إسلام ويب

ضحية معاكسة للشيخ : سالم العجمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الانحراف والشهوات والملذات من الأمور التي يجب أن يحذر منها الشباب المسلم، ومن أهم صور هذا الانحراف : المعاكسات التي أودت بكثير منهم إلى الهاوية، وإلى أن يكونوا ضحايا الرذيلة والفاحشة، وخاصة الفتيات، فهن أكثر الشرائح تضرراً من انتشار هذه الظاهرة. ولهذا الأمر الواقع الكثير الكثير من القصص التي يجب على المسلم أن يتعظ بها ويتخذ منها عبرة.

    1.   

    أسباب سقوط ضحايا المعاكسات

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فإن عنوان هذه المحاضرة هو: (ضحية معاكسة) هذه الضحية التي كانت يوماً من الأيام كغيرها من النساء؛ تتمتع بالشرف العالي، والمنـزلة الرفيعة, ثم لم تلبث حتى تغيَّر كل هذا, بسبب رجل اعترض طريقها فغير مسارها, أو نزوة شيطانية تحركت في قلبها, أو أطراف أخرى في مجتمعها المتهالك.

    لم تولد فاجرة، أو ماجنة.. بل كانت درة مصونة, فغفل عنها الأب، ولهت عنها الأم, وفقدت المربي, فسارت مع صحبة السوء، ومجلات الإعلام الهابط، ولم تجد من يحذرها الخطر فسقطت.

    كانت قبل سقوطها تطمع أن تصبح زوجة صالحة, وأماً مربية، تضم طفلها إلى صدرها, وتحترم زوجها, وتبادله الحب والشعور، وبعد سقوطها خسرت كل ذلك.

    كانت حيية مُحتشمة, تغض بصرها، وتخفي صوتها، وتطأطئ رأسها, ثم سقطت فأصبح بصرها يتأمل وجوه الشباب الغادين والرائحين, وصوتها الخافت جهورياً وقحاً, وتحول الحياء إلى قمة الاستخفاف والجرأة.

    كانت تحب أخواتها العفيفات من النساء, تفرح إذا رأت المحتشمة, وتُسر إذا رأت العفيفة, وبعد سقوطها أصبحت تتضايق من مناظر العفاف والحِشْمة, وتود أن تكون هذه العفيفة مثلها ماجنة، ساقطة لاهية عابثة, وتحقد على النساء المستقيمات؛ لأنها ترى أنهن عفيفات وهي ليست كذلك, وأنهن شريفات وهي على غير ذلك, وأنهن مربيات وزوجات صالحات يحببن أزواجهن, ويحبهن أزواجهن، وهي تفتقد ذلك كله. قال عثمان رضي الله عنه : [ودت الزانية لو أن النساء كلهن زوانٍ].

    قصصٌ وعبر، مآسٍ وصور، ووقائع لم تنته فصولها، بدايتها كلمة طائشة من لهو وعبث ، ونهايتها جرح غائر ودمعة حارة, ودواء لا سبيل إلى الوصول إليه.

    غفلة المرأة عن مكر الذئاب بها

    أبواب متفرقة، في كل باب تقطن مأساة مؤلمة, واعترافات مليئة بالحزن، والتحسر والحنين إلى حياة العفة.

    يجب أن تعرف المرأة أنها حينما تخرج من بيت أهلها, أو بيت زوجها, فإنها تحمل معها شرفها وشرف أهلها, فعليها ألا تفرط في هذا الكنـز الثمين تحت نزوةٍ شيطانيةٍ, وألا تقدم على أي عمل يخدش هذه السمعة, وهذه الحقيقة ليست غائبة عن الكثيرات, ولكن بعض النساء تتغافل أو تتجاهل هذه الحقيقة, فما إن تسمع داعي الرذيلة من أهل المعاكسات إلا استجابت له, ونسيت أمراً مهما وهو: أنه لا بد في هذا الطريق من ضحية, والضحية ستكون هي؛ لأنها ستجد أن الوعد بالزواج الذي سمعته من ذلك المعاكس لم يكن إلا استدراجاً لسذاجتها, وللحصول على مبتغاه منها, فإذا أخذ منها ما يريده ألقاها وقد تلوثت سمعتها, وهذا ليس بمستغرب؛ لأن العلك يمضغ حتى إذا ما ذهبت حلاوته ألقي في أقرب صندوق قمامة.

    يهاجم الرجل المرأة ويعد لمهاجمتها ما شاء الله أن يعده من وعد كاذب, وقول خالب, وسحر جاذب, حتى إذا ما خدعها عن نفسها، وغلبها على أمرها، وسلبها أثمن ما تملك في يدها، نفض يده منها وفارقها فراقاً لا لقاء بينهما من بعده.

    هناك تجلس في داخل بيتها جلسة الكئيب الحزين, مسبلة دمعها على خدها, ملقيةً رأسها على كفها, تلعن أناملها التراب, لا تدري أين تذهب ولا ما تصنع ولا كيف تعيش! تطلب العيش من طريق الزواج فلا تجد من يتزوجها؛ لأن الرجل يسميها ساقطة, ولا يعرف الناس جريمة واحدة تعد سلسلة جرائم لا تنتهي.

    فهي جريمة مجنونة كالإعصار الثائر يلفها لفاً, إذ تتناول المرأة في ذاتها، وترجع على أهلها وذويها، وتتعدى إلى مستقبلها ونسلها, فيهتكها الناس هي وسائر أهلها من جاءت منهم ومن جاءوا منها, والمرأة التي لا يحميها الشرف لا يحميها شيء.

    وكل شريفة تعرف أن لها حياتين: إحداهما العفة، وثانيهما: السقوط، وكما تدفع عن حياتها الهلاك تدفع عن حياتها السقوط.

    تساهل المرأة في أمر عفتها

    إن أساس الفضيلة في الأنوثة الحياء, فيجب أن تعلم أن الأنثى متى خرجت من حيائها، وتبذلت استوى عندها أن تذهب يميناً أو شمالاً, وتهيأت لكل منهما، ولأيهما اتفق, وصاحبات اليمين في كنف الزوج وظل الأسرة وشرف الحياة, وصاحبات الشمال ما صاحبات الشمال؟ يجب ألا يفتح قلب الفتاة لأحد من الناس قبل أن يفتح لزوجها؛ لتستطيع أن تعيش معه سعيدة هانئة, لا تنغصها ذكريات الماضي، ولا تختلط في مخيلتها الصور والألوان, وقلَّما تبدأ الفتاة حياتها بغرام, ثم تستطيع أن تتمتع بعد ذلك بحب شريف.

    لقد أصيب بعض الشباب في إيمانهم بالله, فأصيبوا بإيمانهم بكل فضيلة, وذهبوا يحققون المدنية فحققوا كل شيء إلا المدنية, ترى أحدهم شريفاً، يأنف أن يكون لصاً وأن يسمى لصاً, ثم لا يعمل إلا عمل اللصوص كاستلاب العفاف, وسرقة الفتيات من تاريخهن! وتجده يستنكف أن يكون في أوصاف قاطع الطريق, ثم يأبى إلا أن يقطع الطريق في حياة العذارى وشرف النساء!

    إهمال أولياء الأمور لمن وكلت إليهم رعايتهن

    تلك المرأة أو الفتاة التي تقع في حبال الشباب العابث. هل هي دائماً السبب الرئيسي في سقوطها في مستنقع الرذيلة، أم أن هناك أطرافاً أخرى تتحمل المسئولية معها؟ لاشك أن هناك أطرافاً أخرى فعالة في هذه القضية، ولعلها في أحيان كثيرة تكون هي السبب المباشر، وهذا المعني بالذكر هو الأب، أو الأخ، أو الزوج أو المسئولون عن هذه المرأة.

    ولعل سائلاً يسأل: وهل يتصور أن يوقع الرجل ابنته أو أخته أو زوجته في هذه الرذائل؟!

    نقول: نعم! عندما يهمل هذا الرجل مراقبة سلوك المرأة التي استرعاه الله إياها يكون سبباً في انحرافها, وتردي أحوالها؛ لأن المرأة ضعيفة وناقصة عقل ودين، ولذلك جعل الله أمرها بيد الرجل فقال تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... [النساء:34] وهذه حكمة الله جل وعلا في خلقه.

    فهذا الرجل الذي يترك نساءه يعملن بين الرجال, أو ذاك الآخر الذي جعلها تقود السيارة تمرح يميناً وشمالاً, أو ذلك الآخر الذي أدخل مجلات الخلاعة المليئة بالصور العارية, والقصص الغرامية والأشعار التي تهيج الغرائز, وذاك الآخر الذي أدخل الفيديو والتلفزيون في بيته, ويُدخل الأفلام التي تعلّم الخيانة والسفور والفاحشة، كل هؤلاء شاركوا في تحطيم المرأة، وزجوا بها في بحار الرذيلة, ومستنقع الفاحشة. شعروا بذلك أم لم يشعروا!

    قالت إحدى النساء : ما من امرأة تفرط في فضيلتها, إلا وهي ذنب رجل قد أهمل في واجبه.

    وقالت إحدى الضحايا تحكي قصتها : أنا فتاة أبلغ من العمر [22] عاماً, لم أكمل دراستي علماً أني من المتفوقات، ولكن عند مرحلة المراهقة ودخول الثانوية تغير كل شيء, وأصبحتُ من المستهترات، لا أهتم بدراسة ولا بزيارة أهل, ولا حتى بالخروج للتنـزه بسبب الهاتف ، لقد تعلمت من صديقاتي الكثير, ولكن للأسف تعلمت أشياء ضارة, منها: أني أصبحت من المدخنات, وشربت الخمر, وتعلمت الخروج في آخر الليل, والذهاب إلى الشقق, والسهر هناك حتى الصباح, لدرجة أني فقدت أعز ما تملك أي فتاة في سني، أو حتى لو كانت في غير سني، أرجوك لا تقل: أين والدك؟ وأين إخوانك؟ فالكل له مشاغله.. لا أحد يعلم ما يحصل في البيت! أو أين أذهب، أو من أين آتي؟

    فها هي بعد أن وقعت في الحضيض، تلقي باللائمة على أهلها الذين لم يلتفتوا إليها ولم يلقوا لها بالا، وكأنها غريبة عنهم ولا تمت لهم بصلة, فأي حال نحن فيه؟ وإلى أي مستوىً وصلنا إليه من الانحدار واللامبالاة، حتى صار المرء لا يعلم عن أحوال أهل بيته، فإلى الله نشكو سوء أحوالنا وما وصلنا إليه من التدهور والانحدار.

    عدم تصور النتائج المترتبة على الفضيحة

    قد لا تتصور إحدى الفتيات وهي تنـزلق في مزالق المعاكسات مع بعض الشباب العابث، ما قد يصل إليه أمرها من السوء والخطر الجسيم, حيث تجد نفسها يوماً من الأيام في مأزق عظيم لا مفر منه ولا مناص, ولو أنها تصورت ونظرت إلى هذه الخطوة الجريئة من جميع جوانبها لما أقدمت عليها، لأن مصير ومآل العلاقات المحرمة -المسماة زوراً وبهتاناً بالحب- معروف، فإما فضيحة وخزي وعار يلحق بهذه الفتاة وأهلها, وقد يصل الحال إلى أن يقوم أهلها بقتلها -وهذا قد حدث وليس بدعاً من القول- وإما أن يصرف عنها المعاكس نظره، لأنه إذا حصل على مطلوبه فإنه ليس بحاجة إلى أن يتزوج امرأة خائنة، خانت أهلها وثقتهم بها, ولو حدث وتزوجها فإنه مع ذلك لا يحس بطمأنينة؛ لأنه غالباً ما يعيش خائفاً أن تكرر ذات الفعل مع غيره ، على حد قول القائل:

    من أطلعوه على سر فباح به     لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا

    يجب أن تعرف الفتاة المعاكسة أن الأصل فيها أنها مرحلة عبور, ووسيلة لقضاء وقت الفراغ, فلا تطمع بأكثر من هذا, ولو تصورت نفسها بغير هذه المنـزلة فهي مخطئة, وهذا قول الشباب أنفسهم الذين مروا بهذه التجربة.

    دهاء وخبث الماكرين بالمرأة

    الحقيقة أن هناك أمراً يفعله بعض الشباب المعاكس الذين لا يرجون الله واليوم الآخر، وتغفل عنه الفتيات الساذجات، لأنهن لا يحطن علماً بما يراد بهن, ولا يعلمن بما وصل إليه هؤلاء الشباب من المكر والكيد والخديعة, وهذا الأمر خطير: هو أن بعض الشباب وأثناء مكالمته الهاتفية مع صديقة الغفلة يقوم بتسجيل شريط كاسيت بما يدور بينهما من الحديث الغرامي، والكلام الفاحش, بل وأحياناً يكون الكلام من أشنع الكلام وأقبحه وخالياً من الحياء والعفة, ثم يحتفظ هذا الوغد بذلك الشريط معه، فإذا فكرت هذه الفتاة أن تنهي هذه العلاقة معه وأخبرته بذلك أظهر ذلك الشريط وهددها به ، وهنا تنقلب حياتها رأساً على عقب, وتصطدم بجدار الحقيقة, وتصحو من سباتها العميق، ويحيط بها الخوف والخزن من كل جانب ، وتعض أصابع الندم على قبيح فعلتها، ولكن حين لا ينفع الندم.

    فتعيش صراعاً مريراً وهي لا تعرف كيف الخلاص؟! فإذا أرادت الزواج هددها بالشريط إن تزوجت أخبرت زوجك بالشريط, والأدهى من ذلك إذا كانت متزوجة فإذا فكرت بإنهاء علاقتهما معه هددها بأن يفضح أمرها أو أن تبقى صديقة له لتلبي غرائزه البهيمية، وإن أرادت التوبة وترك هذا الطريق الموُحش, والرجوع إلى الله, والاستغفار عما كان منها هددها بالشريط، حتى إنه ليقف حائلاً بينها وبين التوبة, فتتعالى منها الصرخات المدوية من أعماقها: نعم. أنا أذنبت. ولكن لماذا تقف بيني وبين التوبة؟

    وتمر هذه الصرخات على مسامعه وكأنه لا يسمع شيئاً: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ولعلها في ساعة يأس، وضعف إيمان, وملل من حياة الخوف والهم والحزن من أي حركة تدور بجانبها، لا تجد حلاً إلا أن تتخلص من حياتها ، فتقدم على قتل نفسها لتستريح من هذا الجحيم الذي لم تطقه, وهذا ليس حلاً، بل إنه لا يزيد الأمر إلا سوءاً وتعقيداً, وقد توعد الله جل وعلا فاعله بالعذاب والخلود في النار, كما جاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال : (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) فتأمل جيداً ما يمكن أن تتسبب به مكالمة هاتفية هي -في نظر كثير من الناس وبالأخص الفتيات- شيء تافه ووسيلة لقضاء وقت الفراغ ، نعم هي أخطأت وارتكبت فعلاً فاحشاً ومعصيةً عظيمةً، ووثقت بمن هو ليس أهلاً بالثقة, ولكن هل يعني ذلك أن يقف هذا المعاكس عثرةً في طريقها، ويغلق في وجهها أبواب التوبة والندم؟!

    ثم لتفكر هذه المرأة: هل ستبقى أسيرة لهذا الشريط طوال حياتها وتستجيب لنزوات هذا الفاجر كلما أشهر سلاحه في وجهها وهددها به أو ماذا تفعل؟!

    يجب أن تعرف تلك المرأة التي وقعت في ذلك المأزق العظيم أن الذي يلزمها فعله بادئ ذي بدء هو التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه, وأن تعرف أن هذه الخطيئة لا تكون حائلاً بينها وبين التوبة, فإنَّ كثيراً من الناس كان لهم ماض بئيس مليء بالمعاصي والآثام, فرجعوا إلى ربهم وأنابوا إليه، ولم يحجبهم ذلك الماضي عن التوبة, ثم لعلَّ الله جل وعلا إن علم منها إخلاصاً وصدقاً في التوبة أن يخلصها من مشاعر الخوف والقلق الذي تعيش فيه، ويُسَهِّل لها طريق الخلاص من ذلك الفاجر، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:2-3] ولعل الله أن يُلقي في قلبه الخوف والرعب، أو يهدي قلبه, فيُتْلِف ذلك الشريط الذي يهددها به.

    وتعلم أنه مهما ضاقت بها السبل، وأغلقت في وجهها الأبواب, فإن هناك باباً لا يغلق أبداً وهو باب الله سبحانه وتعالى فعليها بصدق اللجوء إلى الله، والبكاء بين يديه, فهو سبحانه القادر على تذليل الصعاب، وإزالة العقبات, وعليها بالدعاء في جوف الليل إذا نام النائمون وغفل الغافلون, فإنه سلاح لا يخطئ. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له, ومن يسألني فأعطيه, ويستغفرني فأغفر له).

    أتهزأ بالدعاء وتزدريه     وما تدري بما فعل الدعاء

    سهام الليل لا تخطي ولكن     لها أمد وللأمد انقضاء

    1.   

    قصص ونتائج وعبر من الواقع

    حدثني أحد الشباب فقال: كان لي أحد الأصدقاء، وهو من الشباب العابث, ومن أصحاب العلاقات المشبوهة مع النساء, وأذكر أنني بعد أن أنهيت دراستي جلست في البيت لفترة, وفي أحد الأيام من العام الدراسي جاءني هذا الصديق في الصباح -أي في وقت الدوام المدرسي- فأجلسته في المجلس وذهبت لأقوم بواجب الضيافة, ولما نظرت إلى الخارج لم أجد سيارته قلت: يا فلان! أين سيارتك؟ فقال: أخفيتها بجانب منزلك، فاستغربت من هذا الفعل، قلت: ولِمَ لَمْ توقفها أمام بيتي مباشرة؟ قال: معي صديقة جديدة, قلت: ولم جئت بها إلى هنا؟ قال: إنها طالبة في المدرسة، وقد أخذتها في بداية الدوام, وأنا أنتظر حتى يحين وقت الانصراف, ويرن الجرس فأنزلها أمام المدرسة, فتركب الباص وكأنها خرجت من المدرسة، قال: فاستأذنت منه وكأني داخل إلى المنزل, فخرجت من جانب المنزل متوجهاً إلى السيارة، فلما جئت فإذا بداخلها فتاة في عمر الزهور, لم تبلغ الخامسة عشرة, فقلت لها وقد رققت لحالها لصغر سنها ولجهلها، وما يراد منها من وراء هذه اللعبة الدنيئة: ما الذين جاء بك إلى هنا؟ قالت: إن فلاناً يحبني ووعدني بالزواج، قلت لها: تأملي جيداً ما أقول لك رغم أن هذا صديقي وتربطني به صداقة قوية, إلا أن ذلك لا يمنعني أن ألقي إليك النصيحة, فإن قبلتِ وإلا فأنت وشأنك ، تذكري الثقة التي أولاك إياها أهلك، وأنهم لم يشددوا عليك بالرقابة, وتذكري شناعة الأمر الذي تقومين به, واعلمي جيداً أنك على خطر وأن صاحبي لا يفكر أدنى تفكير في أن يتزوجك؛ لأننا نحن الشباب إذا وجدنا من هي مثلك لا نفكر بها زوجة؛ لأنَّ التي خرجت مع شاب غريب عنها، وخرقت ستر أهلها, ليست بأهل أن تكون زوجة, بل لعلَّها تمارس هذا الفعل مع شخص آخر, هذه كلمات فَكِّري بها جيداً وأنت وشأنك.

    قال : وبعد فترة من الزمن تكرر الموقف نفسه وجاءني صاحبي فقلت: هل هي معك هذه المرة أيضاً؟ قال : نعم! فخرجت لها فقلت: إنك لم تفهمي ما قلته لك في المرة الأولى، إني أحذرك للمرة الأخيرة من الطريق التي تسيرين فيها؛ فإنك على خطر، وإذا كنت نجوتِ من صاحبك هذه المرة, فلا نجاة لك في المرة المقبلة، سيأخذ منك ما يريد وسيلقيك على حافة الطريق, تتأوهين من الألم والفضيحة، والعار الذي ستلبسينه طوال عمرك. قالت: إنه يحبني وسيتزوجني، قلت : أنت غبية، ولست أهلاً بأن تكوني زوجة وستذكرين.

    قال: ومضى على ذلك الموقف فترة طويلة ونسيتُ تلك الفتاة, بل إنني نسيت الموضوع بالكلية ولا أدري ماذا حصل لها بعد ذلك اللقاء؟

    وذات يوم جاء ابن جيراننا وقال: هذه رسالة جاءت بها أختي من إحدى زميلاتها في الباص, وقالت: أعطها لفلان, فاستغربت هذا الفعل, واستنكرت ذلك الموقف, ولكن بطل عجبي عندما فتحت الرسالة, فإذا هي رسالة من تلك الفتاة تقول فيها:

    إنني أشكرك على النصيحة الغالية التي قدمتها لي, وفعلاً كاد أن يحصل ما قلته لي، ففي المرة الأخيرة وعندما خرجت مع ذلك الوغد، حاول أن يأخذ مني أعز ما أملك, فبكيت وتوسلت أن يعيدني وبعد الإلحاح والبكاء والتوسلات أرجعني إلى مدرستي التي أخذني منها، نعم! كدت أن أفقد شرفي وأن أقع ضحية تلك اللعبة الدنيئة, وأضع رأسي ورءوس أهلي في الوحل، ولكن الله سلِّم.

    ليس منكراً من القول -ولا نضيف معلومة جديدة- عندما نقول: إن العلاقة التي لا يقرها الشرع الحنيف بين الرجل والمرأة مهما توخى أصحابها الحذر, وحاولوا أن تبقى علاقة شريفة -كما يزعمون- لا بد وأن تقع الفاحشة بين طرفيها, وذلك في أغلب الأحيان!

    والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يمكن أن يحدث؟ ومن هو المتضرر الأكبر بعد وقوع الخطأ؟!

    الآثار والنتائج المرة للمعاكسات

    قال أحد الشباب: نشأت كنباتٍ شيطاني في أسرة متدينة طيبة, بادئ الحياة في السهر, ومطاردة الفتيات, مهملاً الدراسة, تاركاً الصلاة, وكان والدي دائم الغضب عليَّ دون اكتراث مني, فبينما أنا أعيش حياة ماجنة بكل صخبها وآثامها، تعرفت على فتاة وجرت بيننا علاقة غرامية، مضت السنة الأولى من عمر علاقتنا وكل منا يزداد هياماً بالآخر, إلى أن كان ذات يوم والتقينا معاً, فكان الشيطان ثالثنا ولم نشعر بما فعلنا إلا بعد فوات الأوان، لا أدري ماذا أفعل أأهرب وأتركها لمصيرها أم أتزوجها؟ وماذا سيكون موقفي أمام الأهل والأصدقاء؟

    تأمل هذه الحادثة وتلك العبارات الأخيرة, وسوف تجد فيها خلاصة الموضوع! فبعد أن فعل هذا المعاكس فعلته، أول ما فكر به هو الهرب, وعندما فكر أن يتزوجها تردد كثيراً وذلك خوفاً من موقفه أمام أهله وأصدقائه.

    إذاً: من الضحية والمتضرر الأكبر من جراء هذه الفاحشة العظيمة؟!

    لا شك أنها الفتاة.

    ولك أن تتصور حالها, وما وصلت إليه من السوء: كيف لو كانت حاملاً؟ ما الذي ستفعله؟! هل ستسعى إلى قتل الجنين الذي في بطنها؟! أو أنها تتركه يعيش وينمو في بطنها وهي تشعر بالكراهية والبغض له؛ لأنه غير شرعي؟! وإذا ولد يولد معه إحساسها بالذنب، كلما نظرت إليه وهو يشعر بالكراهية لها، تذكرت فعلتها السيئة التي كانت سبباً في وجوده!

    إنه مما لا شك فيه أن المرأة المحتشمة العفيفة، عندما تلد من زواج شرعي فإنها تحتضن ابنها وتضمه إلى صدرها، وتحس بالفخر والاعتزاز أن أباه فلان وخاله فلان وهي مرفوعة الرأس, ولكن هذه المرأة صاحبة الخطيئة هل تستطيع أن تحمل ابنها وتضمه إلى صدرها، وتفتخر به في أوساط النساء عندما يذكرن أبناءهن، وهو ابن غير شرعي؟!

    هل تستطيع أن تذكر أفعاله الطيبة وصفاته الحسنة؟!

    هل تستطيع أن تذكر بره وإحسانه؟!

    بالتأكيد لا تستطيع؛ لأنها كلما أرادت أن تذكر تلك الصفات, تغص بالكلمات، وتتذكر قبيح فعلتها وتسكت.. بل وربما خنقتها العبرات, وقامت من المجلس, بل ولعلها ستسعى إلى ما هو أشد من ذلك وأقبح, وذلك أنها إذا ولدت ألقته على باب أحد المساجد أو في مكان ما، ليجده المارة فيحملوه إلى دار اللقطة, فيعيش هناك ويكبر ويترعرع وهو لا يعرف أماً ولا أباً, يحمل حقداً وكراهيةً لمجتمعه وللناس الذين يعيش بينهم ، يعيش وقد عصفت بقلبه الهموم والأحزان، بسبب ذنب ارتكبته تلك المرأة اللاهية مع ذلك الرجل الفاجر في ساعة لهوٍ وعبثٍ, فكانت النتيجة طفلاً مسكيناً يتحطم قلبه في اليوم آلاف المرات, يتمنى أن يكون كالأطفال. يريد أن يعرف معنى كلمة أمي.. أبي.. التي حُرم منها ، يبحث عن حنان الأمومة وعطف الأُبوة ولكنه لا يجدهما, لم تكتف هذه المرأة بارتكابها تلك الفاحشة الآثمة، بل إنها زادت عليه ذلك الفعل المنكر والإثم العظيم، حين ألقت بذلك الطفل ظناً منها بأنها ستتخلص من آثار فعلتها.

    وهناك جانب آخر لهذه المرأة: فلو أنها لم تحمل في أحشائها ذلك الطفل، فهل يعني أنها نجت وكأن شيئاً لم يحدث؟! كلا! وذلك أن كثيراً من النساء، وبعد أن تقع في فاحشة الزنا, فإنها تخاف أن يفتضح أمرها، لأنها لم تعد بكراً كما كانت, فيؤدي بها ذلك بأن ترفض كل من يتقدم لطلب الزواج منها خوفاً من الفضيحة، فيثير ذلك استغراب أهلها ممِّن يعيشون حولها وهي تتقطع من الداخل, لأنها ترى أن البنات اللاتي في سنها، واللاتي هن أصغر منها تزوجن, وهي لا تزال جليسة البيت, رغم أنها في الظاهر لا ينقصها شيء مما عند النساء.

    ولكن هذه آثار الفاحشة التي جنتها على نفسها, وآثار تلك العلاقات المحرمة الكاذبة اللابسة لباس الحب كذباً وزوراً وبهتاناً, فكانت نتيجتها وقوع مثل هذه الضحايا.

    فأصبح الذل يمشي بين أظهرهم     مشي الأمير وهم من حوله خدم

    كل ذلك بسبب فاحشة الزنا التي لا يعرف مرتكبها أبعادها، إلا حين الوقوع في مغبة أمره, وسوء فعله, فإذا سقط عرف أبعاد جريمته الشنيعة التي جرت الويلات عليه وعلى غيره ولات ساعة مندم ، كل ذلك كان بسبب فاحشة الزنا التي هي حقاً من أعظم الجرائم. فسبحان الله القائل: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].

    حقيقة هجر الرجال للضحايا

    إنها حقيقة تستغرب منها بعض النساء حين يهجرها عشيقها التي كانت معه فترة من الزمن, وقد أرخصت له كل شيء, وأعطته أسرار حياتها؛ فتجدها حائرةً مذهولة, تدور حول نفسها, وتفكر كثيراً وتتساءل عن سبب هجرانه لها بعد هذه المدة، وما هو الشيء الذي ينقصها حتى يتركها ويذهب ويتزوج من امرأة أخرى؟

    فهذه إحدى الضحايا وقفت تتأوه من الألم، وتتعالى شهقاتها وهي تسرد قصتها وتقول: تعرفت على رجل ومنحته قلبي وعقلي، واستمرت علاقتنا لسنتين, عشنا فيها أحلى لحظات العمر, ولكن عندما طلبت منه أن يحدد نوع العلاقة رفض، وأصبح رجلاً آخر لا أعرفه, واختار لنفسه زوجةً أخرى لم يعرفها من قبل.

    وانتهت علاقتي به لتبدأ علاقة جديدة مع رجل ظالم آخر، حاولت أن أنسى به حبي الأول، وغدر الرجل السابق, ومنحته عواطفي، وجاءت اللحظة الحاسمة, التي تخلى فيها عني, فلم يقل نذالة وخسة عن الأول, فقد اختار إنسانة لا أعرفها عندما قرر الزواج, وهكذا حطمني الرجال واحداً تلو الآخر, فأصبحت إنسانة محطمة أحمل نفساً ضائعة وأخلاقاً بائسة، أنا لا ألوم أحداً وإنما ألوم نفسي, وألوم ظروفي التي جعلتني عرضة لهؤلاء!

    هذه الكلمات باحت بها تلك الفتاة وهي غافلة عن سبب هجران الرجال لها, مما جعلها تتساءل في حيرة, والمشكلة أن هذه ليست حالة خاصة بها فقط, إنما هذه الواقعة تهم كثيراً من الفتيات اللاتي خلعن جلباب الحياء, وسرن وراء عبث العابثين, بل وكثيراً ما تكون الفتاة هي السبب في فتنة الشباب, وجرهم إلى مستنقعات الرذيلة, وذلك عن طريق إظهار مفاتنها وإغرائها لهم, ثم بعد ذلك إذا هجروها وذهبوا يبحثون عن امرأة أخرى، جلست مطأطأةَ الرأس, تائهة الأفكار, يكاد رأسها ينفجر مما يدور فيه, ومن الذهول الذي يعتريه.

    والحقيقة أنه من النادر أن يتزوج الرجل من المرأة التي ربطته بها العلاقة المحرمة؛ لأنه لا يراها أهلاً للثقة؛ فلا تغتر الفتاة بتلك الكلمات المعسولة، والابتسامات الرقيقة من الشاب عند بداية تعرفه عليها فإنه كما قيل:

    إذا رأيت نيوب الليث بـارزة     فلا تظنن أن الليث يبتسم

    فإن هذه الابتسامات لا تلبث وأن تتحول إلى وحشية, وتلك الكلمات لا تمضي إلا ويحل مكانها المواجهة بالحقيقة، التي طالما أخفاها الشاب عن تلك الفتاة, حتى يبلغ منها مبلغه, ثم يولي مدبراً عنها ولا يعقب.

    مواقف مرَّ بها الشباب مع الفتيات

    ما أحسن أن ننقل الجواب على لسان من مر بهذه التجربة, لعل جوابه أن يكون شافياً, وأكثر صدقاً, وتؤخذ منه عبرة، يقول أحد الشباب: نظراً لثقة عمي بي فقد طلب مني أن أساعد ابنته الطالبة على استذكار دروسها, فرحبت بذلك وبخاصة أن ابنة عمي على قدر كبير من الجمال والأخلاق, ومشهود لها بالأدب على مستوى العائلة والحارة كلها, ومعروف عنها أنها فتاة جادة, وكنت أجلس معها وحدنا في غرفة لأساعدها, وأشرح لها دروسها, ومع الأيام بدأت أتعود عليها، حتى إنني كنت أشعر بالحزن إذا لم أستطع رؤيتها في يوم من الأيام لظرف أو لآخر.

    ومن ناحيتها اكتشفت أن ابنة عمي تبادلني نفس شعوري، فكان لا بد أن نتصارح ونعترف بحبنا لبعض, وأعترف أنني بسبب اندفاع مشاعري كنت ألمس يدها, وأقبلها أحياناً, ولا شيء أكثر من ذلك ومع رغبتي بالزواج منها، إلا أنه مع الأيام بدأت تراودني أفكار وهموم غريبة, وأسأل نفسي: كيف سمحت لي أن ألمس يدها وأن أقبلها؟ أعلم أنها فعلت كل ذلك لأنها تحبني، وأعلم كم هي مهذبة وحازمة مع الآخرين, لكن لا أستطيع أن أسأل السؤال المؤلم الذي يظل يضغط على عقلي، ويؤلمني طوال الوقت, طالما سمحت لي بذلك، إذاً كان من الممكن أن تسمح به لشخص آخر.

    لو تأملت هذه الكلمات حق التأمل، لعلمت أن هذا الرد وهذا الموقف الذي اتخذه هذا الشاب، هو ذاته موقف أغلب الشباب الذين مروا بهذا التجربة, وكما قالت إحدى الكاتبات وهي تعالج نفس المشكلة وترد على إحدى الضحايا, تقول: والرجل يا صديقتي في بلادنا يرفض أن يتزوج من امرأة قد عرفها أو عشقها, فهي في نظره امرأة لكل الرجال, ولذلك لن تكون أماً لأولاده!!

    لا تدخلي

    وسددت في وجهي الطريق بمرفقيك

    وزعمت لي أن الرفاق أتوا إليك

    أهم الرفاق أتوا إليك؟ أم أن سيدة لديك؟

    وصرخت محتدماً: قفي

    والريح تمضغ معطفي

    والذل يكسو موقفي

    لا تعتذر يا نذل لا تتأسف

    أنا لست آسفة عليك

    لكن على قلبي الوفي

    ما بال أنك يا دني

    أخبرتني أني انتهى أمري لديك

    فجميع ما وشوشتني من أنني

    من أنني بيت الفراشة مسكني

    وغدي انفراط السوسن

    أنكرته أصلاً كما أنكرتني

    يا من وقفت دمي عليك

    وذللتني ونفضتني كذبابة من عارضيك

    ودعوت سيدة إليك وأهنتني

    إني أراها في جوار الموقف

    أخذت هنالك مقعدي

    ستردد القصص التي أسمعتني

    ولسوف تخبرها بما أخبرتني

    وسترفع الكأس الذي جرعتني

    كأساً بها سممتني

    حتى إذا عادت إليك

    لترود موعدها الهني

    أخبرتها أن الرفاق أتوا إليك

    وأضعت رونقها كما ضيعتني!!

    قصة جريمة وقعت في غفلة من الزوج

    إنه لمن المحزن حقاً تلك الأخبار المؤلمة التي نسمعها من حين إلى آخر, والتي تتحدث عن الخيانة الزوجية.

    ومما أذهلني هذا الخبر الذي نشرته إحدى الصحف, فجعلني عاجزاً عن تصوره على الرغم من كثرة المشاكل والفتن التي تعصف بالأمة يميناً وشمالاً, ولكن الذي جعلني في هذه الدرجة من الذهول، هو قوة الخبر الذي تصور الدرجة العالية من الانحراف والقسوة والشذوذ التي وصل إليها البعض.

    فقد نشرت الصحيفة: أن الأجهزة الأمنية المختصة عثرت أمس الأول على طفل رضيع اختطف منذ حوالي عشرة أيام من أحد الأعراس بمنطقة ما, وذلك لأن الخاطفة هي صديقة لأم زنت مع صديق لها أسمر اللون, وهي امرأة متزوجة، فحملت، وفوجئت بأن الصغير أسمر مثل صديقها, وليس مثل زوجها, فاتفقت مع صديقتها على استبدال الطفل.

    وفعلاً بعد نجاح عملية الاختطاف بادرت المرأتان إلى إلقاء الطفل الأسمر في البحر إلا أنه عُثر عليه وما زال حياً.. إلى هنا انتهى الخبر.

    ولكن هل انتهت المأساة؟! تخيل لو أن هذا الطفل الذي ولد كان أبيض اللون مثل زوج هذه المرأة الفاسقة, فما هو الحال إذاً؟ انظر إلى ما قد تفعله هذه الفاسدة والمجرمة الأثيمة ومثيلاتها، إن الذي جعلها تلقي ذلك الطفل هو اختلاف لونه عن زوجها, ولو أنه جاء أبيض اللون لسكتت، ولأوهمت ذلك الرجل بأن هذا ابنه, فتجد أن الرجل يحمله ويحتضنه ويضمه إلى صدره, ويلاعبه على أنه ابنه وهو ليس كذلك، وتجده يسارع في استخراج أوراق الولادة له، وينسبه إلى نفسه على أنه فلان بن فلان، وهو ليس كذلك.

    وتخيلوا أن هذا الطفل كبر في بيت الزوج حتى أصبح رجلاً، وبعدما كبر كان عاقاً له يسيئ الأدب معه، ويشتمه أو يركضه، أو يلقي به في دار للعجزة, فما هو موقف هذه الخائنة؟! هل ستخبر الزوج أنه ليس ابنه بعد صمتها الطويل، أم ستسكت وهي تراه يسومه سوء العذاب؟! أم ماذا ستفعل لو صار هذا اللقيط سبباً في شقاء إخوته؟!

    ولو قُدِّر أن هذا الرجل توفي، وكان من أرباب الأموال، فبأي حق يرث هذا الطفل ويزاحم أولاد الرجل الحقيقيين في ميراثهم، وكأنه أخٌ شرعي لهم وهو ليس له حق في الميراث؟!

    بل قف طويلاً، وتخيل العواقب الوخيمة، التي تنتج من جراء هذه الفعلة، كل ذلك بسبب ماذا؟!

    إنَّ ذلك كله بسبب شهوة ركضت وراءها أولئك النساء الفاسقات المنحرفات, وأولئك الفاسقون المنحرفون الذين صاروا عبيداً للشهوة, ظنوا أن جريمتهم انتهت حين قضوا شهوتهم, ولكن الجريمة لم تزل مستمرة، حتى صار ضحيتها أطفالاً في دور الرعاية, صاروا لقطاء لا يعرفون أماً ولا أباً, أو أطفالاً عاشوا في البيوت يظن أحدهم أنه في بيت أبيه وهو لقيط، جاءت به أمه الفاسدة من نتاج مغامراتها الطائشة مع بعض الكلاب المسعورة الذين تتبعوا عورات المسلمين، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد خاطب أمثال هؤلاء فقال : (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته).

    ولا يعني ذلك تبرئة الزوج الغافل، فإنه لو لم يكن غافلاً وكان قد أحسن اختيار الزوجة، لما وقعت هذه الفاحشة وهو في سباتٍ عميق.

    استدراج الفساق للفتيات الصالحات

    إن الواجب على المرء إذا عزم على الزواج أن يبحث على الزوجة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته, وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله, لذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج من المرأة الصالحة حيث قال : (تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) وصدق نبينا الكريم؛ فإن المرأة المتدينة الصالحة من أعظم أسباب السعادة في الدنيا, فتجدها طيبةً حسنة السُمعة, مطيعة لزوجها, كل من سمع بها أثنى عليها خيراً.

    أما أولئك الذين تركوا المتدينات وذهبوا يبحثون عن الفاسقات، السافرات المتبرجات ليتزوجوا منهن، هل يريدون منهن حشمة وعفافاً؟! إنه لا يجتنى من الشوك العنب, ومن بذر بذور الشر لا يحصد إلا نتاجها.

    بالرغم من أن جميع قصص المعاكسات هي لعبة في الأصل، إلا أن هناك حيلاً وألاعيب يتعجب الإنسان كيف تمر على ذي عقل وفطنة، ولكنها على كل حال تقع, ولا يشعر بها المرء إلا وقد وقعت، وإن قلناها بعبارة أصح وبوضوح أكثر: فإن هناك مؤامرات تجري على بعض الفتيات من خلال محاولة صاحب هذه المؤامرات زخرفتها بأسماء براقةٍ, ومعانٍ أخَّاذة, حتى تنطلي على الفتاة بسرعة دون أن تشعر بها ، والذي جعلنا نطلق عليها اسم اللعبة بالذات، لأنها حقيقة تختلف عن غيرها وذلك لصعوبتها وجرأة فاعلها.

    فإن بعض الشباب المعاكس -هداهم الله إلى ما فيه رضاه- لم يكتف بالعلاقات التي يقيمها مع بعض الفتيات المنحرفات الساقطات، اللاتي اتخذن هذا الفساد عادة, بل إنه يذهب إلى فتاة أو امرأة مسكينة لا تعرف المعاكسات, فيتسبب في ضياعها, وضياع دينها ومستقبلها من خلال لعبةٍ دنيئةٍ, وهي عرضه الزواج منها، ولكن بصورة مختلفة هذه المرة وكيف ذلك؟!

    خطأ تقع فيه كثير من الأسر

    الذي يحدث للأسف الشديد عند بعض الأُسر المتساهلة، أنه إذا تقدم رجل لخطبة ابنتهم فإنهم يسمحون لها أن تخرج معه في فترة الخطوبة, فيذهب بها يمنة ويسرة، بحجة أنه يريد التعرف على أخلاقها, والخطبة وعد بالزواج وليست زواجاً, وهذا فعل قبيح، وعمل باطل لا يجوز شرعاً, وينافي الأخلاق الطيبة، والصفات الحميدة التي يتمتع بها المسلم الغيور على دينه وعرضه؛ لأنه لو حدث واعتدى ذلك الرجل على هذه الفتاة فإنه يسهل له التخلي عنها، وتركها دون الالتفات إليها؛ لأنه لا شيء يربطه بها، فهي امرأة غريبة عنه كغيرها من النساء, وليست زوجة له، ولذا فإن بعض الشباب يجد له مدخلاً في ذلك, فإذا أراد امرأة بسوء، وقد بيت النية السيئة لها، فإنه يقوم بخطبتها وكأنه يريد الزواج منها، وفي فترة الخطوبة والذهاب والإياب معها، والتساهل من جانب الأهل، يأخذ منها أعز ما تملك, ثم يولي مدبراً عنها، تاركاً لها الحسرة والندم!

    ولعل سائلاً أن يسأل: وهل يعقل أن يحدث مثل هذا؟!

    نعم:

    تعدو الذئاب على من لا كلاب له     وتتقي مربض المستنفر الحامي

    وتأمل ذلك جيداً! تقول إحدى الضحايا: أنا فتاة أبلغ من العمر التاسعة عشرة، في السنة الأولى من الجامعة اعتدت أن أراه عند ذهابي إلى الجامعة, وعند عودتي منها, وفي كل مرة يبادلني التحية, فتصادف أن التقينا في مكان عام, وتواعدنا على الزواج, ثم تقدم لخطبتي, وعشت أياماً سعيدة, وفي ذات يوم حدث بيني وبينه لقاء فقدت فيه بكارتي ووعدني أن يسرع بالزواج, وبعد عدة شهور من لقائنا اختفى من حياتي، وأرسل والدته لتنهي الخطوبة, ولتنهي معها حياتي كلها، فالحزن لا يفارق عيني.. أعيش في سجن مظلم مليء بالحسرة والتوبة والأسى، لا تقل: إن الأيام كفيلة بأن تداويني بلغة النسيان ، فكيف أنسى ما أصابني من الذي أعطيته كل شيء فجعلني لا أساوي شيئاً؟!

    هذه الحكاية المؤلمة أتوجه بها إلى كل فتاة حتى تعرف حقيقة ندندن عليها دائماً, وهي أن من تعرف على امرأة قبل الزواج إما أن تكون هذه عاقبتها، أو على الأقل لن يرضى أن يرتبط بها كزوجة.

    اعترافات شباب تاهوا في دوامة المعاكسات

    نحن نتحدث مع الفتيات ونقيم معهن العلاقات المشبوهة، ولكن إذا أردنا الزواج فإننا لا نفكر أدنى تفكير في هذه المرأة التي تسلقت جدران العفة, وتعرفت على شاب غريب عنها، ولم تراع عند ذلك حياءً ولا خجلاً, وقد تستغربون هذا القول مني، ولكن نحن ننظر إلى علاقاتنا مع الفتيات من منظار التسلية, فإذا أردنا الزواج فإننا ننظر من منظار آخر متزن وأكثر جدية.

    هذا القول هو قول عامة الشباب المستهتر, وهم يتعرفون على الفتيات، ويقيمون معهن العلاقات المحرمة, ولكن لا يفكرون بهن كزوجات, ولا يرون أنهن أهلاً لذلك.

    يقول أحدهم: أنا لم أجبر أياً منهن على محادثتي وإقامة العلاقة معي، وحقيقة أنا لا أسمح لأخواتي أن يفعلن مثلي ، لأنهن لسن من هذه النوعية الضائعة التي أعرفها جيداً؛ لأن هؤلاء المتحدثات مع الشباب على الهاتف من البنات الضائعات في الشوارع ، ولو كان لهن رجال لوقفوا سداً منيعاً دون انزلاقهن هذا المنزلق الخطير.

    وقال آخر: كنت إلى فترة قريبة أكلم الفتيات هاتفياً لكني الآن لا أفعل, وذلك لأن الشاب في تلك المرحلة المبكرة من عمره، يمر بمرحلة يكون فيها غير ثابت نفسياً, وشخصيته تكون مهزوزة، ولذلك قد يتأثر بصديق له أو يقلده, وهذا ما حدث معي حين اكتشفت أن أصدقائي جميعاً يكلمون الفتيات، ولديهم صديقات، وعندما حاولت أن أقلدهم انزلقت قدمي في هذا الطريق, وبصراحة أن البنات اللاتي يتحدثن مع الشباب في الهاتف على درجة ضئيلة من الأخلاق ، وعلى الرغم أني كنت أرى هذا الأمر بالنسبة لي عادياً، إلا أنني لا أرضاه لأخواتي البنات؛ لأن هذا الطريق لا تسلكه إلا الساقطات من النساء.

    مزقيها

    كتبي الخارقة الجوفاء إن تستلميها

    كاذباً كنت وحبي لك دعوى أدعيها

    إنني أكتب لِلَهْوِ فلا تعتقدي ما جاء فيها

    اقذفيها

    اقذفي تلك الرسالات بسلة المهملات

    واحذري أن تقعي في الشَّرَكِ المخبوء بين الكلمات

    فأنا نفسي لا أدرك معنى كلماتي

    أتلفيها

    وادفني كل رسالاتي بأحشاء الوقود

    واحذري أن تخطئي

    فأنا نفسي لا أذكر ما يحوي بريدي

    وكتاباتي وأفكاري وزعمي ووعودي

    لم تكن شيئاً فحبي لك جزء من شروري

    أتلهى بك بالكلمة تمتص وريدي

    هل عرفت الآن ما معنى بريدي

    هذه اعترافات من شباب تاهوا في دوامة المعاكسات ، وسلكوا هذا الطريق الموحش، المليء بالخيانة والمواعيد الكاذبة، والكلمات المعسولة, فهم ينظرون إليك أيتها الفتاة العابثة بتلك النظرة المتدنية, فهل ترضين أن تكوني بهذه الصورة الشنيعة وتلك المنزلة الحقيرة؟!

    اعتراف على لسان امرأة

    أيتها الفتاة! هذه كلمات أخرى تبوح بها بعض النساء ممن انزلقن في هذا الطريق المر، كلمات في غاية الصراحة ومنتهى الوصف وقد قيل:

    لا يعرف الجرح إلا من به ألم

    استمعي إليها جيداً، فهي تعبر عن حال مثيلاتها ممن كن يوماً من الأيام محصنات في البيوت, ثم صرن ساقطات، ليس بوصفي لهن ولكن بوصفهن أنفسهن، فأي اعتراف أعظم من اعتراف صاحب الشأن؟! وأي إقرار أبلغ من إقرار صاحب المعاناة؟!

    اعترافات مليئة بالحزن والتحسر على الماضي، اعترافات يملؤها الطمع في العودة إلى حياة العفة والفضيلة التي فقدتها تلك النسوة, فلو تركنا لها المجال لتفصح فماذا عساها أن تقول؟!

    قالت: ويل للمجتمع من المرأة العصرية التي أنشأها الرجل، إن الشيطان لو خُيِّر في تغيير شكله لاختار أن يكون امرأة حرةً متعلمةً خياليةً كاسدةً لا تجد الزوج.

    ويل للمجتمع من عذراء خيالية, تريد أن تفر من أنها عذراء, لقد امتلأت الأرض من هذه القنابل، ولكن ما من امرأة تفرط في فضيلتها إلا وهي ذنب رجل قد أهمل واجبه، إن هذه المدنية ستنقلب إلى الحيوانية بعينها, فالحيوان الذي لا يعرف النسب لا تعرف أُنثاه العرب، وهل كان عبثاً أن يفرض الدين في الزواج شروطاً وحقوقاً للرجل والمرأة والنسل؟! من عسى يعرف خطر الأسرة والنسل والفضيلة كما تعرفها المرأة التي فقدتها؟!

    إننا نحسها بطبيعة المرأة، ثم بالحنين إليها, ثم بالحسرة على فقدها, ثم برؤيتها في غيرنا, نعرفها في أربعة أنواع من المعرفة، إذا عرفتها الزوجة نوعاً واحداً، ولكن هل ينصفنا الرجال وهم يتدافعوننا؟ وهل يرضون أن يتزوجوا منا؟

    قالت: حتى في ضعف المرأة لا مساواة بين النساء في الاجتماع، فكل متزوجة وظيفتها الاجتماعية أنها زوجة، ولكن ليس لعاشقة أن تقول: إن عشقها وظيفتها، وكيف ترى هذه المرأة الساقطة نفسها إلا مشوهة ما دامت رذائلها دائماً وراء عينها, وما دام بإزاء عينيها الأمهات المحصنات من النساء، ليس شأنها من شأنهن.

    إنها حقاً كلمات مؤثرة وموعظة باهرة فهل من متأمل؟!!

    1.   

    رسالة إلى معاكس

    أيها المعاكس! هذه نتائج عبثك, هذه رسالة من ضحية إلى معاكس تسبب في دمار حياتها وذهاب بريقها، حين سلبها عفتها، ولوث شرفها، وخلفها وحيدة حائرة، تقلب وجهها، تبحث عن الأماني فلا تجدها, وعن السعادة فلا تهتدي إليها.

    قال أحد الشباب: منذ عشر سنين، كنت أسكن بيتاً يسكن بجانبه رجل من أرباب الثراء والنعمة، وكان قصره يضم بين جناحيه فتاة ما ضمت القصور مثلها حسناً وبهاءً، فألم بنفسي من الوجد بها ما لم أستطع معه صبراً.

    فما زلت بها أعالجها فتمتنع, وأستنزلها فتعتذر, وأتوصل إلى قلبها بكل الوسائل فلا أصل إليها, حتى عثرت بمنفث الوعد بالزواج، فانحدرت منه إليها، فسكنت جماحها, وأسلست قيادها, فسلبتها قلبها وشرفها في يوم واحد.

    وما هي إلا أيام قلائل حتى عرفت أن جنيناً يضطرب في أحشائها, فأسقط في يدي وطفقتُ أرتئي بين أن أفي لها بوعدها، أو أقطع حبل وجدها، فآثرت الرحيل وهجرت ذلك المنزل الذي كانت تزورني فيه, ولم أعد أعلم بعد ذلك من أمرها شيئاً ، مرت على تلك الحادثة أعوام طوال, وفي ذات يوم جاءني منها مع البريد هذا الكتاب، فقرأت فيه ما يأتي.

    قالت: لو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهداً داركاً, أو وداً قديماً, ما كتبت سطراً وما خططت حرفاً؛ لأني أعتقد أن عهداً مثل عهدك الغابر ووداً مثل ودك الكاذب لا يستحق أن أحتفل به فأذكره, أو آسف عليه فأطلب تجديده، إنك عرفت حين تركتني أن بين جنبي ناراً تضطرم, وجنيناً يضطرب, فلم تبالِ بذلك ، وفررت مني حتى لا تحمل نفسك مئونة النظر إلى شقاء أنت صاحبه, ولا تكلف يدك مسح دموع أنت مرسلها, فهل أستطيع أن أتصور أنك رجل شريف؟! لا! بل لا أستطيع أن أتصور أنك إنسان؛ لأنك ما تركت خلة من الخلال المتفرقة في أوابد الوحش إلا جمعتها، وكل ما في الأمر أنك رأيتني السبيل إلى إرضاء نفسك، فمررت بي في طريقك إليها، ولولا ذلك ما طرقت لي باباً، ولا رأيت لي وجهاً, خنتي إذ عاهدتني على الزواج فأخلفت وعدك ذهاباً بنفسك أن تتزوج بامرأة مجرمة ساقطة, وما هذه الجريمة ولا تلك السقطة إلا صنعة يدك وجريرة نفسك، ولولاك لما كنت مجرمة ولا ساقطة, فقد دافعتك جهدي حتى عييت بأمرك, فسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير بين يدي الجبار الكبير.

    سرقت عفتي, فأصبحت ذليلة النفس، حزينة القلب، أستثقل الحياة واستبطئ الأجل، وأي لذة في العيش لامرأة لا تستطيع أن تكون زوجة لرجل ولا أماً لولد؟! بل لا تستطيع أن تعيش في مجتمع من هذه المجتمعات البشرية إلا وهي خافضة رأسها، مسبلة جفنها، واضعة خدها على كفها, ترتعد أوصالها وتذوب أحشاؤها خوفاً من عبث العابثين، وتهكم المتهكمين.

    سلبتني راحتي، لأني أصبحت مضطرة بعد تلك الحادثة إلى الفرار من ذلك القصر الذي كنت متمتعة فيه بعشرة أبي وأمي, تاركة ورائي تلك النعمة الواسعة، وذلك العيش الرغد إلى منزل حقير، في حي مهجور لا يعرفه أحد، ولا يطرق بابه لأقضي فيه الصبابة الباقية لي من أيام حياتي، قتلت أمي وأبي، فقد علمت أنهما ماتا وما أحسب موتهما إلا حزناً لفقدي ويأساً من لقائي, قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك، والهم الطويل الذي عالجته بسببك قد بلغ مبلغهما من جسمي ونفسي, فأصبحت في فراش الموت كالذبالة المحترقة تتلاشى نفساً في نفس.

    فأنت كاذب خادع, ولص قاتل, ولا أحسب أن الله تاركك دون أن يأخذ لي بحقي منك.

    ما كتبت إليك هذا الكتاب لأجدد بك عهداً، أو أخطب إليك وداً فأنت أهون علي من ذلك، إنني قد أصبحت على باب القبر، وفي موقف وداع الحياة بأجمعها خيرها وشرها, سعادتها وشقائها, فلا أمل لي في ود, ولا متسع لعهد ، إنما كتبت إليك لأن لك عندي وديعة وهي تلك فتاتك، فإن كان الذي ذهب بالرحمة من قلبك أبقى لك منها رحمة الأبوة فأقبل إليها, وخذها إليك حتى لا يدركها من الشقاء ما أدرك أمها من قبلها.

    حقاً إنها رسالة حزينة جداً! تصلح أن تكون موعظة للمتعظين، وعبرة للمعتبرين, فيا أيها المعاكس! أرع لها سمعك، وتأملها بقلبك, لعلك أن تدرك نتيجة فعلك وتتصور ما قد تلحقه من الشقاء بغيرك!

    1.   

    نداء إلى الآباء وإلى دعاة التحرر والرذيلة

    أيها الآباء .. إن كنتم تريدون أن تسلموا بناتكم إلى هذه المدنية الغربية تتولى شأنهن، وتكفل لكم تربيتهن، فلتنزع من جنوبكم قبل ذلك غرائز الشهامة, والعزة والإباء والأنفة, حتى إذا رزئتم فيهن وفجعتم في أعراضهن؛ وقفتم أمام ذلك المشهد هادئين مطمئنين لا تتعذبون ولا تتأملون.

    أيها الداعون إلى الرذيلة! يا أدعياء التحرر! في أي جوٍ من أجواء هذا المجتمع تريدون أن تبرز نساؤكم لرجالكم؟! أفي جو المتعلمين، وفيه من سئل مرة: لم لمَ تتزوج؟ فأجاب لأن نساء البلد جميعاً نسائي، أم في جو الطلبة، وفيهم من يتوارى عن أعين خلانه وأترابه خجلاً إن خلت محفظته يوماً من الأيام من صور عشيقاته وخليلاته, أو أقفرت من رسائل الحب والغرام، أم في جو الرعاع والغوغاء، وكثير منهم يدخل البيت خادماً ذليلاً ويخرج منه صهراً كريماً، هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نساءكم، فإن عجزتم عن الرجال فأنتم عن النساء أعجز.

    أروني رجلاً واحداً منكم يستطيع أن يعزم في نفسه أنه يمتلك هواه بين يدي امرأة يرضاها, فأُصدق أن امرأة تستطيع أن تملك هواها بين يدي رجل ترضاه.

    إنكم تكلفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه, وتطلبون عندها ما لا تجدونه عند أنفسكم، فأنتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرة، لا تعلمون أتربحونها بعد ذلك أم تخسرونها؟ وما أحسبكم إلا خاسرين.

    إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم، ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يمتلئ جوها تبرجاً وسفوراً, ويتدفق خلاعةً واستهتاراً, وتودون لو تظفرون هنا بذلك العيش الذي خلفتموه هناك.

    لقد كنا وكانت العفة في وعاء من الحجاب مثقوب, فما زلتم تثقبون في جوانبه كل يوم ثقباً, والعفة تتسلل منه قطرة قطرة حتى يبس, ثم لم يكفكم ذلك حتى جئتم اليوم تريدون أن تحلوا الوعاء حتى لا يبقى فيه قطرة واحدة.

    لقد عاشت المرأة في بلادنا حقبة من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها، راضية عن نفسها وعن عيشها، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها, أو وقفة تقفها بين يدي ربها, أو عطفة تعطفها على ولدها، أو جلسة تجلسها إلى جارتها، تبثها ما في نفسها، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها، ونزولها عند رضاهما، وائتمارها بأمر زوجها.

    كانت تفهم الحب وتجهل معنى الغرام، فتحب زوجها لأنه زوجها، وكما تحب ولدها لأنه ولدها، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج، رأت هي أن الزواج أساس الحب، فقلتم لها إن هؤلاء الذين يستبدون من أمرك من أهلك ليسوا بأوفر منك عقلاً، ولا أفضل رأياً, ولا أقدر على النظر لك من النظر في نفسك, فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك, فازدرت أباها، وتمردت على زوجها، وأصبح البيت الذي كان بالأمس من الأعراس الضاحكة مناحة قائمة، لا تهدأ نارها ولا يخبو أوارها.

    وقلتم لها: إن الحب أساس الزواج ، فما زالت تقلب عينها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج, ففنيت به عنه.

    وقلتم لها: إن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها, وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق, فأصبحت تطلب في كل يوم زوجاً جديداً، يحيي من لوعة الحب ما أمات الزوج القديم, فلا قديماً استبقت، ولا جديداً أفادت.

    وقلتم لها: نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا, وشعورها شعورنا, فرأت أنه لا بد لها أن تعرف مواقع أهوائكم، ومباهج أنظاركم, لتتجمل لكم بما تحبون، فراجعت فهرس حياتكم صفحة صفحة, فلم ترَ فيه إلا أسماء الخليعات المستهترات، والضاحكات اللاعبات, والإعجاب بهن, والثناء على ذكائهن وفطنتهن, فتخلعت واستهترت لتبلغ رضاكم وتنزل عند محبتكم, ثم مشت إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف، تعرض نفسها عليكم عرضاً، كما تعرض الأمة نفسها في سوق الرقيق، فأعرضتم عنها, وقلتم: إنا لا نتزوج النساء الساقطات العاهرات, كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات، إذا سلمت لكم نساؤكم, فرجعت أدراجها خائبة منكسرة, وقد أباها الخليع وترفع عنها المحتشم, فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت.

    وكذلك انتشرت الريبة في نفوس الأمة جميعاً، وتمشت الظنون بين رجالها ونسائها, فتهاجر الفريقان وأظلم الفضاء بينهما، وأصبحت البيوت كالأديرة, لا يرى فيها إلا رجالاً مترهبين ونساء عانسات!

    ذلك بكاؤكم على المرأة أيها الراحمون، وهذا رثاؤكم وعطفكم عليها!

    إن هذه الفتاة التي تحتقرونها اليوم وتزدرونها، وتعبثون ما شئتم بنفسها وضميرها، إنما هي في الغد أم أولادكم، وزاد منازلكم، ومستودع أعراضكم ومروءاتكم, فانظروا كيف يكون شأنكم معها غداً؟! وكيف يكون مستقبل أولادكم وأنفسكم على يدها؟! أين تجدون الزوجات الصالحات في مستقبل حياتكم إن أنتم أفسدتم الفتيات اليوم؟! وفي أي جو يعيش أولادكم، ويستنشقون نسمات الحياة الطاهرة، إن أنتم لوثتم الأجواء جميعاً، وملأتموها سموماً وأكداراً.

    لا تزعموا بعد اليوم أنكم عاجزون على العثور على زوجات صالحات شريفات يحفظن لكم أعراضكم, ويحرصن على سعادتكم, وسعادة منازلكم, فتلك جناية أنفسكم عليكم, وثمرة ما غرست أيديكم, ولو أنكم حفظتم لهن ماضيهن لحفظن لكم حاضركم ومستقبلكم, ولكنكم أفسدتموهن، وقتلتم نفوسهن, ففقدتموهن عند حاجتكم إليهن.

    1.   

    أيتها الفتاة! احذري السقوط

    إن المرأة أشد افتقاراً إلى الشرف منها إلى الحياة, إن الكلمة الخادعة التي تقال لك هي أخت الكلمة التي تقال ساعة إنفاذ الحكم للمحكوم عليه بالشنق، يغرونك بكلمات الحب والزواج والمال, كما يقال إلى الصاعد إلى المشنقة، ماذا تشتهي.؟ ماذا تريد.؟ الحب .. الزواج .. المال ..!! هذه صلاة الثعلب حين يتظاهر بالتقوى أمام الدجاجة.

    احذري السقوط! إن سقوط المرأة لهوله وشدته ثلاث مصائب: في سقوطها هي وسقوط من أوجدوها, وسقوط من توجدهم.

    نوائب الأسرة قد يسترها البيت إلا عار المرأة, فيد العار تقلب الحيطان كما تقلب اليد الثوب, فتجعل ما لا يرى هو ما يرى, والعار حكم ينفذه المجتمع كله, فهو نفي من الاحترام الإنساني، لو كان العار في بئر عميقة لقلبها الشيطان مئذنة، ووقف يؤذن عليها ويفرح اللعين بفضيحة المرأة خاصة, كما يفرح أب رُزق بمولود جديد في بيته, واللص، والقاتل، والسكير، والفاسق، كل هؤلاء على ظاهر الإنسانية كالحر والبرد, أما المرأة حين تسقط فهذه من تحت الإنسانية هي كالزلزلة, وليس أفظع من الزلزلة المرتجة تشق الأرض إلا عار المرأة حين يشق الأسرة.

    أختاه! اعلمي أن الدنيا ولت مدبرة, وأن الآخرة ارتحلت مقبلة, ولكل منها بنون, فكوني من أبناء الآخرة ولا تكوني من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب, وغداً حساب ولا عمل, واعلمي أن الدنيا دار نفاد لا دار إخلاد, ودار سفر لا دار مقر, ودار عبور لا دار حبور, ودار انصرام لا دار دوام, فأعدي للسؤال جواباً, وأعدي للجواب صواباً: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].

    انظري هناك إلى المدى البعيد، والماضي التليد، والعهد الغابر، كيف كنت من قبل؟ وماذا ستكونين من بعد؟!

    وانظري إلى من حولك نظرة تأمل: كم من إنسان يبحث عن معنى السعادة وكل يخترع أسلوب يرى أنه مناسب له ليصل إلى الغاية المنشودة التي يبحث عنها وهي السعادة, فالبعض يظنها عن طريق المعاصي, والبعض يراها في التبرج, والبعض يراها في الانسلاخ من مبادئ الإسلام, والبعض يراها في السير على طريق الله المستقيم طريق الهداية, وهذا هو الذي وصل, لماذا كل هذه الحيرة؟ لماذا هذا الهروب من الفطرة؟ لماذا الرحيل عن المرفأ الآمن الذي فيه السلام؟!

    أختاه! إن الطريق واضح:

    وليس يصح في الأذهـان شيء     إذا احتاج النهار إلى دليل

    1.   

    دعوة إلى الرجوع إلى الله

    الحق واحد لا يتعدد؛ فالمرأة التي انسلخت من فطرتها، وخلعت جلباب حيائها، وثوب عفتها، لاشك أنها على شفا هلكة إن لم تكن قد هلكت, فما هو الحل الصحيح؟ وما هو المنجى والمخلص من الوقوع في الهاوية؟

    لا شك أنه بالرجوع إلى الله؛ لذلك يعز علينا -أخيتي الكريمة- أن نرى أختاً لنا على خطأ، ولا نحاول أن نصحح لها المسار, فنحن نريد للضالة الهداية, ونريد للحيرانة الدلالة على الطريق الصحيح السوي، الذي تنال به مرضاة الله ومحبته.

    أختاه! هذه المرأة التي نريد أن تكون عارفة مطيعة لأمر الله، لا تساوي بأمر الله أمر أي أحد كان، امرأة ملتزمة مهتدية تحب الله ورسوله, امرأة تعتز بلباسها الإسلامي المحتشم الذي يسترها، فلا يظهر منها شيء حتى لا تكون فريسة لأهل المكر والكيد الذين يتربصون بالمسلمون الدوائر.

    أخيتي! بصراحة: من هي أكثر احتراماً في عيون الناس؛ أهي المرأة المتسترة المحتشمة الملتزمة المطيعة, أم هي المرأة المتبرجة التي كشفت وجهها وجملته، أو كشفت شعرها وساقيها، وراحت تدور في الحفلات، وأماكن اللهو والسهرة؟!!

    لا تهربي من الإجابة من هي الأفضل؟ من هي الأولى بالاحترام والتقدير؟ من هي المرأة التي نأمل منها بناء الأجيال؟! أتلك المرأة المطيعة الملتزمة الغيورة على دين الله ؟ أم المرأة التي أصبحت جسداً للتأمل والنظر بلا حياء ولا غيرة؟!!

    أخيتي! نظرة بعيدة إلى ما بعد الموت، تخيلي إذا كنت تحت هذه الجنادل وحيدة، لا توجد أم معك ولا أب, ولا قريب ولا بعيد، كيف سيكون الموقف؟ ومن هو صاحبك في ذلك القبر؟ إن صاحبك هو عملك فإن كان صالحاً فبشرى لك، وإن كان سيئاً فيا حسرتا!!

    تخيلي ذلك القبر الذي يفصلك عن الناس والعالم أجمع، تخيلي الحفرة تلك الصغيرة، وكيف يغلق عليك ذلك القبر، وهل سيكون معك عمل صالح فيفرج الله عنك، أو سيكون معك عمل سيء فيضيق عليك قبرك؟ اسألي نفسك دائماً: كيف النجاة؟ كلها أيام وإن طالت فوالله ستمر كلمح البصر, ثم بعد ذلك سنرحل الرحلة التي لا بد منها: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] فاعلمي أنك إذا بعثتي سيكون معك العمل الصالح، الذي يكون سبب نجاتك إذا وقفت بين يدي الله.

    أخيتي! مع أي الفريقين تريدين أن تكوني يوم يكون فريق في الجنة وفريق في السعير؟! اعملي على أن تكوني مع الفريق الناجي من العذاب، وإياك أن يستدرجك الشيطان فتعملي بعمل أهل النار, فوالله إن أجسادنا على عذاب الله لا تقوى, بل نحن أضعف من أن نتحمل أهون عذاب الدنيا, فكيف بعذاب ملك الملوك وجبار الجبابرة؟!

    أخيتي هذا الطريق

    لا تخدعي بسنى البريق

    كم سابح أمسى غريقاً

    في ظلمة البحر العميق

    أخيتي قبل الرحيل

    عودي إلى الرب الجليل

    من غفلة النوم الطويل

    لا بد يوماً نستفيق

    نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لما فيه طاعته.

    اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن, والعجز الكسل, والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال.

    اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى.

    اللهم اجعل خير أيامنا يوم أن نلقاك، وخير أعمالنا خواتيمها، ولا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم.

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755996384