إسلام ويب

تفسير سورة الصافات [69-82]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أكثر الكفار إنما يكفرون بالله تقليداً للآباء والأجداد، فيعرضون عن بينات الرسل ودعواتهم عناداً وتعصباً، ومن هؤلاء قوم سيدنا نوح عليه السلام الذين لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، ثم دعا عليهم فأغرقهم الله تعالى بسبب كفرهم وجحودهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنهم ألفوا آباءهم ضالين...)

    قال الله تعالى: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:69-74].

    لا نزال في الكلام في سورة الصافات عن المؤمنين، وعن الكافرين بأصلهم، والكافرين بأنبيائهم، فقد ذكر الله لنا ما قاله عنهم، وما حل بهم من العذاب، وعن سوء مصيرهم؛ لأنهم حتى في كفرهم هم قردة ضالون، وببغاوات لا يعقلون، فكفرهم لم يكن عن دليل ولا نقاش، ولا فهم ولا إدراك، لكن كل ما صنعوه أنهم ألفوا -أي: وجدوا آباءهم قبلهم- قد ضلوا الطريق، وابتعدوا عن التوحيد، وأشركوا بالله، فكفروا برسله، وكفروا بكتبه، فاتبعوهم على ضلالهم دون دليل ولا برهان من الله، ولا من العقل والمنطق.

    (فهم على آثرهم يهرعون): فهؤلاء الضالون التافهون إنما هرعوا وأسرعوا وهرولوا مجدين في الكفر تقليداً منهم لآبائهم، فعل الببغاوات والقردة، فلا دليل لديهم ولا برهان من عقل أو شرع، ولا من دليل ثابت عن نبي أو عالم.

    فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات:70] أي: يهرولون، فهم مسرعون في اتباع آثارهم وأجيالهم وكفرهم وضلالهم، وآثار: جمع أثر، وهو ما وجدوا من كفر عن الآباء والأجداد دون دليل من الله ولا برهان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين...)

    قال تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:71-74].

    يقول جل جلاله: بأن هؤلاء الذين كفروا وجحدوا من الأولين قد ضل أكثرهم، وجحد أكثرهم، وخرج عن الدين والحق أكثرهم، فكفروا بالله، وبرسل الله، وبكتب الله إلا قليلاً من هؤلاء، ويقول الله جل جلاله: وهؤلاء ضلوا مع ما أرسلنا إليهم من رسل منذرين مهددين متوعدين: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ [الصافات:72] أي: إن هؤلاء هم أكثر الأمم السابقة والشعوب القديمة كانوا على الكفر والضلال والشرك، وهؤلاء اتبعوا الأكثرية التي هي على باطل، والتي حاول الناس اليوم دفاعاً عن اليهود والنصارى أن يقولوا: نحن نتبع الأكثرية، ونعتمد على الأكثرية، ونعقد برلمانات وندوات فيقال لهم: أتريدون أن تحكم الدولة بالشريعة الإسلامية؟ فيقولون: إذا قالت الأكثرية من هؤلاء الرعاع في البرلمانات: لا، فلا، فيتركون دينهم وشريعتهم وإيمانهم، ويتبعون الأكثرية الضالة المضلة، والتي قال الله عنها جل جلاله: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ [الصافات:71].

    وقال لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، فليست على ذلك بينة من الحق، ولا برهان ولا دليل، وإنما هي نظم يهودية؛ لأنهم الأقلية في الأرض، فأرادوا بها أن يتسلطوا بإضلال الناس، وبتكفير الناس، فاتخذوا لهم مساند من الشيوعية، والماسونية والراديكالية، والوجودية، والبهائية وما إلى ذلك من أنواع الكفر والضلال، وأحزاب الشيطان، فهم يكذبون على الناس ويقولون: أنتم مع الأكثرية، مع أنهم ضالون عن الطريق كافرون بالله كما يقول الله جل جلاله: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ [الصافات:71]، فكما ضل الأولون تبعهم هؤلاء تقليداً للآباء بلا دليل من الله، ولا سلطان، ولا منطق من عقل، ولا نص أبداً.

    قال تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ [الصافات:71-72].

    يقول ربنا جل جلاله: قد ضل هؤلاء مع أنه أرسل إليهم أنبياء تأمرهم بطاعة الله وتوحيده، والإيمان بالبعث يوم القيامة، وبالحساب والعقاب، وبالجنة والنار، وبرسل الله وكتب الله وما جاء عن الله، وتوعدوهم وتهددوهم، ومع ذلك أبوا إلا الضلال والكفران، فعاشوا كافرين، وهلكوا كافرين، واتبعوا أكثر الناس ضلالاً.

    وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ [الصافات:72-73].

    فانظر يا محمد! وأتباعك ممن آمن بك! كيف كانت عاقبة هذه الأكثرية، فقد قص علينا ما صنع بقوم نوح من الغرق والذهاب والطوفان الذي طاف عليهم وأغرقهم، فلم ينج منهم إلا قليل، وكأن القليل هؤلاء هم الذين آمنوا بنوح عليه السلام، وما صنع بقوم لوط عندما رجمهم من السماء، وما صنع بقوم صالح عندما عصوه وخرجوا عن أمره، وقتلوا الناقة التي صلبوها وكانت معجزة نبيه، كيف صعقهم الله بصيحة تركتهم جمادات لا تنطق، وكيف أغرق فرعون وهامان ومن معهما من الذين كفروا بالنبيين الكريمين موسى وهارون، وما صنع بالماضي من الغرق ومن الحرق، ومن الصرع ومن الرجم ومن عذاب الله لهم، هذا في دنياهم ولعذاب الله يوم القيامة أشد وأنكى.

    فالله يشهر بذلك، ويلفت أنظارنا له لنتخذ من ذلك عبرة كي لا نعمل بعملهم ولا نعاقب بعقوبتهم بعد ذلك.

    فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ [الصافات:73].

    كانت وبالاً، كانت دماراً، كانت هلاكاً، كانت لعنة وغضباً من الله، يقول ربنا: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:40].

    إلا العباد الذين أخلصهم الله لطاعته وعبادته، وصفاهم من الشرك والمخالفة والكفر والعصيان، وقرئ: (مخلصين) الذين أخلصوا دينهم لله، فعبدوا الله وحده، ووحدوه ولم يشركوا به، وآمنوا بالله، وكتاب الله، ورسول الله، واليوم الآخر، والعرض على الله إلى جنة أو إلى نار، هؤلاء استثناهم من غضبه، واستثناهم من لعنته، واستثناهم مما صنع بالآخرين، وهكذا عندما أرسل الطوفان على قوم نوح أنجى في السفينة الذين آمنوا مع نوح، وما آمن معه إلا قليل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)

    وهكذا صنع الله بالمخلصين في جميع الأمم السابقة، وهكذا فعل بهم في قصة نوح، وطالما ذكرت في الماضي لتكون عبرة للمعتبر، ودرساً يأخذ منه المؤمن ما يثبت إيمانه، والكافر ما ينذره من أن يكون مثلهم، فيجري عليه ما جرى عليهم، قال تعالى: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [الصافات:75].

    وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:76-79].

    يقول ربنا جل جلاله: إن نوحاً ناداه واتجه إليه، واستغاث به بما صنع به قومه، وقد دعاهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما زادتهم هذه القرون إلى كفراً وإصراراً على الكفر، وبقاءً على الشرك إلى أن نفذ صبره، ومل بينهم وملوه، عند ذلك جأر إلى الله، ورفع يديه داعياً الله جل جلاله يقول: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:26-27].

    وهكذا استغاث به فأغاثه، فقال ربنا عنه: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [الصافات:75].

    استغاث نوح، ودعا ربه ونادى ربه: قد طغى علي هؤلاء فلم تفدهم دعوتي إليك صباحاً ومساءً سراً وعلناً وجهاراً، فما زادهم ذلك إلا كل كفر وجحود، فأنقذني منهم، وعليك بهم أهلكهم ولا تدع منهم كبيراً ولا صغيراً، فإنهم إن ولدوا يلدوا الكفار، وإن أحفدوا يحفدوا الكفار، فقال ربنا في ذلك ليكون مثلاً للمسلمين وللداعين إلى الله، ولمن يدعو ربه لرفع كربه، ورفع بلائه، وما نراه في عصرنا هذا كذلك من نشر الكفر، ونشر البلاء، ونشر المعصية بين المسلمين قبل غيرهم، ومن قادتهم ومن موجهيهم، ومن قبل عامة الناس، وهكذا ربنا ذكر لنا قصة نوح لتكون مثالاً لنا، ولتكون عبرة للكافرين بالله.

    قال: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [الصافات:75]، يثني الله على جلاله، وعلى قدره وعلى مقامه، يعلمنا كيف نوحده، وكيف ننزهه، وكيف نسبحه جل جلاله، قد استجاب لدعوة نوح ولندائه، وأنعم عليه بما طلبه، ولذلك قال: فلنعم المجيبون، أي: لنوح عليه السلام.

    ثم قال ربنا جل جلاله: وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصافات:76]، استجبنا لندائه، ولضراعته ودعائه، فأنجيناه وأهله، أي: من كانوا على دينه من أهل وغير أهل، وأما أهله الذين لم يؤمنوا كولده، فكان مع المغرقين، أما أهله الذين آمنوا به، ودانوا بدينه، وكانوا قليلاً لم يتجاوزوا في العد ثلاثة عشر مسلماً عند البعض، وسبعين رجلاً في الأكثر عند الآخرين، فيهم الرجال والنساء والأطفال، هؤلاء الذين آمنوا به فقط بعد هذا الدهر الطويل، وهذه القرون الكثيرة المتتابعة المتوالية، هؤلاء أنجاهم الله من هذا الكرب، أنجاهم من بلائهم ومن محنتهم.

    قال: وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصافات:76]، الكرب الشديد الذي لا يكاد يصبر عليه، ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعوهم إلى الله سراً وجهاراً ليلاً ونهاراً، حضراً وسفراً وهم لا يزيدونه إلا كفراً، وهزءاً وسخرية.

    قال تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77].

    أي: وجعلنا سلالته وأولاده ومن كانوا ذراً في صلبه، ثم انتقلوا بعد ذلك من صلبه إلى رحم زوجه، هم الباقين وإلى عصرنا، والمعنى: أن كل من جاء بعد نوح فهم من ذريته وسلالته أي: نحن وآباؤنا منتسبون إلى نوح، ومن سيأتي بعدنا إلى يوم القيامة، وآدم هو الأب الأول، ثم انقرضت سلالته إلا نوحاً وسلالته، فكان من جاء بعد نوح من ذريته وسلالته، هكذا في الآية، ولكن مضى معنا أنه قبل: أن الله نادى جل جلاله فقال: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ [الإسراء:3].

    كانت هناك ذرية من نوح، وممن حمل مع نوح، وأن الباقين بعد نوح هم سلالة نوح كما هم سلالة من كان معه من المؤمنين، وحملوا معه على السفينة، ولذلك اختلفوا وليس هذا تضارباً في الآية، بل هي آيتان في كتاب الله أن الناس الذين جاءوا بعد نوح من ذريته وذرية من معه، ولكن الأكثرية كانت من سلالة نوح، فهو قد تزوج بعد ذلك الكثرة من أولئك، فكانت أزواجه بالعشرات، فكانت ذريته أكثر وأشمل وأعم حتى إنهم قالوا: كل من في الأرض يرجعون إلى أولاد نوح الثلاثة: سام ويافث وحام.

    فقالوا عن حام : هو أبو الزنوج والأحباش، وقالوا عن يافث هو أبو الروم ومن إليهم، وقالوا: عن سام : هو أبو العرب وأبو بني إسرائيل، وأبو طوائف من البشر، ولكن قوله تعالى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ [الإسراء:3]، يدل على أن هناك ذرية لم تكن من سلالته، ولكن من سلالة من حمل معه في السفينة، فيكون معنى الآية: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77] أي: أكثر من في الأرض بعد نوح كانوا من ذرية نوح، ولا ينفي هذا أن تكون هناك أقلية هي من ذرية من حمل مع نوح على السفينة.

    قال تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ [الصافات:78]، أي: تركنا عليه ذكراً وثناءً، وإشادة وتعلقاً وإيماناً، والأمر كما قال ربنا فجميع الأديان السماوية وإلى عصرنا وحتى المجوس، وقد قيل: إنهم أهل كتاب، ولكن الكتاب ضيعوه فذهب مع الذاهبين، جميعاً يثنون على نوح، ويؤمنون بنوح، ويشيدون به، ويرفعون من ذكره.

    قال: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:78-79].

    ربنا جل جلاله كذلك أشاد به، وسلم عليه وذكر السلام له، فهو آمن عند موته وآمن في آخرته من أن يغضب الله عليه، آمن في جنته، بنعم الله، ورحمة الله، ورضا الله، آمن من أن يذكر بسوء بعد ذلك في الأعصار الآتية والشعوب الأخيرة: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:78-79]، فجميع العوالم المحمدية والأمم الأخرى أمم أهل الكتاب والمجوس وغيرهم تجله، وتحترمه وتشيد به، وتذكره بالسلام والصلاة كبقية الأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

    ونوح صلى الله عليه وعلى نبينا لم يسبقه من الأنبياء إلا أبوه آدم، ثم إدريس ثم نوح بعد ذلك، وهو الأب الثاني للبشر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا كذلك نجزي المحسنين...)

    قال تعالى: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:80].

    أي: من أحسن وأطاع، ومن دعا إلى الله، ومن صبر صبر نوح في الدعوة إلى الله، فإن الله يحسن إليه ويجازيه بأن يرفع اسمه، ويعلي ذكره، وتبقى الناس تترحم عليه، وتذكره في الصالحين، وكذلك كما فعلنا بنوح ونصرناه أخيراً على أعدائه، وأعداء الله كذلك من دعا إلى الله ننصره على أعدائه، فنجعل النصر له والعاقبة الخيرة له، ونجعله في عليين، ونجعل أعداءه في الأسفلين كما فعل بنوح مع قومه: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:80].

    والإحسان: هو الإيمان بالله قلباً وقالباً، لساناً وجناناً، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فيكون مؤمناً في نفسه داعياً للخلق إلى عبادة الله، ويحسن عبادته بأن تكون خالصة لله بلا شرك خفي، بأن تكون عبادته لا يراد بها إلا الله خالصة لوجه الله، يؤديها بفرائضها أركاناً وواجبات، وسنناً ومستحبات، وأن يحسن لعباد الله الصالحين المؤمنين.

    قل تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:81]، يشير الله بذكره ويقول: إنه من عباده المؤمنين الذين آمنوا بإخلاص، والذين آمنوا بطاعة، والذين آمنوا كما أمرهم ربهم، فهو كان مؤمناً من الصالحين، مؤمناً صادقاً بين المرسلين، فجازاه الله على إيمانه، وعلى إسلامه فنصره على قومه وأغرقهم فقال: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ [الصافات:81-82].

    أغرق قومه الآخرين ممن كانوا معه في عصره، وخرجوا عن دينه، وخرجوا عن طاعته، وأبوا إلا الكفر والعصيان والجحود، فأغرقهم الله حتى لم يبق منهم أنيس ولا ذاكر، والقصة ذهبت ومضت في السور الماضية كسورة الأنبياء بتفاصيلها وبكلياتها وجزئياتها، ونقتدي بما ذكر هنا على ما مضى لكي لا يعاد الشيء أكثر مما مضى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755915777