إسلام ويب

سلسلة القطوف الدانية - آيات السؤال في القرآن الكريمللشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ورد في القرآن الكريم تعليمات عظيمة بعضها جاء على طريقة السؤال، ثم يبين الله تعالى الجواب المناسب له بصور بلاغية رائعة تجذب الوجدان وتشد الذهن..

    1.   

    المقارنة بين أسئلة هذه الأمة والأمم الأخرى

    المقدم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

    بكم وباسمكم جميعاً نرحب بضيفنا فضيلة الشيخ: صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء بالمدينة النبوية، فحياكم الله، وحيا الله شيخنا.

    وحديثنا سيكون عن السؤال في القرآن الكريم، وقد وردت صيغ متعددة: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85]، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ [طه:105]، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189].

    نحاول في هذه الحلقة أن نقف وقفات مع هذه الأسئلة، نسبر أغوارها، ونتكلم عن الموضوعات التي وردت فيها، ذكر أحد الإخوة بعض الإحصائيات في كتاب الله عز وجل يقول: ورد التساؤل بكلمة: (ألم) في سبعة وسبعين موضعاً من كتاب الله، وورد بكلمة (هل) في سبعة وستين موضعاً، وبكلمة (أمن) في عشرة مواضع، وبعبارة (يسألونك) في تسعة مواضع، و(يسألك) في موضعين،و (ويسألونك) في ستة مواضع، وبكلمة (عم) مرة واحدة في سورة النبأ.

    عنواننا هو: (آيات السؤال في القرآن الكريم) قبل أن نبدأ في تفصيلاته وجزئياته، نبدأ من قول ابن عباس رضي الله عنهما حينما أخبر أن هذه الأمة أقل الأمم سؤالاً بالنسبة للأمم السابقة:

    نحاول أن نقارن بين أسئلة هذه الأمة، وأسئلة الأمم الماضية بصورة علمية موجزة.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وأحكم كل شيء صنعه، وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب غيره ولا شريك معه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، آخر الأنبياء في الدنيا عصراً، وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأناً وذكراً.

    صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، وتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    قال بعض أهل العلم: من أراد أن يعرف مقامه عند الله فلينظر فيما أقامه الله، وإننا إذ نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا أجمعين محاضراً ومقدماً ومشاهدين ومشاهدات الإخلاص، وستر العيوب وغفران الذنوب، لنفرح كثيراً برحمة الله وفضله أن جعلنا ممن يقرب القرآن إلى الخلق، وأن يجعلنا كمستمعين ومشاهدين ممن يستمعون إلى ما يتعلق بكلام رب العزة جل جلاله، فهذا شرف وأي شرف إذا أخلصت فيه النيات، وصلحت فيه السرائر، ولو كان الإنسان قعيداً في بيته، أو في منتزهه، أو بين أسرته، أو أياً كان حاله، إذا أراد بذلك وجه الله فهو على خير عظيم، وعلى طريق مستقيم.

    أما ما ذكرتموه من قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو ترجمان القرآن، وحبر هذه الأمة، ومن دعا النبي صلى الله عليه وسلم له: (اللهم فقه في الدين، وعلمه التأويل)، في قوله إن هذه الأمة أقل الأمم سؤالاً إنما كان ينصرف كلامه رضي الله عنه وعن أبيه إلى الأسئلة التي وجهتها هذه الأمة المحمدية -أمة الإجابة لا أمة الدعوة- إلى نبيها صلى الله عليه وسلم، وقد طلبتم المقارنة، وتتضح المقارنة إذا عرفنا أن القرآن أخبر عن تساؤلات بعض السابقين، وأخبر عن تساؤلات القرشيين.

    فمن تساؤلات السابقين قال الله جل وعلا عن بني إسرائيل: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55]، فهذا طلب، وقد قال الله معزياً نبيه: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء:153].

    فهذا سؤال تعنت، وبعض العلماء يلحق بهذا السؤال الموسوم بالتعنت قول الحواريين: إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ [المائدة:112]، إلا أنني أتحفظ في ذكره مع سؤال التعنت؛ لأن الحواريين في الأصل مثني عليهم في القرآن.

    ومن التعنت سؤال اليهود: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85]، فهذا سؤال تعنت؛ لأنهم سألوا عما لا طائل من ورائه، ولا سبيل لهم إلى معرفته، ولهذا جاء الجواب مختصراً: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] ولعله يأتي تفصيله.

    ومن السؤال بمعنى التعنت ما كان عليه القرشيون، إذا قلنا إنهم من أمة الدعوة لا من أمة الإجابة، قال الله جل وعلا عنهم: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء:90-93]، هذا سؤال القرشيين سؤال تعنت، لكن هنا السؤال بمعنى الطلب، أما السؤال الذي قصده ابن عباس فهو السؤال بمعنى ما ينفع، بمعنى الأحكام الفقهية، كسؤال عن أمور عديدة جاء الجواب عنها، ومع ذلك نلاحظ أن مادة (سأل) تتباين حتى في الإجابة، فالله جل وعلا يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186].

    ولم يقل (قل)، وهذا حتى ينسجم القرب المعنوي مع تقارب الألفاظ، فاللفظ هنا كأنه يزحف ليساعد ويقرب المعنى للأذهان، والله جل وعلا حتى يشعر الناس أنه ليس بينه وبينهم واسطة في دعائهم، ولهذا ينعى على من يدعو غير الله أنه لم يعرف الله جل وعلا حقاً، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، فلماذا يضع الإنسان وسائط ووسائل ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان، تلقي بصاحبها في مغبة الإشراك؟

    قال الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي [طه:105]، فجاء بالفاء، وقد نقل عن الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه أنه كان يقول إنها للتعقيب، ولأن هذا لن يحصل إلا يوم القيامة بخلاف غيره.

    فكما أن التساؤل في القرآن ورد بطرائق عديدة؛ لكن هذا بحر طويل جداً، ومحاولة إدراكه في لقاء مختصر كهذا قد يذهب ثمرته فنكتفي ببعض الآيات؛ لأننا لا نستطيع أن نعرض جميع الآيات المتعلقة بالسؤال، وبقية الآية سنحاول أن ندخلها في مجمل الكلام عن هذه المسائل وعن التأصيل لها.

    1.   

    السؤال عن اليتامى

    من هو اليتيم

    المقدم: نبدأ بقوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:220]، فاليتم قصة طويلة، والبعض يعيش مآسي في هذه القصة، فنريد أن نخصص لها جزءاً من الحلقة ونبدأ بتحرير معنى (اليتيم) من الناحية اللغوية ومن ناحية الاصطلاح.

    الشيخ: اليتم من الناحية اللغوية معناه الانفراد. فيقال: بيت يتيم في القصيدة، أي: بيت لا مثيل له، فالشيء إذا كان منفرداً يسمى يتيماً، ولذلك يقال للدرة: يتيمة.

    وفي الاصطلاح: انفصال الشيء عمن يرعاه، يقول المعنيون باللغة: يتيم الإنسان من فقد أباه دون البلوغ، ويتيم الحيوان من فقد أمه، ويتيم الطير من فقد أبويه.

    وقلنا: (انفكاكه عمن يرعاه) لأن حاجة الإنسان إلى من يرعاه حاجة ملحة، ولهذا مر معنا أن الله لما أراد أن يطمئن موسى قال: أَنَا رَبُّكَ [طه:12]، ولذلك إذا خليت الدرة عن صدفها الذي يحويها سميت درة يتيمة، وإذا كانت في صدفها فلا تسمى درة يتيمة لعدم انفكاكها عما يرعاها.

    التحذير من أكل أموال اليتامى ومتى تدفع إليهم

    المقدم: لقد تكفل الله برعاية اليتيم، لكن أحيانا يتسلط بعض الأولياء على هذه الأموال، فما نصيحتكم لهؤلاء الأولياء على الأيتام؟ وما هو الوقت المناسب لدفع هذه الأموال إلى أصحابها؟

    الشيخ: يقول الله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ [البقرة:220]، أي: جواباً لهم، إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، وكلمة (إصلاح) يقصد بها ثلاثة شئون: إصلاح مالي، ونجعله في الأخير، وإصلاح اجتماعي، وإصلاح إنساني.

    الإصلاح الإنساني يكون بملاطفته ومراعاة شعوره؛ لأنه قد حرم من يرعاه أصلاً وهو أبوه، أما الإصلاح الاجتماعي فيكون بإيوائه، وأما الإصلاح المالي فاتقاء الله جل وعلا في ماله، والله جل وعلا حذر الأوصياء والأولياء المعنيين بأموال اليتامى من ذلك، فقال الله في سورة مكية -أي: من أوائل ما أنزل-: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [الأنعام:152]، وهذه الفقرة من الآية جاءت منصوصة في الأنعام والإسراء.

    وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعَيرًا [النساء:10]، الدنيا تأسر صاحبها، فمن نظر إليها على أنها باقية ألهته عن الآخرة، وجعلته ينكب عليها وينسى أنه سيسأل، وقد مر معنا في اللقاء الماضي أن الإنسان إذا مات يخسر ماله كله، وفي نفس الوقت يسأل يوم القيامة عن ماله كله، وهو بمجرد مفارقة روحه لجسده يخسر المال، لكنه يوم القيامة يسأل عن ماله كله.

    أما متى يعطى اليتيم ماله فإن الله قال: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6]، أي: اختبروهم: حتى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6]، ويقصد به القوة البدنية: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6]، أي: القوة العقلية، فالرشد حسن التصرف في المال، وخروج الإنسان عن أن يكون سفيهاً، فهذا مناط تحقيق إعطاء المال له.

    ثم قال الله بعدها: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، وأمر بعد بالشهادة وتقوى الله، وحذر من أن الله جل وعلا على كل شيء حسيب.

    المقصود من هذا أن كل من أوكل الله جل وعلا إليه حقاً لأحد يتيماً أو غير يتيم، فليتق الله في هذا المال، ولئن كنا نقدر أحياناً على أن نخدع من يراقبنا، أو أن نخدع القضاة، أو أن نخدع غيرهم ممن أعطي حكماً علينا، فإنه محال لنا ولغيرنا أن نخدع ربنا جل جلاله، والدنيا زهرة حائلة، ونعمة زائلة، ولا بد من الوقوف بين يدي الله جل وعلا، الذي لا تخفى عليه خافية، والسر عنده علانية.

    فتقوى الله في كل شيء أمر مطلوب، وتقوى الله في مال اليتامى أمر منصوص عليه شرعاً، أخبر الله جل وعلا عنه: وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6]، ثم قال: إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2].

    التضحية من مال اليتيم

    المقدم: لقد قرب موسم الأضحية، والسؤال الذي تبادر لدى الناس: هل يضحى من مال اليتيم، أو يضحى من مال وليه؟

    الشيخ: نحن نعرف أن الأضحية عبادة محضة يتقرب بها إلى الله جل وعلا، وهناك خلاف في وجوبها، ولا خلاف أنها سنة من أعظم السنن، أما أن يضحي الإنسان من مال اليتيم فإنا نفصل ونقول: إذا ضحى الإنسان من ماله عن اليتيم فلا حرج، لكن إذا كان هناك وصي أو ولي على يتيم، ولديه أموال لهذا اليتيم -وهذا سؤالكم- فهل يضحى عن اليتيم أو لا يضحى؟

    هي مسألة خلاف بين الفقهاء، لكنني أقول: ما ذكره بعض أهل العلم، ونص عليه ابن قدامة في المغني، وهو الأقرب للصواب إن شاء الله، أن يقال: ينظر في هذا اليتيم، هل ينكسر قلبه إن كان له مال ولم يضح عنه أو لا؟ فإن كان ينكر ضحي عنه.

    أما إذا كان دون الأربع أو الخمس فهو لا يفقه ما معنى (أضحية) فلا يضحى عنه، لأنه أصلاً لن يفرح بتلك الأضحية، ولن يراها مجدية، ولا يدري أن أحداً ضحى عنه؛ لأنه صبي صغير لا يميز.

    لكن إذا كان عمر اليتيم مثلاً عشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة، وكان له أقران، فرأى أن آباءهم يضحون، وهو يحب أن يضحي من ماله مثلهم فللوصي أن يضحي عن اليتيم من ماله حتى ينجبر قلبه، ويفرح بين أقرانه، ويجد شعوراً حسناً في النفس، وهذا أمر مقصود شرعاً، داخل في قول الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220].

    لكن لا نتصدق باللحم عنه؛ لأن مال اليتيم لا يتصدق به تطوعاً، وإنما يأكل منها هو ومن جرت العادة أن يأكل معه،كأقرانه أو أمه، أو جده، أو وصيه، أو ما أشبه ذلك، المهم أنه لا يتصدق منها؛ لأنه لا تجوز الصدقة من مال اليتيم، وغالب الظن أن هذا أرجح أقوال العلماء في المسألة.

    مكافأة اليتيم لمن أحسن الولاية عليه

    المقدم: هناك من يتولى على اليتامى فيحسن الولاية، فكيف يرد إليه اليتيم هذا الجميل.

    الشيخ: اليتامى كفاهم شرفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتيماً، يقول شوقي:

    ذكرت باليتم في القرآن تكرمة وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم

    وهذا أمر يحصل قدراً، وليس لأحد قدرة في دفعه أو جلبه.

    هؤلاء اليتامى من نشأ يتيماً وقد أحسن إليه وليه أو وصيه أو أحد غيرهما، فإن من أعظم المكافأة الدعاء، ثم إذا كبر اليتيم بعد أن خرج من رتبة اليتم وأصبح ذا شأن فإن من حقه أن يكافئهم بالهدايا وبالإحسان إليهم، وتفقد أبنائهم، ورد البر لهم معنوياً أو مادياً.

    1.   

    تحليل الطيبات وما صادته الجوارح المعلمة

    معنى الجوارح المعلمة

    المقدم: ننتقل إلى آية المائدة وهي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ [المائدة:4]، ما معنى هذا المصطلح: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ [المائدة:4] ؟

    الشيخ: آية المائدة مدنية، فالمسلمون يسألون نبيهم: مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ [المائدة:4]، فيخبر الله أن كل ما أباحه الله فهو طيب، ثم أخبر الله جل وعلا: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4].

    الذي يعنينا أن هناك سباعاً طوعها الله لبني آدم لتصطاد لهم، وهي في ذاتها لا تؤكل، لكن ما تصيده هو الذي يؤكل؛ لأنها لو كانت غير ذات ناب أو غير ذات مخلب لأكلت، لكن هذا المعلم يصيد، وهو يصيد إما بنابه كالكلاب أو بمخلبه كالطير.

    فالناب والمخلب عند الجمهور يمنعان من أن يؤكل الحيوان، لكن يؤكل صيدها.

    والتعليم له ضوابطه المعروفة.

    وقوله: مُكَلِّبِينَ [المائدة:4]، اختلف في معناها، لكن المعنى الصحيح أنها كواسب تكسب لصاحبها.

    حكم أكل الضبع

    المقدم: هل الضبع من السباع المحرمة؟

    الشيخ: الضبع في اللغة تطلق على الأنثى، أما الذكر فيقال له ضبعان.

    والمعنيون بعلم الحيوان يقولون إنه يتبدل، أي: يكون سنة ذكراً فيلقح، وسنة أنثى فيحمل ويلد.

    وهو مغرم بنهش القبور فعنده شهوة للحوم بني آدم، وأكثر الحيوانات رغبة في لحوم بني آدم الضباع.

    هذا الضبع اختلف فيه، ولكن الراجح والعلم عند الله جواز أكله، ففي الحديث الصحيح أن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة سأل جابراً رضي الله تعالى عنه عن الضبع أصيد هو؟ قال: نعم، قال: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وقد قال الشافعي رحمة الله تعالى عليه: وما زال الناس يأكلونه ويبيعونه بين الصفا والمروة من غير نكير.

    قد يتبادر الآن سؤال: كيف كان الناس يبيعونه في الصفا والمروة؟

    والجواب: أن الصفا والمروة كانت خارج الحرم، وما أدخلت إلا في العهد السعودي المبارك، أما قديماً فقد كانت خارج الحرم.

    شروط إباحة الصيد

    والفقهاء يقسمون الحيوان المباح إلى حيوان مقدور عليه وحيوان غير مقدور عليه، فيقولون في الحيوان المقدور عليه: إنه لا يحل إلا بتذكيته، فيشترطون التذكية للحيوان المقدور عليه مثل الإبل والبقر والغنم، أما الصيد فهو داخل في الحيوان غير المقدور عليه، والأصل في الصيد الإباحة، إلا إذا كان الإنسان في الحرم أو متلبساً بالإحرام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحرم: (ولا ينفر صيده)، ما دام لا يجوز تنفير صيده فمن باب أولى ألا يجوز قتله، نعم، وأما إذا كان متلبساً بالإحرام، فالله يقول: لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95].

    وقال: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96]

    [المائدة:96]، الذي يعنينا هنا أن الاصطياد يقوم مقام الذكاة.

    ثم إنه إذا تم الصيد -سواء كان بآلة أو بسبع معلم أو طير- فإن هذا الحيوان المصاد لا يخلو من أحد أمرين: إما أن ندركه حياً حياة مستقرة أو لا.

    فإذا أدركناه حياً حياة مستقرة، وكان هناك وقت لأن نذكيه فإننا نذكيه جبراً، ولا خيار لنا فيه؛ لأنه لم يمت بعد، فيعامل معاملة الحيوان المقدور عليه.

    أما إذا أدركناه ميتاً انتهينا.

    لكن إذا أدركناه وهو حي حياة غير مستقرة أو حياة مستقرة لكن لم يبق زمن لأن نجلب السكين ونذكي فإن صيده يقوم مقام تذكيته.

    واشترطوا عندما نبعث الحيوان أن يكون الصائد من أهل الصيد عقلاً وديناً.

    وقصدوا بالعقل التمييز، أي ألا يكون صغيراً، ولا يكون مجنوناً، ولا سكران.

    وقصدوا بالدين أن يكون مسلماً أو من أهل كتاب، لأن أهل الكتاب تجوز أضحياتهم، وما دام تجوز أضحياتهم ينبغي أن يجوز صيدهم.

    وهذا هو الشرط الأول.

    الشرط الثاني: أن تكون آلة الاصطياد مما يجوز الصيد بها شرعاً.

    الشرط الثالث: ألا يأكل المعلم من الصيد، مثل رجل عنده كلب فبعثه، ثم إن الكلب صاد لكنه أكل من الصيد، فهنا خلاف بين العلماء والراجح أنه لا يجوز الأكل منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث عدي بن حاتم أنه قال له: (إذا أرسلت كلبك المعلم فأمسك فكل، إلا أن يكون الكلب أكل منه؛ فإنك لا تدري أمسكه على نفسه أو أمسكه لك).

    الصيد لهو الكبار

    المقدم: ننتقل من هذه المباحث الفقهية إلى ما يتعلق بالأدب، والصيد لا شك أنه ورد في أكثر من موضع، فلو ذكرتم شيئاً من ذلك؟

    الشيخ: يقولون إن الصيد من شأن الملوك، ونقل عن الملوك والأمراء محبة الصيد، وكان هذا شائعاً في الجاهلية وطرفة بن عبد لما ذكر قضية لهو الفتيان آنذاك ذكر أنه الصيد، كذلك كان امرؤ القيس يبدع في هذا الباب.

    الذي يعنينا أنه يمكن أن يقال: إن في حديث: (من اتبع الصيد غفل)، يدل على أن الإنسان يأخذ منه بقدر، والمباحات لا ينبغي المبالغات فيها؛ لكن من الأبيات الشهيرة هنا قول المتنبئ في دالية شهيرة:

    لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادة سيف الدولة الطعن في العدا

    هو الجد حتى تفضل العين أختها وحتى يكون اليوم لليوم سيداً

    إلى أن قال:

    ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا

    هذا فقه اجتماعي، أو فقه إداري، ومعناه أن الإنسان لا يجعل من تحته ما هو أقوى منه، المتنبئ أراد أن يقول: أن الإنسان إذا أخذ صقراً فسيصيد الصقر له، وإن أخذ كلباً فإن الكلب سيصيد له؛ لكن لو جاء جاهل وأخذ أسداً يريد أن يصيد له فإن الأسد سيصيده قبل أن يصيد له والعاقل في إدارته وفي حياته كلها يمشي خطوات متوازنة في علاقاته مع الآخرين، وهذا فقه إداري كما قلت ولا أحب الاسترسال فيه حتى لا نفهمه خطأ، لكن أعني أن البيت مليء بالحكمة، ومن القصيدة قوله:

    ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى

    وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا

    إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

    فالصيد كان علماً واسعاً، وهو إلى اليوم مظنة لهو للكبار.

    1.   

    الطريقة المثلى لقراءة التفسير

    المقدم: سائل يسأل عن الطريقة المثلى لقراءة كتب التفسير مثل تفسير ابن كثير ؟

    الشيخ: علم التفسير علم عظيم، والعلماء رحمة الله تعالى عليهم بذلوا فيه جهداً واسعاً نسأل الله مثوبتهم، والناس تختلف قدراتهم، والملكات هي من فضل الله جل وعلا، لكن حبذا أن تقرأ بطريقتين: قراءة عامة بمعنى: أن تأخذ كتاباً مثل تفسير ابن كثير أو مختصراً من مختصرات تفسير ابن كثير فتقرأ فيه قراءة سردية متسلسلاً.

    وهناك طريقة أخرى: أن تختار آيات، وهذه لا تكون آيات أحكام؛ لأن الفقه يحتاج إلى نوع من الدراسة حتى يقوى الإنسان فيه.

    فيأخذ هذه الآيات ويقرؤها مبدئياً، ثم يقرأ في عدة تفاسير، فما لم يتوسع زيد أفاض فيه عمرو، فيقرأ بهذه الطريقة، وإذا حصل على لب المعلومة يقولها لغيره حتى تثبت في صدره.

    فهذا ينفع كثيراً في علم التفسير لكن يحتاج إلى طول زمان، ونحن نتكلم عن مائة وأربع عشرة سورة لا يمكن الإلمام بها بين عشية وضحاها، فهذه مسألة تفنى فيها أعمار، ولهذا قالوا: إن ابن جرير الطبري لما أراد أن يؤلف تفسيره هذا دعا الطلاب، فقالوا: في كم ورقة؟ قال: في ثلاثين ألف ورقة، قالوا: تفنى في هذا الأعمار، فقال رحمة الله تعالى عليه: الله المستعان! ذهبت الهمم، ثم جعله في ثلاثة آلاف ورقة، وهو الذي بين أيدينا، وهو الآن ينظر إليه أنه من المطولات، فهذه بعض الطرائق، ونسأل الله أن يوفق.

    1.   

    الطريقة المثلى لحفظ القرآن

    المقدم: ما هي الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم؟

    الشيخ: هناك جواب يقوله الأكابر، وهو: قم به في الليل تحفظه في النهار.

    والأمر الثاني: المراجعات مع الأقران ومع أمثالهم، فهذه تثبت القرآن في قلبك.

    1.   

    إدخال التلفاز إلى البيوت من أجل قناة المجد

    المقدم: سائل يسأل عن إدخال قناة المجد.

    الشيخ: يظهر أن السائل يسأل عن إدخال شيء في البيت، أنا أقول: هذا فيه تفصيل، فإذا كان أهل البيت لا يوجد عندهم صبية ولا صغار، ويرون اكتفاء ذاتياً في أنفسهم بحيث لا حاجة إلى تلفاز، فيقبل أنهم لا يدخلون على أنفسهم شيئاً، أما إذا كان في البيت صبية ولا بد من تفقيههم وتعليمهم فنحن لا نزكي على الله أحداً، ولكن هذه القناة قناة مباركة، وقد نفع الله بها خلقاً كثيراً، ونحن تكلمنا عن اليتيم وهي قناة يتيمة في القنوات مع إجلالنا لبعض غيرها من القنوات.

    1.   

    السؤال عن الجبال

    الأحداث السابقة لنسف الجبال يوم القيامة

    المقدم: يقول عز من قائل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [طه:105]، وقال بعد ذلك: فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا [طه:106]، ظاهر الآية يدل على أنها في المراحل الأخيرة هل ذكرت المراحل التي قبل هذا في القرآن الكريم؟

    الشيخ: آية طه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [طه:105]، مر معنا الكلام على الفاء، وقلنا إن الإمام الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه قال إنها للتعقيب؛ لأن هذا يكون يوم القيامة، واستنباطكم صحيح؛ لأن الله قال: قَاعًا صَفْصَفًا [طه:106]، فلا بد من مراحل، والله لا يحيل إلى مجهول يقول الله: يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ [المزمل:14].

    فإذاً أول التسيير على القول بأن التسيير يكون يوم القيامة: وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [التكوير:3]، ثم الرجفة، ثم فيما يبدو -والعلم عند الله- أنها تحمل: وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ [الحاقة:14]، ثم الدك: فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [الحاقة:14]، ثم تكون كالعهن المنفوش، هكذا كلها مراحل، حتى تصل إلى قول الله جل وعلا: فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا [طه:105-107].

    التورع في الفتوى

    المقدم: سائل يسأل عن الفتوى والكلام في الدين، ما أهميته، وماذا يجب على من يتعاطى ذلك؟

    الشيخ: هذه مسألة حسنة، وهي قضية أن الفتوى توقيع عن رب العالمين، والإنسان إذا خشي من كلمة: لا أدري أصيبت مقاتله كما قال العلماء ، وكان الشيخ الأمين الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه كثيراً ما يتحرز من الجواب وكان بعض السلف يتعجب ممن يجيب على كل سؤال.

    وكان نبي الأمة يُسأل عن أبغض الأماكن إلى الله، فيقول: دعوني أسأل جبريل) فيسأل جبريل فيخبره أنها الأسواق، والتوقف عن الكلام فيما لا علم فيه منهج رباني نبوي.

    وأي إنسان مهما بلغ علمه فعلمه قليل، وكان موسى عليه السلام وهو مكلم وصفي قد ادعى العلم فذكر الله: عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف:65]، فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فنقر من البحر نقرتين، فقال الخضر لموسى: ما بلغ علمي وعلمك من علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من البحر.

    فإذا كان هذا علم الصفي الكليم موسى وعلم الخضر فما علم غيرهما؟ والمقصود من هذا أن السير في العلم يكون بتؤدة، والناس لا تقتل ولا تهلك إلا إذا سارعت إلى الفتوى، وأحب الإنسان التصدر دون أن يملك آلته، فهذا -نسأل الله العافية- من مواطن الهلاك.

    تاريخ جبل الجودي

    المقدم: تحدثنا في الأشياء الفقهية الأدبية، ونريد أن نتكلم قليلاً عن الأشياء التاريخية في الجبال سواء في جزيرة العرب أو في غيرها، فنتكلم عن جبل الجودي وأهم الأحداث التي مرت به.

    الشيخ: الجودي ورد ذكره في القرآن مرة واحدة في هود، قال الله جل وعلا: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44]، والأظهر أنه جبل في العراق على الجنوب الشرقي من دجلة.

    وقيل في تركيا. لكن الأظهر أنه في العراق.

    وبعض العلماء أخذ يتكلم عن أصل الكلمة، فقال: إنه مشتق من الجود كما حرره الراغب الأصفهاني في المفردات، وتبعه عليه السمين الحلبي رحمة الله تعالى عليهما في عمدة الحفاظ.

    وهذا خطأ ظاهر؛ لأن الله تكلم عن جبل رست عليه سفينة نوح، وأيام نوح عليه السلام لم يكن أحد يتكلم العربية، فأول من نطق العربية إنما جاء بعد إبراهيم أو قريباً من زمن إبراهيم، أي: بعد زمن إبراهيم بقليل، فلم يكن هناك عربية أصلاً حتى يقال: إن الجودي مشتق من الجود.

    الآن المنطقة الكردية من العراق هي التي فيها جبل الجودي؛ لكن غير اسمه فلا يقال له جبل الجودي، وإنما يقال: جبال آراط أو آرات، وهو مطل على جزيرة اسمها جزيرة ابن عمر حالياً، والذي يعنينا أن هذا الجبل رست عليه سفينة نوح عليه الصلاة والسلام.

    تاريخ جبل أحد

    المقدم: نرجو منكم لمحة تاريخية عن جبل أحد؟

    الشيخ: هو جبل يقع في شمال المدينة، وقعت عنده معركة أحد التي تبين لنا المنهج النبوي في تربية الناس.

    حصل عنده معركة، نتيجتها قرح، وأسى، وشهداء، وموتى، يقول الله: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140]، قتل سبعون صحابياً رضي الله عنهم وأرضاهم، فأراد أهلهم أن يحملوهم إلى المدينة لدفنهم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ادفنوهم في مصرعهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم وهو واقف عليهم: (أنا شهيد على هؤلاء).

    الآن بعض الناس يأمر ويريد تنفيذ كل أمر؛ مع أن الإنسان عندما يسوس من دونه لا بد أن يراعي حوائجهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام أمرهم ألا ينقلوا قتلاهم، إذاً: أين سيدفنون؟ سيدفنون عند الجبل.

    القتلى سبعون، والناس في أسى وحزن وقرح لا يستطيعون حفر سبعين قبراً، ولا يوجد دافع نفسي معنوي، فقد صلوا خلف نبيهم الذي صلى الظهر قاعداً وصلوا خلفه قعوداً من الأسى والحزن، هنا قال: (احفروا وأعمقوا) وذلك حتى يحتمل القبر أكثر من شخص، فيقل الجهد البدني المبذول في الحفر، وهذا كله مراعاة لهم منه صلى الله عليه وسلم.

    وتمر الأيام، وتطوى الليالي، فيمر صلى الله عليه وسلم على أحد فيقول: (هذا أحد) وهو لا يشير إلى مجهول فكل الصحابة يعرفون أنه أحد، فماذا كان يتوقع الإنسان أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله:(هذا أحد)؟

    الجواب: يتذكر الأسى، لكنه قال: (جبل يحبنا ونحبه)، وذلك لأمور: أولها: تأسيس العقيدة أو تركيز العقيدة، والمعنى: أن الأماكن لا تقدم ولا تؤخر، ولا تنفع ولا تضر، فإن أصابكم الأسى والحزن تحت سفح أحد لكن ذلك لا يعني التطير منه أو التشاؤم به، أو ما إلى ذلك.

    بل هذا الجبل الذي قتلتم عنده يحبنا ونحبه.

    فائدة أخرى: وهو أنه ينقلب الحال بعد ذلك، فإذا كان يحبنا ونحبه فإننا نتذكر عنده شهداءنا رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذه دلالة عظيمة على كرامة الشهيد عند الرب تبارك وتعالى.

    تاريخ جبل طي

    المقدم: ومن الجبال التي لا يمكن أن تخفى في مثل هذه الحلقة جبل طي فنتحدث عن قصته؟

    الشيخ: جبل طي -أجا سلمى- يقعان في حائل، وهناك نشأ حاتم الذي تضرب به العرب المثل في الجود، والحق أن السر ليس في حاتم نفسه، بل في المنطقة كلها، فما زال أهل حائل -أدام الله فضلهم- في كرم وجود.

    وورد في حديث عروة بن مضرس قال: (يا رسول الله! أتيتك من جبلي طي، فأجهدت نفسي وأكللت راحلتي، ما تركت جبلاً -يعني: من عرفات وغيره- إلا وقفت عليه)، ولما مات حاتم جاء ابنه عدي ، وفي تلك المنطقة التاريخية وقعت أحداث عظام جليلة من أشهرها ما كان حاتم يصنعه:

    أماوي إن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر

    أماوي إني لا أقول لسائل إذا جاء يوماً الحل في مالنا نزر

    إلى غير ذلك مما يبين الكرم الحاتمي الذي كان موجوداً عند جبلي طي، أي: جبلي حائل.

    جبل عير

    المقدم: ننتقل أيضاً إلى ما يتعلق بجبل عير، فنريد أن تتكلموا عليه؟

    الشيخ: جبل عير في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الجنوب، وهو حد الحرم الجنوبي.

    وقيل: إنه سمي عيراً -وأنا أعرفه جيداً- لأن قمته مستوية، فشبه بظهر الحمار.

    وقد ورد في الحديث: (المدينة حرم من عير إلى ثور) ووقع الخلاف في أين يقع ثور على ثلاثة أقوال، وليس هذا موضع تفصيله، لكن وردت أحاديث تذكر أنه جبل من جبال النار؛ لكن لم يثبت عندي في صحتها شيء.

    جبل الطور

    المقدم: ننتقل إلى جبل الطور قصته مع موسى عليه السلام.

    الشيخ: جبل الطور بعض العلماء مثل صاحب التحرير والتنوير رحمة الله عليه يقول إنه اسم بالسريانية، وأظنه بعيداً.

    والذي أفقهه أنا من العربية -والعلم عند الله- أن الطور يطلق على الجبل الذي فيه شجر، فكل جبل نبت فيه شجر فهو طور، لكن ينبغي تحرير المسألة.

    الله جل وعلا كلم موسى مرتين: مرة عند قدومه من أرض مدين، ومرة عندما ترك قومه في أرض التيه وذهب لميعاد ربه.

    ويوجد شبه جزيرة سيناء: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون:20]، ويوجد واد، ويوجد جبل، فالجزيرة اسمها سيناء، والوادي اسمه طوى، والجبل اسمه الطور، فالله جل وعلا كلم موسى عند الجانب الأيمن من جبل الطور الذي في وادي طوى المبارك، الوادي الذي في شبه جزيرة سيناء.

    وهذا جمع بين الآيات، كما نقول: إن مثلاً النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين عند مسجد الشجرة، أي: في قضية الميقات في ذي الحليفة.

    فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عند الشجرة في الوادي المبارك الذي هو وادي العقيق في المدينة المنورة.

    جبل رضوى

    المقدم: نختم الكلام عن الجبال بما يتعلق بجبل رضوى.

    الشيخ: جبل رضوى يقع الآن تقريباً في ينبع النخل في الجهة الغربية الساحلية من بلادنا، وأنت ذاهب إلى العيص، وأنا كنت مرة مع أحد الفضلاء ممن تخصصوا في العربية وهو الأستاذ عواد السناني فكنا ماضين وأنا لم أر رضوى من قبل، وكنت ذاهباً إلى محافظة العيص المباركة، فلما مررنا قال: انظر، فنظرت، فتذكرت بيت حسان :

    شماريخ رضوى عزة وتكرما

    فكان إسناد المجد إلى شماريخ رضوى الذي صنعه حسان أمراً يصور الواقع تماماً، (وما راء كمن سمعا) فلو رأيت علمت يقيناً ما قاله حسان.

    وعلى العموم فإن العرب تجعل الجبل مثالاً للعلو، وللمجد، وللكبرياء، وللأنفة، ولمعالي الأمور، يقول الفرزدق في هجائه لـجرير :

    فادفع بكفك إن أردت بناءنا ثهلان ذا الهضبات هل يتحلحل

    يحيله إلى جبل مشهور عندهم، فبين أن مجد بني تميم الذين منهم الفرزدق -وكلهم من تميم لكن يختلفون في البيوت- لا يمكن أن يقارن ببيتك، وإنك عندما تريد أن تهدم بنياننا بقصائدك كمن يريد أن يزحزح ذلك الجبل العظيم ثهلان من مكانه.

    1.   

    السؤال عن الروح

    معنى الروح وذكر مستقر الأرواح

    المقدم: يقول عز من قائل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85]، والمعروف أن سورة الإسراء مكية وهذا التساؤل كان في المدينة، فكيف تكون آية مدنية في سورة مكية؟ وما هي الروح؟ وأين مستقر الأرواح؟

    الشيخ: نعم، جاء في البخاري عن ابن مسعود أن السؤال كان في المدينة.

    لكن يجاب عنه بأن سورة الإسراء أكثرها مكي إلا هذه الآية لدلالة حديث البخاري أنها نزلت في المدينة، ومعلوم أن السور لم تكن تنزل جملة واحدة، إلا ما ذكر عن سورة الأنعام أنها نزلت جملة واحدة.

    أما الروح فاختلف فيها.

    اختلف أولاً في المقصود بالروح، فقيل إنه عيسى، وحجة من قال بهذا القول كلمة (وروح منه).

    وقيل: إنه الوحي، كما في قوله: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52].

    وقيل: إنه جبريل: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا [القدر:4].

    لكن هذه الأقوال كلها بعيدة، والأصل صرفها إلى الروح المعروفة.

    وقوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85]، هذه من علم الغيب الذي استأثر الله جل وعلا به ولم يطلع عليه أحداً من الخلق.

    أما مستقرها من حيث الجملة، فأرواح المؤمنين في عليين: كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18]، وأرواح الفجار في سجين: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين:7]، وجاءت آثار صحيحة أن روح الشهيد في حواصل طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش في الجنة.

    الثبات والجزع عند فراق الروح

    المقدم: معلوم أن الموت انفصال الروح عن الجسد، وبما أن الحديث عن الروح فقد وردت في التاريخ بعض القصص الأدبية عن أناس ثبتوا عند الموت، وأناس جزعوا، فلو ذكرت طرفاً من ذلك.

    الشيخ: الموت مخيف وقد سماه الله مصيبة، ولا يوجد أحد يحب الموت كما قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن التعلق بالحياة شيء فطري لكن هناك أناس ثبتوا وأناس جزعوا، ومما ذكر أن أحد الرجال الذين حكم عليهم بالقتل كان فصيحاً قبل أن يقتل، فالحاكم الذي أراد أن يقتله أخرج له كفناً منشوراً، وأمر الجلاد أن يسل السيف وحفر قبره، فقيل له: ألا تتكلم؟ قال: من أين أتكلم؟ قبر محفور، وسيف مشهور، وكفن منشور.

    ومر معنا مراراً أن تميم بن جميل أحد الذين خرجوا على المعتصم كان وسيماً، وفي نفس الوقت كان فصيحاً، فأراد المعتصم أن يعرف موقع لسانه من جنانه، فقدمه وقد سل السيف وجيء بالنطع والجلاد، فقال:

    أرى الموت بين السيف والنطع كامناً يلاحظني من حيث ما أتلفت

    وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي وأي امرئ مما قضى الله يفلت

    يعز على الأوس بن تغلب موقف يسل علي السيف فيه وأسكت

    وما جزعي من أن أموت وإنني لأعلم أن الموت شيء مؤقت

    ولكن خلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسرة تتفتت

    كأني أراهم حين أنعى إليهم وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا

    فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة أذود الردى عنهم وإن مت موتوا

    وقتل رجل رجلاً قبل عهد معاوية ، وفي عهد معاوية حكم عليه بالقصاص لما كبر القصار، فجيء به في ساحة القصاص ليقتل فتبعته امرأته، تخبره بوفائها وحبها له، فنظر إليها وقال: هذا صنع من تريد الحياة، فجدعت أنفها، فلما جاء أمير البلدة ليحضر قتله، وحركت الأبواب ولها صرير، وجاء الحرس فقال:

    أذا العرش إني عائذ بك مؤمن مقر بزلاتي إليك فقير

    وإني وإن قالوا أمير مسلط وحجاب أبواب لهن صرير

    لأعلم أن الأمر أمرك إن تدن فرب وإن ترحم فأنت غفور

    1.   

    السؤال عن الساعة وخروج الدجال

    المقدم: نختم بقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ [النازعات:42]، وقد تكرر كثيراً في القرآن الكريم، والحديث عنه قد يطول، لكن نقف وقفة سريعة مع الدجال، لا سيما منعه من دخول المدينة.

    وقبل هذا فقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [النازعات:42]، ولم تعقب بجواب، فما الحكمة في ذلك؟

    الشيخ: قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا [النازعات:42-43].

    كان الجواب بلاغي في بيان أن هذا النبي لا يملك الإجابة، وهذا نوع من الجواب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).

    أما الدجال ، فالمسيح مسيحان: مسيح ضلالة وهو الدجال ، ومسيح هداية وهو عيسى بن مريم، والأصل أن كلاً منهما يسمى المسيح؛ لأنهما يطوفان الأرض، هذا الغالب، لكن سنقف عند وقوف الدجال في المدينة.

    في الجهة الشمالية الغربية من المدينة موقع يقال له الجرف، وأول من سماه بكلمة الجرف تبع اليماني ، وهو أول قرية معمورة وأول ما سكن من المدينة، هذا الجرف ينيخ الدجال عسكره عنده، تمنعه الملائكة من دخول المدينة.

    والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة)، هذه المدينة موئل عظيم للعلم والإيمان.

    جاء في حديث أبي سعيد الخدري أنه يخرج إليه شاب من خير أهل الأرض يومئذ، وجاء في رواية: (بل هو خير أهل الأرض يومئذ).

    اجتمع في هذا الرجل الشاب الذي خرج صفتان: بهاتين الصفتين يسود الناس، وهما العلم والإيمان، فهو على إيمان واثق يرد به الشهوات، وعلى علم يرد به الشبهات.

    والأصل عدم الخروج للدجال، لكن هذا الرجل متمكن علمياً وإيمانياً، ونحن نطالب كل من يتصدر، ونطالب الشباب بالحذر من أن يلقوا أنفسهم في قضايا مهلكة بدون علم وأحياناً بدون إيمان.

    المقصود أن هذا الرجل يخرج للدجال فيريد أن يقتله من دون الدجال من الخدم والحاشية والحرس، فيقولون: إن ربكم قد أمركم ألا تقتلوا أحداً دونه، فيأتون به بين يدي الدجال فيسأله الدجال، فيقول عندما يراه: ما ازددت إلا إيماناً أنك كاذب، أي: كفراً بك، فيقطعه الدجال قطعتين، ثم يمشي بينهما ثم يعيده، فيقول: ما ازددت إلا كفراً بك.

    لأن الرجل يحمل العلم مع الإيمان، فالإيمان منعه من أن يأخذ إغراءات الدجال من الجنة والنار التي معه.

    والعلم عصمه من أن يسمع كلام الدجال ويغتر بفتنته.

    هذا الرجل الشاب أنموذج للقدوة في قضايا العلم والإيمان.

    ثم إن الدجال تنهره الملائكة جهة الشام فيتوجه إلى الشام فيقتل على يد عيسى بن مريم.

    1.   

    السبب في أن أبا اليسر عمر طويلاً

    السؤال: ما السبب في أن أبا اليسر رضي الله عنه وأرضاه عمر طويلاً وأدرك أحفاد الصحابة؟

    الشيخ: السبب أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر فدعا له النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (اللهم متعنا به)، قال رضي الله عنه: والله لقد متعوا بي، أي: عمر ومتع الناس به حتى أدرك أحفاد الصحابة، وكان السبب هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.

    1.   

    الأسئلة

    القرآن وأثره في الخشية

    السؤال الأول: سائل يسأل عن قوله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]، فما تعليقكم على هذه الآية؟

    الشيخ: هذه من أعظم آيات القرآن تأثيراً في النفوس، وقد لا يكون المقام مناسباً للكلام عنها؛ وقد قلنا: إن الله جل وعلا ذكر الحديد وألانه لداود، وذكر الحجارة ولم يخبر أنه ألانها لأحد، لكنه ذكر جل وعلا أن قسوة القلب تجعل من القلب أعظم من الحجارة: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74]، ثم ذكر جل وعلا أن هذا القرآن لو أنزل على حجارة سوداء وصخور صماء لتزلزلت: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21].

    وقال جل وعلا: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى [الرعد:31]، إلى غير ذلك من الآيات التي يخبر الله جل وعلا فيها أن هذا القرآن كلامه جل وعلا نزل به جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معجزة نبينا الخالدة.

    كتب التفسير التي تهتم بالعقيدة

    المقدم: ما هي كتب التفسير التي اهتمت بآيات العقيدة؟

    الشيخ: هذا يرجع لشأن المفسر نفسه، مثلاً: الإمام الشنقيطي رحمة الله عليه له عناية، الحافظ ابن كثير وابن سعدي يهتمان بذلك.

    وأحياناً تكون هناك رسائل مستقلة يأخذها العلماء المعاصرون كدراسات عليا فمثلاً هناك كتاب اسمه: (مسائل العقيدة في سورة الزمر) وهو رسالة ماجستير، وإن كنت لا أحفظ من صاحبه.

    علم المناسبات بين السور

    المقدم: سائلة تسأل عن علم المناسبات بين الآيات والسور؟

    الشيخ: هذا صنف فيه، لكن بعضه تكلف واضح جداً وبعضه غير مقبول.

    يقول الله جل وعلا في خاتمه سورة طه: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى [طه:135]، فقد يقال: متى؟ فقال بعدها في أول سورة الأنبياء: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1].

    فهذه مقبول جداً، لكن بعض العلماء أفرط فيه إفراطاً غير مقبول.

    الشعور بالغربة في المدينة النبوية

    المقدم: سائلة ذكرت أنها زارت المدينة لكنها تشعر بغربة؟

    الشيخ: قالت إنها تشعر بالغربة فهل تأثم أو لا؟ لا تأثم؛ لأن هذه غربة لعدم وجود أهل وهذا شيء جبلي، نسأل الله أن يكتب لها الأنس في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حكم قاتل علي رضي الله عنه

    المقدم: سائل يقول: إن قاتل علي رضي الله عنه كان معلماً للقرآن؟

    الشيخ: قاتل علي هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، وكان في ظاهره كثير الصلاة، وهو لم يؤت من كثرة عبادته، بل من قلة علمه، واعتقاده الباطل، وقد كنا ننبه عليه كثيراً أن الإنسان لا ينظر إلى عبادة المرء فقط بل ينظر إلى علمه، وهذا الرجل أدخل نفسه فيما لا قدرة له عليه، فلم تنفعه كثرة عبادته لما كانت مبنية على ضلال، وهو أحد زعماء الخوارج الأولين، أسأل الله العافية.

    المراد بالسائل في سورة الضحى

    المقدم: سائل يسأل عن قوله تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:10]، ما المراد بالسائل هنا؟

    الشيخ: قوله: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:10]، الصواب عندنا أنه ينصرف أول ما ينصرف إلى المسترشد، لا الذي يطلب مالاً وطعاماً، لكنه يندرج ضمناً.

    كيف أنزل الله التوراة والإنجيل

    المقدم: التوراة والإنجيل هل أنزلتا بوحي كالقرآن؟

    الشيخ: التوراة نزلت مكتوبة، قال الله جل وعلا: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [الأعراف:145].

    وأما الإنجيل فالأصل أنه أنزل عن طريق جبريل.

    معنى قوله تعالى: (وهزي إليك بجذع النخلة)

    المقدم: قال تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم:25]، السؤال: كيف تهز وهي في حال ضعف؟ وهل هذه النخلة كان لها رطب موجود؟

    الشيخ: النخلة كانت يابسة، هذا المشهور عند العلماء، وأراد الله جل وعلا أن يبين لها كرامتها عنده، لكن أراد أن يبين لها أن كل شيء ربطه الله بالأسباب، فأمرها الله أن تهز الشجرة وهو قادر على أن يطعمها من غير هز حتى تسعى سعياً حثيثاً في طلب ما كتب لها.

    فلما هزت على ضعفها أثمرت الشجرة وأسقطت ما فيها من تمر: تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم:25]، الشاهد أنها عملت على ضعف، لكن لما كانت المسألة معجزة نفع ذلك الضعف، وإلا فإنه في مقاييس البشر لا يمكن أن ينفع:

    ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع يساقط الرطب

    ولو شاء أن تجنيه من غير هزة جنته ولكن كل شيء له سبب

    موت سليمان عليه السلام

    المقدم: سائلة تسأل عن قصة موت سليمان عليه السلام على عصا، وكيف يتفق مع تخييره بين الحياة والموت؟

    الشيخ: سليمان لم يمت على كرسيه، بل مات متكئاً على عصا، قال الله جل وعلا: فَلمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14]، وهو لا يتعارض مع أنه عليه السلام خير ما بين الحياة والموت واختار الموت، ثم قبضت روحه وهو متكئ على منسأته أي: على عصا.

    ثم أراد الله أن يحفظه جسداً، وحفظ الله للأنبياء أجساداً واقع، سواء فوق الأرض أو تحتها، فهم في القبور محفوظون، فأراد الله أن يتكئ على منسأته فتراه الجن فتهابه، فلا تزال تعتقد أنه حي حتى يظهر للناس جهلها، قال الله جل وعلا: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756597746