إسلام ويب

بادروا بالأعمالللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته على المبادرة إلى العمل الصالح قبل مجيء الفتن وتقلب الأحوال: كتأمير ضعيفي العقول، وكثرة القتل، وبيع الحكم وغير ذلك، وقد حدث في الأمة ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان علماً من أعلام نبوته.

    1.   

    وصايا النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين في زمن الفتن

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! روى الإمام الطبراني رحمه الله في معجمه الكبير، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع والسلسلة الصحيحة، عن عابس الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بادروا بالأعمال ستاً: إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافاً بالدم، وقطيعة الرحم، ونشواً يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم, وإن كان أقلهم فقهاً ) .

    هذا الحديث العظيم يرشد صلى الله عليه وسلم فيه إلى معانٍ عظيمة حق لكل مسلم أن يفتح لها قلبه وأذنه، فإنه عليه الصلاة والسلام يرشد إلى ما ينبغي أن يفعل بين يدي الفتن كبارها والصغار، الفتن التي تشغل الإنسان عن الاهتمام بخاصة نفسه، وتشغله عن الاستعداد للقاء ربه.

    فيقول عليه الصلاة والسلام وهو يعدد ستاً من هذه المصائب التي قد يصاب بها الناس: ( بادروا بالأعمال )، سابقوا إلى الأعمال الصالحة، واستبقوا الخيرات، وسابقوا إليها في أيام التمكن منها، أيام الصحة، أيام الأمن، أيام الفراغ، أيام الاستقرار.

    ينبغي للإنسان أن يكون مسارعاً إلى العبادة، مكثراً منها؛ لأنها تنفعه وقت الشدائد، لأنها تفرج عنه وقت المحن، فمن عرف الله في رخائه عرفه الله عز وجل وقت شدته، هكذا قال عليه الصلاة والسلام: ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ).

    كلما كان الإنسان كثير التعبد لله، كثير المسابقة إلى الخيرات في أيام الرخاء والتمكن؛ عرفه الله عز وجل وقت الشدائد والمحن.

    1.   

    مقدمات بين يدي الفتن

    ( بادروا بالأعمال ستاً ).

    ثم عدد عليه الصلاة والسلام هذه الست. ‏

    إمارة السفهاء

    أولها: ( إمارة السفهاء )، والست كلها من علامات النبوة، تزيد الإنسان إيماناً ويقيناً؛ لأننا نراها بأعيننا اليوم.

    كان الناس يحدثون عنها في زمن رسول الله، ويقال لهم: سيكون كذا وكذا، وسيحدث كذا وكذا، فرأيناها بأم أعيننا اليوم، مما يزيدنا يقيناً وإيماناً بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه كما قال الله عنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] ، يحدث الناس بما كان بوحي من الله، ويحدثهم بما سيكون بأمر من الله، فلا يتخلف شيء مما حدث به، لا يكذب في شيء قل أو دق، إنما يخبرهم بخبر الله من السماء.

    وكم من متقول على الله يقول بأنه سيكون وسيحدث لكنه قد يصدق في واحدة، بينما يكذب يقيناً في مائة.

    أما ما أخبر به رسول الله فلا يتخلف، ومنها هذه الست، رأيناها بأم أعيننا كلها.

    ( إمارة السفهاء )، أول المصائب وأول المحن المعدودة في هذا الحديث: إمرة السفهاء، والسفهاء المقصود بهم: قليلو العقل، ناقصو العقل، السفه قلة التدبير، عجز الإنسان أن يسوس أموره بعقله، هذا هو السفيه، وهذه الفئة من الأمراء عذاب على الناس، عذاب حال إمرتهم، وعذاب حال خلعهم، إذا تأمروا أفسدوا في الأرض فبذروا الأموال وسفكوا الدماء، وأزهقوا الأرواح، واستعبدوا العباد، وإذا أريد منهم الرحيل هيهات هيهات، إنهم يسترخصون كل شيء في بقاء الواحد منهم على كرسي العرش، على كرسي الملك لقلة العقل، ليس إلا للسفاهة التي يتمتعون بها.

    فحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أيامهم، ومن أيام حكمهم ودولهم، فسابقوا أيامهم بالأعمال الصالحة، فإذا دعوتم الله عليهم استجاب لكم، وإذا لجأتم إليه أزاح عنكم ظلمهم.

    ( إمارة السفهاء )، من خير ما تدفع به التعرف على الله على وجه الحقيقة، والرجوع إلى الله تمام الرجوع.

    كان الناس يشتكون إلى سعيد رضي الله تعالى عنه إمرة الحجاج وظلمه, فيتلو عليهم قول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76] ، يأخذ الله عز وجل هذه الأمة بعذاب من فوقها، بعذاب من جهة الأمراء، بعذاب من جهة الملوك، لترجع إلى الله، لتتعرف على الله، لتصلح أحوالها مع الله.

    هذه الثورات وإن أدت بعض ثمارها لكنها -ونحن على يقين من هذا- لن تنتج الثمرة المرجوة، لن يحدث بعدها إلا نزاع وشقاق، ولن يحدث بعدها إلا خلاف واختلاف، ولن يكون من ثمرتها إلا اختلاف الأمور والهرج والمرج، ما دامت الأمة بعيدة عن الله، وما دامت الأمة لم تصحح أحوالها مع الله، أبى الله إلا أن يذل من عصاه، أبى الله إلا أن يحرم من تمتع بالمعصية، يقول عليه الصلاة والسلام: ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ).

    الناس يحرمون ما داموا مقيمين على معاصيهم، ما داموا مقيمين على فجورهم، ولن تغني عنهم الثورات وحدها شيئاً، ستأتيهم الثورة برأس بدل الرأس، وبزعيم بدل الزعيم، ولكن ما هي إلا أيام ثم يرجع الحال إلى ما كان عليه وأسوأ.

    هؤلاء الزعماء جاءت بهم الثورات، هؤلاء الزعماء وسدوا في كراسيهم على أكتاف الجماهير، هتفت بأسمائهم الجماهير دهراً، ورفعت صورهم وأصواتهم زمناً طويلاً وبعد عشرات السنين بعد العقود تألمت من ظلمهم، فإذا أيقنت وعرفت طريق التصحيح صحح لها، وإلا فكما قال السلف: من خلط خُلط عليه، ومن صفى صفي له، من صفى حاله مع الله صفيت له دنياه، ومن كدر كدر عليه بقدر ما في حياته من الكدر.

    كثرة الشرط

    ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( وكثرة الشرط ) الشرط يعني: الشرطة، وسميت شرطة يقول علماء اللغة: لأن لهم علامة تخصهم، ولباساً يخصهم، الشرط يعني: العلامة، والشرطة: قوات الأمن الداخلي، أجهزة الأمن القومي، أجهزة أمن الدولة، أجهزة المخابرات، الأجهزة التي تعنى بحفظ الأمن داخل البلدان، وهناك قوة أخرى تحمي الثغور، تحمي الحدود، تحمي الأوطان ضد الاعتداء من الخارج.

    والرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يخبرنا عن انقلاب الوضع، واختلال الميزان، بدل أن يكون حال الناس كثرة الجيش، قوة الجيش، قوة العتاد لملاقاة الأعداء، يختل الحال فيصبح الكثرة في الشرطة، الكثرة في أجهزة الأمن، ورأينا وسمعنا جميعاً بعض الأجهزة الساقطة قوة الأمن فيها أربعة أضعاف الجيش، مائة وعشرون ألفاً ينتسبون إلى جهاز واحد، والجيش كله ثلاثون ألفاً لا حاجة إلى الدفاع عن الأوطان من الخارج. الحاجة إلى الدفاع عن الأوطان من الداخل.

    وهذا ليس بسبب ظلم الحكام فقط حتى لا نحمل الحكام وحدهم المسئولية، إنه اختلال الأوضاع في الحاكم والمحكوم على حد سواء، الحاكم خائف لأن بعض المحكومين لا يقفون عند حدود الله فيحتاج إلى التقوي عليهم بأنواع القوة، والمحكوم قد يكون مظلوماً وقد يكون ظالماً.

    فكثرة الشرط لا تدل على فساد الحكام وحدهم، إنما يريد عليه الصلاة والسلام أن يخبرنا عن اختلال الوضع، وفساد الحال في الحاكم والمحكوم، قد يكون الحاكم وقد يكون المحكوم، وقد يكونون كليهما.

    لكن فساد الحال بحيث تكثر الشرطة وتكون القوة كامنة في الدفاع عن الناس من الداخل، هذا ليس بالحال السوي.

    واليوم تجلت هذه الآية بأوضح صورها ومعانيها، معاهد لإعداد الشرطة، وكليات لإعداد الشرطة، ومراكز لتدريب الشرطة، وإذا ما قارنتها بما يقابل ما يعد لإعداد الجيوش وتجهيز الجيوش لا تجد مكافأة ولا مساواة.

    هذه الحالة تدل على اختلاف أحوال الناس واضطرابها، والناس بحاجة أن يسابقوها بأعمال تقربهم إلى الله، وتعرفهم على الله.

    بيع الحكم

    والعلامة الثالثة: ( بيع الحكم )، يصبح الحكم يشترى بقدر مالك، فيحكم لك بقدر مالك لا بقدر حقك، بقدر ما تبذل لا بقدر ما تبرهن! يحكم لك بدماء الناس، بأموال الناس، بأعراض الناس، بقدر ما تدفع، وهذه الحالة رأيناها في بلدان كثيرة من بلاد المسلمين.

    الاستخفاف بالدم

    والعلامة الرابعة: ما نراه ونسمعه على الشاشات مساء صباح ( واستخفافاً بالدم )، هل تسمعون في الأخبار الأولى إلا الأخبار عن القتل؟ هل تسمعون في الأخبار الأولى إلا الأخبار عن التدمير؟ قتل كذا من الناس وجرح كذا من الناس.

    ( استخفافاً بالدم )، هذا يدل على أنهم استخفوا بشيء ثقيل, وهو كذلك ثقيل ثقيل، ( لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم )، وكما قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما ًحراماً ) . لا يزال الإنسان في فسحة يغفر الله عز وجل له إن تاب، وربما يتجاوز عنه بلا توبة، ربما يعفو عنه بلا استغفار، ( لا يزال في فسحة من دينه حتى يصب دماً حراماً )، فإذا أصاب دماً حراماً أوقع نفسه في الضيق, وأدخل نفسه في الحرج.

    وقد ذهب جماهير كثير من علماء المسلمين سلفاً وخلفاً إلى أن قاتل المؤمن ليست له توبة حتى وإن تاب, فإن الله عز وجل لا يقبل له توبة حتى ينال منه بقدر هذه المظلمة التي ارتكبها، إذا مات مسلماً مصيره إلى الجنة، لكن هذا ذنب عظيم، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] .

    ومن أوضح هذه العلامة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: أن يطلع على الشاشات بعض المعممين ومن لهم لحى، ومن يتحدثون بالحجج الشرعية، فيبيحون للظلمة سفك الدماء، وقتل الأرواح البريئة تحت أنواع من التأويلات والشبه، إنه لا تفسير له إلا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( استخفافاً بالدم )، ثم تلا عليه الصلاة والسلام العلامتين الباقيتين.

    هذا ما ستسمعونه في الخطبة التالية.

    أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه!

    قطيعة الرحم

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    والعلامة الخامسة: قال فيها عليه الصلاة والسلام: ( وقطيعة الرحم )، من المصائب التي تصاب بها الأمة فشو هذا المنكر: (قطيعة الرحم).

    الرحم نوعان كما يقول أهل العلم: رحم عامة وهم المسلمون الذين يجمعهم بك نسب واحد وهو آدم عليه السلام، وتجمعك بهم رحم واحدة وهي الإسلام، فهؤلاء لهم حقوق عليك بين واجب ومستحب، ينبغي للإنسان المسلم في أزمان الهرج والمرج أن يتعرف على حقوق الناس عليه، حقوق المسلمين عليه، حقوق المسلم القريب منك والبعيد عنك، ما له عليك من الحقوق فتؤديها.

    وهناك رحم خاصة، وهي المقصودة في نصوص الرحم بالأصالة، الرحم الخاصة: من تجمعك بهم الرحم بحيث يحرم عليك نكاحهم إن كانوا من الإناث، وإن كانوا من الذكور فيقدرون من الإناث.

    فعمك من الأرحام الذين يجب عليك صلتهم؛ لأنه لو كان أنثى لحرم عليك نكاحه، وخالك من الأرحام، وابن أخيك من الأرحام، وابن أختك من الأرحام.

    فالأرحام للرجال والنساء، وقد أمر الله عز وجل بوصلها، وزجر عن قطعها، وجعل قطيعة الرحم من الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، فقال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22] .

    اتخاذ القرآن مزامير

    العلامة السادسة: ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( ونشواً )، وفي بعض الروايات: ( ونشئاً اتخذوا القرآن مزامير )، اتخذوا القرآن للتغني، ولإلذاذ الأسماع، للطرب وليس للاهتداء.

    القرآن نزل ليهتدي به الخلق، ليتقربوا به إلى منزله، ليعرفوا منه حلاله وحرامه، فيسلكوا السبل التي توصلهم إلى الله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [الإسراء:9].

    إنها رسائل الله عز وجل إليك، تتلقاها لتعمل بها، فتقف عند حدوده، فتؤدي الفرض، وتجتنب المحرم، وتكثر من المستحب، وتقلل من المكروه، هذه وظيفة القرآن، أمر الله عز وجل باتباعه، وألا يجعل وراء الظهور، وأخبر في هذا الحديث أن من أمة الإسلام من تغير هذه الطريقة، وتبدل هذه السنة، فتجعل القرآن وسيلة للطرب والإسماع فقط، فيتغنون بسماعه، ويقدمون أطربهم صوتاً ليسمعهم القرآن فقط لتحصيل لذاذة الاستماع.

    أما إذا قصد مع ذلك إحياء القلوب بالقرآن بحسن الصوت فهذا أمر مطلوب شرعاً، ولكن لا يقف الأمر عند لذة السماع، إنما المراد: أن يصل القرآن إلى القلب, فإذا كان يصل بصوت حسن فذلك أدعى إلى العمل به، وأدعى إلى التهييج للوقوف عند حدوده.

    وهؤلاء النشء يقفون عند لذة الاستماع فقط، والذي يقدمونه همه الطرب فقط، فلا يبالي بإقامة القرآن كما أنزل الله، ربما زاد في الحروف ومططها حتى زاد في القرآن أو أنقص منه بقدر تحصيل الطرب، ( ونشواً اتخذوا القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم )، فهم يتخذونه كالأناشيد ليغنيهم، لكن إذا سألت الواحد منهم ماذا قال الله؟ بماذا أمرك الله؟ ما الذي طلبه الله؟ ماذا فعلت فيما سمعت؟

    لا تجد لهذه الأسئلة جواباً: ( يقدمون أحدهم ليغنيهم وإن كان أقلهم فقهاً )، كان الأجدر بهم أن يقدموا أكثرهم فقهاً ليعينهم على تدبر كتابهم، ليعينهم على فهم كلام ربهم، ليسهل لهم الطريق إلى معرفة الوسائل التي تعينهم على امتثال هذا القرآن، عكسوا السيرة، وخالفوا السنة. وينبغي للناس أن يحذروا من هذه العادة.

    هذا الحديث العظيم فيه الحديث عن تقلب أحوال الناس، وفساد أوضاعهم وهم يطالبون بسلوك السبل الشرعية، الطرق المرضية في تحسين أوضاعهم، في إصلاح أحوالهم بإعادة الأمور إلى نصابها، وأول الطريق إصلاح الإنسان نفسه في خاصة نفسه، لا تنتظر صلاحاً عاماً وأنت معرض عن الإصلاح في خاصة نفسك، أول الطريق خطوة، أن تبدأ أنت بمراجعة حساباتك في نفسك، وأن تصلح من يليك، فتصلح بيتك وأهلك وأبناءك ومن حولك، وبذلك سنصل إلى الإصلاح العام.

    وإذا خالفنا هذه الطريق، إذا خالفنا هذا المنهاج فإننا نبني على أمواج البحر، ونطلب الحيتان في رمال الصحراء، وسندرك بعد أمد طويل وجهد جهيد أننا سلكنا طريقاً غير الطريق.

    فكتاب الله بين أيدينا، وسنة رسول الله هادية لنا، فإذا أردنا التصحيح فهذا هو طريق التصحيح حكاماً ومحكومين.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين، برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم جنب بلاد الإسلام والمسلمين المحن ما ظهر منها وما بطن.

    اللهم جنب بلاد المسلمين الزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن.

    اللهم اجمع كلمتهم على الهدى، اللهم اجمع كلمتهم على الهدى، اللهم اجمع كلمتهم على الهدى.

    اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم.

    اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين! ول علينا خيارنا برحمتك، اللهم أصلح حكام المسلمين، اللهم أصلح حكام المسلمين، اللهم أصلح حكام المسلمين.

    اللهم اهدهم سبل الرشاد، اللهم اهدهم سبل الرشاد، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه، وجنبهم بطانة السوء يا قوي يا عزيز!

    اللهم أصلح أحوال المسلمين يا رب العالمين!

    يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين! اجعل يومنا خيراً من أمسنا، واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأصلح شئوننا كلها برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    أنواع معرفة العبد ربه والرب عبده

    ومعرفة العبد لربه نوعان، ومعرفة الله عز وجل لعبده نوعان أيضاً.

    معرفة العبد لربه نوعان: نوع عام يشترك فيه المؤمنون جميعاً، وهو معرفتهم لله، ولوحدانيته ولربوبيته ولاستحقاقه سبحانه وتعالى لكل كمال، فهذه معرفة يعرفها كل أحد من المؤمنين.

    وهناك معرفة خاصة يعرفها بعض أولياء الله على وجه الخصوص، المعرفة التي تقتضي كمال حبه سبحانه وتعالى والتوجه إليه، واللهج بذكره، والاشتغال بمراضيه، وقضاء الليل والنهار فيما يقرب منه، فهو مشغول دهره في التقرب إليه، مشغول دهره في التعرف إليه، فهذه معرفة وتلك معرفة.

    وكذلك معرفة الله تعالى للعبد، يعرفك في الشدة.

    معرفته أيضاً لخلقه نوعان: معرفة عامة يعرف بها سبحانه وتعالى كل الخلائق، لا يخفى عليه شيء من أمرهم! وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4] ، لا تخفى عليه خافية، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] ، لكن هذه المعرفة أو هذا العلم إنما يقتضي الإحاطة بأعمالهم، العلم بسرائرهم وعلانيتهم، مجازاتهم بعد ذلك بأعمالهم.

    لكن هناك معرفة خاصة يعرف الله عز وجل بها أولياءه وأحبابه, وهي المعرفة التي يترتب عليها الحب لهذا العبد، إنجاؤه وقت الشدة وتفريج الكرب عنه إذا نزل به، وإجابة دعوته إذا دعاه، والمسارعة بالخير إليه، هذه معرفة يعرف الله عز وجل بها بعض الخلق دون بعض: ( تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ).

    ولهذا يأمر عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة بمبادرة المحن، مبادرة الفتن، مبادرة اختلاط أمور العباد، مبادرتها ومسابقتها بالأعمال الصالحة, فإن الناس إذا اختلطت أمورهم, وكسدت أحوالهم، وتذبذبت أوضاعهم، ربما يريد الواحد منهم أن يدعو فلا يستجاب له، وربما يريد أن يفعل طاعة فلا يمكن منها، فتعرف إلى الله قبل حلول هذه المصائب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756213215