إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة المسافر والمريض - حديث 456-457

شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة المسافر والمريض - حديث 456-457للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ورد في السنة من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويصوم ويفطر، فهذا الحديث رغم ضعفه إلا أن بعضهم سووا بين القصر في السفر والفطر مع أن بين المسألتين بوناً شاسعاً، ومع هذا فإنه يستحب للمسافر أن يعمل برخص السفر، بل يستحب للمسلم إتيان رخص الشرع مع ضرورة التمييز بين أنواعها، وإعطاء كل رخصة منزلتها.

    1.   

    شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويصوم ويفطر)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وسلم تسليماً كثيراً، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وهذا هو الدرس رقم: (165) من أمالي شرح بلوغ المرام ينعقد في هذه الليلة: ليلة الإثنين (14) من شهر ربيع الأول من سنة (1425هـ).

    طيب, بعد ذلك المصنف رحمه الله انتقل إلى حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها وهو: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم, ويصوم ويفطر ).

    تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه

    نَسَبَ المصنف هذا الحديث إلى الدارقطني قال: ورواته ثقات، إلا أنه معلول، طبعاً الحديث كما ذكر المصنف رحمه الله رواه الدارقطني , ورواه من طرق عديدة عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها.

    والذين رووه عن الدارقطني هم في الغالب من الضعفاء، فإن هذه اللفظة أو هذا السياق روي عن عطاء من طرق: فرواه عنه طلحة بن عمرو وهو ضعيف، وهذا عند البيهقي والدارقطني .

    وثانياً: رواه أيضاً دَلهم أو دُلهم عند البيهقي وهو ضعيف أيضاً.

    الطريق الثالث: رواه المغيرة بن زياد عند الدارقطني والبيهقي والطحاوي في شرح معاني الآثار، وهذا تقريباً أشهر الطرق، طريق المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة، حتى إن الحديث غالباً يعرف بحديث المغيرة بن زياد , ومع ذلك فإن المغيرة بن زياد قال فيه الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن هذا الحديث قال: إن هذا الحديث من مناكيره، بل ذكر ابن حزم عن الإمام أحمد أنه قال: إن كل ما رواه المغيرة فهو منكر، ولذلك ابن حزم أيضاً حكم على هذا الحديث بالنكارة, وأعله جماعة من أهل العلم بالمغيرة، أعله به كما ذكرنا الإمام أحمد وأعله به ابن حزم وأعله به عبد الحق الإشبيلي في كتاب الأحكام، وأعله به ابن الجوزي والهيثمي وسائر الأئمة, فإنهم أعلوا الحديث بـالمغيرة بن زياد.

    وبناءً على ذلك فإننا نقول: إن هذا الحديث بهذا اللفظ منكر، وهو ما أشار إليه الحافظ رحمه الله بقوله: إنه معلول، وابن تيمية رحمه الله وابن حجر وضعوا احتمالاً أن يكون في لفظ الحديث تحريف, وأن اللفظ: ( كان يقصر في السفر وتتم )، يعني: عائشة رضي الله عنها، ( ويفطر وتصوم )، يعني: عائشة رضي الله عنها، فيكون اللفظ مختلفاً عما عند المصنف، يكون الإتمام ويكون الصيام من فعل عائشة وليس من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    وهذا القدر أيضاً منكر، لما ذكرناه في الجلسة الماضية لما سقنا حديث الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم -وفي بعض الروايات: في عمرة في رمضان- فكان يقصر وأتم، ويفطر وأصوم، فلما رجعت سألته، فقال صلى الله عليه وسلم: أحسنت يا عائشة ! ) وذكرنا علة هذا الحديث وضعفه.

    ذكرنا أولاً إعلاله من حيث المعنى، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان وإنما كانت عمره في ذي القعدة، وذكرنا أيضاً أنه كان يبعد أن تذهب معه عائشة رضي الله عنها وتخالفه ولا تستفتيه في الوقت ذاته، وحتى الرواية التي ليس فيها ذكر العمرة في رمضان، فإن قولها: ( ويفطر وأصوم )، دليل على أنهم سافروا في رمضان، وأسفاره صلى الله عليه وسلم في رمضان معروفة، فلذلك أعل العلماء هذا الحديث، ومن أكثر من تكلم فيه الإمام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من الفتاوى حتى إنه أفرد فيه عشرات الصفحات، وبالغ رحمه الله في إنكاره، حتى إنه قال: إن هذا الحديث لا شك أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتبعه في ذلك الإمام ابن القيم , ونقل كلامهم جماعة من الأئمة والعلماء والمحققين، هذا من جهة المتن.

    طيب! من جهة الإسناد، هناك أحد يعرف علة الحديث؟

    ضعفنا الحديث لوجود العلاء فيه، فلذلك قلنا: إن الحديث ضعيف سنداً ومتناً, وهو بهذا يجتمع مع حديث الباب في أن عائشة كانت هي التي تتم وهي التي كانت تصوم، والمصنف هنا قال: إن الحديث معلول كما ذكرنا.

    الفرق بين حكمي قصر الصلاة والفطر للمسافر

    أيضاً مما يعلق به على الحديث الفرق بين الإتمام وبين الفطر، فإن الفطر عن عائشة رضي الله عنها ثابت كما في صحيح البخاري ذكرناه سابقاً عن عروة وقد سألها عن ذلك، فقالت: [إنه لا يشق علي]، بالنسبة للصوم في رمضان، وقال العلماء كما ذكره ابن حجر وابن تيمية : إن عائشة رضي الله عنها لو كان عندها توقيف أو خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما احتاجت إلى أن تتأول وتقول: [إنه لا يشق علي] لما سئلت, ولقالت: لقد صمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر علي, وقال لي: أحسنت يا عائشة ! فلما لم تقل ذلك وإنما تعللت بعلة تأويل، وهو أن الأمر لا يشق عليها دل على أنه لم يكن عندها فيه خبر في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، هذا أيضاً مما يضاف.

    ويضاف إليه: أن الأمر واضح في الفرق بين الإتمام في الصلاة وبين الصوم في رمضان؛ لأن الصوم في رمضان كما أنه ثابت عن عائشة رضي الله عنها من فعلها, وتأولها إلا أنه بالنسبة لإتمام الصلاة ثابت عنها، أنها كانت تتم وتقول: (لا يشق عليَّ)، لكن بالنسبة للفطر في رمضان لم يثبت عنها أنها كانت تصوم في السفر، وبينهما فرق؛ لأنه كما ذكرنا وأشرنا أن حكم الفطر في السفر غير حكم الإتمام، يعني: ليسا مترابطين، وهذا أشار إليه ابن تيمية رحمه الله أن الحكم مختلف بالنسبة للصيام، من كان لا يشق عليه الصوم مثلاً في السفر ولا يكلفه هل يكره له الصيام؟ لا.

    وإنما الأمر فيه تفصيل: بعضهم يرى أنه إذا كان الأمر مستوياً فإن الصوم أفضل؛ لأنه أسرع في إبراء الذمة، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لإتمام الصلاة؛ لأن النصوص في إتمام الصلاة أوضح وأقوى, وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه في حديث صحيح ولا حسن أنه أتم في السفر، ولا أحد من أصحابه أتموا بحضرته كما في حديث ابن عمر أيضاً وابن مسعود أنهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان صدراً من خلافته, فلم يكونوا يتمون الصلاة، إلا أنه بالنسبة للصيام ورد أنهم كانوا يصومون في السفر، مثلما جاء في حديث عمرو بن حمزة الأسلمي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر )، يعني: في السفر، وكذلك الحديث الآخر: ( فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، والمفطر على الصائم ) من حديث أنس، والحديث الآخر: ( أنه كان منهم الصائم ومنهم المفطر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر )، ولم يعب على الصوام.

    إذاً: مسألة القصر في الصلاة غير مرتبطة بالفطر في السفر، القصر له حكم, والفطر له حكم آخر، فالقصر نقول: الراجح أن الصلاة يستحب قصرها في السفر استحباباً مؤكداً، وبعضهم يرى الوجوب، بينما بالنسبة للفطر نقول: ليس الأمر كذلك، وإنما يفطر إذا كان يشق عليه، وإذا لم يشق عليه وصام، كذلك جائز، وقد يكون فاضلاً عند بعض أهل العلم، فليس الأمر مرتبطاً بين إتمام الصلاة وبين الصوم في السفر في رمضان، فهذا جانب مهم؛ لأن حديث عائشة -حديث الباب- وإن كان بالضعف الذي ذكرنا إلا أن هناك من أهل العلم من قد أخذ بظاهره, وممن وقع في هذا: الإمام الشافعي رحمه الله، فإنه ساق الحديث وكأنه احتج به، وكذلك اغتر به بعض الحنابلة مثلما ذكره جمع من أهل العلم وأخذوا بظاهره، وكأنهم بذلك يسوون بين القصر في السفر وبين الفطر.

    طيب, إذاً: هذا هو الحديث الأول حديث عائشة، وقلنا: إنه حديث كما ذكر المصنف معلول أو منكر كما أشار إليه أحمد وغيره، وأن الرواية الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصوم وكانت تتم الصلاة، وليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الرواية أن عائشة كانت تروي فعلها هي وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم، هي الرواية التي ذكرها عمر بن ذر وهو كوفي ثقة عنها رضي الله عنها .

    طبعاً المصنف رحمه الله ذكر بعد ذلك لفظاً آخر، قال: والمحفوظ عن عائشة رضي الله عنها من فعلها، وقالت: (إنه لا يشق علي)، ونسبه إلى البيهقي، فهذا اللفظ هو اللفظ الصحيح، وهو من رواية عروة عن عائشة، هذا اللفظ عند البيهقي أنها قالت: (إنه لا يشق علي)، بينما في صحيح البخاري أن عروة رضي الله عنه قال: (إنها تأولت كما تأول عثمان)، وتأول عائشة رضي الله عنها اختلف فيه، والأرجح هو أنها رأت أن الأمر مرتبط بالمشقة، وبعضهم قالوا: لأنها كانت ترى نفسها أم المؤمنين، فكل بلاد الإسلام بلاد لها، وهي متأهلة في كل مكان، وهذا وجه ضعيف.

    1.   

    شرح حديث: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه)

    طبعاً الحديث ليس فيه أكثر من هذا؛ لأن مسألة القصر سبق لنا أن بحثناها.

    ولذلك ننتقل بعدها إلى الحديث الآخر, وهو حديث ابن عمر رضي الله عنه رقمه: (432) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته )، والحديث نسبه المصنف للإمام أحمد، قال: رواه أحمد , وصححه ابن خزيمة وابن حبان , فالحديث رواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ المصنف.

    وبرواية أخرى أيضاً: ( كما يحب أن تؤتى عزائمه )، ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه، وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي وغيرهم من أهل العلم.

    وسند الحديث حسن وإن كان المصنف لم يذكر شيئاً فيما يتعلق بإسناده، وقد صححه جماعة كما ذكرنا, وتوارد العلماء على تصحيحه، والأقرب أن درجة الحديث أنه حسن ؛ لأنه من رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي وهو صدوق من رجال الإمام مسلم في الصحيح، وهو يتقاصر عن درجة الثقة إلى درجة الصدوق، وبناء عليه فالحديث حسن, ولا يرتقي إلى درجة الصحة، لكن للحديث شواهد وطرق كثيرة.

    معاني ألفاظ الحديث

    ما يتعلق بألفاظ الحديث:

    قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه )، (تؤتى رخصه) معناها: تُفعل، والرُخص جمع رخصة، والرخصة تطلق على عدة معان يمكن نقتصر منها على ثلاثة معان:

    المعنى الأول للرخصة: يقولون: إن الرخصة من معانيها النعومة، وهذا معروف عند الأدباء والشعراء وأهل اللغة، يصفون المرأة مثلاً بأنها رَخْصة- بسكون الخاء- ويقصدون بها أنها ناعمة الملمس، ومنه: رَخُص البدن إذا نعم ولان ملمسه، ومن الأبيات المشهورة:

    أقول للشيخ لما طال محبسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

    في رَخْصَة بضة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مرجع الناس

    فهذا من معاني الرخصة أو الرخص.

    المعنى الثاني: الرخص بمعنى: انخفاض السعر، وهذا أيضاً معروف تقول: هذا شيء رخيص, أو هذه سلعة رخيصة، يعني: سعرها منخفض.

    والمعنى الثالث: هو الإذن بالشيء بعد المنع منه، وهذا أيضاً كثير, فأنت تجد في النصوص الإشارة إلى أنه رَخَّص في كذا، كما ربما نستشهد بحديث أبي سعيد الخدري في البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في الحجامة للصائم )، فقد أخذ جماعة من أهل العلم أن هذه رخصة بعد عزيمة، أنه بعدما منع من ذلك رَخَّص فيه، وهذا هو المعنى المقصود هنا، أن يكون أذن بالشيء بعد النهي عنه، وعلى هذا يكون اسمها رخصة على وزن فعلة، وهي ضد الشدة، فالرخصة هنا ضد الشدة.

    أما من حيث المعنى الاصطلاحي فإن كلمة رخصة كثيرة الدوران على الألسنة، ولذلك يجب أن يكون هناك تنبه إلى المعاني التي تستخدم فيها كلمة رخصة، فمعظم الأصوليين يطلقون الرخصة ويقصدون بها الحكم الاستثنائي، أو يقصدون بها ما ورد أو شرع استثناءً على خلاف الأصل لعارض أو لحاجة، حكم استثنائي على خلاف الأصل لعارض أو لحاجة.

    مثاله: لو قلنا: إن القصر رخصة في السفر، لقلنا: إن القصر حكم وهو استثنائي؛ لأن الأصل هو إتمام الصلاة، فهو خلاف الأصل الذي هو أن تكون الصلاة أربعاً، وهو هنا لعارض أو لحاجة، وربما نقول: إن العارض هو السفر، أو الحاجة هي عموم المشقة في السفر، وإن لم يكن الأمر مرتبطاً بالمشقة وهو مرتبط بالسفر، لكن رخص في السفر؛ لأن السفر يكون مظنة حصول المشقة في الغالب للناس.

    إذاً: هذا هو معنى الرخصة عند جمهور الأصوليين وجمهور العلماء وإن اختلفت عباراتهم وألفاظهم في تعريفها، فهذا من معاني الرخصة.

    وقد تطلق الرخصة أحياناً على معنى الإذن بالشيء من غير استحباب، ولذلك لما يفرِق العلماء بين القصر والجمع ومنهم ابن تيمية رحمه الله, والحنابلة ذكروا هذا اللفظ في مواضع كثيرة، لما يفرقون بين القصر والجمع، يقولون: القصر سنة مؤكدة، والجمع رخصة، ويقصدون بأنه (رخصة) أنه غير مستحب، وإنما هو مأذون به، وقد يكون الأفضل عدمه إلا إذا احتاج إليه.

    فهذا من معاني الرخصة وهو يختلف قليلاً عما هو عندنا؛ لأن هنا الحديث فيه: ( إن الله يحب )، بينما أحياناً قد تطلق الرخصة على شيء ليس محبوباً بذاته، وإنما هو مثل غيره، أو قد يكون غيره أفضل منه.

    كما أن كلمة (الرخصة) تطلق على معنى ثالث ربما أشرنا إليه في درس مضى، وهو ما يسمى برخص الفقهاء، يعني: أن من الفقهاء من يترخص في أشياء، وما من فقيه إلا له رخصة في أشياء كما عرف مثلاً عن أهل المدينة غالباً الرخصة في السماع، ما هو السماع؟ يعني: الغناء، ونقل عن أهل مكة الرخصة في المتعة، ونقل عن أهل الكوفة الرخصة في النبيذ، فهذه تسمى رخصاً؛ لأنها أشياء خلاف ما عليه أكثر أهل العلم، وما ترشد إليه عامة الأدلة، فمثل هذه تسمى رخصاً فقهية وليست رخصاً شرعيةً.

    ولذلك قال أهل العلم بمنع تتبع مثل هذه الرخص، حتى نقل عن المعتضد أنه أحضر إسماعيل القاضي وأحضر له كتاباً قد كتبه بعضهم, وفيه مثل هذه الرخص، فلما قرأه القاضي قال: إن كاتب هذا الكتاب زنديق، فقال الخليفة: كيف؟ أليس فيه هذه الأخبار الصحيحة؟ قال: بلى، ولكن من يقول بهذا لا يقول بهذا، يعني: من يقول بالرخصة في المتعة مثلاً لا يقول بالرخصة في الغناء، ومن يقول بالرخصة في الغناء لا يقول بالرخصة في النبيذ، ومن يقول بالرخصة في النبيذ لا يقول بالرخصة في إتيان المرأة في دبرها، وهكذا.

    فجمع هذه الرخص كلها وأن يكون المبدأ هو أخذ ما ترخص فيه الناس من غير اعتبار ونظر للأدلة, هذا قد يترتب عليه كما نقل عن الإمام أحمد ومالك وغيرهم ذم ذلك, وأنه إن أخذ برخص العلماء اجتمع فيه الشر كله، ونقل ابن حزم في كتابه مراتب الإجماع اتفاق الفقهاء على منع ذلك وتحريمه.

    إذاً: هذه تقريباً ثلاثة معان للرخصة عند الفقهاء.

    إذاً: قوله: ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته )، معنى (تؤتى) هنا: تفعل أو ترتكب، واللفظ الآخر: ( كما يحب أن تؤتى عزائمه )، وابن تيمية رحمه الله كأنه رد هذه اللفظة، وقال: ما هكذا كان الحديث، والمقصود بأن: (يحب أن تؤتى عزائمه) أن تفعل أوامره اللازمة على الناس، يعني: يحب أن يأتي الإنسان الرخصة كما يحب سبحانه أن يفعل الإنسان الواجب اللازم له.

    هذا ما يتعلق بألفاظ الحديث.

    فوائد الحديث

    من فوائد الحديث: إثبات صفة المحبة لله تبارك وتعالى: ( إن الله يُحب )، وهذه الصفة جاءت في القرآن والسنة في نصوص كثيرة جداً، نسمع منكم على عجل بعض هذه النصوص التي فيها ذكر المحبة: - (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ))[البقرة:222]. - (( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ))[المائدة:54]. - (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ))[الصف:4]. - (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ))[آل عمران:31]. ومن السنة: - ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه ). حديث الباب. - ( وما كان أكثر فهو أحب إلى الله ) حديث أبي بن كعب

    ، سبق معنا. - ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ). - ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه )، وهو علي

    رضي الله عنه. إذاً: هذه من فوائد الحديث. أيضاً نذكر من الفوائد: إثبات الكره لله، أن الله يحب, وأن الله أيضاً يكره، كما قال: ( كما يكره )، فهذه فائدة ثانية، وهذه أيضاً الفائدة ثابتة في الكتاب والسنة، مثل: يكره: - (( ولَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ))[التوبة:46]. - (( كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ))[الإسراء:38]. ومن السنة: ( إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال )، طيب! ونحن نؤمن بهذه الألفاظ والمعاني ونثبتها على ظاهرها ونمرها كما جاءت من غير تأويل . طيب, الفائدة الثالثة من فوائد الحديث: استحباب إتيان الرخص الشرعية، ونقول: إن الرخص الشرعية تقريباً ضروب شتى, والحقيقة أنا قرأت فيها كثيراً, ولعلي أشير لكم على سبيل المثال إلى كتاب جميل، اسمه: أحكام الرخص في الشريعة الإسلامية للدكتور حسين خلف الجبوري

    , وهذا وجدته بحثاً في مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي، لكن أتوقع أنه كتاب مطبوع، وهو يمكن من أجود وأفضل ما كتب في موضوع الرخص، وكذلك هناك كتاب آخر هو عبارة عن رسالة ماجستير للدكتور علي أبو البصل

    من الجامعة الأردنية اسمه: الرخص في الصلاة , هذه فيها بحوث علمية جيدة، وأعتقد أن طالب العلم بحاجة إليها خصوصاً في هذا العصر لما فيها من الاعتدال في تنظير موضوع الرخصة والتوازن بين الإفراط وبين التفريط.

    أنواع الرخص

    لكن نقف عند مسألة أنواع الرخص وما يتعلق بها، وبعض الوقفات التي لا تخلو إن شاء الله من فائدة.

    فأولاً: الرخص الشرعية لها أنواع كثيرة:

    النوع الأول: إباحة الشيء المحرم للضرورة:

    وهذا له أمثلة لعل من أظهرها وأوضحها مثلاً: أكل الميتة للمضطر، كما في قوله سبحانه: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173]، وأيضا: النطق بكلمة الكفر عند الإكراه, كما في قوله سبحانه في سور النحل: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل:106]، فالآية الكريمة كما هو معروف عند علماء التفسير بل حكاه بعضهم إجماعاً أنها نزلت في قصة عمار بن ياسر لما ضربوه وأكرهوه وآذوه، حتى كانوا إذا مر الجعل من عنده قالوا: هذا إلهك من دون الله، فيضطر إلى أن يجيبهم بنعم، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان ضيق الصدر، فقال: ( ما وراءك؟ قال: شراً، ما زالوا بي حتى طاوعتهم على ما يريدون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فإن عادوا فعد ).

    فهذا دليل على أن الإنسان إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان جاز له تحت الإكراه والضرورة والضغط والضرب والخوف ونحوه أن يطاوعهم ويجاريهم على هذا الأمر ويحفظ بذلك نفسه من الذهاب والقتل، أو من الأذى الشديد، أو ما أشبه ذلك، مع أننا نقول في هذه الحالة: هل هذه الرخصة هي الأفضل أم لا؟

    دعونا نقول قاعدة عامة في هذا: الأفضل هو الصبر وعدم مطاوعتهم لما يريدون لمن وجد وآنس من نفسه قوة، والدليل على ذلك قصة أصحاب الأخدود مثلاً: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوْج [البروج:1]، وكيف أن الله تعالى زكاهم وأثنى عليهم بصبرهم وإلقاء أنفسهم في النار, وعدم مطاوعتهم للكفار.

    وأيضاً: القصة الأخرى وقد ذكرها البخاري في صحيحه وذكرها عامة أهل السير، وهي قصة خبيب بن عدي رضي الله عنه، فإن المشركين أخذوه وسجنوه وقيدوه وأرادوه على الكفر، فأصر حتى إنهم قيدوه ووضعوه على خشبة وصلبوه، وهو يقول:

    ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي

    وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع

    ولست بمبد للعدو تخشعاً ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي

    في قصة وقصيدة طويلة، وذكر البخاري طرفاً منها، وكانوا يقولون له: (هل تتمنى أن محمداً مكانك وأنك آمن في أهلك؟ فيقول: والله ما أتمنى أن محمداً تصيبه شوكة وأني في أهلي) يعني: أفضل أن أموت فداءً لأن تصيب رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم شوكة واحدة، فهذا من المقامات والمواقف القوية الصلبة خاصة لمن كان له أثر وله نظر كما حصل للإمام أحمد رحمه الله وغيره لما أرادوه على القول بخلق القرآن، فأصر وحبس وأوذي وقيد وناله ما ناله من المحنة، وهو يداري عن ذلك؛ لئلا يترتب عليه إضلال الناس أو تغيير عقائدهم وإيمانهم.

    إذاً نقول: الأصل هو الصبر وهو أفضل، لكن المطاوعة لهؤلاء بإظهار الكفر أو ما دونه هو رخصة جائزة للإنسان، وقد يكون أفضل في حق فرد معين، يعرف من نفسه أنه قد لا يطيق الصبر، وأنه لو تقدم في المقامات ربما تحمَّل شيئاً قد يذهب به دينه، ويتغير به قلبه، والإنسان بشر من لحم ودم وعواطف ومشاعر وربما لما يزداد عليه الضغط أحياناً يتعرض من البلاء لما لا يطيق، وقد يؤثر هذا حتى في إيمانه ودينه، فهنا حرص الإنسان على العافية أول الأمر يكون جائزاً بالنظر إلى حاله الخاصة وليس بالنظر للقاعدة العامة.

    إذاً: هذا هو النوع الأول من الرخصة، وهو ما يتعلق بفعل المحرَّم عند الضرورة، وقد يكون المحرَّم كما قلنا هو الكفر أو ما دونه، شريطة أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان كما شرط الله تعالى.

    وكذلك العلماء ذكروا أشياء، منها مثلاً: أكل الميتة للمضطر، ومنها شرب الخمر لمن أراد أن يدفع به غصة، وهذا المثل كثيراً ما يذكره الفقهاء إذا لم يجد غيره ولم يجد ماءً فاضطر إلى أن يدفع الغصة بشرب الخمر.

    وهنا طبعاً مباحث فقهية كثيرة: هل هذه الأشياء على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب أو الجواز؟ ولا شك أن هذه تختلف عن التي قبلها في موضوع الكفر؛ لأن الكفر باب كبير، بينما هذه الأشياء هي في الأصل من الأمور المحرمة الممنوعة التي يزول تحريمها للحاجة، أو للضرورة، فإذا تعاطاها الإنسان كان بذلك غير آثم، وقد يتعين هذا الأمر عليه؛ لئلا تذهب روحه.

    النوع الثاني: هو إباحة ترك الواجب للضرورة أيضاً، أو لغير الضرورة أيضاً للمشروعية:

    ومثال إباحة ترك الواجب للمشروعية، يعني: لأنه مشروع، مثل ترك الصيام في رمضان للسفر، ومثل أيضاً ترك القيام في الصلاة للعاجز، أو للمريض، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وحديث عمران : ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب )، وهكذا يدخل فيه أيضاً ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا خاف الإنسان أن يقع عليه ضرر بسبب ذلك وهو لا يتحمل هذا الضرر، فإذا كان الضرر شخصياً مثل أن يسجن أو يضرب أو يشهر به وهو لا يتحمل هذا، فإنه يجوز له حينئذٍ أن يترك هذا الأمر؛ لئلا يتعرض من البلاء لما لا يطيق، وإن وجد وآنس من نفسه صبراً وجلداً وقوة وتحملاً فلا شك أنه مأجور على ذلك.

    طيب, لو خاف أن يقع ضرر ليس عليه هو وإنما على الناس, فهل يجوز له ترك الأمر بالمعروف؟

    إذا كان خوف الضرر على نفسه، يقول: أنا عارف أن هذا الأمر مثلاً جيد، ولكني إن فعلته أوذيت أو سجنت، هنا نقول: يجوز له تركه والأفضل الفعل والصبر، لكن لو قال: لا, أنا أخشى أن يقع بسبب هذا الأمر بالمعروف أو هذا النهي عن المنكر ضرر على الناس كلهم، مثل: إغلاق مجالات الدعوة، أو حرمان الناس منها، أو التشهير بأهل الخير، أو فتح ثغرات عليهم، أو أن يتحدث الناس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه )، فهنا نقول: قد يتعين ويجب عليه أن يترك؛ لأن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ذكرناه مراراً هو يقيناً وباتفاق العلماء بقضية حصول المصلحة ودفع المفسدة، وبعض الناس يقع عندهم لبس بين هذا وبين قضية براءة الذمة، فيظنون أن المقصود براءة الذمة، وأقول: براءة الذمة هي في فعل المشروع، وليس فقط بكلمة يقولها الإنسان، وإنما براءة الذمة بأن يفعل الإنسان المشروع الذي تزول به المفاسد, وتتحقق به المصالح .

    القسم الثالث من الرخص: هو تصحيح بعض العقود التي الأصل أنها لا تَصِح، ولكن أجازها الشرع رعاية لمصالح الناس وحاجاتهم، ولذلك أمثلة عديدة:

    منها على سبيل المثال من العقود التي هي على خلاف الأصل كما يعبر بعض الأصوليين، وإن كان منهم من يقول: إن لها أصلاً آخر والنص بذاته أصل، من ذلك مثلاً العرايا، الترخيص في العرايا، وهي: بيع التمر على رءوس النخل بخرصها كيلاً من أجل أن يستمتع الناس بالتمر الجديد، والنبي صلى الله عليه وسلم رخص بذلك في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق، والحديث متفق عليه، فهذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن التمر من الأجناس الربوية التي لابد في بيعها بمثلها من التساوي، وفي مثل هذه الحالة حالة العرايا: هل يمكن التساوي وضبطه؟ لا يمكن ضبطه، وإنما يعني: على سبيل التقريب، والفقهاء يقولون: الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل، يعني: إذا لم نعرف أنها متساوية فهو مثلما لو عرفنا أنها مختلفة، فالشرع أباح العرايا لمصلحة الناس حتى يأكلوا تمراً طرياً ورطباً في بيوتهم.

    أيضاً من الأمثلة على هذا النوع من الرخص بيع السلم وقد ذكرناه وشرحناه سابقاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه، وهو يعتبر من بيع المعدوم، لأني أعطيك مالاً الآن على أن تعطيني بعد سنة السلعة، وقد تكون السلعة غير مخلوقة الآن، فهذا يعتبر بيع معدوم، ولكن رخص الشرع فيه لحاجة الناس إليه، فهذه ألوان من الرخص التي صحح الشرع فيها بعض العقود.

    أيضاً عقد الاستصناع يدخل من هذا الباب؛ لأنه أشبه ما يكون ببيع المعدوم، ولكن حاجة الناس إليه حملت على هذا، إذاً: هذا هو النوع الثالث من الرخص الشرعية.

    وهذه تقسيمات عامة اجتهادية وليست حاسمة، يمكن نضيف نوعاً رابعاً وهو الرخصة للناس لحال العامة، إذا كنا مثلاً تكلمنا عن الرخصة للإكراه، إذا أكره الإنسان وقلبه مطمئن بالإيمان, وهذه حال فردية أو شخصية، فهناك الرخصة العامة المتعلقة بالأمة كلها، من إجراء السياسات الشرعية، والمصالح المتعلقة بعلاقات الأمم مع الأمم الأخرى، وغيرها على ما يحفظ حال الأمة، ومما يتعلق بهذه الرخصة ويدل عليها ما في صحيح مسلم : ( لما حاصر الصحابة رضي الله عنهم الطائف، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّا قافلون غداً، فقال الصحابة: يا رسول الله! نرجع ولم نفتحها، فأصابتهم جراح، فقال لهم من الغد: إنَّا قافلون غداً، فأعجبهم ذلك، فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم )، فهذا دليل على أهمية مراعاة الرخصة، وأن أصل باب الرخصة في الشريعة من أعظم الأبواب .

    ولذلك العلماء يربطونه مثلاً برفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ويربطونه بالتيسير، ويربطونه بمراعاة مصالح الناس؛ لأننا يجب أن نراعي أن الشريعة ما جاءت بحمل الناس على الأمور الصعبة، وإنما جاءت لمراعاة حال الناس وحال غالب الناس الذين قد لا يتحملون المشقات الطويلة والحرج الشديد، ولذلك لو تأملت سياسة النبي صلى الله عليه وسلم معهم، ليس فقط في الأمور التعبدية كما جرت عليه عادة الناس أن يلاحظوا الرخصة مثلاً في المسح على الخفين، أو الرخصة في قصر الصلاة، أو الرخصة في الفطر في رمضان للمسافر، أو الرخصة فيما أشبه ذلك، التيمم مثلاً بدل الماء، لا, هذه جوانب ولكن أيضاً الرخصة في مصالح الناس العامة وسياساتهم التي تحتاج إلى نوع من الرفق، وأن الغالب أن الناس لا يتحملون المشقات، قد يتحملها العصبة أولو القوة، والقلة من الناس، لكن جمهور الناس لا يتحملون ذلك كثيراً.

    طيب. طبعاً هذه -كما قلت-: مباحث الرخصة، وهي مباحث كثيرة جداً، لكن هذه بعض ما يتعلق بها على سبيل الاختصار.

    حكم إتيان العزائم

    وأيضاً الحديث فيه محبة الله سبحانه وتعالى لإتيان عزائمه، وقد ذكرنا أن العزائم هي ضد الرُّخص، وهذه ربما هي الفائدة الرابعة أو الخامسة أن العزائم هي ضِد الرخص، وهي الأشياء المطلوبة إما على سبيل الإيجاب والحتم والإلزام وهي الواجبات، أو على سبيل الاستحباب والآكدية، وهذا يدخل فيه السنة المؤكدة وغيرها.

    تقريباً هذه أهم المباحث الموجودة في هذين الحديثين.

    1.   

    الأسئلة

    أنواع الإكراه المعتبر

    السؤال: يقول: متى يكون الإكراه: هل في مباشرة التعذيب أو يكون في التهديد والخوف من الأذى؟

    الجواب: طبعاً هذه مسائل فيها بحوث طويلة، وكتب خاصة، وأذكر الدكتور وهبة الزحيلي أيضاً له كتاب اسمه الضرورة في الفقه الإسلامي , ولكن الإكراه قد يكون في مباشرة التعذيب، أو يكون من التهديد الجازم ممن يستطيع أن ينفذه كما حصل لـعمار رضي الله عنه.

    حكم قصر الصلاة إذا وصل المسافر إلى بلده

    السؤال: يقول: هل يقصر إذا وصل إلى البلد؟

    الجواب: إذا كان رجع إلى بلده الذي يقيم فيه فإنه لا يقصر، أما إذا وصل إلى البلد الذي يريده وهو مسافر فيه فإنه يقصر حتى يعود إلى أهله.

    حكم تتبع رخص الشرع

    السؤال: يقول: هل من تتبع رخص الشرع يعتبر زنديقاً؟

    الجواب: طبعاً هذه الكلمة قالها القاضي كما ذكرنا على سبيل التأنيب والتحذير من تتبع الرخص، ونحن نقول: بالنسبة لتتبع الرخص له أحوال، يعني: بعض الناس قد يفرطون في تتبع الشذوذات، ولا شك أن من نظر في أقوال أهل العلم والفقه وجد أن عندهم أقوالاً فيها شذوذ، ولو أن الإنسان تتبع كل شذوذ للعلماء لخرج من الإسلام وهو لم يخرج بعد من الأقوال، ولا يوجد أحد من العلماء جمع كل هذه الأشياء، وإنما تفرقت فيهم، وقد يكون بعضها من زلات أهل العلم.

    حكم التسبيح بالآلة الحاسبة

    السؤال: يقول: هناك بعض الناس يسبحون الله تعالى ويذكرونه ويقومون بذلك بالآلة الحاسبة؟

    الجواب: والله هذا شيء طريف، بالآلة الحاسبة هذا أمر مكلف, وأيضاً ليس له أصل, وإنما السنة أن يسبح بأصابعه كما هو هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    حكم القصر في سفر معصية

    السؤال: قلتم في الدرس الماضي: إن سفر المعصية يترخص فيه برخص السفر، فهل يترخص المسافر لأجل الترخص؟! ألا يعتبر مسافراً سفر معصية؟

    الجواب: نعم, ذكرنا نحن فيما سبق خلاف العلماء، وذكرنا أن الجمهور بما فيهم الأئمة الثلاثة لا يرون للمسافر سفر معصية أن يترخص خلافاً لـأبي حنيفة، والذي رجحناه: أنه يترخص بهذه الرخص، وهو الذي رجحه الإمام ابن تيمية رحمه الله، بل قال: إنه هو الصحيح، ومن أقوى الأدلة على ذلك أن النصوص في الكتاب والسنة علقت الأمر على مطلق السفر مثلاً، والضرب في الأرض، فكل من تحقق أنه مسافر جاز له الترخص بهذه الرخص، وأما كونه مسافراً لطاعة أو لمباح أو لمعصية فهذا أمر آخر.

    أثر موقف الإمام أحمد من الفتنة

    السؤال: لو أن الإمام أحمد رحمه الله أجابهم, ماذا يترتب عليه, فالأمر ليس واضحاً عندي كما في موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟

    الجواب: يعني: لا نقول: إن موقف الإمام أحمد وموقف الصديق سواء، فموقف الصديق رضي الله عنه موقف عظيم من خليفة راشد، يعني: وزن إيمانه بالأمة كلها فرجح، وحفظ الله تعالى به الأمة والدولة والوجود، ولكن أيضاً موقف الإمام أحمد رحمه الله كان فيه قوة وصبر وامتناع أن يدخل على الناس في معتقداتهم من الأقوال والآراء الكلامية ما يؤذون ويمتحنون بسببها.

    التذكير بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه

    السؤال: أرجو تذكير الحاضرين عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلوا عليه؟

    الجواب: اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.

    دفع المال في سلعة مؤجلة ثم مات

    السؤال: يقول: لو دفع لي مال وهو يريد السلعة بعد سنة ومات صاحبها، ماذا أفعل؟

    الجواب: يعطي السلعة لورثة هذا الرجل.

    حكم من أخذ بشيء من الرخص لدليل

    السؤال: من أخذ بجواز شيء من الرخص ولم يكن متتبعاً للرخصة, فهل هذا فيه شيء؟

    الجواب: لا. لو أن إنساناً بحث في مسألة معينة وهو طالب علم, ووصل إلى جواز أمر من هذه الأمور، فشأنه في ذلك شأن غيره من الفقهاء، ولا يلام في ذلك, ولا من تابعه أيضاً ووافقه.

    حكم من قصر الصلاة بنية السفر وهو مقيم

    السؤال: رجل أراد السفر فقصر الصلاة وجمع ثم حدث له بعد ذلك عارض، فهل صلاته تصح أصلاً؟

    الجواب: لا يجوز له أن يقصر وهو مقيم في البلد, فإنه لا يقصر حتى يشرع في السفر كما ذكرنا.

    حكم التأمين

    السؤال: هل يمكن أن يكون التأمين من باب الرخص لعموم الحاجة إليه، الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة؟

    الجواب: هذا كلام بالنسبة لأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة, ذكره جماعة من علماء الأصول يقولون: إن الحاجة العامة للأمة كلها تنزل منزلة الضرورة للفرد الواحد، وهي كقاعدة في نظرنا قاعدة صحيحة وجيدة، ولكن يبقى هل التأمين هو كذلك؟ هذا محل بحث، والتأمين أنواع ودرجات، ففي بعض البلاد قد يكون كذلك؛ لأنه لو لم يؤمن الإنسان لالتزم أشياء أمام المحاكم وأمام القانون لا تلزمه حتى بأصل الشرع مثل في بلاد الغرب، فالتأمين ضرورة؛ لأنه لو لم تؤمن لألزموك بدفع أشياء ليست واجبة عليك أصلاً ولا مستحقة عليك, فيؤمن الإنسان حتى يحفظ نفسه من تبعات لا يستطيع القيام بها، ولا يلزمه شرعاً في الأصل القيام بها، وهكذا في كثير من البلاد يصبح التأمين ملزماً أو قانوناً عاماً، فهنا كل شيء له حكمه وله اعتباره، مثل التأمين على الرخص عندنا الآن، على رخصة السيارة.

    الفرق بين الرخصة والسنة

    السؤال: يقول: ما الفرق بين الرخصة والسنة، كما الجمع في المطر والقصر في السفر, وقد فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

    الجواب: ربما نقول: السنة تطلق على ما هو مستحب مطلوب، بينما الرخصة تطلق على أمر آخر، قد يكون سنة وقد يكون مباحاً، فنقول: أقل درجات الرخصة أنها تكون مباحة، ولذلك العلماء، وهذا ربما مما لم نذكره في موضوع الرخص، العلماء قسموا الرخصة بالنسبة لحكمها إلى درجات: المباح، والمستحب، والواجب.

    يعني: الرخصة قالوا: إنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    منها: رخصة مباحة: مثلما ذكرنا الجمع للمسافر.

    ومنها: رخصة مستحبة: وذلك مثل القصر وغيره.

    ومنها: رخصة قد تكون واجبة: وذلك مثلما ذكرنا في حالات معينة للشخص، مثل إذا خشي على نفسه ضرراً عظيماً لا يطيقه، فقد يتوجب عليه أن يترك بعض الشيء أو يفعل آخر.

    ضبط لفظة (الجعل)

    السؤال: الجُعَل وليست الجعل وجمعها جعلان؟

    الجواب: أنت صادق، لكن أنا قلتها لسهولة معرفتها وتناولها؛ لأنها هكذا يسمونه عندنا بفتح الجيم والعين، وقد يسمى الجُعل أو الجُعَل أو الجعلان، وهكذا ورد في بعض الأحاديث.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755902942