إسلام ويب

الميزان المقلوبللشيخ : عمر الأشقر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد وضع الله سبحانه وتعالى موازين ربانية لتفاضل الناس بعضهم على بعض، ورسخ هذه الموازين في نفوس المؤمنين، فالمؤمن بالله ورسوله خير من ملء الأرض من الأمريكان الكفار، والمؤمن التقي خير من المسلم الفاسق دون نظر إلى البلد الذي ينتمي إليه هذا أو ذاك.

    1.   

    الميزان الشرعي للتفاضل بين الناس

    أكرم الناس عند الله أتقاهم لله تعالى

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

    فقد ورد في بعض الأحاديث: (أن رجلاً مر بالرسول صلى الله عليه وسلم فسأل صحابياً عنده: ما تقول في هذا؟ -وكان رجلاً وجيهاً في قومه، وصاحب مال، وله مكانة في نفوس أهل الدنيا- فقال: هذا حري إن خطب أن يزوج، وإن شفع أن يشفع، ثم مر رجل آخر فقير فسأله عنه فقال: هذا حري إن خطب ألا يزوج، وإن شفع ألا يشفع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل ذاك) أو كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.

    فالرسول صلى الله عليه وسلم يضع في هذا الحديث ميزاناً لأهل الدنيا يختلف عن الموازين التي يقيسون بها، ويزنون بها، فمن موازين أهل الدنيا مثلاً: أن هذا أفضل من ذاك؛ لأنه من أسرة معروفة مشهورة؛ ولأنه صاحب مال وسلطان؛ أو لأنه يملك الدنيا؛ ولأنه في أهله وفي عشيرته وفي أهل بلده آمر مطاع، فهذا ميزان ومكيال يقيس به بعض الناس، لكن هناك موازين شرعية يتفاضل بها العباد والناس، فهذا صاحب دين، وهذا صاحب الصلاة، وهذا قارئ للقرآن، وهذا من الذين يقومون بالليل، وهذا من الذين يقولون الحق ولو كان مراً، وهذا من الدعاة إلى الله تبارك وتعالى، فهذه موازين أخرى يتفاضل بها الناس إذا كانوا مسلمين.

    والرسول صلى الله عليه وسلم يقرر للناس أن يكونوا مستقيمين مع موازين الإسلام.

    فهذه قضية من أخطر القضايا في شريعتنا وفي ديننا، وهي أن يقيس المسلم الأمور بالمقاييس والموازين الشرعية، فالأحكام التي يصدرها الإنسان تؤثر على سلوكه وأفعاله وتوجهاته تأثيراً كبيراً، وليس تأثيراً سهلاً.

    ولذلك ينبغي للمسلم وهو في سلم الأولويات وفي سلم القيم والموازين أن يتنبه كثيراً وهو يلقي الأحكام، حتى في الأعمال: فهذا فاضل وهذا أفضل، وحتى في الأشخاص: فهذا حسن وهذا قبيح.

    التسوية بين الخالق والمخلوق من الجور

    وقد وجه الله تبارك وتعالى أنظار عباده إلى أمور كثيرة في هذه القضية، فأصل الشرك: هو التسوية بين الخالق والمخلوق، وهذا لا يليق أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [النحل:17] فالخالق والمخلوق لا يستويان، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59].

    وينبغي للإنسان ألا يسوي بين من سوى وخلق وأبدع، فهو القادر القاهر العليم الخبير الحكيم، وبين آلهة لا تملك لنفسها شيئاً، ولا تملك نفعاً ولا ضراً، فلا تعطي ولا تمنع، ولا تخفض ولا ترفع، فالله تبارك وتعالى هو الإله الحق، فلا يجوز أن يسوى بخلقه، ولذلك أنكر الله تبارك وتعالى على المشركين الذين اتخذوا أنداداً من دون الله يحبونهم كحب الله فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] أي أنهم سووا بينهم وبين الله في المحبة، أي: محبة العبودية، فسووا بينهما في هذه المحبة، فالله تبارك وتعالى أنكر عليهم ذلك، وبين أن المسلمين المؤمنين الصالحين تميزوا بأن محبتهم لله تبارك وتعالى أعظم؛ لأنهم يحبون الله وحده، ولا يحبون معه شريكاً، ولا يحبون معه نداً، بل يخلصون له الدين، ويخلصون له العبادة، ومن جملة ذلك المحبة لله تبارك وتعالى، فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165].

    تفضيل بعض الأعمال على بعض عند الله تعالى

    وفي تفاضل الأعمال أنكر الله تبارك وتعالى على الذين فضلوا عملاً على عمل هو في ميزان الله أفضل، ومن ذلك قوله تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:19]، فالله ينكر على طائفة جعلت سقاية الحاج وعمارة المسجد أفضل من الإيمان به واليوم الآخر، والمفسرون مختلفون في الذين قالوا ذلك، فقيل: إنهم فئة من المؤمنين، وقيل: بل هم المشركون، والمهم أن هناك مقولة تقول: إن عمارة المسجد الحرام، وسقاية الحاج أفضل من الإيمان بالله، وأفضل من الجهاد في سبيل الله، فالله تبارك وتعالى أنكر ذلك؛ لأنه حكم يخالف حكم الله تبارك وتعالى، وهذا من جانب.

    وجانب آخر: أن الإنسان كما يقال: أسير أفكاره ومعتقداته، فإذا اعتقد هذا فسيتجه إلى بناء المساجد وعمارتها، وسيترك الجهاد والعمل، مع أن عمارة المسجد الحرام فضيلة وعمل خير، وسقاية الحاج عمل طيب كذلك، ولكن هناك ما هو أفضل في ميزان الله وأكمل، قال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:19]، فهما عملان فاضلان لكنهما في ميزان الله لا يستويان.

    قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20]، وهذا صنف من الناس متميز في ميزان الله تبارك وتعالى، فالذي يترك معتقداته وموروثاته، ويخالف ما عليه الناس، ويؤمن بالله تبارك وتعالى، ويترك أهله ووطنه مهاجراً إلى الله ورسوله، ويجاهد في سبيل الله بماله ونفسه راغباً فيما عند الله تبارك وتعالى، هذا الصنف في ميزان الله أعظم درجة عند الله، وهذا هو الصنف الفائز في ميزان الله تبارك وتعالى.

    وقال تبارك وتعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177]. وهذه فئة من الناس تهتم بالأمور الشكلية في موازينها وفي أحكامها وتصرفاتها، كما ناقش اليهود والمشركون المسلمين عندما حولت القبلة، بقولهم: كنتم تتجهون إلى جهة الشمال إلى بيت المقدس ثم توجهتم إلى جهة الجنوب إلى مكة، فالله تبارك وتعالى قال: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177].

    فهذه هي حقيقة البر، وهذه هي الأعمال الفاضلة في ميزان الله تبارك وتعالى، وهنا تناقشوا في اتجاه الإنسان أثناء صلاته إلى الشمال وإلى الجنوب، فعندما يأمر الله تبارك وتعالى بأن تتجه إلى بيت المقدس فسيكون البر الحقيقي أن تطيع الله تبارك وتعالى وتتجه إلى بيت المقدس، وعندما يأمر الله تبارك وتعالى أن نتجه إلى المسجد الحرام فسيكون البر أن تطيع أمر الله تبارك وتعالى، فالقيمة ارتبطت بالأمر الإلهي الرباني، وارتبطت القيمة بأمر الله تبارك وتعالى بهذا الفعل فأصبحت الاستجابة لهذا الفعل بر وخير؛ لأنك تعبد الله تبارك وتعالى، ومن هذا المنطلق ما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما خاطب الحجر الأسود: والله! إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.

    فالقيمة الحقيقية أن هذا أمر إلهي رباني، وتشريع إلهي، فنحن لا نعبد الأحجار عندما نطوف بالكعبة، ولا نعبد الحجر الأسود عندما نقبله، وإنما نعبد الله تبارك وتعالى بالاستجابة له إذ أمرنا أن نطوف بالكعبة ونتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاءنا به عندما نقبل الحجر الأسود.

    فالقيمة الحقيقية إنما هي في طاعة الله وطاعة الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

    فالبر هو: عمل الخير الحقيقي والذي يتمثل في هذا، فليس هو في جوانب شكلية كالاتجاه إلى المشرق أو المغرب، فالمشرق لله والمغرب لله، فإذا وجهنا إلى المشرق نتجه، وإذا وجهنا إلى المغرب نتجه.

    إذاً: هناك أحكام ينبغي أن يتنبه الإنسان لها عندما يصدرها، وألا يسوي بين الأمور المتناقضة أو يفرق بين الأمور المجتمعة، وأن يصدر في موازينه وفي أحكامه عن قواعد الشريعة الإسلامية، وعن القيم التي تقرها الشريعة الإسلامية، وقد أنكر الله كما رأينا في كثير من آياته على الذين يسوون بين الأمور المختلفة، ويسوون بين الخالق والمخلوق، أو يفضلون أعمالاً على أعمال.

    وكذلك في الحكم على البشر قال تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ [القلم:35-38].

    فيقرر الله تبارك وتعالى أن الإنسان المؤمن الصالح والمجرم الكافر الذي يعادي الله لا يستويان في ميزان الله تبارك وتعالى، لكي يتبين المسلم هذه القضية في الأحكام وفي سلم الأولويات حتى لا يضل، فالضلال قد يكون كبيراً إذا سوى الإنسان بين الخالق والمخلوق مثلاً، وأحياناً يكون أقل إذا ما فضّل عملاً على عمل فإن له نتائج سلبية في واقع الأمور والحياة.

    فالبعد عن هذه المفاهيم ألقى الضلال على نفوس المسلمين في كثير من القضايا، وليس في قضية واحدة.

    والإنسان الفاضل عند المسلمين: هو من يفقه دينه، لكن صاحب العقيدة المشوشة، والمفاهيم المغلوطة، يعتقد أن الكافر أعظم من المسلم، فالبريطاني والأمريكي والفرنسي في نفسه عظام، مع أن ميزان الله تبارك وتعالى يقول عنهم: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179].

    فالإنسان المسلم الخير الفاضل يساوي ملء الأرض من الكافرين، بل هؤلاء كما يخبر الله: حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء:98].

    1.   

    وجوب تفضيل ما فضله الله وعدم مخالفته

    إذاً: هناك أحكام ينبغي أن يتنبه الإنسان لها عندما يصدرها، وألا يسوي بين الأمور المتناقضة أو يفرق بين الأمور المجتمعة، وأن يصدر في موازينه وفي أحكامه عن قواعد الشريعة الإسلامية، وعن القيم التي تقرها الشريعة الإسلامية، وقد أنكر الله كما رأينا في كثير من آياته على الذين يسوون بين الأمور المختلفة، ويسوون بين الخالق والمخلوق، أو يفضلون أعمالاً على أعمال.

    وكذلك في الحكم على البشر قال تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ [القلم:35-38].

    فيقرر الله تبارك وتعالى أن الإنسان المؤمن الصالح والمجرم الكافر الذي يعادي الله لا يستويان في ميزان الله تبارك وتعالى، لكي يتبين المسلم هذه القضية في الأحكام وفي سلم الأولويات حتى لا يضل، فالضلال قد يكون كبيراً إذا سوى الإنسان بين الخالق والمخلوق مثلاً، وأحياناً يكون أقل إذا ما فضّل عملاً على عمل فإن له نتائج سلبية في واقع الأمور والحياة.

    فالبعد عن هذه المفاهيم ألقى الضلال على نفوس المسلمين في كثير من القضايا، وليس في قضية واحدة.

    والإنسان الفاضل عند المسلمين: هو من يفقه دينه، لكن صحاب العقيدة المشوشة، والمفاهيم المغلوطة، يعتقد أن الكافر أعظم من المسلم، فالبريطاني والأمريكي والفرنسي في نفسه عظام، مع أن ميزان الله تبارك وتعالى يقول عنهم: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179].

    فالإنسان المسلم الخير الفاضل يساوي ملء الأرض من الكافرين، بل هؤلاء كما يخبر الله: حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء:98].

    1.   

    مقياس التفاضل في ميزان الإسلام هو التقوى

    ومن الأخطاء التي وقع فيها المسلمون: المفاضلة بين المسلمين على غير الموازين الشرعية، فيفضله عندما يكون الإنسان مواطناً في بلد كالكويت، أو كالأردن أو كمصر، لأن المواطنة تجعله أفضل من غيره ولو كان لا يفقه ولا يعلم شيئاً، بل ينبغي أن يكون التفاضل في ميزان الإسلام بالتقوى والصلاح والخير، وأن تزال القيم الدنيوية: هذا غني وهذا ثري، وهذا وجيه، وهذا ابن فلان، فتجعله في أعين الناس أفضل من غيره، ثم أضيف إلى ذلك المواطنين، فهذا أفضل؛ لأنه كويتي، أو لأنه عند الفلسطينيين فلسطيني، ولأنه عند المصريين مصري.

    فهذه كلها من العصبية الجاهلية التي ما أنزل الله تبارك وتعالى بها من سلطان قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

    والأخوّة يتفاضل الناس فيها بالإيمان والعمل الصالح، ومن أجل ذلك حثنا الإسلام عندما يكون الخاطب صالحاً أن نزوجه مهما كان جنسه أو لونه، فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه)، فقال: ( دينه وأمانته) وما قال: إذا كان فلسطينياً وإذا كان كويتياً وإذا كان مصرياً، فهذه تقسيمات جغرافية، أما البشر فهم البشر، عقولهم وأفكارهم ومكوناتهم وأصولهم كلها واحدة، وإنما التفاضل عند الله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

    وقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وما قال: أن يكون جنسها كذا، أو لونها كذا، أو من البلد الفلاني.

    فـأبو جهل من مكة، وأبو لهب من مكة، وهل هناك مكان أفضل من مكة؟ ومع ذلك فهما حطب جهنم كما قال تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد:1-2].

    وعبد الله بن أبي من المدينة رأس المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وهو من المدينة.

    و سلمان من فارس وهو من خيرة صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    و بلال من الحبشة ولونه أسود وهو من خيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

    فينبغي أن نتنبه لذلك، وخاصة المسلمون الذين يأتون إلى المساجد ويقيمون الصلاة ويذكرون الله ويعظمونه، فينبغي أن يتنبهوا لهذه القضايا، وهذه عصبيات جاهلية تذبح الإسلام في نفوس المسلمين، وتضعف الإسلام في نفوسهم، فينبغي أن تكون موازيننا وقيمنا وأحكامنا نابعة من إسلامنا وعقيدتنا.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    الالتزام بأوامر القرآن وتطبيقها عمليّاً

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.

    لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً لهذا القرآن الكريم، فقد كان قرآناً يتحرك ويمشي؛ لأنه جسَّم هذا القرآن في نفسه، ولذلك فإن أحكامه صلوات الله وسلامه عليه وتصرفاته كانت مجسمة لهذه المعاني التي ذكرتها، وعندما كان يغفل في بعض الأحيان كان يأتي القرآن لينبهه وليذكره.

    ومن جملة ذلك: عندما لم يلتفت إلى الأعمى وهو عبد الله بن أم مكتوم عندما جاءه يسعى ويقول: يا رسول الله! علمني، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولاً بسادة قريش يرجو إسلامهم لعل الله يعز بهم الإسلام، فلم يلتفت إلى الأعمى وهو يقول له: يا رسول الله! علمني، فنزل القرآن معاتباً رسوله صلى الله عليه وسلم: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ [عبس:1-11].

    ولذلك فقد جاءت جماعة في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهم خليط من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن سادة قريش الذين آمنوا من الطلقاء وغيرهم، فأذن لهؤلاء الفقراء المساكين بلال وعمار وصهيب وغيرهم ولم يأذن للسادة إلا متأخراً فغضبوا، فقال أحدهم: والله! ما فاتكم من الأجر أعظم.

    وهذا تفضيل في الدنيا، أما التفضيل عند الله فشيء آخر، فعليكم بالجهاد.

    فقد انطلق عمر أيضاً من فهمه لهذا الميزان، فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لهم مكانة ومنزلة خاصة عند المسلمين، وينبغي للمسلم كذلك أن يتبين أمره في مثل هذه الأمور وألا تأخذه عصبية جاهلية، أو قيمة دنيوية فيضل أو يضل.

    اللهم! اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.

    اللهم! أرنا الحق حقاً وارزقناً اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

    اللهم! اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755946997