إسلام ويب

ربيع القلوبللشيخ : عبد الرحمن السديس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن المؤمن الذي لا يبتغي إلا رضا الله سبحانه وتعالى، ينتهز الفرص ليعبد الله جل وعلا فيها، ويترك الدنيا وراءه ظهرياً، ولذلك تكلم الشيخ حفظه الله في هذا الدرس عن بعض الإجازات التربوية، وهي إجازة الربيع، وكيف نقضي هذه الإجازة في حياة القلوب، والنظر إلى علاجها، وأسباب قسوتها وبعدها عن الله عز وجل، ومحاولة إصلاحها بالإكثار من الطاعات والقربات.

    1.   

    كيف تقضي إجازة الربيع

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ورضي الله عن صحابته الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الإخوة في الله: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأحمد الله تبارك وتعالى، الذي هيأ لي هذا اللقاء الطيب المبارك بكم في بيتٍ من بيوت الله، التي يجب أن تعمر بذكر الله سبحانه وتعالى، في هذه الليلة نلتقي مع إخوتنا في مدينة جدة ، سواء أكانوا من الإخوة المقيمين فيها، أم من الزائرين لها في هذه الإجازة التي تسمى: بإجازة الربيع، ولا شك أن هذه الإجازة وغيرها، ينبغي أن تكون موسماً للخير والفضيلة، وعمارة القلوب بما يقرب إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن الله سبحانه إنما خلقنا لتحقيق العبودية له جل وعلا، وينبغي أن نشغل بهذه الرسالة أوقاتنا كلها؛ أوقات فراغنا وأوقات شغلنا، أوقات صحتنا ومرضنا، أوقات كبرنا وصغرنا يقول تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    ونحن اليوم أيها الإخوة الأحبة! في عصرٍ طغت فيه الماديات، وكثرت فيه المغريات، وشغل فيه كثيرٌ من المسلمين عن تحقيق ما يجب عليهم في هذه الحياة، والوقائع والصور والأحوال والحوادث تترجم ذلك، فكثيرٌ من الناس هدانا الله وإياهم في غفلةٍ عما خلق له: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبياء:1-3].

    فيجب على العبد إذا أراد نجاته في هذه الحياة، ويوم عرضه على مولاه، أن يعمر أوقاته بما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، وليس معنى ذلك: ألا يجعل الإنسان لنفسه فرصةً للترويح والتسلية وعمل ما يباح من الأمور، لكن أن تكون حياته كلها يطغى فيها الهزل واللهو والعبث، فليس هذا بصحيح، وليست هذه حياة المسلمين الصادقين في إيمانهم ويقينهم.

    ولما كان الناس في مثل هذه العطلة والإجازة، تغلب عليهم الغفلة، انظروا إلى أحوال كثيرٍ من الناس الذين أتوا لزيارة هذه المدينة، تجد أن الكثير منهم يفهمون أن مجيئهم لهذه المدينة وغيرها، إنما هو للترويح عن أنفسهم، ولو عملوا ما يغضب الله عز وجل، وهذه مصيبةٌ كبرى، ولهذا تجد فئاماً من الشباب، الذين أهملوا واجبهم، وغفلوا عن تحقيق رسالتهم، وضيعوا شبابهم، وأعمارهم، في أمورٍ محرمة، تجدهم يعيشون في مثل هذه الأوقات حياة اللهو، والعبث والمجون، وتضييع الأوقات، وتضييع فرائض الله عز وجل، والوقوع في ما حرم سبحانه وتعالى، وهذه مصيبةٌ كبرى، أن يغفل الناس عن واجبهم، وعن تحقيق رسالتهم في هذه الدنيا.

    أما المؤمنون الصادقون، المؤمنون الحريصون على ما يقربهم إلى الله، فحياتهم وقلوبهم كلها ربيع؛ ربيعٌ بذكر الله، ربيعٌ بإيمانهم بالله، ربيعٌ بذكر الله عز وجل وتلاوة كتابه، ومجالسة الصالحين من عباده، يستوي في ذلك عندهم أوقات فراغهم وشغلهم، فكلها في خير، وإن لم يعملوا طاعة فلا يقعوا في معصية، وهذا أمرٌ ينبغي أن يتفطن له الناس، لا سيما في مثل هذه الأيام.

    1.   

    الأمور المعينة على إعمار القلوب

    أيها الإخوة في الله: إن الموضوع الذي أراده إخوتنا في الحديث وللحديث حوله موضوعٌ في غاية الأهمية؛ لأنه يتعلق بعضوٍ هو أهم الأعضاء على الإطلاق، فمعلومٌ أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في هذه الحياة وصوره فأحسن صورته، ووهبه الجوارح والأعضاء من الأيدي والأرجل، ووهبهه السمع والبصر، لكنه وهبه جل وعلا عضواً هو أهم هذه الأعضاء على الإطلاق؛ ذلكم هو القلب!

    فالقلب هو ملك الأعضاء، إذا صلح صلحَ الجسد كله، وإذا فسد فسدَ الجسد كله، كما صح في ذلكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) بل إني أكاد أقول: إن الأزمة التي تمر بها الأمة بل يمر بها العالم اليوم، هي أزمة القلوب!!

    فقلوب الناس إلا من رحم الله قاسيةٌ بعيدةٌ عن الله عز وجل، قلوب كثيرٍ من الناس في غفلة عن تحقيق ما خلقت لأجله، أمراض القلوب المستعصية والمنتشرة في هذا الزمان ما أكثرها، ويهون طب الأبدان إذا بلي الإنسان بمرض الأديان، فطب الأبدان أمرٌ سهل يعالج عند أقرب طبيب وأقرب مستشفى، والناس يهتمون به في الغالب، فما أن يصاب الإنسان بمرضٍ في جسده، حتى يهرع لأفخم طبيب، ويسأل عن أحسن مستشفى، بل لربما يسافر الأميال والمسافات الطويلة؛ لأجل علاج مرضٍ جسدي، لكن كثيراً منهم يغفلون عن أمراض قلوبهم، وهي في الحقيقة الأمراض الخطيرة، كثيرٌ من الناس تجده في صحة في بدنه، وفي سعةٍ في ماله، ولكن قلبه مريضٌ بالمعصية، والعياذ بالله، فيجب على المسلمين ويجب على الشباب، ويجب حتى على طلبة العلم، أن يُعنوا بشأن قلوبهم، وليست الأزمة التي يمر بها العالم اليوم، أزمة فكر؟! ولا أزمة مادة؟! ولا أزمة ثقافة؟! بقدر ما هي أزمة صلاح القلوب والأرواح: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].

    ويقول الله عز وجل عن الكفار: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [التوبة:127] ويقول عن المنافقين: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة:10] ولكنه أخبر عن أهل الإيمان: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن:11].

    فيا أيها الإخوة: إن علينا أن نعنى بشأن القلوب، وبصلاحها، فكثيرٌ من الناس يعتني بجسده، والاعتناء بالجسد إذا لم يكن على حساب الروح والقلب لا بأس به، ولكن أن يُشغل الناس بأجسادهم ويغفلوا عن قلوبهم وأرواحهم، فهذا شأن الغافلين:

    يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته     أتعبت نفسك فيما فيه خسرانُ

    أقبل على الروح فاستكمل فضائلها     فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ

    تربية القلوب بالإيمان

    أيها الإخوة: إن كثيراً من المسلمين هدانا الله وإياهم في غفلةٍ عن قلوبهم، ولهذا حرص الإسلام على تربية قلوب المسلمين، وبُعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم لعمارة القلوب بالإيمان وما يقرب إلى الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما أنقذ هذه الأمة، لم ينقذها بالسلاح المادي، ولا بالتعبئة الجسدية، وإنما هي في الحقيقة بتربية القلوب على الإيمان، فكان سلف هذه الأمة وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلية في أعدادهم وعتادهم، ولكنهم أرهبوا الأمم، ودمروا جميع الحضارات والعروش الكافرة؛ لأنهم تربوا على الإيمان بالله، وعمرت قلوبهم بما يقربهم إلى الله، وهكذا حال المسلمين في كل زمان ومكان، إذا اعتنوا بقلوبهم وأرواحهم، وحرصوا على عمارتها بما يقرب إلى الله عز وجل، وعالجوا أمراضها وأدواءها وما أكثرها، حين ذاك تصلح أحوالهم.

    إذا كان المسلمون اليوم أكثر من مليار مسلم، وأحوال الأمة الإسلامية في بقاع شتى، أحوالٌ مبكية، وأوضاع مزرية، فما السر فيما أصاب المسلمين؟!

    وما السر في أحوال المسلمين المتردية؟!

    إن القضية قضية قلوب، لم تعمر قلوب الناس بالإيمان، وإنما دمرت بالمعاصي والذنوب التي غشت القلوب حتى أعمتها والعياذ بالله، فالقلوب تعمى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

    الذين لا يعرفون المساجد، ولا يعرفون بيوت الله، ولا يعرفون القرآن، ولا يعرفون الإيمان، ما هي أحوال قلوبهم؟!

    قلوبٌ منتكسة! قلوبٌ ميتة! قلوبٌ خاوية!! والعياذ بالله، ولكن هذا هو العطب، فإنه لا ينجو من عذاب الله، إلا صاحب القلب السليم: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89]. والقلب السليم: هو القلب المؤمن الموحد الذي لم تخالطه الأمور الشركية، ولا الأمور المبتدعة.

    ولهذا فإن ربيع القلوب أيها الإخوة! ليس في أن يذهب الناس على الشواطئ، والمنتزهات، والبراري، ويضيعوا الأوقات ويعمروها باللهو والأكل والشرب، ويتركوا الفرائض، ولكنها تعمر بالإيمان بالله.

    الأمة اليوم لا ينقصها أعداد، ولا ينقصها عتاد، ولكن ينقصها رجالٌ مؤمنون موحدون، والخير في هذه الأمة باقٍ، وأهل الإيمان ولله الحمد والمنة في ازديادٍ وكثرة، لكن لا تزال الكثرة الكاثرة غثاءً كغثاء السيل، ينبغي أن نعود إلى قلوبنا، فننظر مدى عمارتها بتوحيد الله، نحن أمة توحيدٍ وعقيدة، أمة إيمانٍ بالله عز وجل، وهذا هو الذي يعمر القلوب في الحقيقة، فينبغي على المسلم أن يحرص على الإيمان والتوحيد علماً وعملاً واعتقاداً، وأن يجالس أهله، وأن يبتعد عما يخالف العقيدة الصحيحة؛ فإنها تخدش إيمانه، وتسود قلبه، وتجعله معرضاً عن الله عز وجل.

    إعمار القلوب بالإقبال على كتاب الله

    كذلك من الأمور التي ينبغي أن تعمر فيها القلوب وتحيا: الإقبال على كتاب الله، الإقبال على القرآن يقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57] نعم. شفاء لما في الصدور، شفاءٌ من أمراض الشهوات، وأمراض الشبهات التي تصد القلوب عما يقرب الله عز وجل.

    ونحن اليوم أيها الإخوة! في عصرٍ أصيبت به كثيرٌ من القلوب بالوهن، والمرض، والفيروسات التي تضر القلوب كثيرةٌ جداً، فيحتاج الإنسان إلى مراجعةٍ جادة، ومحاسبة دقيقة لقلبه وإيمانه.

    إذا نظرت فيك ضعفاً في الاعتقاد، وضعفاً في الإيمان، فارجع إلى قلبك.

    إذا رأيت في نفسك تساهلاً في الصلوات فارجع إلى قلبك.

    إذا نظرت إلى قلبك ونفسك تبغض أهل الخير، وتضيق في مجالستهم، ومجالسة الذكر وحلق العلم، فداو قلبك فإنك مريض.

    إذا رأيت نفسك ميالةً إلى الغناء والمزامير، فداو قلبك فإنه مريض.

    إذا رأيت قلبك منساقاً إلى الشهوات، والتوسع في المباحات، تحب أصناف المأكولات، وتجعلها شغلك الشاغل، وتحب المغريات والماديات، ولا تتحدث إلا عن الدنيا، فارجع إلى قلبك فإنه مريض...

    يعاني المسلمون وتعاني المجتمعات، بل يعاني العالم اليوم من أمراضٍ نفسية؛ قلق، اكتئاب، انفصام الشخصية، أمراض نفسية، كثرة الوساوس والهموم، كثرة المس والسحر والشعوذة، وما إلى ذلك. والسبب: أن القلوب غُفِل عنها.

    فينبغي أن يعلم الناس: أن ما أصيب به العالم اليوم، إنما هو بسبب خواء القلوب من الإيمان، أو ضعف الإيمان فيها، ولا يمكن أن يعالج أصحاب الأمراض النفسية عند الأطباء النفسيين الماديين، مهما علت مراتبهم ومؤهلاتهم وشهاداتهم، لا علاج إلا القرآن وشفاءٌ لما في الصدور: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ [فصلت:44].. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82].

    فهذا هو العلاج؛ الإقبال على القرآن!! لكن مع الأسف أن كثيراً من المسلمين هدانا الله وإياهم انصرفوا وغفلوا عن القرآن وتلاوته وحفظه، ومراجعة معانيه وتدبر آياته..

    بل إننا لا نبالغ إذا قلنا: إن بعض المنتسبين إلى الخير، وأهل الالتزام والإقبال على الله، هم في تقصير مع القرآن، ونحن لا نريد شباباً التزامه هشَّ، والتزامه ظاهري، وإنما نريد قلوباً يعمرها الإيمان والقرآن.

    فيا أيها الشباب: ويا طلبة العلم! إن أهم ما عنيتم به، وينبغي أن تعتنوا به: الإقبال على القرآن، حينما يأتي إليك شابٌ ملتزم ظاهره الصلاح، ولكنه لا يحفظ القرآن، أو لا يقرأ القرآن قراءةً صحيحة، فإن في التزامه دخناً، وينبغي أن يعالج نفسه، وأن يعرف أن التزام القلوب وصلاحها أهم من التزامه ظاهراً، وإن كان الأمران جميعاً مطلوبين لكنَّ العناية بأمور الباطن، وأمور القلوب، هي الأمور التي ينبغي أن تستحوذ على همم أهل الخير والصلاح.

    نعم، ينبغي أن يتربى الشباب على القرآن، وينبغي أن يعنى الدعاة إلى الله بالقرآن، نرى كثيراً من الناس، ينصرفون إلى قضايا فكرية على سبيل المثال، وهذا لا محظور فيه، ينبغي على الإنسان أن يكون فكره فكراً نيراً صحيحاً سليماً، وليس مخلطاً، ولا ملوثاً باللوثات المنحرفة، لكن لا نربي نحن فكراً مع خواء الروح والقلوب، ينبغي أولاً: أن نعنى بشأن الإيمان والعقيدة والعلم الشرعي الذي نواته الإقبال على كتاب الله عز وجل وتلاوته وحفظه، وخذ من أمور الفكر بطرف، وكن على معرفة، وخذ من أمور الواقع ومعرفة أحوال المسلمين بطرف، لكن لا يكون هذا هو الاهتمام الكلي، ينبغي أن تعمر القلوب بالذكر: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

    في عصر القلق والاكتئاب، والمصائب والأمور النفسية، لا طمأنينة للقلوب إلا بالإقبال على الله، فحياة القلوب بذكر الله عز وجل والإيمان به: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].

    فينبغي على المسلم: أن يعنى بكتاب الله، لا سيما الشباب وطلبة العلم والأخيار والملتزمون، ينبغي أن يعنوا وأن يربوا أنفسهم على القرآن، لأننا نرى أن قلوب بعضهم قاسية، وتحتاج إلى من يلينها، ولا ملين إلا كتاب الله عز وجل.

    وفي المقابل أناسٌ يعتنون بالأمور القلبية، ويهتمون بها، وقد يحدثون في دين الله من الأذكار ما ليس منه، وهذا أمرٌ ليس بصحيح.

    ينبغي على المسلم أن يعلم: أنه لا حياة للقلوب إلا بالسير على منهج السلف الصالح ، والتزام سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والبعد عن المحدثات، ولهذا شطح كثيرٌ من أرباب التصوف لما اعتنوا بالأمور القلبية، ولكنهم لم يهتموا بالبناء على العلم الشرعي، والعقيدة الصحيحة، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    فنظروا إلى الإسلام، إلى الجوانب القلبية، وهز الرءوس والتقشف والزهد، دون أن يبنى ذلك على عقيدة صحيحة سلفية، وإيمانٍ وقرآن، واتباع لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

    سلامة القلوب من أمراض النفوس

    كذلك أيها الإخوة: مما ينبغي أن يعتني به المسلم لصلاح قلبه ولدواء قلبه: أن يكون القلب سليماً؛ سليماً من الدخل والدخن، وسليماً أيضاً من اللوثات التي تلوث القلب، ومما يكون في النفوس والقلوب والصدور: من الغل، أو الحقد، أو الحسد، أو البغضاء، أو الشحناء على أحدٍ من المسلمين، طهارة القلوب من هذه الأدواء والأمراض طريقٌ لربيعها وصلاحها.

    أما أن تكون القلوب مليئة بالأحقاد، والحسد، وتتبع العثرات، وتلمس النقائص والسوءات، فهذا مرض ينبغي أن يعالج أصحابه قبل أن يستفحل أمرهم.

    وإذا نظرت إلى أحوال الناس اليوم، تجد أن هذه الأدواء تضرب بأطنابها في قلوبهم، فأصيب الناس بالفرقة والخلاف، ووجد في الصدور والقلوب ضد المسلمين، بل ضد طلبة العلم، والدعاة إلى الله، والعلماء، وهذه مصيبة أن يوجد هذا في قلوب الإسلام، وأهل الإيمان، فالحسد، والكيد والبغضاء، والشحناء خطرها عظيم، وضررها جسيم، ينبغي للمسلم أن ينور قلبه، ويعالج أن تقع فيه هذه الأدواء، فتحب لإخوانك المسلمين ما تحب لنفسك، وتدعو لهم، وتعرف فضلهم، وخيرهم، وسبقهم، وتعرف حسناتهم، أما أن تلغي الإنسان لمجرد خطأ وقع فيه، أو سوء ظنٍ منك، أو حرصٍ من الشيطان على أن يوقع بينك وبين إخوانك، فلا تجد هماً لك، إلا أن تبث الفرقة والخلاف في الأمة، فهذا داءٌ خطير، وينبغي أن يُفهم من هذا أنه ليس معنى ذلك، أننا لا نبين الأخطاء، لا. ينبغي أن يبين الخطأ، كائناً من كان من أتى به، لكن لا داعي إلى التشهير، والتعيير والتجريح والثلم، بشكلٍ ظاهر، ويجعل الهوى متمكناً ودليلاً على أصحاب هؤلاء على هذا الفعل، وهؤلاء الذين يقومون به.

    أرجو أن يفهم ما أردت تماماً، فنحن لا نجامل في عقيدتنا، ولا في إيماننا، وينبغي أن يقال للمخطئ: أخطأت حتى لا يغتر الناس بالخطأ، لكن نلتمس المعاذير، المؤمن يلتمس المعاذير والمنافق يتتبع الزلات، من الذي لا يخطئ؟! ومن الذي ما ساء قط؟!

    الناس كلها تخطئ فلو أن واحداً من الحاضرين أتى اليوم لتتبع خطأ المتحدث، لكان هذا أمراً خطيراً أن يأتي الإنسان لأجل أن يتتبع الأخطاء، اسمع الكلام واعرف المراد منه، وكن حسن الظن بإخوانك المسلمين، سليم النية، طيب الطوية، لا تحمل في قلبك غلاً ولا حقداً ولا حسداً على أحدٍ من إخوانك المسلمين، ولو كان عامياً، فضلاً عن أن يكون طالب علم، أو أن يكون معروفاً بالخير والحرص على ما يفيد الأمة، ولا ينافي هذا كما قلت أننا نبين الخطأ ونذكره حتى لا يغتر به الناس، ولا نغلو في أحدٍ من الناس كائناً من كان، الحق أحب إلينا من الرجال، لكننا نعرف للمحسن إحسانه، وندعو للمخطئ ونسأل الله أن يغفر زلَلَـه، هذا هو منهج المسلم الحق.

    أما الذين يعمرون قلوبهم بالغل والحقد والشحناء، ويربون الناس على هذا، ويربون الشباب على هذه الأمور، وعسى ألا يكون أحداً منهم موجوداً، وهم قلة ولله الحمد والمنة، فهذا أمرٌ ينبغي أن نتنبه له.

    1.   

    أسباب حياة القلوب وسلامتها

    إذا أردنا أن نركز في الحديث لنضع أسباب حياة القلوب وسلامتها، فنقول:

    أولاً: الإيمان والعقيدة

    ثانياً : القرآن حياة القلوب

    القرآن مادة حياة القلوب، وكم نسمع من كتاب الله في مقابل ما نسمع من غيره؟ وكم نقضي من الأوقات مع كتاب الله في مقابل ما نقضي من الأوقات مع غيره؟ حتى لو كان الإنسان في طلب علم، فينبغي أن يركز على القرآن، ويجعل لكل فنٍ قدراً.

    ثالثاً: ذكر الله

    قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

    أين الذاكرون الله كثيراً، والذاكرات؟! هم ولله الحمد موجودون، لكنك إذا نظرت إلى الحياة الصاخبة من حولك تجد أن هؤلاء قليل في عموم كثير من الناس.

    ينبغي أن نعمر القلوب بذكر الله، حتى بعض أهل الخير، وبعض المحسوبين على الصلاح، وهم من أهل الصلاح، تجد قلوباً قاسية، ذكرهم لله قليل؛ وهذه صفة من صفات المنافقين، عافانا الله وإياكم قال تعالى: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142].

    فينبغي على المسلم أن يعود لسانه دائماً ذكر الله، يذكر الله عز وجل في جميع أحيانه وأحواله، كما كان عليه الصلاة والسلام.

    وإذا نظرت إلى التربية من حولك تجد العجب في موضوع التربية، فبعض الناس يتربى على أمورٍ بدنية وجسدية، وبعضهم يتربى على أمورٍ عقلية وفكرية، وآخرون على جوانب وعظية في قلة من العلم، وأناسٌ قبعوا في مكتباتهم، يدَّعون أنهم على علم، والمسلم يأخذ من جميع هذه الجوانب التي يستطيع أن يكمل بها شخصيته.

    فأولاً: الاعتقاد السليم، ثم العلم الشرعي، الذي ينبغي أن نحرص عليه، وأن يحرص شبابنا عليه.

    أيضاً: ذكر الله عز وجل، وفيه الأجر العظيم، والخير الكثير يقول تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]. {مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره مثل الحي والميت }. فذكر الله عز وجل أمره عظيم، لكن تقصيرنا فيه عجيب، التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، كل ذلك مما يعمر القلوب، لكن الناس في غفلة، أما المنحرفون، فصدتهم الأغاني الخليعة، والمزامير، والكلمات الخادعة والمبتذلة، وهؤلاء ينبغي أن يُدْعَوا، وأن يفيئوا إلى رشدهم، وأن يتوبوا إلى ربهم، قبل أن تحلَّ بهم ساعة الاحتضار، فيندم حيث لا ينفع الندم، وكثيرٌ من الناس حتى من أهل الخير والصلاح مقصر في هذه الجوانب، فعلى المسلم أن يكمل نفسه في هذا الأمر.

    صفاء القلوب

    أيضاً من أسباب علاجها وحياتها: صفاء القلوب من الغل والحقد والحسد والبغضاء، وليس المسلم مطالباً بالنقد، كما يحاول بعض الناس أن يحرص على هذه الأمور بقدر ما هو بحاجة أن يكمل نفسه، قبل أن تنتقد الآخرين كمِّل نفسك أنت، وابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها، وقوِّمها على طاعة الله عز وجل، أما أن يتربى الشباب وهم صغار في مراحل المتوسطة والثانوية على النقد، فلا يتركون أحداً إلا نقدوه؛ نقدوا العلماء، ونقدوا الولاة، ونقدوا العالم جميعاً، ومعنى أن الذي يصدر نفسه للنقد أنه يرى أنه هو السالم من الأخطاء وأن الناس كلهم على خطأ، نعم. نحن مطالبون بالنصيحة الشرعية، ونعرف أسلوبها، فللولاة أسلوبهم في النصيحة، وللعلماء إن قصروا أسلوب، وللدعاة والعلماء وطلبة العلم بعضهم مع بعض أسلوب، لكن أن تظل الأمة في فرقة وخلافات، وكلٌ يدعو لنفسه وينتصر لنفسه، ويرى أنه هو الذي على الحق، ويظل الناس في حيرة واضطراب، فهذا هو البلاء الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس، حتى انفصمت عرى المحبة والأخوة، وأصبح الإنسان لا يهتم إلا بنقد الآخرين، وهذه مصيبة.

    الأخوة والمحبة في الله

    أيضاً من الأمور المهمة: أن نعلم أننا إخوة في الله، ومتحابون في الله، وأن محبتنا وأخوتنا تسمو على الخلافات، ووجهات النظر، ولهذا ينبغي أن يعرف المسلمون ولا سيما طلبة العلم، آداب الخلاف، تعرف ما هي الوسائل والأسباب والمسائل والفروع التي لا غضاضة فيها أن يوجد بين طلبة العلم خلافٌ فيها، وبين الأمور التي لا عذر للإنسان في الخلاف فيها.

    إي نعم، فهذه مسائل مهمة جداً، ولا يمكن أن يعملها الناس إلا باصطحاب العلماء، وملازمتهم، وثني الركب في حلق العلم والعلماء، والاستفادة منهم، مع سلامة الصدور لأهل الإيمان.

    لا تصاب بالأسى والأسف، إلا حينما يأتيك أحد، ويقول: ما رأيك بالعالم الفلاني؟ من أنا ومن أنت حتى نتكلم في هؤلاء؟ لكن إن أخطأ أحد فنصحه واجب وخطؤه مردود عليه، وينبغي أن يبين، لكن ينبغي ألا يكون الهوى وهو المرض الخطير الذي تصاب به القلوب: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23] فالهوى مرضٌ خطير إذا أصاب القلوب أعماها، وأقفلها، ولا علاج للهوى إلا بتقديم النصوص والبعد عن الهوى.

    فيا أيها الإخوة: هذه جملة من أسباب حياة القلوب: الصفاء، والأخوة، والمحبة في الله عز وجل، هي التي ينبغي أن تعمر قلوب الناس، مع ما سبق بيانه.

    1.   

    المعاصي والذنوب من أسباب مرض القلوب

    ومن الأخطار الخطيرة التي ينبغي أن يتنبه لها الناس؛ أسباب مرض القلوب، وأسباب قسوتها من الوقوع في الأمور المحرمة، لا سيما الأمور الشركية والبدع والمحدثات.

    المعاصي والذنوب: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ولهذا ورد في الحديث: ( إن العبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتةٌ سوداء فإن تاب وأقلع صقل منها، وإن عاد عادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله يقول الله: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ).

    فالناس اليوم عمتهم الذنوب والمعاصي إلا من رحم الله، في جميع الجوانب؛ في البيوت وفي الأسواق، وفي المنتزهات، وعلى الشواطئ، وفي الشوارع، ذنوب تتعلق بالاعتقاد والعبادات -يعني في جانبها- وفي الأخلاق والقيم في تقصير الناس في هذه الأمور، لا سيما في مثل هذا العصر، الذي هو عصرٌ غزي فيه المسلمون بوسائل جديدة تبث الفساد والانحراف، وتقضي على صحة القلوب، فينبغي على المسلمين أن يحذروا هذه الأمور.

    من أسباب أمراض القلوب: الإعراض عن ذكر الله عز وجل، وعدم تدبر القرآن يقول الله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] الإعراض عن القرآن سببٌ لموت القلوب.

    1.   

    أسباب علاج القلوب

    .

    مراجعة العلماء وعدم استخدام أسلوب التشهير

    إن الوقوع في الحسد والغل والحقد والبغضاء، والوقوع في أعراض المسلمين، وأمراض الغيبة والنميمة، وكلام الناس بعضهم ببعض، كل ذلك من أمراض القلوب، فلو كان القلب سليماً للزم اللسان الصمت، ولم يذكر إلا الخير، وإذا كان هناك من خطأ فينصح صاحبه سراً، لا سيما إذا كان من العلماء، أو إذا كان من المسئولين والولاة، فليس من العلاج أن يتكلم الناس في المجالس وفي المنابر على أخطاء الناس ولاةً أو غير ولاة، أو علماء، فللولاة نصحهم المشروع، ينصحون فيما بينك وبينهم، ويبين لهم وهذا دليل صدقك معهم، وسمعتك وطاعتك لهم بالمعروف.

    أما الذين يشهرون فهؤلاء لا يحلون مشكلاً، ولا يغيرون منكراً، ويوغرون صدور الناس على من ولاهم الله أمرهم، وعلى علمائهم، وعلى أهل الخير فيهم.

    فينبغي أن يتواصى المسلمون، وأرباب الإصلاح في معرفة الطريق الصحيح، ولقد ثبت بالتجربة أن أسلوب التشهير ليس طريقاً للعلاج، وإنما قد يضر الدعوة وأهلها، إنه لا طريق للعلاج إلا الالتحام بعلمائنا الكبار ذوي العلم والخبرة والتجربة وممن لا يشك أحد أنهم ممن أنصح الناس لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، لكنهم لعلمهم وفقههم وتجربتهم الطويلة عرفوا طريق العلاج.

    أما أن يأتي الإنسان بغيرته وحماسه وهذه تحمد فيه، لكن ينبغي أن يكون ذلك مهذباً ومنضبطاً بالضوابط الشرعية، ومأخوذاً من أهل العلم ومرجوعاً فيه إلى القيادات العلمية التي تعرف وتوصل إلى الطريق الأسلم في هذه الأمور حتى لا تقع الأمة في فتن لا يعلم مداها إلا الله.

    أيها الإخوة: الربيع وربيع القلوب موضوعٌ جد مهم، وينبغي أن نُعنى به غاية العناية وأن نهتم به، والحقيقة هي كلمات ذكرتها وخواطر في النفس والقلب أبثها لكم راجياً أن تكون موقظةً للقلوب، لأننا بحاجة أن نسمع الخير والذكر فتنفتح له قلوبنا.

    أما أن نسمع ولا نتأثر وتظل القلوب على ما هي عليه فهذا مرض، ولهذا فكل مسلم، وكل من سمع هذا الحديث فإنني أطالبه أن يعرض اليوم قلبه على العيادة الصحية التي هي -الحقيقة- ما ذكرناه من الأمور؛ الإيمان، القرآن، الذكر، العلم، صفاء القلوب، الأخوة في الله عز وجل، ذكر الله سبحانه وتعالى، وما إلى ذلك، وعليه أن يعالج القلب أكثر من أن يحرص على علاج بدنه، وهذه قضية تربوية ينبغي أن نربي الأبناء والبنات والأسر، على العناية بقلوبهم:

    وإذا حلت الهداية قلباً     نشطت بالعبادة الأعضاءُ

    ولو أن الدعاة إلى الله والمصلحين ركزوا على موضوع القلوب عقيدةً وإيماناً وذكراً؛ لأصبح الحال أحسن مما هو عليه، ولتوارت كثير من الأخطاء الموجودة في الساحة ولسلمت القلوب، أما أن يُعتنى بقضايا أخرى على حساب هذه الأمور فذلك تقصير في حق هذا الموضوع المهم، وإن شاء الله عز وجل أن يكون عرض هذا الموضوع في هذه الإجازة التي يظن كثيرٌ من الناس أنها ربيعٌ للأبدان، ربيعٌ للأجساد، يتمتعون بها، لكنهم قد يقضون على قلوبهم والعياذ بالله.

    أكل الحلال والبعد عن الحرام

    أيضاً من أسباب علاج القلوب أيها الأخوة: أكل الحلال، والبعد عن الحرام، أكل الحرام يضر في القلب، وحدِّث ولا حرج اليوم عن المعاملات التي يتعامل بها كثيرٌ من الناس وهي محرمة، وما ذلك إلا لأن الدنيا طغت على القلوب والعياذ بالله.

    غض البصر والبعد عن الوسائل المغرية

    أيضاً: غض البصر، والبعد عن الوسائل المغرية، ولهذا الذين يقعون في الفساد والانحراف تجد أن الشهوة هي التي كانت سبباً وراء وقوعهم في هذه الأمور، ولهذا على الإنسان أن يعالج الشهوة التي في نفسه بالعلاج الشرعي وهو الزواج أو الصيام والبعد عن الوسائل المغريات.

    1.   

    حرص الشباب على عمارة القلوب

    فيا شباب الإسلام: احرصوا على عمارة قلوبكم بما يقربكم إلى الله، ربوا القلوب على القرآن، وعلى الإيمان، وعلى ذكر الله عز وجل، والبعد عما حرم الله سبحانه وتعالى.

    هذا الأمر الذي ينبغي أن أنبه عليه، ولعل في هذه الكلمات ما يكفي ويشفي في هذا الموضوع، والحقيقة أنه موضوعٌ هام، جاء ذكر القلوب في كتاب الله عز وجل قرابة مائة واثنين وأربعين مرة، وما يتصرف عن كلمة قلب، وقلوب ونحوها.

    وأما في السنة، ففي أحاديث كثيرة قرابة أربعمائة أو تزيد، فهذا دليل على العناية بهذا الجانب المهم، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما ربى قلوب الأمة، ولهذا الآن يتساءل كثيرٌ من الناس في منهج الدعوة الصحيح وطريق الدعوة الصحيح، ونحن لا نخطِّئ، أو لا نقع في عرض أحد من الناس أفراداً أو جماعات، ولكن يهمنا أن يسلك شبابنا المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله، وهي أن يعلموا أنه لا طريق للدعوة إلا عن طريق دعوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.

    فهذه الفُرقة التي مُني بها الناس، لا سيما في شأن الدعوة ينبغي أن تُحل بأن يسلك الجميع طريق النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة من التركيز على العقيدة والإيمان والقرآن والعناية بالقلوب، وأن يكُمِّل الإنسان نفسه من الأمور التي يحتاجها عصره وواقعه، ولا غضاضة في ذلك، المهم أن نبني الناس على منهجٍ شرعي سليم، على العلم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، مع أنه ينبغي أن نحرص -كما قلت- وأكررها لأننا في مصيبةٍ عظمى، منها: في قضية الفرقة والخلاف، فلنحذر ولنعرف أدب الخلاف، ولنعرف مساغات الخلاف، وما يسوغ فيه الخلاف، وما لا يسوغ فيه، ولتسلم صدورنا لإخواننا الدعاة، ولإخواننا العلماء، ويعلم الله أننا نحب الحاضرين جميعاً، وإخواننا طلبة العلم والدعاة إلى الله نحبهم في الله، ولا نعرفهم، أو قد لا نعرفهم ما دام أنهم على الخير وعلى المنهج وعلى الطريق الصحيح، هذا الذي ينبغي أن نسلكه، أما أن نقع في مشكلات ومصائب وفرقة وخلافات لا أول لها ولا آخر، فهذا يستفيد منه العدو المتربص.

    وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وأرانا الحق حقاً ورزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه، وأصلح قلوبنا وأعمالنا بمنه وكرمه، كما نسأله تعالى أن يجمع قلوب المسلمين على الحق والهدى، وأن يوفق ولاة أمورهم لما فيه خير الإسلام وصلاح المسلمين، وأن يوفق علماءهم ودعاتهم لبذل المزيد من التوجيه للأمة الإسلامية جميعاً، وأن يرزق الشباب وطلبة العلم الوحدة والاتفاق، وأن يبعدهم ويجنبهم نزغات الشيطان والهوى بمنه وكرمه، كما نسأله تعالى أن يصلح ضال المسلمين، وأن يهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشداً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    1.   

    الأسئلة

    علاج قسوة القلوب

    السؤال: فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنني أشعر بعدم استقرارٍ من أمري، فساعةً يرق قلبي وأشعر براحةٍ وسعادة، وساعةً يقسو قلبي، فماذا أفعل ليستمر قلبي في رقةٍ وسعادة وشعورٍ بحلاوة إيمان. جزاك الله خيراً؟

    الجواب: هذا هو موضوع الكلمة التي تكلمت فيها، نعم، أقبل على الإيمان والذكر وتلاوة القرآن، وهذا الكلام ليس كلاماً عاماً بل إننا نطالب أن يكون مبرمجاً، وأن يكون الإنسان مرتباً لوقته، ويضع للقرآن نصيباً، ويضع للذكر شيئاً من وقته، بل الأوقات الشرعية في هذا، ويحرص على أن يكون لسانه رطباً بذكر الله عز وجل، وأن يصاحب الأخيار، وأن يبتعد عن الأشرار، وأن يحصن نفسه عن المغريات والشهوات، كل ذلك من الأمور التي يُعالج فيها مرض القلب.

    فعليك أيها الأخ السائل أن تقبل على هذه الأمور التي ذكرناها وأن تحذر أمراض القلوب، التي يقع فيها الناس لشهوةٍ عارضة أو شبهة، أو هوى أو شينٍ في القلوب، أو ما إلى ذلك من الأمور التي تحصل.

    قسوة القلوب مرض، أصيب به كثيرٌ من الناس: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22] والمؤمنون قال الله فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] فعلى هذا السائل وغيره أن يسير على ما قلناه وأن يتحرى الحلال الطيب ومجالسة الصالحين، وإذا حصل هناك قصور في المنهج، فإنه يبين لإخوانه، أن يعتنوا بالإيمان، ويعتنوا بالعقيدة والعلم الشرعي، وعمارة القلوب بذكر الله عز وجل وأن لا تضيع أوقاتهم سدىً.

    كثيرٌ من الناس يضيعون أوقاتهم سدىً، إن سألته عن الاهتمامات التي يهتم بها بجسمه تجده يجيبك فيها من أول وهلة، وقد يكون متخصصاً وعارفاً لها تماماً، لكن لو يسأل عن آية من كتاب الله، أو حديثٍ من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، أو مسألة علمية تجده قد لا يجيد جوابه.

    فالحقيقة أننا بحاجة إلى أن نتواصى في أن نعمر أوقاتنا وأن نرتبها ونضبطها حتى لا تضيع، كثيرٌ من الناس ضاعت أوقاتهم بتتبع أخطاء الآخرين، وكثيرٌ من الناس ضاعت أوقاتهم بمجالسة بعض الإخوة الذي يرفهون عنه ويسلونه ويضحكونه ويمازحونه ويجد عندهم سلوى في تضييع الوقت، ولكن ينبغي أن تروض القلوب على الأمور الجادة؛ العلم، حضور دروس العلماء، أن يكون له وردٌ يومي من القرآن، له وقت يقرأ فيه كتب السلف، في زيارات المشايخ والعلماء، وما إلى ذلك، حتى يسير الإنسان في هذا الدرب، ويبتعد عن الأمور التي يعانيها قلبه.

    وهناك قضية مهمة جداً قضية ثبات القلوب، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام، كثير الدعاء بهذه الدعوة: {اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك } دعوةٌ عظيمة أيها الإخوة! إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يدعو بهذه الدعوة، وتقول له عائشة : {إني أراك تكثر من هذا الدعاء، فيقول: وما يأمنني يا عائشة وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء }.

    نعم، من يأمن على قلبه من العطب، والانحراف، والعياذ بالله لا سيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه المغريات والشهوات، ولهذا لا تستبعد حينما ترى أناساً، تراهم اليوم بهيئة الصلاح وتراهم بعد فترة وقد تغيروا.

    أيها الإخوة: إن علينا أن نبني أنفسنا وقلوبنا بناءً محكماً، إذا كان الإنسان يريد أن يبني له عمارة سكنية يهتم بالقواعد والأساسات، فكذلك القلوب؛ القلوب التي تربت على اللهو والغفلة والتضييع، هل يظن أنها ستقدم خيراً للأمة والمجتمع؟! حتى القلوب التي تربت على جوانب من الأمور الهشة في التربية، هل يراد، أو هل تستطيع أن تقف أمام عاتيات الانحراف، والشبهات، والأمور التي ترد كثيراً؟!

    ولهذا تجد حتى بعض الناس من أهل الخير، قد تجدهم والعياذ بالله، ينكصون على أعقابهم، وهذه مصيبة. فينبغي أن نكثر من هذا الدعاء العظيم، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

    نعم أمراض الشهوات، فتن، مغريات، وسائل إعلام، صحف، مجلات منحرفة، بث مباشر، أو ما يسمونه، أقمار قد تجلب الفساد للأمة، فعلى المسلم أن يكون على حذر، وأن يحصن نفسه في وقت المغريات، قرناء السوء لا كثرهم الله، الذين يريدون أن يؤثروا على الشباب.

    فعلى المسلم أن يحذر من هذه الأمور، وعلى الإخوة الطيبين أن يعلموا إن أرادوا الثبات على هذا الدين فلا مثبت لهم بعد الله عز وجل إلا سلوك الطريق الصحيح والبناء المحكم في التربية، على ماذا ربي؟ على عواطف، واندفاعات، وأمور فكرية وواقعية فحسب! هذه لا تكفي، ينبغي أن نربي على الإيمان والعقيدة، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم مع قلة عددهم، ماذا يسر الله لهم، بأنهم صدقوا في إيمانهم، وهكذا لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله، أن يربى الشباب على القرآن، لا يربوا فقط على كتبٍ وافدة، ونحن في هذه البلاد وأقولها من باب التحدث بنعم الله، فليست تزلفاً ولا مجاملة، ولا نفاقاً، ولا تظنوا بأخيكم إن شاء الله هذا الظن: أننا في نعم، حقيقة، ومن أهم النعم وحدة المنهج، نحن في هذه البلاد جماعة واحدة، حمى الله هذه البلاد من الفرقة والخلافات والمشكلات التي عصفت بالمجتمعات الأخرى؛ لأن هذه البلاد على دعوة منذ دعوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وإلى دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومناصرة ولاة الأمر لها، وإلى اليوم وعلماؤنا وولاتنا وشبابنا جماعةٌ واحدة، فلسنا بحاجة أن نتلفت يمنةً أو يسره، أو نستورد مناهج جديدة في الساحة، مع أن الإنسان قد لا يتكلم الآن هل هي حق أو باطل، ولا ينبغي أن يشغل الشباب فيها أنفسهم، بل يحمدوا الله على هذه النعمة، ويثبتوا عليها. والقصور موجود، الخطأ يرد، وهذه البلاد قد تكون محسودة لهذه النعمة، لكن علينا أن نحذر، وأن نعالج بطرق العلاج الصحيحة، لا أن نسعى لطريق العلاج، بما قد يشق شقاً كبيراً في الأمة يصعب علاجه فيما بعد.

    معنى قوله تعالى: (ولا تنس نصيبك من الدنيا)

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظك الله: ما معنى قوله تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]. هل هو كما يفهمه بعض الناس: اللعب واللهو بعد أداء الفرض المكلف به. أفدنا رعاك الله؟

    الجواب: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77].

    نعم، هذه الآية وردت في سياق قصة قارون في سورة القصص، يقول الله عز وجل: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77].

    نعم، الإنسان خلق في هذه الحياة ليسخر كل شيءٍ في هذه الحياة للحياة الأبدية التي سيقدم عليها وهي الحياة الآخرة وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:77] لكن مع الحرص على الآخرة، ليس معنى هذا أن الإنسان يضيع نفسه في هذه الحياة من ناحية أن يكون عالةً على غيره، بل يأخذ من هذه الدنيا ما يعينه على السير إلى الدار الآخرة، وقد يفهم بعض الناس من هذه الآية، ويحتج بها على غير مراد الآية، فيرى وكأنه يمنُّ في عمله، وكأنه يتكثر شيئاً قدمه يقول: أنا ما دمت أصلي وأصوم وقد حججت وأزكي وأشهد أن لا إله إلا الله لا حرج أن أعمل الأمور الأخرى، فهذه أمور فيها سعة، ويتوسع في المباحات، وقد يقع في المحظورات بحجة وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77].

    بعض السلف رحمهم الله، كـمجاهد بن جبر رحمه الله تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما، فسر هذه الآية تفسيراً عظيماً، يدل على حرص السلف رحمهم الله على ما يقربهم إلى الله، وعلى الأمور الأخروية، يقول: ولا تنس نصيبك من الدنيا فتغفل فيها عن ذكر الله، وتغفل فيها عما يقرب إلى الله، فوجودك في هذه الحياة ينبغي أن تستغله بمرضاة الله عز وجل، ومعنى ذلك: أنك إذا قمت بهذا الواجب أنك لم تنسَ نفسك ولم تنسَ نصيبك، ونصيبك الكبير في هذه الدنيا تحقيق سعادتك في الآخرة، وتحقيق سعادتك في الآخرة هي بالإقبال على الله عز وجل ولزوم فرائضه، لكن الذي عليه المفسرون أو جمهورهم، أنه يستفاد من هذه الآية: أن الإنسان عليه أن يأخذ من أمور الدنيا ما يعينه إلى السير في طريق الآخرة لكن لا يفتتن في هذه الحياة، نعم. نحن لا نريد أن يكون الإنسان عالة على غيره، يكون في المسجد مثلاً، ويبحث عمن يتصدق عليه، أو ينفق عليه، لا. الإسلام لا يحظر أن تكون في بيتٍ واسع، وفي مركبٍ هنيء وهادئ، وأن تأخذ من أمور الدنيا ما يعينك: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32] {إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده }.

    لكن لا تكون الدنيا في قلبك فتكون هي شغلك الشاغل، ولكن تكون وسيلة إلى ما يقربك إلى الله عز وجل.

    نعم، أما ما يحتج به أرباب الشهوات، من أنهم يفعلون ما يفعلون ويدعي أنه وصل الغاية فهذا والعياذ بالله من المنِّ بالأعمال، وهو من تسويل الشيطان وتلبيسه، فالذي لا يواصل الطريق ويحذر من العقبات فإنه على خطر، لا يكفي أنك تكون فقط مؤدياً للفرائض بل عليك أن تكثر من النوافل، وأن تحرص على كل ما يقرب إلى الله عز وجل، حتى لا يأتيك الشيطان على غرة، والشيطان علينا أن نحذره وهو عدو القلوب، وعدو الإنسانية جميعاً، ولا سيما أهل الخير، فعليهم أن يحذروه وأن يكثروا بالاستعاذة بالله من نزغاته وتلبساته.

    حكم من أراد إقفال المكبرات حال الصلاة

    السؤال: ما رأي الإسلام بالذين ينادون وينعقون هذه الأيام بإقفال مكبرات الصوت في المساجد بعد أداء الأذان للصلاة، ويدعون إلى عدم إذاعة إقامة الصلاة، والخطب والمحاضرات بعد الصلاة، هل يعد هذا من مرض القلوب؟

    الجواب: أولاً: قول الأخ: ما رأي الإسلام!! لو أُصلحت إلى ما حكم الشرع؟ أو حكم الإسلام؟ ثم فيه تعديل آخر: فحكم الإسلام ليس عندي، أو عند أحدٍ من الناس، وإنما العالم وطالب العلم يجتهد في المسائل فيصل باجتهاده إلى حكمٍ، ولا نستطيع أن نقول: هذا الحكم هو الذي وافق حكم الله عز وجل، فالتنبيهان ينبغي أن يعلما.

    أولاً: ما رأي. الدين ليس بآراء.

    ثم: حكم الإسلام؟

    ما يقال للأشخاص: ما حكم الإسلام؟ إلا إذا قيل من خلال ما ترون، من خلال وجهة نظركم، أو من خلال ما يدلكم اجتهادكم أو نحو هذا.

    قضية مكبرات الصوت، والكلام حولها، قضية أظنها فرعية تماماً إلا إذا كان وراءها أبعاد، ولهذا لا نستطيع أن نحكم على قلب صاحبها إلا بأن نعرف مراده، وأن نعرف قصده، وإلا فيوجد من أهل الخير من يرى هذا الرأي، يوجد حتى من طلبة العلم ومن العلماء من يرى عدم إقامة الصلاة بمكبرات الصوت؛ لأنهم يرون أن لهذا شيئاً من المحاذير:

    منها: أن الصلاة في مكبرات الصوت، قد تبعث الكسل أحياناً أو كثيراً، فيضطر الناس إلى أن يتأخروا حتى تقام الصلاة، فلو لم يعلم الناس متى يقيم المؤذن لهرعوا إلى الصلاة عند سماع الأذان، لكن الآن يقولون: دعه، نسمعه إذا قام، نسمعه إذا صلى، وقد تفوت الركعة الأولى، نلحق الركعة الثانية، فهم يرون: أن هذا قد يكون سبباً في التقاعس، أقصد العلماء الذين يرون هذا الرأي، أما الذين في قلوبهم مرض أو أعداء لكلمة الحق أن تخرج من المسجد فهؤلاء لا حديث لنا معهم، لأن عداوة هؤلاء وغيرهم ظاهرة وقديمة وليست وليدة اليوم.

    أيضاً: يقولون: قد يوجد في البيوت مرضى، والمريض أحياناً قد يشق عليه، لا سيما إذا كان قريباً تماماً ومرضه شديد فإنه قد يتأثر.

    على كل حال هذه وجهة نظر: لكني أرى أنه إن لم نعلن الأذان والإقامة والتلاوة فماذا نعلن؟ إن لم يسمع الناس هذا الخير في أوقات سماعهم الكلمات الصاخبة تنطلق من البيوت والشوارع والمقاهي، وعلى الأزقة والأرصفة والطرقات. أيضاً: نريد أن نُحاصر في مساجدنا وبيوتنا؟! هذا ليس بصحيح.

    فالذي أراه أنه ينبغي أن يُعلن الأذان والإقامة والدروس ولكن بشيءٍ من الضوابط حتى لا يكون تشويش على الناس، ولا يكون -أيضاً- تشويش بين المساجد، وقد يكون مسجد قريب الآن يصلي ونحن نشوش عليه بكلامنا هذا، فالضوابط الشرعية يمكن أن تتولاها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية مع المختصين والعلماء فيه، وهذا المجال يوضع بعض الضوابط حتى يقضى على بعض الظواهر.

    فالذين تحمسوا لفكرة إلغائها لمسوا فيها شيئاً من الأمور، وقد يكون بعضهم حصل له فعلاً شيء منها، لأنه بعض أئمة المساجد يشتكي، هو يصلي، والمسجد الذي بجانبه مسافة خمسين متر أو مائة متر يصلي في مكبر صوت، يمكن أن يصل إلى آخر مدينة جدة ، ونحن في مسجد نصلي في مكبرات الصوت فتتضارب الأصوات، وقد يركع جماعة مسجدي مع إمام المسجد الثاني، لأنه يقول: الله أكبر.

    فهذه بعض الأخطاء والملحوظات يمكن أن تعالج، ويكون في ضوابط شرعية تتولاها الجهات المسئولة وأهل العلم، لكن ككلامٍ عام: ينبغي أن ينشر الخير، وأن يعمم، وأن يدعم وأن تكثر وسائله، أما حتى الصلاة، فالناس تريد تسمع القرآن ولا يحرم الناس بحكم واحد أو برأي واحد. والله أعلم.

    على كل حال: نحن ننتظر قول العلماء في هذه المسألة وإلا تظل من وجهات النظر.

    لكن سؤال الأخ عن قضية مرض القلب، مرض القلب هذا لا نستطيع أن نحكم عليه إلا إذا عُرف أن صاحب هذه الفكرة مغرض، ويريد تقليل الخير وكتمان أنفاسه، وهذا لا شك أن قلبه مريض.

    مرض الشهوة والقلوب عند النساء

    السؤال: هل من كلمة للنساء حيث كثر خروجهن إلى الأسواق، ومما لا يخفى عليكم أن من أمراض القلوب: تبرج النساء وافتتان الرجال بهنّ وخاصةً في هذا الزمان؛ حيث يندر أن ترى المرأة التي قد تحجبت كما أمرها الله عز وجل؟

    الجواب: على كل حال هذه لفتة طيبة من الأخ السائل، في تخصيص كلمة حول أمراض القلوب النسوية إذا جاز التعبير.

    على كل حال: القلب يحتاج إلى علاج إذا كان مريضاً من الرجل أو الأنثى، لكن مظنة أمراض القلوب لدى النساء كثيرة جداً، ولا سيما أن المرأة فتنة، حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أسامة رضي الله عنه: {ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء } وحينما نزلت آية الحجاب قال عز وجل: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]. فطهارة القلوب سعى إليها الإسلام، وطهارة القلوب في دروب الفضيلة، ومرضها في مسالك الرذيلة.

    فالمرأة المسلمة: عليها أن تتقي الله، وأن تلزم حجابها، وعفافها وحشمتها، وأن تبتعد عن التزين والتعطر والتجمل وإبداء الزينة إذا خرجت إلى المساجد أو إلى الأسواق، وصلاح المرأة في صلاح قلبها، وصلاح الرجل -أيضاً- في صلاح قلبه، فإذا رأيت أي مرض وأي ذنبٍ يرتكبه الإنسان فليعد إلى قلبه، فالمرأة المتبرجة السافرة المتهتكة والعياذ بالله بحاجةٍ أن تعود إلى صيدلية القلوب لتأخذ دواءً ناجعاً من التزام هذه المرأة بالشرع المطهر في هذه المسألة، وضرر مرض القلب ليس على المرأة وحدها بل حتى على المجتمع.

    الحقيقة تبرج النساء وسفورهن مرضٌ خطير، بل إن مرض الشهوة قد يكون الدافع له مثل هذه الوسائل التي تقع فيها النساء والرجال، لأن تبرج النساء وراءه ذئاب من البشر، وكل ساقطةٍ لها لاقطة، وهناك شباب وذئاب يريدون أن ينهشوا عرض هذه المرأة، فعليها أن تتقي الله في نفسها، بأن تلتزم حتى لا تفتن نفسها ولا تفتن غيرها، وعليها أن تتقي الله في غيرها حتى لا تكون سبباً في جرِّه إلى الفساد، وعليها أن تتقي الله في مجتمعها فلا تكن سبباً في حصول الجرائم فيه والفواحش، عافانا الله وإياكم.

    فكلمتي للنساء أن يتقين الله، وفي الحقيقية على المرأة أن تحرص على المبادرة إلى الزواج من أول ما يأتي الخُطَّاب ولتعلم أن الزواج فيه صلاحٌ للقلب، وفيه إعفافٌ للفرج، وغض للبصر، نعم عليها أن تغض بصرها: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31].

    فعلى المسلم: أن يحذر وإلا ما انتشرت المشكلات، والمغازلات، والمعاكسات الهاتفية، والمغازلات عبر السيارات، تجد السيارات فيها نساء وفيها شباب، وأنتم أهل جدة أدرى، فعلينا أن نحذر وإن كان هذا والحمد لله أرجو ألا يكون غالباً، فلا تزال بناتنا بحمد الله محافظات، ولكن يوجد إما من نساء وافدات، أو من نساء خدعن من بناتنا وأخواتنا، نحن لا ننزه أنفسنا، الخطأ موجود، لكن على المسلم أن يحذر، وعلى الرجل أن يتقي الله في زوجته، المرأة أمي أو أمك، أو أختي أو أختك، أو زوجتي أو زوجتك، أو ابنتي أو ابنتك، أين الرعاية والمسئولية؟!

    فعلينا أن نتقي الله ولنحرص جميعاً على سلامة القلوب، والله المسئول أن يصلح القلوب والأعمال بمنه وكرمه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756176934