إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد الله الجلالي
  5. كيف حافظ الإسلام على الفضيلة وحارب الرذيلة

كيف حافظ الإسلام على الفضيلة وحارب الرذيلةللشيخ : عبد الله الجلالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد دعا ديننا إلى الفضيلة، وأرشد إليها، وحث عليها، ومدح أصحابها، وحارب الرذيلة، وحذر منها، وشنع على مرتكبيها، فإن داعي الفطر السليمة، والنفوس المستقيمة يدعو إلى الفضائل والمكارم، ويكره الرذائل ووسائلها وما يؤدي إليها، لذلك فديننا يوافق الفطر الصافية. فعلى المسلم أن يحذر من الوقوع في الرذيلة ومن نشرها، لما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة، بل عليه أن يتحلى بالفضائل، وينشرها في الخافقين.

    1.   

    مجمل الاحتياطات التي وضعها الإسلام لمحاربة الرذيلة

    الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبارك، وعلى آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أحبتي في الله! القرآن هو منهج الحياة، والأمة في العصور الماضية ما كانت تفكر أن هناك نظاماً سوف ينافس القرآن، ونحن الآن نتأكد أنه لن ينافس القرآن شيء، لكن ظن أعداء الإسلام أنهم سوف ينافسون القرآن وينازعونه بأنظمتهم وقوانينهم ولكن يأبى الله إلا أن تتعقد الحياة ويختلط الحابل بالنابل حتى يعود الناس إلى كتاب الله جملة واحدة قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:209] أي: في جميع شرائع الإسلام.

    ولذلك لا تعجبوا يا إخوتي! وأنتم ترون العالم اليوم وقد أمسك بالزناد ينتظر حروباً دامية، بل لا تكاد تسمع أخبار العالم عبر الأثير إلا وتسمع المجازر والمذابح، هذا ليس غريباً؛ لأن الناس إذا أعرضوا عن كتاب الله عز وجل سوف يحدث أكثر من ذلك؛ لأن الله تعالى قال: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38] وبالمفهوم من أعرض عن هدى الله فعليهم الخوف وعليهم الحزن.

    وفي آية أخرى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:132-124].

    يقول الله تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة:137] (فَإِنْ آمَنُوا) أي: العالم (بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ) أيها المسلمون (فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) ولذلك يحاول الغرب عبثاً أن يقودوا هذا العالم على غير عقيدة، وعلى غير منهج من عند الله، ويأبى الله ذلك حتى يعود الناس كلهم إلى كتاب الله وإلى تشريعه.

    ليعلم الناس أجمعون وليبلغ الذين يسمعون من لا يسمعون أن هذه الأمة لا تتفق إلا على منهج صحيح؛ ولذلك هنا في بلدنا هذه لها من الأمن بمقدار ما تطبق من شرع الله، قال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] كما أنها لو تخلفت ولم تطبق شرع الله فسيكون نصيبها من ضياع الأمن ووجود شيء من الفوضى، فلينتبه الغافل وليعلم الجاهل.

    أيها الإخوة: الحلقة التي اخترناها في هذه الليلة هي: كيف حافظ الإسلام على الفضيلة وحارب الرذيلة، ولذلك اخترت لكم النصف الأول من سورة النور؛ لأن سورة النور سورة عظيمة جداً وكل القرآن عظيم، لكن لفت القرآن نظرنا إلى عظمة سورة النور، فبدأها بقوله تعالى: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [النور:1] وكان هذا اللفت للنظر يثير الانتباه، بحيث يجب على المسلمين أن يقرءوا سورة النور، ولربما يكون في سورة النور شيء يجرح المجرمين، لكنه في الحقيقة يصلح المجتمع، ولذلك فسورة النور في نصفها الأول تحارب الرذيلة التي لها دعاة في أيامنا الحاضرة، لكنهم لا يقولون: نحن نريد الرذيلة ونريد أن ينتشر الزنا في المجتمع، وهم في الحقيقة إنما يريدون ذلك؛ لأنهم حينما يكثرون علينا في أمر المرأة، المرأة، المرأة، والله ما يريدون خيراً للمرأة، وإنما يريدون للمرأة أن تفسد فيفسد المجتمع، فتخف وطأة الطريق الطويلة التي يبحثون فيها عن الفاحشة، فتكون هذه المرأة في متناول أيديهم، ولكن يأبى الله إلا أن تبقى هذه الأمة -لاسيما في جزيرة العرب منشأ الإسلام- آمنة مطمئنة محافظة على دينها وأخلاقها، رغم أنوف هؤلاء الحاقدين.

    اخترت لكم النصف الأول من سورة النور والعجيب أن هذا النصف بدأ بما يلفت النظر وختم بمثل ذلك، فأول آية فيها: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:1] وآخر آية في هذا النصف: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [النور:34].

    هذه السورة كلها مدنية، ونصفها الأول يركز على موضوع واحد وهو موضوع الأخلاق والفضائل واحترام المرأة ومحاربة الزنا، وإقرار قواعد الفضيلة ومحاربة الرذيلة، فيقول الله عز وجل في مطلع هذه السورة: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا).

    ثم يبين أسساً تكفي لحماية أي مجتمع من العابثين الذين يريدون أن تشيع فيهم الفاحشة، فأول آية بعد هذه الآية قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2].

    إذاً: هي ركزت على محاربة الزنا، وأول احتياط جاء في هذه السورة هو الحد، وسميت الحدود حدوداً لأنها حواجز أمام النفس البشرية تمنع من الوقوع في الفاحشة؛ لأن النفوس البشرية في طبيعتها تهوى هذا الأمر؛ لأن الشهوات قد ركب عليها الإنسان وكذلك كل مخلوقات الله تعالى الحية ركبت على هذه الشهوة، ولا بد من حماية جانب الأخلاق ما دامت هذه الشهوات موجودة.

    إن إقامة الحدود أمر عظيم، وما حصل في العالم الإسلامي اليوم من خلل فإن أكبر أسبابه تعطيل هذه الحدود، تراهم يتعاطفون مع المجرم ويقولون: إن تطبيق الحدود من قطع يد السارق، ورجم الزاني، وقتل القاتل، فيها قسوة ووحشية، أهذه هي الوحشية.

    أم الوحشية العبث في أخلاق الناس وفي أموال الناس وفي أمن الناس وفي أعراضهم؟! الأخيرة هي الوحشية حقيقة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (حد يقام في الأرض خير لها من أن تمطر أربعين خريفاً).

    إذاً: الاحتياط الأول: هو الحد: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).

    الاحتياط الثاني: هو المحافظة على سمعة المجتمع بحيث يصبح هذا المجتمع لا يتحدث فيه عن الرذيلة، لأن الحديث عن الرذيلة يخفف وطأة الجريمة على الإنسان، ولم تعد كلمة الزنا تصك الآذان؛ لأنها أصبحت مبذولة وأصبحت سهلة مألوفة لدى الناس، لذلك جاء الاحتياط الثاني: وهو حد القذف، قال عز وجل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4].

    الاحتياط الثالث: في جانب الاختلاط، ولذلك لا تعجبوا يا إخوتي حينما جاء أعداء الإسلام ونشروا الاختلاط في الجامعة وفي المدرسة وفي السوق وفي المكتب وفي كل شيء؛ لأنهم يعلمون أن هذا تمهيد للفاحشة.

    أما الإسلام فقد حارب الاختلاط كما في قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27].

    الاحتياط الرابع: هو غض البصر؛ لأن النظرة سهم مسموم كما أخبر الله عز وجل في الحديث القدسي بقوله: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركه من أجلي، أبدلته إيماناً يجد لذته في قلبه).

    الاحتياط الخامس: الزواج، الذي يدعو إلى هجره كثير من أعداء الإسلام، ويقولون: العشق خير من الزواج، وهنا كلمة عند الإنجليز متداولة عند بعض شباب المسلمين: إذا كان اللبن يباع في الأسواق فلا حاجة إلى أن تشتري بقرة، يقولون هذا بلغتهم الخاصة.

    إذاً: لا حاجة إلى الزواج ما دمت تستطيع أن تشبع هذه الرغبة من غير زوجة ترتبط بها وترتبط بك، وتطالبك بالنفقة وغيرها من التكاليف، وربما تنجب لك أولاداً وهؤلاء الأولاد يكلفونك تكاليف كثيرة لا حاجة إليها، يقولون ذلك من أجل أن ينشروا الجريمة في المجتمع.

    أما الإسلام فقد ركز على هذه الأمور الخمسة وهي التي ستكون إن شاء الله موضوع حديثنا في هذه الليلة، مع مراعاة بعض الألفاظ اللغوية أو بعض الألفاظ النحوية التي تعرض لنا في هذه الآيات، وكذلك بعض الأحكام مع إشارة يسيرة إلى بعض الخلافات التي ربما نضطر إليها لتوضيح أمر من الأمور، التي أصبحت مثار جدل ككشف الوجه والكفين وما أشبه ذلك من الأمور التي يناقش فيها طائفة من الناس اليوم، وهم لا يريدون الوجه والكفين حقيقة، وإنما يريدون أن تتفسخ المرأة، لكنهم يبدءون بالوجه والكفين، ولذلك هم يقولون: إن كشف الوجه والكفين جاء به القرآن؛ لأن الله تعالى قال: إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] كما سيأتينا إن شاء الله في الآية، وهؤلاء لو كانوا يقفون عند حد الوجه والكفين لكان الأمر معقولاً؛ لأن هذا الرأي قديم لبعض العلماء، لكن هم يريدون أن يكون هذا مدخلاً للتفسخ؛ لأن كشف الوجه يعتبر إزالة للحياء من وجه المرأة، فإذا كشفت الوجه تفعل ما تشاء.

    1.   

    حماية الفضيلة ومحاربة الرذيلة بتشريع حد الزنا

    يقول الله تعالى: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا [النور:1].

    (سورة): خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذه سورة.

    والسورة مأخوذة إما من السوار، وهو ما يحيط باليد، أو من السور وهو الجدار المرتفع؛ لأن كل سورة من القرآن أحيطت بسور منيع من أولها إلى آخرها، فهي كالسور المنيع الذي يلتجئ إليه الخائف.

    قوله تعالى: (أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا) نفهم منها: أن القرآن منزل غير مخلوق، خلاف ما يقوله المبتدعة الذين أحدثوا في دين الله تعالى.

    أما الفرض فمعناه في اللغة: القطع أي: قطعنا بها، والمراد بقوله: (وفرضناها) أي: ألزمنا المسلمين بها إلزاماً مع أن القرآن كله ملزم، لكن لما كانت هذه السورة تحمل أهمية خاصة في حياة الأمم وفي شرف الأمم، قال الله تعالى: (وَفَرَضْنَاهَا).

    قوله: (وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) والمراد بالآيات البينات ما سنذكره إن شاء الله من الأحكام والأخلاق والفضائل في النصف الأول من هذه السورة، أو ما يأتي في آخر السورة من الآيات الكونية التي وضعها الله عز وجل في هذا الكون، لتكون علامة على قدرة الله ووحدانيته تعالى.

    وقوله: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (لعل) أصلها للترجي في لغة العرب، لكن إذا جاءت من الله عز وجل فليست للترجي وإنما هي للتوقع، أي: يتوقع تذكركم إذا قرأتم هذه السورة وعملتم بها؛ لأن الترجي لا يكون إلا من الأدنى إلى الأعلى، أما من الله سبحانه وتعالى فإنه لا يترجى وإنما يفرض أمره فرضاً، ولذلك يكون (لعل) هنا بمعنى اللام: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي: لتتذكروا.

    بدأت الأحكام في هذه السورة بقوله سبحانه: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] هنا شيء يلفت النظر في هذه الآية، لا تجد آية في القرآن ولا حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بالمرأة وإنما يبدأ بالرجل؛ يقول الله تعالى: ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]، ويقول سبحانه: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] وليس معنى ذلك أن المرأة محتقرة، لكن هما شيئان أحدهما أفضل من الآخر، ويبدأ بالأفضل، ولذلك جاءت هذه الآية على خلاف المعروف في آيات القرآن العظيم، حيث بدأ بالمرأة ولم يبدأ بالرجل فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) مع أننا نجد في سورة المائدة: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ [المائدة:38] فلماذا بدأ بالمرأة؟

    لأن المرأة عندها من الدوافع إلى الزنا أكثر مما عند الرجل، لكن من نعمة الله عز وجل أن جعل المرأة لا تتحرك إلا إذا حركت، كما أن المرأة عندها من القدرة على نشر الفاحشة في المجتمع أكثر من قدرة الرجل، لو أن واحداً من الناس فسدت أخلاقه نعوذ بالله، وانحط في المجتمع، فإنه يفسد فرد وحده، لكن تصوروا امرأة واحدة لو فسدت في أمة لأفسدت أمة بأكملها، لو امرأة خرجت متبرجة في أكبر سوق من أسواق مدينة ما، فإنها ستفتن دين أمم ورجال كثيرين.

    ولذلك قدمت المرأة على الرجل إشارة إلى أن عرض المرأة حساس، فهي إن وقعت في هذه الفاحشة نعوذ بالله سوف تدخل أولاداً على زوجها إن كان لها زوج ليسوا منه، وتدخل على مجتمعها وعلى بيتها أولاداً ليسوا شرعيين، لا تجد من يتزوجها إذا عرف أنها وقعت ذات يوم في فاحشة، بخلاف الرجل قد يُنسى أمره؛ ولذلك قدم الله تعالى المرأة على الرجل هنا من أجل أن يعلم الناس حساسية عرض المرأة، فهو أكثر حساسية من الرجل وأكثر خطورة من الرجل.

    الرجل يمكن أن يفسد امرأة أو امرأتين لكن المرأة باستطاعتها أن تفسد آلاف الرجال معها.

    والزنا في الشرع معناه: هو الوطء في فرج حرام، هذا يسمى زنا.

    (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) والجلد معناه: ضرب الجلد، ومائة جلدة هذا حكم خاص بالزاني غير المحصن؛ لأن الزاني في شرع الله عز وجل على نوعين: محصن، وغير محصن.

    فالمحصن هو الذي تزوج ووطأ زوجته التي يوطأ مثلها بنكاح صحيح، وهما بالغان عاقلان حران.

    أما غير المحصن فهو الذي لم تتوافر فيه هذه الشروط، والمحصن يرجم بعد أن يجلد، وغير المحصن يجلد مائة جلدة ويغرب سنة، هذا شرع الله عز وجل في حكم الزاني المحصن وغير المحصن، مع اختلاف بين العلماء في الجلد قبل الرجم.

    أما بالنسبة للجلد والتغريب فهذا ورد في الشرع بأدلة كثيرة، وبعض العلماء يرى أن سجن المرأة لمدة سنة يكفي عن التغريب، المهم أن تغيب عن المجتمع التي فعلت فيه هذه الفاحشة.

    قوله تعالى: (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) هذا خطاب للحكام وللقضاة ولعامة الناس، ولذلك يا أخي! إذا مررت بامرأة تجلد أو رجل يجلد؛ بسبب الزنا فلا تجعل الرحمة في قلبك وتقول: والله هذا مسكين، أو هذه مسكينة، فتخالف أمر الله عز وجل، ولكن قل: هذا شرع الله الذي يطهر المجتمع، كما أن هذه الرأفة والرحمة لا يجوز أن تأخذ القضاة أو الحكام إلى أن يتساهلوا في تنفيذ هذه العقوبات.

    والرأفة معناها: الرحمة والرقة، مع أن الله أمر المؤمنين دائماً وأبداً بالرحمة، لكن في باب الحدود لو طبقت هذه الرحمة لعطلت الحدود؛ ولذلك أصحاب القوانين الوضعية -قاتلهم الله أنى يؤفكون- في أيامنا الحاضرة يظهرون العطف على المجرم ويقولون: شهوة واحدة صغيرة في لحظة نرجم بسببها إنساناً أو نجلده مائة جلدة، هذه عقوبات قاسية، يسمونها العقوبات البشعة، وكأنهم أرحم من الله عز وجل الذي يعلم ما يصلح البشر.

    والحقيقة أنهم كاذبون فليست هذه رحمة، وإنما هذا تفلت من حكم الله عز وجل؛ لأنهم ابتلوا بهذه الجرائم بأنفسهم.

    قوله تعالى: (إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) هذا خطاب للمؤمنين، وهذا لإثارة الإيمان في النفس أي: إن كنت مؤمناً فلا تتعاطف مع أهل الرذيلة، كما تقول لفلان: إن كنت رجلاً فافعل كذا، تريد أن تثير حمية الرجولة في نفسه.

    أيضاً عقوبة أخرى يقول عز وجل: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] لا يكون الجلد داخل مكتب الشرطة، ولا يكون داخل مركز الهيئة، وإنما يجب أن يكون على مرأى من الناس؛ لأن الفضيحة التي يشعر بها صاحب الجريمة يجدها في نفسه أشد من الجلد؛ والستر مطلوب دائما وأبداً، لكن إذا بلغت الحدود السلطان فلا يصلح الستر ما يقال: هذا ابن فلان أو ابن الأكرمين، أو ابن الرجال أو ابن الملوك أو ابن الأمراء يجلد داخل مكان كذا، بل يجب أن يكون على مرأى من الناس، ولا بد أن تشهد هذه العقوبة.

    قوله: (طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي: من المسلمين المطبقين لأوامر الله عز وجل؛ لأجل أن يشعر هذا بالفضيحة فيرتدع، ومن أجل أن يرتدع من يرى هذه الحدود وهي تقام.

    وإقامة الحدود تقر عيون المؤمنين دائماً وأبداً، ولذلك يجب أن يشهد هذه العقوبة طائفة من المؤمنين.

    أمر الحدود انتهينا منه في هذه الآية، أي: استقر الأمر أن يرجم الزاني إذا ثبت الزنا وكان محصناً، أو يجلد مائة جلدة إن لم يكن محصناً.

    يا إخوتي! لا تظنوا أن الإسلام حينما يشرع هذه الحدود إنما يقيم مجازر، فالإسلام الذي وضع هذه العقوبة شدد في أمر ثبوت الزنا، ولذلك فإن الزنا في تاريخ الإسلام الطويل منذ أن نزلت هذه السورة إلى يومنا هذا ما ثبت بالشهادة، مستحيل أن يثبت بالشهادة؛ لأن الشهادة ليست في حد الزنا أن يرى الرجل على المرأة، وإنما هي أن يرى ذكره في فرجها عياناً، وأن يراه أربعة، حتى لو رآه واحد أو اثنان أو ثلاثة لا تقبل شهادتهم، بل لا بد من أن يكونوا أربعة شهود.

    إذاً معنى ذلك: أن حد الزنا لم يثبت بالشهادة وإنما ثبت بالاعتراف، أو بالتهمة، والتهمة لا تأخذ حكم الحدود وإنما تأخذ حكم التعزير، كما يفعله القضاة والحكام من وضع عقوبات للزناة في أيامنا الحاضرة، إما أن يكون تعزيراً على تهمة أن فلاناً وجدت عنده فلانة في بيته، وهذه مظنة الزنا، لكن لا يقام عليه الحد، وإنما يعزر تعزيراً بحيث ينقص عن مقدار الحد، ولكن يجوز للقضاة والحكام التعزير وليس له حد محدد.

    وإما أن يعترف الزاني، وهذا لم يثبت إلا نادراً في تاريخ الإسلام كما حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات:

    قصة ماعز رضي الله عنه.

    وقصة المرأة الغامدية .

    وقصة الرجل الذي قال: (يا رسول الله! إن ابني هذا كان عسيفاً عند فلان فزنى بامرأته)، وقد حكم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكن بعد أن اعترفت المرأة واعترف الرجل.

    إذاً: لم يثبت الزنا إلا بطريق الاعتراف؛ لأن الاحتياطات التي وضعت في طريق هذه الحدود عظيمة وشديدة، حتى قال العلماء: لو اعترف الإنسان بالزنا ثم تراجع عن اعترافه يترك ولو بدأنا في رجمه أو جلده؛ لأنه جاء في قصة ماعز رضي الله عنه أنه لما جاء فاعترف، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يرجم، فلما بدءوا يرجمونه أوجعته الحجارة فهرب فقضوا عليه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه)؛ لأنه جاء معترفاً، فهنا تراجع عن اعترافه.

    قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] هذه جاءت بين حد الزنا وحد القذف، هذه الآية لها سبب في نزولها، وهو (أن امرأة تدعى أم مهزول كانت مشهورة عند الناس بالزنا نعوذ بالله، فجاء رجل من المسلمين ليخطبها، فاستشار الرسول صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن نكاحها، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية: (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) .

    فلا يجوز أن يتزوج امرأة عفيفة وهو ما زال مكباً ومصراً على الزنا حتى يتوب، فلا يجوز له أن يتزوج إلا امرأة زانية مثله مشهورة بالزنا، أو أخس منها وهي المشركة، وكذلك المرأة الزانية لا ينكحها إلا مثلها زان أو مشرك وهو أحط منها درجة.

    قوله: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الإشارة ترجع إلى زواج العفيف بالزانية، وزواج العفيفة بالزاني وهو محرم؛ لأن كل واحد منهما قد يفسد فراش الآخر، لا بد أن يكون هناك تطابق في المستوى الأخلاقي.

    وقال بعضهم: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ) أي: الزنا، لكن هذا بعيد؛ لأن الإشارة ترجع إلى أقرب شيء.

    يرد علينا إشكال هنا، هل يجوز للمسلم ولو كان زانياً أن يتزوج بمشركة؟ لا يجوز؛ لأن الله تعالى يقول للمؤمنين: (وحرم ذلك على المؤمنين) والزاني يعتبر من المسلمين، ويقول سبحانه: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] بخلاف اليهودية والنصرانية فإنه يجوز للمسلم أن يتزوج بيهودية أو نصرانية ولو كان في اليهودية والنصرانية شرك؛ لأن اليهود والنصارى أيضاً مشركون، فاليهود يقولون: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، والنصارى يقولون: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، لكن لما كان الشرك خلاف الفطرة بالنسبة لليهودي والنصراني، أباح الله تعالى هذا الأمر فأباح زواج اليهودية والنصرانية للمسلم؛ لأنهما أصحاب كتب سماوية، فالشرك فيهما يعتبر خلاف الفطرة وخلاف المنهج، لكن المشركة التي تعبد الأوثان لا يجوز للرجل المسلم أن يتزوجها.

    هنا يرد سؤال: لماذا أباح الله عز وجل للزاني أن ينكح المشركة، إذا قلنا: ينكح معناها يتزوج؟ نقول: هنا جاء للتنفير، بمعنى أنه لا يستحق أن يتزوج امرأة عفيفة، وإنما يستحق امرأة زانية مثله أو أخس منها وهي المشركة، وليس ذلك للتشريع، أي: ليس له أن يتزوج مشركة؛ لأن معنى الآية التي في سورة البقرة: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] أوضح هذا الإشكال.

    وقال بعض المفسرين: ينكح هنا بمعنى: يطأ، وإن كان هذا خلاف القاعدة الشرعية؛ لأن النكاح كلما ورد في القرآن والسنة فمعناه الزواج والعقد، وإذا قلنا: المراد بالنكاح هنا الوطء يزول الإشكال، يعني الزاني لا يزني إلا بامرأة فاسقة مثله زانية، أو مشركة أخس منه.

    وعلى هذا نخرج بقاعدة شرعية: لا يجوز للمسلم أن يتزوج مشركة، ويجوز أن يتزوج يهودية أو نصرانية، ولا يجوز أيضاً للزاني أن يتزوج امرأة عفيفة حتى يتوب وتظهر توبته.

    وحكم شرعي آخر: لا يجوز للمرأة الزانية أن يتزوجها رجل عفيف؛ لأنها سوف تفسد عليه بيته وأولاده.

    1.   

    حماية الفضيلة ومحاربة الرذيلة بتشريع حد القذف

    بعض الناس عنده غيرة، ولا يلام على هذه الغيرة، لكن قد تصل هذه الغيرة إلى القذف بدون دليل، وهذا أمر خطير لا يقل خطورة عن أمر الزنا، كأن يقول: إن فلانة زنت، أو فلاناً زنى، وليس عنده دليل، فالله تعالى وضع عقوبة للقاذف تساوي عقوبة الزاني سوى عشرين جلدة فقط.

    إذاً: القاذف عقوبته ثمانون جلدة، والزاني مائة جلدة، بل قد تكون عقوبة القاذفين مضاعفة لو أن ثلاثة شهدوا أن فلاناً زنى وليس عندهم رابع يشهد، في هذه الحالة كل واحد منهم يجلد ثمانين جلدة، يكون المجموع مائتين وأربعين جلدة على هؤلاء الثلاثة، أكثر من عقوبة الزاني بما يساوي مرتين ونصف.

    إذا:ً حتى لا تنطلق الألسن بالحديث في الأعراض بدون بينة، وضع الله تعالى عقوبة القاذف بجوار عقوبة الزاني، ووضع عقوبة يقارب مقدارها مقدار عقوبة الزاني.

    القذف معناه: الرمي، والمراد به هنا القذف بالزنا نعوذ بالله، والقذف من أكبر المعاصي عند الله عز وجل؛ لأن الله وضع له حداً، والكبيرة هي التي لها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة.

    حرم القذف لأسباب كثيرة:

    السبب الأول: أنه ينفر الناس من المرأة التي قذفت، بحيث لا أحد يتزوجها في يوم من الأيام؛ ولذلك شدد الله تعالى في هذا الأمر وخص المرأة بذلك قال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ [النور:4] مع أن الرمي للمحصنات وللمحصنين الرجال على حد سواء كله محرم وكل فيه حد.

    إن إشاعة الفاحشة في المجتمع تسهل الجريمة، فلو بدأ الناس يتحدثون: فلان زان، وفلانة زانية، يصبح الحديث عن الزنا أمراً ميسوراً، ولذلك فإن المسرحيات التي تنشر الآن أمام المسلمين في التلفاز وفي الإذاعة خطيرة جداً؛ لأنها تأتي بكلمات كلها عشق وغرام، ولأنها تمهد السبيل للفاحشة، لا سيما حينما تظهر الصورة وفيها رجل مختلط بامرأة، وأسوأ من ذلك ظهرت الصورة لرجل من الصالحين أو من التابعين وبجواره زوجته سافرة تختلط بالرجال، فهذا تشويه لتاريخ الإسلام، إضافة إلى أن فيه إشاعة للفاحشة فهو لا يقل جريمة عن القذف، وكذلك الحديث في المسلسلات التي تنتشر اليوم في بيوت الناس وفي أسواق الناس عبر وسائل الإعلام الحديثة، كلها في الحقيقة تمهد السبيل للجريمة، فالذي شرع الحد سبحانه وتعالى لمن يقذف امرأة محصنة، هو أيضاً يعاقب هؤلاء الذين ينشرون الفاحشة ويريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

    قوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) المحصن هو العفيف، والمحصنات هن العفيفات، لماذا سمي الرجل العفيف محصناً، وسميت المرأة العفيفة محصنة؟ كأنهم ركبوا حصاناً، والجندي إذا ركب الحصان صعب قتله، أو دخل في حصن فإذا دخل في حصن صعب قتله، وهي محصنة عفيفة محاطة بسياج منيع من حفظ الله عز وجل، ومع ذلك يقال: إنها زانية، إذاً: هذا خطير، فالله تعالى جعل عقوبة لمن يرمي المحصنة أو يرمي المحصن.

    الله سبحانه وتعالى ذكر هنا المرأة ولم يذكر الرجل أبداً، ما قال: والذين يرمون المحصنات والمحصنين، وإنما قال: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) دخل الرجل بطريق القياس والتبعية؛ لأن الرمي بالنسبة للمرأة أخطر من الرجل، لو قال واحد: بنت فلان زانية، لا يمكن لواحد من الناس أن يفكر بالزواج من هذه يوماً من الأيام، ولا يمكن لأي واحد من الناس أن يستعيد الثقة في هذه المرأة، لكن لو قال: فلان زان، قد ينسى عبر الأيام وكل الناس يزوجونه.

    إذاً ذكر الله تعالى المحصنات وجعل الرجل تابعاً للمرأة في هذا الحكم؛ لأن حساسية وشفافية عرض المرأة أهم وأشد من عرض الرجل.

    قوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) أي: لابد من أربعة شهود، فلو جاء شخص وقال: رأيت بنت فلان تزني نعوذ بالله، نقول: بقي ثلاثة يشهدون مثل شهادتك، وإلا تجلد أنت حد القذف، ويروى: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه ثلاثة فشهدوا على فلان من الناس بالزنا، فقال: إما أن تأتوا برابع وإما أن أجلد كل واحد منكم ثمانين جلدة، وقرأ عليهم هذه الآية).

    ولكن ليس معنى ذلك يا إخوان أننا إذا رأينا الفاحشة في بيت من بيوت الناس نعوذ بالله، أو في بؤرة فساد أن نتركها تقديراً لهذا، ولا نقول: في هذا البيت فلانة زنت أو فلان زنى، وإنما نقول: في هذا البيت شبهة، وندعو الصالحين وأصحاب الحل والعقد والمسئولين ونقول: تفضلوا هذا البيت تدور حوله شبهة، وحينئذ نستطيع أن نوفق بين هذه الآية الكريمة وبين الواقع الذي أصبح كثير من الناس يتحاشى أن يكشف بؤرة فساد تفسد المجتمع؛ خوفاً من أن يقع في وعيد هذه الآية، فلو قال: هذا البيت مشبوه، فهو غير قوله: فلان من الناس زنى.

    إذاً: يجب على كل واحد من الناس إذا شك في سلامة بيت من بيوت المسلمين، أن يدعو السلطة والمسئولين وأصحاب الحل والعقد، من أجل أن يكتشفوا بؤرة الفساد التي يتوقعها داخل هذا البيت، لكن عليه أن يتثبت وعليه أن يتأنى في هذا الأمر، وإذا تأكد من صحة هذا الأمر فيجب على السلطة أن تتعاون معه، ولكن حينما تتهاون السلطة في مثل هذا الموضوع تعتبر خائنة لهذه الأمانة التي استرعاها الله عز وجل عليها.

    يقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) يعني: اضربوا كل واحد منهم ثمانين جلدة وليس كلهم تقسم عليهم ثمانين جلدة.

    قوله: اجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا [النور:4]، انظر يا أخي! الزنا فيه عقوبة واحدة، لكن إشاعة الفاحشة في المجتمع فيه ثلاث عقوبات: الأولى: جلد كالزنا. الثانية: إسقاط الشهادة: (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا).

    (أبداً) هنا ظرف زمان أي: مدى الحياة إلا في حالة واحدة، إذا ظهر أنه تاب من هذا الذنب الذي عمله، فإنه تقبل شهادته.

    الثالثة: وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] أي: يعتبر من الفاسقين، يقال: الذي شهد على فلانة أو فلان بالزنا وهو ليس بصادق أو لم يثبت على ذلك يسمى فاسقاً في المجتمع.

    والفاسق هو المتمرد على طاعة الله عز جل.

    قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النور:5]، فإذا تاب الإنسان قبلت شهادته، وانتفى عنه وصف الفسق، لكن لا يسقط حد القذف أبداً ولو تاب الإنسان؛ لأن حد القذف لله سبحانه وتعالى وللإنسان المقذوف، ويغلب فيه جانب حق الله عز وجل فلا يسقط.

    (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا) (تابوا) أي: بعد الفسق.

    (وأصلحوا) أي: ظهرت علامات الإصلاح والتوبة، لكن لو قال: أنا تائب، لا نقبل توبته حتى نعرف أنه أصلح العمل، وأنه غير المنهج في قذف الناس بغير حق.

    (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تبين لنا أنه لا يسقط حد القذف وإنما يسقط رد الشهادة والفسق؛ لأن مغفرة الله عز وجل للأمور المعنوية، والأمور المعنوية هي الفسق وسقوط الشهادة، أما بالنسبة للحق المشترك بين الله عز وجل وبين الإنسان وهو الجلد، فهذا لا يسقط بأي حال من الأحوال.

    1.   

    حماية الفضيلة ومحاربة الرذيلة بتشريع حكم الملاعنة

    يقول الله تعالى بعد ذلك: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ [النور:6] عندما نزلت الآية السابقة شق ذلك على بعض المسلمين وخصوصاً الزوج، لو أن واحداً ابتلي بزوجة زانية؛ كأن وجد عند زوجته رجلاً في بيته وفي فراشه، ماذا يعمل؟ هل يصبر حتى يأتي بأربعة شهداء؟! ومن يستطيع ذلك؟ لأن الغيرة في قلب المؤمن لا تمهله حتى يأتي بأربعة شهداء.

    لما نزلت الآية السابقة جاء هلال بن أمية يخبر أنه وجد عند امرأته رجلاً، فقال له رسول الله: البينة أو حد في ظهرك! ثم نزلت الآية.

    من رحمة الله عز وجل أنه استثنى الزوج مع زوجته، لا حاجة إلى أربعة شهداء وإنما يأتي أمر آخر يسمى حد اللعان أو الملاعنة.

    حد الملاعنة هذا استثني من حد القذف، فحد القذف حكم ثابت إلى يوم القيامة، ولا يستثنى منه إلا من وجد عند زوجته رجلاً أو اتهم زوجته بالفاحشة نعوذ بالله، الله تعالى سامحه عن الشهود الأربعة، وطالبه بأربعة أيمان بدل الأربعة الشهود، فلا بد أن يشهد أربع مرات أمام القاضي ويسميها: والله إنها لزانية، والله إنها لزانية، والله إنها لزانية، والله إنها لزانية أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: لعنة الله علي إن كنت كاذباً فيما رميتها به.

    إذا قال هذا الكلام فلا حاجة إلى أربعة شهود؛ لأن الله تعالى خفف على الزوج في قذف زوجته، خصوصاً إذا كان هناك ولد وهو يشك هل هذا الولد له أو ليس له؟ فهو يكره أن يدخل ولداً في بيته وفي أسرته ومع أولاده وليس من أولاده، وإن كان الحكم الشرعي (الولد للفراش) ، لكن هو لا يريد أن يدخل هذا الولد في بيته ولا في أسرته.

    والمرأة إذا سكتت فإنه يقام عليها الحد، ولكن لها مخرج من الحد أن تشهد أربع مرات: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنا، أشهد بالله إنه لكاذب، أشهد بالله إنه لكاذب، أشهد بالله إنه لكاذب، ثم تقول في الخامسة: غضب الله علي إن كان صادقاً.

    هذا يسمى في حكم الشرع باللعان أو بالملاعنة.

    إذاً: خفف الله تعالى عن هذه الأمة فاستثنى الأزواج مع زوجاتهم في هذا الحكم ويسمى حكم الملاعنة.

    يقول الله تعالى عنه: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) أي: يقذفون زوجاتهم بالزنا.

    (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ) (أنفسهم) هنا بالرفع بدل من شهداء لأن (إلا) هنا ملغاة تقدم عليها النفي.

    (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) أي: يمين الزوج ضد زوجته يكفي بدل الشهادة.

    وسماها الله تعالى شهادة مع أنها يمين؛ لأنها حلت محل الشهادة، ومحل أربعة شهود يشهدون بذلك.

    (أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) أي: يقول: أشهد بالله إنها فعلت كذا وإني صادق فيما رميتها به من الزنا.

    يقول الله تعالى: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:7] معطوف على ما قبله وهو قوله: (أربع) (والخامسة) وهي مرفوعة، أي: ويشهد الخامسة ويقول: لعنة الله علي إن كنت كاذباً، أو (والخامسةُ) هنا على الاستئناف.

    قوله: (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) أي: فيما رماها به من الزنا.

    إذا قال هذا الكلام سلم من الحد، ويفرق بينه وبين هذه الزوجة، وله أن ينفي الولد؛ لأنه رأى رجلاً يزني بها في يوم من الأيام، أو أنها حملت بحمل يتبرأ منه بهذه الأيمان الأربعة التي أشهد الله تعالى عليها، ودعا على نفسه باللعنة في الخامسة إن كان كاذباً، ويقام عليها الحد إلا إذا شهدت هي أربع شهادات مثله كما سيأتينا.

    قوله تعالى: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:8] (ويدرأ) أي: يدفع ويزيل، والمراد بالعذاب هنا حد الزنا، أي: ويدفع الله عنها حد الزنا بشهادتها أربع مرات بأن تقول: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنا، أربع مرات.

    قوله تعالى: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) أي: يدفع عن هذه المرأة المرمية بالزنا الرجم؛ لأنها محصنة.

    (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) أي: تشهد أربع شهادات حتى يدفع عنها الحد، وإلا فإن الحد لا بد من أن يقام عليها.

    (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) تقول: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنا، ثم تكمل الخامسة.

    قال الله تعالى: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:9] (والخامسة) هنا منصوبة معطوفة على (أربع شهادات).

    (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا) والغضب أشد من اللعنة، لماذا كان هنا الغضب وكانت هناك اللعنة؛ لأن زنا المرأة أخطر من زنا الرجل؛ ولأن الحد الذي سوف يدفع عن المرأة أشد من الحد الذي سيندفع عن الرجل؛ ولذلك جاءت اللعنة وهي الطرد من رحمة الله بالنسبة للرجل، وجاء أشد من ذلك وهو الغضب إن كانت كاذبة فيما شهدت به.

    (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) إذا قالت هذا الكلام يفرق بينهما، ويجب على القاضي في مثل هذه الحالة أن يخوفهما بالله، ويبين لهما أن عذاب الدنيا أسهل من عذاب الآخرة، ويقول للزوج: لا حاجة إلى أن تلاعنها يا أخي؛ لأنك لو لاعنتها وأنت كاذب سوف تحل عليك لعنة الله.

    وكذلك المرأة لو كانت كاذبة فسوف يحل عليها الغضب.

    يقول الله تبارك وتعالى بعد ذلك في ختام آيات الملاعنة: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ [النور:10].

    أي: أن الله تعالى برحمته هو الذي شرع حد اللعان؛ ليكون تخفيفاً على الأزواج.

    (لولا) هنا حرف امتناع لوجود (فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) وجوابه محذوف، أي: لعاقبكم ولم يسامحكم أيها الأزواج ويعطكم هذه المسامحة التي لم يعطها عامة الناس.

    1.   

    حادثة الإفك ووجه تعلقها بالقذف والدروس المستفادة منها

    قصة الإفك هي نوع من القذف، وأنواع القذف ثلاثة:

    الأول: قذف عام، قذف المرأة والرجل.

    الثاني: قذف الزوجة من قبل الزوج وعرفنا حكمه.

    الثالث: هو أخطر أنواع القذف كلها، وهو قذف زوجة من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك يؤدي إلى عذاب عظيم، ولذلك تجدون في قصة قذف زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23] هذا في الدنيا أما في الآخرة: فقال سبحانه: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24].

    قصة قذف عائشة رضي الله عنها استغلها بعض المنافقين، كما يستغل الآن المنافقون الفرص من أجل أن يدخلوا في المجتمعات ليشوهوها، ففي غزوة بني المصطلق وتسمى أيضاً غزوة المريسيع، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد خرج بـعائشة معه، وهو راجع من هذه الغزوة، في آخر مرحلة من مراحل الطريق نزل الرسول صلى الله عليه وسلم هو والجيش في الليل، وعرسوا -أي: ناموا في الليل- فلما كان الصباح وكانت عائشة رضي الله عنها تحمل في هودج ذهبت لقضاء حاجتها، ثم رجعت ورأوها رجعت، ولكنها لما رجعت وجدت أنها فقدت عقدها، فرجعت تبحث عنه، فحملوا الهودج ووضعوه على البعير وهم يظنون أن عائشة رضي الله عنها موجودة فيه، ومشت القافلة وعائشة ليست معهم في القافلة، رجعت عائشة رضي الله عنها ووجدت القوم قد رحلوا، فقالت: حسبي الله ونعم الوكيل، وعرفت أنها فتنة حصلت.

    كان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه يسير وراء القافلة في المؤخرة، فرأى سواداً، فنظر فإذا هي زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم فاسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل عن بعيره وركبت، وصار يقود البعير أمامها حتى لحق بالقوم، فاتخذها المنافقون فرصة ليطعنوا في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول لعنة الله عليه رأس المنافقين، وشاركه في ذلك بعض المؤمنين جهلاً، فقالوا: إنها تواعدت مع صفوان بن المعطل السلمي وتأخرت للفاحشة، وانتشر ذلك نعوذ بالله في المدينة، وما علمت عائشة إلا مؤخراً، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع الكلام فاعتزل عائشة رضي الله عنها، حتى أنزل الله عز وجل هذه الآيات براءة لها:

    إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11] إلى آخر الآيات) ، ويمكن أن نمر عليها بسرعة.

    والمراد بالإفك هو: أشد أنواع الكذب، والعصبة هي الجماعة، وقوله تعالى: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) الخطاب لـعائشة ولأبيها وللمسلمين، أي: هذه القصة وإن كانت شوهت عائشة في الظاهر، لكن فيها خير وهذا الخير رآه المسلمون بعد ذلك، ألا وهو انكشاف أهل النفاق كـعبد الله بن أبي وجماعته.

    وأيضاً نزلت براءة عائشة رضي الله عنها، ونزل فيها قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وثبت الله عز وجل المؤمنين، وعلمهم كيف يتعاملون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وحصل خير كثير من هذه القصة، فالله تعالى يقول: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي: فيه خير وإن كان في الظاهر شراً، وقد يكره الإنسان أمراً من الأمور ويكون له في هذا الأمر خير.

    ثم يقول الله تعالى بعد ذلك: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ) أي: من المؤمنين.

    قوله: (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) الذي هو عبد الله بن أبي الذي أشاع الفاحشة ( له عذاب عظيم ).

    ثم علم الله تعالى المؤمنين في مثل هذه الحال بقوله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12] أي: إذا رأيتم رجلاً صالحاً يقذف أو امرأة صالحة تقذف فلا تصدقوا، لاسيما إذا كانت زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقع الزنا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! هذا مستحيل.

    (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي: كما قال بعض الصحابة لزوجته وقالت له: (قالت المرأة: هل سمعت ما قيل في عائشة ؟ قال: نعم سمعت، فقال لها: هل تفكرين أنت في هذه الفاحشة؟ قالت: لا والله ما أفكر بها، قال: إذاً عائشة أفضل منك).

    إذاً: قوله تعالى: (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا) أي: كما أنك تظن بنفسك خيراً وبأهلك خيراً، فأولى أن تظن خيراً بزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن قذف واحد من المؤمنين يؤثر على سمعة كل المسلمين إذا كان بغير حق.

    قال الله تعالى: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:13] أي: هلا جاءوا، مع أنهم لا يستطيعون الإتيان، ولا يمكن أن يأتوا بأربعة شهداء يشهدون على ذلك، اللهم إلا إذا كانوا شهداء زور كما يزور طائفة من الناس الذين لا دين لهم الشهادة.

    يقول الله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:14] أي: أن الله تعالى رحمكم، وهذا الكلام الذي نشرتموه لولا أن الله رحمكم لأنزل على الجميع عقوبة، أي: كيف يتهم بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وفراش الرسول صلى الله عليه وسلم؟!

    ثم يبين الله عز وجل لنا موقفنا حينما نسمع الإشاعات الكاذبة عن الصالحين والصالحات يقول الله عز وجل: وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور:16] وهذا موقف يجب أن يفقهه المسلم أمام أي فتنة من الفتن تشاع، ضد واحد من الصالحين أو واحدة من الصالحات.

    يقول الله بعد ذلك: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا [النور:17] أي: احذروا، وهذا تحذير للمؤمنين الذين حينما نزلت هذه الآيات تابوا فالله تعالى قبل توبتهم وقال: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ).

    1.   

    عقوبة من يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا وضرورة الحذر منهم

    يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].

    الذين يريدون أن تخرج المرأة عن الإطار الذي رسمه الله عز وجل لها، أو كما يزعم طائفة من الناس أنهم يطالبون بحقوق المرأة، وأن المرأة يجب أن تقود السيارة وتزيل الحجاب، فالهدف من وراء ذلك كله هو إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وهدفهم أن تنتشر هذه الفاحشة، وإذا انتشرت هذه الفاحشة هلك الحرث والنسل، يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) والمراد بالفاحشة هنا فاحشة الزنا.

    قوله: (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) عذاب الدنيا الجلد؛ لأن القاذف يجلد، وعذاب الآخرة نعوذ بالله شديد لا سيما إذا كان المقذوف زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21]؛ لأن الذين بدءوا يصدقون بهذا الإفك، أو يصدقون المروجين للفساد اتبعوا خطوات الشيطان؛ لأن هؤلاء شياطين الإنس، وشياطين الإنس ينثرون الفساد في الأرض وينشرونه، ويمشي وراءهم ويتبع خطواتهم ضعاف الإيمان.

    أو شياطين الجن الذين يقذفون هذه الشبهة في المجتمعات وهؤلاء يصدقون.

    يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) أي: الذي يسير وراء الشيطان في كل صغيرة وكبيرة.

    يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19] تصور يا أخي! الذين يريدون أن تشيع الفاحشة اليوم في الناس، والذين يريدون أن تخرج بنات المسلمين فاجرات داعرات منحرفات، هم لا يقولون ذلك بلسان المقال، لكن أرى من خلال تصرفاتهم أنهم يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ لأنهم يريدون أن يخرجوا المرأة المسلمة من إطارها، ويريدون أن ينقضوا على آخر معقل من معاقل الإسلام في جزيرة العرب وفي أرض المقدسات، ولقد ساءهم كثيراً أن فسدت المرأة في الدنيا كلها إلا هنا، فأصبح هناك تركيز كما هو حاصل في الصحف والمجلات كثيراً وكثيراً، يجب أن تكون المرأة كذا، الحجاب كذا، التستر كذا، التقوقع، التخلف إلى غير ذلك من الأمور التي أصبحت الآن تصك آذاننا، ويشهد الله عز وجل أننا قد سئمناها كثيراً، لكن لماذا هؤلاء يحبون أن تشيع الفاحشة؟

    لأسباب من أهم هذه الأسباب:

    الأول: أن تكون المرأة لقمة سائغة في متناول أيديهم يفعلون بها الفاحشة.

    الثاني: إن قلوب هؤلاء انقلبت وفسدت، وأدمغتهم غسلت في بلاد الكفر، أو من خلال أفكار ترد إليهم هنا، ففسدت فطرتهم؛ فيضايقهم أن تبقى المرأة المسلمة متمسكة بدينها؛ ولذلك تجد العلمانيين والمنحرفين والكفرة والفجرة وهم من أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، ولربما أن أحدهم لا يبالي أن تنتشر الفاحشة ولو في أهله نعوذ بالله؛ لأن فطرته فسدت.

    ومن المؤكد أن من يريد أن تنتشر الفاحشة في بيت من بيوت المسلمين؛ فإنه لا يبالي أن تنتشر الفاحشة في بيته في يوم من الأيام؛ لأنه يعرف أن المجتمع كله سلسلة متصلة الحلق ملتحمة ملتصق بعضها ببعض؛ ولذلك هو يريد أن تنتشر الفاحشة بأي وسيلة من الوسائل في العالم كله.

    هؤلاء لنا معهم موقف ولنا معهم حساب، ونرجو الله أن يحكم بيننا وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين.

    وهؤلاء لهم عقوبتان: عقوبة في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، يقول الله تعالى: (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) أما عذاب الدنيا فإننا إن شاء الله في القريب العاجل ننتظر أن يكون على أيدي الولاة الصالحين الذين سوف ينتبهون حينما يرون الخطر قد داهمهم، أو على أيدي المؤمنين الذين يغضبون لله عز وجل، ووالله إن هذا ليوشك أن يكون، لولا وجود العلماء والصالحين الذين صاروا كوابح أمام هؤلاء الشباب المندفع لدينه والذي يغضب لربه، حتى لا ينتقم من هؤلاء الذين يحاولون الإفساد في الأرض، ونرجو أن يكون ذلك على أيدي السلطة المؤمنة، بحيث يوقفون هذا التيار المنحرف الجارف، الذي يريد أن يفسد على الأمة دينها وأخلاقها.

    أما عذاب الآخرة فهو أشد من عذاب الدنيا وهو النار التي أعدت للكافرين، وأعدت أيضاً لهؤلاء الذين يسيرون ويسلكون مسلك الكافرين.

    فلنحذر يا إخوتي هؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فهم الآن كثير وهم يظهرون التباكي على حقوق المرأة، حرية المرأة، المجتمع معطل، نقول لهم: إن الرجال لم يعمل منهم إلا أقل من عشرين بالمائة، فالمجتمع ليس معطلاً ولا حاجة إلى أن نشغل المرأة في أمور لا تهمها.

    المهم يا إخوتي! انتبهوا لهذه الآية التي بينت أن فينا من يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فهل نقف أمام هؤلاء مكتوفي الأيدي أو لنا معهم حساب في الدنيا، أو لنا معهم حساب في الآخرة؟! لا شك أن لنا معهم موقفاً أمام الله عز وجل في الآخرة، ونرجو أن يكون لنا معهم موقف في الدنيا أمام السلطة العادلة.

    والله يا إخوان: تكاثرت الظباء على خراش. حقيقة نحن الآن لا ندري ماذا نقول؟ كل يوم نفاجأ بما يحاك ضد الفتاة من مؤمرات، فالعلمانيون يريدون إخراجها واختلاطها بالرجال في النوادي والمسابح وغير ذلك، ينبغي أن نعلن حالة الطوارئ، كيف نستمتع بالأكل والشرب والنوم وهناك عدو في الداخل وعدو في الخارج، يطوقنا من كل جانب، ويتربص بنا الدوائر.

    ينبغي أن نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام:44].

    نحن نسمع كثيراً هذه الأشياء ونقرؤها في الصحف، ومع ذلك لا نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.

    وهؤلاء الذين بدءوا يحركون الأخطار من الداخل أقسم بالله إنهم أعداء الدولة، فكما أن الدولة محاطة بالعدو من الخارج فهم يريدون أن يربكوها من الداخل، كما عمل اليهود داخل المدينة يوم جاءت الأحزاب، وطوقت المدينة من كل صوب، بدأ العدو في الداخل يتحرك فقام بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع، وصاروا يحركون المنافقين في الداخل ضد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هناك عدواً يطوقه من الخارج.

    أنا أحذر المسئولين أن يتركوا هؤلاء يعبثون، وأظن أن المسئولين فيهم خير كثير إن شاء الله، ولكن التقصير منا، وأنا لاحظت شيئاً من تقصيري أنا حينما زرت بعض المسئولين الكبار، وجدت أنه لا تصل إليهم كل هذه الأخبار ولا يصل إليهم الناس.

    أقول: يا إخوتي! أحذركم أن تتساهلوا في هذا الأمر، أو تتركوا هذا العدو يعبث من الداخل، ويشغل الحكومة عن عدوها الأكبر من الخارج، والله سبحانه وتعالى لن يتركهم يعبثون؛ لأنه تعالى له مقاليد السماوات والأرض.

    1.   

    الأسئلة

    شروط وضوابط عمل المرأة في الإسلام

    السؤال: هل عمل المرأة الذي يدندن به كثير من الناس اليوم يعتبر باباً للرذيلة؟

    الشيخ: نحن لا نعارض عمل المرأة، والإسلام لا يعارض ذلك أيضاً، لكن عمل المرأة له شروطه وضوابطه، المرأة يجب أن تكون بعيدة عن الرجال، وفي عمل يناسب تركيبها الجسمي ووعيها وفطرتها، المرأة لا تعمل في المناجم وفي المصانع، كما أنها لا تدرس كل شيء، المرأة يجب أن تكون لها دراسات خاصة، ولذلك يا إخوان! البنات اللاتي درسن بدون قيد ولا شرط هن اللاتي أحدثن الفوضى في البلاد، وبالتالي يجب أن تكون دراسة المرأة تناسب تركيبها الجسدي، وتناسب فطرتها، وتناسب حاجة البلد إليها.

    أما عمل المرأة مطلقاً بهذا الشكل فهذا يعارضه الإسلام، كما قلنا: لا بد أن يوضع له قيود؛ ولا بد أن يكون عمل المرأة في حدود وفي إطار معين، ولا بد أن يكون في منأى عن الرجال، بحيث لا يؤدي إلى ضياع البيت وضياع الأسرة، وكم من الأطفال الآن من فسدت تربيته؛ بسبب خروج المرأة بدون قيد ولا شرط!

    يا أخي! المرأة لها عمل أكثر من عمل الرجل داخل البيت، من الذي يربي الأجيال؟ إنها المرأة، ولذلك لا نقول: المرأة طباخة أو خادمة داخل البيت، هذا ليس في الإسلام، بل نقول: المرأة مربية وإن كانت تؤدي هذه الأدوار أيضاً، لكن من باب التبع، ولها شرف أن تكون خادمة في بيتها ولا تحتاج إلى خادمة، لكن هي في الحقيقة تربي الجيل، يقول الشاعر:

    الأم مدرسـة إذا أعددتهـا أعددت جيلاً طيب الأعراق

    إذاً: لابد أن نعدها لتعد لنا الجيل.

    إن الذين يريدون أن تعمل المرأة بدون قيد ولا شرط لهم أهداف سيئة، وأهم أهدافهم أن تبتعد عن البيت وأن يفسد المجتمع، أو أن يتربى الأطفال على أيدي مربيات بعيدات عن الله سبحانه وتعالى، أو أن يفقد الطفل الحنان والعطف الذي لا يجده إلا عند أمه، فبعض النساء لا تعرف طفلها إلا حينما تضعه، ثم لا تراه بعد ذلك إلا نادراً!

    ترضعه امرأة وتربيه أخرى إلى غير ذلك، حتى يخرج هذا الطفل بعيداً عن العاطفة حتى عن الإنسانية.

    يا إخوان! تصوروا في البلاد التي سبقتنا إلى هذا العمل، ليس هناك عاطفة بين الولد وبين أمه، أو بين البنت وبين أمها؛ ولذلك يقولون هم أنفسهم: إن أحدنا يقابل أمه بعد سنوات من غيابه ثم لا يسلم على أمه إلا إشارة بيده من بعيد، وهذه تكفي تحية.

    أنتم تشعرون تجاه الأم بالعاطفة؛ لأنكم تربيتم مع أمهاتكم ومع آبائكم؛ ولذلك من مخططات العدو فصل الولد أو البنت عن أمه منذ أيام الطفولة، ويحتجون بالعمل.

    حكم إثبات الزنا بالتصوير أو تقرير الطبيب الشرعي

    السؤال: إذا وقع الزنا، فهل يقام الحد بموجب تقرير الطبيب الشرعي، أو بالكاميرا وما أشبه ذلك؟

    الجواب: لا يقع إلا بأربعة شهود أو بأربعة اعترافات، ولذلك ماعز رضي الله عنه لما جاء وقال: (يا رسول الله! إني زنيت -ليس هناك أبلغ من هذه العبارة- فانصرف عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء من الواجهه الأخرى وقال: يا رسول الله! إني زنيت أربع مرات، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما اعترف ماعز : لعلك قبلت؟ قال: لا، بل زنيت، فقال صلى الله عليه وسلم: هل دخل ذلك منك في ذلك منها، قال: نعم يا رسول الله!) أي: أنه أقر على نفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم ينصرف عنه، لكن لما اعترف أربع مرات ثبت الحد.

    إذاً: لا يجوز لنا أن نبحث نحن بطريق التصوير أو بطريق الكشف الطبي، ولو وجد شيء من ذلك فإنه لا يثبت الحد وإنما يثبت التعزير فقط، كما لو خلا الرجل بامرأة دون أن تكون هناك صورة، أو دون أن يكون هناك شهود أربعة.

    إذاً: ينبغي ألا نتتبع عورات الناس، إلا إذا كانت هناك خلايا تفسد المجتمع، وبيوت مشبوهة فإنه يجب أن نراقبها ونتتبعها ونهجم عليها ونضايقها قدر الاستطاعة، لكن أن نتتبع إنساناً لا نعرف ما يحدث داخل بيته، لا يجوز، بل في مثل هذه الحال يحرم أن نتابع هذا الإنسان ما لم يكن مفسداً في المجتمع، أو لم يكن فعل الفاحشة.

    أما لو كان الإنسان داخل بيته فإننا لا نتسلق عليه البيت ولا نصور ما يفعل، لا نذهب به إلى الطبيب، إلا إذا اعترف، اللهم إلا إذا كان الموقع موقع شبهة فإننا نقيم عليه التعزير، وهذا أساس من أسس الإسلام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً)، لكن يجب أن يؤدب ويعزر كل واحد يريد أن يفسد في المجتمع.

    حكم الشرع في بيع أشرطة الفيديو الخليعة ومشاهدتها

    السؤال: لقد انتشرت في الآونة الأخيرة محلات الفيديو التي تبيع أشرطة الفساد والخلاعة، والتي هي في الحقيقة من أكبر دواعي الزنا، بل تعتبر هي الخطوة الأولى للزنا، ففي هذه الأشرطة تجد الرجل وهو يمسك بالمرأة ويقبلها ويضمها، بل وينام معها في فراش واحد، وهما على هذه الحالة، وتسمع منهما الكلام الساقط وهذا من أقل الأمور، والغريب يا فضيلة الشيخ أن مثل هذه الأشرطة مسموح بيعها، وقد رخص لها، فما تعليقكم عليها لا سيما وقد تهاون بها كثير من الناس؟

    الجواب: هذه أيضاً حلقة في هذه السلسلة سواء كانت الصور الثابتة أو المتحركة، الله تعالى حرم النظر وقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] ولماذا وضعت الفروج بجوار غض البصر؛ لأن النظرة سهم مسموم والشاعر يقول:

    كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

    شرارة صغيرة تسقط على متاع أو على بيت تحرقه بكامله، ونظرة صغيرة في رأي العين تحرق أمة بكاملها، ولذلك أقول: أيها الإخوة! ما أشار إليه السائل مصيبة وبلاء حل بالأمة الإسلامية، وحقيقة أن الرقابة تغفل عن هذه الأمور، ولا أظن إن شاء الله أن المسئولين الكبار يسمحون بذلك؛ ولعل ذلك يعتبر تساهلاً من المسئولين الذين هم دونهم، ولكن هب أن المسئولين الكبار والصغار اتفقوا على ذلك، فهو لا زال محرماً والخطر موجوداً، ونحن مطالبون بأن نحمي بلادنا وأن نحمي أمتنا وأن نحمي بيوتنا من هذه الأخطار.

    ولذلك أقول: إن الذي يبيع هذه الأفلام ماله محرم وكسبه نجس، وقد أخذ مالاً مقابل ضياع عرض وأخلاق أمته، وهذا من أكبر المخاطرات، وكذلك فهو يربي جسده وجسد أولاده من هذا الحرام.

    أقول له: يا أخي! اتق الله ودع ما تفعل، ولا تتعامل بهذه الأشرطة وهذه الأفلام وهذه الصور؛ لأنها فتنة، والله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19]، فأنت حينما تساهم في الإتيان بشريط من هذه الأشرطة، أو صورة من هذه الصور فإنه ينطبق عليك الوعيد المذكور في هذه الآية، أسأل الله لي ولك وللمسلمين العافية.

    حكم قيادة المرأة للسيارة والرد على من أفتى بجوازها

    السؤال: قرأنا قبل أيام مقالاً لـمحمد الغزالي يخالف فيه علماءنا الأفاضل من حيث تأييده للنساء في قيادة السيارة، ولهذا الداعية أفكار غريبة يستسيغها كثير من الناس، ويدندنون بها، وقد رفعه فئة من الناس في هذه المجتمعات؛ لذا نرجو من فضيلتكم نصيحة الشباب وتوجيههم لما فيه صالحهم، وفقكم الله؟

    الجواب: أولاً: الشيخ محمد الغزالي رجل لا ننكر أنه داعية وله سابقة في الدعوة، ولكن القلوب أولاً بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

    ثانيا:ً الغزالي وغيره من علماء المسلمين ليسوا معصومين، فقد يخطئ ويصيب، ونحن نأخذ من كلامه الصواب ونترك الخطأ، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أمر يجب أن نسلم به.

    أما لو أن محمداً الغزالي أو كل علماء المسلمين أجمعوا على قيادة المرأة للسيارة، فنحن عندنا مقياس ثابت وهو شرع الله عز وجل، ولننظر إلى المصائب التي تترتب على قيادة السيارة من الخلوة، والسفر، والذهاب إلى محطة البنزين، والذهاب إلى الورشة، والذهاب إلى غير ذلك، كل هذه تتوقعه المرأة، ولذلك لا يفكر عاقل في أن تقود المرأة السيارة في مجتمع مسلم، هذا أمر ندعه، لكن أنا متأكد أن محمداً الغزالي والذين تساهلوا في أمر قيادة السيارة للمرأة ما عرفوا ما وراء ذلك، ظنوا أن المسألة فقط نساء خرجن يطالبن بقيادة السيارة، المخطط أكبر من ذلك، المخطط رهيب يا إخوان، إنه خروج على أوضاع قائمة وتحطيمها، وتكون هذه كواجهة فقط أو كمنظر خارجي، وهو المطالبة بقيادة السيارة، لكن الله تعالى يعلم ما في هذه القلوب.

    ولذلك نحن نقول للغزالي ولغيره: نحن أدرى بمجتمعنا منك، ومجتمعنا مجتمع محافظ لا يقبل هذه الأشياء، وأنت رجل كواحد من البشر تخطئ وتصيب، نأخذ الصواب من قولك ونرفض ما يخالف ذلك، لكني أرى خلف قيادة السيارة أموراً خطيرة أسأل الله أن يجنبنا إياها؛ لأن المسألة ليست مجرد مطالبة بقيادة السيارة وإنما مطالبة بالخروج على أوضاع قائمة عشناها أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وهؤلاء يريدون أن يغيروا وأن يحطموا هذه الحواجز بين الرجل وبين المرأة.

    حكم خروج المرأة مع السائق الأجنبي بمفردها

    السؤال: إن من دواعي الزنا خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، ولقد انتشر في الوقت الحاضر خروج المرأة مع السائق وحدها، وتتعذر بقصر المسافة، فنرجو من فضيلتكم تبيين هذه النقطة؛ لأنها انتشرت انتشاراً عظيماً في هذه البلاد؟

    الجواب: الخلوة أمر خطير، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم والدخول على النساء، قال رجل: يا رسول الله! أريت الحمو؟ قال: الحمو الموت) الحمو هو كل قريب للزوج، وهو أشد خطراً من غيره.

    إذا اختلى رجل بامرأة لا شك أن الشيطان ثالثهما كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن اثنين ثالثهما الشيطان لا تسأل عما سيحدث، ولو كان المشوار قصيراً أو المدة قصيرة؛ لأن الشيطان يستغل الفرص.

    على كل نحن نقول: إن الخلوة محرمة، ونحن عندنا أمران يجب أن نراعيهما: السفر بدون محرم، والخلوة ولو في غير سفر، ولو كانت المسافة قصيرة، كلاهما جاء فيه خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهما محرمان؛ ولذلك أنا آسف جداً أن رجلاً عنده غيرة المؤمنين من أخ وأب وزوج ثم يسلم زوجته أو أخته أو بنته لسائق يذهب بها إلى المدرسة ويعود بها إلى البيت، أنا أتعجب أن يوجد مثل هذا في المسلمين!

    يا أخي! يجب أن تقضي حاجتك بنفسك، وتبقى المرأة في بيتك حتى يتوافر لها من محارمها من يستطيع أن يذهب معها، إن فساد هذه المرأة خطر عظيم، وما تجنيه من خروجها سواء كان للمدرسة أو لغير ذلك، لا يساوي (1%) أو أقل من ذلك بالنسبة لما سوف تجنيه من هذه المرأة لو سقطت في غضب الله عز وجل.

    طرق ووسائل دفع الفتن ومواجهتها والداعين إليها

    السؤال: في هذا الزمن الذي كثر فيه الفتن، وازدادت فيه دواعي الفاحشة بين الناس، كيف للمسلم أن يقف أمام تلك المغريات؟! بل كيف يردع أفواج الناس المنطلقة للمعصية الملهية عن تلك القضايا الأساسية في المنهج القرآني الكريم؟! وكيف نقف أمام هذه الأفواج وفقكم الله يا فضيلة الشيخ، لا سيما وأننا نرى المنافقين يبثون دعاياتهم لها ليلهوا شباب الأمة عن الأمر الأعظم ألا وهو الجهاد في سبيل الله؟

    الجواب: أولاً: موقفنا كما أخبر الله عز وجل: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22]، ووالله ما كان هؤلاء يغيبون عن عقولنا طرفة عين، بل كنا نحسب لهم ألف حساب يوم كانت الأمور تسير في مجراها الطبيعي؛ لأن الله تعالى يقول: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]، ولذلك فإنه يجب أن يكون لنا موقف، وهذا الموقف يجب أن يكون حازماً، ويجب أن يكون جاداً مع هؤلاء الذين يريدون أن تتحطم سفينة الحياة في هذا المحيط المتلاطم الأطراف، يجب ألا نحقر أنفسنا، فإن الله تعالى يقول: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249].

    ثانيا:ً يجب أن نتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع، ونقول كما قال المؤمنون وهم قلة أمام عدو كاسر حينما رأوهم: قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250]، ثم كانت النتيجة: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:251]، وعلى هذا نقول لكم: أيها الإخوة المؤمنون! العدو لا يرحم، والعدو يتربص ونحن نيام طيلة السنين الماضية، ولربما حدث أمر تكرهه النفوس يسبب يقظة لهؤلاء الناس الغافلين النائمين، والآن جد الجد ويجب على كل مسلم أن يجند نفسه للجهاد في سبيل الله عز وجل، جهاد الكافرين والمتكبرين، والذين يريدون أن يفسدوا على الأمة أمر دينهم وحياتهم وعقيدتهم، لا بد أن نقف أمام هؤلاء وأولئك، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73] فكما نجاهد الكفار أيضاً نجاهد المنافقين، ولربما يندس المنافقون في المجتمع الإسلامي، ويتباكون على الإسلام في بعض الأحيان، لكن الله تعالى يقول: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30]، ولربما أن هذه الأحداث الأخيرة قد كشفت لنا كثيراً من المنافقين، وجزى الله الشدائد كل خير.

    حكم السفر للمعصية والمجاهرة بها

    السؤال: ما حكم الذين يسافرون إلى بلاد الدعارة، ويزنون هناك جهاراً نهاراً، ويتفاخرون إذا رجعوا إلى بلادهم، ودليل ذلك ما يحملون معهم من صور وأشرطة وغير ذلك؟! فما هو العمل تجاههم، لا سيما وأننا نجد بعض أوليائهم أو بعض الصالحين من إخوانهم يتربون على أظهرهم، ويدعون لهم بالسلامة بعد عودتهم، دون الوقوف أمامهم وردعهم مما هم عليه؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فهناك معصية، وهناك معصية أكبر منها وهي المجاهرة بها نعوذ بالله، وإذا وصل الأمر إلى المجاهرة بالمعصية جاء الخطر، ولذلك ذكر الله تعالى ثلاث مراحل للخطر في القرآن: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113] قوله: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ) أي: الميل طبيعي في النفوس.

    (وَلِيَرْضَوْهُ) وهذا هو الفعل.

    (وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ).

    فالذي يعصي الله عز وجل ويستر على نفسه ويبادر بالتوبة والإنابة إلى الله عز وجل، فالله تعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعافي، أما الذي يرتكب المعصية ويضيف إلى المعصية معصية أكبر منها وهي المجاهرة بها فهذا لا يعافى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين).

    نقول لهؤلاء: اتقوا الله فلكم أهل ولكم زوجات، ولربما لكم بنات ولكم أخوات ولكم عشيرة، أما تخشون على هؤلاء من أن يقعوا فيما حرم الله عز وجل؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (عفوا تعف نساؤكم) نسأل الله العفة والعافية والسلامة.

    ونقول لهؤلاء الآباء: اتقوا الله فلا يذهب أولادكم إلى تلك البلاد، لا سيما الشاب الأعزب الذي لم يعرف قدر الغيرة على المحارم، والذي يرى أمام عينيه هناك أعداء الله وقد فتحوا أبوابهم لسلب أموال المسلمين وأخلاق المسلمين، اتقوا الله فلا تشجعوا هؤلاء الأولاد، ونقول للمسئولين أيضاً: اتقوا الله، فيجب أن تكون هناك عراقيل أمام سفر هؤلاء إذا كنا نخشى عليهم، والخشية موجودة والفطرة البشرية تدعو إلى ذلك.

    ضرورة منع دخول المجلات الخليعة إلى بلاد المسلمين

    السؤال: المجلات المنتشرة في الأسواق، التي تدخل بشكل دوري إلى المملكة أسبوعياً وأحياناً شهرياً، فإن فيها دعايات وإعلانات للعطور تظهر فيها صور نساء سافرات لرءوسهن وأفخاذهن وغير ذلك، فما واجبنا نحو ذلك؟! وهل تتأثر المرأة بالمقابل بصور الرجال التي تعرض في هذه المجلات، أرجو من فضيلتكم تبيين هذا الأمر الذي دهم كثيراً من البيوت وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الله المستعان! هذه حلقة من سلسلة طويلة ومخطط رهيب لإفساد الأخلاق، في التلفاز، في الإذاعة، في الصحف، في المجلات، في الكتب، في الأفكار المنحرفة، وما ذكره الأخ السائل من وجود هذه الصور حقيقة ليست دعاية للعطورات؛ لأنها مواد وأمور تافهة، وإنما هي دعاية لهدم الأخلاق، لكن هؤلاء يتخذون هذه الأمور وسيلة ليدخلوا بواسطتها إلى إفساد أخلاق الناس ودينهم.

    وعلى كل نقول: إن نشر الصور الفاتنة التي أصبحت الآن تنشر الفساد في الأرض أمر خطير، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسئولين والمراقبين على هذه المطبوعات إلى أن يمنعوا دخولها، وأن يهتموا بهذا الجانب.

    لكن المشكلة أن كثيراً من هؤلاء الذين يراقبون هذه المطبوعات لا يهتمون إلا بالكلمات التي تمس أناساً معينين، أما التي تمس الدين، فإنه في النادر أن تمنع، وهذا أمر خطير يا إخوان! والله إن محارم الله وشعائر الله ودين الله أعز علينا من كل شيء في هذه الحياة، لماذا لا يشدد في هذا الجانب؟! لماذا نرضى أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟! لماذا تدخل هذه الصور الفاتنة إلى بيوت المسلمين؟! لماذا يشتريها الأب لأولاده؟! أيرضى الفاحشة بأهله فيكون ديوثاً؟! ولا يدخل الجنة ديوث، أم يتسبب في هذه الدياثة، أم يخاطر ويغامر بهذا البيت من أجل رغبة بنت سفيهة أو ولد سفيه يطلبان منه هذه الصورة! الأمر خطير يا إخوان! نرجو الله سبحانه وتعالى أن ينبه الناس إلى هذا الخطر وأن يوفقهم لتدارك الأمر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756235860