إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 290-293

شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 290-293للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بينت السنة جملة مكروهات ومندوبات ينبغي مراعاتها عند أداء الصلاة، فمن المكروهات تشخيص الرأس وتصويبه في الركوع، وجاء النهي عن عقبة الشيطان واختلف في تفسيرها على ثلاثة أقوال، ومن المندوبات: الاستفتاح، والافتراش عند الجلوس، ورفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام وأوجبه ابن حزم، ورفع اليدين عند الركوع والرفع منه وكرهه أهل الكوفة لكنه قد ثبت في السنة.

    1.   

    فوائد من حديث دعاء الاستفتاح: (سبحانك الله وبحمدك ...)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    ففي هذه الليلة عندنا درس لا يخلو من تداخل, أو وجود مسائل كثيرة ومتنوعة فيه, ولذلك أستميحكم العذر أن نتجاوز درس الأسبوع الماضي, فلا نتناقش فيه الآن، على أمل أنه إن بقي وقت في آخر الدرس ممكن أن نعود إليه, وإذا وجدنا ما يدعو إلى تغيير روتين الدرس لإزالة الملل عن الإخوة فعلنا إن شاء الله تعالى، لكنني أذكر بعض الفوائد التي خطرت لي خلال هذا الأسبوع, وهي تتعلق بدرس الأسبوع الماضي، وربما لم أكن اطلعت عليها، والفضل بعد الله عز وجل يعود لبعض الإخوة في تذكيري بها، أو ببعضها على الأقل.

    فمن الفوائد التي تقيد: أنني ذكرت في الأسبوع الماضي: أن جهر عمر رضي الله عنه بدعاء الاستفتاح: ( سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك, وتعالى جدك, ولا إله غيرك ) أنه جاء عند الطحاوي بسند صحيح, عن عمرو بن ميمون، قال: [ صلى بنا عمر بـذي الحليفة ]. ووجدت بعد ذلك أنه قد رواه أيضاً ابن أبي شيبة والدارقطني والحاكم والبيهقي من طرق متعددة عن الأسود بن يزيد عن عمر رضي الله عنه، وإسناده صحيح, صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً الدارقطني، فهذا يضاف .

    الفائدة الثانية: أن ابن منده في كتاب التوحيد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أحب الكلام إلى الله: سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك, وتعالى جدك, ولا إله غيرك ). قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل : وإسناده صحيح.

    الفائدة الثالثة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى في الجزء الثاني والعشرين، والصفحة تقريباً ثلاثمائة وخمسة وتسعين بعد كلام طويل، قال: (أفضل أنواع الاستفتاح ما كان ثناءً محضاً, مثل: ( سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك, وتعالى جدك ). قال: ولهذا كان أكثر السلف يستفتحون به، وكان عمر رضي الله عنه يجهر به يعلمه الناس, ثم قال: وبعده النوع الثاني, وهو الخبر عن عبادة العبد، كقوله: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين )، إلى آخره. ثم قال - وهذا موضوع الفائدة-: وإن استفتح العبد بهذا بعد ذلك) يعني: جمع بينهما، فبدأ بقوله: ( سبحانك اللهم وبحمدك )، وثنى بقوله: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين ).

    قال: (وإن استفتح العبد بهذا بعد ذلك فقد جمع بين الأنواع الثلاثة، وهو أفضل الاستفتاحات)، وكأنه يعني رحمه الله بالأنواع الثلاثة فيما ظهر لي: أنه جمع بين الثناء والدعاء والإخبار عن عبادته لله عز وجل، جمع بين الثناء والدعاء والإخبار عن العبادة؛ لأن فيه ثناء بقوله: ( سبحاك اللهم وبحمدك ).. إلى آخره، وفيه إخبار عن عبادته بقوله: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ), وفيه دعاء بقوله: ( اللهم اهدني لأحسن الأخلاق ).. إلى آخره. فكأنه يعني هذا، والله أعلم.

    يقول: فقد جمع بين الأنواع الثلاثة، وهو أفضل الاستفتاحات, كما جاء ذلك في حديث مصرح به, قال: وهو اختيار أبي يوسف وابن هبيرة الوزير صاحب الإفصاح من أصحاب الإمام أحمد، قال: [ وهكذا أستفتح أنا ]. فكأنه رحمه الله كان يجمع بين هذين الاستفتاحين، وإن كان الأصل في الاستفاحات كما أسلفت أنها من العبادات المتنوعة, التي يناسب العبد أن يقول هذا تارة وهذا تارة, لكن لو جمع العبد بين نوعين منها، لا نقول: إن هذا بدعة، وإنه مخالف للشرع، أو إنه لا يجوز.

    1.   

    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ...)

    أما أحاديث اليوم فعندنا أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير, والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك, وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا، وإذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسًا، وكان يقول في كل ركعتين التحية, وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعية افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم ).

    تخريج الحديث

    قال المصنف: أخرجه مسلم، وله علة, فهذا هو الحديث الأول من حصة هذا المجلس, والحديث رواه مسلم كما أشار المصنف في كتاب الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به وما يختم به.. إلى آخر الباب، الباب طويل، المهم باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به وما يختم به، وذلك لأن عائشة رضي الله عنها ذكرت الاستفتاح بقولها: ( يفتتح الصلاة بالتكبير )، وذكرت الختام بقولها: ( وكان يختم الصلاة بالتسليم )، وذكرت ما بين ذلك من أحوال المصلي، فهذا هو الموضع الذي أخرجه فيه مسلم رحمه الله تعالى، وقد أخرجه مسلم من طريق أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها.

    أخرجه مسلم من طريق أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها, وانفرد بإخراجه عن البخاري، ولذلك يعد من أوهام صاحب العمدة، عمدة الأحكام، من هو صاحب عمدة الأحكام ؟ المقدسي، يعد من أوهامه، أنه ساق هذا الحديث في عمدة الأحكام، طيب، وما وجه الوهم؟ لماذا عدينا هذا من أوهامه؟ لأنه شرط ألا يخرج في كتاب العمدة إلا المتفق عليه، ما رواه البخاري ومسلم، وهذا الحديث قد انفرد به مسلم رحمه الله تعالى عن البخاري.

    وقد رواه غير مسلم أيضاً، فممن رواه أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم، وأبو داود، وأحمد في مسنده , وابن أبي شيبة، وأبو داود الطيالسي في مسنده أيضاً، والبيهقي في سننه .. وغيرهم. ذكرت أن الحديث من رواية أبي الجوزاء عن عائشة، هل تذكرون أن هذا الإسناد مر معنا؟ أبو الجوزاء عن عائشة؟ أين هذا جاء؟ في أي حديث أبو الجوزاء عن عائشة ؟ أنت أصبت الآن، تقول: أبو الجوزاء لم يسمع من عائشة، هذا صحيح، لكن أين مر الكلام هذا معنا؟ مر معنا في شواهد حديث أبي سعيد في دعاء الاستفتاح، في قوله: ( سبحانك اللهم وبحمدك ) أنه روي عن عائشة هذا الدعاء, ولكنه من طريق أبي الجوزاء عن عائشة , ولذلك أعله المصنف وهو الحافظ ابن حجر في كتاب التلخيص بالانقطاع, فقال: رجاله ثقات, ولكنّ فيه انقطاعاً، فأعله بالانقطاع، ولذلك قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في كتاب الإنصاف فيما بين العلماء من الخلاف قال عن هذا الحديث: رجال إسناده ثقات، ولكنهم يقولون -يعني: أهل الحديث وأصحاب الحديث:- أبو الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة رضي الله عنها, فحديثه عنها فيه إرسال، أي: أنه مرسل منقطع فيما بين أبي الجوزاء وعائشة رضي الله عنها، ولذلك أيضاً قال البخاري رحمه الله في ترجمته لـأبي الجوزاء , واسم أبي الجوزاء ما هو؟ يعرفه أحد منكم؟ اسم أبي الجوزاء ؟ الذي أذكره أن اسمه أوس بن عبد الله , ويتأكد منه، اسمه أوس بن عبد الله، وكنيته أبو الجوزاء، وهو مشهور بكنيته، فـالبخاري رحمه الله لما ترجمه قال: في إسناده نظر، يعني: في إسناد أبي الجوزاء، وفسر الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب كلام البخاري هذا حين قال: في إسناده نظر، بقوله: يعني أن أبا الجوزاء لم يسمع من مثل ابن مسعود رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها، لا أن أبا الجوزاء ضعيف.

    إذاً: قول البخاري : في إسناده نظر. يعنى: في إسناد أبي الجوزاء كما في روايته عن ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما, وهكذا ابن حجر في التلخيص كما أسلفت قبل قليل أعل حديث الاستفتاح بانقطاعه بين أبي الجوزاء وعائشة , ومما يؤكد أن الإسناد هنا منقطع بين أبي الجوزاء وعائشة، أن جعفر الفريابي في كتاب الصلاة له ذكر الحديث بإسناده عن أبي الجوزاء قال: ( أرسلت رسولاً إلى عائشة

    يسألها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ) .. إلى آخر الحديث.

    فدل إذاً على أن بين أبي الجوزاء وبين عائشة رجلاً مجهولاً، وهو هذا الرسول الذي بعثه أبو الجوزاء إلى عائشة رضي الله عنها, وعلى كل حال علة هذا الحديث مشهورة, وقد تكلم فيها أهل العلم كثيراً، وإخراج مسلم له في صحيحه يقتضي أنه عنده صحيح، وكذلك إخراج أبي عوانة له في مستخرجه يقتضي بظاهره أنه عنده صحيح، واجتهادهم يكون في مقابلة اجتهاد غيرهم، خاصة وأن للحديث شواهد كثيرة لجميع فقراته, فما من فقرة من فقرات الحديث إلا وله شواهد ثابتة، فأقل أحوال الحديث أن يكون حسناً لغيره، ولعل هذا هو الحكم الصحيح على الحديث أنه حسن لغيره, والشيخ الألباني في إرواء الغليل وفي سواه قال عنه: صحيح, وهذا - يعني- لا يخلو من تسامح, فإن نقل الحديث من الضعف والانقطاع إلى الصحة بالشواهد أمر غير معروف عند علماء الحديث، وعلماء المصطلح, وأحسن أحواله أن يقولوا: حسن، فهذا نقول: إنه إن شاء الله تعالى حسن لغيره، نقول: حديث عائشة: حسن لغيره.

    معاني ألفاظ الحديث

    قولها رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين )، أي: ويستفتح القراءة، ومقصودها بالقراءة قراءة القرآن, يستفتحها بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، والحمد هنا مرفوع على الحكاية كما يقولون, فتقول: بالحمد لله رب العالمين, فلا تؤثر الباء فيها؛ لأنها حكاية عن قول الله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وهذا اسم لسورة الفاتحة، هذا قوله: (الحمد لله رب العالمين) اسم لسورة الفاتحة، كما تسمى أيضاً الحمد، وهذا معروف عند الناس, يقول: هل حفظت سورة الحمد؟ يعني: الفاتحة.

    طيب هل تحفظ حديثاً فيه تسمية الفاتحة بالحمد لله رب العالمين؛ لأنه قد يشكل على ذلك أنه قد يقول قائل: لا, الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هنا ليس اسماً للسورة, وإنما هو نص على الآية الأولى من السورة، فكأن عائشة رضي الله عنها تقول: ويستفتح القراءة بالآية الأولى من سورة الفاتحة, وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]. فنحن قلنا: إن قولها: والقراءة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] اسم لسورة الفاتحة, فهل تحفظ حديثاً يدل على أن: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] اسم للفاتحة؟

    نعم, حديث البخاري , وسبق في غير موضع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته ). فدل على أن السورة تسمى: الحمد، وتسمى: الحمد لله رب العالمين, وتسمى: الفاتحة، ولها أسماء أخرى سبقت.

    وقولها: ( وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه ) لم يشخص رأسه يعني: لم يرفعه، من شخص إذا ارتفع، ومنه يسمى الشاخص, وهو الشيء المرتفع، ومنه أيضاً يسمى الإنسان شخصاً؛ لأنه يظهر ويرتفع للأبصار، ومنه يقال: شخص بصره إذا ارتفع إلى السماء.

    فقولها: (لم يشخص رأسه) يعني: لم يرفع رأسه أثناء الركوع.

    (ولم يصوبه) بضم الياء وفتح الصاد وتشديد الواو المكسورة, أي: لم ينزله، وإنما بين ذلك، فيكون رأسه مساوياً لظهره عند الركوع.

    وقولها: ( وكان يقول في كل ركعتين التحية )، التحية هي: التحيات لله والصلوات والطيبات.. إلى آخره، وسمت التشهد بالتحية من باب تسمية الكل باسم الجزء, من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل, فهي تعني بالتحية: التشهد.

    وقولها: ( في كل ركعتين ) هذا إما أن يكون مقصودها الفرض، وحينئذ لا إشكال، ففي الصلاة الرباعية فيها تشهدان, وفي الثنائية فيها تشهد واحد، وإن كان مقصودها الإطلاق في الفرض والنفل، فيكون هذا على سبيل الغالب، وإلا فهناك صلاة لا تقال فيها التحية في كل ركعتين, وهي أنه إذا جمع صلاة الليل، صلاة الوتر إذا جمعها في خمس أو سبع أو تسع فإنه قد يسردها سرداً, ولا يقول في كل ركعتين التحية, وهذا جاء في الصحيح من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    فإن أرادت الفرض فلا إشكال، وإن أرادت النفل فإنه يحمل على الغالب.

    قولها: ( وكان ينهى عن عقبة الشيطان )، عقبة الشيطان ضبطت بوجهين، الوجه الأول: عقبة بضم العين وسكون القاف وفتح الباء، عُقْبَة.

    الوجه الثاني: وهو في صحيح مسلم أيضاً في رواية أخرى: ( وكان ينهى عن عقب الشيطان )، بفتح العين وكسر القاف، ( عن عقب الشيطان ).

    هذان وجهان مشهوران في ضبط اللفظ، لكن هناك وجه ثالث ذكره بعضهم واستضعفوه, وهو قوله: ( وكان ينهى عن عُقَب الشيطان )، بضم العين وفتح القاف، ويكون حينئذ جمع عقبة.

    ما هي (عقبة الشيطان)؟

    هذا فيه إشكال, فقد فسره أهل العلم بأكثر من تفسير, ذكر النووي في شرحه لصحيح مسلم عن أبي عبيد وأبي عبيدة وجماعة من أهل اللغة: أن عقبة الشيطان هي أن يقعد الإنسان على مقعدته على الأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض أيضاً, فقال: إن هذا عقبة الشيطان, فيما نسبه إلى أبي عبيد وأبي عبيدة وآخرين، وعلى هذا تكون عقبة الشيطان على هذا الوصف، مرادفة لتفسير العلماء للإقعاء؛ لأن العلماء أو كثير من علماء اللغة فسروا الإقعاء بالتفسير نفسه، فقالوا: الإقعاء الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يقعد الإنسان على مقعدته، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض, نعم، واحد يطبق لنا هذا الإقعاء الذي فسر بعضهم عقبة الشيطان به. نعم يا أخ محمد! لا, هنا أحسن.

    نعم, هذا الإقعاء المنهي عنه في الصلاة، وهذه عقبة الشيطان، هذا هو المعنى الأول لعقبة الشيطان، والنووي نقله عن أبي عبيد وأبي عبيدة وجماعة من أئمة اللغة، هذا التفسير الأول، وكون هذه الجلسة منهياً عنها هذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال عندي والله أعلم في كوننا نسمي هذه الجلسة عقبة الشيطان, ما علاقتها بعقبة الشيطان؟ لماذا سميت بعقبة الشيطان؟ هذا فيه نظر كبير، فهي إقعاء لا شك فيه، منهي عنها بلا شك، بل نقل النووي اتفاق العلماء على النهي عنه، قال: منهي عنها على هذا التفسير باتفاق العلماء، لكن كوننا فسرنا عقبة الشيطان بهذا، هذا في النفس منه شيء، على كل حال هذا التفسير الأول، وقد نسبة النووي لـأبي عبيد وأبي عبيدة وبعض أهل اللغة.

    التفسير الثاني لعقبة الشيطان: هو أن عقبة الشيطان أن يجلس الإنسان بين السجدتين على عقبيه، أن يجعل الإنسان مقعدته بين السجدتين على عقبيه, وهذا يتصور بأكثر من صورة، منها: أن ينصب قدميه ويقعد فوقهما.

    هذا هو التفسير الثاني لعقبة الشيطان, أن يجلس بين السجدتين على عقبيه، أن يجعل مقعدته بين السجدتين على عقبيه، وهذا هو التفسير المعروف عند أهل الحديث، يعني: أهل الحديث إذا قالوا: الإقعاء فسروه بهذا، فـأبو عبيد قبل قليل نقلت لكم عن النووي أنه فسر عقبة الشيطان بالأول، الواقع رجعت إلى كتاب غريب الحديث لـأبي عبيد وهو مطبوع، في الجزء الأول (ص:210)، وأذكر الجزء؛ لأن الكتاب غير مفهرس ولا مرتب، فيشق عليك الرجوع, لكن ممكن ترجع الآن لنتأكد من دقة الفهم أو عدمها، في الجزء الأول صفحة مائتين وعشرة، أبو عبيد فسر عقبة الشيطان بهذا، وكأنه مال إليه فيما فهمته، وفيها ظهر لي, وليس بالأول الذي نقله النووي، ففسر عقبة الشيطان بما يفهمه أهل الحديث من الإقعاء, وهو أن يجلس بين السجدتين على عقبيه، وهذا أيضاً يسمى: إقعاء، ولذلك جاء في صحيح مسلم عن طاوس : ( أنه سأل ابن عباس

    عن الإقعاء في الصلاة فقال له ابن عباس

    رضي الله عنه: تلك السنة. فقال طاوس

    : إنا لنراه جفاء بالرجل أن يفعل هذا - وقرأها ابن عبد البر

    وغيره بالرجِل- فقال ابن عباس

    رضي الله عنه: سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم
    ). وهذه الجلسة التي طبقها الأخ: وهي أن ينصب القدمين، ويقعد بين السجدتين فوقهما, أن ينصب قدميه ويقعد فوقهما، وهذه الجلسة بين السجدتين نص الشافعي رحمه الله على أنها مستحبة؛ لحديث ابن عباس الذي ذكرته الآن, وهو في صحيح مسلم قال: ( تلك السنة ). وحمل جماعة من العلماء المحققين الحديث عليها كالقاضي عياض والبيهقي والنووي .. وغيرهم، حملوا الحديث عليها، وقال القاضي : إن هذا الذي هو حديث ابن عباس نصب القدمين والقعود عليهما إنه روي عن جماعة من الصحابة والتابعين, بل نقل عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (إن من السنة أن تمس عقبيك إلييك)، يعني: في الجلوس بين السجدتين، وما دام صح الحديث حديث ابن عباس في أن الإقعاء هو نصب القدمين والقعود فوقهما أنه من السنة, والشافعي رحمه الله نص على استحبابه، ونقل عن جماعة من السلف، فنوفق بينه وبين أن السنة هي الافتراش، كما في حديث عائشة .. وغيره بين السجدتين، أن يقال: إن الغالب من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام بين السجدتين أنه يفرش اليسرى وينصب اليمنى. هذا الغالب, لكنه قد يفعل في بعض الأحيان أن ينصب القدمين ويجلس فوق العقبين، في الجلسة بين السجدتين فحسب, وليس في التشهد، هذا قد يفعل أحياناً، ولا بأس أن يفعله الإنسان في بعض الأحيان، اتباعاً لحديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.

    التفسير الثالث: وقد نقله جماعة من الفقهاء, منهم ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام شرح العمدة، وابن رسلان في شرحه لسنن أبي داود .. وغيرهما من الشراح، قال: أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، وهذا يسمى إقعاء أيضاً، فرش القدمين والجلوس على العقبين يحتمل أنه بدلاً من أن يوقف القدم وينصبها أنه يفرشها فرشاً, ويجلس على العقبين، وهذا في الواقع فيه مشقة كبيرة, إذا طبقته تجد فيه مشقة وصعوبة, وفيه احتمال أن يجعل القدمين مفروشتين, إما أن تكونا فوق بعض، أو بطريقة أخرى، ويجلس على أطراف العقبين في الجلسة بين السجدتين، فهذا أيضاً يعتبر من عقبة الشيطان، ولعله يدخل في التفسير الثاني.

    فهذه ثلاثة أقوال فيه, وبعض العلماء فسروا عقبة الشيطان بتفسير آخر بعيداً عن الموضوع هذا كله، قالوا: إن المقصود بعقبة الشيطان -هذا ذكره أهل اللغة وغيرهم- قالوا: عقبة الشيطان هو أن الإنسان لا يغسل عقبيه في الوضوء، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم وحذر من الغفلة عن الأعقاب, وقال: ( ويل للأعقاب من النار ). وذلك لأن العقب قد يغفل عنه الإنسان, فلا يسبغ الوضوء, ولا يمرر الماء عليه، فلذلك نهى عن عقبة الشيطان، قالوا: أي أن يترك الإنسان عقبيه فلا يغسلهما.

    فيتحصل بذلك أن عقبه الشيطان فسرت بأربعة تفسيرات, الأخير منها مستبعد، والأول كذلك مستبعد، لأنه لا وجه لتسميته بعقبة الشيطان، ويبقى التفسير الثاني والثالث, يمكن أن يجمع بينهما, فيقال: عقبة الشيطان - لاحظ التعريف-: هي أن يجلس الإنسان بين السجدتين على عقبيه، هذا التفسير المختار, يعني: بغض النظر عن شكل العقب كيف هو, قائماً، منصوباً, أو مفروشاً، المهم يجلس على العقبين, فيكون حينئذ النهي في حديث عائشة معارضاً للاستحباب في حديث ابن عباس، فبعضهم قالوا: إن حديث ابن عباس رضي الله عنه مقدم, وبعضهم قد يحمل هذا على حال، وهذا على حال أخرى، فيقول: إن النهي عن عقبة الشيطان في حديث الباب في غير الجلوس بين السجدتين, كالنهي عن عقبة الشيطان مثلاً في التشهد.. أو ما أشبه ذلك.

    فوائد الحديث

    في حديث عائشة فوائد، نمر عليها على عجل؛ لأن الحقيقة موضوعنا الأكبر هو ما بعد ذلك في الأحاديث الثلاثة الباقية.

    فمن فوائد حديث عائشة رضي الله عنها: وجوب تكبيرة الإحرام, وعدها كثير من الفقهاء ركناً من أركان الصلاة, وهل لابد من أن يقول: الله أكبر، كما في قولها: ( يستفتح الصلاة بالتكبير )؟ الجمهور، نعم، لابد أن يقول: الله أكبر، أما أبو حنيفة فقال: يجزئه وتنعقد صلاته بكل لفظ من ألفاظ التعظيم, كالله أعظم أو الله أعلى أو الله أجل.. أو ما أشبه ذلك، والجمهور على خلافه، ووجوب الالتزام بالنص، نص التكبير: الله أكبر.

    وكذلك وجوب قراءة الفاتحة؛ لقولها: (والقراءة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]).

    والفائدة الثالثة: عدم مشروعية الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، وذلك لقولها: (والقراءة بالحمد لله)، فدل على أنه لا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم, وإلا لقالت: والقراءة بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).

    ومن فوائدها: بيان صفة الركوع, وأنه إذا ركع صلى الله عليه وسلم لم ينزل رأسه ولم يرفعه، ولكن يهصر ظهره، ويجعل رأسه مساوياً لظهره.

    ومنها: وجوب الطمأنينة في الصلاة، كلها، وخاصة بعد القيام من الركوع، وبعد الرفع من السجود؛ وذلك لأنها نصت عليهما، وكذلك جاء النص عليهما في حديث أنس المتفق عليه قال: ( كان إذا رفع رأسه من الركوع قام، حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود قعد، حتى يقول القائل: قد نسي ), يعني: من طول مكثه وبقائه.

    ومنها: وجوب التشهدين في الصلاة؛ لقولها: (وكان يقول في كل ركعتين التحية)، وفيها خلاف كبير بين أهل العلم، لعله يأتي.

    ومنها: أن الأصل في السنة في القعود للصلاة: الافتراش؛ لقولها: (وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى). ويستثنى من ذلك ما دل الدليل على خروجه, مثل: التورك في التشهد الأخير، ومثل: الإقعاء أحياناً بين السجدتين, كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه.

    ومنها: النهي عن الجلوس على العقبين في مواضع في الصلاة, كما هي الحال بالنسبة للتشهد مثلاً, أو القعود على العقبين مفترشاً غير ناصب لهما, فهذا يدخل في عقبة الشيطان.

    ومنها: النهي عن افتراش الذراعين في السجود. والنهي عنه لمعان:

    أولها: أن فيه تشبهاً بالحيوانات, وقد نهينا عن التشبه بالحيوانات في سائر الهيئات، وخاصة هيئات العبادة؛ ولذلك قال: ( ونهى عن افتراش كافتراش الكلب ). وفي ذلك حديث حسن, إسناده جيد .

    والمعنى الثاني: أن في فرش الذراعين دلالة على الكسل والخمول في الصلاة, وهو لا يليق بحال المصلي.

    والمعنى الثالث: أن فيه إخلالاً بإعطاء كل عضو حقه من العبادة أثناء السجود.

    ومن فوائده: وجوب التسليم في الصلاة؛ لقولها: (وكان يختم الصلاة بالتسليم)، وهل يجب تسليمه واحدة, أم لابد من تسليمتين، أم المشروع ثلاث تسليمات؟ في المسألة ثلاثة أقوال, وسيأتي شيء من ذلك.

    1.   

    شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ...)

    ننتقل للحديث الذي بعده, وهو حديث ابن عمر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة, وإذا كبر للركوع, وإذا رفع رأسه من الركوع ).

    تخريج الحديث

    قال المصنف: متفق عليه، الحديث رواه البخاري رحمه الله. إذا انتهينا من الأحاديث الثلاثة كلها، نعود إلى المسائل الفقهية المتعلقة برفع اليدين، وهي كل ما عندنا في هذه الليلة: رفع اليدين وأحكامها وما يتعلق بها.

    فحديث ابن عمر هذا رضي الله عنه رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأذان، باب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، أو في التكبيرة الأولى، قال: (باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواءً)، ورواه مسلم أيضاً في صحيحه كتاب الصلاة باب استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه.. إلى آخر الباب وكذلك رواه غير ما ذكر المصنف مالك في الموطأ، وأبو داود، والنسائي، والدارمي، والطحاوي، وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في مصنفيهما، والدارقطني، والبيهقي، والبغوي، والطبراني، وابن حبان .. وغيرهم كثير.

    وقد ساقه المصنف رحمه الله تعالى مختصراً، وتمام الحديث في المصادر المشار إليها: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه، إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع, وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضاً وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود ). هذه بقية الحديث.

    المسائل الفقهية المتعلقة بالحديث

    وفي هذا الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنه فيه مسائل.

    المسألة الأولى: رفع اليدين إلى أي موضع يكون؟ قال هنا: ( حذو منكبيه ).

    المسألة الثانية: في أي المواضع يرفع يديه؟ في قوله: إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضاً.

    والمسألة الثالثة: الرفع هل يكون مع التكبير أو قبله أو بعده؟ وسوف يأتي بسط هذه المسائل.

    1.   

    شرح حديث: (يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر...)

    أما الذي بعده فهو حديث أبي حميد رضي الله عنه عند أبي داود قال: ( يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر ).

    وحديث أبي حميد رضي الله عنه رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، وله بقية, المصنف نقل موضع الشاهد منه في قوله رضي الله عنه: ( يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه, ثم يكبر ). واللفظ عند أبي داود : ( ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه - أو يقر- معتدلاً, ثم يقرأ، ثم يكبر فيرفع يديه، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده, ثم يرفع يديه ), إلى قوله: ( ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه، كما كبر عند افتتاح الصلاة ).

    تخريج الحديث

    ورواه أيضاً غير أبي داود، رواه أحمد والبخاري في جزء صنفه في رفع اليدين يسمى قرة العينين في رفع اليدين في الصلاة، وهو مطبوع عدة طبعات، وهو كتاب مفيد في بابه، فروى البخاري الحديث في جزئه ذلك، وكذلك رواه الترمذي، والنسائي، والبغوي، وابن خزيمة، وابن حبان .

    وفيه الفوائد الثلاث المشار إليها منذ قليل في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

    قال المصنف: ولـمسلم عن مالك بن الحويرث نحو حديث ابن عمر، لكن قال: ( حتى يحاذي بهما فروع أذنيه )، بدل قوله: ( حذو منكبيه ). قال: ( حتى يحاذي بهما فروع أذنيه ). وحديث مالك بن الحويرث هذا رواه مسلم أيضاً في كتاب الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام.. إلى آخر الباب، ولفظه قال - مالك رضي الله عنه مالك بن الحويرث -: ( كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ). ثم ساق مسلم رحمه الله في الحديث رواية أخرى قال: ( حتى يحاذي بهما فروع أذنيه ), كما نقلها المصنف.

    وقت رفع اليدين في الصلاة

    في هذه الأحاديث الثلاثة حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي حميد وحديث مالك بن الحويرث فيهما عدة مسائل, كلها تتعلق برفع اليدين في الصلاة وأحكامه وصفته.. إلى غير ذلك.

    فالمسألة الأولى في موضوع رفع اليدين: هي وقت الرفع، هل يرفع قبل التكبير أو التسمع أو معه أو بعده، هذا فيه ثلاثة أوجه أو ثلاثة أقوال:

    البخاري رحمه الله ساق الحديث نفسه كما ذكرت لكم قبل قليل, قال: (باب رفع اليدين مع الافتتاح سواء) فهو يذهب إلى أن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام يكون مع التكبير سواءً بسواء مقارناً له, ليس قبله ولا بعده، ثم ساق البخاري رحمه الله حديث ابن عمر هذا, وفي بعض رواياته عند البخاري، قال: ( فرفع يديه حين يكبر ). وقوله: (حين يكبر) دليل على مصاحبة رفع اليدين للتكبير، أي: أنه يقول هكذا: الله أكبر، فيرفع يديه أثناء نطقه بالتكبير، ومما يدل على أن رفع اليدين يكون مقارناً للتكبير ليس قبله ولا بعده: أنه جاء في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه عند أبي داود أنه قال: ( رفع يديه مع التكبير ). والمعية تقتضي المقارنة, ليس قبله ولا بعده. فهذا هو الوجه الأول، أنه يرفع يديه مع التكبير.

    الوجه الثاني: أنه يرفع يديه ثم يكبر، وقد جاء هذا أيضاً في صحيح مسلم من حديث ابن عمر, إحدى رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمر أنه قال: ( رفع يديه ثم كبر ). فهذا يقتضي أن الإنسان يرفع يديه أولاً ثم يقول: الله أكبر، وهذا يفعله كثير من الناس أيضاً.

    إذاً: الوجه الثاني: أن يرفع يديه أولاً ثم يكبر بعد ذلك، يعني: بعد رفع اليدين يقول: الله أكبر. فهذا هو الوجه الثاني, وتشهد له إحدى روايات ابن عمر عند مسلم رحمه الله في صحيحه، عندك حديث أبي حميد : ( يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه, ثم يكبر ).

    الوجه الثالث: يكبر ثم يرفع يديه, وهذا من حيث الرواية وارد، ففي حديث مالك بن الحويرث في بعض طرقه قال: ( كبر ثم رفع يديه ). وصورة هذا - يعني: لو ثبت صورته- أن يقول: الله أكبر، فهذا من حيث الرواية ورد: ( كبر ثم رفع يديه ). ولكن في ثبوت ذلك نظر، ولهذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بعد ما ذكر الروايات الثلاث للأحاديث، أن منها ما يدل على أنه يكبر ويرفع يديه في حال واحدة، في وقت واحد، ومنها ما يدل على أنه يرفع يديه، ثم يكبر، ومنها ما يدل على أنه يكبر ثم يرفع يديه، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- : (وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين أهل العلم) ثم يقول: (ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع) يعني: الصورة الثالثة أنه يقول: الله أكبر ثم يرفع يديه، يقول ابن حجر رحمه الله: لم أر من يقول بهذا من العلماء, وهكذا أيضاً قال العراقي في طرح التثريب، قال: لا أعلم قائلاً به، بتقديم التكبير على الرفع.

    وبطبيعة الحال حديث مالك بن الحويرث : ( كبر ثم رفع يديه )، قابل للتأويل جداً؛ لأن حديث مالك هو حديث واحد، فيحمل بعضها على بعض، ويكون هذا إما أن يكون من تصرف بعض الرواة, أو ألا تكون (ثم) هنا للترتيب.

    فعلى كل حال يتخلص من ذلك: أن الثابت في وقت الرفع، أنه إما أن يرفع مع التكبير فيقول: الله أكبر، أو أن يرفع ثم يكبر فيقول: الله أكبر، هذا هو الثابت بالنقل وبأقوال أهل العلم، وكله واسع؛ لأن النصوص فيه ثابتة؛ إن فعل هذا فلا حرج أو ذاك، وإن نوع ففعل هذا تارة وهذا تارة فهذا أيضاً جيد حتى يعمل بالسنة كلها.

    موضع رفع اليدين في الصلاة

    نقطة ثانية في موضوع رفع اليدين، صفة الرفع, يعني: إلى أي موضع يرفع يديه؟ وهذا أيضاً جاء فيه ثلاث روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم, فحديث ابن عمر رضي الله عنه هنا حديث الباب، قال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ). وحديث أبي حميد أيضاً, وهو من أحاديث الباب ساقه المصنف, قال: ( حتى يحاذي بهما منكبيه ). إذاً: الرواية الأولى في رفع اليدين إلى حذو منكبيه، وإضافة إلى حديث ابن عمر وإلى حديث أبي حميد اللذين ساقهما المصنف، هناك حديث علي رضي الله عنه, وقد رواه أبو داود والترمذي وأحمد في مسنده، وهو حديث صحيح بمعنى حديث الباب, فالرواية الأولى أن يرفع يديه حذو منكبيه، المنكب معروف، وهو رأس الكتف، أو نقول: ملتقى العضد بالكتف، هذا هو المنكب، فرفع اليدين إلى حذو المنكبين يكون هكذا، إذا أخذنا بظاهر الحديث يكون رفع اليدين إلى حذو المنكب, بحيث يكون الكف مبسوطة مقابلة للمنكب هكذا، ( يرفع يديه حذو منكبيه )، هذا هو المنكب. وقد جاء فيها ثلاثة أحاديث: حديث ابن عمر، وحديث أبي حميد، وحديث علي , وكلها أحاديث صحيحه، ولذلك قال بها جمهور أهل العلم، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر والنووي .. وغيرهما، وممن قال برفع اليدين إلى حذو المنكبين: الشافعي، ومالك وأحمد وإسحاق ونسبه غير واحد للجمهور، كل هذه روايات عنهم، وإلا قد يوجد روايات أخرى تختلف، المهم هذا المشهور منهم، هذه الصفة الأولى في رفع اليدين.

    الصفة الثانية: أن يرفع يديه إلى فروع أذنيه, كما يقتضيه حديث مالك بن الحويرث في صحيح مسلم، قال: ( حتى يحاذي بهما - يعني: بيديه - فروع أذنيه ). وكذلك جاء ما يشهد له من حديث وائل بن حجر عند أبي داود قال: ( ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه ). وهذا مذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري , يريان رفع اليدين إلى فروع الأذنين, يعني: هكذا، يرفع يديه إلى فروع أذنيه، حتى في بعضها: ( أنه جعل إبهامه محاذياً لأذنيه ). فيكون هكذا الظاهر.

    الصفة الثالثة: هو الجمع بينهما، يعني: الجمع بين الصورتين، بعض أهل العلم قالوا: إنه في الواقع هاتان ليستا صورتين مختلفتين، وإنما صورة واحدة اختلفوا في نقلها، فكأنه يجعل اليدين بين الأذنين، وبين المنكبين، فيكون أسفل اليد بحذاء المنكب، وأطراف الأصابع تكون محاذية للأذن، فيكون جمع في ذلك بين الروايات الأولى والروايات الثالثة، وقد جاء في هذا أيضاً حديث عن وائل بن حجر عند أبي داود في سننه قال: ( ورفع يديه حتى كانتا حيال منكبيه، وحاذى بإبهامه أذنيه ). فهذا ربما استدلوا به للجمع بين الصورتين السابقتين، وهذا الجمع أو هذه الطريقة قال بها بعض المالكية، ونقلها أبو ثور عن الإمام الشافعي .

    فتلخص من ذلك: أن هناك ثلاث صفات للرفع:

    الصفة الأولى: حذاء المنكبين.

    والصفة الثانية: إلى فروع الأذنين.

    والثالثة: هي التوسط في الجمع بينهما، فيكون أسفل اليد محاذياً للكتف، وأعلاها أطراف الأصابع محاذية لفروع الأذنين.

    حكم رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام

    مسألة أو نقطة ثالثة في موضوع رفع اليدين: حكم رفع اليدين في الصلاة, ما حكم رفع اليد عند تكبيرة الإحرام؟ حكم رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، يقول الإمام ابن عبد البر -ولاحظ دقته في العبارة وتحفظه- يقول الإمام ابن عبد البر : (أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة) وهو حين قال: (على جواز رفع اليدين) لا يعني: أنهم كلهم اقتصروا على الجواز، لكن يقصد أنهم جميعاً يرون جوازه، ومنهم من يزيد في الجواز إلى درجة الاستحباب وربما الوجوب, لكن ما يوجد أحد منهم يقول: إنه مثل ما قال أخونا: محرم عند تكبيرة الإحرام رفع اليدين، ليس هناك أحد من أهل العلم يقول: إن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لا يجوز. فأجمعوا على جواز رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام عند افتتاح الصلاة، هكذا يقول ابن عبد البر، وما قاله صحيح غير متعقب، وهو متحفظ في قوله: (على جواز) كما سيأتي بعد قليل.

    ابن المنذر رحمه الله أيضاً، وهو ممن ينقلون إجماع العلماء تحفظ في نقله فقال: (لم يختلفوا - يعني: العلماء- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة)، فنقل إجماعهم على نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    أما الإمام النووي فإنه توسع في العبارة، فقال : (أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام) وهذا الإجماع الذي نقله النووي على الاستحباب متعقب من وجهين، ولعلنا ما نناقض الكلام الذي ذكرناه قبل قليل:

    الوجه الأول: أن هناك من لم يقتصر على الاستحباب، كما قال النووي، بل من العلماء من لم يقتصر على مجرد الاستحباب، لكنه تعدى إلى القول بالوجوب, وهذا في الواقع نقل عن جماعة غير قليلة من أهل العلم، فممن نقل عنهم الوجوب داود الظاهري , ووافقه على ذلك الإمام ابن حزم , فنص على القول بوجوبه في كتابه المحلى , وكذلك أحمد بن سيار من الشافعية, وقوله هذا مشهور عندهم, والأوزاعي يقول بالوجوب، بل إن الأوزاعي نقل عنه أن من تركه بطلت صلاته، وكذلك الحميدي شيخ البخاري يقول بالوجوب, ونقل عنه أن يبطل صلاة من لم يرفع يديه، وابن خزيمة قال بالوجوب, بل صرح بركنية رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام, وذكر القاضي حسين من الشافعية عن الإمام أحمد بن حنبل أنه يقول بالوجوب أيضاً, وهذه رواية غير مشهورة عن الإمام أحمد ، أبو حنيفة أيضاً نقل عنه بعض الحنفية أنه يقول بتأثيم من ترك رفع اليدين، وهذا يقتضي أنه عنده واجب وكذلك نقله القرطبي عن بعض المالكية.

    إذاً: هؤلاء يقولون بوجوب رفع اليدين, فهذا يشكل على قول النووي أنهم أجمعوا على الاستحباب، يقال: كلا لم يجمعوا على الاستحباب، بل هناك من ذهب إلى أكثر من الاستحباب، هناك من ذهب إلى الوجوب، وهذا الكلام السابق كله فيما يتعلق بتكبيرة الإحرام.

    غير تكبيرة الإحرام هناك شيء من ذلك، فقد نقل الطحاوي في شرح معاني الآثار إيجاب ذلك عند الركوع، وعند الرفع منه عن قوم، نقل عن قوم أنهم يوجبون ذلك عند الركوع وعند الرفع منه، وكذلك نقله القرطبي صاحب المفهم عن بعضهم، قال: وقال بعضهم بوجوبه عند الركوع وعند الرفع منه. هذا التعقب الأول أو الاعتراض الأول على قول النووي أنه مستحب بالإجماع.

    الاعتراض الثاني: بعض أهل العلم قال: لا يستحب, ما تصل الدرجة إلى قضية التحريم، لكن هناك من قال: إنه لا يستحب, وهذا نقل عن مالك أو حكي عن مالك , وفي الواقع أنه رواية ضعيفة عن مالك , أو أنه رجع عنها، نقل عنه بعض المالكية أنه قال: لا يستحب, وحكاه الباجي من المالكية عن بعض المتقدمين من أصحاب الإمام مالك , أنهم قالوا: لا يستحب رفع اليدين، أما التحريم فلا أعلم أحداً قال بأنه يحرم رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام.

    إذاً: خلصنا الآن إلى نتيجة, وهي أن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام مستحب عند جماهير أهل العلم، وليس في المسألة إجماع, وإن ادعى النووي الإجماع فقد خولف في ذلك من وجهين، فهناك من خالفه فقال: بالوجوب, كما نقل عن أحمد , عن الأوزاعي , عن الحميدي , عن داود , عن ابن حزم , عن أحمد بن سيار , عن أبي حنيفة، واعترض على كلام النووي أيضاً بأن هناك من قال: بأنه لا يستحب، وهذا منقول عن مالك وبعض المتقدمين من أصحابه، لكن الصحيح أن رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام سنة, مستحب عند جماهير أهل العلم من السلف والخلف رضي الله عنهم.

    حكم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه

    سؤال: رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه, ما حكمه أيضاً؟

    رفعها عند الركوع وعند الرفع منه جاء في حديث ابن عمر، حديث الباب, (وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضاً وقال: سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد). فنص حديث ابن عمر على استحباب رفع اليدين عند التكبير للركوع, وعند الرفع من الركوع، ولذلك بوب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال: (باب رفع اليدين إذا كبر للركوع, وإذا رفع رأسه من الركوع) ثم ساق فيه حديث مالك بن الحويرث، ساق حديث ابن عمر أولاً، وهو حديث الباب, ثم ثنى بحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: ( أنه كان إذا صلى كبر، ورفع يديه, وإذا ركع كبر، ورفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ورفع يديه, وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: مالك بن الحويرث - صنع هكذا ). فدل حديث ابن عمر وحديث مالك بن الحويرث على أنه يشرع رفع اليدين عند التكبير للركوع, ويشرع رفع اليدين عند الرفع أو النهوض من الركوع، وقد صنف البخاري كما أسلفت قبل قليل جزءاً سماه: قرة العينين في رفع اليدين في الصلاة، وهو مشهور باسم جزء رفع اليدين في الصلاة، وحكى البخاري في هذا الكتاب عن الحسن البصري رحمه الله وحميد بن هلال : أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك، يعني: رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، قال البخاري : (ولم يستثن الحسن أحداً من الصحابة في استحباب رفع اليدين).

    وكذلك قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله قال: (كل من روي عنه ترك رفع اليدين روي عنه رفعهما) يعني: في الركوع والرفع منه إلا ابن مسعود رضي الله عنه. فـابن عبد البر يقول: (كل صحابي روي عنه ترك رفع اليدين في الركوع والرفع منه، روي عنه رفع اليدين في الركوع والرفع منه، إلا ابن مسعود فقد روي عنه الترك، ولم يرو عنه الرفع)، وكذلك محمد بن نصر المروزي يقول: (أجمع علماء الأمصار على مشروعية رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه إلا أهل الكوفة، يعني: أبا حنيفة وأصحابه).

    فنعود إلى قضية حكم رفع اليدين عند التكبير للركوع، وعند الرفع من الركوع, فجمهور أهل العلم يرون أنه مستحب أيضاً, للأدلة التي ذكرتها الآن, وقد ذكر الخطابي رحمه الله والقرطبي أن هذا هو آخر القولين عن الإمام مالك، أنه يستحب رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه, وخالف في ذلك أبو حنيفة، كما هو ظاهر قبل قليل من كلام المروزي , الذي قال: إلا أهل الكوفة، فإنه يرى رحمه الله أن رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع منه غير مشروع، ولم ينفرد هو بهذا, بل وافقه على ذلك جماعة من الفقهاء والتابعين, منهم الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح , وهو مشهور أيضاً عند المالكية، والعمل عليه عند المتأخرين من فقهاء المالكية، أنهم لا يرون استحباب رفع اليدين عند الركوع، ولا عند الرفع من الركوع.

    ما هو دليلهم على عدم الاستحباب؟ لهم عدة أدلة نذكرها على عجل.

    من أدلتهم: حديث ابن عمر رضي الله عنه، روى مجاهد رحمه الله عن ابن عمر : [ أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك ] أي: صلى مجاهد خلف ابن عمر فلم يره يرفع يديه، فقالوا: هذا دليل على أنه لا يستحب رفع اليدين.

    وهذا الدليل لا يقوم, أولاً: لأن فيه ضعفاً, فإن راويه أبو بكر بن عياش , في آخره أصابه ضعف أو اختلاط, فهو معلول، وعلى تقدير ثبوته وصحته، فإن عدم فعل ابن عمر لرفع اليدين، لا يدل على عدم الاستحباب, فقد يكون ابن عمر لا يرى وجوبه, فقد يتركها أحياناً, وقد يمنعه من ذلك مانع من مرض.. أو غيره, كما منعه من الجلوس, كما سبق في موضوع التورك.. وغيره, وعلى فرض أنه لم يمنعه من ذلك مانع, فإن الأحاديث المثبتة لرفع اليدين أقوى وأكثر, وهي مثبتة, والمثبت مقدم على النافي, فهي أرجح من هذا. هذا دليلهم الأول .

    ودليلهم الثاني: حديث البراء بن عازب رضي الله عنه, وهو في سنن أبي داود : ( أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح، ثم لا يعود إلى ذلك ). وهذا الحديث أيضاً ضعيف, فإن فيه يزيد بن أبي زياد , وهو ضعيف, وقد حكم جماعة من أهل العلم على الحديث بأنه شاذ .

    دليلهم الثالث: حديث علقمة قال: قال ابن مسعود : ( إني لأصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام فصلى، قال: فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة ), يعني: عند تكبيرة الإحرام، وحديث ابن مسعود رواه أبو داود , وقال: هذا حديث مختصر من حديث طويل, وليس بصحيح بهذا اللفظ، يقول أبو داود : وليس بصحيح بهذا اللفظ، ورواه أيضاً أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي : هذا حديث حسن، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : صححه بعض أهل الحديث.

    وكأن حديث ابن مسعود أنه رفع يديه مرة واحدة كأنه هو أقوى دليل للأحناف، ومن وافقهم على عدم استحباب رفع اليدين عند التكبير للركوع، وعند الرفع من الركوع.

    وهو أيضاً مدفوع الاستدلال به, أولاً: إن هذا أقصى ما يدل عليه عدم الوجوب، ونحن لا نقول بالوجوب, بل نقول بالسنية.

    كما أننا نقول: إن غيره أقوى منه، وأولى بالترجيح, وهي مثبتة, والمثبت عند علماء الأصول مقدم على النافي، ولذلك قال الإمام البخاري رحمه الله في الجزء الذي أسلفت الإشارة إليه، قال: (إنه روى أحاديث رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع منه سبعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم).

    وذكر الحاكم وابن منده أن من هؤلاء العشرة المبشرين بالجنة, رووا أحاديث رفع اليدين.

    وقال العراقي في تقريب الأسانيد : إنه تتبع طرق ذلك وجمعها عن خمسين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    فتبين بذلك أن أحاديث رفع اليدين كثيرة جداً، بل ربما يدعى فيها أنها متواترة حتى عند الركوع وعند الرفع منه.

    إذاً: النقطة الثانية التي خلصنا منها الآن: أنه عند الركوع وعند الرفع منه يستحب عند جمهور أهل العلم رفع اليدين, وخالف في ذلك أبو حنيفة , والراجح استحباب رفعهما.

    حكم رفع اليدين عند القيام من التشهد الأول

    الموضع الثالث: هو عند القيام من التشهد الأول، وهذا من المواضع التي لم يذكرها الإمام الشافعي رحمه الله، وخالف في ذلك الأكثرين، وقد دل حديث ابن عمر في صحيح البخاري على استحباب رفع اليدين، عندما يقوم الإنسان من التشهد الأول، قال: ( وإذا قام من الركعتين رفع يديه - يعني: ابن عمر- قال ورفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ).

    وللحديث شواهد أيضاً تدل على مشروعية رفع اليدين عند القيام من التشهد الأول عن جماعة من الصحابة, منهم: أبو حميد، ومنهم: علي رضي الله عنه، وحديثه عند أبي داود، وقد صحح حديث أبي حميد وحديث علي ابن خزيمة وابن حبان .

    قال الإمام البخاري في جزء رفع اليدين : ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من رفع اليدين عند القيام - يعني: من التشهد- صحيح.

    فحكم البخاري رحمه الله بصحة هذه الأحاديث، قال ابن خزيمة : وهو سنة. ابن خزيمة شافعي، والشافعي لم يثبت رفع اليدين عند القيام من التشهد, ومع ذلك الإمام ابن خزيمة رحمه الله -وهذا يدل على إنصافه وبعده عن التعصب المذهبي- قال: وهو سنة وإن لم يذكره الإمام الشافعي، فالإسناد صحيح. وقد قال الإمام الشافعي : قولوا بالسنة ودعوا قولي.

    إذاً: الآن انتهينا من رفع اليدين عند التكبير، ورفع اليدين عند الركوع, ورفع اليدين عند الرفع من الركوع، ورفع اليدين عند القيام من التشهد الأول.

    حكم رفع اليدين عند السجود وعند الرفع منه

    بقي الموضوع الخامس وهو رفع اليدين عند السجود، سواء إذا سجد، أو إذا رفع من السجود، فهذا هو الموضع الخامس والأخير أيضاً، وقد نفاه ابن عمر رضي الله عنه، في حديثه الذي هو حديث الباب, فقال في آخر الحديث: ( وكان لا يفعل ذلك في السجود ). وجاء نفيه أيضاً في حديث علي رضي الله عنه المرفوع، وقد ذكره البخاري في جزء رفع اليدين قال: [ ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد ]. فنفاه ابن عمر , ونفاه علي , ومعظم الأحاديث الواردة عن أبي حميد ووائل بن حجر .. وغيرهما، لم تشر إلى رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه عند السجود, سواء إذا سجد, أو إذا رفع يديه، أو إذا نهض من السجود.

    ولكن جاء في مشروعية رفع اليدين عند السجود، وعند الرفع من السجود أحاديث، من أصحها: ما رواه النسائي عن مالك بن الحويرث قال: ( وإذا سجد رفع يديه, وإذا رفع من السجود رفع يديه). فهذا يدل على استحباب رفع اليدين عند السجود، وعند الرفع من السجود. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : (وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة, ولا يخلو شيء منها من مقال) وكذلك البخاري رحمه الله أشار في جزئه إلى تضعيف ما ورد في ذلك, وأنه لا يصح منها شيء .

    وقد ورد في أحاديث عن ابن عمر، وأبي هريرة، ووائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وعمير بن حبيب .. وغيرهم, كما جاء عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما رويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع ). وهذا صححه ابن القطان وابن حزم , وخالفا في ذلك جمهور أهل الحديث, فإنهم يضعفون الحديث بهذا اللفظ، وبعضهم يقول: لا، الصواب: (يكبر في كل خفض ورفع).

    على كل حال رفع اليدين عند السجود، وعند الرفع من السجود هو مذهب ابن حزم رحمه الله، وقد نسبه إلى جماعة من الصحابة والتابعين, وهو مذهب ابن المنذر أيضاً من الشافعية، وهو نقل رواية عن مالك والشافعي، والجمهور أنه لا يستحب رفع اليدين عند السجود، ولا عند الرفع من السجود.

    من المعاصرين الشيخ الألباني حفظه الله، صحح الأحاديث الواردة في رفع اليدين عند السجود, وعند الرفع منه، ولذلك ذهب إلى القول بسنية ذلك، وعلق بعض علمائنا وأئمتنا أيضاً القول باستحباب ذلك على ثبوت الحديث فيه، فكأنه تردد في صحة الحديث .

    على كل حال من رأى أن الحديث صحيح، فرفع يده عند السجود، أو عند الرفع منه، فلا تثريب عليه ولا حرج في ذلك، ومن وافق الإمام البخاري وابن حجر وجمهور المحدثين، على تضعيف الأحاديث الواردة في رفع اليدين عند السجود، وعند الرفع منه، فلم يرفع، فله بذلك أسوة وقدوة فيمن سبقوه وتقدموه.

    هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يكتب هذا المجلس المبارك في ميزان أعمالنا, وأن يرزقنا الإخلاص والصواب، ويوفقنا لصالح القول والعمل. آمين.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك اللهم وبحمدك, نشهد أن لا إله إلا أنت, نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767027501