إسلام ويب

تفسير سورة آل عمران [149-167]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ...)

    قال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران:149]. الرد على الأعقاب هو مثل للحور بعد الكور، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو في السفر ويقول: (وأعوذ بك من الحور بعد الكور)، بالراء، وروي بالنون (الكون)، ومعنى ذلك: أن الإنسان في حالة السفر يبتعد عن بيئة إخوانه وأهله الذين يعرفونه، فقد يكون الشيطان أقوى عليه، وسمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن حقيقة الشخص، فتراه يتحول إلى سبع مفترس؛ لأنه ابتعد عن المراقبة. فالإنسان قد يتكلف الأخلاق في دار الإقامة، وقد يتكلف ذلك إذا قابل إخوانه ساعة أو ساعتين، أما في السفر فإنه لابد أن تغلبه شخصيته الحقيقية وتظهر طبيعته، ولذلك لما سأل عمر عن إنسان فقال رجل: (أنا أعرفه، فقال له عمر : هل التصقت به؟ هل تعاملت معه بالمال؟ هل سافرت معه؟) فهذه الأشياء هي التي تكشف الإنسان، ومن أراد أن يشهد على إنسان لابد أن يكون قد خالطه مخالطة دقيقة ومنها السفر. والكور مأخوذ من تكوير العمامة، فالإنسان إذا أراد أن يثبت العمامة على رأسه فإنه يكورها، وإذا أراد أن يفكها فكها، وعملية الفك للعمامة تسمى التحوير، فالحور بعد الكور هذا تعبير أريد به انفراط عقد الإنسان بعد استمساكه، أو زلل قدمه عن طريق الاستقامة بعدما كان مستقيماً، فهذا معنى الحور بعد الكور، أما إذا قلنا: بعد الكون بالنون أي: بعد كونه على الطريق المستقيم يحيد عنه ويرتد على عقبيه. فقوله تعالى: (( يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ )) هو مثل يضرب في الحور بعد الكور. (( فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ )) ذكر (خاسرين) لأننا إذا أطعنا أعداء الله عز وجل فسنخسر كل شيء، وأعظم ما نخسره -كما يفهم من سياق الآية- الإسلام؛ لأن الله تعالى قال: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]. (خاسرين) أي: خاسرين للإسلام، خاسرين لمحبة الله عز وجل ورضوانه، خاسرين لثوابه الدنيوي والأخروي. أما ثمرة هذه الآية: فهي الدلالة للمؤمنين ألا ينزلوا على حكم الكافرين، ولا يقبلوا مشورتهم؛ خشية أن يردوهم عن دينهم؛ لأن الله عز وجل الذي يعلم من خلق أخبرنا بخفايا قلوبهم ودواخل أمورهم، وأنهم لن يقصروا في إيقاع الأذى بنا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)

    يقول تعالى: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران:150]. أي: ناصركم فأطيعوه، فكونوا مع الله عز وجل ولا تلتفتوا إلى أعدائكم وأعداء دينكم. وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ أي: فأطيعوه دون هؤلاء الكافرين، فإنه سبحانه وتعالى ينصركم عليهم بالقتال، وينصركم بدون قتال.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا ...)

    سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151]. بين تبارك وتعالى ذلك كيف ينصرهم بدون قتال قال عز وجل: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ سبق أن قلنا: إن قوة المؤمن في قلبه، وليست في بدنه، فالكافر إذا رأيته يعجبك جسمه لكن قلبه كقلب الفأر المذعور، ولذلك يقول تبارك وتعالى هنا: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ وكذلك قال تبارك وتعالى في وصف اليهود: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ . ولا شك أنكم قد سمعتم ما حكاه الجنود المسلمون في حرب رمضان مما رأوا من الفزع الذي نزل على اليهود بمجرد أن كانت الصيحة تدوي: الله أكبر! ففزعوا كالفئران وولوا هاربين مذعورين كالجرذان الهاربة، وخط برليف وما أدراك ما خط برليف، كيف دك بهذه الصيحة الإيمانية؟!! فالرعب يقذفه الله تبارك وتعالى في قلب الكافر؛ لأنه على قدر الشرك يكون الرعب في القلب، وعلى قدر الإيمان يكون الثبات؛ لأن الشجاعة والثبات ورباطة الجأش لا تكون تامة إلا للموحد الموقن في توحيده، وأعلى الموحدين الموقنين في توحيدهم هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك خصه الله تبارك وتعالى بخصال، منها ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (ونصرت بالرعب مسيرة شهر) أي: أن العدو إذا كان بينه وبين المسلمين مسافة تقطع في شهر، فإن الله سبحانه يلقي في قلبه الرعب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعلينا ألا ننخدع بما نحن عليه الآن من ضعف ومن هوان؛ لأن خاصية رعب الكفار منه عليه الصلاة والسلام هي لأمته من بعده أيضاً، وآية ذلك أنك تجد في هذا الزمان مع شدة ضعف المسلمين أن العالم في حالة رعب وفزع وهلع وخوف من الإسلام ومن المسلمين، ويسلكون كل المسالك ليتخلصوا من هذا الذي يقض مضاجعهم. هناك تصريحات للوزير الفرنسي في حلف الأطلنطي في الأسابيع الماضية يقول فيها: إننا لا نخاف إلا الإسلام، وإننا نرعب من الإسلام، وإن المعركة القادمة ستكون مع الإسلام. ولذلك يتخذون إجراءات وقائية كثيرة حتى يتقوا خطر الإسلام، وهم يمشون إلى حتفهم، فكأن جمع اليهود بهذه الصورة من أجل أن يتحقق وعد الله عز وجل: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا [الإسراء:104]، كنا ونحن صغار نسمع العجائز يقلن: لو قام لليهود ملك لقامت القيامة، والعلامات والإرهاصات تتكاثر في هذا الزمان بصورة مذهلة، وهي تنبئ أن شيئاً ما سيحصل، والله تعالى أعلم. وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، وحتى يقول الحجر والشجر: يا عبد الله! يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله). إذاً: اليهود يقذف الله الرعب في قلوبهم. و(الرعب) بسكون العين وضمها وهو الخوف. لقد عزم المشركون بعد ارتحالهم من أحد على العود واستئصال المسلمين، فألقى الله في قلوبهم الرعب فلم يعودوا لقتال المسلمين كما عزموا. بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ، أي: بسبب إشراكهم ألقينا في قلوبهم الرعب؛ لأنه على قدر الشرك يكون الرعب، والشجاعة والثبات لا تكون تامة إلا للموحد الموقن في توحيده. مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ، أي: حجة على عباده، وهي الأصنام أو غيرها. وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ، أي: مأوى أو مقر أو مقام (الظالمين) أي: الكافرين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ...)

    قال تبارك وتعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152]. (ولقد صدقكم) أي: وعدكم الله تبارك وتعالى بالنصر، وقد صدقكم ولم يتخلف وعده تبارك وتعالى، فوعدكم بالنصر في قوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]. (( إِذْ تَحُسُّونَهُمْ )) أي: تقتلونهم، يقال: حسه إذا قتله، أو (إذ تحسونهم) أي: إذ تقتلونهم قتلاً كثيراً. (بإذنه) بإرادته، أو بتيسيره وتوفيقه. (( حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ))، أي: جبنتم عن القتال. (( وَتَنَازَعْتُمْ ))، أي: اختلفتم. (( فِي الأَمْرِ )) إما الشأن، وإما الأمر الذي هو ضد النهي، أي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمقام في سفح الجبل للرمي. يقول القاضي كنعان هنا: إن موقع الرماة لم يكن في سفح جبل أحد كما هو شائع، بل كان على تلة صغيرة مشرفة على أرض المعركة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر خمسين رجلاً من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير رضي الله عنه بأن يثبتوا على تلك التلة؛ ليدفعوا خيل المشركين بالنبل؛ لئلا يأتوا من ورائهم. (حتى إذا فشلتم وتنازعتم) أي: اختلفتم في أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالمقام في سفح الجبل للرمي، فقال بعضكم: نذهب للغنيمة فقد نصر أصحابنا، وقال بعضكم: لا نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمر كان واضحاً حتى لو غلب المسلمون فعلى الرماة أن يثبتوا ولا يتحركوا من مواقعهم حتى يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول. (( وَعَصَيْتُمْ ))، أي: عصيتم أمره فتركتم المركز؛ لطلب الغنيمة. (( مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ))، أي: من بعد ما أراكم الله ما تحبون من النصر والغنيمة. ,جواب (إذا) يفهم من سياق الكلام، وتقديره حتى إذا فعلتم ذلك كله منعكم الله نصره. وقوله: (( وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ))، فيه التنبيه على عظم المعصية. مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ، فترك الموقع للغنيمة. وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ، فثبت به حتى قتل كـعبد الله بن جبير رضي الله عنه وأصحابه. ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ، أي: منعكم نصره ثم ردكم للهزيمة عنهم؛ ليظهر المخلص من غيره فهربتم. وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، ولقد عفا عنكم ما ارتكبتموه من هذه المعصية. إذاً: ظاهر الآية أن الله عز وجل عفا عنهم من غير توبة، أي: أن الآية لم تذكر توبتهم، فدل على أنه تعالى قد يعفو عن أصحاب الكبائر بمشيئته، فهذا دليل على أن أصحاب الكبائر تحت المشيئة، إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم وعاقبهم. قوله: (والله ذو فضل على المؤمنين) فيه دليل أيضاً على أن صاحب الكبيرة مؤمن، فإن الذنب المذكور في الآية لاشك أنه كبيرة، ومع ذلك لم تزل عنهم صفة الإيمان، خلافاً للخوارج الذين يكفرون بالمعصية أو بالكبيرة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ...)

    إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153]. إِذْ تُصْعِدُونَ أي: اذكروا (إذ تصعدون) أي: تبعدون في الأرض هاربين. وقوله (تصعدون) إما متعلق بقوله: (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم)، وإما بمقدر وهو اذكروا (إذ تصعدون). والإصعاد هو الإبعاد في الأرض والجري فيها فراراً من العدو. وهنا قراءة أخرى: (إذا تَصعدون) من الفعل الثلاثي صعد أي: على الجبل. وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ أي: لا تعرجون ولا تعطفون بالوقوف على أحد؛ لأنكم قد حددتم اتجاه الهرب من شدة الدهشة والروعة. وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ أي والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يدعوكم من ورائكم يقول: (إلي عباد الله! إلي عباد الله)، وأنتم فارون لا تلوون على أحد، لم يحاول أحد منكم أن يلتفت إلى الخلف، . (في أخراكم) أي: من ورائكم، أو في جماعتكم الأخرى، وهي جماعة الرماة. فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ أي: جازاكم عقوبة على هذا التولي وهذا الفرار، ولا يستعمل لفظ الثواب في الأغلب إلا في الخير، ويجوز استعماله أيضاً في الشر؛ لأنه مأخوذ من قوله: ثاب إليه عقله أي: رجع إليه، يقول تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ [البقرة:125]، أي: إذا ذهبوا منه رجعوا إليه، والمرأة سميت ثيباً؛ لأن الواطئ عائد إليها، وأصل الثواب هو كل ما يعود إلى الفاعل من جزاء فعله، سواء كان خيراً أو شراً، لكن في العرف اختص لفظ الثواب بالخير. فإذا كان الثواب محمولاً على أصل اللغة، فإنه يستعمل في الخير وفي الشر، فيكون الثواب هنا مستعملاً بمعنى الشر. أما إذا حملنا الثواب على مقتضى العرف، بحيث يطلق على الخير، فيكون ذلك وارداً على سبيل التهكم بهم، فقوله: (فأثابكم غماً) كقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21]، فهو يسمع كلمة: (فبشرهم) فيفرح ثم يصدم بكلمة: (بعذاب أليم) ففيه تهكم بهم، كقول الشاعر: تحيته الضرب وعتابه السيف. فقوله تبارك وتعالى هنا: (فأثابكم غماً بغم) أي: غماً بالهزيمة التي حصلت لهم هذا هو الغم الأول بسبب الهزيمة، أي: على غم آخر متصل بالغم الأول، وهو ما كان من صرخة الشيطان: بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل. وقيل: الباء بمعنى: على (غماً بغم) أي: غماً مضاعفاً على غم فوت الغنيمة. أو الباء تكون باء المقابلة أو العوض، أي: كما أدخلتم على المشركين الغم في يوم بدر، دخل عليكم الغم في يوم أحد، فصرتم متكافئين من هذه الحيثية. لِكَيْلا تَحْزَنُوا متعلق بـ(عفا) في الآية السابقة في قوله تبارك وتعالى: (( وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ )) أو متعلق بأثابكم. (ولا ما أصابكم) أي من القتل والهزيمة وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً)

    ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154]. (أمنة) أي: أمناً. بعد نزول المسيح عليه السلام يقول عليه الصلاة والسلام: (وتقع الأمنة على الأرض) أي: الأمن (حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم). وهناك آية أخرى في القرآن استعملت فيها كلمة: (أمنة) في سورة الأنفال: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [الأنفال:11]. فـ (نعاساً) بدل من أمنة، أي: نوماً، يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ، (يغشى) أو (تغشى) بالياء والتاء. (طائفة منكم) وهم المؤمنون، فكانوا يميلون تحت الحجف، وهي: التروس من الجلد، وتسقط السيوف منهم، فهذه من رحمة الله تبارك وتعالى بالمؤمنين أنه أنزل عليهم من بعد هذا الغم الذي وقع بهم (أمنة نعاساً). روى البخاري في التفسير عن أنس عن أبي طلحة رضي الله تعالى عنه قال: (غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه). ويقول أبو طلحة : (رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت حجفته من النعاس، فذلك قوله تعالى: (( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا ))). وقد ساق الرازي لذلك النعاس فوائد: منها: أن المشركين كانوا في غاية الحرص على قتل الصحابة في ذلك الموقف ثأراً ليوم بدر، فبقاؤهم في النوم مع السلامة في مثل تلك المعركة من أدل الدلائل على أن حفظ الله وعصمته معهم، ولا شك أن هذه رحمة من الله سبحانه وتعالى، وأنه هو الذي يحفظهم ويعصمهم من القتل، وذلك مما يزيل الخوف عن قلوبهم، ويورثهم مزيد الوثوق بوعد الله تبارك وتعالى. ثم أخبر عز وجل أن من لم يصبه ذلك النعاس فهو ممن أهمته نجاة وسلامة نفسه، لا هم الدين ولا النبي ولا الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولذلك قال: وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أي: ما بهم إلا هم أنفسهم وقصد خلاصها، فهؤلاء لم ينعموا بهذا النعاس، بل بقوا في القلق والجزع والفزع والخوف. يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ أي: غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به سبحانه وتعالى ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ . يقول السيوطي : وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أي: حملتهم على الهم، فلا رغبة لهم إلا نجاتها دون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يناموا، وهم المنافقون. يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ يظنون بالله ظناً غير الظن الحق. ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ أي: كظن الجاهلية، حيث اعتقدوا أن النبي قتل أو لا ينصر. في الحقيقة هنا بحث طويل جداً للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى يشرح فيه ما المقصود بظن الجاهلية، ونحن نحاول اختصاره بقدر المستطاع، يقول رحمه الله تعالى: وهكذا اعتقد هؤلاء أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفاصلة، وأن الإسلام قد باد وأهله، وهذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة، وإذا وقع بلاء بالمسلمين ظنوا أن المسلمين سيستأصلون، وأنه لن تقوم لهم راية. فهذا ظن الجاهلية، فلنحذر هذا الظن في هذا الزمان الذي صار فيه الدين غريباً، والله سبحانه وتعالى وحده المستعان، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحبط كيد أعداء هذا الدين، وهناك حرب لا تقوى الكلمات على وصفها مثل: العلمنة بالإكراه، وكذلك ما نشر في بعض الجرائد أن هناك تعميمات بتطهير المكتبات المدرسية من الكتب الدينية، خاصة كتب العقيدة والحديث، لم يصبح الأمر تطرفاً ولا إرهاباً، فقد نسوا هذه الكلمات وما عادوا بحاجة إلى استعمالها، فاليوم يعلن عن إعدام اثني عشر مليون كتاب إسلامي جمعت من المكتبات الإسلامية في المدارس، وهذه الكتب هي تفسير القرآن العظيم لـابن كثير ، وكتب ابن تيمية وكتب ابن القيم وعامة علماء المسلمين، حتى كتب عبد الحليم محمود والشيخ كشك وغيرهم من المعاصرين. وتقول التقارير: إنه يجري تتبع أي كتاب فيه شائبة دينية، على حسب زعمهم، فهل يظن هؤلاء أن الأمر سيظل بهذه الصورة؟ ألا نخشى أن يقع بنا ما وقع بشعب الصومال حينما قام الملحد المرتد سياد بري وأنكر آية من كتاب الله سبحانه وتعالى، فثار العلماء رحمهم الله تعالى في وجهه، فأحرق العلماء وهم أحياء في المدينة العامة وقتلهم، فما تحركت شعرة إلا ما شاء الله، وسكت الناس على هذا، ومرت السنون وابتلاهم الله سبحانه وتعالى بالأمراض، وابتلاهم بالمجاعات، وابتلاهم بالاحتلال الخارجي، وابتلاهم بالحروب الداخلية والقلاقل، فحرب الله عز وجل شؤم، فإحراق اثني عشر مليون كتاب إسلامي وإعدامها واستبدالها بكتب المواجهة والتنوير أمر ليس بالهين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان)

    إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:155]. إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ أي: تولوا عن القتال. (يوم التقى الجمعان) جمع المسلمين وجمع الكفار بأُحُد، وهم المسلمون إلا اثني عشر رجلاً. إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ ، يعني: أزلهم بوسوسته بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا من الذنوب، وهو مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للمؤمنين، حَلِيمٌ أي: لا يعجل على العصاة بل يصبر ويمهل. ولا شك أن الحليم من أعظم أسماء الله الحسنى. (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، فالله يحلم ويصبر على الأذى، يشتمه بنو آدم وينسبون إليه الولد، ويصدون عن سبيله ويحاربون أولياءه، ومع ذلك هو حليم بهم، حتى إنه قال: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10]. فاشترط في تعذيبهم ألا يتوبوا، بحيث لو تابوا مع ما فعلوه من الجرم الشنيع، لتاب عليهم تبارك وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا)

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [آل عمران:156]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا ، أي: لا تفعلوا كفعلهم، ولا تقولوا كقولهم. وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ، أي: المنافقين قالوا في شأنهم. إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ ، أي: سافروا فماتوا أو قتلوا. أَوْ كَانُوا غُزًّى جمع غاز، فقتلوا. لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لو جلسوا معنا في المدينة وما خرجوا للجهاد ولا سافروا للجهاد لما ماتوا وما قتلوا. لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ ، أي: ذلك القول الذي قالوه في العاقبة. حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ، هذا الكلام الذي قالوه وتفوهوا به وهو قولهم: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ، سيتحسرون عليه في العاقبة، وسيعاقبون عليه. وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، أي: لا يمنع عن الموت قعود. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ، أو (يعملون) بَصِيرٌ [آل عمران:156]، فيجازيكم به.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم)

    وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران:157]. وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، هذه لام القسم، (في سبيل الله) أي: في الجهاد. أَوْ مُتُّمْ بضم الميم وكسرها، أي: أصابكم الموت فيه. لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ أي: مغفرة كائنة من الله لذنوبكم، ورحمة منه لكم على ذلك، هذا هو جواب القسم، وتقدير الكلام: لئن قتلتم ليغفرن الله لكم ويرحمكم. خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أي: مما يجمعون من الدنيا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولئن متم أو قتلتم)

    وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران:158]. وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ أي: في الجهاد وغيره. لَإِلَى اللَّهِ أي: لإلى الله لا إلى غيره. تُحْشَرُونَ أي: في الآخرة فيجازيكم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم)

    فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران:159]. فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، أي: يا محمد سهلت أخلاقك مع أنهم خالفوك وعصوا أمرك. وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق. غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: جافياً فأغلظت لهم. لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أي: تفرقوا. فَاعْفُ عَنْهُمْ أي: تجاوز عنهم ما أتوه. وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ أي: ذنبهم حتى أغفر لهم. وَشَاوِرْهُمْ أي: استخرج آراءهم. فِي الأَمْرِ أي: في شأنك، سواء في الحرب أو غيرها تطييباً لقلوبهم، وكي يستن بك المسلمون ويقتدوا بك في الشورى. وكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم، ولولا ضيق الوقت لذكرنا أمثلة كثيرة من الشورى وفوائدها. فَإِذَا عَزَمْتَ أي: على إمضاء ما تريد بعد المشاورة. فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي: ثق به بعد المشاورة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم)

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما كان لنبي أن يغل...)

    وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:161]. لما فقدت قطيفة حمراء يوم بدر قال بعض الناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها، فنزلت الآية مبينة عصمته صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قال عز وجل: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي: ما ينبغي لنبي أن يخون في الغنيمة، فلا تظنوا به ذلك. وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: حاملاً له على عنقه كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ، الغال وغيره، جزاء مَا كَسَبَتْ أي: ما عملت. وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي: شيئاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفمن اتبع رضوان الله)

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هم درجات عند الله...)

    هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [آل عمران:163]. هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ أي: أصحاب درجات. (( عِنْدَ اللَّهِ )) أي: مختلفو المنازل، فلمن اتبع رضوانه الثواب، ولمن باء بسخطه العقاب، ودرجات الجنة تذهب علواً، ودركات النار تذهب سفلاً. وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ فيجازيهم به.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً)

    لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي: عربياً مثلهم؛ ليفهموا عنه، وليشرفوا به؛ لأن الأمم السابقة من اليهود أو النصارى كانوا يفخرون على العرب؛ لأنهم أهل علم وأهل كتاب، فقد بعث فيهم عيسى وموسى وغيرهم من الأنبياء. هل العرب كان لهم شرف يشرفون به؟ قد يقال: كانوا يشرفون بالانتساب إلى إبراهيم عليه السلام. نقول: لكن هذا الانتساب يشترك معهم فيه اليهود والنصارى، وإنما شرفوا ببعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ أي: آيات القرآن. وَيُزَكِّيهِمْ أي: يطهرهم من الذنوب. (( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ )) أي: القرآن. (( وَالْحِكْمَةَ )) أي: السنة، القاعدة التي ذكرناها من قبل باتفاق السلف: أن الحكمة إذا اقترنت بالقرآن في سياق الامتنان على هذه الأمة المحمدية فهي السنة. وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ أي: وإنهم كانوا من قبل بعثه. لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي: بين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها..)

    أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165]. يقول تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ بأحد حين قتل سبعون منكم. قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا ببدر، حيث قتلتم سبعين من المشركين وأسرتم سبعين. قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا أي: تعجبتم وقلتم: من أين لنا هذا الخذلان، ونحن مسلمون، ورسول الله فينا؟! قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ، قل لهم: هو من عند أنفسكم؛ لأنكم تركتم المكان فخذلتم. نعيد التذكير بهذا المعنى الخطير جداً فنقول: ما نحن فيه اليوم فهو من عند أنفسنا، فالعلاج الحقيقي لمن كان صادقاً أن يسعى إلى التغيير إلى الأحسن في واقع نفسه وفي واقع المسلمين، وأن يفتش كل واحد في نفسه، ينظر ما هي المخالفات التي يرتكبها؟ لأن ما نحن فيه هو عقوبة من الله، وإذا كان في شأن الصحابة قال الله لهم: (( قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ))، فماذا نقول نحن الآن؟ أغلب بيوت المسلمين فيها (التلفاز) و(الفيديو)، وعلى الأصح بدأ ينتشر (الدش). هؤلاء يهوديات ونصرانيات يملأن الشوارع ويرتدين البنطلونات الضيقة، وهذا الفساد الذي انتشر هل الحكومة هي التي تطلع الناس على كل مظاهر الفساد؟ أم أن القسط الأعظم من الفساد هو من عند أنفسنا؟ نتفاعل مع هذا الفساد ونهرع إليه، وهناك قسط كبير جداً من المعاصي نقع فيها طوعاً واختياراً ولا يجبرنا عليها أحد، وإذا غلب الشر وظهر الفساد في الأرض أوشك أن يعمنا الله بعذاب من عنده، نسأل الله العافية!. فإذا كان الصحابة رضوان الله عليهم قد قال لهم الله سبحانه وتعالى: (( قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ))، مع أن الرسول كان فيهم، ومع أنهم خير أمة أخرجت للناس، فكيف بنا؟ هذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يوم من الأيام كلف بعض جنوده أو عماله بأمر، فقال لهم: (هل عملتم ما أمرتم به؟ فقالوا: نعم، قال: أما إنكم لو لم تعملوا بما أمرتم لتركبن أعناقكم اليهود والنصارى عقوبة). قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165]أي: ومن هذا الشيء النصر، وقد جازاكم بخلافه؛ بسبب مخالفتكم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء خلف المسلمين لحماية ظهورهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان..)

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وليعلم الذين نافقوا ...)

    وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ [آل عمران:167]. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ أي: والذين قيل لهم لما انصرفوا عن القتال وهم عبد الله بن أبي وأصحابه. تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أعداء الله. (( أَوِ ادْفَعُوا )) أي: ادفعوا عنا القوم بتكثير سوادكم إن لم تقاتلوا، أو المعنى: حتى لو لم تشتركوا معنا في القتال تديناً فقاتلوا دفعاً عن أنفسكم وأموالكم. قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ لو نحسن قتالاً لاتبعناكم، لكن الأمر في نظرنا ليس إلا إلقاء بالأيدي إلى التهلكة، ونحن لا نريد أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة، قال تعالى تكذيباً لهم: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ أي: بما أظهروا من خذلانهم للمؤمنين وكانوا قبل ذلك أقرب للإيمان من حيث الظاهر. يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ولو علموا قتالاً لم يتبعوكم. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ أي: من النفاق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755960729