إسلام ويب

تفسير سورة الروم [21 - 24]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من آيات الله التي تدل على وحدانيته سبحانه وقدرته: أنه خلق للبشر من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها، وجعل بينهم مودة ورحمة، ومن آياته العظيمة: خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنة الناس وألوانهم، ومنامهم بالليل والنهار وابتغاؤهم من فضله، وإنزاله من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم:20-24].

    من آياته العظيمة ومعجزاته: أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21], فالله سبحانه وتعالى يهدي القلوب.. ويوفق الإنسان لأن يتزوج ويختار المرأة الصالحة التي تصلح له.. ويجعل المودة والرحمة في القلوب، وهذه آيات من رب العالمين؛ لعل الناس يتفكرون فيها ويعقلون معانيها, فيؤمنوا بالله سبحانه وتعالى خالقها وباريها.

    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].

    وختم كل آية بما يناسب الآية, فجعل الله عز وجل لكم من أنفسكم آية من الآيات وهي آية الخلق وآية النكاح, قال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21], فالمؤمن يتفكر في نفسه.. وفي أهله.. وفي ولده، كيف أن الله سبحانه وتعالى جمع بينه وبين زوجته، ولعله لم يكن يعرفها قبل ذلك، ولكن الله قدر أن يتزوج فلان من فلانة، وأن يكون له ولد، وأن يكون بينه وبينها مودة ورحمة، وهذه آيات لقوم يتفكرون، فيعلمون أن الله سبحانه يقدر لهم الخير, ويريد بهم الخير ويريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم ...)

    قال الله سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:22], السموات فوق الأرض، وهناك بون شاسع بين السماء والأرض, كالبون بين لسان ولسان، هذه السماء بما فيها من كواكب وأجرام، وأشياء لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى, متفاوتة فيما جعل الله عز وجل فيها، هذا نجم شديد الاشتعال، وهذا نجم بارد جداً، وهذه شمس، وهذا قمر، وهذا كذا, أشياء مختلفة، ولكن تتفق جميعها في أن كل واحدة منها آية عظيمة من آيات الله سبحانه وتعالى, تدل على الخالق الواحد سبحانه وتعالى, من أصغر الأشياء لأكبر الأشياء آية من آيات الله, فتتشابه جميع هذه الآيات في كونها آيات عظيمة، وكونها تدل على خالقها العظيم سبحانه وتعالى, من الذرة إلى المجرة، انظر إلى المجرة كيف تدور في هذا الكون، ثم يجعل أشياء صغيرة فيها كالشمس وما حولها من الكواكب، تدور حولها الشمس وتجري وحولها الأرض، وحول هذه الشمس كواكب مقرونة بهذه الشمس تدور حولها في نظام بديع جداً, الشمس بما حولها تجري في هذا الكون حول شيء أكبر منها, والمجرة وما حولها تدور وتجري في الكون حول شيء أكبر منها, وأصغر شيء في الكون الذرة الصغيرة وفيها نواة بداخلها وحولها مدارات تجري الالكترونات فيها بنفس النظام الذي تجري فيه الشمس، وكل شيء يجري ويدور ويتحرك يدل على خالقه سبحانه وتعالى الذي خلقه, فأصغر الأشياء وأعظم الأشياء يدل على أن الخالق واحد لا شريك له، إن في ذلك لآية للعالمين.

    كذلك في نطق الإنسان واجتماع عقله مع لسانه مع شفتيه في حركات متوافقة، فالعقل يفكر واللسان يتحرك وكذلك الشفة ويعبر الإنسان عما في داخله، هذا يعبر بطريقة، وهذا بطريقة، وهذا بطريقة, هذا له صوت، وهذا له صوت آخر، وهذا له صوت ثالث, هذا له لغة، وهذا له لغة أخرى، وهذا له لغة ثالثة, والذي خلق هذا كله هو الله سبحانه وتعالى، والذي يتدبر ذلك العالمون، أي: أهل العلم هم الذين ينظرون ويتأملون كيف أنطق الله كل شيء بما يليق به.

    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:22] بذلك، و(للعالَمين) أي: لخلق الله أجمعين ليتدبروا ويتأملوا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن آياته منامكم بالليل والنهار...)

    قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [الروم:23] من آيات الله سبحانه وتعالى أنه خلق الإنسان وجعله يحتاج إلى النوم، فهو من ضروريات الإنسان، ولو أنه ذهب عنه النوم, لأصيب بالجنون أو لمات من ذلك فالنوم آية من آيات الله سبحانه وتعالى، ولا يعرف الناس له تفسيراً إلا ما يرونه أمامهم، لكن حقيقة هذا النوم هو كما ذكرنا قبل ذلك أن الله عز وجل يقبض روح الإنسان خلال نومه, والنوم كما يعبر عنه العلماء ليس حالة من حالات الخمول, وإنما هو ضرورة من ضروريات حياة الإنسان يحتمها عليه الأمر الحيوي الذي في الجسم حتى يستريح, وقالوا: إذا حللنا ما يحدث للإنسان أثناء نومه بدراسة التغيرات التي تحدث فيأتون برسام المخ وبأناس نائمين ثم يرسمون مخ الإنسان النائم يقولون: إنه يمر بخمس مراحل في نومه:

    المرحلة الأولى والثانية: البدء في النوم والدخول فيه.

    الثالثة والرابعة: السبات وهو النوم العميق.

    الخامسة: مرحلة الأحلام التي يراها الإنسان أثناء منامه, فنوم الإنسان عجيب جداً يسجل رسام المخ أول ما ينام الإنسان أنه يهدأ مخه ثم يبدأ يسجل رسام المخ موجات المخ التي يرسلها وهي تضعف شيئاً فشيئاً حتى يصير الإنسان في سبات عميق, فهو يرسل موجات من سبع إلى اثني عشر موجة في الثانية الواحدة ثم تقل حتى تأتي مرحلة السكون التي يكون عليها الإنسان، ويدخل الإنسان في مرحلة السبات حتى يصبح في مرحلة لا يعرف أن يحسب فيها الزمن ولو نام عشرين ساعة أو ألف سنة لا يشعر, ولذلك نام أهل الكهف في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً, فلما استيقظوا قالوا: كم لبثتم؟ فلم يشعروا بهذه السنوات الطوال، بل قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم, وقد كانوا في نوم الله أعلم بحالهم هل قبض أرواحهم في هذا النوم على أنه نوم وليس موتاً يأخذهم وتتحلل فيه أجسادهم، وكذلك أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259] وهو عزير، قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259]، وهو نفس الذي قاله أهل الكهف في ثلاثمائة عام قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف:19]، وجعل له الله عز وجل آيات في نفسه وفي حماره وفي طعامه، إنسان يركب على حمار، ومعه الطعام في مزوده، ثم يتعجب لقرية أبادها الله وأهلكها, وهذه نظرة البشرية فأنت إذا رأيت بلداً خربه المستعمرون المحتلون الكفرة تقول: هؤلاء دمروا هذه البلاد فمتى تتعمر هذه البلاد؟ ومثلها نظرة من يقول: هؤلاء دمروا العراق يا ترى كم يحتاج من السنين حتى يعود إلى ما كان عليه؟! هكذا قال هذا الرجل: (أنى يحيي) أي: كم من الوقت سيمضي حتى ترجع هذه البلدة مرة ثانية؟! كأنه استبعد ذلك, فجعل الله له آية في نفسه (فأماته الله مائة عام ثم بعثه)، (قال كم لبثت) أي: كم من الوقت نمت؟ قال: (لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه), والعادة في الطعام أن يظل يومين أو ثلاثة أو أكثر ثم يعفن وينتهي، لكن الله سبحانه وتعالى أراه آية عجيبة، فالطعام الذي جرت العادة فيه أن يتعفن بعد اليوم الثاني ما زال على ما هو عليه بعد مائة سنة!

    وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259], والحمار الذي يمكن أن يعيش أكثر من الطعام تحلل وصار عظاماً، ولك آية في نفسك أنك لم تتحلل بعد مائة سنة فما زلت على حالتك الأولى, فهذه آيات الله سبحانه وتعالى في خلقه, فإنه جعل النوم مرحلة يحتاج إليها الإنسان كل يوم، كذلك إذا كان في نوم عميق لم يعرف الزمن ولم يستطع أن يحدد كم وقتاً نام، وهذه آية من الآيات.

    وهناك تجارب أجراها أحد الأساتذة البريطانيين البروفسور: أرسر أديسون على مخ الإنسان وعلى نوم الإنسان، وهي دراسة طويلة توصل فيها في النهاية إلى أن عملية النوم هي خروج شيء من الإنسان سماه الله النفس وهذا الإنسان لا يعرف ما هذا الذي يخرج، ولكن الأبحاث أدت إلى ذلك، والله سبحانه وتعالى قد قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42]، فنفس الإنسان يقبضها الله على هيئة معينة في وقت نومه, وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42] فالإنسان محتاج للنوم وهو يذكره بالموت وأنه راجع إلى الله سبحانه وتعالى بعد ذلك, وقد جعل الله النوم آية ليرينا ضعفنا وحاجتنا إلى ذلك، فلا أحد يقول: أنا مستغن عن النوم، أنا لا أحتاج للنوم، ولو قال ذلك أحد وكابر فإنه لو قدر على ترك النوم يوماً أو يومين أو ثلاثة فإنه يعجز بعد ذلك، ولا يستطيع على ترك النوم، فالإنسان ضعيف والله هو الحي الذي لا يموت، فهو الحي القيوم سبحانه وتعالى, لا تأخذه سنة ولا نوم، والسنة النعاس اليسير، والله سبحانه حاشاه أن يعتريه نعاس ولو للحظة، ولا نوم فهذا مستحيل على الله سبحانه وتعالى، وقد قال في آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255]، فهو حي لا يموت قيوم لا ينام سبحانه وتعالى، فهو قائم على كل شيء، مدبر لكل شيء، ولو قلنا: الله سبحانه وتعالى، وحاشا له تأخذه سنة أو نوم لكان الكون كله سوف يتدمر متى حدث له ذلك؛ ولذلك يخبرنا الله سبحانه: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22] أي: لو كان هناك آلهة في هذا الكون غير الله سبحانه لفسدت السموات والأرض، لأنه سيحدث بينهم تنازع فيقول أحدهم: هذا ملكي، ويقول الآخر: هذا ملكي، مثلما يحدث بين البشر حين يتنازعون في شيء من حطام الدنيا، فيفسد هذا الشيء، ولكن السموات والأرض قد استقرت على حالها الذي خلقها الله سبحانه وتعالى عليه ولم تفسد السموات ولا الأرض؛ فدلنا على أن الخالق واحد سبحانه لا ينازعه أحد أبداً في ملكه سبحانه وتعالى.

    ولما ذكر السنة والنوم ذكر السموات والأرض حتى تذهب بعقلك فتنظر إلى السموات والأرض لماذا لم تضطرب؟ لأن الذي خلقها حافظ لها سبحانه وتعالى، يدبر أمرها، ولو كانت تأخذه سنة أو نوم لتدمرت السموات والأرض وفي هذا آيات للذين يعلمون أن الذي خلقها هو الحي القيوم الذي لا ينام سبحانه.

    وقد قال الله: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22] وعقب بعدها: (منامكم) فالذي خلق السموات والأرض لا ينام سبحانه وتعالى، ولكن أنتم تنامون وتحتاجون إلى النوم وأنتم فقراء إلى الله قال: مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الروم:23] فيعتريكم النوم أصلاً بالليل ولكن قد ينام بعضكم بالنهار، وابتغاؤكم من فضله بالليل وبالنهار وإن كان الغالب أن الليل للنوم والنهار للمعاش والتكسب, وتبتغون: تطلبون من فضله سبحانه، فأنتم فقراء إلى الله والله هو الغني الحميد.

    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [النحل:65] الإنسان وهو نائم يغلق عينيه فلا يرى شيئاً، والذي يوقظ الإنسان وهو على هذه الحال سمعه. لذلك عقب الله بهذه الكلمة العظيمة: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [يونس:67] ومعنى يسمعون أي: أنهم يسمعون القرآن فيعقلونه ويفهمونه فينتفعون بهذا السمع.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً ...)

    وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم:24] هذه آية أخرى من آيات الله سبحانه في الكون, فإنك إذا رأيت البرق طمعت في إنزال المطر من السماء، وخفت من أن يكون فيه صواعق أو فيه شيء يؤذيك، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة النور: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [النور:43-44]، فالسحاب الذي يأتي البرق من خلاله هو السحاب المتراكم بعضه على بعض الذي يسمونه بالسحاب الركامي، ويتكون من ماء يتبخر من الأرض ثم يجتمع بعضه مع بعض فيكون سحابة وسحابة أخرى وثالثة ورابعة، يزجي الله سبحانه وتعالى أي: يحرك ويسوق ويدفع هذه السحابات بعضها إلى بعض، وحين يجتمع بعضها مع بعض يسلك من خلالها تياراً هوائياً يشفط السحاب إلى أعلى، فيتراكم السحاب بعضه على بعض، فيسمونه بالسحاب الركامي، وهذا التعبير العظيم الذي في الآية من أين عرفه النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يركب الطائرة، ولم ير السحاب يتراكم بعضه فوق بعض، ولم ير أن شكلها من أعلى مثل الجبال؟! وقد عبر عن هذه الله سبحانه وتعالى في هذه الآية: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا[النور:43] أي: بعضه فوق بعض كالجبال، وبينما هو على هذه الحالة ينزل المطر من خلال هذا السحاب فترى الودق يخرج من خلاله، وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ[النور:43] وهذا هو السحاب الوحيد الذي ينزل منه البرد, فالسحاب ينزل منه المطر والسحاب الركامي ينزل منه البرد سواء كانت كبيرة أو صغيرة فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ[النور:43] وقالوا: السحاب الركامي فقط هو الذي يكون داخله البرق، فيخرج منه شحنات كهربائية معينة الله عز وجل يخلقها فيها تفريغات كهربائية فتعمل الشرر الذي تراه كالبرق, يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ[النور:43]، قد يقول الإنسان: نحن نرى البرق فلماذا لم تذهب عيوننا؟ لكن الذي يراقب البرق من المراصد ويدقق فيه مرة وراء مرة وراء مرة يعمى، والذين يراقبون البرق في المراصد والطيارون يظهر عليهم البرق في وقت من الأوقات فيقول العلماء: قد يتلاحق حدوث البرق في سلسلة تكاد تكون متصلة أربعين تفريغاً في الدقيقة الواحدة، فيذهب ببصر الراصد من شدة الضياء، وهذا هو عين ما يحدث للملاحين والطيارين الذين يخترقون عواصف الرعد في المناطق الحارة, وقالوا: قد يكون الطيار يلاحق البرق بنظره فيعمى فتسقط الطائرة بمن فيها, إذاً: هناك خوف حقيقي من البرق، وليس كل إنسان يشعر بهذا الشيء، فيمكن لإنسان أن يرى البرق ويفرح بنظره إليه، ويمكن لإنسان آخر ينظر إلى البرق فيفقد بصره منه، فالله عز وجل يريكم البرق خوفاً وطمعاً في رحمته وفي نزول المطر من السماء.

    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[الروم:24] فاعتبروا يا أولي الألباب.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756001717