إسلام ويب

عطاؤنا لمن؟للشيخ : إبراهيم الفارس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإنفاق في وجوه البر له أبواب كثيرة ومتنوعة، فينبغي للمسلم أن يتخير الباب النافع في الإنفاق، بحيث يكون إيجابياً لا سلبياً، والإنفاق له فضل كبير وعظيم قد بينه الشارع، وهذا الفضل العظيم يكون عائداً على المنفق في دنياه وأخراه.

    1.   

    وقفات حول الإنفاق والعطاء والبذل في وجوه الخير

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيد الأولين، نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أحبتي الكرام! أهلاً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وفي هذا المكان المبارك، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع وبما نقول، وأن يجعل ذلك حجة لنا، لا حجة علينا.

    أيها الأحبة الكرام! أيها الإخوة الأفاضل، عندما قرأت العنوان الذي تعهدت بالحديث عنه قلت في نفسي: يا ترى هل أتحدث عن عطائنا المادي أم المعنوي.. ؟!

    عن عطائنا الروحي أم الجسدي؟!

    عن عطائنا الذاتي أو الاجتماعي؟!

    عن عطائنا الإلزامي أم العطاء التطوعي؟!

    هل أتحدث عن عطائنا التربوي أم العطاء الدعوي؟!

    هل أتحدث عن العطاء الجهادي؟!

    هل أتحدث عن عطاء القلم.. عن عطاء الفكر؟!

    عن ماذا يا ترى؟!

    كما تلحظون هي عناوين كثيرة، وفقرات عديدة كل منها يحتاج إلى وقفات تليها وقفات، بل إلى دروس ومحاضرات، بل يا ترى هل نتدارس هذا العطاء الذي نقدمه والذي نعطيه، والذي ندفع بموجبه من مالنا، ومن جهدنا، ومن وقتنا، ومن إمكاناتنا وقدراتنا؟

    هل نتدارس هذه العطاءات المتنوعة ذات العناوين المتعددة، هل نتدارسها سلباً وإيجاباً، أم تشاؤماً وتفاؤلاً، أم إفراطاً وتفريطاً، وقوة وضعفاً؟

    أيها الأحبة! حيث إن فعاليات المعرض تدور حول سنابل العطاء، لذلك سوف ينحصر كلامي حول الإنفاق والعطاء والبذل؛ لتستمر هذه السنابل مورقة مزدهرة عالية، تمد الآخرين بالعطاء بكل جمال، وتنشر النعمة في كل مكان، وأنتم تعرفون أحبتي الكرام أن المال هو صلب النفقة وأسها وأساسها، بل ورأسها وقاعدتها، وقد قدمه الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من كتابه على بذل الروح؛ لأهميته، ولرغبة الناس فيه، بل ولتمسكهم به ادخاراً وحفظاً، بل بعداً وشحاً.

    والمال أيها الأحبة الكرام نعمة من النعم العظيمة التي يهبها الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده، ويمنعها عمن يشاء من عباده ابتلاءً وامتحاناً؛ ليرى من يشكر هذه النعمة، ومن يصبر على هذا البلاء، فمن رزقه الله مالاً واتقى الله فيه وصرفه فيما يرضيه، بارك الله له فيه، ورزقه من حيث لا يحتسب، وحفظه عليه ونماه له.

    وأنتم تعرفون أحبتي الأفاضل أن قضية النفقة والإنفاق والإعطاء والبذل من القضايا التي وجد كثير منا أن هناك شحاً في هذا الزمان في بذلها، والمساهمة فيها، ولعل الأمر مبني على أسباب كثيرة ومتعددة، لعل هناك وقفات سأبينها في ثنايا هذا اللقاء المبارك.

    أحبتي الكرام!

    سوف يشتمل هذا اللقاء على جملة وقفات، من هذه الوقفات أريد أن أشير إلى قضية الصور المشرقة المضيئة لبعض العطاءات التي حقيقة عندما تسمع لها وعندما تقرأ عنها ولا أظنها مكتوبة -ستعطيك دفعات إلى الأمام، وتعطيك قوة للمساهمة والمشاركة والبذل والتضحية، حتى تكون مثل ذاك الشخص الذي بذل، وفي نفس الوقت ستكون هناك وقفات مصورة أو صور مسموعة لبعض السلبيات المتعلقة بالعطاء، فأحياناً يعطي الإنسان ويقدم ويضحي، ولكنه لا يحرص على وضع الأمور في نصابها، فتكون النتيجة ردة فعل عكسية لا تؤتي الثمار المرجوة، وأستفتح بصورة من صور العطاء الإيجابية وصورة من الصور السلبية، ثم بعد ذلك أدخل في بعض فقرات المحاضرة، ثم أختمها بصور أخرى سلباً وإيجاباً، حتى تتحدد لنا صورة عطائنا إلى أين؟!

    إذاً: نحن نفقه الآن أن العطاء سيتركز على العطاء المادي، فلن يكون هناك حديث عن العطاء التربوي، ولا عن العطاء الروحي، ولا عن العطاء الفكري، ولا حتى عن العطاء الاجتماعي أو غيره، باعتبار أن كل موضوع من هذه المواضيع يحتاج إلى محاضرات وجلسات ودروس متعددة.

    أيها الأحبة! أثناء الغزو الصربي للبوسنة والهرسك كان الإخوة الذين يساهمون بالبذل يقومون بالسفر إلى تلك البلاد، ويستقبلون التبرعات التي تقدم من هذا البلد ومن أبناء هذا البلد، تبرعات عينية، سيارات مليئة بالنعم المتعددة، وهذه النعم هي احتياجات الناس من أكل وشرب، فكانوا يقدمون هذه الأطعمة لهؤلاء المساكين الذين هجمت عليهم الصرب هجمة شرسة بقصد استئصالهم، ولكن كما قال سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19] وقال عز وجل: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] فهذا الغزو على أنه شر كما يتبادر إلى الأذهان؛ إلا أن فيه من الخير العظيم ما لا يدركه الكثير من الناس، فإن تلكم البلاد كانت بلاداً ضائعة بمعنى الكلمة، فالإسلام مجرد اسم، أما الفعل فلا وجود له، عندما حصل الغزو وجاء الناس يناصرون من ينتسبون إلى دينهم، وإذا بهم يجدون الجهل والضياع والانحراف، فبدأت مسيرة التغيير والتجديد، وكانت النتيجة أن المساجد الخاوية والتي لا يرتادها إلا كبار السن، بدأت تعج بالمصلين الشباب، وهؤلاء النساء السافرات اللاتي لا يعرفن من الدين إلا إسمه بدأن يرتدين الحجاب الكامل، وبدأت المدارس تنتشر، وبدأ الخير يعم، وبذلك يقول أحدهم: والله إننا نرى أن هذا الغزو خير من الله سبحانه وتعالى لنا، قدمنا الآلاف، ولكننا كسبنا الآلاف، ولا يقصد بالآلاف الآلاف المادية، ولكن إنما يقصد بذلك آلاف الحسنات.

    1.   

    من الصور السلبية للعطاء والبذل: عدم اليقظة عند توزيع المساعدات

    أيها الأحبة! أعطيكم صورة من الصور السلبية، ثم أنتقل إلى الصور الإيجابية، فأبدأ بالضعف ثم أنتهي بالقوة.

    كان الإخوة يساهمون في توزيع المساعدات، وكان هناك رجل يوزع أكياس الأرز الصغيرة، وآخر يوزع علب الحليب، وثالث يوزع الزيت، ورابع يوزع شيئاً من الشاي أو غير ذلك.. فكان البوسني يجمع هذه الأغراض علبة في يد وكيساً في يد وشيئاً فوق الرأس، ويتضايق من كثرة ما معه، ولا يستطيع أن يتركه؛ لأنه زاده وزاد أبنائه، فلا بد أن يصبر، وفي نفس اللحظة يجد رجلاً يعمل خيراً ويدعو إلى خير، ويتبنى مساعدة هذا المسكين الذي انشغل بهذا الحمل المتنوع، فيقول له: تعال خذ هذا الكرتون الفارغ، فيفرح هذا الرجل، وإذا به يأخذ الكرتون ويعينه ذاك الرجل في وضع هذه المواد والأدوات والنعم والخيرات في هذا الكرتون، ثم يقوم بإغلاق الكرتون بقطعة من اللاصق، ثم يحمله على رأسه ويذهب به.

    عندما يضعه في بيته يتجمع الأولاد، بل ربما الأحباب، الزوجة والأبناء، البنات والأخوات، كلهم يتجمعون على هذا الخير الذي جاء، يا ترى من أين جاء؟! من الذي قدمه؟! من الذي أعطاه؟! وإذا بهم يجدون على الكرتون مكتوب هدية من جمهورية .... الإسلامية، هذه الجمهورية التي تتبنى الفكر المنحرف الذي يدعو إلى سب وشتم أفضل جيل بعد الأنبياء والمرسلين، هذا الفكر الذي يقول: إن القرآن محرف، وتتبناه هذه الدولة، وإذا بها تقول: هدية من حكومة جمهورية .... الإسلامية، ثم على جوانب الكرتون الأخرى: نسأل الله لكم العون والسداد والتوفيق والنجاح، وفي الجهة الأخرى دعوة إلى مواصلة الجهاد والحرب، دعوة إلى التحمل والصبر، كل ذلك بلغة بوسنية واضحة بينة، فالأبناء جميعاً والبنات لا يعرفون من يدعمهم إلا هذه الجهة، ولا يعرفون من يعطيهم إلا هذه الجهة، وقد غاب الأمر على الكثير ممن يقدِّم هذه المساعدات، إلى أن اكتشف الأمر في آخر المطاف، ولذلك عندما عملت مجموعة مقابلات إبان المعركة وإبان الغزو، كان كل منهم يثني على ذاك البلد، بالرغم أنه لم يقدم ولا حبة أرز واحدة، إنما كان يقدم كراتين فارغة، ولكن الخدعة انسرت، ولذلك تبقى قضية سلبية العطاء تحتاج إلى وقفة مراجعة، وسأشير إلى صور أخرى من هذه السلبية في حينه إن شاء الله.

    من الصور الإيجابية للعطاء والبذل همة داعية وثمراتها

    أيها الأحبة! من الصور الإيجابية في هذا المقام: في أحد الأيام كان هناك رجل متميز، والشباب ليس مقيداً بسن؛ لأنك قد تجد الرجل الكبير الذي يحمل روح الشباب، ويحمل اندفاع الشباب وحيوية الشباب وعطاء الشباب، وتجد كثيراً من الشباب عندهم خمول وكسل وفتور وجلوس وعدم عطاء، وهذا أمر تلحظونه.

    فهذا الرجل المتميز ذهب ليحضر شهادتي الماجستير والدكتوراه في أمريكا، وبعد أن أنهى دراسة اللغة الإنجليزية إذا به يقرر أن يطبق ما درسه في سجن قريب من منزله، خاصة أنه إنسان متميز بالتزامه، فقال: أستفيد وأفيد، فأستفيد أسلوب عرض ونقاش وحوار ودعوة، وأفيد هؤلاء الذين يستمعون إلي، فذهب إلى مأمور السجن واستأذن منه، فقال: حتى أستشير مرجعي، فأخذ منه العناوين، ثم بعد فترة من الزمن إذا بمأمور السجن يتصل به، ويقول: لقد جاءت الموافقة بالسماح لك بإلقاء محاضرة عن الإسلام في هذا السجن.

    يقول: فذهبت وألقيت المحاضرة، وكنت قد قررت لها ساعة واحدة، وإذا بها تمتد ثلاث ساعات في نقاش وحوار وجدل وأخذ وعطاء، ثم عندما ودعتهم خارجاً من السجن، وإذا بثلاثة من الجنود يعلنون إسلامهم أمامي وعلى يدي، ووالله لقد أحرجت؛ لأني لا أعرف كيف أجعلهم ينطقون بالإسلام كما هو معلوم ومعروف، لكني طلبت منهم إعلان الشهادتين فقط، وهذا هو الأصل، ثم خرجت وأنا فرح مستبشر، وجلست في منزلي وأنا أعيش فرحة لا تعادلها فرحة؛ انطلاقاً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

    وبعد فترة من الزمن، إذا بمأمور السجن يتصل علي، ويقول لي: هل بالإمكان أن تتحفنا بمحاضرة أخرى؟ فقلت له: محاضرة أخرى؟! أردت أن أستفزه ألا تعلم أنني أخرج بني جلدتك في ذاك السجن من دينك النصرانية إلى دين الإسلام؟ فقال: هذا لا يهمني، الذي يهمني هو أن سجني قد أخذ درجة السجن المثالي على سجون الولايات المتحدة بأكملها في الشهر الماضي، ولو أخذت المركز مرة أخرى، فإن هناك ترقية سأنالها وأنا أسعى إليها، فقلت: نعم سآتيك، واتفقت أنا وهو على موعد وألقيت محاضرة في السجن، ثم فتح لي هذا الرجل النصراني باب العطاء، وسنابل العطاء، تفتحت هذه السنابل أزهاراً متفتحة رائعة ومورقة، ثم بدأت هذا السنابل تؤتي ثمارها.

    ثم يقول: كلما وجدت فرصة انطلقت إلى سجن وألقيت محاضرة أو درساً أو كلمة أو لقاء، وطوال فترة دراستي وأنا أفعل ذلك، فسأله من سأله: كم من شخص دخل في الإسلام على يديك؟ قال: والله لا أعلم عددهم؛ فهم كثر.

    انتهى هذا الإنسان من مشروعه العلمي وقرر العودة إلى بلده، لكن يا ترى هل تنقطع وتتوقف سنابل العطاء؟!

    إن هناك رجالاً الرجل الواحد منهم كأمة، والعكس صحيح وللأسف، فهناك أناس كثيرون، ولكنهم غثاء، يقول هذا الرجل: قررت في ذاتي قراراً: وهو لماذا لا أقوم بإنشاء مكتبة إسلامية في كل سجن من سجون أمريكا، وإن كان هذا المشروع مستحيلاً أو أكبر من المستحيل؟ لماذا لا أجرب؟ ما الذي يمنع؟!

    يقول: اتصلت بالبريد الإلكتروني بإدارة السجون، وطرحت عليهم الفكرة، فقالوا لي: اعرض علينا محتوى هذه المكتبة، فعرضتها بعد استشارة مع بعض الإخوة، وهذه المكتبة هي عبارة عن مصحف مترجم، ومجموعة من الكتيبات، ومجموعة من الأشرطة التي ليس فيها أي مهاجمة للدين النصراني حتى تلقى القبول، وعندما عرضتها عليهم درسوها، ثم أرسلوا لي بالموافقة، فدرست تكاليف كل مكتبة وإذا بها تصل إلى ألف ريال، وهي عبارة عن دالوب صغير ومسجل ومجموعة أشرطة، ومجموعة كتب وكتيبات، ثم طلبت من إدارة السجون إعطائي رقماً لأعداد سجون هذه الولايات، فإذا بهم يخبرونني أنها تتجاوز خمسة آلاف سجن، وهذا يدلك على مدى الإجرام في ذاك البلد الذي يعتبر بلد القمة عند الكثير والكثير.

    وللعلم أنهم لما ضاقت سجونهم بأهلها صاروا يستأجرون بواخر قد انتهت صلاحيتها، وهي في ساحل البحر، وقرروا تحويلها سجوناً.

    ثم يقول: بدأت التموين والتمويل، وبدأت آخذ من أهل الخير أموالاً لإقامة المكتبات في هذه السجون، وعندما عاد إلى هذه البلاد المباركة إذا به يعلن أنه قد تم تمويل ألف مكتبة لألف سجن.

    تخيل ألف سجن فيه ألف مكتبة، وهذا رجل واحد!

    إذاً: هذه صورة من العطاء تعطيك دفعات قوية للبذل، وتجعلك لا تحتقر نفسك، فكل منا لديه قدرات ولديه طاقات وإمكانات بإمكانه أن يستثمرها استثماراً بيناً واضحاً، فتؤتي كل سنبلة ثمارها، وتتفرع إلى مئات السنابل حتى تنشر الخير في كل مكان وزمان.

    أيها الأحبة! تعلمون وتعرفون من خلال الصورتين السابقتين السلبية والإيجابية أن محور العمل ومحور البذل ومحور التحرك هو المال.

    إذاً: المال هو -كما يقال- عصب الحياة، المال هو الأصل الذي حرك هذه الجوانب الدعوية، والحديث عن المال يحتاج منا أن نقف معه وقفة، فهذا المال أيها الأحبة! هو سماد هذه السنابل، هو ماء هذه السنابل، هو تربة هذه السنابل، هو شمس هذه السنابل، فلا يمكن لسنابل العطاء أن تنمو إلا بوجود المال، فإذا أخذ الإنسان المال وتملكه وجعله في حوزته، فلا يفيد إلا إذا خصص جزءاً من هذا المال واعتبره صدقة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى.

    أيها الأخ المبارك! لا بد أن تعلم أن الصدقة مهما قلّت فإن شأنها عظيم، وأثرها كبير، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)، ونلاحظ في هذا الحديث أن النفقة الحسية قدمت على النفقة المعنوية، باعتبار أثرها وتأثيرها، ولو كانت قليلة ويسيرة، فلا تحقرن من المعروف شيئاً بأي صورة من الصور.

    من الصور الإيجابية للعطاء والبذل همة أخرس في الدعوة إلى الله

    من الصور المشرقة: أن شاباً أصيب بعلة في حلقه فانقطع كلامه، فأصبح لا يستطيع الكلام بأي صورة من الصور، ثم نما وترعرع ونشأ وكبر، ولكنه مع ذلك بدأ يمارس الإيجابية في الدعوة في قصة جميلة ظريفة خلاصتها: أن هذا الشاب بعد أن تلقى العلم على أيدي مجموعة من المشايخ وطلبة العلم، وإذا به يحاول أن يقتطع جزءاً من مرتبه البسيط اليسير -حيث إنه يعمل طابع آلة- للإنفاق في وجوه الخير، فكان يشتري بمائة ريال في كل شهر مجموعة كتيبات وأشرطة، ثم يزور محلات التجارة في الأسواق المعروفة، فكان إذا رأى صاحب المحل وقد بدت عليه علامات مميزة في المنكر أو غيره أعطاه ما يناسبه، فسئل نطقاً: هل رأيت أثراً من آثارك؟ قال: نعم، في مرة من المرات دخلت محلاً من المحلات التجارية وفي أحد العمال من مصر، فرأيته يدخن ويشاهد التلفاز وفيه أغنية، وكنت أحمل بطاقة أنني لا أتكلم ولا أستطيع أن أتكلم، فأعطيته الشريط ثم خرجت، وبعد أشهر قمت بجولة ونسيت أنني دخلت ذلك المحل قبل ذلك، فدخلت وسلمت بالإشارة وكنت معلقاً البطاقة، وعندما رآني صاحب المحل إذا به يخرج من خلف طاولته ويأخذني بالأحضان ويقبل رأسي، فأشرت إليه أنني لا أعرفه، فقال: أنت لا تعرفني، ولكنني أنا الذي أعرفك، فأنت الذي جئت إلي قبل أشهر، وأعطيتني شريطاً لا يتجاوز سعره ثلاثة ريالات؛ وبسبب هذا الشريط وإذا بثمانية من أصحابي الذين يسكنون معي، والذين تميزوا وأنا منهم بأننا لا نعرف حقاً ولا نترك باطلاً إلا وارتبطنا به، فلا صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة، والآن ولله الحمد والمنة صرنا من أول من يبادر إلى المسجد.

    انظروا! شيء يسير ومع ذلك أثمر.

    1.   

    فضل الصدقة وثمارها في الدنيا والآخرة

    لا بد أن نعلم أن الصدقة ظل ظليل يتفيؤه المؤمن يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالى، ومن الذين يستظلون بظل العرش يوم القيامة: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وكما هو معلوم لبعضكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس)، الله أكبر!

    فأنت تستطيع أن تنشئ لنفسك شيئاً يظلك يوم القيامة عندما تدنو الشمس من الخلائق، بحيث يخرج العرق منهم حتى يغطي بعضهم إلى رقبته، والبعض إلى حقويه، والبعض إلى ركبتيه، والبعض إلى عقبيه، بحسب صلاحه وبحسب فساده وكثرة معاصيه.

    إذاً: إذا كانت لديك صدقات فأنت ستظفر بأن الشمس لن تؤثر فيك؛ لأنك ستكون في ظل هذه الصدقة التي قدمتها.

    أيها الأخ المبارك! لو تصفحنا آيات القرآن الكريم وتمعنا فيها لوجدنا أن فيها وقفات ووقفات كثيرة متعددة تدعونا إلى النفقة، وإلى المسارعة في الإنفاق قبل فوات الأوان، وهذا جانب تربوي مهم جداً ينمي فينا صفة المسارعة إلى الخيرات، والمبادرة إليها قبل الفوات، لنقدم بين أيدينا زاداً نستظل به بعد الممات، حين نقوم لرب العالمين، يقول الله سبحانه وتعالى: أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61].

    ويقول سبحانه: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272].

    والصدقة أيها المبارك! تنمي المال وتباركه وتحفظه من الآفات وتبقيه، يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (ما نقص مال من صدقة)، بل تزده.

    وقفتان مع حديث ( اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً )

    يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم! أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم! أعط ممسكاً تلفاً)، وهذا الحديث يجعلني أقف عنده وقفتين:

    الوقفة الأولى: آخذها من آخر الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم! أعط ممسكاً تلفاً)، الآن هو ممسك المال، وإذا نظرت إلى حسابه ستجده مائة مليون أو خمسين مليوناً، ومع ذلك هو ممسك للمال، فإذا كان المال عنده، فكيف يتلف هذا المال؟!

    أيها الأحبة! البخيل بالرغم من كثرة ماله فهو كأنه لا يملك شيئاً، وبالتالي فماله هذا يجمعه لمن سيأتي من بعده من ورثته، ففي أحد الأيام اتصلت امرأة تشكو مر الشكوى من زوجها، وتقول: إن زوجي يملك كذا وكذا وكذا من المال العيني والسيولة النقدية، ومع ذلك فإنه لا يعطينا شيئاً بطريقة لا يمكن أن تتصورها، فأنا من حب الاستطلاع أردت أن أعرف؛ لأنها قالت: هل يجوز لي أن أطالبه بالطلاق؟ فقلت في نفسي: لقد علمنا نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن المرأة تطلب من زوجها الطلاق بدون وجه حق، فإنها إن فعلت لا ترح رائحة الجنة، فقلت لها: أعطيني أمثلة ونماذج من بخله؟ فقالت: تصور أنه يأتي بقارورة الجبن ويجعلها في الثلاجة، ويقول: لا تفتحيها إلا بحضوري، ويقول: لا بد أن تبقى هذه القارورة في الثلاجة شهراً كاملاً، وأسافر أنا وهو إلى أهله على بعد أربعمائة كيلو من الرياض، والله لا يأذن بشراء ولا علبة عصير لأبنائه في السيارة، ويقول: إذا وصلنا إلى أهلي ستجدون العصير والفاكهة والأكل هناك، نذهب ونعود ولم يشتر لنا شيئاً، فقلت لها: ربما أنه لا يملك شيئاً، فبدأت تعطيني قائمة بما يملك، وإذا به يملك الشيء الكثير والكثير والكثير، فتذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، فهذا ممسك ولكنه كأنه لا يملك شيئاً، كأن ماله قد تلف وأتلف، فالله أكبر، دلالة الحديث عجيبة جداً، وفي نفس الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم أعط منفقاً خلفاً).

    يقول أحد الإخوة وهو يروي عمن عايش الحدث: كان هناك رجل من كبار التجار مسافر هو وصاحب له إلى مكة لأداء العمرة، وعندما عادوا من مكة ومروا على منطقة في السيل في الطائف، فقرروا أن يصلوا في أحد المساجد، فعندما دخلوا المسجد وأدوا الصلاة إذا بإمام المسجد يأخذ الميكرفون ويتحدث ويقول: يا إخوان! ترون الآن أن هذا الزمان زمان أمطار، وأنتم ترون حال المسجد، فالماء ينزل في المسجد من كل اتجاه، ويشير إلى فرجات في المسجد، وكيف تشققت نتيجة لهذا الماء الذي ينزل من السقف التالف، ثم قال: نريد أن نعمل بعض الترميم لهذا المسجد، فما رأيكم أن تجمعوا لنا بعض التبرعات، فبدأ الناس يخرجون مما يستطيعون، فهذا يعطي عشرة ريال وهذا مائة ريال وهذا خمسين ريال، وهذا الرجل التاجر تحمس وكتب شيكاً لهذا الإمام بعد أن عرف اسمه بخمسة آلاف ريال، ثم أعطاه إياه، ففرح الإمام فرحاً شديداً بهذا المبلغ الذي جاء، ولم يكن يتصور أن يأتيه مبلغ بهذه الصورة وبهذه السرعة خمسة آلاف ريال.

    يقول: فركبنا السيارة ومشينا، وعندما اقتربنا من الرياض ولم يبق على المسافة إلا حوالي (90) أو (100) كيلو، توقفنا في أحد المحطات لمد السيارة بالوقود، وإذا بصاحبي التاجر ينزل من السيارة بسرعة، ويتجه إلى مكان آخر من المحطة، فيقابل ثلاثة أشخاص ويسلم عليهم ويسلمون عليه ويقبلون رأسه، فقلت: لعله التقى ببعض أقاربه، وبدأت أرقبه وأنظر إليه، وأنظر إلى هؤلاء الثلاثة الشبان، وكل واحد منهم يملك سيارة من السيارات الفخمة جداً يتجاوز سعرها النصف مليون، وبعد ربع ساعة تقريباً من محادثة هذا الرجل التاجر لهؤلاء الشباب إذا به يأتي إلي مطرق الرأس حزيناً متأثراً، فركب السيارة وهو ساكت لم يتكلم ثم انطلقنا، وقبيل خروجنا من المحطة قال: قف، فتوقفت وقال لي: أتعرف هؤلاء؟ قلت: أتوقع أنهم بعض أقاربك، فقال لي: هؤلاء أبناء فلان بن فلان، وكان أبوهم صاحباً لي وصديقاً لي، وقد انطلقنا في التجارة سوياً، وكل منا تملك الملايين، ولكنه كان قد أغلق على أمواله الأبواب فلم ينفقها، وقد توفي قريباً فأخذ الورثة وهم هؤلاء الأبناء الأموال، أخذ كل واحد منهم نصيبه، فكل واحد معه سيارة بهذه القيمة، وكل منهم قد اشترى استراحة ضخمة في هذه المنطقة، وبنى فيها قصراً ضخماً، فهم يأتون إليها بين الفينة والأخرى، وكان صاحبي قد قصر في حق نفسه، لا في السكن ولا في المأكل ولا في غير ذلك، فيقول: تذكرت هذا الحديث، ولكني لم أقل له شيئاً وبعد أن انطلقنا قليلاً، قال: هل بالإمكان أن نرجع إلى الشيخ؟ فكانت صدمة، كيف نرجع مسافة ستمائة كيلو تقريباً، فقال: أرجوك أتمنى أن ترجع، فقلت: لا مانع. أنا عندي إجازة ولا يمنع أن نرجع، فقال لي: احتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى، يقول: فرجعنا إلى الشيخ ووصلنا آخر الليل، واستأجرنا غرفة ونمنا فيها، ثم ذهبنا وصلينا الفجر في ذاك المسجد، فقابل صاحبي إمام المسجد وواجهه مواجهة كانت كالصاعقة عليه، ولكنها صارت بعد ذلك برداً وسلاماً، قال له: أنا الذي أعطيتك الشيك بخمسة آلاف، هل بالإمكان أن تعيده إلي؟!

    فقال له: لماذا؟ فقال له: لا تخف، إنما أريد أن آخذه منك وسأتكفل بترميم المسجد كاملاً من أوله إلى آخره، ففرح هذا الإمام فرحاً شديداً، ثم أوكل هذا التاجر ترميم المسجد لمن يعرف، ورمم ترميماً رائعاً حسب ما يذكر راوي القصة.

    يقول: فرجعنا إلى الرياض، ثم بدأ هذا الرجل ينفق يميناً ويساراً في بناء المساجد، وكان يساهم ويساعد في مشاريع الخير وسنابل العطاء بشكل متميز، ثم بعد ذلك قابلته في أحد الأيام بعد فترة من الزمن، فقال لي: أتعلم ماذا حصل، إنك لتستغرب؟ يقول: أول ما نزلت الرياض وبدأت مشاريع النفقة، كنت أتخيل أن مالي سينتهي بعد فترة وجيزة، ولكن والله! والذي لا إله إلا هو أن مالي بعد الإنفاق تضاعف، فبدل أن يكون خمسة ملايين مثلاً صار عشرة، ويقول: كنت إذا دخلت في مشروع تجاري أو عقاري إذا بي أضرب ضربات تجعل المال يتضاعف، وكنت في السابق أبذل وأبذل ولا ينمو المال إلا بشكل يسير، أو بطيء.

    وهذا مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم أعط منفقاً خلفاً).

    فالذي ينفق يعطى ويزداد مالاً، ولذلك ورد في قول الله سبحانه وتعالى في عدة روايات: (أَنفق أُنفق عليك) فإذا أنفق الإنسان جاءته النفقة من حيث لا يحتسب ومن حيث لا يتخيل.

    والنفقة إذا قام بها الإنسان فإن الله سبحانه وتعالى يضاعفها يوم القيامة أضعافاً لا تتصورها، ومصداق ذلك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله ليتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل).

    انظر! تكون مثل الجبل يوم القيامة، فأنت عندما تقف بين يدي الله إذا بالموازين تنصب، وإذا بالأعمال توزن، وإذا بك ترى أعمالاً كالجبال، ما هذه الأعمال؟ أنا لم أعمل شيئاً يستحق، إنما هي صدقة بريال، أو صدقة بمائة ريال، أو صدقة بكذا، أو صدقة بكذا.. ومع ذلك ترى شيئاً عظيماً جداً، نعم؛ لأن الله سبحانه وتعالى نمى لك هذا الخير، حتى صار كالجبال العظيمة، وصارت هذه الأعمال ثقيلة في الميزان، وفي النهاية أنت الرابح في ذاك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

    القليل الدائم من الإنفاق خير من الكثير المنقطع

    أيها الأحبة! علينا أن نستوعب مجموعة وقفات لا بد أن تكون في الذهن، ومن هذه الوقفات المهمة: أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، بمعنى أن تجعل لنفسك برنامجاً إنفاقياً مستمراً ولو كان يسيراً، وسيكون خيراً من الكثير المنقطع الذي لا يستمر، وهذا الأمر ليس نظرياً ولكنه أمر مجرب.

    والإنسان قد يحدث لديه حماس بالنفقة بعد أن يستمع إلى درس أو كلمة أو توجيه أو مناصحة حول الإنفاق والنفقة والصدقة وآثارها، أو عندما يزور معرض سنابل العطاء، فيخرج من جيبه خمسمائة ريال أو مائة ريال، وهذا كثير بالنسبة للبعض، ولكن سرعان ما يدب الفتور شيئاً فشيئاً، فتجد النفقة الكبيرة لا تعود إلا إذا جاءت وقفات مثل هذه الوقفات، لكن لو قرر هذا الشخص أن يخرج عشرة ريال أو خمسين ريال أو مائة ريال من راتبه كل شهر، ويضعه في مواضعه السليمة، فإن هذه المائة ستكون خيراً مستمراً متواصلاً، وسيجد أثرها العجيب، وفي نفس الوقت ليس لها تأثير على ميزانية الإنسان، فالبعض يقول: أنا لو أخرجت خمسمائة ريال قد تؤثر على الميزانية، أقول: نعم، لكن هذه الخمسمائة لو قسمتها على أجزاء، وجعلتها كل شهر خمسين ريالاً، فستكون النتيجة، ألا يكون هناك تأثير على ميزانيتك، وسيكون إنفاقك دائماً، وسيكون أثرها الجسدي والنفسي والقلبي والروحي والإيماني كبيراً وعظيماً عليك، وهذا الأمر يشعر به كل من طبقه وسار عليه.

    كذلك على الإنسان أن يعي قاعدة: أنه إذا أعطى لا يريد من عطائه هذا إلا الجزاء من الله سبحانه وتعالى، ولا يريد جزاءً من أحد، كما قال تعالى حاكياً عن المتصدقين: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان:9].

    وعليه كذلك أن يعي أن النفقة تكون أقرب وأقوى أثراً إذا كانت مقرونة بالسر والكتمان، فإذا كتمها وأخفاها يكون أثرها عظيماً؛ لأنها أبعد عن الرياء وعن السمعة.

    1.   

    آداب الإنفاق

    أيها الأحبة! عندما نتحدث عن النفقة والإنفاق لا بد لنا من وقفات موجزة ومختصرة عن بعض آداب الإنفاق.

    هناك عدد كثير من الآداب، لكن لعلي أشير إلى أربعة منها أو ثلاثة بحسب ما يسمح به الوقت، فأقول:

    للإنفاق آداب كثيرة ومتعددة، ومن أبرزها وعلى رأسها: الإخلاص في النفقة، والابتعاد عن الرياء والسمعة ونحوها، فإذا أنفق على الفقراء أو المساكين، أو ساهم في مشاريع الخير وأعمال البر وسنابل العطاء، يريد بذلك الأجر والثواب من الله عز وجل لا الرياء والسمعة، فله ذلك، ومن أنفق رياءً وسمعة أخذ حظه من ثناء الناس في الدنيا، وليس له في الآخرة من نصيب، ولقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في أول من يقضى عليه من الناس يوم القيامة، ومنهم: (رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقد قيل) فقد قيل ونشر في الصحف والمجلات والمنتديات والجرائد وفي كل مكان: فلان فعل كذا، وفلان أنفق، وفلان أعطى للشهرة، للبروز، للظهور. (فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار).

    الأدب الثاني: عدم المن والأذى، وهذا يتفق مع ما فطر الله تعالى النفس الإنسانية عليه من الكرامة والعزة؛ لأن المان بنفقته يخدش كرامة النفوس الكريمة، ويجرح مشاعرها، ويستغلها بمنته، بل ويشعرها بالصغار والهوان، ومن هنا جعل الله تعالى الصدقات المقرونة بالمن والأذى غير مقبولة، وما أكثر ما تقترن صدقاتنا بالمن والأذى، إما من بعيد أو من قريب، يقول الباري سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264].

    الأدب الثالث: الإنفاق من المال الطيب؛ لأن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فقد أمر سبحانه بالإنفاق من الطيب المحبوب للنفس، يقول الباري سبحانه آمراً عباده بالإنفاق من الطيبات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267].

    والبر والأجر إنما ينال بالإنفاق من الطيب المحبوب، يقول الباري سبحانه: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92].

    الأدب الرابع: الاعتدال في الإنفاق، فلا يتعالى المنفق فيه فيبذر ويسرف، ولا يقصر فيشح ويمسك، والاعتدال في النفقة صفة من صفات عباد الرحمن، حيث قال فيهم جل شأنه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].

    أخي الكريم! ما أجمل أن تسمو مشاعر المتصدق، فيحس أن حاجته للفقير ليتصدق عليه أشد من حاجة الفقير إليه؛ وذلك أنه أشد حاجة إلى الحسنات والثواب في الآخرة من حاجة الفقير إلى المال الفاني والعرض الزائل، ولهذا فعليه أن يسعى هو إلى الفقير ولا ينتظر منه شكراً وثناءً، بل عليه أن يشكر الفقير الذي أتاح له فرصة تحصيل زاد ينفعه في الآخرة، وما أجمل شعور المتصدق عندما يكون سبباً في مسح دمعة يتيم، أو تخفيف لوعة مكروب، أو سد جوعة فقير معدم

    أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان

    أحسن إذا كان إمكاناً ومقدرة فلن يدوم على الإحسان إمكان

    1.   

    من الصور الإيجابية للعطاء والبذل: قيام شخص واحد بتوزيع مائة ألف مظروف على الحجاج

    أيها الأحبة! قبل الختام أعطيكم تكملة لما بدأته في أول هذا اللقاء، حول ما يتعلق بصور العطاء، وقد أشرت إلى صورة من هذه الصورة، وأشير إلى صورة أخرى من صور العطاء، لتعرفوا وتعلموا أن هناك أناساً الفرد منهم كأمة، والرجل كجماعة، وواحد عن كثرة، وشخص عن قبيلة.

    هذا المثال هو متمم لما سبق وشبيه به وقريب منه.

    في أحد الأيام كان هناك شخص يجلس مع مجموعة زملائه، ويتدارس معهم أوضاع الذين يأتون إلى الحج من البلاد المختلفة، فقال: إن هؤلاء سيأتون إلى الحج ومنهم من يحمل البدع والخرافات، بل بعضهم يحمل الشركيات، فما دورنا في تصحيح مسار هؤلاء؟!

    إنهم يأتوننا ويبقون لدينا فترة من الزمن ويؤدون حجهم ثم يعودون وليس هناك أي تصحيح لمسارات الانحراف المختلفة التي يحملونها، والتي جاءوا بها من بلادهم، فلماذا لا نسعى إلى التصحيح؟!

    لماذا لا نختار شريحة معينة، هذه الشريحة هي شريحة البلاد العربية؟ ثم طرح فكرة وقال: لماذا لا نعطي هدية تحتوي مظروفاً فيه أمور تهم هذا الإنسان القادم للحج، ونحاول أن نصحح هذه الانحرافات الموجودة لديه؟!

    فقال الإخوة الذين كانوا معه: لا مانع، هذا أمر مستحسن، لكن كيف العمل؟

    فأعطاهم الخطة وهي كما يلي: مظروف يحتوي على كتيبين اثنين وشريطين، ويكلف هذا كله ما يقارب عشرة ريالات، وبعد ذلك نريد أن نوزع مائة ألف مظروف، أي: بمليون ريال، فقالوا له: ممتاز جداً، ولكننا نعرف أنك لا تملك ريالاً واحداً، قال: نعم -وهو لا يملك شيئاً أبداً- ولكننا نستعين بالله سبحانه وتعالى ونبدأ المشروع، والذين التقوا معه هم ثلاثة وهو الرابع، فاتفقوا على توزيع العمل وانتقاء الكتيبات والأشرطة، وأن كل واحد ينتقي مجموعة كتيبات وأشرطة ثم يتدارسونها، كان الوقت ضيقاً ولم يبق على الحج إلا ما يقارب أربعين يوماً فقط لا غير، وكانت العملية تحتاج إلى جهد وبذل ومسارعة، فاتفقوا على أحد الكتيبات، واتفقوا على شريطين.

    فهذا الرجل الذي طرح الفكرة ذهب إلى مطبعة معروفة ومشهورة وعرض عليهم طبع الكتاب، فقال: أريد منه مائة ألف نسخة، قالوا: لا مانع، ولكن لا بد أن تأتي لنا بإذن من المؤلف، والمؤلف يسكن في منطقة تبعد عن الرياض مسافة خمسمائة وخمسين كيلو متراً تقريباً، وكان يحدثهم قريب الظهر تقريباً، فقال: لا مانع سآتي بالإذن، فشغل سيارته وانطلق إلى المنطقة التي ذكرت مسافتها، ثم وقف على باب ذلك الرجل وطرق عليه بابه، لم يكن هناك اتصالات بالجوال، فقال له: أريد منك كذا وكذا، قال: تفضل ادخل، قال: لا، الوقت لا يسمح، يقول: والله لقد أخرج لي الورقة بالأذن وأعطاني إياها، وأنا واقف أمام بابه، ثم أخذت الورقة وعدت من حيث أتيت، وكان سفره بحدود أربع ساعات ذهاب، وأربع ساعات عودة، ثم ذهب إلى المطبعة وأعطاهم هذا الإذن بعد صلاة العصر، ثم بعد ذلك ذهب إلى التسجيلات، وهو رجل واحد، ومر على هذه وتلك والثالثة والرابعة، وكل منهم يقول: لا نستطيع أن نطبع لكم مائة ألف نسخة مستحيل ذلك لا يمكن؛ لأن لدينا ارتباطات والتزامات متعلقة بالحج، قال لهم: إذاً أوزع العمل، فكم أكبر قدر تستطيعون طبعها؟ فالذي يقول: نطبع عشرين ألفاً، والذي يقول: ثلاثين ألفاً، والذي يقول: أربعين ألفاً، والذي يقول: عشرة آلاف، والذي يقول: خمسة آلاف، فبدأ يسجلها إلى أن اكتمل رصيدها، ثم بعد ذلك بقيت إشكالية أن الكثير من الخرافات والبدع الموجودة عند هؤلاء القوم الذين قدموا من خارج هذه البلاد المباركة، لا يوجد كتاب يعالج كل هذه القضايا، فقال: نؤلف كتاباً، ولم يبق على المدة إلا أقل من أربعين يوماً، قالوا: لا يمكن هذا، قال: نبدأ، وفعلاً ألف الكتاب في عجلة، وخرج كتيب يشتمل على مجموعة فتاوى تطرق كل الأمور المنحرفة الموجودة في تلكم البلاد، ثم بعد ذلك بدأ التغليف، وجاء بمجموعة كبيرة من الشباب للقيام بمشروع التغليف، ثم جعلها في استراحة وبدأ العمل، وإذا به يملأ ثلاث (تريلات) بمائة ألف مظروف، انطلقت هذه (التريلات) إلى مكة، ولكنها منعت من الدخول؛ لأنها لا تحمل تصريحاً، والتصريح هنا لا بد أن يكون في الوقت المفتوح، فقالوا له: لو كانت مواداً غذائية ممكن، ولو كنت أتيت بتصريح مسبق فلا يوجد مانع، فكان ذلك خيراً، فانطلقت واحدة من (التريلات) إلى مطار المدينة، والثانية انطلقت إلى مطار جدة، وهذا كان أفضل وأعظم أثراً؛ لأن الحاج عندما يقدم ويعطى المظروف، قد يكون أثره ضعيفاً؛ لأنه مقدم على شيء مهم، فقد يرمي المظروف أو ينساه، لكن الآن انتهى من كل شيء، فسيأخذ المظروف ويأخذه في حقيبته، وربما يقرأ في الطائرة المتجهة به إلى بلاده، فوزعت كل هذه المظاريف على هؤلاء الحجاج.

    حسناً! لقد كان العمل كله دائراً على رجل واحد، وقد قابله أحد هؤلاء الأشخاص وقال له بعد فترة من الزمن: يا ترى! هل سددت المبلغ الذي عليك، قال: سددت نصفه، أي: نصف مليون، والله سبحانه وتعالى سيعين على تسديد الباقي.

    هذا رجل واحد انظروا كيف نفع الله به؟ وماذا فعل؟ وزع مائة ألف مظروف على مائة ألف أسرة، وربما كل أسرة تفيد غيرها من الأسر.

    إذاً: صورة عظيمة من صور العطاء تجعلنا فعلاً نحتقر أنفسنا عندما لا نقدم إلا النذر اليسير والشيء القليل.

    1.   

    وقفات مع بعض سلبيات العطاء والبذل

    أيها الأحبة! قبل أن أنهي هذا اللقاء أريد أن أقف مع بعض سلبيات العطاء، حتى يأخذ الإنسان حذره ويتجاوزها، ويحاول أن يضع الشيء المناسب في المكان المناسب، ويضع المادة التي ينفقها في مكانها الذي يناسبها، حتى تؤتي ثمارها يانعة بمشيئة الله سبحانه وتعالى.

    من الصور السلبية للعطاء والبذل وقوع المراكز الإسلامية في الغرب في أيدي أهل البدع باسم الانتخابات

    ذكرت لكم صورة في البدء، وسأشير إلى صور أخرى.

    في أوروبا وفي أمريكا على وجه الخصوص، تقوم بعض الدول بإنشاء بعض المراكز الإسلامية فيها، فمثلاً: المملكة تنشئ في أمريكا مراكز إسلامية متكاملة، وبعض أهل الكويت يساهمون في إنشاء بعض المراكز، والمراكز التي هناك تخضع في بعض الأحيان -إذا لم تضبط- إلى عامل الإدارة المتجددة أو المتغيرة، بمعنى أن الذي يدير المركز هي إدارة تتخذ تباعاً، كل ثلاث سنوات أو أربع سنوات ينتخب في هذا المركز إدارة تديره وتشرف عليه، فتخيل أن مركزاً يكلف ملايين من الريالات، ثم تقام فيه الجوانب الدعوية المختلفة، ويضم عدداً كبيراً من أهل الحق الداعين إليه المتمسكين به، ثم تنتهي فترة الإدارة الحالية ولا بد من تجديد مجلس إدارة، والذي يحدث أنه إذا قررت طائفة منحرفة بعيدة عن الحق وخاصة تلك الطائفة التي تسب أبا بكر وعمر ، فهذه الطائفة تبدأ في التجمع في تلكم المدينة شيئاً فشيئاً، فتستقر ولو لفترة مؤقتة، وبعض الطلاب ينقلون دراساتهم إلى الجامعة التي في المدينة التي فيها المركز، وبعض التجار ينتقلون، وبعض.. وبعض، حتى يكثر عددهم، ويلتحقون بهذا المركز حتى يكثروا، ثم عندما تبدأ الانتخابات إذا بفلان من أهل الحق ينتخب نفسه لإدارة المركز، لكن الذي يؤيدونه قلة، وفلان الآخر ينتخب نفسه من الطائفة المنحرفة، وإذا بالذين يؤيدونه كثرة كاثرة، ممن جاءوا من الولايات المختلفة، فينتخبونه رئيساً، ثم أميناً، ثم إماماً، ثم مؤذناً، وإذا بالمركز يخرج من أهل الحق إلى أهل الباطل، أليس هذا الأمر حاصلاً؟ أقول: نعم، إنه حاصل وبكثرة للأسف الشديد، وبعض الإخوة بدءوا يتداركونه الآن، ولكن بعد أن فلتت بعض المراكز من أيديهم، وصارت في أيدي أهل الباطل.

    إذاً: هذه نفقة بذلت وبذل فيها الكثير وعمل لأجلها الكثير، ومع ذلك بدلاً من أن تكون عامل بناء صارت عامل هدم للأسف الشديد، ولكن الانتباه بدأ يحصل والملاحظة بدأت تؤتي ثمارها، فبدأ التركيز على ألا تكون الإدارة بالانتخاب، ولكن بعد أن ضاعت بعض المراكز

    من الصور السلبية للعطاء والبذل الاغترار بالظاهر وعدم التبين والتفحص

    أيها الأحبة! من السلبيات أيضاً: جاءني أحد الأشخاص وقال لي: إنني أريد أن أبني مسجداً، وعندي مقاول من باكستان، وهذا المقاول أحبه وأتعامل معه منذ أمد بعيد، وهو رجل مخلص، فأعطيته المال لبناء مسجد، فقلت له: هذا الرجل الباكستاني، ما هو توجهه؟ ما هي حقيقته؟ قال: لا أعرف، لكنه من المحافظين على الصلاة معنا، قلت له: أعطني معلومات عن المنطقة التي يسكنها بدقة، فأعطاني المعلومات، وكان قد دفع للمقاول الباكستاني دفعة أولى، وقال: أنا الآن سأرسل الدفعة الثانية، قلت: توقف لا ترسلها، كانت دفعة كبيرة جداً، قلت له: لا ترسلها، فترة يسيرة، فذهبت وسألت وسألت فتبين لي أن المسجد سيبنى في منطقة كل أهلها من أهل البدع المكفرة، وسيبنى لهم هذا المسجد، وسيكون مناراً لهم في باطلهم، وهذا الإنسان الخيِّر المنفق يعرف من ظاهر هذا المقاول أنه إنسان صالح أو طيب، ولكنه لم يعرف الخفايا، لذلك جئت وأخبرته بالوضع كاملاً، فتوقف عن النفقة ولله الحمد والمنة، فقلت له: إذا أردت أن تضع مالك فضعه في المكان المناسب بعد أن تسأل وتتحقق من الأمر.

    من الصور السلبية للعطاء والبذل عدم اقتران العطاء بالدعوة

    هناك إشكالية أخرى تحصل فيما يتعلق بالنفقة، بعض الأشخاص يذهبون إلى مناطق كثيرة في دول العالم لإعطاء المساعدات العينية، فيعطون أياً كان يتسمى باسم الإسلام، يعطونه الغذاء ويعطونه الكساء، وهذا أمر طيب، ولكن الإشكالية أنهم لا يقرنون العطاء بالدعوة، ولا يقرنون العطاء بدراسة الحالة الدعوية ودراسة الحالة العقدية، أو الحالة الدينية لهذا المجتمع الفقير الذي يراد به النهوض اقتصادياً على الأقل، فلا بد أن نقرن بين العطاء المادي وبين العطاء الفكري والديني والعقدي، حتى يتواءم هذا وهذا، ويمشي هذا مع هذا، بحيث عملنا وعطاؤنا اقتصادياً وفي نفس الوقت شرعياً دينياً، وهذا الأمر لا بد أن ننتبه له؛ لأننا وللأسف الشديد نرى الكثير والكثير الذين يركزون على قضية الإصلاح الاقتصادي ولا يركزون على قضية الإصلاح الشرعي لأمثال هذه المجتمعات.

    هذا ما لدي حول هذه المسائل المتعلقة بالعطاء، أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وفضله وكرمه أن ينعم علينا بالنعم الكثيرة، وبالآلاء الجسيمة، وأن يجعلنا ممن ينفق وممن يعطي، وممن لا يبخل ولا يشح، وأن يجعلنا ممن يجعل المال في يده لا في قلبه، وأن يجعلنا من المنفقين بالليل والنهار، ومن المستغفرين بالأسحار، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الإنفاق للمال بنية أن الله يضاعفه ويزيده

    السؤال: إذا تصدق الإنسان بنية أن الله يضاعف أمواله، كما ورد في الحديث، فهل تعتبر تلك الصدقة خالصة لوجه الله عز وجل؟

    الجواب: يبدو لي والله أعلم، أنها قد لا تكون خالصة؛ لأن الذين ينفقون لا بد أن تكون أمام ناظريهم قاعدة وهي: أنهم لا يريدون بعطائهم جزاءً ولا شكوراً، وإنما ينفقون ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وقضية المضاعفة التي ستأتي بدل ما أنفق هذه ستكون مسألة جانبية، أو مسألة جزئية، لكن أن يجعلها الإنسان أصلاً، بمعنى أنني أنفق حتى يزداد مالي، وأنفق حتى تكثر أموالي، فقد تكون هناك لوثة من عدم الإخلاص أثناء النفقة، هذا الذي أقوله، والله أعلم.

    نموذج من البرامج العملية في الإنفاق على الدعوة إلى الله عز وجل

    السؤال: أرجو عرض بيان بعض البرامج أو الأعمال العملية في الإنفاق على الدعوة إلى الله عز وجل؟

    الجواب: والله يا أخي الفاضل قضية الإنفاق فيما يتعلق بالواقع المعايش المعاصر الآن واقع متشعب، وواقع متغير، بمعنى أن كل مال ستنفقه ستجد أن هناك عشرات ومئات المواقع التي يمكن أن تستثمر فيها هذا المال الذي تملك، فأعطيك مثالاً على هذا: في أحد الأيام قرر أحد الأشخاص الاستفادة من (الإنترنت) في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فطلب من أحد المواقع إعطاءه البريد الإلكتروني للمشاهير، وفعلاً موقع (ياهو) يملك هذا الأمر، فأعطاه البريدات الإلكترونية المسجلة لديه لمئات المشاهير، سواء كانت سياسة أو اقتصاد أو فن أو حتى في مسائل الفساد بأكملها، يقول هذا الشخص: فأخذتها، ثم بعد ذلك قررت أن أرسل لهم رسائل ليست باليد، لكن بالبريد الإلكتروني، يقول: وبدأت أراسلهم، ثم بدأت أدخل كتباً وأشرطة ومطويات في الكمبيوتر، ثم بعد ذلك أرسلها إلى أولئك، ولا تتصور كم كانت ردت الفعل عندهم، لقد كانت عجيبة جداً.

    أنا لا يمكن أن أشرحها الآن، لكن سأشرح لكم واحدة فقط مما فعله هذا الإنسان، يقول: كان من ضمن المراسلات مراسلة رجل اشتهر في الفلبين بأنه أعظم مجرم في ذلك البلد، وقد قبض عليه وأودع في السجن الانفرادي، وعليه حراسة مشددة لا يمكن أن تكون موجودة حتى على قصر رئاسة الجمهورية؛ لأن لهذا المجرم أتباعاً بالآلاف، فيخشون من هجوم مضاد لتخليص رئيسهم، فأرسلنا له رسالة، وأول رسالة أرسلناها له باعتبار أنه من المشاهير، رسالة فيها دعوة إلى الصبر والتحمل، وليس فيها أي إشارة إلى الإسلام، دعوة إلى الصبر والتحمل والنظر إلى الآخرين، وذكرنا له أن هناك مساجين في كل مكان، وأنه. وأنه. فلا تصاب باليأس ولا تصاب بالقنوط والإحباط، لأننا نخشى أننا لو جابهناه بالدعوة مباشرة أن يرد علينا رداً قبيحاً وسيئاً، وينقطع التواصل، فرد علينا رداً برسالة رقيقة يشكر فيها على هذه الرسالة، ويقول: أعطتني دفعة معنوية قوية، وأنا في الحقيقة أشكركم، ووجدت فيها حقيقة نقلة غير متخيلة، فقد كنت أفكر في الانتحار، وعندما جاءتني هذه الرسالة عدلت عن رأيي، فيقول: استغلينا هذا الأمر وبدأنا المراسلة معه، يقول المتحدث: وبعد فترة من الزمن سافرت إلى مكة، ثم عدت إلى المكان الذي كنت أتعاون فيه مع الإخوة، وإذا بهم يأتون بجريدة من جرائد الفلبين وفيها أن فلان بن فلان المجرم المشهور المعروف يعلن إسلامه.

    فانظروا! هذا جهد من الجهود، صحيح أنه جهد يحتاج إلى مال، لكنه مال يسير، لكن انظروا ما هي الثمار المقطوفة؟ إنها ثمار عديدة.

    إذاً: تبقى قضية الثمار لا يمكن أن نتحدث عنها؛ لأن أبوابها عظيمة وكثيرة جداً، وتستطيع أن تجالس الذين يعملون في مكاتب الدعوة، والذين يعملون في حلقة حفظ القرآن، والذين يعملون في دور تحفيظ القرآن النسائية، والذين يعملون في الجمعيات الخيرية المعروفة، في جمعيات البر، في جمعية مؤسسة الشباب الإسلامي، في المنتدى، جمعية الحرمين، وغيرها، كل ذلك يحتاج إلى المال حتى تسير المشاريع المختلفة التي عصبها هو المال.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755791360