إسلام ويب

شرح عمدة الأحكام [3]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من رخص الشرع وتخفيفاته إباحة المسح على الخفين، ولكن لذلك شروط وصفات لابد من تحقيقها، وقد بينها الفقهاء في كتبهم حتى يعمل بها الناس.

    1.   

    أحكام المسح على الخفين والجوارب

    قال المصنف رحمه الله: [باب المسح على الخفين:

    عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما).

    وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فبال وتوضأ ومسح على خفيه) مختصراً].

    وقت ابتداء المسح على الخفين وانتهاؤه للمقيم والمسافر

    من الأحكام المتعلقة بباب المسح على الخفين: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت له وقتاً، فجعل للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، إذا كان يتوضأ ويغسل قدميه رخص له أن يمسح ثلاثة أيام؛ لأن السفر مظنة المشقة، فزيد في الرخصة فجعل له ثلاثة أيام، واختلف متى تبدأ المدة. ولعل الأقرب أنها تبدأ من أول حدث بعد اللبس؛ وذلك لأن به يستحق أن يمسح، فإذا أحدث ابتدأ اليوم والليلة من أول حدث، فإذا توضأت مثلاً للفجر ولبست الخفين وصليت بطهارة، ثم نمت بعد الصلاة وانتقض وضوءك، فمن ذلك الوقت يبدأ اليوم والليلة، من حين نومك، فإذا كان من الغد تمت مدتها بعد الفجر، أي: وقت النوم، فلو قدر مثلاً أنك لم تنم في اليوم الثاني، وجلست في المسجد في حلقة أو نحوها، فإنك لا تصلي بذلك الوضوء؛ لكونه قد تمت مدته من حين الصلاة، أي: بعد الانتهاء من الصلاة، هذا هو القول الأقرب أنه يبدأ من أول حدث، وإذا رخص أحد وجعله يبدأ من أول مسح فله ذلك، فلو قدر أنك لبستها في صباح السبت ولكن لم تمسح إلا في وقت الظهر، فإن اليوم والليلة على هذا القول يبدأ من وقت الظهر الذي هو وقت مسحك، وعلى كل حال العمل على أنه يبدأ من أول حدث يوماً وليلة.

    انتقاض الوضوء بمضي مدة المسح على الخفين

    ومن الأحكام: أنه متى مضت مدته انتقض، فلو أنك مثلاً صليت به الظهر، ثم انتقض وضوءك بعد الظهر يوم السبت، ثم صليت به العصر غداً يوم الأحد ولم ينتقض وضوءك بعد الظهر؛ فإنه لا يجوز أن تصلي به العصر؛ وذلك لأنه انتقض الوضوء من حين انتهاء المدة، كأنه قد انتقض الوضوء وإن لم ينتقض، هذا هو الأقرب: أنه بانتهاء المدة على الإنسان أن يجدد الوضوء ولو لم يكن محدثاً، فلو قلت مثلاً: أنا لا زلت على طهارة من الظهر، فنقول: إنك طاهر ولكن كأنك ما غسلت قدميك.

    والصحيح أنه ينتقض الوضوء بانقضاء المدة، وإن كان بعض العلماء يرى أنه يبقى على وضوئه حتى ينتقض، لكن الفتوى على أنه ينتقض؛ وذلك لأنه لم يغسل قدميه، المسح له مدة انتهت، فإذا تم اليوم والليلة فكأنه على وضوء ما عدا قدميه.

    كون المسح خاصاً بالحدث الأصغر فقط

    ومن الأحكام: أن المسح خاص بالحدث الأصغر، أما الحدث الأكبر الذي يوجب الغسل؛ فلا يمسح فيه بل لا بد من خلع الخفين وغسلهما بالحدث الأكبر، وقد جاء في حديث صفوان بن عسال قال: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن نمسح وأن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة، لكن من بول وغائط ونوم)، يعني: أما من الأحداث الصغرى فلا ننزع منها خفافنا ثلاثة أيام للمسافر.

    حكم المسح قبل السفر أو أول ابتداء السفر

    ثم من الأحكام: أنك إذا سافرت فإن كنت قد بدأت بالمسح قبل السفر فلا تزد عن يوم، وإن كنت لم تبدأ بالمسح فلك ثلاثة أيام، وإذا ابتدأت بالمسح في السفر ثم أقمت فلا تزد عن يوم، تغليباً لجانب الحضر، وذلك حرصاً على أن تأتي بالعبادة كاملة.

    حكم المسح على الجوارب

    ومما يلحق بالخف الجورب، والجورب: هو ما ينسج من الصوف أو من القطن المتين أو من الكتان ونحو ذلك، ويفصل على قدر القدم، ويعرف في هذه الأزمنة بالشراب، هذا فيه خلاف هل يمسح عليه أو لا يمسح؟

    فذهب إلى جواز المسح عليه الإمام أحمد ، وخالف في ذلك الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي فقالوا: لا يمسح عليه؛ وذلك لأنه يخرقه الماء، فلا يكون ساتراً للقدم، ولأنه يبين صورة القدم، أي: تعرف منه الأصابع والعقب والأخمص وظهر القدم، فكأنه لم يلبس عليه شيء يستره بخلاف القطن.

    قالوا: والحديث الذي فيه لم يثبت، وهو عن المغيرة : (أنه مسح على الجوربين والنعلين) قالوا: إنه خطأ من الراوي، وأن الصواب ما في رواية الباقين عن المغيرة أنه مسح على الخفين وليس فيه المسح على الجوربين، ولكن الإمام أحمد ترجح عنده أنه يمسح على الجوربين وإن لم يثبت عنده الحديث، ولكن قد روي فيه أحاديث وآثار عن جملة من الصحابة أنهم مسحوا على الجوارب، فأجاز ذلك اتباعاً لهم؛ فإنهم لا يفعلون إلا ما هو جائز أو مسنون، ولأن في ذلك رخصة؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى لبس هذه الجوارب لتدفئة القدمين، سيما في وقت اشتداد البرد، فإذا لبسهما رخص له بأن يمسح عليهما كما يمسح على الخفين.

    شروط المسح على الجوارب

    ولا بد من شرط في هذه الجوارب وهو أن تكون ساترة، فإذا كان فيها خرق أو خروق فلا يمسح عليها؛ وذلك لأن الخلاف في الخف ليس كالخلاف في الجورب، فالرخصة التي في المخرق خاصة بالخف، وأما الجورب فالراجح أنه لا يرخص في المخرق منه؛ لقوة الخلاف في الأصل، فإذا كان الأئمة الثلاثة لا يستبيحون المسح عليه أصلاً، فكيف به إذا كان مخرقاً؟! فإذا كان مخرقاً فإن عليك أن تلبس فوقه ما يستر تلك الخروق، وهي متيسرة، ولا بأس أن يلبس اثنين أو ثلاثة، فيحصل بهما تدفئة ويحصل بهما ستر للقدم ونحو ذلك، فيجتنب المسح على الجورب (الشراب) المخرق.

    كذلك أيضاً يشترط أن يكون الجورب صفيقاً، والصفيق معناه: الغليظ المتين الذي يستر البشرة ولا ترى من ورائه، فإذا كان خفيفاً فلا يمسح عليه، ويتساهل كثير من الناس فيمسحون مع أن جواربهم شفافة يرى منها البشرة ونحوها.

    وقد كانت خفاف الصحابة من جلود وقد يكون فيها خروق، أما جواربهم فإنها تنسج من الصوف ومن الشعر، ويجعلون في أسفلها جلدة يمشون عليها، وقد يلبسون تحتها نعلاً، ولكن كثيراً ما يمشون على الجورب وحده، حيث يجعلون تحته رقعة تقيهم كما يقيهم النعل، فكانت جواربهم غليظة جداً، بحيث إنه لا يخرقها الماء؛ لقوتها، وأنها يمكن المشي عليها حتى في الرمضاء وفي الأرض المليئة بالحجارة، يمكن لأحدهم أن يمشي فيها؛ لقوتها ولغلظها، ولأن تحتها تلك الجلدة، فعلى هذا إذا كان الدليل الذي أبيح لنا فيه المسح على الجوارب هو قصة الصحابة، فلنقف على جواربهم لنعرف أن جواربهم غليظة ليست شفافة، أما الذين يلبسون جوارب شفافة بحيث يخرقها البصر فضلاً عن الماء، فنقول: لا يجوز المسح على مثل هذه؛ لكونها خفيفة. فالعلماء اشترطوا الصفاقة والغلظ والمتانة في الجوارب، ومعلوم أنك ما لبستها إلا للتدفئة، وإذا كانت خفيفة فلا تحصل بها تدفئة ولا تحصل بها وقاية للقدم، مع أنه لا يمشى بها غالباً وحدها، فكل ذلك دليل على أنه لا بد من التثبت في هذا.

    صفة المسح على الخفين

    أما صفة المسح على الخفين فيراد به مسحهما باليدين، وصفته: أنه بعدما ينتهي من مسح رأسه يبل يديه ويمسح كل قدم بيد، ويكون المسح على أعلى الخف أو أعلى الجورب، يبتدئ من رءوس الأصابع ويمر أصابعه على ظاهر قدمه إلى ساقه، فيمسح أعلاه ويمسح جانبيه بأصابعه، ولا يمسح أسفله ولا يمسح مؤخره، هكذا وردت صفة المسح.

    ولا يلزم أن يظهر البلل على الخف أو على الجورب؛ بل قد روي أنه عليه الصلاة والسلام لما مسح على الخفين يقول الراوي: (كأني أنظر إلى أثر أصابعه خطوطاً في الخف) يعني: أن أصابعه قد أثرت بللاً في الخف كمثل الخطوط، مما يدل على أنه لا يلزم أن تبتل.

    أما مسح أسفله فليس من السنة، ولهذا ورد في حديث عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه).

    ويلاحظ أن البعض من الناس يمسح على خفيه ثم يخلعهما ويصلي في الشراب، فيبطل بذلك مسحه، فنقول: إذا كان عليك شراب وجعلت الخف كالنعل يخلع ويلبس، فاجعل المسح على الأسفل الذي هو الشراب، بحيث إذا أردت الوضوء خلعت الخف أو النعل ومسحت على الشراب ثم لبسته، وإذا دخلت المسجد خلعتهما وصليت في الشراب وحدها كما هو المعتاد.

    أما أن تمسح على الخف ثم تخلعه وتترك الشراب وحدها، فإنه يبطل مسحه؛ لأنك مسحت على شيء وخلعته، فلم يبق الممسوح معك، بل قد خلعته.

    فهذا مما يغلط فيه كثير من الناس، ترى أحدهم عندما يتوضأ يمسح على ظهر الخفين أو النعلين، وإذا دخل المسجد خلعهما وترك الشراب، فانتبهوا لهذا ونبهوا إخوانكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756233408