إسلام ويب

تفسير سورة الحديد [18-24]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن المصدقين والمصدقات ...)

    يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:18-19]، أي: لهم ذلك لتصديقهم بجميع أخبار الله وأحكامه، وشهادتهم بحقية جميع ذلك، فكأن الإشارة هنا إلى نوع واحد، فتكون الواو هنا واو العطف، فكأنه إخبار عن الذين آمنوا أنهم هم أنفسهم صديقون وهم أيضاً الشهداء. يعني: أن المؤمنين يجمعون بين أمرين. وقوله: (( أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ))، هم صديقون؛ لتصديقهم بجميع أخبار الله وأحكامه. (( وَالشُّهَدَاءُ ))، وأيضاً هم أنفسهم الشهداء؛ لشهادتهم بأحقية جميع ذلك، يعني: أحقية أخبار الله وأحكامه. يقول القاسمي رحمه الله تعالى: وقد جوز في الشهداء وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفاً على ما قبله، أخبر عن الذين آمنوا أنهم صديقون شهداء، وهو الظاهر؛ لأن الأصل الوصل لا التفكيك. فالأصل في الكلام أنه معطوف ومرتبط ببعضه؛ لأننا إذا قلنا بالقول الثاني -كما سيأتي- فيقتضي ذلك تفكيك الكلام، وهذا خلاف الأصل. إذاً: الوجه الأول في الشهداء: أن يكون معطوفاً على ما قبله، أي: أنه أخبر عن الذين آمنوا أنهم صديقون شهداء، وهو الظاهر؛ لأن الأصل الوصل لا التفكيك. الوجه الثاني: أن يكون قوله: (( وَالشُّهَدَاءُ )) مبتدأً، وخبره (( لَهُمْ أَجْرُهُمْ )). والشهداء حينئذ هم الأنبياء الذين يشهدون على قومهم بالتبليغ، أو الذين يشهدون للأنبياء على قومهم؛ لأن الشهداء لهم وظيفة ثانية، أو أن الشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله عز وجل. واختار الوجه الثاني ابن جرير رحمه الله تعالى. قال ابن جرير : لأن الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنىً غيره، إلا أن يراد به شهيد على ما آمن به وصدقه، فيكون ذلك وجهاً وإن كان فيه بعض البعد. يعني: أن ابن جرير يرى أن الراجح أن يكون قوله: (( وَالشُّهَدَاءُ )) مبتدأً، ولا تكون الواو واو عطف. قال: لأن الوصف بمجرد الإيمان لا يستلزم وصف الشهادة، يعني: ليس كل من استحق اسم الإيمان يستحق أن يوصف بأنه شهيد، إلا أن يكون شهيداً على ما آمن به وصدقه، فقوله: (( وَالشُّهَدَاءُ ))، يعني: على أن ما آمنوا به هو حق من عند الله تبارك وتعالى، وهذا احتمال، لكن فيه بعض البعد على قول الإمام ابن جرير ؛ لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه إذا أطلق بغير وصف، كقوله: شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143]، فهنا أطلق الشهداء بدون وصف. فتأويل قوله: (( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ )) ، أي: والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، لهم ثواب الله في الآخرة.

    كلام ابن القيم على آية: (والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون)

    يقول القاسمي: ثم رأيت لـابن القيم في طريق الهجرتين نصاً لهذين الوجهين في بحث الصديقية، حيث قال رحمه الله في: مراتب المكلفين في الآخرة وطبقاتهم: المرتبة الرابعة: ورثة الرسل وخلفائهم من أممهم، وهم القائمون بما بعثوا به علماً وعملاً، ودعوة للخلق إلى الله على طريقهم ومنهاجهم، وهذه أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة. ولهذا قرنهم الله سبحانه وتعالى في كتابه بالأنبياء فقال عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة، وهؤلاء هم الربانيون، وهم الراسخون في العلم، وهم الوسائط بين الرسول وأمته. بمعنى: أن العلماء الربانيين العاملين الذين يتصفون بمرتبة الصديقية هم الذين يخلفون الرسول في إقامة الحجة وتبليغ الدين إلى أمتهم. فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه، وهم الذين لا يزالون على الحق، ولا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. وقوله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]. يقول ابن القيم : الوقف على قوله: (( أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ))، ثم يبتدأ: (( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ))، فيكون الكلام جملتين، أخبر في إحداهما عن المؤمنين بالله ورسله أنهم هم الصديقون، والإيمان التام يستلزم العلم والعمل؛ لأنهم إذا آمنوا بالله ورسله الإيمان التام الكامل فإن هذا يستلزم أنهم عالمون عاملون داعون إلى الله سبحانه وتعالى، والإيمان التام يستلزم العلم والإيمان والدعوة إلى الله بالتعليم والصبر عليه. وأخبر في الثانية أن الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، ومرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهداء؛ ولهذا قدمهم عليهم في الآيتين. يعني: أنه هنا في سورة الحديد وفي سورة النساء قدم الصديقين على الشهداء. وهكذا جاء ذكرهم مقدماً على الشهداء في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صعد جبل أحد، وكان معه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فتزلزل الجبل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيد)، ولهذا كان نعت الصديقية وصفاً لأفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ولو كان بعد النبوة درجة أفضل من الصديقية لكانت نعتاً له رضي الله تعالى عنه، لكن الواقع أن أفضل وصف وأفضل مرتبة بعد مرتبة النبوة مباشرة هي مرتبة الصديقية، وأفضل الصديقين على الإطلاق هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه. وقيل: إن الكلام جملة واحدة، أي: أخبر عن المؤمنين أنهم هم الصديقون والشهداء عند ربهم، وعلى هذا: فالشهداء هم الذين يستشهدهم الله على الناس يوم القيامة، كما في قوله تعالى: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143]، فوصفهم بأنهم صديقون في الدنيا وشهداء على الناس يوم القيامة، فهو إخبار عن الذين آمنوا بالله ورسله بأنهم في الدنيا هم الصديقون، وفي الآخرة هم الشهداء عند ربهم، يعني: أنهم في الآخرة سيكونون شهداء على أن الرسل بلغوا أممهم، فيكون الشهداء وصفاً لجملة المؤمنين الصديقين. وقيل: (والشهداء): هم الذين قتلوا في سبيل الله، وعلى هذا القول يترجح أن يكون الكلام جملتين، ويكون قوله تعالى: (( وَالشُّهَدَاءُ ))، مبتدأً خبره ما بعده؛ لأنه ليس كل مؤمن صديق شهيداً في سبيل الله، ويرجحه أيضاً: أنه لو كان (الشهداء) داخلاً في جملة الخبر لكان قوله: (( لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ))، داخلاً أيضاً في جملة الخبر عنهم، ويكون قد أخبر عنهم بثلاثة أشياء: أحدها: أنهم -أي: المؤمنون- هم الصديقون. الثاني: أنهم هم الشهداء. والثالث: أن لهم أجرهم ونورهم، وذلك يتضمن عطف الخبر الثاني على الأول، ثم ذكر الخبر الثالث مدرجاً بدون عطف. وهذا كما تقول: زيد كريم وعالم له مال، كذلك قال هنا: (( أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ )) كقولك: زيد كريم وعالم، ثم قال: (( عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ )). فهنا عطف الثانية على الأولى، وأتى بالثالثة بدون عطف. يقول ابن القيم : والأحسن في هذا تناسب الأخبار؛ بأن تجردها كلها من العطف أو تعطفها جميعاً، فتأمله. فيستبعد ابن القيم رحمه الله تعالى احتمال العطف هنا؛ لأنه لو كان بالعطف سيبقى مثل قولنا: زيد كريم وعالم له مال، والأنسب أن تقول: زيد كريم عالم له مال، أو تقول: زيد كريم وعالم وله مال. أما ذكر الخبر الثالث مجرداً عن العطف فإنه يكون قولاً مرجوحاً بالنسبة لما ذكرناه. يقول ابن القيم: ويرجحه أيضاً: أن الكلام يصير جملاً مستقلة قد ذكر فيها أصناف خلقه السعداء وهم الصديقون والشهداء والصالحون. وهذا الكلام من هذا الإمام من الدقائق الرائعة الرائقة النفيسة. يعني: أنه يذكر هنا مرجحات كون كل جملة مستقلة، وأنه لا عطف. وإذا قلنا: إن قوله تبارك وتعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ )) [ الحديد: 19]، يصبح هنا الكلام انتهى عن الصنف الأول من أصناف السعداء، وهم الأنبياء، ثم تكلم على الصنف الثاني من أصناف السعداء، وهم الصديقون؛ لأن الصنف الأول هم الأنبياء، وقد ذكروا في نفس السورة في موضع آخر. فذكر من أصناف السعداء الصديقين، ثم عطف عليهم نوعاً آخر مغايراً؛ لأن الواو تقتضي المغايرة. ويرجح احتمال عدم العطف: أن الكلام يصير جملاً مستقلة قد ذكر فيها أصناف خلقه السعداء، وهم الصديقون والشهداء والصالحون، وهم المذكورون في الآية، وهم الذين أقرضوا الله قرضاً حسناً. ثم ذكر الرسل في قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ [الحديد:25]، فيتناول ذلك الأصناف الأربعة المذكورة في سورة النساء؛ ففي سورة النساء قال عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69].

    أصناف الناس وموقف الخوارج والمعتزلة من عصاة الموحدين

    يقول ابن القيم: ثم ذكر تعالى الأشقياء، وهم نوعان: كفار ومنافقون، فقال: (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا ))، هؤلاء هم الكفار. وقد ذكر المنافقين في قوله: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ [الحديد:13]، فهؤلاء هم أصناف العالم كلهم. يقول: وترك سبحانه ذكر المخلط صاحب الشائبتين، على طريق القرآن في ذكر السعداء والأشقياء دون المخلطين غالباً؛ لسر اقتضته حكمته تبارك وتعالى، فليحذر صاحب التخليط؛ فإنه لا ضمان له على الله. وإذا تأملنا القرآن نجد أنه دائماً يذكر السعداء والأشقياء، والمؤمنين والكفار، والمؤمنين والمنافقين، وهكذا. أما المخلطون فإن القرآن الكريم يترك ذكرهم غالباً، كما يقول ابن القيم : لسر اقتضته حكمة الله تبارك وتعالى، وهذا السر يحاول أن يبينه بقوله: فليحذر صاحب التخليط؛ فإنه لا ضمان له على الله. بخلاف المؤمن، والصديق، والشهيد، والصالح، أي: الذي لا يخلط، فالنصوص واضحة تماماً في أن له ضماناً عند الله سبحانه وتعالى بأنه يثيبه على ذلك. يقول: فليحذر صاحب التخليط؛ فإنه لا ضمان له على الله، ولا هو من أهل وعده المطلق، ولا ييأس من روح الله؛ فإنه ليس من الكفار الذين قطع لهم بالعذاب، ولكنه بين الجنة والنار واقف بين الوعد والوعيد؛ كل منهما يدعوه إلى موجبه؛ لأنه أتى بسببه. أي: أنه أتى بموجب الوعد؛ لأنه وحد الله سبحانه وتعالى، وأتى بموجب الوعيد؛ لأنه عصى الله، فهو بين الوعد والوعيد لا ضمان له في أي الفريقين يلحق. وهذا هو الذي لحظه المعتزلة القائلون بالمنزلة بين المنزلتين. فالمعتزلة قالوا: إن الفاسق الملي -يعني: العاصي- في منزلة بين المنزلتين. وهم خالفوا الخوارج، فالخوارج قالوا: إن العاصي كافر. والفرق بينهم أن المعتزلة يقولون: نحن لا نقول: مؤمن ولا كافر، لكنه في منزلة بين المنزلتين. لكن في الآخرة كلاهما متفق على الاعتقاد بأنه يخلد ولا يكون إلا في جهنم مع الكفار. ونفس الفكرة كان يقول بها جماعة التوقف، فعندهم أن الإنسان مسلم مؤمن، أو كافر، أو متوقف فيه، فهم أعادوا من جديد صيحة: المنزلة بين المنزلتين، إلا أن ابن القيم رحمه الله تعالى يقول: إن كلمة: المنزلة بين المنزلتين يمكن أن نستعملها في حق المخلط الذي يخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لكنهم غلطوا في تخليده في النار. ولو نزلوه منزلة بين المنزلتين، ووكلوه إلى المشيئة لأصابوا. قال القاسمي: انتهى كلام ابن القيم ، وفيه موافقة لما اختاره ابن جرير رحمه الله تعالى في الآية. يعني: أنهم نزلوه في منزلة بين المنزلتين، كما عبر عنها علماء العقيدة كالإمام الطحاوي في قوله: إننا نرجو للمحسن من المؤمنين، ونخاف على المسيء، ولا نقطع لمسلم بجنة ولا نقطع لمسيء بالنار. فهذا معنى المنزلة بين المنزلتين فيما يتعلق بالآخرة، أما في دار الدنيا: فما دام يؤمن بالإسلام فله أحكام الإسلام الظاهرة، كما بينا ذلك. ولما ذكر تعالى السعداء ومآلهم عطف بذكر الأشقياء وبين حالهم بقوله: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)).

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر ...)

    قال الله عز وجل: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20]. قوله: (( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ))، يعني: تفريح، (( وَلَهْوٌ )) يعني: باطل. (( وَزِينَةٌ )) أي: منظر حسن. (( وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ )) أي: في الحسب والنسب. (( وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ ))، أي: كمثل مطر. (( أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ))، يعني بالكفار هنا الزراع؛ لأنهم يكفرون البذر والحب داخل أرضه، والكفر بمعنى الستر والتغطية كما في قوله تعالى: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]، يعني: يعجب الزراع أن الزرع نما، فيغيظ الكفار أن الجذور ما نمت، فكذلك قوله هنا: (( كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ))، أي: الزراع، يعني: أن الزارع يزرع الحب، فإذا رأى نباتاً مزدهراً مثمراً لا شك أنه يعجبه، كما قال سبحانه: (( أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ ))، أي: أن هذا الزرع يهيج، يعني: يجف بعد خضرته ونضرته. وقوله: (( فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ))، أي: من اليبس، (( ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ))، أي: هشيماً متكسراً، وكذلك الدنيا لا تبقى كما لا يبقى النبات. وقوله: (( وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ))، أي: لمن ترك طاعة الله، ومنع حق الله. وقوله: (( وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ))، أي: في الآخرة لمن أطاع الله، وأدى حق الله من ماله. وقوله: (( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ))، قال المهايمي : يأخذ صاحبها ملاعب الدنيا بدل ملاعب الحور العين، ولهوها بملاذ الجنة، وزينتها بزينة الجنة، والتفاخر بدل التفاخر بجوار الله والقرب منه، والتكاثر بالأموال والأولاد بدل نعم الله والولدان المخلدين في الجنة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها ...)

    قال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21]. ولما حقر الحياة الحسية النفسية الفانية وصورها في صورة الحقراء السريعة الانقباض دعا إلى الحياة الباقية، فقال عز وجل: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]، أي: بادروا بالتوبة من ذنوبكم إلى نيل مغفرة وتجاوز عن خطيئاتكم من ربكم. والعلماء يقولون: إن تأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه، فالتوبة تجب على الإنسان في كل لحظة، وفي كل نفس، بل الإنسان مطالب بها في الحال، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة من القرآن والسنة كلها تحث على المسارعة والمبادرة والمسابقة إلى التوبة، فقال هنا: (( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ))، وقال: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، وقال تبارك وتعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، وقال: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50]. إذاً: لا ينبغي تأخير وتسويف التوبة، كقول الإنسان: سوف أتوب، وسوف أصلي، ومن أول يوم السبت سأفعل كذا، أو يقول: سوف أعتمر عمرة أو أحج ومن بعدها سأستقيم، أو نحو ذلك. فينبغي أن يشاع بين الناس هذا المعنى، وهو أن تأخير التوبة في حد ذاته ذنب جديد، يجب التوبة منه على الفور، وهذه هي عبارة الإمام ابن القيم في مدارج السالكين في الجزء الأول حينما فصل في أحكام التوبة حيث قال: تأخير التوبة أو تسويف التوبة ذنب يجب التوبة منه. وقوله: (( أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ )) يعني: الإيمان اليقيني، (( ذَلِكَ )) يعني: المغفرة والجنة، (( فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ )) أي: ممن كان أهلاً له. (( وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )) أي: بما بسط لخلقه من الرزق في الدنيا، ووهب لهم من النعم، وعرفهم موضع الشكر، ثم جزاهم في الآخرة على الطاعة ما وصف أنه أعده لهم. ((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)).

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ...)

    قال تبارك وتعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]. (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ ))، أي: من قحط وجدب وبلاء وغلاء ومرض ونحو ذلك. (( وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ )) من خوف ومرض وموت أهل أو ولد أو ذهاب مال. وقوله: (( إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ))، يعني: إلا في علم أزلي من قبل خلق المصيبة أو الأنفس، وما علم الله كونه فلابد من حصوله، وبلا شك أن هذا من أعظم ما يفرق بين المؤمن وغيره، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)، فالمؤمن عنده ثبات عند البلاء واحتساب عند المصيبة، وهذا من آثار الإيمان بالقدر السابق، كما قال تعالى: كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الإسراء:58]، ولذلك طالما يتعزى العلماء والصالحون في بلائهم بهذا الأمر، ومن ذلك أن أحد العلماء سلخه العبيديون الفاطميون لما أبى أن يفتي بالفطر من رضمان اعتماداً على الحساب الفلكي كما هو العيد؛ لأنهم كانوا يعتدون للعيد بالحساب الفلكي، وليس برؤية الهلال، وهذا هو مذهب الباطنية الملاحدة، فقال: لا أتحمل وزر تفطير الناس؛ لأنه لم تظهر الرؤية الشرعية، وإنما أنتم تعتمدون على الحساب، فألح عليه الفاطمية بأن يفعل ذلك فأبى، فأتوا برجل يهودي يسلخ جلده وهو حي، فسلخ كل بشرة رأسه، حتى إذا وصل إلى قلبه رق له اليهودي وهو يسلخ جلده، وجعل العالم يقول: كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الإسراء:58]، ويردد هذه الآية، يعزي نفسه بأن هذا قدر سابق ولا يمكن أن يحصل شيء مخالف لما سبقت به المقادير، وهذا من أعظم ما يصبّر المؤمن عند البلاء؛ لذلك تجد المؤمن يتميز تماماً عن الكافر في هذا. وحكي أن أحد الإخوة الملتزمين كان في حادث اختطاف الطائرة الجابرية التي حصلت في الكويت منذ سنوات طويلة، فكان هذا الرجل في الطائرة وقد اختطفت، والذين فيها مهددون بالقتل كلهم، فكان إلى جواره رجل أمريكي ساحر، والناس كانوا في حالة فزع شديد؛ لأنهم يخافون أن يقتلوا ويؤخذوا رهائن، فينتهي بهم الأمر إلى تفجير الطائرة، فكان الأخ في غاية الثبات، وكأنما يستغيث بالله، ويدعو الله سبحانه وتعالى، ويذكر الله، وظهر عليه الرضا بما يقدره الله، وكان الناس في حالة فزع وهلع وصراخ فتعجب الأمريكي جداً، ولفت نظره حال هذا الأخ، فلم يطق أن يسكت، فقال للأخ: ما بالك لا تخف كما يفعل الناس؟ وما بالي أراك ساكناً ثابتاً مستقراً هادئاً، تذكر الله سبحانه وتعالى؟ فقال له: أنا مسلم، وأنا أؤمن بأن كل شيء يجري بقدر الله عز وجل؛ ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فأنا راضٍ بقدر الله، ومستعد للقاء الله، فالرجل قال له: إذاً: هذا الإسلام الذي يجعلكم تثبتون عند المحن، ولا شك أنه يكون دين الحق، ثم قال له: نحن لو خرجنا من الطائرة ونجونا فسوف أدخل في الإسلام، لكن للأسف الشديد أن في هذه الحادثة قتل أمريكي واحد كان هو هذا الرجل. الشاهد: أن هذا يلاحظ جداً في المؤمن، وهذا مما يميز به بين المؤمن بالقضاء والقدر وبين غير المؤمن بذلك، وهذه إحدى ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: أنك تتعزى بأنه مهما كانت هذه المصيبة التي حصلت بك فقد سبق بها القضاء والقدر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف). فهذه إحدى ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر، وهي ثمرة الثبات عند الابتلاء، فالإنسان لابد أن يراقب هذا، وإذا صادفت شخصاً مبتلىً فتأكد تماماً أن هذا المبتلى حتى لو كان حافظ القرآن كله فإنه يحتاج إلى التذكير، فاذكر هذه الآيات عليه، كقوله تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] وقوله تعالى: (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ))، إذ لا يستطيع أحد أن يمحو شيئاً مما كتبه الله في اللوح المحفوظ، ولا يمكن أن يحصل هذا كما في الحديث: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فلا يمكن أن يغير فيها شيء. وقوله تعالى: (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ )) (مصيبة) هنا نكرة في سياق النفي، فظاهرها العموم. (( إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ))، يعني: في علمه الأزلي من قبل خلق المصيبة أو الأنفس، وما علم الله كونه فلابد من حصوله، (( إنَّ ذَلِكَ ))، أي: حفظه وتقديره على الأنفس، (( عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ))؛ لسعة علمه وإحاطته، فلا يقع الأمر إلا موافقاً لما سبق في علم الله عز وجل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم...)

    يقول تبارك وتعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:23]. (( لِكَيْلا تَأْسَوْا ))، يعني: كي لا تحزنوا. (( عَلَى مَا فَاتَكُمْ ))، أي من عافية ورزق ونحوهما، فأي شيء يترتب على أنه فاتك شيء من الأرزاق أو الفسحة ونحو ذلك؟ فالإنسان لا يشتغل بالتحسر على هذا الفائت؛ لأن التحسر لن يعيده. (( وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ))، أي: لا تتبختروا بما آتاكم من نعم الدنيا، والمعنى: أعلمناكم بأنا قد فرغنا من التقدير، فلا يتصور فيه تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير، فلا الحزن يدفعه، ولا السرور يجلبه ويجمعه. قال القاسمي : أي: لتعلموا علماً يقينياً أن ليس لكسبكم وحفظكم وحذركم وحراستكم فيما آتاكم مدخل ولا تأثير، ولا لعجزكم وإيمانكم وغفلتكم وقلة حيلتكم وعدم احترازكم فيما فاتكم مدخل، فلا تحزنوا على فوات خير ونزول شر، ولا تفرحوا بوصول خير وزوال شر؛ إذ كلها مقدرة. والاحتجاج بالقدر لا يكون إلا في المصائب، فلا تقل: (قدر الله وما شاء فعل) إلا في المصائب التي لا يد منها، كما إذا ابتليت ببلاء أو بمرض أو بفقر، فإن كان هناك مصيبة قدرها الله عليك وامتحنك بها فلك أن تتعزى بالقدر، وتقول: هذا سبق في علم الله، وهذا قضاء سابق من الله سبحانه وتعالى. أما في المعاصي فلا تقل: (قدر الله وما شاء فعل) إلا إذا علمت أن الله قد عفا عنك، وهذا لا يعلمه أحد إلا آدم، فآدم عليه السلام هو الذي عرف أن الله تاب عليه، كما قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37]، فموضوع خطيئة آدم انتهى، إذ قد تاب الله سبحانه وتعالى عليه، أما من عداه فإنه لا يدري ما الله صانع به، فالإنسان في المعاصي يظل على وجل وخوف واستغفار وطلب العفو من الله سبحانه وتعالى إلى أن يموت. ففي المصائب لك أن تحتج بالقدر، لكن لا تحتج بالقدر في المعائب وفي الذنوب وفي التقصير، بل عليك أن تعاتب نفسك وتظل وجلاً خائفاً من مصيرك عند الله بسبب هذا الذنب. وقوله: (( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ))، أي: كل متبختر من شدة الفرح بما آتاه. وقوله: (( فَخُورٍ ))، أي: فخور على الناس بالنعمة التي أعطاه الله إياها؛ لعدم يقينه، ولبعده عن الحق بحب الدنيا واحتجابه بالظلمات عن النور.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل...)

    قال تعالى: (( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ))، يعني: بالإنفاق في سبيل الله؛ لشدة محبة المال. (( وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ))، يعني: لاستيلاء الرذيلة عليهم. والمقصود: أن لهم وعيداً شديداً؛ لأنهم هم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل. (( وَمَنْ يَتَوَلَّ ))، أي: يعرض عن ذكر الله وما أمر، (( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ )) أي: غني عنهم؛ لاستغنائه بذاته. (( الْحَمِيدُ )) لاستقلاله بكماله. وفي هذا تهديد وإشعار بأن الأمر في الإنفاق هو لمصلحة المنفق، لا لما يعود عليه تعالى، فإنه سبحانه الغني المطلق. فقوله تبارك وتعالى: ((الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ))، يعني: عن النفقة في سبيل الله، ((فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ))، يعني: ومن أقبل فإنه إنما ينفع نفسه، ولن يضر الله شيئاً؛ لأن الله غني عنه، ولا يحتاج منه شيئاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756479127