إسلام ويب

تفسير سورة المؤمنون [62-67]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لم يكلف الله تعالى أحداً من عباده شططاً، وإنما كلفنا ما نطيق، وجعل هذا الدين يسراً وليس بعسر، ثم يحشر الناس يوم القيامة ويحاسبهم بما كانوا يعملون، فلا يظلم أحداً. وقد ذكر الله تعالى حال المترفين وأنهم إذا أصابهم العذاب إذا بهم يصيحون ويجأرون، ولكن لا ينفعهم ذلك، فقد فرطوا في زمن العمل والفراغ والصحة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولا نكلف نفساً إلا وسعها ...)

    قال الله جل جلاله: وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [المؤمنون:62].

    بعد أن قص الله علينا صفات المؤمنين من الإيمان بالله والإيمان بآيات الله وعدم الإشراك بالله جل جلاله، والعبادة مع الخوف ألا تقبل وأن تضرب بها الوجوه لنقصانها، ولما يخاف أن يكون فيها من رياء وتسميع، مع كل ذلك يقول الله جل جلاله: وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا فلم يكلف الله أحداً من العباد بأن يأتي بأكثر مما تطيقه نفسه، قلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وما جعل عليكم في الدين من حرج.

    فالله جل جلاله أمرنا بما نقدر عليه وبما نطيقه، فإذا مرض أحدنا أو منعه مانع فإنه ينتقل من الوضوء بالماء إلى التيمم، ومن الصلاة قياماً إلى الجلوس، ومن الحج إلى عدم الحج، ومن الصيام إلى الإفطار، ومن الضيق إلى السعة مع الأجر والثواب في كل ما كان يصنعه هذا الذي مرض وحال مرضه دون ذلك، أو افتقر وحال فقره دون ذلك من زكاة وحج وما إلى ذلك.

    يقول الله جل جلاله: وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ما تسعه طاقتها، وما تسعه قدرتها، وما سوى ذلك لم يكلف ولم يطالب به أحد.

    قال الله تعالى: وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ لدى الله جل جلاله كتاب ينطق بالحق وينطق بأعمال العباد إن خيراً وإن شراً، والكتاب هو الذي يكتبه الملكان المكلفان عن يمين وشمال عن كل إنسان مكلف من الخلق في الأرض، فمن على اليمين يكتب الحسنات، ومن على اليسار يكتب السيئات، وذلك يحفظ إلى يوم الحشر والعرض على الله.

    وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ، فهؤلاء عندما يأتون للحساب وللعقاب يأتون إما إلى جنة وإما إلى نار، فتنطق عليهم أعمالهم وكتبهم بالحق الذي صدر منهم وبالحق الذي علموه، فلا يظلم أحد في ذلك نقيراً، ولا تنقص الحسنات ولا تزيد السيئات، بل قد تكفر السيئات أو بعضها وتزداد الحسنات ويعظمها الله تعالى من حسنة إلى عشر إلى سبعمائة إلى ما يشاء الله جل جلاله.

    والله جل جلاله لا يظلم نفساً شيئاً لا يضيع على إنسان عمله خيراً كان أو شراً، قد يغفر الشر ويزيد في الخير.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (بل قلوبهم في غمرة من هذا ...)

    قال تعالى: بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ [المؤمنون:63].

    يقول الله عن هؤلاء الكافرين والمشركين والجاحدين: ليس الأمر معصية وخلافاً فقط، بل قلوبهم لم يفتحوها للإيمان، ولم يعوا ما يقول لهم نبيهم، ولم يعوا ما يقول لهم كتاب ربهم، فقلوبهم في غمرة، وفي ضلال وفي عماية وفي غواية، فلهم قلوب لا يعقلون بها، فلا وعي ولا فهم ولا إدراك؛ لأنهم لا يريدون ذلك، فزادهم ذلك عماية وضلالة، وزادت قلوبهم ركساً وجهلاً وتعمقاً في الباطل.

    بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ غمرة وجهل، وغمرة عدم إدراك ووعي.

    بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا أي: من كتاب الله ومن نبي الله محمد صلى الله عليه وعلى آله، ومن الدين الحق هذا، فالإشارة هنا تتناول الإسلام والقرآن والنبي عليه الصلاة والسلام، والمعنى بكل ذلك صحيح، وبكل ذلك تتم الآية معنىً ومبنىً.

    بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فهؤلاء الكفرة ليست ذنوبهم الكفر فقط، بل لهم أعمال أخرى سيئة زيادة على الكفر: من سرقة، وزنا وفساد، ورباً، وأكل أموال الناس بالباطل، وسفك الدماء، وهتك الأعراض، ونكران الحق، والوقوف في وجهه، وبهذه الفقرة في هذه الآية الكريمة نعلم أن الحق مع من قال بأن الشرائع كلياتها وجزئياتها يخاطب بها المؤمن والكافر.

    فأما المؤمن فتقبل منه إن أداها كما هي شرائط وواجبات وسنناً، وأما الكافر فالإيمان شرط في العمل وشرط في قبوله، فلا تقبل صلاة ولا زكاة ولا إحسان إلا ممن آمن بالله أولاً؛ لأن العمل هو لله، فمن أشرك فهو لمن يصلي، ولمن يزكي، ولمن يصوم، ومن يعبد، فهو لم يؤمن بالله الواحد، بل أشرك معه غيره، ومن أشرك بالله فعمله لشركاء الله، ولا يقبل الله من العبادة إلا ما كان خالصاً له.

    وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ أي: لهؤلاء الكفرة الجاحدين المشركين أعمال زيادة على الكفر: من سرقات وفجور وكذب وهتك أعراض واستباحة دماء، فهم يوم القيامة سيحاسبون على كل ذلك، فيحاسبون على الإيمان بالله الواحد، ثم يحاسبون على جزئيات الشريعة فيما أمر الله به ولم يقوموا به، أو قاموا به أو ببعضه لا لله ولكن لمعان أخرى في أنفسهم.

    وفي إحدى الغزوات رأى الصحابة رجلاً أظهر من الشجاعة ومن البلاء ومن الحرص على قتل أعداء الله من الكافرين الشيء العجيب، وإذا به يسقط جريحاً، فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: (هو في النار، فعجبوا لذلك، فقالوا في أنفسهم: إن كان هذا مع جهاده ومع بلائه ومع قتاله ومع شجاعته نهاية إلى النار! فكيف يكون حالنا؟! ومن الذي سيدخل الجنة بعد ذلك؟! وإذا بهم يأتون إلى هذا الجريح وهو يحتضر ويجود بنفسه، فقالوا له: يا فلان هنيئاً لك الجنة، قال: أي جنة! والله لا أقاتل لدين، ولا أقاتل لنبي، وإنما أقاتل حمية عن العشيرة، وحمية عن البلد)، كما يقال اليوم: وطنية وقومية، وهناك علموا أن الرجل كافر لا يؤمن برب ولا يؤمن بنبي ولا يؤمن بكتاب، وإنما دفعه لما دفعه إليه معان أخرى لا صلة لها بإسلام، ولا صلة لها بطاعة، ولا صلة لها برب ولا نبي، وقد سئل صلى الله عليه وسلم: (عن الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل للغنيمة، والرجل يقاتل ليقال شجاع، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله العليا فهو في سبيل الله)، وهكذا: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، فمن نوى الشرك فلا عمل له سوى الشرك، ومن نوى الإيمان والإسلام فهو وعمله، فإن كانت النية صالحة وقام بالأعمال بشرائطها وواجباتها فله أجره وله ثوابه.

    وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ أي: قائمون بها يعملونها زيادة على الشرك وزيادة على الكفر، فليسوا فقط كافرين في أنفسهم، ولكنهم عملوا بمقتضى كفرهم، فحاربوا نبي الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا الأصحاب، وحاربوا المؤمنين، وحاربوا الدعاة إلى الله، وارتكبوا من الآثام ومن الجرائم ومن المخاطر ما هو مكتوب في صحائفهم، ومسجل في الكتاب الذي عند الله، الذي سينشر يوم العرض عليه.

    وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ أي: لهؤلاء المشركين سوى الشرك أعمال جاحدة وأعمال فاسقة سيحاسبون عليها، فهم قائمون بها وعاملون لها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ...)

    قال تعالى: حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ [المؤمنون:64].

    فهؤلاء الذين يعيشون حياتهم كلها مصرين على الكفر ومصممين على الشرك، يأبون إلا الجحود وإلا حرب الله ورسوله والمؤمنين، فهؤلاء يبقون هكذا إلى أن يأخذ الله أغنياءهم وكبراءهم ومترفيهم في الدنيا قبل الآخرة، وقد كانوا في نعم وترف، فما زادهم الإنعام ولا زادهم الترف ولا زادهم الجاه إلا جحوداً وكفراناً، ومن يكفر بالنعمة جدير أن يسلبها، لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، والعذاب على الكفران بالنعمة سلبها وزوالها.

    وهكذا سلط الله على الأغنياء والمترفين والمنعمين عندما أكلوا أموال الفقراء والمساكين، ولم يؤدوا الزكاة الواجبة، ولم يؤدوا حق السائل ولا حق المحروم، فسلط عليهم من يأخذ أموالهم ويصادر أملاكهم، ويذلهم مع ذلك جزاء وفاقاً لما كفروا بالنعمة.

    حتى قال تعالى: حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ [المؤمنون:64] أي: حتى إذا أخذ الله هؤلاء المترفين -من الترف والعيشة في بذخ وفي غنى- حتى إذا أخذ الله هؤلاء المترفين والأغنياء بالعذاب: بأن نزع عنهم أموالهم، وأزال عنهم صحتهم، وأزال عزهم وجاههم وسلطانهم، إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ [المؤمنون:64] أي: يصيحون ويستغيثون، فحينئذٍ يتذكرون الرب، فيأخذون في الاستغاثة، فيستغيثون بالله إن كانت لا تزال عندهم بقية من إيمان، وقد لا يستغيثون إلا بالشيطان إذ كانوا كافرين في الأصل لا يؤمنون بدين، ولا برب، ولا بنبي، فيبقون على كفرهم.

    حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ففي هذه الحالة ينسون كفرهم وشركهم وجرائمهم، وإذا بهم يصرخون ويجأرون ويستغيثون، ولا مغيث ولا صارخ إن هو إلا العذاب الذي حق عليهم جزاء أعمالهم وجزاء كفرهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون)

    فقال الله لهم: لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ [المؤمنون:65].

    وهذا يعم الدنيا والآخرة، لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ بعد أن كفرتم وبعد أن أشركتم وبعد أن حاربتم الله ورسوله، فلم تطيعوا كتاباً، ولم تطيعوا نبياً، ولم تستجيبوا لدعاتكم ولا لعلمائكم، ولم تشفقوا على فقير أو مسكين فتعطوه حقه وتعطوه نواله وتؤدون له ما أمركم الله بأدائه.

    فلا تصيحوا ولا تستغيثوا، فلا مغيث ولا صارخ، لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ أي: ليس لكم نصير دوننا، ولا يملك أحد من الخلق ملك أو جن أو إنس أن يغيثكم من عذاب الله، فذلك جزاء كفرهم وشركهم وعصيانهم.

    لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ أقرب ما يكون المعنى أن هذا يكون في الآخرة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ...)

    قال تعالى: قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ [المؤمنون:66-67].

    ففي حال الحياة وحال قبول الأعمال أو رفضها كانت آياتي تتلى عليكم وجاءكم أنبياء الله، ورأيتم معجزات الرسل وقدرة الله على الخلق والإيجاد والإحياء والإماتة ثم الإحياء والبعث، فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ كنتم تسمعون ذلك فتهزون أكتافكم وتسخرون بالتالي وبالقارئ وبالداعية، ثم تنقلبون متنكصين على أعقابكم القهقرى، فرجعتم إلى جاهليتكم الأولى وإلى شرككم الأول قبل أن يأتيكم أنبياؤكم، وقبل أن ترسل لكم رسلكم، وقبل أن تنزل كتب الله عليكم؛ لتعلموا الحق، وتميزوا بينه وبين الباطل.

    فآلآن وقد عشتم بعد الموت ووجدتم ما كنتم تنكرون وقد أصبح واقعاً، وهاأنتم الآن قد بعثتم بعد الموت لتعرضوا على الله إما إلى الجنة وإما إلى النار.

    قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ [المؤمنون:66]، الأعقاب جمع عقب وهو آخر الرجل، والمعنى: كنتم ترجعون إلى الوراء وترجعون القهقرى، فرجعوا للكفر، ورجعوا للشرك، ورجعوا للباطل والضلالة، وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، فالرجعي هو الذي يرجع للكفر، ويرجع للشرك، ويرجع لحالات الجاهلية، ويرجع لحالات الفوضى حيث لا نبي ولا كتاب ولا رسول، فكانوا يرجعون القهقرى وتركوا التقدم، وتركوا التجدد، وما التقدم والتجدد إلا في التمسك بكتاب الله، والالتزام بدين الله، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به ونهى عنه.

    مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ هذا الضمير لم يكن له ذكر ظاهر، ومن هنا قال البعض: (مستكبرين به) أي: مستكبرين متعالين متعاظمين على نبي الله، فالضمير يرجع على كتاب الله المتلو، وقيل: على البيت، وأقرب المعاني أنه يرجع على البيت، والخطاب يخص قريشاً خاصة.

    مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ أي: متعاظمين ببيت الله الحرام، فقد كانت قريش تزعم أنهم جوار زوار بيت الله لا يخافون أحداً ولا يخشون عذاباً، ولا يخشون نقمة، ويعتقدون أن ما هم فيه من شرك ومن أوثان ومن أصنام ومن تغيير دين إسماعيل ودين إبراهيم هو الحق الذي يعيشون عليه، ويرون بذلك أن لهم حقاً على جميع العرب وغير العرب؛ حيث حرسوا البيت وكانوا سدنته، وكانوا مستقبلين ضيوفه، وكانوا وكانوا، ولكن كل ذلك لم يفدهم شيئاً عندما بقوا على كفرهم وشركهم، فقد كانوا متعاظمين مستكبرين بالبيت، وقد حاولوا أن يضلوا البيت إلى أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأعزه، وكسر الأصنام ورمى بها ونبذها، وأقعد بلالاً على ظهر الكعبة يعلن كلمة الحق ويعلن شهادة الحق: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالكعبة حتى يزيل تلك الأصنام التي كانت على عدد الأيام (360) صنماً، فكسرها وجعلها شذر مذر ورماها، حتى لقد تمنى زنديق في هذا العصر ممن يقوم بالحفريات أن يخرج هذه الأصنام ويظهرها كأثر ويظهرها كتاريخ؛ شوقاً إلى عهد الوثنية، وشوقاً إلى عهد الأصنام، واقترح ذلك على الحكام قبل وبعد فخاب وخاب فأله.

    مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (سامراً) ساهراً من السمر، وهي كلمة مفردة يراد بها الجمع، أي: كانوا سامرين ساهرين، ويراد بها الزمن، كأن تقول: سَمَراً، وهذا موجود في لغة العرب أن تذكر كلمة مفردة ويقصد بها الزمن، أي: مستكبرين به سَمَراً يهجرون.

    سَامِرًا تَهْجُرُونَ سامرين جميعاً ساهرين، و(تهجرون) قرئ يُهجرون ويهجرون من الهجر أو الهجران، أي: يسمرون حول الكعبة وحول البيت ويهجرون، أي: ينطقون بالهجر وبالفحش وبالسب، فكانوا يسبون نبي الله صلى الله عليه وسلم، ويتهمونه في صدق رسالته، وفي صدق الكتاب الذي أنزل عليه، وفي دعوته صلى الله عليه وسلم، فكانوا يسبون القرآن فيقولون عنه: شعر، ويقولون: سحر، كما يقولون هذا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم.

    أو يهجرون من الهجران، أي: يهجرون الرسالة، ويهجرون النبي صلى الله عليه وسلم، ويهجرون الحق ويبتعدون عنه، ويهجرون كتاب الله، أي: هؤلاء الذي استكبروا وتعالوا بالكعبة وببيت الله الحرام لم يكن ذلك عن حق ولا عن إيمان ولا عن هدى، وإنما كان ضلالاً، وكان كفراً وكان جهلاً وكان إصراراً على الكفر، ولهذا عندما لم يعرفوا قيمة البيت وجلال البيت في سدانته وفي القيام عليه نزعه الله من أيديهم ودخله صلى الله عليه وسلم فاتحاً عزيزاً سيداً مظفراً عليهم، وهو ينشد نشيد الفتح: (الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده)، منكساً رأسه على بعيره بكل تواضع، وهو على جمل وليس على فرس، ومشية الجمل هوجاء ومشية الفرس تكون رقصاً، والنبي صلى الله عليه وسلم زيادة في التواضع لربه دخل على هذه الهيئة ولم ينسب لنفسه شيئاً، فالله هو الفاتح، والله هو الناصر، وهو قد أعاد الكل إلى الله، ولا شك أن كلاً منه جل جلاله، وهو يعلم بذلك المؤمنين والفاتحين والحاكمين؛ لأن الله يكرم المؤمن فتحاً وزيادة وغنىً وجاهاً؛ ليزداد بذلك تواضعاً وخنوعاً لله وطاعة لله، فالكل منه وإليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767189661