إسلام ويب

الباحثات عن السرابللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

    فنحمد الله تبارك وتعالى أن جمعنا وإياكم في هذا المقام الطيب المبارك، ونسأله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المقام أن يجمعنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر، إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.

    معشر الإخوة الكرام!

    قد يختار المرء حين يطلب منه الحديث، وتتسابق أمامه الموضوعات والعناوين، فلا يدري أيها يختار، خاصة أن هذا الدرس جاء عارضاً ولم يكن في البرنامج ابتداءً، ولهذا أردت أن أتحدث وإياكم في موضوع أشعر أننا نحتاج إليه جميعاً، ألا وهو: آفات الأخوة.

    لقد جاء الإسلام والناس في جاهلية جهلاء، تسود بينهم الفتن والصراعات، وعلاقات الناس وصلاتهم كلها كانت على أسس جاهلية، تنبثق من حياتهم ونظرتهم للحياة، فالقبلية والعنصر والجنس هو الأساس الذي كان المرء يؤاخي عليه، فيعادي عليه ويوالي عليه، ويقيس الناس من أجله ويزنهم بهذا الميزان، فهو لا يملك إلا هذا الميزان وحده، ولا يملك إلا هذه الصنجة التي يقيم بها الناس، وامتن الله سبحانه وتعالى على أولئك الذين كانوا:

    لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً

    الذين كان منطقهم:

    وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد

    امتن الله عليهم بنعمة الإسلام وأخوة الإيمان: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103]، وكما أن الأخوة في الله سبحانه وتعالى والمحبة من أجله رباط يربط المؤمنين في الدنيا، فهي شجرة باسقة أصلها ثابت، ويجد الناس ثمراتها في الدنيا والآخرة، وهي ليست قضية سلوكية، ولا قضية من قضايا الآداب والأخلاق، بل هي كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان)، فأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

    فقضية الأخوة بين المؤمنين، والولاء والبراء على أساس هذا الدين، وعلى أساس هذا الإيمان، وعلى أساس الطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم هي قضية أبعد من أن تكون مجرد هدف من الأهداف أو خلق من الأخلاق، وإن كان كل ما يشعر المسلم أنه من عند الله عز وجل فهو قضية محترمة وقضية معظمة، لكن هذه القضية قضية تتعلق بالمعتقد.

    فأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله والتآخي من أجله، ولما كانت بهذه المنزلة كان المسلمون بحاجة إلى أن يتعاهدوا هذه النبتة وأن يراجعوها وأن يبحثوا عن حقوق الأخوة وآدابها ولوازمها حتى يفوا بها، وفي المقابل أن يبحثوا عن آفاتها حتى يحموا هذا البنيان، ويحموا هذه الشجرة الطيبة بإذن الله من أن تنحرف أو تضل.

    وحين ترد الآفات على هذا الرباط وهذه الصلة فإنها قد تهوي به وتقضي عليه كله، وقد تبقيه على دخنه.

    وقد يشعر المسلم برابطة الصلة والأخوة مع أخيه، لكن يبقى هناك من الإحن والدخن ما يحتاج إلى مراجعة، وما يحتاج إلى أن يعيد بنيان هذه الأخوة مرة أخرى، وأن يعيد موازينه ونظرته وحبه وبغضه، وقد تتسبب هذه الآفات لا في هدمها أو في بقائها على دخن ، قد تتسبب في انحرافها حتى تصبح أخوة لغير الله، ومحبة لغير الله، ويوهم صاحبها نفسه أنه يحب في الله، ويؤاخي من أجل الله.

    وهذا مع ما تعانيه الأمة من التفرق والتشرذم، وإعادة النعرات الجاهلية، ومن تعالي الصيحات من قبل أولئك الذين يريدون أن يعيدوها جذعة، تارة باسم القبيلة، وأخرى باسم الوطن والقطر، وثالثة باسم الإقليم، ورابعة باسم انتماء حزبي، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، هي الأخوة على غير الله، والمحبة على غير الله عز وجل.

    وفي هذا الواقع الذي أصبحت تعاني منه الأمة، أصبح المسلمون يعيشون شذر مذر، والأخ يعادي أخاه، وربما يسعى في سفك دمه، ومع هذا الواقع البئيس بدأ هذا الجيل المبارك -جيل الصحوة- يعيد هذه المفاهيم من جديد، فأصبحنا نراه يتجاوز كل هذه الرابطة الجاهلية، فيشعر أن الذي يربطه بزيد هو المحبة في الله، والأخوة في الله، وأن الذي يفصل بينه وبين عمرو هو بغضه في الله؛ لأنه معرض عن الله عز وجل، فصار كما قال صلى الله عليه وسلم: (يحب المرء لا يحبه إلا لله)، صارت محبته وبغضه وولاؤه وعداؤه لأجل الله عز وجل.

    ومع هذا الإنجاز والتصحيح والصحوة لا بد أن يكون ثمة ثغرات، ولا بد أن يكون ثمة عيوب، وهي ليست بحال شهادة طعن في هذه الأخوة، ولا في هذا النشء المبارك، فيكفيه ذخراً وفخراً أن أحيا هذا المنطق بعد أن نسيته الأمة، بل حتى كادت الأمة أن تنسى مصطلح الأخوة في الله، والحب في الله، والبغض في الله، ومن أحيا سنة قد أميتت فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.

    مع ذلك لا بد من التثبيت والتصحيح وتلمس الثغرات لتقويمها قبل أن يكتمل البنيان على عوج وعلى خلل، ومن ثم كان الحديث عن آفات الأخوة.

    1.   

    سؤال يفرض نفسه حول السفور ودوافعه

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

    فأسأل الله تبارك وتعالى أن يكون هذا اللقاء لقاءً طيباً مباركاً، وأن يكون هذا المجلس في موازين حسناتنا يوم نلقاه، وأن يثيب كل من كان سبباً في إقامة مثل هذا المجلس المبارك.

    حديثنا أيها الإخوة والأخوات كما سمعتم عن الباحثات عن السراب:

    حين يتيه المرء في الظهيرة وسط الصحراء يتبدى له أثر ضوء الشمس على أنه ماء زلال، وكلما اقترب منه ابتعد هذا الماء، وهكذا يجري وراءه يريد إدراكه فيكون أسرع منه، إنه السراب الذي يتبدى للإنسان بصورة يحبها، وحين يبلغه يجده هباء لا حقيقة له.

    حين نتأمل واقع الناس اليوم نرى عجباً، نرى الرجل يختار اللباس الواسع والساتر لجسده، بينما تسعى المرأة لاختيار لباس من نوع آخر.

    والسؤال الذي يفرض نفسه: هل هذا السفور يرتبط بدافع وعامل موضوعي أم هو وضع اجتماعي تسايره المرأة؟

    هل الأصل في المرأة أن تكون سافرة مبدية لمفاتنها، أم الأصل أن تكون محجبة مستترة؟

    لماذا لا تسير المرأة على سجيتها وطبيعتها؟ بل لماذا تتسابق الأزياء الحديثة في مقدار ما تبديه من مفاتن المرأة وجسدها؟ بل على حساب انطلاقها في سيرها وصحتها؛ فكثير من الملابس الضيقة التي ترتديها النساء لها آثارها الصحية التي لا تخفى، أليست صورة من الرغبة في استثارة الآخرين؟

    كانت الفتاة في بلاد المشرق مستترة محتشمة، وما أن جاء المستعمر إلى بلاد المسلمين بنفسه وبعد ذلك بإعلامه، حتى سارت الفتاة في طريق نساء الغرب، وصرت حين تلقاهن في الأماكن العامة لا تفرق بينهن وفتيات الغرب إلا بلون البشرة، فما الذي يدعو الفتاة المسلمة للسفور؟ وما الذي يمنعها من الحجاب؟

    في هذا اللقاء المبارك بإذن الله سأسعى للإجابة على هذا السؤال، وأملي من أختي الكريمة الإنصات والمتابعة، والله قد جعل لها عقلاً تميز به ما تسمع وما تقرأ، فإن رأت خيراً قبلته، وإن رأت غير ذلك فلن يملي أحد على أحد اقتناعاته.

    إن حديثنا أيها الإخوة والأخوات حديث لتلك الفتاة التي اختارت طريق التبرج والسفور، ورفضت أن تلتزم بهذا الحجاب، وهو حديث أيضاً لتلك الفتاة التي أخذت الحجاب صورة، فارتدت حجاباً تعتقد أن فيه استجابة لأمر الله، بينما هو يبدي مفاتنها فصارت أقرب ما تكون إلى وصف النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (صنفان من أمتي لم أرهما قط: نساء كاسيات عاريات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) ارتدت في ظاهرها الحجاب لكن تفننت في إبراز مفاتن جسمها ما بين لباس ضيق، وما بين أجزاء تبديها من هنا وهناك، فغاب المعنى الذي شرع من أجله هذا الحجاب.

    وهو أيضاً خطاب للفتاة الصالحة المتدينة التي تنطلق داعية لأخواتها، فهي بحاجة إلى أن تعي ما يفكر به هؤلاء، فالفتاة الصالحة رسولة خير إلى أخواتها، إنها حين تعي واقع هؤلاء النسوة فإنها ستكون أقدر على دعوتهن والتأثير عليهن.

    وهو خطاب للآباء والمصلحين حتى يعوا هذه الظاهرة المؤلمة في مجتمعات المسلمين.

    1.   

    موعظة فتاة

    وأختم حديثي بهذه القصة: عادت الفتاة الصغيرة من المدرسة، بعد وصولها إلى البيت لاحظت الأم أن الابنة قد انتابها الحزن، فاستوضحت من ابنتها عن سبب هذا الحزن فقالت: أماه! إن مدرستي هددتني بالطرد من المدرسة بسبب هذه الملابس الطويلة التي ألبسها.

    الأم: ولكنها الملابس التي يريدها الله يا ابنتي.

    قالت الفتاة: نعم يا أماه! ولكن المدرسة لا تريده.

    قالت الأم: حسناً يا ابنتي، المدرسة لا تريده والله يريد، فمن تطيعين؟ أتطيعين الله الذي أوجدك وصورك وأنعم عليك أم تطيعين مخلوقة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً.

    فقالت الفتاة: بل أطيع الله.

    فقالت الأم: أحسنت يا ابنتي وأصبت.

    وفي اليوم التالي ذهبت تلك الفتاة بالملابس الطويلة وعندما رأتها معلمتها أخذت تؤنبها بقسوة، فلم تستطع تلك الصغيرة أن تتحمل ذلك التأنيب مصحوباً بنظرات صديقاتها إليها، فما كان منها إلا أن انفجرت بالبكاء ثم هتفت تلك الصغيرة بكلمات كبيرة في معناها قليلة في عددها: والله لم أدر من أطيع أنت أم هو؟

    فتساءلت المدرسة: ومن هو؟ فقالت الفتاة: الله، أطيعك أنت فألبس ما تريدين وأعصيه هو.

    فطلبت المعلمة استدعاء أم تلك الطفلة، ماذا تريد منها؟ جاءت الأم فقالت المعلمة للأم: لقد وعظتني ابنتك هذه أعظم موعظة سمعتها في حياتي.

    إن المدينة يابنتي تبقى محصنة أمينة ما دامت الأسوار تمنعها بأعمدة متينة، فإذا هوت جدرانها نفذ العدو إلى المدينة.

    أسأل الله تبارك وتعالى أن يمن على نسائنا بالستر والعفاف، وأن يجعلهن مؤمنات صالحات قانتات، وأن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من الفجور والفساد والسوء إنه سميع مجيب.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755948941