إسلام ويب

كتاب الصلاة [24]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله لعباده الجمع بين الصلاتين، فيجوز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في مزدلفة وعرفة، وورد عنه صلى الله عليه وسلم الجمع بين الصلاتين من غير سفر ولا مطر ولا مرض. كما شرع الله عز وجل لعباده صلاة الخوف وقد جاءت لها في السنة النبوية صور كثيرة، جميعها تدل على يسر الشريعة الإسلامية، وأهمية المحافظة على الصلاة حتى عند لقاء العدو.

    1.   

    جواز الجمع بين الصلاتين

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    الفصل الثاني في الجمع، يعني: الجمع بين الصلاتين، وهو: الجمع بين الظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً، والجمع بين المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً.

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما الجمع فإنه يتعلق به ثلاث مسائل:

    إحداها: جوازه.

    والثانية: في صفة الجمع.

    والثالثة: في مبيحات الجمع.

    أما جوازه فإنهم أجمعوا على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سنة.. ]، فهذا أجمع عليه العلماء كلهم يعني: أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر(جمع تقديم) سنة، ويرى الأحناف أنه نسك من مناسك الحج [ وبين المغرب والعشاء بمزدلفة أيضاً.. ] جمع تأخير [ في وقت العشاء سنة أيضاً.

    واختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين، فأجازه الجمهور.. ] وهم الأئمة الثلاثة ما عدا أبا حنيفة، [ على اختلاف بينهم في المواضع التي يجوز فيها من التي لا يجوز، ومنعه أبو حنيفة وأصحابه بإطلاق ] وقالوا: لا يجوز الجمع إلا في عرفة أو في مزدلفة.

    سبب اختلافهم في جواز الجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم:

    أولاً: اختلافهم في تأويل الآثار التي رويت في الجمع، والاستدلال منها على جواز الجمع; لأنها كلها أفعال وليست أقوالاً ] يعني: أنما ورد في الجمع عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي أفعال، وأما القصر فوردت أفعال وأقوال؛ فلهذا أول الحنفية هذه الأفعال بأنها إما جمع صوري أو نحو ذلك، وقالوا: إن الجمع لا يجوز [ والأفعال يتطرق إليها الاحتمال كثيراً أكثر من تطرقه إلى اللفظ.

    وثانياً: اختلافهم أيضاً في تصحيح بعضها ] أي: بعض الأحاديث، فالحنفية قالوا: إنها ليست بصحيحة.

    والاحتمال في الأفعال يعني: على أنها قد تكون جمع صوري، وليست جمعاً حقيقياً.

    [ وثالثاً: اختلافهم في إجازة القياس في ذلك ] لأن الجمهور قالوا للحنفية: أنتم قلتم بجواز الجمع في عرفة ومزدلفة، فكذلك يجوز الجمع في السفر [ فهي ثلاثة أسباب كما ترى.

    أما الآثار التي اختلفوا في تأويلها، فمنها حديث أنس الثابت باتفاق أخرجه البخاري و مسلم قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر.. ) ] يعني: جمع جمع تأخير [ ( ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب ). ] وهذا يدل على أن الظهر يجمع معه العصر.

    [ ومنها حديث ابن عمر أخرجه الشيخان أيضاً، قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء ).

    والحديث الثالث: حديث ابن عباس خرجه مالك و مسلم قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر ) ] وهذا الحديث متفق عليه، ويفيد ثلاثة أحكام: حكم بالمنطوق وحكمين بالمفهوم.

    أما الحكم الذي بالمنطوق فهو أنه صلى من غير أن يكون هناك عذر، وهو عذر الخوف أو السفر الذي ورد في الآية: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101].

    وهذا الحديث أيضاً يفيد حكماً آخر، وهو الجمع للحاجة أو الشغل، وهذا حكم بالمنطوق.

    وأما الحكمان اللذان بالمفهوم فهما أنه يجوز الجمع للخوف والسفر، وسيأتي الكلام على الجمع لأجل المطر.

    [ فذهب القائلون بجواز الجمع في تأويل هذه الأحاديث ] تأويلها يعني: بيان معناها [ إلى أنه أخر الظهر إلى وقت العصر المختص بها وجمع بينهما ] يعني: جمع تأخير.

    [ وذهب الكوفيون إلى أنه إنما أوقع صلاة الظهر في آخر وقتها، وصلاة العصر في أول وقتها على ما جاء في حديث إمامة جبريل .. ] فإذا قلنا أنه لا يجوز تقديم الصلاة على وقتها، كما لا يجوز تأخيرها عن وقتها، وقلنا بجمع التأخير على أساس أنه لا يجوز أن تقدم الصلاة بتكبيرة الإحرام قبل الوقت، فلو سبقت تكبيرة الإحرام قبل العصر كانت الصلاة باطلة. وإذا قلنا أن جمع التقديم أو جمع التأخير كان جمعاً صورياً بحيث ينتهي من آخر الظهر في آخر الظهر، وتكبر تكبيرة الإحرام في أول العصر ولا تقدم تكبيرة الإحرام، فهل يستطيع أحد القيام بهذا الجمع الصوري؟!

    فهذا الجمع الصوري لا يعقل؛ لأنه يتطلب معرفة جدول الأوقات، وأما جبريل فهو يعرف الأوقات.

    لكن في هذه الأيام قد يعتمد على أذان المؤذنين، ويمكن من يريد الجمع الصوري أن ينتظر خمس دقائق قبل أن يؤذن العصر ثم يصلي الظهر، وعندما يؤذن للعصر يبدأ بصلاة العصر ويكون قد جمع بينهما جمع تأخير.

    لكن إذا كان في سفر وهو يريد أن يجمع جمعاً صورياً، فمن أين له مؤذن؟!

    فلا بد له من أن يأخذ جدول الأوقات، ولا بد له من أن يأخذ ساعة، ويعرف الوقت ويقدر صلاته بأنه ينتهي من الظهر في آخر الوقت، ويبدأ في العصر في أول الوقت، وهذا فيه مشقة كبيرة أكثر من الصلاة في أوقاتها، لاسيما والمسافر سينزل نزلة قليلة يصلي فيها ويمشي.

    فهذا الجمع الصوري بعيد جداً، بعضهم يقول به ولكنه بعيد جداً.

    [ قالوا: وعلى هذا يصح حمل حديث ابن عباس .. ] يعني: الأحناف قالوا: أنه كان جمعاً صورياً وسيأتي الآن بما استدل به الأحناف فقال: [ لأنه قد انعقد الإجماع أنه لا يجوز هذا في الحضر لغير عذر، أعني: أن تصلى الصلاتان معاً في وقت إحداهما ] يعني: أن الأحناف يقولون: أنه انعقد الإجماع أنه لا تصلى صلاتان معاً، فكل صلاة في وقتها [ واحتجوا لتأويلهم أيضاً بحديث ابن مسعود قال: ( والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا في وقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع ) ] فهذا والله أعلم نفي، ولكن لا يلزم من النفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى هذه الصلوات، فالمثبت مقدم على النافي.

    [ قالوا: وأيضاً فهذه الآثار محتملة أن تكون على ما تأولناه نحن ] أي: قال الأحناف أن هذه الآثار محتملة أن تكون على ما تأولناه [ أو تأولتموه أنتم ] أي: الجمهور، فقد تكون من المجمل.

    [ وقد صح توقيت الصلاة وتبيانها في الأوقات، فلا يجوز أن تنتقل عن أصل ثابت بأمر محتمل ] يقول: إن الأوقات شيء متفق عليه بين الجمهور والحنفية، والجمع شيء مختلف فيه بين الجمهور والحنفية، فالأولى للجمهور أن يوافقوا الحنفية؛ حتى لا يدخلوا في الأمر المختلف.

    [ وأما الأثر الذي اختلفوا في تصحيحه.. ] ولكنه صحيح، وهو الذي يلزم الحنفية أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع، ولا يمكنهم تأويله، ولكن قد يؤولوه بأنه صوري.

    وقالوا: إن الحديث ضعيف.

    [ فما رواه مالك .. ] يعني: في الموطأ، وكذلك أخرجه مسلم وليس هناك حديث في مسلم تريد أن تطلبه إلا تجده في مظن ذلك الحديث، إلا هذا الحديث لم يأت به مسلم في مظنه، ما أتى به في باب الجمع، ولا في باب السفر، وإنما أتى به في المغازي..

    [ من حديث معاذ بن جبل : ( أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج، فصلى الظهر والعصر جمعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً )، وهذا الحديث لو صح؛ لكان أظهر من تلك الأحاديث في إجازة الجمع; لأن ظاهره أنه قدم العشاء إلى وقت المغرب، وإن كان لهم أن يقولوا إنه أخر المغرب إلى آخر وقتها، وصلى العشاء في أول وقتها; لأنه ليس في الحديث أمر مقطوع به على ذلك، بل لفظ الراوي محتمل ].

    هذا الحديث يفيد أحكام، منها أن فيه رد على من قال: إنه لا يجمع إلا إذا اشتد به السير وسيأتي عند مالك أنه لا يجمع إلا إذا اشتد به السير، أما إذا كان المسافر نازلاً في بلد فإنه لا يجمع.

    وفيه كذلك أن المسافر يقصر الصلاة ما دام حكم السفر منطبق عليه.

    [ وأما اختلافهم في إجازة القياس في ذلك ] يعني: أن الجمهور قاسوا جمع السفر على جمع مزدلفة وعرفة [ فهو أن يلحق سائر الصلوات في السفر بصلاة عرفة والمزدلفة، أعني: أن يجاز الجمع قياساً على تلك، فيقال مثلاً: صلاة وجبت في سفر، فجاز أن تجمع، أصله جمع الناس بعرفة والمزدلفة ] هذا القياس [ وهو مذهب سالم بن عبد الله ، أعني: جواز هذا القياس، لكن القياس في العبادات يضعف.

    فهذه هي أسباب الخلاف الواقع في جواز الجمع ] يجوز الجمع لأسباب كثيرة مثل السفر والمرض والشغل.. وكذا.

    1.   

    صفة الجمع

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثانية: وهي صورة الجمع، فاختلف فيه أيضاً القائلون بالجمع أعني: في السفر.

    فمنهم من رأى أن الاختيار أن تؤخر الصلاة الأولى وتصلى مع الثانية ] السنة أن تجمع جمع تأخير [ وإن جمعتا معاً في أول وقت الأولى جاز ] لكن الأولى أن تصلى جمع تأخير [ وهي إحدى الروايتين عن مالك ، ومنهم من سوى بين الأمرين، أعني: أن يقدم الآخرة إلى وقت الأولى أو يعكس الأمر، وهو مذهب الشافعي ] و أحمد ، ويدل عليه حديث معاذ وفيه أنه جمع جمع تقديم وجمع جمع تأخير [ وهي رواية أهل المدينة عن مالك ..

    والأولى رواية ابن القاسم عنه، وإنما كان الاختيار عند مالك هذا النوع من الجمع; لأنه الثابت من حديث أنس ] وقد تقدم تخريجه في الفصل الثاني [ ومن سوى بينهما.. ] يعني: بين التقديم والتأخير [ فمصيراً إلى أنه لا يرجح بالعدالة، أعني: لا تفضل عدالة عدالة في وجوب العمل بها ] يعني هل يقدم على حديث معاذ الذي فيه جمع التقديم وجمع التأخير، حديث أنس الذي فيه جمع التقديم فقط، أو أن الحديثين كليهما صحيحان، فلا تقدم عدالة على عدالة.. والجواب لا تقدم عدالة على عدالة.

    [ ومعنى هذا أنه إذا صح حديث معاذ وجب العمل به كما وجب بحديث أنس .. ] وحديث معاذ صحيح [ إذا كان رواة الحديثين عدول، وإن كان رواة أحد الحديثين أعدل ].

    الراجح في صفة الجمع

    والراجح القول بالتخيير في التقديم والتأخير لصحة الخبرين.

    1.   

    الأسباب المبيحة للجمع

    سبق معنا أن السفر ينقسم إلى طاعة ومعصية ومباح، فسفر طاعة مثل: الحج، ومباح مثل: البيع والشراء، ومعصية كالذي يذهب من الحديدة إلى صنعاء ؛ لأنه أعلن أن هناك حفل راقصات سيقام في صنعاء، وتحضره الراقصة الفلانية، فهذا يسمى سفر معصية، وسبق معنا في باب الجمع أن الشافعية قالوا: لا يجوز له أن يقصر، ولكن نحن رجحنا القصر؛ لأنا رجحنا أن القصر عزيمة، فلما رجحنا أن القصر عزيمة، رجحنا أنه يقصر وإن كان مسافراً لمعصية.

    وهنا سنرجح العكس، وهو أنه لا يجمع، بل يقصر ولا يجمع، لأن الجمع متفق عليه أنه رخصة وليس بعزيمة، والرخص لا تناط بالمعاصي.

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثالثة: وهي الأسباب المبيحة للجمع.

    فاتفق القائلون بجواز الجمع على أن السفر منها، واختلفوا في الجمع في الحضر ] يعني: اختلفوا في الجمع في الحضر، أي: هل يجوز الجمع في الحضر أو لا يجوز؟ [ وفي شروط السفر المبيح له ] أي: ما هو السفر المبيح للجمع؟ يعني: هل سفر الطاعة فقط؟ أو المباح؟ أو الطاعة والمباح؟ أو المعصية ..؟

    [ وذلك أن السفر منهم من جعله سبباً مبيحاً للجمع، أي سفر كان وبأي صفة كان ] ولو كان معصية [ ومنهم من اشترط فيه ضرباً من السير، ونوعاً من أنواع السفر.. ] فقال بعضهم: لا يجوز الجمع إلا إذا اشتد السير، وقال بعضهم: أن يكون السفر مباحاً، وبعضهم قال: أن يكون طاعة، فهذه ثلاثة أقوال، وبعضهم أجازه مطلقاً، مباحاً، معصية، اشتد السير أو لم يشتد.. إلى آخره.

    [ فأما الذي اشترط فيه ضرباً من السير فهو مالك في رواية ابن القاسم عنه، وذلك أنه قال: لا يجمع المسافر إلا أن يجد به السير، ومنهم من لم يشترط ذلك وهو الشافعي ] و أحمد [ وهي إحدى الروايتين عن مالك ] فقالوا: لا يشترط أن يجد به السير، قلنا: ويدل عليه حديث معاذ [ ومن ذهب هذا المذهب فإنما راعى قول ابن عمر : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير.. ) الحديث ] من رأى هذا القول، يعني: قول مالك الأول، فالضمير عائد إلى قول مالك الأول.

    [ ومن لم يذهب هذا المذهب فإنما راعى ظاهر حديث أنس وغيره ] مثل حديث معاذ.

    الراجح في مسألة الأسباب المبيحة للجمع

    والراجح هو جواز الجمع وإن لم يجد به السير؛ لحديث معاذ عند مسلم في جمعه في غزوة تبوك.

    قال ابن قدامة في المغني (2/202): (وفي هذا الحديث حديث معاذ أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الرد على من قال: لا يجمع بين صلاتين إلا إذا جد به السير؛ لأنه: كان صلى الله عليه وسلم يجمع وهو نازل غير سائر، ماكث في خبائه، يخرج فيصلي الصلاة جمعاً، ثم يرجع إلى خبائه، والأخذ بهذا الحديث متعين لثبوته، وكونه صريحاً في الحكم ولا معارض له؛ ولأن الجمع رخصة من رخص السفر، فلم يختص بحالة السير، كالقصر والمسح) يعني: المسح على الخفين، فلا يقال: لا تمسح إلا إذا كنت مسافراً؟ أو لا تقصر إلا إذا كنت سائراً؟

    الاختلاف في نوع السفر الذي يجوز فيه الجمع

    قال المصنف رحمه الله: [ وكذلك اختلفوا كما قلنا في نوع السفر الذي يجوز فيه الجمع.

    فمنهم من قال: هو سفر القربة كالحج والغزو، وهو ظاهر رواية ابن القاسم .

    ومنهم من قال: هو السفر المباح.. ] يعني: المباح والواجب [ دون سفر المعصية، وهو قول الشافعي ] و أحمد ، فقالوا: لأن الرخص لا تناط بالمعاصي.

    1.   

    الجمع في الحضر

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما الجمع في الحضر.. ] سندخل في الجمع في الحضر، وتكلم عليه كثيراً [ لغير عذر، فإن مالكاً وأكثر الفقهاء لا يجيزونه، وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر.. ] فقالوا: كأنها تشترك في وقت واحد، وعليه جماعة من أهل البيت [ و أشهب من أصحاب مالك ].

    سبب الاختلاف في الجمع في الحضر

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم حديث ابن عباس ، فمنهم من تأوله على أنه كان في مطر.. ] لأنه قال: (من غير خوف ولا سفر)، وسكت عن المطر ولكن في رواية: (من غير خوف ولا سفر ولا مطر) كما قال مالك .

    [ ومنهم من أخذ بعمومه مطلقاً ] فقال: يجوز الجمع.

    [ وقد خرج مسلم زيادة في حديثه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( في غير خوف ولا سفر ولا مطر ) ] ثم أني وجدت: ولا مرض، ( من غير خوف ولا سفر ولا مطر ولا مرض ) أتذكر أني وجدتها قديماً وأنا أطالع، والآن رجعت إلى المراجع فلم أجدها، فما أدري إن كانت ذاكرتي خانتني؟ فقلت: لعلي أخطأت فيه! والله أعلم! لكن هناك حديث في جواز الجمع لأجل المرض [ وبهذا تمسك أهل الظاهر ] فقالوا: إنه يجوز الجمع مطلقاً.

    الجمع في الحضر لأجل المطر

    [ وأما الجمع في الحضر لعذر المطر، فأجازه الشافعي ليلاً كان أو نهاراً.. ] يعني: بين الظهر والعصر [ ومنعه مالك .. ] و أحمد [ في النهار، وأجازه في الليل.. ].

    ابن عباس يقول: ( إنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء )، فأخذوا شطراً من الحديث وتركوا شطراً؛ فلهذا هنا يكون الإمام أحمد في مذهبه ضعف؛ لأنه أخذ بشطر وترك شطر..

    فالحاصل أن الشافعي أجاز الجمع ليلاً كان أو نهاراً؛ عملاً بالحديث وإعمالاً لجزأيه، ومنعه مالك و أحمد فأخذوا جزءاً من الحديث فعملوا به وتركوا صدره.

    [ وأجازه أيضاً في الطين دون المطر في الليل.. ] أي: مالك ومثله أحمد [ وقد عذل الشافعي مالكاً في تفريقه.. ] أي: أحجه في تفريقه [ من صلاة النهار في ذلك وصلاة الليل؛ لأنه روى الحديث.. ] أي: مالك [ وتأوله، أعني: خصص عمومه من جهة القياس.. ] قال: لأن القياس يقتضي ألا نجمع في النهار؛ لأن الشمس واضحة، والمطر قد يزول، وليس هناك تعب كالليل، فلا يجمع في المطر في النهار، فخص حديث ابن عباس بأنه لا جمع في النهار، بالقياس.

    [ وذلك أنه قال في قول ابن عباس : ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر ) أرى ذلك كان في المطر.. ] قال مالك : أرى ذلك كان في المطر؛ لأنه في هذه الرواية ليس هناك: ولا مطر [ قال: فلم يأخذ بعموم الحديث ولا بتأويله.. ] يعني بعموم الحديث على أنه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولا بتأويله على أنه جمع من غير عذر.

    [ أعني: تخصيصه ] (فلم يأخذ..) يحتمل أن يكون كلامه: ولم يأخذ بعمومه أنه جمع من غير عذر، ولا بتأويله، أي: تخصيصه بالظهر والعصر والمغرب والعشاء [ بل رد بعضه وتأول بعضه.. ] (بل رد بعضه)، وهو الجمع بين الظهر والعصر، (وتأول بعضه)، وهو الجمع بين المغرب والعشاء، وقال: للمطر.

    [ وذلك شيء لا يجوز بإجماع ] فالمؤلف منصف لم يتعصب لمذهب مالك .

    [ وذلك أنه لم يأخذ بقوله فيه: ( جمع بين الظهر والعصر ) وأخذ بقوله: ( والمغرب والعشاء )، وتأوله ].

    احتجاج الإمام مالك بعمل أهل المدينة

    وهنا سيتكلم في مسألة طويلة من هنا إلى آخر الكلام! وهذه المسألة لا تعلق لها بالدرس وإنما هي من المسائل الأصولية، وأنا أطرح سؤالاً قبل أن أدخل فيها وهو لو جاء رجل في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كذا، فنقول له: هل عمل بهذا القول أهل المدينة؟! هل عمل به أبو بكر حتى نعمل به؟! فهل نكون متبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

    الجواب: لا؛ لأنه إذا صح الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا فلا يقال: هل عمل به أحد من الصحابة؟! هل قاله أهل المدينة؟! فهذا الكلام يعتبر رداً للسنة.

    الشيخ: أو أن يقال: هذا الحديث هل سمعه أحد غيرك وأنت تعتقد أنه صحيح؟ وهل انتشر نقله عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فلا تكون بذلك متبعاً للسنة إلا في حالة واحدة.

    إن كان الحديث فيما تعم به البلوى فمثلاً لو قال إنسان يعرف صدقه وأمانته: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا.. فعل كذا في الصلاة.. وكان هذا الحديث مما تعم به البلوى فلا يجوز أن يأخذه عنه حتى يسأل جماعة كثيرين من الصحابة، هل نقل هذا الحديث عن رسول الله؟

    والحاصل أنه لو جاء بكلام فقال: هذا يسن، فيقال له: هل نقلته عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو نقله أحد غيرك؟ فإن قال: لا، فنقول: لو كان ذلك صحيحاً لنقل، وأما ما تعم به البلوى فهذا لا يرد به الحديث، إنما تعم به البلوى، أو لم يعمل به أحد من الصحابة لا يرد به حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنا لو قلنا: لم يعمل به أحد من الصحابة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بعث بمكة ما عمل أحد بكلامه، فيكون المسلم الأول مخير بين الإسلام ومن بعده ملزم بالإسلام.

    فهنا الكلام سيدور حول رد السنة بإجماع أهل المدينة أو إجماع أهل البيت أو عموم البلوى.. أو غير ذلك، وهذا لا يصح؛ وأنا أتعجب من رأي الإمام مالك لما قال له المعتصم : ننشر كتابك؟ قال له: إن السنة قد انتشرت، وهنا يقول: عمل أهل المدينة، لكن- والله أعلم - قد لا يعد إجماع أهل المدينة رداً لسنة، وإنما يقال: إن إجماع أهل المدينة وتناقلهم يدل على أن لديهم سنة ناسخة لهذا، أو مقدمة على هذا.

    [ وأحسب أن مالكاً - رحمه الله - إنما رد بعض هذا الحديث; لأنه عارضه العمل، فأخذ منه بالبعض الذي لم يعارضه العمل، وهو الجمع في الحضر بين المغرب والعشاء على ما روي: أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء، جمع معهم، لكن النظر في هذا الأصل الذي هو العمل كيف يكون دليلاً شرعياً؟ فيه نظر.. ] هذا فيه نظر، والنظر أنه لو أن إنساناً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فقيل له: هل عمل به فلان؟! فإن هذا يكون رداً للسنة، وعملاً بغير عمل الرسول صلى الله عليه وسلم.

    [ فإن متقدمي شيوخ المالكية كانوا يقولون: إنه من باب الإجماع.. ] وليس بإجماع [ وذلك لا وجه له، فإن إجماع البعض لا يحتج به، وكان متأخروهم يقولون: إنه من باب نقل التواتر.. ] إذاً يقولون: إن عمل أهل المدينة من باب نقل المتواتر، والحديث الذي خالفهم يكون آحاداً، وإذا تعارض المتواتر والآحاد قدم المتواتر، فيقولون: عمل أهل المدينة لا يحصره العد [ ويحتجون في ذلك بالصاع.. ] يعني صاع المدينة، والصاع موجود إلى الآن في المدينة ويباع كيله، يعني محتفظين به.

    [ وغيره مما نقله أهل المدينة خلفاً عن سلف، والعمل.. ] ثم رد عليهم فقال: [ والعمل إنما هو فعل، والفعل لا يفيد التواتر إلا أن يقترن بالقول فإن التواتر طريقة الخبر لا العمل.. ] وقلنا: إن المتواتر من شروطه أن يكون خبراً، وأن يكون مستنده الحس، يعني: سمعت، رأيت، طعمت ولمست.. كذا، ومن هنا نقول: إن الفعل من الحواس، مدرك بالحواس، ما يكون مستنده بالعقل، كما يقول العالم القديم.. لأنهم ... العقل، فلاسفة، وإن كانوا كثيرين.

    [ فإن التواتر طريقه الخبر لا العمل، وبأن جعل الأفعال تفيد التواتر عسير بل لعله ممنوع ] يعني: أن تذهب إلى أهل المدينة واحداً واحداً وتراهم يعملون هذا.

    احتجاج الإمام أبي حنيفة بما تعم به البلوى

    ثم سيرد على مذهب أبي حنيفة ، فـأبو حنيفة رد كثيراً من الأحاديث لعموم البلوى، وتناقض في كثير من الأحاديث بعموم البلوى، مثل الضحك، فقد قال أبو حنيفة : إن الضحك مبطل للصلاة؟ وهو آحاد ضعيف، ومخالف للقياس، وقبوله أبطل قاعدته وهي: أولاً: أنه لا يقبل الحديث وإن كان صحيحاً إذا عمت به البلوى؛ لأن هذا يحتمل أن يكون كثيراً.

    ثانياً: أنه ضعيف.

    ثالثاً: أنه ترك القياس، وهو أن الشيء كيف يكون ناقضاً في وقت وغير ناقض في وقت؟ يعني الضحك ينقض في الصلاة ولا ينقض في غيرها؟

    [ والأشبه أن يكون من باب عموم البلوى الذي يذهب إليه أبو حنيفة ، وذلك أنه لا يجوز أن يكون أمثال هذه السنن مع تكررها، وتكرر وقوع، أسبابها غير منسوخة ] يقول: يحتمل أن عموم البلوى كان عند أهل المدينة.

    ولـمالك أن يقول: إنها كانت منسوخة. واعتمدوا على ذلك بأحاديث على نسخها لكنهم لم ينقلوا النص، كما نقول: إن الإجماع لا بد أن يعتمد على شيء، ولكنه قد يعتمد على شيء ولا نجد ما اعتمد عليه؛ لأنهم لم ينقلوه.

    [ ويذهب العمل بها على أهل المدينة الذين تلقوا العمل بالسنن خلفاً عن سلف، وهو أقوى من عموم البلوى الذي ذهب إليه أبو حنيفة ] يعني: أن هناك ثلاثة أمور:

    أولاً: عمل أهل المدينة، وقلنا: لا يصح هذا.

    ثانياً: عموم البلوى، وقلنا: ما يصح.

    ثالثاً: هناك شاهد ثالث، وهو أن أهل المدينة اطلعوا على ناسخ، قال: ولعل هذا يكون أقوى.

    [ لأن أهل المدينة أحرى ألا يذهب عليهم ذلك من غيرهم من الناس، الذين يعتبرهم أبو حنيفة في طريق النقل.

    وبالجملة العمل لا يشك أنه قرينة إذا اقترنت بالشيء المنقول إن وافقته أفادت به غلبة الظن ] يعني: إذا كان الحديث الذي عمل به أهل المدينة يفيده غلبة الظن.

    [ وإن خالفته أفادت به ضعف الظن.

    فأما هل تبلغ هذه القرينة.. ] أي: عمل المدينة [ مبلغاً ترد بها أخبار الآحاد الثابتة ففيه نظر، وعسى أنها تبلغ في بعض ولا تبلغ في بعض.. ] هذا ابن رشد لقوة علمه وغزارته يلعب بالكلام كذا وكذا؛ لأنه مرة يقول كذا ومرة يرجع إلى كذا، وهذا يدل على أنه عنده غزارة في العلم، قال: [ وذلك أنه.. ] أولاً رده ثم رجع فقال: يحتمل.

    ثم قال: [ وعسى أن تبلغ في بعض ولا تبلغ في بعض.. ] رجع كأنه يقوي [ لتفاضل الأشياء في شدة عموم البلوى بها، وذلك أنه كلما كانت السنة الحاجة إليها أمس، وهي كثيرة التكرار على المكلفين، كان نقلها من طريق الآحاد من غير أن ينتشر قولاً أو عملاً فيه ضعف؛ وذلك أنه يوجب ذلك أحد أمرين:

    إما أنها منسوخة، وإما أن النقل فيه اختلال، وقد بين ذلك المتكلمون كـأبي المعالي وغيره ].

    المقصود بعموم البلوى

    ويقصد بعموم البلوى كثرة دوران هذا الحكم بين الناس، ولكن قد يكثر دوران الحكم بين الناس ويجهله كبار الصحابة، كالاستئذان ثلاثاً، فهذا يدور وقد جهله عمر ، ولما حدث به أحد الصحابة أمره أن يأتي صغار الأنصار ليشهدوا له بهذا، فهذا حكم تعم به البلوى وهو يختلف؛ لأن الإنسان قد يأتي النسيان، وقد يعتريه كذا والعمدة صحة الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا كان صحيحاً وجب العمل به.

    الجمع في الحضر للمريض

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما الجمع في الحضر للمريض فإن مالكاً أباحه له إذا خاف أن يغمى عليه أو كان به بطن.. ] يعني: إسهال [ ومنع ذلك الشافعي .. ]. الشافعي قال: ما يجوز، ولكن أصحابه قالوا: يجوز؛ ولهذا قال صاحب الزبد:

    في مرض قول جلي وقوي اختاره حمد و يحيى النووي

    (في مرض قول جلي وقوي)، يعني قول في المذهب وهو قوي.

    (اختاره حمد و يحيى النووي)، حمد : يعني أبي حامد الغزالي و يحيى النووي يعني: الإمام النووي .

    سبب الاختلاف في الجمع في الحضر للمريض

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: هو اختلافهم في تعدي علة الجمع في السفر، أعني: المشقة.. ] أي: هل المشقة تلحق بالمريض أكثر أو تلحق بالمسافر؟

    [ فمن طرد العلة رأى أن هذا من باب الأولى والأحرى؛ وذلك أن المشقة على المريض في إفراد الصلوات أشد منها على المسافر، ومن لم يعد هذه العلة وجعلها كما يقولون قاصرة، أي: خاصة بذلك الحكم دون غيره، لم يجز ذلك ].

    الجمع بين الصلاتين لأجل الشغل

    والراجح أن الجمع يجوز للسفر والمطر والخوف والشغل، بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، ويجوز أيضاً للمرض.

    والشغل يدخل فيه كثير من الأشغال، فبعض الناس عنده القات، ولا يوجد أشغل من القات! وأكبر شغل هو القات في نظره؛ فيأتي عليه الظهر ويصلي الظهر والعصر، ويأتي المغرب ويجمعه مع العشاء؛ لأن معه شغل كل وقته شغل! لكن ليس هذا هو الشغل الذي يبيح الجمع!

    الشغل هو: مثل أن تجمع المغرب مع العشاء امرأة لكون ابنها يبكي كثيراً، ولا تجد أحداً يحضنه لها، تؤخر المغرب إلى العشاء.

    كذلك لو أن رجلاً أو امرأة جمع الظهر مع العصر قبيل السفر لكون السيارة إذا سافر لا تقف له، فهذا من الشغل أيضاً في بعض الأوقات يكون الإنسان في السوق وخاصة أسواق البادية حيث تكون بضاعته منثورة في الطريق، ويأتي وقت الظهر وهناك سرق، يأخذون الأموال، ولو تركها أخذوها، وهو يريد أن يصلي فيصلي عليها، فهذا الشغل قد يكون عذراً في بعض الأوقات.

    وأيام الاختبارات أيضاً، قد يحصل في بعض الأوقات يتحتم على الطالب ألا يخرج من الفصل فليس له حق أن يخرج، فهذا شغل، لأن هذه أشياء ما لك فيها اختيار.

    كذلك وقت الانتخابات إذا ترك الصندوق قد يكون في بعض الأوقات يسمى شغلاً.

    تنبيه:

    حديث ابن عباس الذي قال: جمع بين كذا.. كان عنده شغل سياسي في الكوفة، أيام الاختلاف ما بين علي و معاوية وكذا فصلى العصر وخطب واستمرت به الخطبة إلى أن دخلت صلاة المغرب، فقال له بعض الناس: يا ابن عباس ! المغرب.. المغرب! الصلاة يا ابن عباس ! فاستمر، فقال له: صلاة المغرب يا ابن عباس ! فاستمر، فقال له: صلاة المغرب يا ابن عباس ! قال: لا أم لك! تخبرني بالصلاة! ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر فقيل له: لماذا؟ قال: أراد ألا يحرج أمته )، وفي رواية: ( أراد التوسيع على أمته ).

    ومن الأدلة على الجمع للشغل حديث ابن عباس عند مسلم : ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة، من غير خوف ولا مطر )، وفي رواية: ( من غير خوف ولا سفر ).

    قال أبو الزبير - الذي روى عن سعيد ، سألت سعيداً : لم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد ألا يحرج أحداً من أمته، وفي رواية عند أحمد بإسناد جيد فقيل لـابن عباس : لم فعل ذلك؟ فقال: أراد التوسعة على أمته.

    وروى الطيالسي عن سعيد أن ابن عباس جمع بين الظهر والعصر في شغل، وزعم أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر جمعاً. وهو حديث صحيح، لكنه موقوف. يعني فعله موقوف وأسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في النقل.

    الأدلة على جواز الجمع للمرض

    أما الجمع للمرض فيدل عليه حديث حمنة بنت جحش : ( أنه أمر المستحاضة بالجمع بين الصلاتين )، وهو حديث حسن أخرجه أبو داود ، هذه الأحاديث كلها ذكرها الشيخ ناصر الدين الألباني في الإرواء وصححها (3/34-35).

    1.   

    صلاة الخوف

    صلاة الخوف فيها صلوات مختلفة، وكيفيات مختلفة، ورأيت أن الروايات كثيرة، ثمان روايات ولا نستطيع الإلمام بها إلماماً كاملاً، ولكن أشهرها صفتان:

    الأولى: إذا كان العدو في غير جهة القبلة، وهنا يصفهم الإمام صفين: صف يذهب تجاه العدو، وصف معه فيصلي به ركعة، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم يبقى قائماً في الركعة الثانية حتى يتم الصف الأول صلاته ويسلم منها، ثم يمضي تجاه العدو، ويأتي الصف الثاني الذي كان تجاه العدو، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يزال واقفاً في الصلاة فيصلي معه تلك الركعة، ثم يقعد الرسول صلى الله عليه وسلم في التشهد وينتظر المأمومين، والمأمومون يقومون فيتمون الركعة التي فاتتهم ويلحقون بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتشهد، فيتشهد الرسول صلى الله عليه وسلم ويتشهد أصحابه معه ويسلم بهم جميعاً. فهذه صفة الصلاة إذا كان العدو في غير جهة القبلة.

    الثانية: إذا كان العدو في جهة القبلة، وذلك أنه وقع في غزوة عسفان لما كان خالد بن الوليد مع الكفار وقال: إنه سيتحين الفرصة في وقت الصلاة وسيهجم عليهم، فأنزل الله آية الخوف، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفهم صفين، وقرأ الفاتحة وركع بالصفين، فلما كان السجود سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد معه الصف الذي يليه، وبقي الصف الثاني واقفاً يحرس العدو، فلما قام يقرأ الفاتحة سجد الصف الأخير، ولحقه في قراءة الفاتحة، ثم تقدم الصف الأخير إلى الأمام، وتأخر الأول إلى الوراء، وقرأ بهم الفاتحة وركع بهم ثم سجد الرسول صلى الله عليه وسلم وسجد الصف الذي يليه، فلما جلس الرسول صلى الله عليه وسلم في التشهد، سجد الصف الثاني ولحق بهم في التشهد وسلم بهم جميعاً.

    فهاتان صفتان من صفة صلاة الخوف، وهذا يدل على أنه لا بد في صلاة الخوف من وحدة الإمام، وأن وحدة الإمام أمر ضروري ومهم حتى ولو حصل في الصلاة تغير عن الأصول.

    وإلى هذا ذهب الجمهور على أن هذه الصلاة لا بد فيها من وحدة القائد ليتحدوا على القيادة في الصلاة وفي الحرب.

    وقال أبو يوسف : إن هذه الصلاة قد خالفت الأصول وجاءت على أصول مخالفة بحيث لو كانت في غير صلاة الخوف لكانت باطلة ولا تصح؛ ولهذا رأى أن ذلك من خواص الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تجوز الصلاة بهذه الصفات بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.

    قال: ويدل على ذلك مفهوم المخالفة، وهو قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ[النساء:102]..

    ونحن نرد عليه بوجهين:

    الوجه الأول: أنه خالف القواعد الأصولية التي ذهب إليها الأحناف، وهو عدم العمل بمفهوم المخالفة.

    ثانياً: أنه خالف الأصول كلها، وذلك أن مفهوم المخالفة يشترط فيه شرائط ومنها: ألا يكون لبيان واقع، فإنه إذا كان لبيان واقع، فإنه لا يعمل به، وذلك كقوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ[المؤمنون:117]؛ فإنه لبيان الواقع، وليس المراد أنه إذا كان معه حجة أنه يجوز له أن يدعو مع الله إلهاً آخر، وهنا قوله: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ[النساء:102]، فقوله: كنت فيهم لبيان الواقع.

    وهذا ملخص ما في هذا الباب.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755903678