إسلام ويب

أفتش عن إنسانللشيخ : إبراهيم الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عن الإنسان الذي يفتش عنه ملايين المسلمين في كل بلد جريح عن صاحب القلب الرحيم الذي يمسح رأس اليتيم، ويطعم المسكين .. عمن يحمل هموم المسلمين في فؤاده، ويبذل لهم نفسه وأمواله .. عمن يعادي الكفار الحاقدين .. عمن يشعر بشعور المسلمين.

    1.   

    لماذا أفتش عن إنسان؟!

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا.

    أما بعد:

    أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    هذا هو الدرس الواحد والأربعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، والتي ينظمها المكتب التعاوني بمدينة الرس، وينعقد في هذه الليلة المباركة، ليلة الثلاثاء الموافق 7 من شهر ذي القعدة للعام (1416هـ)، وعنوان هذا الدرس: واجبنا تجاه المسلمين، أو إن شئت فقل أفتش عن إنسان.

    لماذا أفتش عن إنسان، ذلك ما قاله الفيلسوف اليوناني ديوجين حينما سئل: ما يصنع بمصباحه؟ وكان يدور به في بياض النهار، فقال: أفتش عن إنسان!

    لماذا هذا الموضوع؟

    أولاً: عندما يسمع المسلمون بالمصائب والمحن التي تقع على المسلمين يتساءل الكثير منهم: ما دورنا؟ نسمع هذه الكلمة كثيرا: ما دورنا؟ وهذا الطرح محاولة للإجابة عن هذا السؤال.

    ثانياً: لحال المسلمين في كل مكان، وما يلاقونه من ذل وهوان، وضياع وفرقة، وقتل وتشريد وجوع وتنصير، وما نعيشه نحن من ترف وإسراف وبذخ وتبذير، فهل يصح شرعا أو عرفاً، بل في كل المعايير الإنسانية من شفقة ورحمة وإحسان ورأفة أن يموت أناس بالتخمة والبطنة، وآخرون بالجوع؟! لا والله!!

    ثالثاً: الإعذار إلى الله: ونحن نسمع عن أنهار الدماء وأكوام الأشلاء.. ونحن نسمع صرخات العذارى وأنين الثكالى.. الإعذار إلى الله ونحن نرى دموع الأرامل وعيون اليتامى، ولن نعذر -والله!- إلا بالقيام بواجبنا، ومن واجب طلاب العلم، التوجيه والبلاغ بقدر المستطاع.

    رابعاً: كان هذا الطرح دلالة وتوجيها؛ ليقوم كل منا بواجبه تجاه المسلمين، فيتحرك القادرون ويهتم الموسرون؛ لنساعد المعنيين، ونضع أيدينا بأيدي المسئولين، فإن أرض هذه الجزيرة قد أنعم الله عليها نعماً لا تحصى -والحمد لله- ومن كثرت نعم الله عليه كثر تعلق الناس به، فإن قام بما يجب عليه لله فيها فقد شكرها وحافظ عليها، وإن قصَّر وملَّ وتبرم فقد عرضها للزوال، فقد أخرج الطبراني في الأوسط وابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم) .

    والحديث حسن بمجموع طرقه، وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ: (ما من عبد أنعم الله عليه نعمة، فأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه فتبرّم، فقد عرّض تلك النعمة للزوال).

    قال المنذري وتبعه الهيثمي : رواه الطبراني وإسناده جيد.

    أيها القارئ الكريم! فلنقم بنعمة الله علينا، ولنحذر من التبرّم والملل والتقصير، لذا حري بنا أن نحرص على هذه التوجيهات، وأن نُسمِعها كل الفئات؛ ليعمل الجميع من أجل رضا الله، وبالطاعة تدوم النعم، نسأل الله أن يحفظها علينا وعلى بلادنا وسائر بلاد المسلمين.

    إن المواساة والرحمة والإحسان منبعها قلب الإنسان؛ ولذلك قلت: أفتش عن إنسان! فمن لي بقلب هذا الإنسان؟ فعنه أفتش، وعنه يفتش ملايين المستضعفين.

    وقبل أن أبدأ بما أريد، اسمع ما قاله ابن رجب رحمه الله عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قدوتنا وحبيبنا ومرشدنا، بأبي هو وأمي عليه أفضل الصلاة والتسليم، قال ابن رجب : وكان جوده بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولم يزل صلى الله عليه وسلم على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ، ولهذا قالت له خديجة في أول مبعثه: [والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق] ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافا كثيرة. انتهى كلامه رحمه الله.

    كشمير جرح ينزف

    أفتش عن إنسان، وأنا أطالع خبرا في مجلة الدعوة السعودية بتاريخ [12] من شهر رمضان لعام (1416هـ) تقول فيه المجلة -وأختصر الخبر-: مسلسل هدم المساجد في الهند مستمر.. صواريخ هندية على رؤوس المصلين في كشمير في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً، وأثناء أداء المصلين لصلاة الجمعة مما أدى إلى مقتل أكثر من عشرين شخصا. وقال الخبر: إن عدد القتلى يزيد عن عشرين شخصا وهناك عشرات من الجرحى، وإن صاروخا أصاب المسجد بينما سقط الصاروخ الثاني في السوق الواقع خلف المسجد.

    هذا هو الخبر مختصراً والتفصيل هناك.

    لكني أترك تحليلات هذا الخبر لكم وأقول: لو كان هذا المسجد كنيسة، هل تتجرأ الهند على هدمه، وتسليط صواريخها نحوه؟!

    ولا أقول إلا: إنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل!!

    ما خالط العمر يوم فيه متكـأ     لفرحة القلب إلا شابه كدر

    ولا سألت زماني فرحة وغدت     في الروح تبحر إلا غالها خبر

    كأن فرحة قومي لم تزل وهجاً     بين السراب فلا غيث ولا مطر

    دم الأحبة يجري في مسـاجدنا     ونحن ندعو على الكفار مذ كفروا

    لن يقبل الله منا زيف أدعـية     وفي القلوب أمانٍ لفها خور

    أسرة شيشانية بين الحقيقة والخيال

    أفتش عن إنسان! وأنا أسمع حديث أحد الإخوة -وقد كان في الشيشان - فأخبرنا بما رأته عيناه وما وقفت عليه قدماه من الدمار والمآسي التي يعيشها المسلمون هناك.

    لقد حدثني عن قصص الأسر والأمهات والأطفال، ومآسٍ وأحزان وأهوال، حتى لم تعد الآذان تسمع له؛ فقد أصابها الصمم من فزع القلب، واضطراب النفس، وحشرجة الصدر!

    ضاقت علي نفسي حتى لم أعد أسمع من حديثه شيئا، وكان آخر ما سمعته منه قصة تلك الأسرة المكونة من اثنتي عشرة نفسا، رضيع وصِبية صغار وفتاة وأم وأب.

    قال محدثي: كنت وصاحب لي في سيارة في أحد المدن الشيشانية، وبينما نحن نسير في أحد شوارعها وقد سلكنا المنعطف الأيمن لشارع آخر، وفجأة سمعنا صوتا هادرا مزعجا على بعد أمتار قليلة من فوق رءوسنا، فإذا بانفجار مدوٍ مفزعٍ، فأوقفنا السيارة ونزلنا، فإذا بمكاننا الذي مررنا فيه منذ ثوان قليلة قد أصبح حفرة كبيرة قطرها أكثر من عشرة أمتار! - سبحان الله!-.

    منظر مفزع! طائرة روسية تسبق صوتها، ألقت صاروخا وقع على بيت تلك الأسرة المسكينة، فجعلتهم وأثاثهم أشلاء ممزقة في كل مكان.

    قال محدثي: فبدأنا بجمع الجثث، الرضيع لا تكاد ترى شيئاً من وجهه! الصبية الصغار فقدوا بعض أطرافهم وأجزاء من أجسادهم! الفتاة لا تكاد تعرفها! الوالدان كل منهما في جهة! وبعد ساعة من الزمن، جاء جَدُّ هذه الأسرة، فقد خرج في الصباح الباكر من البيت وقد ترك أحفاده على خير حال، وإذا به يرجع فيجد نفسه بلا أبناء ولا أحفاد ولا منزل ولا طعام.

    يقول محدثي: فأخذ يبكي بكاء الأطفال، قال: فتأثرنا والله من بكائه أكثر من تأثرنا بالحادث نفسه، فمن الصعب أن ترى أمامك رجلا في السبعين من عمره يبكي بهذه الصورة.

    إلى هذا الحد سمعتُ وأدركتُ من حديث صاحبي، ثم بدأت خلجات النفس ودقات القلب في الاضطراب، وأنا أفكر بحال هذه الأسرة وجَدِّها، فلم أعد أسمع شيئا مما قاله بعد ذاك -سبحان الله!- أسرة كاملة تنتهي في لحظة واحدة!

    قبل الحادث بلحظات تُراهم ماذا كانوا يفعلون؟! وبماذا كانوا يتكلمون؟! أهم مستيقظون أم نائمون؟؟ وهل كانوا يأكلون أو يضحكون أو يبكون؟! نعوذ بالله من موت الفجأة!!

    فاعتبروا يا أولي الأبصار

    أيها المسلم! أيتها المسلمة! أعرفتما لماذا أفتش عن إنسان؟!

    هذه حال أسرة شيشانية واحدة! علمناها؛ لأن صاحبنا رآها فحدثنا وحدّثناها، فكيف بحال الأسر التي لم نرها، ولم نسمع من رواها، ولم تجد أحدا يحدث عن حالها وأساها؟!

    هذه حال أسرة شيشانية، فما حال الأسر البوسنوية والأسر الصومالية، والأسر الكشميرية، والأسر الفلبينية، والأسر الطاجيكية، والأفغانية، والجورجية والكردية وغيرها من الصرخات والاستغاثات الجماعية من أسر إسلامية؟!

    ولـكن:

    يموت المسلمون ولا نبالي     ونهرف بالمكارم والخصـال

    ونحيا العمر أوتاراً وقصفا     ونحيا العمر في قـيل وقال

    وننسى إخوة في الله ذرّت     بهم كفُّ الزمان على الرمال

    تمـزقهم نيوب الجـوع حتى     يكاد الشيخ يعـثر بالعـيال!

    يشـدون البطون على خـواء     ويقتسمون أرغـفة الخــيال

    وتضربهم رياح الموت هوجـا     وفي أحداقهم نزف اللــيالي

    وناموا في العراء بلا غطاء     وساروا فـي العـراء بلا نعال

    كأن البيد تلفظهم فتجري     بهم بيـد إلى بيد خــوال

    يسيل لعــابهم لهفا وتذوي     عيونهم عـلى جـمر السؤال

    وليت جراحهم في الجسم لكن     جـراح النـفس أقتل للرجال

    يمدون الحبال وليت شعري     أنقطع أم سنمسك بالحبال؟!

    وقبل الجوع تنهشهم كـلاب     من الإفرنج دامـية النـصال

    يـؤدون الضريبة كل يوم     بما ملكوا وديـن الله غالي

    صلاب، إنما الأيام رُقط     ويـفني الجوعُ أعناق الرجال!

    أتوا للشرق عـلَّ الشرق درء     إذا بالشرق ينفر كالثعال

    لماذا كل طائفة أغاثت     بنيها غيركم أهل الهـلال؟!

    ترى الصلبان قد نفرت وهبّت     يهود بالدواء وبالغلال

    هبوهم بعض سائمة الـبراري     هبوهم بعض سابلة النمال

    نسيتم واتقوا يوما ثقيلا     به النيران تقذف كالجبال

    تفور وتزفر الأحشاء زفرا     كأن شرارها حمر الجمال

    ونحن المسلمون ننام حتى     يضيق الدهر بالنوم الخبال

    جلستم والأرائك فاخرات     وأوجفتم على الفرش الغوالي

    ورصعتم قصوركم مرايا     لتنطق بالبهاء وبالجمال

    وماج العطر وائتلقت جنان     كأن العمر ليس إلى زوال

    ننام على الريال وإن صـحونا     فإن الفجر فاتحة الريال

    نعم. أفتش عن إنسان! ونحن نرى ونسمع ونقرأ عن التنكيل بالإنسان في الشيشان وغير الشيشان ، وربما كان ذلك باسم حقوق الإنسان.

    أين من يتألم لحال المسلمين؟ أين من يحترق للمنكوبين؟ أين من يمسح على رأس اليتيم ويطعم المسكين؟! بل أين من يتابع أخبار المسلمين؟!

    إن الكثير من المسلمين بل من الصالحين -وللأسف!- لا يعلمون شيئا عن أخبار المسلمين، فلا يقرءون ولا يسمعون ولا يحرصون، ولسان حالهم يقول:

    تكاثرت الظباء على خراش     فما يدري خراش ما يصيد؟!

    ففي كل بقعة مأساة، وفي كل مكان مصيبة!

    1.   

    هذا واقعنا فما العمل؟!

    أيها المسلم! أيتها المسلمة! هذا واقعنا وهذا حالنا فما العمل؟ما هو الحل؟! هل الحل أن نتغافل وندس رءوسنا في التراب، وننشغل بأكلنا وشربنا وبيعنا وشرائنا، بل وفرقتنا وأكل لحوم بعضنا، بحجة كثرة المآسي والمصائب على المسلمين؟!

    هل الحل أن تموت أخوة الدين، وينعدم الشعور بالجسد الواحد بسبب كثرة الجراح؟!

    هل الحل أن ننسى الأحداث، وهي تطحن الجسد المسلم في الشرق والغرب؟!

    إنه الجسد الواحد، وربما أتى عليك الدور، أسأل الله أن يحفظك ويرعاك وكل مسلم.

    ما هو الحل؟ وما هو العمل؟!

    لعلك لا تعجب من العنوان، إذاً: فأنا أفتش عن إنسان!

    وربما قلت: لماذا لم تقل: أفتش عن مسلم؟!

    نداء للإنسانية والأخوة الإسلامية

    فأقول: هب أن أخوة الدين قد تلاشت من القلب، وهب أن الشعور بالجسد الواحد مات، وهب أن الهمّ للمسلمين عدم، أليس في قلبك رحمة؟! أليس فيه عطف وشفقة؟! ألست إنساناً؟! ألا تحمل بين جنبيك مضغة لحم تسميها قلباً؟!

    أين قلبك أيها الإنسان! وأنت بعينيك ترى الأشلاء والدماء متناثرة مبعثرة؟!

    أين قلبك وأنت ترى الرضع الصغار، وقد اخترقت أجسادهم الطرية رصاصات الغدر والخيانة؟!

    أين قلبك وأنت تسمع عن نصف مليون مسلم تفنن الصرب في قتلهم وذبحهم بالسكاكين والمناشير ودفنهم أحياء في مقابر جماعية؟!

    لقد نقلت محطات التلفزيون العالمية مؤخرا صور العديد من المقابر الجماعية التي حفرها الصرب في أنحاء مختلفة على أرض البوسنة ، ودفنوا فيها آلاف الضحايا المسلمين المدنيين الأبرياء، وقالت جريدة الشرق الأوسط في (17) من شهر رمضان لعام (1416هـ) ويتبين بعد جمع الشهادات والتحقيقات الصحفية بصورة شبه أكيدة أن هناك خمسة عشر موقعا لهذه المقابر، وتعتبر منظمات لحقوق الإنسان أن ثمة مائتي مقبرة جماعية تقريبا في أنحاء مختلفة من البلاد تحتوي على جثث تمّ دفنها بسرعة إلى جانب الآلاف من جثث المسلمين... إلى آخر الخبر.

    أين هذا القلب وهو يسمع أن مائة ألف شيشاني قتلهم الروس الشيوعيون حتى الآن، وما يزال الآلاف يتساقطون؟!

    ما وقع هذه الأخبار على قلبك أيها الإنسان؟!

    أين هذا القلب وهو يسمع أنين وصرخات أكثر من ستين ألف مسلمة انتهك عرضها، وضاع شرفها، وملئت بأولاد الكافرين أحشاؤها؟!

    هي تصرخ وتئن من تحت ذلك العلج الكافر فمن يسمع صراخها، ومن يجيب نداءها؟!

    أين قلبك؟ وكيف حالك وأنت تسمع هذا الخبر الذي نشرته جريدة عكاظ في (2/2/1414 هـ)، حيث تقول الجريدة:

    هرّبت إسرائيل عشرين ألف طفل صومالي إلى إسرائيل خلال شهر يوليو للعام (1992م) بهدف تربيتهم في المستعمرات الإسرائيلية وضمهم للجيش الإسرائيلي مستقبلا، وتمت عملية التهريب بعد أن قام وفد رفيع المستوى يمثل الحكومة والكنيست بزيارة إلى الصومال والالتقاء بمسئولين صوماليين؟!

    أين قلوبنا؟ وماذا عملنا لإخواننا ونحن نسمع مثل هذه الأخبار؟!

    عذراً أيها المسلمون المستضعفون في كل مكان، فها نحن نبلغ إخوانكم شيئا من أحوالكم.

    عذراً ربى المجد إن القوم قد هانوا     وإنهم في أيادي المعتدي لانوا

    عذراً فما ردهم عما يحاك لهم     وعي ولا ردهم دين وقرآن

    عذراً فأروقة الأحزان حـافلة     وساحة الفرح المقتول قيعان

    عذراً فبحر المآسي لم يزل لجباً     يموج في مائه قرش وحيتان

    عذراً فإن بلاد العرب لاهية     تضج في صدرها عبس وذبيان

    أقف عند هذا الحد، فالأخبار والأرقام عن مآسي المسلمين وأحوالهم لا تنتهي!!

    الراحمون يرحمهم الرحمن

    ما زلت أفتش عن ذلك الإنسان صاحب القلب الرحيم، الذي يمسح على رأس اليتيم ويطعم المسكين، وتدمع عينه لصرخات المكلومين، ويخفق قلبه لأنين المتوجعين، ويلهج لسانه بالدعاء لرب العالمين أن ينصر المستضعفين ويهلك المعتدين.

    أيها المسلمون! إنما يرحم الله من عباده الرحماء: (أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزا) كما في قضاء الحوائج لـابن أبي الدنيا وإسناده حسن. (ومرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله! لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم ؛ فأدخل الجنة) كما في صحيح مسلم .

    أُدخِل الجنة؛ لأنه أبعد غصن شجرة كانت في طريق المسلمين، فما رأيك بمن يحمل همّ المسلمين ويتحسس أحوال المساكين؟! (وخير الناس أنفعهم للناس) كما في الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب وهو حسن. (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار) كما في صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهم.

    هذه أصول في المنهج الشرعي لك أيها المسلم! فأنت رحيم.. أنت رحيم تصنع السرور للآخرين.. تنفع الناس، وتطعمهم الطعام، وتسعى على الأرملة والمسكين، وتمسح رأس اليتيم، تنفس عن مسلم، وتيسر على معسر، وتفرج الكرب.

    هذا هو ديننا، وهذا هو إسلامنا، وهذه هي عقيدتنا، ديننا دين الشفقة والرحمة والعطف والإحسان.. رقة في القلوب، وشفافية في النفوس، ليس مع الإنسان فقط، بل مع الحيوان أيضاً! فإن بغيا من بني إسرائيل غفر لها؛ لأنها سقت كلبا كاد يقتله العطش، وإن امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض .

    أيها المحب! هذا في كلب وهرة؛ فما ظنك بالإنسان الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟!

    أيها الإنسان! لن تكون ذلك الإنسان الذي يفتش عنه مئات الآلاف من الثكالى واليتامى إلا بهذا المنهج وهذه العقيدة، فأحيي قلبك وامتثل شرعك.

    أيها المسلم! في رمضان تجوع وتعطش، والصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، فهل عرفت الجوع كيف يقع؟! وهل شعرت بألم الجوع إذا لذع؟!

    واسمع لهذه المختارات للمنفلوطي من كتاب النظرات ، قال: لو أعطى الغني الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحد منهما سقما ولا ألما.

    وقال: إن الرحمة كلمة صغيرة، ولكن بين لفظها ومعناها من الفرق مثل ما بين الشمس في منظرها والشمس في حقيقتها.

    وقال: لو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولا عار ولا مغبون ولا مهضوم.

    وقال: ليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزون أو مفئود، فنبتسم سرورا ببكائك واغتباطا بدموعك؛ لأن الدموع التي تتحدر على خديك في مثل هذا الموقف إنما هي سطور من نور تسجل لك في تلك الصحيفة البيضاء أنك إنسان. انتهى كلامه.

    أيها المسلم! مراد الله من الناس رقة قلوبهم، رقة قلوبهم وأكرم بها من نعمة، فرقة القلب وغزارة الدمع من أسباب السعادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) كما في صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث أبي هريرة.

    فأين رقة القلب فيك وغزارة الدمع في عينيك مما يجري للمسلمين الآن؟!

    إذاً: فأول ما يطالبك به الملايين من المسلمين المجروحين في كل مكان: أن تحمل همهم في قلبك.. أن تشعر بشعورهم، فتحس بجوعهم وهم جوعى، وبفقرهم وهم حفاة عراة، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

    حينما يفتقد الطفل الأمان

    وأنت تنظر إلى أطفالك تذكّر الأطفال في البوسنة والهرسك ، ومشردي بورما والصومال، فكم من يتيم ينشد عطف الأبوة الحانية، ويلتمس حنان الأم الرءوم، ويرنو إلى من يمسح رأسه ويخفف بؤسه.

    وأنتِ مع زوجكِ تهنئين بالعيش والراحة، تذكري كم من أرملة توالت عليها المحن، وفقدت عشيرها بعد أن كانت تحت كنف زوج عطوف.

    واسمع لهذا الشاعر المرهف وهو يخاطب طفلته الصغيرة، فيقول:

    آه! لو أبصرت طفلا.. في ربوع القدس يشكو غربته     

    وصغيرا في ربى كابول ، يلقي نظرته

    ويداري دمعته

    لو رأيت المدفع الثرثار يلقي خطبته

    آه لو أبصرت طفلا في حماة وحلبجة

    ودعايات عن التحرير فجة!

    آه لو أبصرت أطفال الفلبين الضحايا     

    وجراحا في أريتريا وصيحات صبايا

    كيف لو أبصرت طفلًا حين يرميه الجبان     

    برصاص ودخان

    كيف لو أبصرت طفلاً لم يذق

    منذ رأى دنياه طعما للحنان

    لم يذق إلا الأسى المر

    ولم يسمع سوى صوت الطعان

    يا ابنتي قولي معي:

    أيها العالم! سحقا

    حينما تغدو حياة الناس ميدان رهان

    حينما يفتقد الطفل الأمان

    تذكر وأنت تصلي في المسجد بأمن وأمان، وراحة وسلام، حال أولئك المصلين وقد فرقهم صاروخ يهودي، أو هندوسي أو روسي أو صربي، فأصبح المسجد بركاً من الدماء.

    كيفية الشعور بآلام ومحن المسلمين

    إننا نريد أن نشعر بشعور الجسد الواحد الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

    وفي الحديث الآخر: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه).

    إن دمعة من عينيك، وزفرة من صدرك؛ لهي دليل على صدق الانتساب إلى هذا الدين، بل هي عبادة تؤجر عليها، فالدمعة والزفرة علامة للشعور بالجسد الواحد.

    إنك حينما تحمل همّ المسلمين في قلبك، يتأوه القلب وتدمع العين ويتحدث اللسان، فهل نسمعك تتحدث عن المسلمين وما يجري لهم؟!

    هل نسمعك أيتها الأخت المسلمة! وأنت تقرئين وتنقلين أخبارهم للأمهات والجدات والأولاد؟!

    هل نسمعك أيها الشاب! وأنت تنقل الأخبار والأحداث للأهل والآباء والأصحاب؟!

    هل نسمعك أيها الأب! وأنت تحدث أبناءك عما سمعته عبر المذياع، أو قرأته عبر المطبوعات عن أخبار المسلمين؟!

    نعم. مجرد الحديث فيه خير كثير، نريد أن نسمع الجميع يتحدث عن مصائب المسلمين؛ فإن في هذا الحديث أثراً على القلب ورقته، وأثراً على النفس؛ فهي تحزن لحزنهم وتفرح لفرحهم.

    إنهم -أعني المسلمين- في كل مكان يطالبوننا ولو بدموع العيون وآهات الصدور، فإن في ذلك تسلية لهم وعزاء لمصابهم.

    إننا نريد أن تسيل دموع المسلمين، وأن تزفر صدورهم لحال إخوانهم، فإذا نجحنا فإن أول السيل قطرة.

    ولكن! كم يحز في النفس ويملأ القلب أسىً وكمداً أن كثيراً من ذوي الكفاءات والمواهب البارزة من الصالحين قعدوا عن هذه المهمة:

    يثقلون الأرض من كثرتهم     ثم لا يغنون في أمر جلل

    ولو سألتهم عن السبب؛ لذكروا فساد الأحوال، وقلة الرجال، وكثرة الأدعياء، وخلو الساحة!

    فيا سبحان الله! لمن تركتم الساحة؟!

    إذاً: أيجوز أن يقتصر الدور على الحوقلة والاسترجاع؟! بل ربما لم تدمع أعينهم، ولم تخفق قلوبهم، بل ربما لم يعلموا عن أخبار وأحوال إخوانهم المسلمين شيئا!

    إن ثروة الأمة بحق، هو ذلك الإنسان الجاد الذي يشعر بالمسئولية وعظم الأمانة، فمن يحمل هم المسلمين إذاً أيها الصالحون؟!

    1.   

    مطالب وواجبات لنصرة المسلمين

    احمل الهم

    إذاً: هذا أولاً، نحن نطالبك أيها المسلم! ويا أيتها المسلمة! أن تشعر بشعور المسلمين وتعلم حالهم وتتألم لمصابهم، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نَفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

    وفي الصحيحين -أيضاً-: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) .

    ففي الحديث الأول تنفيس وفي الثاني تفريج، قال أهل العلم: إن تفريج الكروب أعظم من تنفيسها، إذ التفريج إزالتها أما التنفيس فهو تخفيفها، والجزاء من جنس العمل، فمن فرج كربة أخيه فرج الله كربته، والتنفيس جزاؤه تنفيس مثله.

    إذاً: أيها المسلم! اشعر بشعور المسلمين.. تعرّف على أحوالهم.. تألّـم لمصابهم، وتحدث عن أخبارهم.. أحرق القلب وانثر الدمع من أجلهم. هذا أولاً.

    الدعاء لهم

    ثانياً: أنت مطالب بالدعاء لإخوانك والتضرع إلى الله عز وجل والإلحاح عليه، فهو سلاح الخطوب وهو سلاحك أيها المؤمن! يستدفع به البلاء ويرد به شر القضاء، وهل شيء أكرم على الله من الدعاء؟!

    لكنه يحتاج إلى لسان صادق، وقلب خافق، يعتصره الألم ويحرقه الهم.

    أيها الأخ! اعلم أنه سبحانه بفضله ومنّه وكرمه يجيب الدعاء، ويحقق الرجاء، ويكشف البلاء، لكننا نريد حقيقة الدعاء وحقيقة الالتجاء وحقيقة التضرع والشكوى (فإن الله لا يقبل دعاءً من قلب غافل لاه).

    إن للدعاء أثراً في تحقيق الرغائب، ودفع المصائب، وحصول الطمأنينة والسكينة، فأين أثر دعائنا؟!

    إننا لا نستعجل الإجابة، ولكننا نريد الصدق في الدعاء.. نريد من يرفع يديه في ظلمة الليل من أجل إخوانه!

    سبحان الله! أليس فينا أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره؟!

    إن إخواننا بشر مكلفون، وهم مسلمون وفيهم الصالحون والمؤمنون، فإلى كل مسلم ومسلمة يريد نصرة إخوانه أقول: الله الله في الدعاء، الله الله في الدعاء كما ينبغي.

    وإلى كل بلد أصيب ببلاء وضراء أقول: الله الله في التضرع والإلحاح على الله، فإن الله يقول: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:42-43].

    إياك إياك والملل من الدعاء أو استبطاء الإجابة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، ويقول: قد دعوت فلم يستجب لي).

    إننا لا نحمل هم الإجابة؛ فإن الله وعدنا بها، ولكننا نحمل هم الدعاء بآدابه وشروطه، فهل من مجيب؟

    البذل والإحسان

    ثالثاً: نطالبك بالبذل والإنفاق والإحسان من مال الله الذي أعطاك، فأنت بنفسك تذكر كثرة المصائب والمحن على المسلمين، وأن في كل مكان مأساة، فلماذا إذاً تبخل؟! فإن هذا داعٍ لك للإكثار.

    لماذا يضيق بعض الناس ويتبرّم من كثرة الهيئات الخيرية، والمؤسسات الدعوية التي تطالبه بالبذل والعطاء؟!

    إنها ظاهرة صحية، ودليل على صحوة الأمة وقيامها بواجباتها تجاه المسلمين في كل مكان.

    إن الجميع يشهد بالخير لهذه البلاد بهيئاتها ومؤسساتها الخيرية، ويذكرها بالفضل والإحسان لمد يد العون للمسلمين في كل مكان، وفّق الله القائمين عليها لما يحبه ويرضاه، وأعانهم على ما فيه خير للإسلام ونصرة لهذا الدين.

    ولكن الخرق اتسع على الراقع، ومن حق إخواننا في الهيئات والمؤسسات الوقوف معهم وبذل المال لهم، والذب عن أعراضهم، والدعاء لهم، فأنت تدفع المال فقط، وهم ينظمون ويخططون ويسافرون ويتعرضون للأخطار، قاموا بواجب النصرة ومد يد العون على قدر ما يجدون ويستطيعون، فهل بعد هذا نضيق بكثرة طلباتهم؟!

    إنهم لا يطلبون لأنفسهم شيئا، ولا يعملون بمقابل، إنما هو لك يصل لمستحقيه ؛ لتعذر أمام الله وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].

    ثم لماذا هذا الإمساك العجيب عندما ينادي منادي الإنفاق للمسلمين؟!

    يا سبحان الله! هل حدثتك نفسك وأنت تدفع مائة ريال أو ألف ريال أنك دفعت ثلث مالك؟! هنا يأتي الدليل على صدق الانتساب إلى هذا الدين، والدليل على حمل هم المسلمين، والصدق لنصرة المسلمين، وصدق الدمعة التي تسيل.

    لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92].

    أيها الأخ! إن أبا بكر تبرع بماله كله، وعمر بنصفه، وعثمان جهز جيشا للمسلمين، هكذا فلتكن النصرة للمسلمين، وهذا هو صدق اليقين بما عند رب العالمين: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96].. وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى [القصص:60].

    هكذا فلتكن النصرة، بمثل هذه الصراحة مع أنفسنا، وبمثل هذا التفكير نجد الإجابة عن الذل الذي نعيشه والهوان الذي أصابنا، نجد الإجابة عن حال المسلمين ومآسيهم في كل مكان..

    إنه حب الدنيا وكراهية الموت، والإسراف على الشهوات والإمساك في الواجبات.

    انظر إلى نفسك عند شراء الطعام والشراب، بل عند شراء الجرائد والمجلات.. انظر إلى نفسك عند بناء البيت وتأثيثه.

    انظري إلى نفسك أيتها الأخت! عند شراء اللباس وأدوات الزينة، وملابس الأطفال وألعابهم، كم ننفق على أنفسنا وشهواتها، وكم ننفق لنصرة ديننا وعقيدتنا؟!

    إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].. وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] لنغير ما بأنفسنا، ولنقوِ الصلة بيننا وبين ربنا.. لنحي قلوبنا بكثرة ذكر الله؛ لتكون لينة رقيقة رحيمة شفيقة، لنبذل أموالنا وأنفسنا من أجل ديننا وعقيدتنا.

    أيها الحبيب! إن من منع ماله في سبيل الله منع نفسه من باب أولى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ [التوبة:111] أفلا تريد الجنة؟ لماذا إذاً هذا الصيام؟ لماذا هذا القيام؟!

    إن الأمر إعداد للقلوب لتتصل بعلام الغيوب، ليس تجويعاً وتعطيشاً أو تعبا أو سهراً، بل لتعويد هذه القلوب على الصبر والمرابطة، والسهر من أجل الله، عندها يهون عليها بذل المال، بل حتى بذل النفس في سبيل الله، لهذا كان الرجل ينفق ماله كله أو نصفه في سبيل الله، وما قيمة المال وقد بذل نفسه من قبل؟!

    فإياك والبخل وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ [محمد:38].

    وإن كنت فقيراً معدماً، أو لم تجد ما تنفقه على إخوانك فهناك وسيلة أخرى، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الدال على الخير كفاعله) فلماذا لا تجمع المال من أهلك وجيرانك وأحبابك وخلانك؟!

    نعم. كن حصالة للمسلمين، تجد الخير العميم والأجر العظيم من رب العالمين.

    اسمع لهذا الموقف؛ عله أن يهز كيانك ويحرك أركانك للعمل لهذا الدين والولاء للمسلمين والبراءة من الكافرين.

    ذكر لي أحد الإخوة أنه قبض على مزارع في أحد المزارع هنا، هندوسي لا يقرأ ولا يكتب، وكان يدور على المزارعين الهندوس في المزارع القريبة منه ويجمع التبرعات، أتدري لمـاذا؟! إنه يجمع الأموال من أجل بناء المعبد الهندوسي مكان المسجد البابري، بعد أن تنادى الهندوس لجمع التبرعات لبناء هذا المعبد، وقبل ذلك تجمّع آلاف الهندوس وهم يحملون فئوسهم ومعاولهم لهدم المسجد، وهُدم حجراً حجراً، وقتلوا آلاف المسلمين الذين تحركوا لحماية مسجدهم، لكنهم ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، ثم تنادوا لجمع التبرعات لبناء المعبد الوثني على مرأى ومسمع من العالم الإسلامي بأسره.

    إنه رجل وثني عامي جاهل كبير في السن، جاء يبحث عن لقمة العيش ليسد بها جوعته، وهو في غربة بعيد عن الأهل والزوج والولد، ومع ذلك ما شغله ذلك كله عن أن يتحرك لنصرة وثنيته، وحمْل الهمِّ لحجر لا يضر ولا ينفع يعبد من دون الله.

    فأين أنتم يا أهل التوحيد! يا من تسجدون وتركعون لله وحده؟! أين أنتم من نصرة دينكم؟ وأين الهمُّ لإخوانكم المستضعفين المضطهدين في كل مكان؟ أين أنتم يا من تنعمون بمال الله؟! إن من يبخل اليوم بماله يبخل غداً بنفسه، وبئس القوم نحن إذ لم نقدم أموالنا وأنفسنا من أجل ديننا وعقيدتنا.

    صور مشرقة لنفوس مسلمة:

    إن ثمة صوراً نسمعها تتردد هنا وهناك، تحكي جانباً مشرقاً لنفوس مسلمة، نجد فيها ذلك الإنسان الذي نفتش عنه، أذكر منها:

    ذلك الغلام الصغير يوم أن جاء لمناسبة عائلية يحمل بين يديه علبة حليب فارغة، وقد كتب عليها ( تبرعوا لإخوانكم المسلمين ) أخذ يدور بها على الرجال فرداً فرداً، فلما انتهى نقلها إلى النساء، فلما سألته: من أين لك هذه الفكرة؟ ذكر أن أستاذه تكلم اليوم عن أطفال الصومال الجائعين، وما يجب لهم علينا كمسلمين!!

    فهل نعجب من هذا الطفل الصغير، أم من أستاذه الكبير؟!

    وسمعت عن ذلك العامل المصري الذي جاء يبحث عن لقمة العيش، لما سمع منادي الصدقة وحال إخوانه،لم يجد ما يتصدق به إلا ساعة كانت تلف معصمه، مدها لإمام المسجد وهو يقول: والله الذي لا إله غيره! لا أملك سواها، فلما علم به تاجر غيور اشتراها بألف ريال.

    وأولئك الأطفال الذين تبرعوا بكرتهم لأطفال الصومال -كما يقولون-.

    وتلك الفتاة المعوقة التي تبرعت بعربتها لمعوقي البوسنة والهرسك .

    وتلك المرأة التي جمعت حليها فتصدقت بثمنه لمسلمي البوسنة والهرسك .

    وذلك الطفل الصغير في الصف الأول الابتدائي يدفع فسحته -ريالاً واحداً- لأستاذه نصرة منه لأطفال البوسنة .

    وتلك الطفلة الصغيرة التي جاءت لأبيها تدفع له حصالة العمر تبرعاً للمسلمين.

    وذلك التاجر الذي ما كفاه دفع الآلاف للمسلمين، بل سافر بنفسه ليرى بعينه، ويمد بيده، ويقيم المساجد والمشاريع.

    والصور والمواقف كثيرة، وليست غريبة على قلوب خالط الإيمان شغافها.

    إنها عواطف ومشاعر ذلك الإنسان الذي نفتش عنه لو صاحبها همُّ دائم، ودعاء لا ينقطع، وجهد مستمر مستطاع.

    البراءة من الكفر وأهله

    رابعاً: نطالب كل مسلم صاحب مكتب استقدام للعمالة، أو صاحب مؤسسة أو تجارة، وكل محتاج، خادم وسائق للسيارة، أن يعلن البراءة من الكافرين والوثنيين، وأن لا يأتي إلا بالمسلمين، فإن هذا أقل شيء تعلن فيه غضبك واستنكارك لما يفعلونه بإخوانك في العقيدة والدين.

    أيها التاجر المسلم! إنك ترى وتسمع ما يفعله الكفار بالمسلمين، وترى وتسمع أنين الأرامل واليتامى وصرخات الضعفاء والثكالى، وإني على يقين أنك لا ترضى أبداً أن تأتي بالهندوسي ليقتل المسلمين في الهند بأموال المسلمين بالشرق، ويهدم مساجد رب العالمين ليقيم بأموال المسلمين معابد للشياطين.

    إنك سمعت قصة المزارع الهندوسي، أعد سماعها مرة أخرى ومرتين لترى كيف انتصر لإلهه وهو صنم من حجر!

    أفلا تنتصر لربك وهو رب بر رحيم ينعم عليك بالسر والعلن؟! هل فكرت كيف يعامل التاجر الهندوسي العامل المسلم؟! فما تراك تفعل وأنت تحمل ( لا إله إلا الله ) فيغضبك ما يغضب الله، ويسرك ما يسره؟ أفلا يغضبك هدم بيت من بيوت الله، وقتل المصلين الساجدين لله؟!

    يقول أحد زعماء الجمعيات الإسلامية في الهند -نقلاً عن مجلة الدعوة -: لا يمر أسبوع واحد إلا ويدمر في الهند العديد من المساجد، وهناك وثيقة سرية تمّ الكشف عنها بوجود ثلاثة آلاف مسجد في الهند مطلوب هدمها لإقامة معابد للإله الهندوسي المزعوم (راما)، وبعد نشر الوثيقة لم تكذب الجماعات الهندوسية المتطرفة ذلك، بل أكدت أنها ماضية في سياسة هدم المساجد، والدور القادم على المسجد الذي يصلي فيه المسلمون صلاة العيدين، ثم تتوالى القائمة.انتهى الخبر.

    فيا كل مسلم يتعامل مع الهندوس! ألا يهزك هذا الخبر، ويحرك فيك مشاعر التوحيد لله فتعلنها غضبة لله، فيوسع الله فيها عليك في الدنيا والآخرة؟!

    إن من واجبنا أن نذكر كل أخ وقريب يتعامل مع الكافرين بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا نمل ولا نكل، فإذا رحل كافر حل محله مسلم، ولا شك أن هذا نوع من أنواع نصرة المسلمين.

    واجبنا تجاه المسلمين المستضعفين بيننا

    ثم إن من واجبنا تجاه المسلمين المستضعفين الذين يعيشون معنا وبيننا من العاملين والخدم والسائقين: حسن الخلق والمعاملة الطيبة، وإعطاءهم حقوقهم بدون ظلم ولا مماطلة.

    إنهم إخوان لنا في الدين يعيشون أياماً قاسية، تغربوا عن الأوطان وتركوا الأهل والإخوان، وتشردوا في كل صقع، وثقلت عليهم أعباء الحياة، وتوالت عليهم نوائب الدهر، واشتد عليهم شظف العيش، تراكم كل ذلك على ظهورهم الضعيفة، وملأ نفوسهم الحزينة، فتساقطوا في طريق الحياة؛ فأصبحوا عرضة لأرباب الجشع والطمع.

    أخبرني قبل أيام فقط أحد الإخوة عن عامل أصيب بالشلل النصفي يرقد الآن في المستشفى لكثرة مماطلة وظلم كفيله له!

    هذه صورة من ظلم العمال أعرف أنها تتكرر عشرات المرات مع عشرات الأشخاص، من ذا يسمع هذه الأنباء فلا يذوب قلبه حزناً؟ كيف يصلح الحال وأنت ترى في الناس من يقف موقف المتفرج؟ يسمع الأنين ولا يكترث، ويرى الدمع فلا يلتفت، بل يأبى بعضهم إلا أن يجرعهم غصصاً من الذل والهوان!

    إننا نخوف هؤلاء بالله الذي يقول: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [إبراهيم:42] نخوفهم بالله الذي يقول: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:42] .

    أيها الإنسان! اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، احذر دعوة المظلوم أن تصيبك في نفسك أو زوجك أو ولدك أو مالك.

    في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟! فقال صلى الله عليه وسلم: وإن كان قضيباً من أراك).

    الله أكبر! ولو عوداً من سواك! إنها عدالة السماء وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود:123] .

    أيها الأخ! بدل أن يرجع إلى بلده لينقل الصورة المضيئة للمسلمين وحسن تعاملهم في بلاد التوحيد، رجع وهو يحمل انطباعات سيئة، وذكريات مؤلمة، يحدث بها كل من قابله بسبب أمثال هؤلاء، وهم قلة إن شاء الله.

    أيها الحبيب! كيف لو استفدنا من مجيء هؤلاء إلينا، أخلاقاً ومعاملة، ودعوة للدين الصحيح؛ لكسبنا الدين والدنيا معاً.

    الدعوة والتعليم

    خامساً: نطالب كل مستطيع من المسلمين القيام بواجب الدعوة والتعليم بين المسلمين المستضعفين في كل مكان، فهم بين جوع وقتل وتشريد وجهل.. جهل شديد بأركان الدين ومبادئه.

    فأين الأساتذة والمعلمون، وأين شباب المسلمين، والمؤسسات الدعوية والهيئات الإغاثية تنادي في كل صيف، بل وفي كل مناسبة؟ من يحتسب أجره على الله ليعلم الجاهل، ويمسح على رأس اليتيم، ويكفكف دموع المنكوبين؟!

    ومن لا يستطيع بنفسه فبماله، يطبع كتاباً، وينسخ شريطاً، فهم في تعطش شديد لكتاب وشريط، بل والله يقدمونه على الطعام والشراب في كثير من الأحيان.

    إننا نطالب الجميع -كلاً بحسب تخصصه ومواهبه- بنصرة إخوانه المسلمين، فنقول للطبيب -مثلاً-: أين أنت عن إخوانك والأمراض بأنواعها تفتك بالصغير والكبير؟! كم كنا نتمنى أن نراك مكان صاحب العيون الزرقاء، والشعرات الشقراء في أدغال أفريقيا، حيث الجوع والجفاف والشمس الحارقة، تحمل أطفال المسلمين بين يديك، تداوي جراحهم فترسم البسمة على وجه أم منكوبة، فأنت أحق بإخوانك من ذلك الصليبي.

    إنهم بحاجة للمدرس وللطبيب، وللتاجر وللمهندس، إنهم بحاجة إلى الصحفي الأمين الذي يسخر قلمه لخدمة الإسلام والمسلمين، وهم بحاجة إلى الشاعر الإنسان الذي يصور المأساة ويحرك المشاعر، ولكل من فتح الله عليه بنعمة من عنده، فالطريق واضح، والأمر سهل ميسور، لكنه يحتاج إلى عزم وإيمان، وتحمل واحتساب.

    طريقنا واضح كالشمس تعرفه     أجيالنا بابه عزم وإيمان

    آمالنا لم تزل خضراء يانعة     في القلب منتجع منها وبستان

    ولينا الله لا نرضى به بدلا     وكيف ييأس من مولاه رحمن

    تشجيع الاقتصاد الإسلامي

    سادساً: أيها المسلم! إن من واجبنا تجاه المسلمين تشجيع منتجات البلاد الإسلامية وتقوية اقتصادها، وذلك بشراء السلع المنتجة في تلك البلاد وتسويقها، وبث الدعاية والإعلان لها، وفي هذا خير كثير وله مردود كبير على الإسلام والمسلمين في كل مكان،وهو أمر يستطيعه كل أحد وبمقدور كل فرد، فهل نحمل هم المسلمين وإصلاح معيشتهم ولو بأكلنا وشربنا وأثاثنا ولباسنا؟!

    وقل مثل هذا في تشجيع الصحف والمجلات التي تهتم بشئون المسلمين، وتنقل أخبارهم وأحوالهم بأمانة وإخلاص لشرائها ونشرها والإعلان عنها، وفي هذا تشجيع واستمرار لها، وفيه -أيضا- متابعة وتعريف للناس بأخبار المسلمين.

    اعرف عدوك!

    سابعاً: من واجبك تجاه المسلمين أن تعرف أعداءك الحقيقيين الذين يحملون الحقد والضغينة للإسلام والمسلمين، فبعض الناس -وللأسف!- اختلطت عليه الأوراق، واشتبهت عليه المفاهيم؛ فلا يعرف الأعداء من الأصدقاء.

    بل ربما وصل الحال بهم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) فلا يسلم إخوانهم من ألسنتهم، ولا المستضعفون المحتاجون من التشكيك بهم والتخذيل والتثبيط من عونهم.

    أخرج الترمذي في السنن في كتاب الفتن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف على ناس جلوس فقال: (ألا أخبركم بخيركم من شركم؟ فسكتوا. فقال ذلك ثلاث مرات. فقال رجل: بلى يا رسول الله! أخبرنا بخيرنا وشرنا، فقال صلى الله عليه وسلم: خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شره) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

    فيا أخا الإسلام! إن من أهم ركائز العقيدة والإيمان: الولاء والبراء، وقد أوضح الله عز وجل الأعداء بجلاء فقال: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] والتاريخ القديم والمعاصر أكبر شاهد على ذلك.

    فعلى كل مسلم ومسلمة، وبخاصة العاملين في حقل الدعوة والتعليم، غرس القيم والمبادئ الإسلامية في نفوس الناس -خاصة الطلاب والطالبات- ونقل أخبار المسلمين لهم، وإشعارهم بالجسد الواحد للأمة.

    1.   

    تنبيهات وتوجيهات

    أخي الحبيب! زيادة على هذه المطالب إليك هذه التنبيهات الأربعة:

    مساكين في بلدك

    أولاً: كما أن هناك ملايين المستضعفين في الخارج، فلا ننس إخواناً لنا في الداخل انقطعت بهم السبل، وضاقت بهم الحيل.

    تفقَّد رجلاً فقيراً أسيراً لمرض كثير العيال، أو أرملة ضعيفة كثيرة العيال شديدة الحال، وأيتاماً يبحثون عمن يؤنس وحشتهم ويمسح دمعتهم، أو مغترباً أتى يبحث عن لقمة العيش ترك بلده وزوجه وأهله، يعرق جبينه من كثرة العمل، وتدمع عينه من شدة الظلم والإهانة.

    أقول: كل هؤلاء وأمثالهم يفتشون عن ذلك الإنسان، صاحب القلب الرقيق، والضمير الحي، صاحب القلب الذي يخاف الله ويخشاه، يمد يده البيضاء لكل مسلم أثقلته الهموم وأوهنته الحاجات.

    كل هؤلاء وأمثالهم يفتشون عن ذلك الإنسان، ينظرون إلى عينه هل تدمع، وإلى شفتيه هل تبتسم، وإلى الكلمة الطيبة من لسانه، وإلى يده يشد بها على يد الضعيف والمحتاج.

    أيها الإنسان! إياك وحيل النفس ومداخل الشيطان، فلربما قيل لك: إن هذا يخدعك ويدلس عليك، وإن هذا يكذب عليك!

    نعم. هناك من يكذب، وهناك من يخدع، وهناك من يتلبس بلباس الفقراء والمساكين نشكو أمرهم إلى الله، وهذا يدعوك للتثبت والتحقق والبحث عن المحتاجين الصادقين، وسؤال العارفين المخلصين، لكنه لا يدعوك إلى الإمساك وعدم البذل والعطاء، ونشر قصص الكاذبين المدلسين وإساءة الظن بالجميع. هذا أمر.

    واسمع لحال هذا الأخ، وقد هده الفقر والعوز في العيد:

    أخ في العيد قد مدت يداه     وفوق الخد تدمى مقلتاه

    بدا في العيد في هم وغم     كأن الناس قد قتلوا أباه

    ويوم العيد والدنيا سرور     فتى قد هان تسنده عصاه

    يصارع وطأة الأيام حتى     رنا للأفق فاسودّت رؤاه

    ويحمل فوق عاتقه هموما     ينوء بها وقد ثقلت خطاه

    يسير هناك متئدا هزيلا     فهل تدري لما خارت قواه؟!

    يعاني الفقر لا يدري لماذا     يغالبه ويمعن في أذاه؟!

    تعامى الناس عنه فلـم يواسوا     وقد صموا فما سمعوا نداه

    فسار وفي حناياه دموع     وفي عينيه نار من لظاه

    وقد سلك الطريق بدون وعي     فلا يدري إلى أين اتجاه؟

    وبين ضلوعه ألم دفين     تردد في جوانحه صداه

    وجاء العيد والدنيا ضياء     وكل الناس أبهجهم لقاه

    وجاء العيد فامتلأت قلوب     بنور فاض يرسله سناه

    وهذا البائس المسكين أضحى     بلا أمل وطال به أساه

    وبين الناس صنف ذو ثراء     وفي الدنيا يحقق مشتهاه

    فيرتع في النعيم بلا حساب     ويعمى عن أخيه فلا يراه

    وما أدري، ولست أخال أدري     لماذا ينكر الهاني أخاه؟!

    ويوم الدين والأعمال تدنو     سيلقى المرء ما صنعت يداه

    أخا الإسلام إن البرَّ شيء     يسرّك في القيامة أن تراه

    أخوك البائس المسكين يبدو     بلا مال ويخجله حياه

    فجد بالخير واستبق العطايا     فيوم الدين يجزيك الإله

    قل خيراً أو اصمت

    ثانياً: أمر آخر نسمعه في حديث المجالس خاصة عندما ينادي منادي الإنفاق والصدقة للمسلمين في الخارج، فقائل يقول: إنهم ليسوا مسلمين، وقائل يقول: لا يصلون حتى الصلاة، وآخر يقول: انظر إلى التبرج والسفور والفساد عندهم، وآخر يقول: انظر إلى البدع والخرافات وفساد العقيدة لديهم.

    وهكذا نسمع القيل والقال من البعض، فلا هم قاموا بواجبهم، ولا تركوا غيرهم يقوم بالواجب؛ فأصبحوا قطاع طريق على الآخرين.

    عجيب أمر أولئك! أين عقولهم؟ لماذا ينظرون بعين واحدة؛ إن كانوا فعلا يريدون النصح للمسلمين؟!

    أيها المشككون! إن هؤلاء الذين تتكلمون عنهم غُيّب عنهم دين الله عشرات السنين،حرب شعواء على كل أمر له صلة بالإسلام، حتى أعدم من وجد في بيته نسخة من القرآن، أو تسمى باسم شرعي، أو حتى ذكر الله في بيته، بل صدرت قوانين رسمية تعاقب كل من يؤدي شعائر تعبدية، وزوجت المسلمات من غير المسلمين، وتسلّط الولد على والده، حتى خاف الآباء أن يعلموا أبناءهم كلمة التوحيد، فقد كانت المعلمة تسأل التلاميذ: ماذا تقول والدتك وجدتك؟!

    هدمت مساجدهم، وحرفت مناهجهم، حتى تخرّج جيل ممسوخ الهوية مسخاً تاماً إلا ما شاء الله تعالى منهم.

    ومع ذلك كله، وبعد هذا الكيد المرير، وهذا العمر الطويل، لما جاءهم من يدلهم على الإسلام ويعلمهم الأحكام، اجتمعوا عليه بالمئات والآلاف وكلهم شوق ورغبة في التعلم والتعليم، بل منهم من يسمع حقيقة الإسلام، فيبكي -والله العظيم- حرقة وألما؛ لأنه لم يجد من يعلمه قراءة القرآن وكيفية الصلاة على الأقل.

    ثم يأتي بعضنا، يجلس في المجالس وعلى الموائد العامرة، وقد فرط في كثير من أمور دينه رغم كثرة الدروس والكتب والأشرطة والعلماء والمساجد، ثم نسمع من القيل والقال والتشكيك والتثبيط، فلنتق الله ولنقل خيرا أو لنصمت.

    بناء المساجد في الخارج

    ثالثاً: وأمر ثالث إلى من يشترط بناء المسجد هنا ويرفض بناءه في بلد إسلامي، إنك ترى عشرات المساجد في الحي الواحد هنا -والحمد لله- أما هناك ففي عشرات المدن ومئات القرى لا يوجد بها مسجد واحد، والمسجد إذا بني هناك أصبح مركز إشعاع، ومنبع خير، ومركز اتصال لأهل المدينة كلهم، فما رأيك؟!

    وهناك لا يكلف بناء المسجد مائة ألف ريال، فأيهما أعظم أجراً وأكثر خيراً؟

    أيها المسلم! إنك تبني مسجداً وغيرك يبني عشرات الكنائس، فاتق الله! واعلم أن المسلمين في كل مكان يفتشون عمن يأخذ بأيديهم ويعلمهم دينهم، ويشعر بشعورهم، فكن أنت ذلك الإنسان.

    حتى يغيروا ما بأنفسهم!

    رابعاً: لنعلم أنه لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وهو الرجوع إلى الله بقوة، فلنراجع أحوالنا، ولنغير ما بأنفسنا حتى يغير الله حالنا إلى سيادة وعزة ورفعة.

    لماذا هذا الإفراط العجيب في الشهوات والملذات؟ لماذا هذا الإسراف والتبذير؟ لماذا هذا التهاون والتكاسل بفرائض الدين؟!

    لماذا نحتقر الآخرين ونبخس جهدهم؟! لماذا هذه الأنا العجيبة عند بعض المسلمين؟! لماذا نعادي ونبغض إخواناً لنا من المسلمين وربما نحب ونوالي الكثير من الكافرين والمشركين؟!

    أيها الأخ الحبيب! لا يكفي أن نكون صالحين، بل لا بد أن نكون مصلحين، فلماذا لا نحرص على صلاح المسلمين في كل مكان؟ فالوسائل والفرص متاحة بجميع اللغات والجنسيات -والحمد لله- فلا عذر لأحد.

    واسمع لهذه الآية جيداً، قال الله: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف:170].

    قال: الْمُصْلِحِينَ ولم يقل: ( الصالحين ) وقال: يُمَسِّكُونَ بالتشديد، ولم يقل: ( يمسكون ) فهل نعتبر؟!

    1.   

    صفات الإنسان الذي نفتش عنه؟

    وخلاصة القول: إليك عرضاً سريعاً لصفات ذلك الإنسان الذي نفتش عنه، وهـي:

    أولاً: صدق الإيمان وقوة اليقين بالله: إيمان يلهب القلب، ويقين يحرك العبد وهو واثق بنصر الله، فإن هذه المصائب والبلايا والمحن والرزايا التي تضيق بها النفوس تحتاج إلى يقين وإيمان بالله، فكم من محنة في طيها منح ورحمات، ومن فقد الثقة بربه اضطربت نفسه، وساء ظنه، وكثرت همومه، وضاقت عليه المسالك، وعجز عن تحمل الشدائد، فلا ينظر إلا إلى مستقبل أسود، ولا يترقب إلا الأمل المظلم.

    ثانياً: الشعور بشعور المسلمين، والتعرف على أحوالهم، والتألم لمصابهم، والتحدث عن أخبارهم.

    يحكى عن محمد رشيد رضا رحمه الله: كانت أمه إذا رأت عليه علامات الأسى والحزن قالت له: مالك يا بني! أمات مسلم في الصين اليوم؟!

    لما تعلم من حمله هم المسلمين!

    وأعرف أشخاصاً لا ينامون الليل -والله- إذا سمعوا خبراً عن مآسي المسلمين.

    ثالثاً: مما نطالبك به الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل والإلحاح فيه، فهو سلاحك أيها المؤمن! فداوم عليه وثق بالله.

    رابعاً: البذل والإنفاق في سبيل الله بدون مَنٍّ ولا مللٍ ولا استكثار.

    خامساً: تحقيق عقيدة الولاء والبراء بنفع وحب وجلب للمسلمين، وحسن الأخلاق والتعامل معهم، وبغض الكافرين الحاقدين والبراءة منهم.

    سادساً: تشغيل الطاقات والمواهب لخدمة الإسلام والمسلمين، كالمعلم والطبيب والشاعر والصحفي وغيرهم، فكل قادر على إعانة إخوانه في كل مكان من خلال عمله وتخصصه، ومن عرف قدر الحاجة له عرف كيف يعمل، وكما قيل: ( الحاجة أم الاختراع ).

    سابعـاً: الحرص على شراء وتشجيع كل منتجات البلاد الإسلامية، وبث الدعاية لها.

    ثامناً وأخيراً: اعرف عدوك من صديقك من خلال الكتاب والسنة، لا من خلال الهوى وحظوظ النفس.

    هذه أهم الصفات التي نفتش عنها فيمن يحمل الهم للمسلمين.

    1.   

    رسالة إلى كل مسلم ومسلمة

    وأخيراً: فإني أفتش عن إنسان يحمل في قلبه هذه المطالب، يترجمها لواقع وعمل، وإني على يقين أن صاحب هذا القلب لن يكون إلا ذلك المسلم الصادق بإيمانه.

    فإلى كل مسلم ومسلمة أقول: لتكن ذلك الإنسان الذي يفتش عنه الملايين من المسلمين المنكوبين، عندها نعذر أمام الله أن قمنا بما نستطيعه تجاه إخواننا.

    واعلم أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء ؛ فإن الأمن والإيمان والنعمة التي نعيش فيها اليوم ربما هي رحمة من الله بسبب أيد أمينة مخلصة محسنة امتدت لإخواننا، وإننا نخشى والله أن تنقطع أو تقطع -والحال كما نرى- فلنقدر نعمة الأمن حق التقدير، ولنرعها حق رعايتها، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:81-82] ولنعلم أنه بالشكر تدوم النعم، فالله الله في الجدية في حياتنا، فكيف سينفع غيره من لم ينفع نفسه؟!

    ومن لم يكن جاداً صادقاً وهو يرى حال أمته وما يحل فيها من النكبات والمصائب والذل والهوان، فأحسن الله عزاءه في نفسه، وسيعلم هؤلاء أي منقلب ينقلبون!!

    أما أنت أيها الصادق! فإذا قمت بهذه المطالب خير قيام فارفع بعدها يديك إلى السماء وقل:

    اللهم إنك تعلم حال إخواننا، وتعلم حالنا وضعفنا وقلة حيلتنا، اللهم إنا بذلنا جهدنا وما بوسعنا، فارض اللهم عنا، وأعنا على القيام بحق إخواننا على الوجه الذي يرضيـك عنا، اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والقسوة والغفلة، والذلة والمسكنة، واجعلنا مفاتيح للخير في كل مكان.

    اللهم احفظ المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين المنكوبين في كل مكان، اللهم أعنهم وأطعمهم واسقهم واكسهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصرهم على من بـغى عليهم، اللهم انصرهم على من بغى عليهم، وانتقم لهم من الظالمين يا قوي يا عزيز!

    اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على التوحيد يا أرحم الراحمين!

    اللهم ارحم الأطفال اليتامى، والنساء الثكالى، وذا الشيبة الكبير.

    اللهم أصلح ولاة أمورنا ووفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم من أرادنا والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، وتدبيره تدميراً عليه، اللهم اكفناهم بما شئت، اللهم اكفناهم بما شئت فإنهم لا يعجزونك أنت ولي المؤمنين.

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755952396