند الله تبارك وتعالى من النعيم المقيم, مما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر, وإن كان لهم في هذا السجن من ألوان النعيم والسرور من قربهم من الله، واللذة بمناجاته, والأنس به سبحانه, ما يجعلهم في نعيم لا يقاس به نعيم مما في هذه الدار, وجعل الدنيا جنة للكافرين بالقياس إلى ما ينتظرهم عند الله تبارك وتعالى من النكال والأغلال والحجاب والحرمان, وإن كان لهم في هذه الجنة من ألوان العذاب والنكال والنكد والكبد والشقاء؛ ما يجعلهم في شقاء لا يقاس به شقاء, فقد ذكر الله عز وجل في كتابه هؤلاء الكفار, وما مُتِّعُوا به من الأموال والأولاد, وأن الله عز وجل أراد أن يعذبهم بها في الدنيا قال تعالى: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55] فكل ما أعطوا في هذه الدار فهو شقاء عليهم، مع ما ينتظرهم عند الله عز وجل من ألوان العذاب المعلومة.
ولذلك فإن اللقاء بين المؤمنين في هذه الدار -كما سيتضح لكم- هو نوع من النعيم العظيم, الذي تأنس به قلوبهم في هذه الدنيا, وإن كانوا -كما ذكرت في مقدمة الحديث- في سجن بالقياس إلى ما ينتظرهم في الآخرة.
فالمسلمون على رغم فوارق الزمان والمكان هم من حيث الجملة ممن تقاربت قلوبهم وتآلفت, وهم بالنسبة لغيرهم من الكافرين والمنافقين قد تنافرت معهم قلوبهم، وتباعدت واختلفت أرواحهم, وتناكرت وتباغضت, وبناء على ذلك فإنك لو رأيت من يدعي الإسلام بلسانه, ثم يحب الكافرين ويميل إليهم، فاعلم أنه مسلم شكلاً لا حقيقة, وفي هذا المقام يروي لنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله متى الساعة؟} ونظراً لأن هذا السؤال مما لا ينبغي أن يعلم جوابه إلا الله عز وجل؛ لأنه استأثر بعلم الساعة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صرف السؤال إلى أمر مهم آخر, كان ينبغي أن يُسأَل عنه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: ما أعددت لها؟ قال الرجل: لا شيء, إلا أني أحب الله ورسوله, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت, قال
إنما المقصود بالأزواج هم الأشباه والنظراء، نظراء الإنسان في دينه وطريقه ومنهجه, وقال تعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7], أي: قرنت وحشرت مع أشباهها ونظرائها يوم القيامة.
إذاً من أحببته فاعلم أنك معه في الدنيا والآخرة, فإذا أحببت المؤمنين، فاعلم أنك معهم في الدنيا على الإيمان والعمل الصالح، وأنك محشور معهم إن شاء الله يوم القيامة, ومن أحب الكافرين أو المنافقين أو الفاسقين فشأنه وشأنهم كذلك.
هذه النقطة الأولى التي أحببت أن أجليها لكم في هذه المحاضرة, وهي باختصار أن الله عز وجل خلق الخلق متفاوتين في كل شيء, ومع ذلك جعل أرواحهم متقاربة أو متنافرة, فهي جنود مجندة, أرواح الطيبين والصالحين تحشر زمرة واحدة في الدنيا والآخرة, وأرواح الخبثاء والفاسدين كذلك, هذه هي النقطة الأولى التي أحب أن ننتبه إليها لنبني عليها النقطة الثانية التالية لها.
الأمر الأول: العلم النافع، فعلموا دين الله وشرعه, وفهموا ذلك عن ربهم.
الأمر الثاني: هو العمل الصالح الذي ترتب على هذا العلم، فهم لم يكونوا ممن يتعبدون ويتقربون إلى الله على جهل وضلال وعدم معرفة, ولم يكونوا ممن يعلم ولا يعمل بعلمه فيكون كما قال تعالى: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] بل حققوا دين الله وشرعه في أمرين: في العلم النافع، وفي العمل الصالح, وهما أساس الهدى، كما قال الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33], ولذلك في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه, فيحبه جبريل، ثم يحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض}.
ومحبة الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده, تكون لاستجماع الخصلتين السابقتين اللتين ذكرتهما آنفاً.
وقد نبه وقرر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تقريراً جيداً في كتابه المعروف "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" وهو كتاب مفيد جداً, يحسن قراءته والانتفاع به.
قال: آلله؟
قلت: آلله ثلاث مرات يستحلفه بالله هل أنت صادق في محبتك لي في الله, كلها يؤكد أبو إدريس فيها أنه يحبه في الله - فقال له هذا الرجل: أبشر، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:{ قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ, ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ, ووجبت محبتي للمتباذلين فيّ}
]].إذاً: النقطة الثانية التي نبنيها على النقطة الأولى, هي: أن مجمل المسلمين وإن كانوا في الجملة أمة واحدة, وزمرة واحدة في قلوبهم, إلا أن بين قلوبهم من التفاوت ما بينها، وكلما كان الإنسان أكثر قرباً من الله بالعلم النافع والعمل الصالح؛ كان الصالحون أكثر محبة له؛ نظراً للتشاكل بينهم في الظاهر والباطن.
ونظراً لهذا الأثر العظيم للمحبة في سلوك الإنسان وحياته وآخرته, فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على محبة الصالحين والقرب منهم, في أحاديث كثيرة جداً, لا يتسع المجال لسردها، ولكنني أذكر نموذجاً منها:
ففي الحديث المشهور المتفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الذين يظلهم الله في ظله في يوم لا ظل إلا ظله, وذكر منهم قال: {ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه}.
وأحب أن أنبه في هذا الحديث على نقطتين:
1- أن ننتبه! ما هو الأجر الذي وعد الله عز وجل به على لسان رسوله للمتحابين فيه، والأجر هو أن الله عز وجل يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
إذاً -عود على بدء- كما أن المحبة في هذه الدار هي روضة ظليلة، يحتمي بها المسلم في هذا السجن الكبير وهو الدنيا، يحتمي بها من لأواء الحياة وهجيرها في هذه الصحراء, فهي في الآخرة ظل ظليل يستظل به المؤمنون يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق، ويصل العرق بالناس على قدر أعمالهم, فهذا هو الوعد الذي وعد الله عز وجل به المتحابين فيه.
2- إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: { ورجلان تحابا في الله } لا يعني أن هذا الوعد مقصور لرجلين فحسب من الناس كلهم, بل هو وعد لكل رجلين تحابا في الله, وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم مثلاً: {وشاب نشأ في عبادة الله} لا يعني أنه شاب واحد, بل كل شاب نشأ في عبادة الله وطاعته، فهو موعودٌ بأن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, كما في هذا الحديث.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله عز وجل يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وهنا تجدون أن الوعد في هذا الحديث منطبق مع الوعد في الحديث الآخر, الذي ذكر أن المتحابين في الله يظلهم الله في ظله.
وهكذا تكون المحبة الصحيحة ظلاً ظليلاً في هجير الحياة يفيء إليها المؤمنون, وظلاً في موقف القيامة -كما أشرت- قال الله عز وجل: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63], وقال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:67-68], فهم كما في الحديث الصحيح {لا يخافون إذا خاف الناس, ولا يحزنون إذا حزن الناس}, فهذه هي المحبة الثابتة الدائمة والمستمرة في الدنيا على رغم تقلب الظروف والأحوال, وفي يوم القيامة على رغم شدة الموقف وتفرق الناس وتباعد ما بينهم, ولذلك يقول الشاعر أبو الحسن التهامي في المقارنة بين هذا وهذا:
شيئان ينقشعان أول وهلة ظل الشباب وصحبة الأشرار |
فكما أن المحبة بين الصالحين دائمة في الدنيا والآخرة، فالمحبة أو الصداقة أو الصحبة بين الأشرار هي كالظل الزائل سرعان ما يتغير وينمحي.
هذه هي النقطة الثالثة في هذه المحاضرة وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أهمية المحبة بين الطيبين والصالحين لما لها من الآثار المشهودة في الدنيا والآخرة.
وبين لنا صلى الله عليه وسلم أن القرين السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة, وهذا الحديث رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري، ورواه أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه, فالمرء الذي يجالس الأشرار لا بد أن يكون مثلهم, يقول مالك بن دينار لبعض أقربائه: [[يا
فلذلك على الإنسان أن يبحث عن مثيله في الصلاح، مثيله في الخُلُق, مثيله في الهدي والسمت, بل ومثيله في السن، ومثيله في الاختصاص, وفي كل شيء, وأن لا يقرب من الأصحاب إلا من يكون قربه مقرباً إلى الله تبارك وتعالى.
أما أولئك المتظاهرون بالصداقة، وهم يحبلون الأحابيل للإنسان؛ فإنهم في الحقيقة أعدى أعدائه, يسهلون له طريق الجريمة, ويغرونه بها ويثبطونه عن الخير ويحذرونه منه، حتى إذا وقع الإنسان في الفخ؛ ضحكوا منه وولوا وهم يضحكون، غير مبالين بما صار إليه أمره وشأنه.
إذا كان ود المرء ليس بزائد على مرحباً أو كيف أنت وحالكا |
و القول إني وامق لك حافظ وأفعاله تبدي لنا غير ذلكا |
ولم يك إلا كاشراً أو محدثاً فأفٍ لود ليس إلا كذلكا |
يصور لك نوعية من الأصدقاء يهشون ويبشون في وجهك, ويقولون: كيف أنت وكيف حالك؟ أو إني محب لك حافظ لك, لا يزيد على ذلك, لأنه قرين سوء فلو احتجته في أمر من الأمور, لخيب ظنك، فيقول لك هذا الأعرابي "فأف لود ليس إلا كذلك" ثم يصور حال صديقه فيقول:
لسانك معسول ونفسك بشة وعند الثريا من صديقك مالك |
وهذا نوع من أنواع التباذل فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث القدسي {والمتباذلين فيّ} وهؤلاء هم الطيبون وهم الصالحون وهم قرناء الخير, وقرناء الخير يبذل بعضهم لبعض البشر والمحبة، والكلمة الطيبة والجلسة الطيبة والنصيحة، ولو احتاجه في أمر من الأمور لوجده عند حسن الظن, بخلاف هؤلاء القوم, ولذلك يقول هذا الأعرابي:
وأنت إذا همت يمينك مرة لتفعل خيراً قاتلتها شمالك |
وفي بعض الكتب " قابلتها شمالك".
فنفسه تمنعه من فعل الخير إلى أصدقائه, ولذلك فلا يغرنك أخي الشاب من مدعي الصداقة لينه معك, وتسامحه أول الأمر.
إن رجلاً نصب فخاً -والفخ هو: أحبولة يصاد بها- فجاء العصفور- وهذا الفخ كان فيه أنواع من الحب- فجاء العصفور إلى الفخ, فنظر إليه وإلى الحب الموجود فيه, فقال له: ما غيبك في التراب؟
فقال الفخ: التواضع, قال: مما انحنيت؟
قال: من طول العبادة, فقال: ما هذا الحب الموجود بداخلك؟!
قال: هذا طعام أعددته للصائمين, فلما أمسى وغابت الشمس جاء العصفور إلى الفخ ليلتقط هذا الحب, فخنقته الأحبولة, فقال هذا العصفور وهو يلفظ أنفاسه: "لئن كان كل العباد يخنقون خنقك فلا خير فيهم اليوم.
المقصود من هذه الأسطورة هو أن ينتبه الإنسان إلى أنه لا يكفي في اختيار الصديق, أن يضحك له ويبتسم, أو يكشر في وجهه, أو يقول له الكلام الطيب المعسول، أو يظهر له بعض مظهر الصداقة أول الأمر, بل لا بد أن يبلوه ويختبره ويعرف حسن خلقه, وصدق دينه, وصلاحه واستقامته, قبل أن يتخذه صديقاً, هذه هي النقطة الرابعة وهي كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على صحبة الطيبين والصالحين ومقاربتهم فكذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من صحبة الأشرار ومداناتهم ومجالستهم.
كما أن من آداب الأخوة والصحبة: الاعتدال في الزيارة, فالزيارة كالطعام إن كثر الطعام أصيب الإنسان بالتخمة, وإن قل أصيب الإنسان بالجوع, فكثرة الزيارة تضر وقلتها تضر, وينبغي أن تكون بين وبين, أما ما مقدار الزيارة؟ فمن الأمثلة المشهورة، أن العرب يقولون: "زر غباً تزدد حباً" يعني يوماً بعد يوم, لكن هذا ليس فيه توقيف أن الزيارة فعلاً تكون يوماً بعد يوم, بل هذا يتفاوت بحسب حال المتحابين والمتزاورين في الله, فقد يكون الأنسب بالنسبة لبعضهم أن يبعدوا أكثر من ذلك، والأنسب في حال الآخرين أن يزيدوا على ذلك, فالأمر يتفاوت ولا ينضبط, بل يختلف بحسب حال المتزاورين وما تؤدي إليه الزيارة من تقارب أو تباعد.
وهناك خطر تربوي يقع نتيجة لكثرة القرب وكثرة المزاح, وقد لا أملك أن أعبر عنه تعبيراً دقيقاً أو أن أضع النقاط على الحروف, لكنني سوف أحاول أن أقربه لكم ما استطعت, وذلك أن كثرة المزاح والاحتكاك بالأجسام بين المتحابين وخاصة حدثاء السن، وبالأخص حين يكون فيهم ظرف وخفة, يترتب عليها في كثير من الأحيان نوع من تقارب العواطف والابتذال, بحيث يشعر الإنسان من نفسه، أنَّ مزاحه واحتكاكه بإخوانه وأصدقائه؛ يعود عليه بالضرر, ويثير فيه مشاعر غير طيبة, أو عواطف منحرفة, فالحذر.. الحذر.. خاصة ونحن نعيش في عصر كثرت فيه المثيرات التي تخاطب شهوة الإنسان, وتخاطب جانبه الحيواني, فالإنسان يجد المثيرات في البيت وفي الشارع، وفي المكتبة وفي البقالة وفي كل مكان, فهناك شحنة معينة قد تساعد على تقارب العواطف بصورة غير مرضية, في مثل الصورة التي أشرت إليها.
وهذا الأمر -كما قلت- يجده كثير من الناس أو بعض الناس في بعض الحالات, فحين يجد الإنسان مثل هذه العاطفة، قد تحركت نتيجة مزيد القرب، على الإنسان حينئذٍ أن يبتعد بعض الشيء, ولا يعني هذا أن الإنسان يبتعد بالكلية عن أصدقائه أو يجفوهم, لا, إنما عليه أن يبتعد مسافة تضمن للإنسان استمرار صلته بأصحابه وأصدقائه، وتضمن له السلامة من هذه العواطف المنحرفة التي أشرت إليها.
فعلى الإنسان أن يحرص على أن يكون هاشاً باشاً قريباً من كل أصدقائه, وأن لا يكثر من تمتين العلاقة مع أفراد بحيث يسبب ذلك نوعاً من التنافر عند الآخرين.
والعلاج لذلك يكون بثلاثة أشياء:
1- ما أرشدنا الله عز وجل إليه في كتابه حيث قال عز وجل: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنـزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53].
إذاً فالشيطان ينـزغ بين العباد نتيجة الكلام السيئ, فعلى الإنسان أن يقول الكلام الذي هو أحسن دائماً, واحرص على أن لا يخرج من فيك كلمة تندم عليها تجاه أحد من أصحابك؛ بل تجاه المسلمين، والله المستعان.
2- أن يكون قلب الإنسان مقبرة للأسرار والأخبار والأقوال التي تصل إليه, كل ما وصل إليك من كلام عن أخيك أوصديقك, فاجعل قلبك مقبرة له, لا تقله أصلاً.
3- أن يحسن الإنسان الظن بإخوانه المسلمين عامة، وبأصدقائه المقربين خاصة, فقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حسن الظن وأنه واجب بين المسلمين, وينبغي للإنسان أن يلتمس لأخيه الأعذار ما استطاع، ويحمل عليها ما يبلغه عنه من قول أو فعل, فإذا لم تجد محملاً ولم يطق قلبك ما سمعت من قول أو فعل, فاذهب إلى أخيك وقل له سمعت كذا.. وقد حزّ هذا في قلبي, وأحببت أن تجلي لي الأمر, فإما أن يكون أخطأ فعلاً؛ فيعتذر إليك ويزيل ما في نفسك, وإما أن يكون الأمر وصل إليك بطريقة غير صحيحة، فيزيل اللبس عنك ويبين لك حقيقة الأمر فتطيب نفسك بذلك.
أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من المتحابين فيه, وأن يحشرنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله, وأن يميتنا على الإسلام، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: سبحان الله! من ذا الذي يتألى على الله. في الحديث الذي صححه بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤدبنا وهو المحب لنا, الناصح المشفق علينا، الذي بلغ من حبه لنا ورحمته بنا وعطفه علينا في الدنيا, أنه كان مع أنه بين خير الأصحاب كان يتمنى لقاءنا ورؤيتنا, وفي الآخرة هو بعقر حوضه يذود الناس عنه، ويدعو أمته إليه، فإذا ذيد بعض أمته قال: {يا رب أمتي أمتي} سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المحب المشفق الناصح يقول لنا في هذا الحديث الذي صححه بعض العلماء: {أحبب حبيبك هوناً ما؛ عسى أن يكون بغيضك يوماً ما, وابغض بغيظك هوناً ما؛ عسى أن يكون حبيبك يوماً ما}.
أيها الأخ الذي كتبت هذا السؤال، أحب أن أقول لك: إن معظم من ترى من الناس من حولك الآن وغيرهم, مرت بهم فترة من فترات عمرهم تعلقت فيها قلوبهم بشخص أو بأشخاص تعلقاً شديداً، حتى لا يطيقون فراقهم أو البعد عنهم, ويأنسون بقربهم ويتلذون بمزاحهم وتحسن في عيونهم عيوبهم, ثم مرت الأيام وتفرق الأحباب والأصدقاء وصار الواحد منهم يلقى الآخر في الشارع فيشير إليه بيده في السلام، حتى كأنه لم يعرفه يوماً من الأيام, فرويدك يا أخي بعض حبك لهذا الإنسان أولاً.
ثانياً: هذا السؤال يذكرني بنصيحة ثمينة جداً لأخي السائل ولكل شاب, وهي من بركات كون الإنسان يجعل نفسه في وسط من الناس الطيبين أن يكون تعلقه بواحد منهم, وأنت إذا تعلق قلبك بشخص صالح، كان هذا التعلق مدعاة لأن تستفيد منه علماً وخلقاً وأدباً وصلاحاً, والقلب جعل الله عز وجل فيه عواطف, وكل قلب فيه عواطف, فليس بالضرورة أن هذا الإنسان لا بد أن يتعلق بفلان بن فلان, إنما القلب يكون فارغاً فيتعلق بأي شخص ولذلك يقول الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا |
أي: لو أن قلب الإنسان تعلق بأمه مثلاً ثم تعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وإجلالاً وتعظيماً, ثم تعلق بالصالحين، بل وتعلق برجل من الصالحين يوليه محبة خاصة لا يشعر بها تجاه غيره, لم يعد في القلب متسع لحب كل من هب ودب من القريب والبعيد والصالح والطالح, لكن لأن القلب فارغ أصلاً؛ صار مثل الإناء الفارغ يمكن أن يملأ بأي مادة طيبة أو خبيثة.
كما أن السؤال ينبهني بالجانب الآخر إلى مضرة مقارنة السيئين؛ لأن مقارنتك لهم تجعل قلبك على خطر، أن يتعلق بواحد منهم, فيورثك هذا التعلق مشكلة من جنس هذه المشكلة الموجودة في السؤال, بل قد تتطور المشكلة إلى ما هو أشد من ذلك.
أما العلاج فلعله اتضح من خلال هذه اللمسات التي أشرت إليها: على الإنسان أن يجعل نفسه في محيط أناس طيبين، وأن يثق بأنه سيجد من بينهم -قطعاً- من يستحق أن يوجه مشاعره القلبية إليه؛ فيعطيه الحب والود ويحبه حتى لا يصبر عنه, هذه نقطة.
النقطة الثانية: على هذا الإنسان أن يسير محبته لهذا الشخص تسييراً سليماً, فيحرص على أن يرتفع بمستوى صديقه إلى المستوى الذي يعيشه هو, بل إلى ما هو أرفع من ذلك, وإن أمكن أن ينقل صديقه أيضاً إلى جو صالح وبيئة سليمة فهذا يساعده على تحقيق الصلاح في صديقه.
وأختم توجيهي له بما بدأت به أن أقول له: إياك إياك.. أن يدور في خلدك أن هذه المحبة دائمة مدى الحياة كما زعمت، وكما قيل:" أخبر بقلة ".
وقال المثل الآخر: "عش رجباً ترى عجباً ".
الجواب: دعوة الناس إلى الخير مطلوبة, والمسلم يجب أن يكون إيجابياً في كل المواقف, لأن من لم يغز يُغزَ, فالإنسان الذي يظن أنه يستطيع أن يبقى صالحاً في نفسه غير داع للآخرين إلى الخير الذي هو فيه, فهو واهم، بل لا بد أن يصيبه مما عند الآخرين من شر, إن لم يبادرهم هو بتوجيههم ودعوتهم ونشر الخير بينهم, ولكن حين تشعر أن وجودك في هذا الوسط يعود عليك بالضرر الذي لا يساوي المصلحة المتحققة من ذلك، فعليك حينئذٍ من باب مقارنة المصالح والمفاسد وموازنتها؛ أن تتركهم وتبتعد عنهم, إنما لو رأيت أن بإمكانك أن تصاحب الطيبين والأخيار والصالحين معظم وقتك, ثم تمضي جزءاً من الوقت مع هؤلاء القوم؛ بغرض هدايتهم ودعوتهم والتأثير عليهم، وأنت صادق مع نفسك غير مخادع لها؛ ليست القضية أن تحب وتهوى مجالستهم، ثم تصور لك نفسك الأمارة بالسوء, هذا العمل بأنه بقصد الدعوة, لا, أنت صادق بأن قصدك دعوتهم حينئذٍ لا بأس بهذا العمل, بل هو أمر مطلوب.
الجواب: هناك أحاديث لا تحصى كثرة, عن الرسول صلى الله عليه وسلم لك أيها المسلم أصل من أصول العقيدة التي يبني عليها أهل السنة والجماعة بنيان عقيدتهم, وهذا الأصل هو: الولاء والبراء, الحب في الله والبغض في الله, وما يترتب على الحب والبغض من آثار ومقتضيات, فمحبة الكافرين مر معنا أن من أحب الكافرين حباً كبيراً أو الفاسقين أو غيرهم، فإما أن يكون مثلهم, أو على أقل تقدير أن يكون فيه شبه منهم, لأن الإنسان لا يحب شخصاً أو أشخاصاً إلا لوجود نوع من المشابهة والمشاكلة بينهم وبينه, ومن أحب الصالحين كذلك.
ولذلك مصداق ما ذكرت أن نتصور, أن إنساناً يمضي وفي مشاهدة المباريات الرياضية, سواء على الشاشة أو في الواقع, وبطبيعة الحال هو مستعد أن يضحي بالمال, بل وبما هو أغلى من المال وهو الوقت.
والوقت أثمن ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع |
مستعد أن يضيع المال وما هو أثمن من المال وهو الوقت, وربما يصل الحال أن يضيع شيئاً من دينه، فيؤخر الصلاة عن وقتها ويعيش في بيئات رديئة, كل ذلك تضحية من أجل مشاهدة مباراة رياضية, هذا الإنسان الذي عمل هذا العمل بغض النظر عن أي شيء، نستطيع أن نقول: في هذا الإنسان شعبة من الشر، شعبة من عدم الاهتداء بهدي الله واستنان بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم, وهذه الشعبة شابه فيها هذا الإنسان هؤلاء القوم فأحبهم, ولست أقول: كل من شاهد مباراة في الشاشة أو في الواقع, أو كل من لعب أيضاً أنه منحرف أو فاسد, كلا, فنحن لا ينبغي أن نفسق الناس أو نكفرهم بالجملة, ولا بالتفصيل أيضاً, بل الأصل أن المسلم مسلم غير فاسق حتى يثبت كفره أو فسقه.
ولكنني أقول كما ذكرت: إن هذا الإنسان فيه شعبة من مشابهة هؤلاء القوم, أورثته نوعاً من المحبة لهم, وحين يتخلص من هذه الشعبة، وتصبح اهتماماته الكروية على الأقل ثانوية، سيجد أن قلبه بدأ يخلو من محبة هؤلاء القوم, بل بدأ يشعر بالرثاء لهم على ما يضيع من أوقاتهم ومن أعمارهم في أمور لا طائل تحتها.
الجواب: لا، بل هذا من حبه لله ورسوله, فمن أحب الله أحب كل ما يتصل بدينه وشرعه, أحب البقاع المحبوبة لله, وأحب الأشخاص الذين هم أقرب إلى الله زلفى, وأحب القرآن، وأحب كل ما يحبه الله, فهذه المحبة تقربه من الله وهي من حبه لله.
الجواب: أولاً: يجب أن نعلم أن التذبذب من أصول النفاق, ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تميل إلى هذه تارة وتميل إلى هذه أخرى}, فإذا وجد إنسان يميل مع الصالحين تارة، ومع غيرهم أخرى، ففيه شبه أو شعبة من شعب النفاق, ولذلك على الإنسان أن يعالج نفسه ويجاهدها, والتذبذب يكون على أنواع:
فهناك أناس تذبذبهم فطري, وهناك نوع من الازداوجية في شخصياتهم نتيجة لعوامل وراثية مثلاً, أو نتيجة تأثيرات تربوية في مرحلة الطفولة, أو لأسباب أخرى كثيرة , فتجد الإنسان بشخصيته ذا وجهين, يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه, بل أحياناً يكون إذا جلس مع الطيبين انبسط وارتاح ليس يجاملهم أو ينافقهم, وإذا ذهب مع ضدهم كذلك, فهذا الإنسان عليه أن يدرك أن العلاج يحتاج إلى جهد من نفسه، يعالج فيها أمراً عميقاًفي قلبه, ويحتاج إلى بعض الأصدقاء الذين يحيطون به أن ينصحوه بذلك, وأن ينبهوه أولاً بأول على أخطائه المتعلقة بهذا الأمر, ويحرص على أن يحيطوه بجو طيب يعيد تشكيل شخصيته تشكيلاً صحيحاً قدر الإمكان.
وهناك نوع آخر من الازدواجية ليس بهذا العمق, وإنما هو ناتج عن أن الإنسان لم يجد أصدقاء طيبين في فترة من فترات حياته, فعاش في وسط غير طيب, وتعلق وترك هذا الوسط بعض الآثار في نفسه, فهذا النوع من الازدواجية أو التذبذب أمره أهون، ويتم بعملية الإبدال التي أشرت إليها, وهي طريقة نفسية صحيحة, أن يبدل الإنسان هؤلاء الأصدقاء بأصدقاء طيبين، ويحرص أيضاً على أن يرفع أصدقاءه الآخرين إلى المستوى المطلوب, ويمكن أن يستعين ببعض أصدقائه الصالحين في هذه المحاولة.
الجواب: ليس في الأصل إشكال حتى يحتاج إلى توفيق, لأن كون المتحابين يحشرون في ظل العرش على منابر من نور, لا يحزنون إذا حزن الناس, ولا يخافون إذا خاف الناس, لا يعني أنهم بدرجة واحدة, أهل الجنة درجات متفاوتة, والجنة كما في الصحيح {مائة درجة} فكونهم يشتركون في أمر عام لا يعني تساويهم في هذا الأمر، كما إنهم في هذه الدنيا على رغم اشتراكهم في الإسلام, واشتراكهم في المحبة من حيث الجملة, مع ذلك فهم متفاوتون فيها تفاوتاً بعيداً كما ذكرت, فليس في القضية أصلاً أي إشكال, وأقربهم إلى الله أشدهم حباً لصاحبه في الله.
الجواب: لا تصادقه, إلا أن تدعوه إلى الله وتصلح مما هو فيه.
الجواب: الوسائل كثيرة, منها تمثيل مقتضيات المحبة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر في الحديث الصحيح الذي ذكرته, ثلاث مقتضيات:
أولاً: التزاور في الله.
ثانياً: التجالس في الله.
ثالثاً: التباذل في الله.
فزر أخاك زيارة في الله, واجلس معه جلسة لله, وابذل له ما تستطيع في سبيل الله, وهو أيضاً مخاطب بنفس الكلام, عليه أن يزورك في الله ويجالسك في الله, ويبذل لك ما يستطيع في سبيل الله, فإذا وجد هذا وجدت هذه المقتضيات الظاهرة، وتحققت المعاني القلبية للأخوة, والمقتضيات الظاهرة أوسع من ذلك, لأني ذكرت حقوقاً كثيرة، فثق أن كل عمل ظاهر تقدمه لأخيك؛ يزيدك في قلبه منـزلة, صحيح أن هناك من الناس من يتحابون على رغم أنه ليس بينهم أي علاقة -كما أشرت- أيضاً ربما تحب إنساناًوأنت لم تره من قبل, لكن هذه حالات, إنما الوضع الطبيعي أنك كلما تحسن إلى الإنسان؛ تتقرب إليه وتترسخ مودتك في قلبه, والشاعر يقول:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ |
نحن لا نريد استعباد القلوب لغير الله، لكن المقصود أن الإحسان يقربك إلى قلب أخيك, على أخيك أن يحسن إليك وعليك أن تحسن إلى أخيك, كما أن هناك وجهاً آخر لهذه المسألة، وهو أن على الإنسان أن يتجنب كل ما يعكر صفو العلاقة, قد تجد أن أخاك يكره نوعاً ما من المزاح, فلا تثقل عليه فيه, ويكره شيئاً معيناً فلا تضايقه فيه, ولو على سبيل المزاح.
الجواب: من يخلو من الخصال السيئة حتى تصادقه, ما منا أحد إلا وفيه من الخصال ماالله به عليم, ولو عرف كل إنسان ما في الآخر من العيوب التي لا يعلمها؛ لزهد فيه.
من رحمة الله عز وجل أنه أوجد بين المسلمين قدراً من المحبة يجعل الواحد يحسن الظن بالآخر، حتى يدعوه إحسانه الظن إلى الاستفادة منه في العلم والعمل والعبادة وغير ذلك, فوجود خصلة سيئة أو خصلتين في شخص ما, لا تعني تركه أو مباعدته، ولكن حيث علمت بهذه الخصال فعليك أن تعالجها بالأسلوب المناسب.
الجواب: الأخوة في الله هي في حقيقتها نوع من المشاكلة ظاهراً وباطناً, فالمسلمون من حيث الجملة بينهم قدر أو كما يقال بينهم قاسم مشترك من الصفات أوجد بينهم المحبة الإسلامية العامة, وكل مجموعة أو زمرة يوجد بينهم قواسم مشتركة أخرى، فيوجد بينهم أيضاً مزيد من المحبة والتعاطف أكثر وأكثر, وهكذا.
فالمشاكلة في الهدي الظاهر مثل التشاكل في الملبس، مثلاً تتشاكل الجنود في ملابسهم, أو التشاكل في الاختصاص أو الهيئة, أو في غير ذلك, فهذا يورث الإنسان مشاكلة لمن هم على زمرته, كذلك التشاكل في الاسم.
بمعنى أن الإنسان حين يكون داخل زمرة لها اسم معين مثل الكشافة أو الجوالة مثلاً هذا يعطيه نوعاً من مشابهتهم في عدد من الخصال والأخلاق, ولذلك تجد بينهم قواسم مشتركة كثيرة.
أما التشاكل في الهدي الباطن فيعني: التقارب بالخلق، بالدين، بالعلم، بالمنهج بغير ذلك من القضايا, وهذه هي الأخوة في الله.
أما النواحي العاطفية فهي كما قلت أمر موجود ولا يمكن تجاهله, لكن على الإنسان أن يوجهه الوجهة السليمة، ويجعله في إطاره الصحيح، ولا يندفع وراء العاطفة المحضة, بل يترك للعاطفة مجالها وللعقل مجاله.
الجواب: لعلك أجبت على سؤال يدور في ذهن بعض الإخوة, فكنت أتوقع أن يسأل أحد يقول: هل معنى ذلك أن الأخلاء والمتحابين في الله أفضل من الأنبياء وأفضل من الشهداء, حتى يغبطهم النبيون والشهداء؟!
هذا السؤال يمكن أن يثار, والجواب عليه جاء من ضمن السؤال, لأننا نقول: إن الشهداء والأنبياء هم متحابون في الله أيضاً، فلهم في الغالب وخاصة الأنبياء قطعاً -أما الشهداء في الغالب لهم نفس الأجر المذكور في الحديث- لهم نفس الأجر؛ لأنهم هم أرقى درجات المتحابين في الله, وكذلك الشهداء في الغالب, إذاً هم يغبطون الإنسان لأنه حصل هذه المرتبة بجهد أقل مما بذل, إلا أن فضل الله عز وجل, أوصله إلى تلك المرتبة.
فالمحبة في الله هي بحد ذاتها عمل عظيم أوصلت الإنسان إلى هذا المكان, وإلى هذا الفضل على رغم أنه لم يبذل في الظاهر جهداً كبيراً ليرشحه لهذه المنـزلة لولا فضل الله, فلذلك هم غبطوه، وغبطتهم لا تعني أنهم لم يصيبوا أو لم يصبهم هذا الأجر, هذه نقطة.
النقطة الثانية: إن تميز الإنسان عن بعض الناس بأمر من الأمور لا يعني فضله عليهم من كل وجه, فقد يقول قائل: بالنسبة للأنبياء عرفنا أنهم أفضل من الناس من كل وجه, لكن بالنسبة للشهداء قد يكون بعض المتحابين في الله أفضل من بعض الشهداء من وجه, وهو أنهم حققوا من معاني الأخوة في الله ما لم يحققه هؤلاء الشهداء فيكونون تفوقوا على الشهداء بمنـزلة، وهي منـزلة المتحابين في الله, لكن أيضاً الشهداء تفوقوا عليهم بمنـزلة أخرى وهي منـزلة الشهادة التي لم يدركها هؤلاء المتحابون, والشهيد له -كما تعرفون- ست خصال: يغفر له مع أول قطرة من دمه, ويزوج من الحور العين, ويشفع في أهل بيته إلى غير ذلك من الفضائل الموعودة لمن يستشهد في سبيل الله عز وجل.
الجواب: أولاً: على كل إنسان طيب ألاَّ يهرب من أي إنسان مسلم فيه خير, بل عليه أن يبذل له -كما ذكرت- النصح، ويكون معه إيجابياً , فالهروب ليس أسلوباً ولا طريقة.
لكن عليك أن تبحث وتفتش في نفسك، لماذا يهرب الناس منك؟!
الناس لا شك أن تقوله صحيح، فالناس يهربون لوجود عيوب معينة تنفر الناس عنك, فعليك أن تبحث عن عيوب نفسك, وأن تكون مستعداً لتلافيها والتخلص منها, وأن تكون مستعداً لسماع النصح والملاحظة من غيرك.
وأنبه أنه عليك أن تتأكد من صدق ملاحظتك, فبعض الناس يكون عنده عقدة الشعور بالنقص, فيخيل إليه -أحياناً- أن الناس لا يحبونه, وأنهم ينفرون منه, أو يسخرون منه, والحقيقة أن هذا الأمر غير صحيح، وإنما هو يصور أو يتصور تصرفات بهذا الشكل، فعليه أن يتأكد من صدق هذه الملاحظة فإن كان فيها صادقاً, فعليه أن يبحث عن العيوب التي توجب النفور منه, كما أن على أي عبد صالح أن يحب الصالحين والمقبلين على الخير, وينصح لهم ما استطاع.
الجواب: مر خلال الحديث ذكر الوسائل, وعلى الإنسان أن لا تكون قضية الرياضة هي أكبر همّ يواجهه الآن, على الإنسان أن يحرص على تكوين بيئة طيبة صالحة يعيش فيها, حتى لو بقي عليه بعض النقائص التي يتمنى أن يتخلص منها, فلا تجعل همك الوحيد هو فقط أن تتخلص من نقص أو عيب معين, اجعل همك أن تبدل البيئة السيئة المحيطة لك ببيئة صالحة تعينك على الخير, وتحثك عليه, وتثبطك عن الشر وتنهاك عنه, وستجد أن وجودك في هذه البيئة يزيد من حسناتك وفضائلك ومناقبك، ويقلل من عيوبك ونقائصك شيئا فشيئاً, وتصور إنساناً فضائله تزيد وعيوبه تنقص لا بد أن يتحول ولو بعد فترة إلى إنسانٍ صالحٍ مستقيم, وقد يكتب الله عز وجل على يد هذا الإنسان خيراً للإسلام والمسلمين.
الجواب: بر الوالد مطلوب وواجب فيما ينفع ولا يضر الإنسان في دينه أو دنياه, لكن مثل هذه القضايا التي سأل عنها الأخ قضايا نسبية تتفاوت من حال إلى حال, ومن شخص إلى شخص, ونحن لا نعرف الآن بالضبط ما هي صفة الشخص الذي تصادقه ويطلب أبوك منك تركه, ولا ما هي صفة الشخص الذي يطلب أبوك أن تصادقه مثلاً! فلو عرفنا ذلك لأمكن لنا أن نحكم أن الأولى أن تبين لأبيك أن هذا أحسن أو تصادق هذا.
لكن على الإنسان حين يرى شخصاً صالحاً ينفعه قربه أن يقاربه, وحين يرى شخصاً سيئاً يضره قربه أن يباعده, وهذه هي القاعدة العامة، ولو أمرك أبوك مثلاً أن تصادق منحرفاً؛ فلا شك أن هذا لا يحوز لك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر