إسلام ويب

فقه أحاديث الصيام [5]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا خرج الإنسان من بيته وهو صائم في أول يوم من رمضان، ثم وصل إلى بلد لم يثبت فيه دخول شهر رمضان فإن عليه أن يأخذ بحكم البلد الذي وصل إليه على الراجح من أقوال أهل العلم، ومن أفطر لعذر فيجب عليه ألا يجاهر بالأكل والشرب أمام الناس؛ لئلا يخرم أخلاقيات المجتمع.

    1.   

    ما يلزم المسافر من بلد رأوا فيه الهلال فصاموا إلى بلد لم يروا فيه الهلال

    المقدم: الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على رسوله وعبده.

    أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم اليومي فقه أحاديث الصيام.

    أرحب في مطلع هذا اللقاء بضيف البرنامج, والذي سيتولى مشكوراً مأجوراً التوضيح والبيان للمسائل الواردة في هذا البرنامج، أرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي , الأستاذ المشارك في قسم الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, أهلاً بكم صاحب الفضيلة.

    الشيخ: حياك الله شيخ ناصر , وحيا الله المستمعين والمستمعات.

    المقدم: إذاً حيا الله شيخنا الكريم، وحياكم الله أينما كنتم، وحيث ما يصلكم أثير إذاعتكم.

    وحديثنا عن مسائل الصيام ومن أدرك الهلال, ماذا عن مسافر أهل هلال رمضان بالنسبة له في بلده, ثم سافر إلى بلد لم ير الهلال فيه، وماذا عن رجل لم ير الهلال في بلده, ثم قدم إلى بلد وهم صائمون, فما هو الحكم والقول في كلا المسألتين؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    بداية تحدثنا سابقاً عن مسألة من هل عليه هلال شهر رمضان وهو أهل لوجوبه، وقلنا: إنه يلزمه الصوم والإمساك، وقد ذكرنا مسألة الكافر إذا أسلم, والصبي إذا بلغ, والمجنون إذا أفاق، وقلنا: الصحيح والله تبارك وتعالى أعلم: أنهم يلزمهم الإمساك دون القضاء.

    وأما من أهل عليه أو علم برؤية الهلال أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك والقضاء، وقلنا: إن هذا هو مذهب الأئمة الأربعة خلافاً لـأبي العباس بن تيمية رحمه الله، وهذه المسألة تختلف عن مسألة ما لو زال المانع, مثل مسافر قدم, أو حائض ونفساء طهرتا، فهذه المسألة تختلف فذهب مالك رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد على أن المسافر إذا قدم وهو مفطر في أول النهار إلى بلده وهم صيام فيستحب له الإمساك ولا يجب، وهو قول أبي حنيفة ، وهكذا الحائض والنفساء إذا طهرتا، وأما الحنابلة والشافعية فيلزمونهم بالإمساك.

    والأقرب والله أعلم: أن الإمساك مستحب في حقهم كما هو مذهب مالك، ولا يجب عند أبي حنيفة ، ومما يقوي هذا ما رواه البيهقي بسند لا بأس به, وإن كان فيه انقطاع، لكن هو موقوف على أبي سعيد الخدري ، وعلى عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عن الجميع أنهما قالا: من أكل أول النهار فليأكل آخره، وعلى هذا فالمسافر الذي أكل أول النهار بعذر شرعي فإنه إذا قدم إلى بلده يستحب له الإمساك، وإنما استحببنا له أن يمسك؛ لحرمة زمان الصوم، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وهذا قد شهد هذا اليوم ولم نوجبه عليه؛ لأن ( من أكل أول النهار فليأكل آخره )؛ فلأجل أن هذا داخل في عموم هذا الحديث استحببنا له ذلك، ولا يجب عليه؛ لأن الوجوب يحتاج إلى دليل شرعي، ولا دليل شرعي في هذا الباب.

    وأما مسألة حديث سلمة بن الأكوع، وحديث الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن جاء عليه يوم عاشوراء: ( من صام منكم أول اليوم فليتم صومه، ومن أكل فليمسك بقية يومه فإن اليوم يوم عاشوراء )، نحن نقول: هذا وجب عليهم في أثناء النهار، وفرق بين من وجب عليهم وبين من جاز له أن يأكل ويستحب له أن يمسك، كالمسافر إذا قدم، وكذلك يقال في حق الحائض والنفساء, فإن الأقرب والله أعلم أن الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار بأن زال المانع فيستحب لهما الإمساك، ولا يجب كما هو مذهب مالك ؛ لأن الوجوب حكم شرعي لم يثبت إلا بدليل شرعي، ولا دليل شرعي يثبت ذلك.

    وأما دليل حرمة الزمان, فهذا دليل على الاستحباب لا على الوجوب كما هو مذهب مالك والله أعلم.

    إذا ثبت هذا فإن المسافر إذا كان في بلده وهو صائم, ثم خرج من بلده في أثناء النهار, فإن الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن له أن يفطر، وهذا هو مذهب الحنابلة خلافاً لجمهور الفقهاء, فإن الحنابلة قالوا في حق الرجل المقيم وقد صام أول النهار ثم خرج في أثناء النهار, بعد أن فارق بنيان قريته: أن له أن يفطر، لماذا؟ لأنه مسافر فهو داخلٌ في عموم قول الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فهذا يصدق عليه, ومما يقوي ذلك ما رواه الدارقطني و البيهقي من حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه, أنه خرج في فسطاط من مدينته وهو صائم، فأتي بغدائه فقال لمن معه: هلم إلى الغداء، قال: ألست ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم؟ أو أترغب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم؟

    فهذا يدل على أن المرء إذا كان في بلد وهو مقيم, ثم خرج في أثناء النهار فله أن يفطر، وقلنا: إن هذا مذهب الحنابلة خلافاً لجمهور الفقهاء، ولا يستدل لهذه المسألة بقصة النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان صائماً أثناء النهار ثم أكل؛ لأن صومه في أثناء النهار وهو مسافر؛ ولهذا جاء في رواية جابر بن عبد الله كما في الصحيحين: ( حتى إذا بلغ كراع الغميم ), وكراع الغميم تبعد عن المدينة مسافة كبيرة, فيبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صام هذا اليوم الأول وهو في المدينة، وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» قال: أن هذا الحديث لا يمكن أن يستدل به في مسألة من كان مقيماً ثم سافر في أثناء النهار أن له أن يفطر, ولكنه دليل على أن من كان مسافراً فأراد أن يفطر فله ذلك؛ لحديث جابر بن عبد الله وكذلك حديث ابن عباس . هذه المسألة الثانية.

    المسألة الثالثة في حق المسافر: رجل كان في بلد مثل السعودية وقد ثبت هلال رمضان يوم السبت مثلاً، ثم سافر إلى بلد آخر، وهذا البلد وصل إليه في نهار السبت وهم لم يصوموا, فهل له أن يتابعهم في ذلك, أم يتابع البلد الذي سافر منها؟

    قولان عند أهل العلم:

    أولاً: نقول: إذا كان صائماً ثم سافر إلى بلد, قلنا: له أن يفطر؛ لأنه مسافر, ولكن الأفضل أن يمسك كما هو مذهب الجمهور.

    ثانياً: أنه إذا انتهى هذا اليوم ثم وصل إلى البلد الثاني، وهذا البلد لم يهل هلال رمضان في حقهم، فهل يتابع بلده أم يتابع البلد الثاني؟

    الحنابلة رحمهم الله لهم روايتان:

    الرواية الأولى عندهم: أن له أن يتابع بلده الأول.

    الرواية الثانية: وهو مذهب الشافعية وهو اختيار ابن تيمية أن له أن يتابع البلد الثاني؛ لما جاء عند الترمذي و الدارقطني و البيهقي بسند لا بأس به من حديث عائشة -وكذلك هو موقوف من حديث ابن عمر ومن حديث أبي هريرة - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون )، فهذا يدل على أن الإنسان تبع للبلد الذي وصل إليه، ومما يقوي ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث كريب ( أن أم الفضل بعثته إلى معاوية في الشام فلما قدم على ابن عباس قال ابن عباس : متى رأيتم الهلال، قال: رأيناه ليلة الجمعة قال ابن عباس : أما نحن فإنما رأيناه ليله السبت, فقلت له: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

    فهذا يدل على أن المرء إذا وصل إلى بلد فإنه يجب عليه أن يتعلق حكمه بهذا البلد, إذا ثبت هذا فإن كان البلد الأول الذي سافر منه قد صام مقدار ثلاثين يوماً, فلما وصل إلى البلد الثاني وقد صاموا بعد البلد الأول ثلاثين يوماً أيضاً، فيكون حينئذٍ قد صام واحداً وثلاثين يوماً، وهل له أن يفطر بناء على صيام البلد الأول أم يجب عليه أن يمسك لأن الحكم ظني؟

    قلنا: المسألة فيها قولان, والأقرب والله أعلم: أنه يجب عليه أن يمسك؛ لأنه أخذ بحكم البلد الثاني, هذا مذهب الشافعية ورواية عند الإمام أحمد وهو اختيار الفتوى عندنا، وهو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز ، واختيار شيخنا محمد بن عثيمين رحمة الله على الجميع.

    1.   

    نصيحة لمن قدم إلى بلد وهم صائمون وهو مفطر

    المقدم: أحسن الله إليكم وشكر لكم.

    في مسألة المسافر والحائض وأن لهما الفطر أثناء النهار وحرمة الزمان، فهل له أن يجاهر بالفطر أمام الناس في سيارته ونحو ذلك؟

    الشيخ: حينما يقول الفقهاء: إن له أن يفطر, فليس معنى ذلك أن يخرم سلوكيات المجتمع, أو أن يخرم عادات المجتمع, فـعمر رضي الله عنه حينما رأى رجلاً نشوان قد أفطر قال: وصبيان المسلمين صيام؟! فجلده وشد عليه في الجلد؛ لأنه كان سكران فهو آثم؛ لأجل أنه يجب على الناس أن يحترموا مشاعر الآخرين، ومشاعر البلد، حتى الذين ليسوا بمسلمين ودخلوا إلى بلدنا فيجب عليهم أن يأخذوا أحكام البلد الذي دخلوا عليه، وعلى هذا فلا ينبغي لمن سافر مثلاً من الرياض إلى مكة، وقال: يجوز لي أن أفطر, ليس معنى ذلك أن الإنسان يدخل المحل فيأكل، ويخرم عادة مجتمعه، وربما أساءوا به الظن, وقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم ), ولعل هذا منها, فليس معنى ذلك أننا نقول له: يجوز لك أن تجاهر بذلك فإن مثل هذه المجاهرة ربما تؤدي إلى جعل بعض الناس الذين ليسوا بمسافرين أن يخرموا مثل هذا الشهر بدعوى أنهم كانوا مسافرين, أو أنهم مسافرون وغير ذلك. والله أعلم.

    1.   

    ما يلزم الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار في رمضان

    المقدم: أحسن الله إليكم وأثابكم الله على هذا الإيضاح.

    للحائض والنفساء إذا زال العارض عنهما, هل يستحب لهما أن يمسكا ذلك اليوم، لا سيما إذا شكت في طهرها, مثلاً هل كان قبل الفجر أو بعد الفجر؟

    الشيخ: الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار بحيث تعلم أن أول النهار لم تكن طاهرة, فحينئذٍ قلنا: إن مذهب الحنابلة والشافعية يجب عليهما أن يمسكا، وقلنا: الأقرب والله أعلم أن الإمساك في حقهما مستحب؛ لقول ابن مسعود و أبي سعيد (من أكل أول النهار فليأكل آخره)، ولكن لها أن تمسك من باب الاستحباب، وإذا كانت قد طهرت في الليل ولكنها تشك فالأصل هو عدم الطهر، لكن إذا تيقنت أنها طاهرة ثم جاءها الوسواس فنقول: أزيحي هذا الوسواس عن نفسك واستمري في صيامك إذا ثبت لك أنك كنت طاهرة، ولعل في هذا كفاية والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    المقدم: أحسن الله إليكم! يبدو أن الوقت قد داهمنا مستمعينا الكرام، أعتذر شيخي الجليل عن إتمام بعض ما نحن بصدده من الحديث عن مسائل تتعلق بالمسافر وأحواله، وكذا أيضاً أحوال الحائض والنفساء وما يجب في حق كل منهم، على أمل أن نلتقي بكم إن شاء الله في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

    الشكر في ختام هذا اللقاء بعد الشكر لله جل في علاه لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي , الأستاذ المشارك في معهد الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، شكراً له وشكراً لكم، وإلى اللقاء.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755993624