إسلام ويب

تفسير سورة النمل [6-12]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الله تعالى قصة سيدنا موسى في القرآن كثيراً، وقد كان من أولي العزم الذين فضلهم الله على غيرهم، وفي قصصه ورسالته إلى فرعون وملئه الكثير من العبر والعظات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم)

    قال الله جل جلاله: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل:6].

    سورة النمل المكية تتحدث عن قصة موسى إذ خرج من عند صهره في أرض مدين، فكلمه الله وفاجأه بهذا الشرف العظيم.

    وفيها قصة داود وسليمان نبيي الله ورسوليه الكريمين كذلك، وفيها قصة ملكة سبأ، وفيها قصص وأخبار وعقائد وأحكام وغير ذلك.

    وسميت سورة النمل لذكر النملة فيها وإدراك سليمان ذلك منها.

    وذكر النمل لا يكاد يتجاوز آية، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سمى السور، وهو الذي رتبها بأمر من ربه، والكل وحي من الله جل جلاله.

    يقول تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل:6]، أي: إنك لتتلقى هذا الذكر وينزل عليك وحياً من لدن الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها أمراً ونهياً، العليم بكل ما خفي وما ظهر وما بطن، فكل ذلك يعلمه ربنا وهو أعلم حيث يجعل رسالاته، فاختار محمداً العربي صلوات الله وسلامه عليه لأن يكون خاتم الأنبياء، واختار تعالى أن يكون هذا الكتاب الكريم خاتم الكتب المنزلة على الرسل، وأن يكون منزلاً على خاتم الرسل كذلك، فهو من الله لفظاً ومعنى وتنظيماً، وكل ذلك وحي من الله نزل به الروح الأمين جبريل على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم فوعاه وأدركه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً ...)

    قال تعالى: إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النمل:7] كانت تلك الآيات الخمس الأولى كالديباجة والمقدمة لهذه السورة الجليلة، ومنها اتخذ العلماء والمؤلفون المقدمات والديباجات لمؤلفاتهم.

    قال تعالى: إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ [النمل:7]، وقصة موسى تتكرر، وفي كل سورة يكون فيها معنى زائد، ومجموعها يعطي الحكمة والعلم والمعرفة.

    وقد خص الله موسى بكثير من الخصائص، أما نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه فما من آية خص بها نبي متقدم إلا وأكرمه الله بها وزاده عليها.

    يقول تعالى: إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ [النمل:7] قال ذلك عندما خرج من أرض مدين من عند صهره شعيب ، وليس هو شعيباً النبي، فشعيب النبي كان قبل ذلك، كان بعد قوم نوح وبعد قوم عاد وبعد قوم ثمود، فخرج موسى عليه السلام بعد أن أقام عنده السنوات التي اتفق عليها، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الذي قضاه موسى مع صهره شعيب ، فأخبر بأنه قضى الأكمل، أي: عشر سنين، ثم أخذ أهله في ليلة باردة مطيرة وقصد أرض مصر حيث ولد وحيث توجد أمه وحيث يوجد أخوه هارون وحيث يوجد قومه من بني إسرائيل المستعبدون لفرعون وقومه.

    فما كان يقصد سوى ذلك، ولا يعلم الغيب إلا الله، ولم يرسل بعد ولم ينبأ، وحين خرج من عند صهره من أرض مدين ضل الطريق، وكانت الليلة مظلمة مع شدة البرد وشدة المطر، فما درى أين يقصد، وإذا بنار تظهر من بعد في جبل الطور في أرض سيناء، فقال لأهله: انتظروني.

    يقول تعالى: إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ [النمل:7].

    أي: اذكر -يا رسولنا- حين قال موسى لأهله -أي: لزوجته، والأهل لفظ يشمل الزوجة والولد- إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النمل:7].

    رأى موسى ناراً تشتعل من بعيد في شجرة خضراء عند جبل الطور في أرض سيناء، فآنس خيراً ورجا خيراً في أن يعلم الطريق التي توصله لمصر، أو أن يأتي بما يتدفأ به هو وأهله بعد أن قرصهم البرد وأضر بهم، وأمرها أن تنتظره قليلاً، فانتظرته وذهب، وإذا به يرى ناراً متأججة في شجرة خضراء شديدة الخضرة، فلا الشجرة الخضراء يبست، ولا لونها تغير، ولا النار انطفأت، فوقف مندهشاً متعجباً.

    وكان قد آنس النار، أي: أبصرها ورآها وفيها معنى الأنس، كما يقال في اللهجة المكية الحجازية: آنسكم فلان، أي: أنستم به ووجدتم به زوال الوحشة، ووجدتم به الصلة والقربة.

    وكذلك موسى كان غريباً منفرداً منقطعاً في هذه الصحاري والفيافي، وكان في الليل لا يبصر الطريق، وكان في برد شديد، فعندما رأى النار استأنس بها وطمع في أن يجد هناك من يدله على سواء الطريق، أو لعله أن يأتي منها بجذوة نار يصطلي بها من هذا البرد الشديد هو وأهله.

    وأتى موسى بخبر أي خبر! أتى بالخبر العظيم، فموسى الطريد الشريد من مصر الخائف على حياته المضطهد من فرعون وقومه كانت هذه الليلة بالنسبة له ليلة شرف وكرامة، وهي ليلة رسالته ونبوءته، وإدخاله في الخمسة من أولي العزم من الرسل، وكان له ما لم يكن لمن قبله من الأنبياء والرسل.

    قال تعالى: سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النمل:7].

    أي: إما أن يأتي بخبر ممن يدله على الطريق، أو -على الأقل- يأخذ من هذه النار شهاباً، والشهاب هو القبس، فنعت الشهاب بصفة هي منه وإليه، وقرئ في السبع: بِشِهَابِ قَبَسٍ ، من باب إضافة الشيء إلى مثله وإلى نظيره، على أن الشهاب هو عود اشتعلت النار في طرف منه فقط، ويمكن قبضه من الجهة التي لا نار فيها، والجذوة من النار القطعة من النار، فهي بذلك جذوة وهي قبس وهي شهاب، وكل هذه المعاني تؤدي معنى وجود نار يمكن أن يجد بها دفئاً له ولزوجته.

    فلما وصل ورأى هذا المنظر المدهش العجيب وقف مشدوهاً ذاهلاً، وقد جاء في تسمية هذه الشجرة أشياء هي من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن نبي الله صلى الله عليه وسلم شيء ولا عن الصحابة، وقد يذكرها بعض الصحابة نقلاً عن كعب الأحبار ، وهو من علماء اليهود الذين أسلموا وبقوا يروون من كتبهم ما صح وما لم يصححه كتاب الله ولم يصححه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو عندنا كلام لا نقبله ولا نعتمده ولا نلتفت إليه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ...)

    فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:8].

    فلما جاء النار وهو يراها من بعيد نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:8]، أي: قيل له: يا موسى! بورك من في النار. يقال: باركه الله وبارك فيه وبارك عليه، وكلها بمعنى، والبركة: النماء والزيادة والفضل، فإن كان من الله فهي سلام وهي أمان وهي إكرام.

    قال تعالى: نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:8]، ووقف موسى وهو يكاد يصرع، إذ لا يدري ما الذي جرى، ومن المنادي ومن المتكلم، ولكنه بعد قليل أدرك أن المتكلم هو الله جل جلاله وأن المنادي الله جل جلاله.

    وقوله تعالى: وَمَنْ حَوْلَهَا [النمل:8]، قيل: الملائكة، وقال سعيد بن جبير وابن عباس : هو الله جل جلاله، فهو يبارك نفسه وينزه نفسه ويسبح نفسه جل جلاله، وقالوا: النار: النور، ولكن الآية فيها النار.

    فالله جل جلاله نادى عبده موسى، ومنذ ذلك الوقت سمي الكليم، أي: الذي كلمه الله وشرفه بكلامه.

    ثم نزه الله نفسه عن أن يشبه أحداً من خلقه أو أن يشبهه أحد من خلقه، فسبح نفسه ونزه نفسه عن كل ما لا يليق بجلاله وكل ما لا يليق بإلهيته فقال تعالى : وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:8]، يسبح الله ذاته العلية، ويعلمنا لنسبحه.

    فالله يكلم موسى، ولكن بكلام ليس ككلام البشر، وفي حال ليس كحال الخلق، ومن جهة ليست كجهة الخلق، ومن نار ليست كنار الخلق.

    فالله جل جلاله هو المنزه عن كل عيب والمنزه عن كل نقص، فهو رب العالمين لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وكل ما يخطر ببالك فربنا مخالف لذلك، ولكننا نقول ما قال ربنا ونثبت ما أثبته نبينا صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف، ونقول بعد ذلك ما قال الله: وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:8]، تنزه الله عن كل نقص وعيب، لا يشبه خلقه ولا يشبهه خلقه.

    وفي الحديث الصحيح: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) جل جلاله وعز مقامه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم)

    وصل موسى إلى هذه النار التي رآها تتلألأ من بعيد، فلما وصل إليها وجدها ناراً ليست كالنار، فلم تحرق الشجرة ولم تتغير خضرتها، وإذا به وهو في هذا العجب ينادى أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النمل:8-9].

    فنودي موسى باسمه أن الأمر والشأن الذي جئت إليه ليس النار وليس الشهاب وليس القبس وليس من يدلك على الطريق لمصر فقط، بل ما يدلك على ربك برسالتك وبنبوءتك لتهدي قوماً ضلالاً، ولتدعو فرعون وقومه إلى عبادة الله الواحد، ولتبين لهم أنهم عبيد من خلق الله ليس لهم ضر ولا نفع.

    يقول تعالى: يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النمل:9].

    العزيز الذي لا يغالب، فلن يستطيع فرعون الكاذب المتأله الكذاب أن يغلب ربك، فالله هو الغالب، والله هو القاهر، والله هو القادر على كل شيء والخالق لكل شيء.

    وكان ذلك مقدمة لرسالته حتى لا يخاف من فرعون ومن تألهه الكاذب ومن قومه مهما طغوا وبغوا وتجبروا وتكبروا.

    والله هو الحكيم الذي يضع الأمور في مكانها حيث شاء أمراً وحيث شاء نهياً، فاختارك لرسالته دون غيرك؛ إذ هو العليم بما ينفع الناس والعليم بما يضر الناس، وهو العليم بأنك العبد المؤهل لذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وألق عصاك ...)

    قال تعالى: وَأَلْقِ عَصَاكَ [النمل:10].

    وكانت عصاه بيده، وفي سورة أخرى وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:17-18]، فما اتخذها إلا كما يتخذ الناس العصي لرعي الأغنام وليحمل بها على عاتقه أحماله وأثقاله، وليضرب بها ما يمكن أن يؤذيه، وليضع عليها ما يتقي به من الشمس وحرها ومن المطر والبرد وما إلى ذلك، فقال الله له: وَأَلْقِ عَصَاكَ [النمل:10]، فألقاها وهو لا يعلم الحكمة من ذلك.

    قال تعالى: فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ [النمل:10]، ألقى العصا وإذا بها حية صغيرة كثيرة الحركة، وذلك ما يسمى بالجان في لغة العرب التي بها نزل القرآن، فانقلبت العصا حية شديدة الحركة شديدة القفز، وموسى حديث العهد بمثل ذلك، فإذا به يترك العصا ويفر ولم يعقب ولم يلتفت ولم يرجع إلى أن ناداه ربه: يَا مُوسَى لا تَخَفْ [النمل:10] ليستأنس وليستطيع تلقي الكلام الأقدس والوحي العظيم والرسالة المكلف بها.

    قال تعالى: يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ [النمل:10] فالمرسلون لا يخافون مني؛ لأنني ما أكرمتهم بالرسالة حتى أمنتهم بالرضا عنهم ورحمتهم، وهذا الخوف غير الخوف من النار ومن الغضب واللعنة، فالخوف الملازم للإيمان لا يفارق مسلماً، ولا يليق أن يفارق مؤمناً، وكان سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا أخشاكم لله)، فهو أشد الناس خشية وخوفاً من الله جل جلاله، فإذا كان هو أخوف الخلق فغيره من باب أولى أن يخاف ويهاب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء ...)

    استثنى الله جل جلاله -وهو استثناء منقطع كما قال المفسرون- فقال: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [النمل:11].

    والظلم هو الشرك، وهو المعصية، وإن أطلق فالمراد به الكفر.

    فغير المرسلين إن ظلموا وأشركوا ثم تابوا وأنابوا فالله غفور رحيم يغفر للمسيء إذا تاب، ويغفر للمشرك إذا وحد، ويغفر للمسيء إذا أزال سيئته وعاد إلى الطاعة والعبادة، وهذا استثناء منقطع؛ لأن الرسل لا تشرك ولا تعصي، فهي في عصمة من ذلك.

    ولذلك لا تتصور المعصية بالظلم والشرك من المرسلين ليحتاجوا إلى التوبة وعمل الخير بعد السوء، ومن هنا كان هذا استثناء منقطعاً عمَّا ما قبله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ...)

    قال تعالى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [النمل:12].

    هذه هي المعجزة الثانية والآية الثانية والعلامة الثانية التي سيذهب بها الكليم موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه، حيث أمره الله تعالى بكلامه فقال له بكلامه جل جلاله بلا واسطة ملك: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [النمل:12]، أمره بأن يدخل يده في جيبه، قيل: وكان لابساً مدرعة صوف لا أكمام لها، ولعل هذا القول فهم من برودة الجو، ومن شأن الذي يعيش في فصل البرد أن يلبس الصوف، هذا إذا كان موسى قد وجد الصوف.

    فأمره تعالى بأن يدخل يده في جيبه فقال: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ [النمل:12]، فأدخلها ثم أخرجها فإذا بها كالكوكب الدري تبرق كالبرق الذي يكاد يأخذ الأبصار سناه ونوره.

    (من غير سوء): فليس ذلك النور برصاً ولا مرضاً ولا بياضاً ضاراً للون البشرة، فأعطاه الله هاتين المعجزتين والعلامتين والآيتين ليذهب بهما إلى من أمره بالذهاب إليهم.

    قال تعالى: فِي تِسْعِ آيَاتٍ [النمل:12] من القمل والضفادع والدم وغير ذلك، وما زادهم ذلك إلا طغياناً واستعلاء وتكبراً وتجبراً إلى أن أخذهم الله جزاء وفاقاً لكفرهم.

    قال تعالى: إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ [النمل:12].

    أمره أن يذهب إلى فرعون وأن يقول له: إني رسول رب العالمين إليك، وإن هذه آيتي وهذه علامتي.

    ثم قال الله عنهم: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [النمل:12] فقد كان فرعون فاسقاً متألهاً كاذباً، ومن قبلوا منه دعوى الإلهية الكاذبة كانوا فسقة مثله، وكذبة مثله، وضلالاً مثله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755910331