إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
  5. الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ومنهجه في التعليم

الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ومنهجه في التعليمللشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القراءة والحديث عن سير العلماء العالمين تزيد في الإيمان وتشحذ الهمم؛ إذ إنهم القدوة والأسوة الحسنة، ومن العلماء العاملين الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، فقد كان مثالاً للعالم العامل؛ إذ كان رحمه الله شديد العناية بالعلم وتحصيله، شديد العناية بتبليغه وتدريسه، حتى إنه لا يكاد أن يُرى إلا في علم أو تعليم، وقد كان رحمه الله حريصاً على اتباع السنة، شديد العناية بالمعتقد السليم، غيوراً على حرمات الله، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، فهو مثال للعالم العامل، رحمه الله رحمة واسعة.

    1.   

    حديث عن الشيخ محمد بن إبراهيم عن قرب

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام! إنها لساعة محببةٌ إلى القلوب أن نجتمع فيها إلى علمائنا، ونأخذ عنهم، ونلتف حولهم. وإن سير العلماء لمن أفضل ما تكلم فيه المتكلمون، فإن سير العلماء مدارس يستقى منها الفضل والقدوة الحسنة. نستضيف في هذه الليلة فضيلة وسماحة شيخنا العلامة الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين الذي يعد نجماً وكوكباً لامعاً في سماء الرياض بدروسه ومحاضراته، نسأل الله أن يرفع درجاته في الدنيا والآخرة. يحدثنا سماحة شيخنا عن شيخه العلامة الكبير محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عالم عصره ومفتي مِصره، وفضيلة شيخنا عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حينما يتحدث عن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، ومنهجه في التعليم، فإنما يحدثنا عن كثب، ويتكلم عن معرفة؛ لأنه من أبرِ وأكبرِ تلاميذِ سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ومن ألصقهم به. وأترك المجال لسماحة شيخنا ليحدثنا الحديث العذب الذي تشتاقه نفوسنا، ألا وهو الحديث عن الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ ومنهجه في التعليم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: سأحدثكم بما أعرفه ولا أتكلف ما لا أعرفه؛ وذلك لأن الشيخ: محمد بن إبراهيم رحمه الله قد تتلمذ عليه مئات، وربما يكونون ألوفاً: الذين قرءوا عليه .. والذين أخذوا مسيرته، وعملوا بها والذين تعلموا عليه علوم العقيدة، وعلوم الأحكام، وعلوم الآداب.

    1.   

    اشتغال الشيخ محمد بحفظ القرآن قبل البدء في طلب العلوم

    ذكر لنا الشيخ -رحمه الله- في بعض الدروس: أنه كان يقرأ على مشايخ منهم: أعمامه وأبوه، كان يقرأ عليهم بعض الدروس ويحفظ، وذلك قبل أن يكف بصره، ولما أصيب ببصره اشتغل بحفظ القرآن، وأكب على حفظه حتى حفظه. وقد كانوا يعتنون أولاً: بحفظ القرآن قبل البدء في العلوم، وذكر لنا عجائب من حفظه ومن جهده واجتهاده. وللشيخ مشايخ وتلاميذ كثيرون لن أتكلم عن مشايخه، ولا عن تلاميذه، ولا عن مولده ووفاته، فإن ذلك قد كتب عنه كثيراً، وقد ألفت في سيرته عدة مؤلفات، وكتبت في ذلك عدة رسائل؛ تكلمت عن منهجه في التعليم، وعن اختياراته، وما يتعلق بسيرته. ونحن نتكلم على أطرافٍ مما أدركناه، ولست أنا أكبر تلاميذه، ولا أخصهم، فتلاميذ الشيخ كثر، ومن أخصهم ابناه الموجودان: عبد العزيز وإبراهيم ، فإنهما قرءا عليه كثيراً، وكذلك زميله في الإفتاء: عبد الله بن سليمان بن منيع، فقد اشتغل في الإفتاء كثيراً، وأيضاً من زملائه: إسماعيل بن عتيق، الذي اشتغل معه كثيراً في الإفتاء، ومن تلاميذه الذين قرءوا عليه كثيراً: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، وغيرهم وهم كثيرون لا حاجة إلى أن أعدهم، فهم مشهورون ومعروفون.

    1.   

    بدء تولي الشيخ الإمامة والتدريس

    الذي سمعته عن أول بدئه في التدريس وفي الإمامة: أنه كان تلميذاً لعمه عبد الله بن عبد اللطيف ، وكان عبد الله هو الإمام والخطيب في هذا المسجد، الذي عرف بمسجد عبد الله ، ثم عرف بعد ذلك بمسجد الشيخ محمد والذي لا يزال في وسط البلد، وكان صغيراً ثم وسع، وكان إمامه الشيخ عبد الله رحمه الله، ولما مرض استناب ابن أخيه الذي هو محمد بن إبراهيم بعد ما كف بصره، ولما توفي الشيخ عبد الله ؛ ترك الشيخ محمد الإمامة، فقيل: لا تتركها؟ فقال: إن الذي أنابني قد مات، ولا ألي شيئاً لست أهلاً له، ولم أكن نائباً عن صاحبه، قال ذلك من باب الورع، كأنه يقول: عمي هو الذي وكلني، وحيث إني كنت وكيلاً عنه في هذه الإمامة، وحيث إنه قد توفي فأنا لا أقوم بهذه الإمامة؛ لأن الذي وكلني قد مات، وكان ذلك في سنة تسعٍ وثلاثين، ولما سمع بذلك الملك عبد العزيز استشار من الأولى بإمامة هذا المسجد؟! فعند ذلك قالوا: لا نعلم أكفأ من محمد بن إبراهيم ، فأمر بأن يكون هو الإمام، وتولى إمامة هذا المسجد لمدة خمسين سنة، أي: من تسعٍ وثلاثين إلى أن مات سنة تسعٍ وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة؛ كان هو لإمام لهذا المسجد، إلا أنه كان لا يخطب به، فقد كان يخطب في الجامع الكبير، ويوكل أحدَ إخوته للخطبة بمسجده. وأما جلوسه للتعليم فأنا ما أدركت أول ذلك، ولكن أدركت تلاميذه الذين أخبروني بجلوسه، فكان جلوسه رحمه الله للطلاب من حين تولى هذه الإمامة -أي: من سنة تسعٍ وثلاثين- بعد موت عمه، حيث جلس للتدريس مع أن هناك من هم أكبر منه سناً، بل منهم في درجة مشايخه الكبار كالشيخ: سعد بن عتيق ، والشيخ: سليمان بن سحمان ، والشيخ: حمد بن فارس، وكذلك عمه الشيخ محمد بن عبد اللطيف الذي عُمِّر إلى أن مات سنة ثمان وستين، فرفع الله مكانة الشيخ محمد بن إبراهيم فتولى هذا التدريس.

    1.   

    كان وقت الشيخ عامراً بالتدريس والقراءة

    كان الشيخ لا يَمل من التدريس، وكان وقته للدراسة وللقراءة، ويدل على ذلك سماعه لفتاوى المشايخ التي جمعها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله، وهي هذا المجموع الكبير الذي سماه: الدرر السنية، فإنه قرأها عليه، وكتب الشيخ في مقدمتها: لقد قرأ علي أخونا عبد الرحمن بن قاسم هذه الرسائل، فبعضها مرتين، وبعضها أكثر من ذلك، يقرأها عليه للتصحيح، وهي رسائل أئمة الدعوة ونصائحهم، ومسائل سئلوا عنها، فرتبها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله على الأبواب، فهذه المجموعة المكونة من اثني عشر مجلداً قرأها عليه وسمعها كلها. وأما قراءة القراء عليه، فذكروا أنه كان يجلس بعد الفجر مباشرةً غالباً، فيقرأ عليه إلى أن تطلع الشمس، ثم بعد ذلك ينصرف إلى بيته لتناول القهوة ونحوها، فإذا ارتفعت الشمس فتح بابه للطلاب فتوافدوا عليه، وقرءوا عليه في المطولات ككتب التفسير، وكتب الحديث، وشروح الحديث، فقد قرئت عليه الشروح الكبيرة كفتح الباري وغيره من الشروح، ومن كتب التفسير: تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وتفسير البغوي، وهذه قرئت عليه مراراً، ولكن كان أكثر اهتمامه بكتب العقيدة وكتب التوحيد؛ وذلك لأن آباءه وأجداده أولوها اهتماماً، فكان حريصاً على تكرارها، وكان حريصاً على حفظها، وعلى تكليف الطلاب بحفظها. وهكذا إلى أن يَقرُبَ وقت القيلولة فيأذن لهم بالانصراف -قبل الظهر بساعةٍ أو نحوها-، ثم بعد صلاة الظهر يتوافدون إليه إلى المسجد، ويقرءون -هذا فيما أذكر وفيما نقل إليَّ- نحو ساعة أو قريباً منها. وكذلك بعد العصر يدرسون عليه أيضاً ساعة أو أكثر منها، وهكذا أيضاً بعد المغرب -أي: بين العشائين-، فيعمر وقته رحمه الله بهذه الدروس، وكان يهتم بالمتون ويوصي بها تلاميذه، فاستفادوا منه كثيراً. ولعلكم قرأتم في مقدمة : (الفوائد الجلية) للشيخ: ابن باز قوله: إني استفدت أكثرها من تقريضات شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.

    1.   

    تشجيع الشيخ لمن رأى فيه النجابة والذكاء

    كان الشيخ إذا رأى نجابة الطالب الذكي فإنه يحبه، ويرفع مكانته، ويشجعه على الدراسة وعلى الحفظ، كما حصل لتلميذه الأمثل الشيخ: ابن باز -رحمهما الله جميعاً-، فإن الشيخ ابن باز رحمه الله كان دائماً يعترف بفضله عليه، وبتقديمه له، وكلما ذكره هملت عيناه دمعاً؛ لاعترافه بفضله، وفي هذا دليلٌ على أنه كان يشجع كل من يرغب في التتلمذ عليه، وحدثني بعض المشايخ كالشيخ عبد الرحمن بن عويمر رحمه الله أنه قرأ عليه زاد المستقنع مرتين أو ثلاثاً، وكذلك قرأ عليه كتاب بلوغ المرام حفظاً، وقرأ عليه زملاء له كانوا يجتهدون في حفظه، وقد أدركنا بعضهم يحفظون الزاد كاملاً حفظاً متقناً. أدركنا شيخاً لنا هو تلميذٌ للشيخ محمد يقال له: صالح بن مطلق رحمه الله كان يحفظ الزاد، وكان قد قرأه على الشيخ، وسمع شرحه عليه، وكذلك غيره من المشايخ، وأدركت شيخاً يقال له: عبد الله بن مرشد يحفظ الزاد، وكان ضريراً، وكنت مرةً في مسجدٍ له، وكان هو الإمام، وكان يوم مطر، فابتدأ يقرأ من وسط الزاد، حتى قرأ نحو ساعة أو ساعتين قراءة متواصلة! ثم سئل فقال: إني حفظته وقرأت شرحه على الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.

    1.   

    إنشاء الشيخ لمعهد إمام الدعوة وتدريسه فيه

    عندما أتيت إلى الرياض في سنة أربعٍ وسبعين، وذلك بعدما فتح المعهد العلمي، وانتظم فيه خلقٌ كثير، وبقي آخرون أغلبهم من المكفوفين لم يلتحقوا بالمعهد؛ وذلك لأن فيه علوماً لا تناسبهم وتصعب عليهم؛ لكونهم مكفوفي الأبصار، فعزم الشيخ رحمه الله على أن يفتح معهداً خاصاً، وسماه: معهد إمام الدعوة، ولما عزم على فتحه كان أول جلسة جلسها بعد الفجر، وذكر فيها فتحه لهذا المعهد، وأن سبب فتحه: أن هناك من لا يرغب في دراسة التقويم ولا الحساب ولا الجبر ولا الهندسة ونحوها من العلوم الجديدة، وإننا نريد أن يكون هذا المعهد معهداً شرعياً خاصاً، وذكر أنه يدرس فيه عشر موادٍ، وأخذ يعددها بأصابعه -ونحن ننظر- فقال: الفقه، وأصول الفقه، والحديث، ومصطلح الحديث، والتفسير، وأصول التفسير، والتوحيد، والعقيدة، والنحو، والفرائض، فهذه العشرة كلها دروس دينية، وهي التي قررها في ذلك المعهد عندما فتح في سنة أربعٍ وسبعين، ولما فتح للسنة الأولى كانت الدراسة في المسجد، فتولى تدريس حلقتين، حيث قسمهم إلى أربع سنوات، سنة رابعة: فيها المتقدمون الذين معهم تمكن، وسنة ثالثةٌ: دونهم في الرتبة، ولكن معهم سابق علم، وسنةٌ ثانية: دونهم كذلك، وسنة أولى: وهم الأكثرية، وهم المبتدئون، وإن كان فيهم أيضاً بعض التلاميذ المتفوقين. التزم الشيخ بتدريس السنة الرابعة، وبتدريس السنة الأولى الذين هم الأكثرية، وكنت أنا في السنة الرابعة، واستمر يدرسنا لمدة ثمان سنوات، قرأنا عليه فتح المجيد بأكمله فيما يتعلق بالتوحيد، وقرأنا عليه الفتوى الحموية في العقيدة، وكذلك العقيدة الواسطية، وقرأنا عليه كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وقرأنا عليه شرح الطحاوية، وكان يشرحه شرحاً متوسطاً، وكان يعلق على الجملة أو على المقطع تعليقاً خفيفاً؛ وذلك لأنه يثق بأنه ظاهر، وأن هذا الكتاب إن شرحه شرحاً موسعاً فسيطول، وبالأخص كتاب الإيمان لسعته، وما أشبه ذلك. وكان رحمه الله تعالى متوغلاً في علم التوحيد، وحضرنا له درساً في السوق، كان إذا انتصف الضحى -أي: قبل الظهر بساعتين- جاء إلى السوق -الذي هو مجتمع الناس- وقرءوا عليه باباً من أبواب كتاب التوحيد، ثم يشرحه شرحاً واسعاً، ويتوسع في ذلك الباب، وقد أعطي ذكاءً وفقهاً في هذا الكتاب، حتى إنه يستخرج منه فوائد عديدة زيادة على المسائل التي استنبطها منه المؤلف، ويشرح الجمل شرحاً بليغاً، ويطبقها على الواقع، وأتذكر أنه قُرئ عليه باب احترام أسماء الله تعالى، وتغيير الاسم لأجل ذلك، وفيه حديث أبي شريح؛ أنه كان يكنى أبا الحكم ، فبعد ما شرح الباب قال: إن الناس يتساهلون في هذه الأسماء، فيسمون بما يقرب من أسماء الله تعالى، ثم قال: إن من الناس من يسمي عبد العزيز: عِزَيِّز، ويسمون عبد الرحمن: دِحَيِّمْ، وأخذ يمثل بمثل هذه الأسماء.. وهذا لا يجوز، فإن ذلك تغيير لأسماء الله، وأسماء الله يجب أن يكون لها مكانتها. ولما تكلم على باب ما جاء في المصورين، كان التصوير قد ظهر في ذلك الوقت، فأخذ ينكر على الذين يتوسعون في التصوير، بأي نوعٍ من أنواع التصوير، ثم استطرد وذكر ما انتشر من الكتب المليئة بالصور، فذكر أنها كتب لا فائدة فيها، ولا أهمية لها، ومع ذلك يوجد في جوانبها كثير من الصور، وكذلك المجلات، وأخذ ينكرها، وقد استجاب لذلك كثير من الذين سمعوهُ، فرجعوا ومزقوا ما عندهم من الصور. وبالنسبة إلى تدريسه للسنة الأولى، فقد درسهم الثلاثة الأصول، والأربعين النووية، ودرسهم في النحو: الآجرومية، وكنا نحضر له في درس ثلاثة الأصول، فكان يشرحه ويأتي بفوائد عجيبة يستنبطها من ذلك المتن، وهكذا أيضاً في شرحه للأربعين النووية.

    1.   

    تدريس الشيخ للمطولات

    بالنسبة إلى الدروس الواسعة فقد درسنا عليه متن وشرح زاد المستقنع، وكان يكلفنا بحفظه، وإن كان بعضنا قد يعجز، ويكلفنا أيضاً: بحفظ البلوغ؛ لأنا قرأنا عليه الروض المربع مرتين، مرة في المرحلة الثانوية: وهي أربع سنين، ومرة في القسم العالي -الذي هو التخصص، وكان يوازي الجامعة- أربع سنين، فقرأنا هذين الكتابين، وقرأنا من كتب التوحيد، ومن كتب العقيدة. وكنا نلاحظ عليه في الفقه أنه لا يخالف ما في الكتاب إلا قليلاً، وكان الذي يقرأ عليه شيخ زميلٌ لنا، وهو عبد الرحمن بن محمد بن مقرن آل سعود رحمه الله الذي توفي في نحو اثنين وتسعين أو قريباً منها، وكذلك أحد التلاميذ الموجودين وهو: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، كان إذا قرأ عليه القارئ يأمره أن يقرأ جملةً من الروض المربع، وإذا قرأ الجملة شرحها، فأحياناً يكون منبسط البال، فيتوسع في الشرح، وأحياناً تكثر عليه الواردات فيختصر ولا يتوسع، وإذا توسع فإنه يأتي بأمثلة توضح تلك الجملة، ويبين ما يتعلق بها وما يلحق بها، وكذلك إذا شرح حديثاً من بلوغ المرام، يحرص على أن يتوسع في شرحه، ويبين ما يتصل بذلك الحديث، وتعرفون أن بلوغ المرام فيه بعض الأحاديث الضعيفة، فكان لا يتوسع في شرحها، وتعرفون أيضاً أن في آخره ستةَ أبوابٍ تتعلق بالأدب، وليست من الفقه، وقد شرحه لنا مرتين، وكان يتوسع في شرحه شرحاً غالباً. ولم يكن في ذلك الوقت قد تواجدت أجهزة التسجيل إلا قليلاً، فلم يكن أحدٌ يسجل كلامه فيما أذكر، ولكن كان أكثرهم يكتبون ما يستفيدونه منه، وكان من أكثر الطلاب عناية بكتابة فوائده زميلنا الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله، والذي توفي قبل أكثر من سنة إثر حادثٍ حصل له، فقد كان سريع الكتابة، ولكن كتابته لا يعرفها إلا هو؛ لأنه لا ينقط الحروف، ولأنه يسرع فيها، وغالباً لا يفوته إلا القليل من كلام الشيخ، وكانت طريقة الشيخ رحمه الله في الإلقاء متوسطة، فكان يتكلم كلاماً متوسطاً، ولا يسرع في إلقاء الجمل، بحيث إن من يريد أن يتابعه يستطيع أن يتابعه ويلحقه. ذكر لنا محمد بن القاسم رحمه الله أنه كتب ثمانية وعشرين دفتراً على شرح الفتوى الحموية، والدفتر عشرون ورقة، فمعنى ذلك أنه لو نسخ لكان مجلداً كبيراً، ويظهر أن الشيخ محمد بن القاسم رحمه الله لم يتفرغ لنسخه، وكان يتابعه في الشروح: في شرح الزاد، وفي شرح الحديث، ونحو ذلك؛ لاهتمامه بإثبات ما يقدر عليه من الفوائد، أما نحن فكنا نعلق بين الأسطر من بلوغ المرام أو في هامش الروض المربع: الفوائد الغريبة، والفوائد الجديدة، وبالنسبة للروض المربع كان مطبوعاً في ثلاثة مجلدات، وعليه حاشيةٌ للشيخ العنقري رحمه الله، ومع ذلك كنا نعلق في الهوامش وفي الحواشي ما يتيسر لنا من الفوائد، وكذلك أيضاً: قد يأخذ أحدنا دفتراً، ويعلق فيه ما تيسر من الفوائد.

    1.   

    التزام الشيخ بما في كتب الفقه وعدم المخالفة لها إلا نادراً

    لم يكن الشيخ يخالف ما في كتاب الفقه إلا قليلاً، لا يخالفه فعلياً ولا قولياً إلا نادراً، فمرة كان يتكلم في الكلام على نية الصلاة، وأنها من شروط الصلاة، فصاحب الروض -كأصحاب المذهب- تأثروا بكتب الشافعية، فقال صاحب الروض: ويستحب التلفظ بها سراً، فأنكر الشيخ هذه الجملة، وقال: لا يستحب؛ وذلك لأنكم كما تعرفون في ثلاثة الأصول، وما ذكر في آخرها من شروط الصلاة؛ أنه ذكر النية وقال: (ومحلها القلب، والتلفظ بها بدعة)، فقال: إن التلفظ بالنية سراً أو جهراً كله بدعةٌ منكرة، ولا دليلُ على ذلك، وأخذ يبين أنه لا دليلَ على أن التلفظ بها مشروع. ومما ذكره الفقهاء: أنه لا يجوز استقبال النار ولو سراجاً، يقولون: ولا يجوز استقبال نارٍ ولو سراجاً، وبعد أن جاءت هذه الإنارة الكهربائية قال: لا تجعلوها أمام المصلي -أي: لا يستقبل المصلون نوراً كهربائياً- قالوا: كيف نفعل؟ قال: اجعلوها على رءوسهم على السواري، وكان في المسجد ستة صفوف من السواري، فكانوا يجعلون على رأس السارية واحدة من اللمبات، حتى لا يستقبلونها، وكانوا أحياناً يصلون في الرحبة التي في شرق المسجد، والتي توصف بالخلوة، وكانت هناك لمبةٌ يقرءون عليها قبل الصلاة -في وقت العشاء- وكذلك إذا كان هناك درسٌ، فإنهم يقرءون عليها، وكانت ملصقةً بخشبةٍ قرب المحراب؛ فإذا أقيمت الصلاة كان يقول: أطفئوا هذه اللمبة، ولا تشوشوا على المصلين، وهذا من تشدده رحمه الله بالعمل بما نص عليه الفقهاء: من أنه لا يجوز استقبال نارٍ ولو سراجاً، ولما جاءت هذه الكهرباء التي عمت المساجد، توسع في ذلك المشايخ وبالأخص الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله فقالوا: إنه لا مانع من استقبالها وجعلها أمام المصلي. ولما عمر المسجد الكبير في سنة سبعين، وركب فيه جهاز المكبر، أنكره بعض الناس الذين حوله، وقالوا: إن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن معروفاً، وكيف نصلي ونحن لا نقتدي بصوت القارئ ولا بصوت الإمام؟ لا حاجة لنا في هذا، أما الشيخ فقد قبل ذلك، وقال: هذا فيه فائدة، وهو تكبير للصوت، وإرساله إلى مكان بعيد، ولكن لما كان هناك كثيرون لا يصلون فيه معه، قال لهم: لا تركبوا هذا المكبر في المسجد القديم، الذي هو مسجد آل الشيخ، واستمر المسجد ليس فيه مكبر إلى قبل وفاته بنحو أربع أو خمس سنين فيما أذكر، فركب فيه هذا المكبر، وكان قد اقتنع بأنه لا بأس به، وأنه جائز لما فيه من الفائدة: وهي تكبير الصوت، وإرسال الصوت إلى الأماكن البعيدة، وقد كانوا لا يسمعون المؤذن وهم بجوار البيوت، فاقتنعوا وقنعوا.

    1.   

    غيرة الشيخ في أمور العقيدة

    بالنسبة إلى الأمور المستجدة فقد عرف الشيخ بغيرته على أمور العقيدة، وألف رسالةً طبعت في ذلك الوقت، ثم طبعت مع مجموع رسائله، في إثبات أن القرآن عين كلام الله، وأنه كلام الله حقاً، وأن الذين قالوا: إنه حكاية أو عبارة فهم في الحقيقة ينكرون كلام الله. وكان بعضهم يعرب بعض السور فمر على قوله تعالى: قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس:17]، مع أن التلاميذ يعرفون أن هذا الحرف يفيد التعجب، وكان المدرس أشعرياً، فأنكر صفة العجب، وقال: لا يوصف الله تعالى بالعجب، فرفعوا الأمر إلى الشيخ، فعند ذلك أحضره وأقنعه وبين له: أن هذا يتعلق بالعقيدة، وأن الله تعالى موصوفٌ بصفات الكمال، وقد وصف الله نفسه بهذا في قوله: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ [الرعد:5]، وكذلك في الأحاديث، فكان غيوراً على مثل هؤلاءِ. وأذكر أنه في حدود سنة خمس وسبعين طلب منا أن نقرأ على بعض المشايخ، فتوقف بعض زملائنا، وأشدهم الشيخ محمد بن قاسم ، وقالوا: لا يمكن أن نقرأ على هؤلاء، فأقنعهم، بأننا قد أقنعناهم وأنهم قد اقتنعوا بما نحن عليه، فامتنع الزملاء، وعند ذلك صرفنا إلى قراءة أصول الفقه فقال: اقرءوا على الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أصول الفقه، وكذلك اقرءوا على الشيخ فلان في النحو، فالحاصل أنه كان يتنزل على رغبة الطلاب الذين يخافون أن يدخل في عقيدتهم شيءٌ من التغير. وبالنسبة إلى غيرته رحمه الله، فقد كان غيوراً على المحرمات، وكان من الإخوان الذين يحبون أن يغيروا الشيخ: عبد الرحمن بن ريان رحمه الله والشيخ فهد بن حمين شفاه الله والشيخ: عبد الرحمن بن مقرن رحمه الله وغيرهم من التلاميذ الذين عندهم قدرة على الإنكار والإقناع، فكانوا كلما سمعوا بمنكر جاءوا إليه وبينوا له، وأكثر ما كانوا ينكرون على أهل اللعب -أهل المباريات- ونحوها، ويقولون: إنه يحضرها أناسٌ، وإنهم لا يؤدون صلاة العصر جماعة، ولا صلاة المغرب، فأصدر أمره: أنهم لا يأتون إلا بعد صلاة العصر، وأن ينصرفوا قبل صلاة المغرب، إذا كانت هناك مبارياتٌ أو ما أشبه ذلك. وكذلك إذا أنكروا نشرة من النشرات، فإنهم يأتون إليه، فإذا أخبروه فإنه يغار على ذلك، ويرد على ذلك المتكلم في تلك النشرة، ولعل بعضكم يذكر ما قاله الشيخ ابن باز رحمه الله في مسألة دوران الأرض، حيث نشر نشرةً، وذكر قول الله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا [يس:38] ، وقال: من أنكر جريان الشمس على ما ذكر الله، فإنه قد رد كلام الله، ويكون بذلك مرتداً، فرد عليه الشيخ المعروف بـالصواف رداً طويلاً، وأخذ ينشره في الصحف، ولما نشر في ثلاثةِ أعدادٍ أمر الشيخ محمد رحمه الله بإيقافه، وعدم نشره لبقيةِ ما عنده، ولكنه نشر بعد ذلك كتابٍاً أو رسالةً سماها: (المسلمون وعلم الفلك)، وهي التي رد عليها الشيخ حمود التويجري رحمه الله، وحاولوا أن يقنعوا الصواف بذلك، ولكنه أصر على عقيدته وعلى ما هو عليه في هذه المسألة. وكذلك كان الإخوان يفزعون إليه إذا رأوا منكراً، وكان المنكر في ذلك الوقت يستنكر ولو كان يسيراً، وكان يوجد في أقصى الرياض شرقاً: مطعم أو قهوة، وكان فيه هذا الجهاز الذي يسمى -السينما-، وانكب عليه الجهلة يزدحمون على النظر والتفكر في تلك الصور التي تعرض، ففزع الإخوان إليه، وأنكروا ذلك، وأمر بإقفاله فيما يظهر أو عدم استعمال هذا الجهاز لما فيه من الفتنة. ولما خرج جهاز التلفاز المعروف، فزع إليه الإخوان وقالوا: إنه تظهر فيه منكرات، وإنه فيه مفاسد، فأكد على المسئولين: ألاَّ تظهر فيه صورة امرأة -أي: صورة الوجه- فإذا كانوا في حاجةٍ إلى إخراج كلامها فيكون كلاماً بدون صورة، فكانت المرأة لا يبدو شيءٌ من بدنها إلا كيدها، وأما الرأس والوجه فلا يظهر طوال بقائه رحمه الله، وبعدما توفي توسعوا كما هو الواقع، وقد عرف أن هذا فتنة.

    1.   

    اقتداء الشيخ بآبائه وأجداده في الإمامة والخطابة

    كان الشيخ رحمه الله يقتدي بآبائه وأجداده في أعماله، فبالنسبة إلى الإمامة كان رحمه الله يمد صوته بتكبيرة الإحرام، وإذا كبر للركوع فإنه يختصر التكبير: (الله أكبر)، وكذلك إذا سجد، ولكونه ضريراً كان ينحني حتى يصل إلى الأرض، فإذا وصل إلى الأرض ولم يبقَ بينه وبين الأرض إلا قدر تكبيرة، قال: الله أكبر، لماذا؟ يخشى أنهم يسابقونه، فتبطل صلاتهم بهذه المسابقة. وبالنسبة إلى الخطب كان رحمه الله لا يخرج عن خطب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وقد كانت مطبوعة في رسالة مفردة، وكان يحفظها ويخطب بها، وكانت على طريقة الخطباء القدامى، كانت مسجوعةً غالباً، فيقف على كل جملةٍ ويرتلها، والخطبة الثانية: قد يدخل فيها أيضاً بعض التنبيهات والأشياء الجديدة. وأذكر مرةً أنه كان أمام المسجد شارعٌ واسع يسمى شارع آل سويلم ، فمرت سيارة وهو في الخطبة، وعند ذلك نبه -وهو في الخطبة- وقال: إن هؤلاء الذين يمرون والناس يصلون، إن كانوا نصارى فيجب منعهم، وصرح بلعنهم -لعنهم الله-، وإذا كانوا متهاونين فيجب إقفال الأبواب عنهم، فبعد تلك الخطبة جاء الأمر من الملك في ذلك الوقت: الملك سعود بإقفال الشارع إذا أذن المؤذن الأذان الأخير للجمعة، ويمنع المرور أمام ذلك الشارع، حتى لا يشوش على المصلين، فيوقف الشارع من هنا ومن هنا، وهذا من حماسه وغيرته رحمه الله. وسيرته معروفةٌ ومعلومة، ومن أراد التوسع فيها فليرجع إلى ما كتبه تلاميذه في ذلك. نسأل الله أن يتغمده برحمته، وأن يفسح له في قبره، ونسأله سبحانه أن يرفع درجاته ويجزيه عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء، وأن ينفع بعلمه، وأن يبارك في تلاميذه وفي خلفه، وأن يجعلهم قدوةً حسنة لمن بعدهم، إنه على كل شيءٍ قدر، والله أعلم، وصلى الله على محمد.

    1.   

    الأسئلة

    تكرار قراءة الكتب على الشيخ

    السؤال: هذا سائلٌ يقول: سمعت من فم الشيخ حسن بن عبد اللطيف المانع رحمه الله أنه قرأ كتاب التوحيد ثلاث عشرة مرة على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وسمعت أيضاً من أحد أبناء الشيخ محمد بن قاسم رحمه الله أن والده قرأ كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية على الشيخ محمد بن إبراهيم أكثر من أربع عشرة مرة، ونحن نرى طلاب العلم في هذا الوقت لا يقرءون كتاب التوحيد، ولا كتب العقيدة، إلا مرة أو مرتين، وقد يستثقلون ذلك، فما توجيهكم حفظكم الله؟ الجواب: كان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله موغلاً في كتب العقيدة والتوحيد، وكان قد تلقى الوصايا بها عن أبيه وأعمامه وأقاربه الذين يوصون بكتب العقيدة، فلا يستغرب مثل هذا. وسبب التكرار: أنه يقرؤه أحدهم حتى يكمله، ثم يأتي تلميذٌ آخر فيطلب قراءته، فيحضرون معه ويقرءون فيكمله مثلاً: في سنة أو أقل من سنة، ثم يأتي تلميذٌ ثالثٌ وهكذا، وربما يقرأ الواحد أو يسمعه ويحفظه مراراً، وقد كنت أحضر عند تلاميذٍ في المسجد نفسه وأغلبهم من المكفوفين، وكان يقرأ عليهم واحدٌ منهم قد توفي، ويرأسهم كبيرٌ لهم يقال له: علي ، وهو أيضاً: كفيف، فكانوا إذا قرءوا جملة، أخذوا يستفصلون، ويقولون: احفظوا هذه الجملة، فإن الشيخ سوف يسألنا عنها .. احفظوا هذه الكلمة، فإنه قد سألنا مرة عن قوله: (مالت بهن لا إله إلا الله)، ما معنى مالت؟! وإنه سألنا مرةً عن قوله: (انفذْ على رسلك) ما معنى انفذ؟ وما معنى رسلك؟ فيكررون مثل هذه الكلمات حتى يحفظوها، وكذلك يحفظون جمل التعاريف، فيقولون: ما تعريف النذر؟ وما تعريف النذر الشركي؟ مما يدل على أنه كان يلقنهم ويشرح لهم، ثم بعد ذلك يناقشهم، ويسألهم مرةً بعد مرة؛ ولأجل ذلك تفقهوا به كثيراً، ومنهم الشيخ حسن بن مانع رحمه الله، وقد سألناه فقال: إني أتيت إلى الشيخ، وطلبت أن أقرأ عليه فقال: يا بني! لا تقرأ علي حتى تحفظ القرآن، فقلت: أبشرك بأني حفظت القرآن -وهو كفيف- فقال: لا تقرأ حتى تحفظ الثلاثة الأصول، فقال: إني أحفظها، فقال: لا تقرأ حتى تحفظ كتاب التوحيد، فقال: إني قد حفظته، وأخذ يعدد عليه محفوظاته.

    اعتناء الشيخ بالقرآن وإلزامه طلابه بحفظه

    السؤال: يقال: إن الشيخ كان لا يستقبل طالب العلم إلا إذا كان حافظاً للقرآن، فهل ذلك صحيح؟ الجواب: صحيح، كما سمعنا في قصة الشيخ حسن بن مانع ، فقد كان لا يقبل طالباً إلا بعد أن يحفظ القرآن، وكانت هناك مدارس لتحفيظ القرآن، ومنها مسجد الشيخ عبد الله ، ثم مسجد الشيخ محمد ، يذكر الأولون الذين كانوا يعرفونه في سنة عشرين وما بعدها: أنهم إذا دخلوا المسجد وجدوه مليئاً بالحلقات، هؤلاءِ عندهم مدرسٌ يقرءون في المفصل، وهؤلاء فيما بعده، يمكن في المسجد ثلاث أو أربع حلقات، ولا يخلو المسجد ليلاً أو نهاراً إلا في وسط الليل بعدما ينامون.

    ركعتي الشروق عند الشيخ محمد بن إبراهيم

    السؤال: سمعت من بعض طلاب العلم ممن لم يدركوا الشيخ أن الشيخ محمد بن إبراهيم كان لا يصلي بعد طلوع الشمس ركعتين؛ لأنه كان يرى الحديث ضعيفاً، فهل كنتم ترونه يصلي أم لا؟ الجواب: رأيناه يصلي، إلا أنه إذا انتهى من الدرس كان يذهب إلى بيته ولا يصلي، ولكن في غير وقت الدرس كرمضان فكان يجلس في مكانه يقرأ، وإذا انتهى من ورده صلى ركعتين، ورأيته يرفع يديه يدعو بعد الركعتين، ورأيته أيضاً يمسح بهما وجهه، مما يدل على أنه يرى أن الحديث في المسح ثابتٌ، ويرى أيضاً: أن مسح الوجه بعد الدعاء سنة وفضيلة، أما انصرافه بعد الدرس بلا صلاة، فلعل له عذراً، وقد كان مجلسنا في شرق المسجد، وكان وقت الحلقة يمتد إلى ساعتين -غالباً- أو ساعة ونصف، يجلس من بعد صلاة الفجر مباشرة، ثم إذا انتهى من الدرس أخذ بيده أحدُ التلاميذ إلى بيته، ويمكن أنه كان يصلي في بيته.

    فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في التصوير

    السؤال: فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في التصوير هل تغيرت قبل وفاته أم بقي على ما كان يرى من تحريم التصوير مطلقاً؟ الجواب: لعلكم قرأتم له فتوى، وما أذكر أنه رجع عنها في فتوى أو في رسالة، وقد رد عليه أحد السوريين في فتوى مطبوعة، وقال راداً على المفتي محمد بن إبراهيم في تحريمه للتصوير: إن التصوير ليس خلقاً، فلا يدخل في قوله: (من يخلق كخلقي) وإنه عبارةٌ عن كذا.. وكذا.. وكذا..، ثم رد الألباني على ذلك السوري فقال: إن قوله: إن هذا ليس من خلق الإنسان وإنما هو خلق الله غير صحيح، وذكر اثني عشر عملاً للإنسان في هذا التصوير، مما يدل على أنه عمل إنسان، ولا نذكر أنه تراجع عنه، أما بالنسبة إلى الصور الضرورية في الجواز أو في الحفيظة، فقد سئل عنها الشيخ ابن باز رحمه الله فرخص في ذلك للحاجة.

    صحة نسبة فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم المطبوعة إليه

    السؤال: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم المطبوعة الآن يشكك بعض الناس في بعض الفتاوى فيها، ويقول: إنها أدخلت، وليست من كلام الشيخ، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: ليس كذلك، والذي جمعها مأمون وموثوق، وهو زميلنا محمد بن عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله؛ وذلك لأن الشيخ أعطاه تفرغاً، فأكمل فتاوى شيخ الإسلام الخمسة التي بقيت، وعمل لها فهرساً، ولما أكملها أسند إليه ترتيب فتاواه، فعملها حتى بعد موت الشيخ، وانتهى منها حدود سنة خمس وتسعين، وهو يتتبعها من الكتابات ونحوها، وكان متحرياً، فمن قال: إن فيها ما ليس منها فليس بصحيح، إلا أنه أدخل فيها شيئاً من التقارير؛ وذلك لأنه كان يتابع كلام الشيخ، كما ذكرت لكم أنه كتب ثمانية وعشرين دفتراً على شرح الحموية، فقد كان يتابع كلام الشيخ، ويكتبه في دفاتر، ويمكن أنه كتب أكثر من ثلاثمائة دفتر من تقارير الشيخ خلال الثمان السنوات.

    صفة الشيخ محمد بن إبراهيم الخلْقِية والخُلقية

    السؤال: فضيلة الشيخ! لو وصفت لنا الشيخ محمد بن إبراهيم خَلْقياً وخُلقياً؟ الجواب: يمكن أن بعض الحاضرين أدركه، حيث إنه توفي من نحو خمسٍ وثلاثين سنة، أي: سنة 1389هـ. بالنسبة إلى الوصف الخَلقي: فإنه كان ربعةً ليس بالطويل ولا بالقصير، بل متوسطاً، ولم يكن عليه لحمٌ كثير، ولم يكن أيضاً نحيفاً، بل كان متوسطاً في طوله وعرضه، ووجهه يميل إلى الحمرة، ويميل وجهه إلى أنه عريض، ولحيته وعارضاه متوسطة كغالب الرجال. وقد ذكرنا أنه كف بصره وعمره في العشرين أو قريباً منها، ولما كف بصره واصل طلب العلم، وكان يحمل العصا كسائر المكفوفين، وكانت لديه معرفةٌ بالأصوات كسائر المكفوفين، بمعنى: أنه إذا سمع أحدهم ثم جاءه بعد يوم أو يومين عرفه بصوته، أتذكر مرة أنه خرج وحده من سكته التي فيها بيته -وهو بيت من الطين قبل بناء البيت الكبير- متوجهاً إلى المسجد لصلاة العصر، وقدر أني لقيته وليس معه أحدٌ يقوده، فأمسكت بيده، وسلمت عليه، وذلك في سنة ستٍ وسبعين، وبمجرد ما سلمت عليه عرف صوتي، مع أني كنت قليل السؤال له في الحلقة، فعرف صوتي مباشرةً، وأخذ يسألني، وكان في ذلك الوقت قد حصل جدبٌ في وسط نجد وما حولها، وعلى الرياض، وحصل على بلاد القصيم وما حولها مطرٌ غزيرٌ حصل منه هدمٌ ونحوه، فأخذ يسألني ماذا حصل في بلادكم؟ وكانت مشيته مشيةً معتدلة، بمعنى أنه لا يسرع في المشي إذا كان يمشي وحده، مع أنهم كانوا لا يتركونه يمشي وحده، ومرةً جلسنا في الحلقة فاستأذن، وقال: إني أريد أن أذهب إلى البيت وأرجع إليكم، وكنا في الحلقة صفين أو ثلاثة، فانتظرناه فإذا به يدخل من الباب وحده، مشى من بيته إلى المسجد وحده، فلما رأوه قاموا إليه، وأخذوا بيده إلى أن أجلسوه في الحلقة، وكان يجلس على الأرض، وكانت حصباء، ولم تكن مفروشة، فكان يجلس على الحصباء التي في ذلك المسجد، ولا يأمر أن يفرش له فراشٌ غالباً، ولا أن يجعل له كرسيٌ كغيره، بل يتواضع ويجلس على الحصباء، وسيرته طويلةٌ رحمه الله.

    غالب حاشية الروض المربع منقول عن كتب المتقدمين

    السؤال: حاشية الروض المربع للشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله هل نقل فيها شيئاً عن الشيخ محمد بن إبراهيم ؟ الجواب: الغالب أنه ينقل عن شيخ الإسلام ، وعن الكتب المتقدمة كما هو مشاهد، إلا أنه -رحمه الله- اعتنى بالقسم الأول: الذي هو العبادات، فبيضه وكمله، وزاد فيه، وأما من البيع إلى آخر الكتاب، فإنه لم يتفرغ له، فقد أصابه في آخر أمره عجزٌ وضعف بصر، فلم يتفرغ للعناية به وتبييضه.

    المتون التي كان الشيخ محمد بن إبراهيم يوصي طلابه بها

    السؤال: ما هي المتون التي كان الشيخ محمد يوصي طلابه بها؟ الجواب: ذكرنا أنه كان يعتني بهذه الفنون العشرة: الفقه، وأصوله، والحديث، والمصطلح، والتوحيد، والعقيدة، والتفسير، وأصول التفسير، والنحو، والفرائض، فكان يوصي بالعناية بها، وبالنسبة للتوحيد كان يركز على كتاب التوحيد، وعلى كشف الشبهات، وعلى ثلاثة الأصول، ويوصي بحفظها، فكان التلاميذ يحفظونها كما ذكرنا. وبالنسبة للحديث كان يوصي بحفظ الأربعين النووية وبلوغ المرام وعمدة الأحكام وما أشبهها. وبالنسبة لأصول الفقه كان يوصي بالورقات مع أن مؤلفها ليس حنبلياً، ويوصي أيضاً بقراءة روضة الناظر. وبالنسبة للفرائض: الرحبية، والنحو: الآجرومية، وكان التلاميذ يحرصون على حفظها، وقد وكَّل أخاه عبد اللطيف رحمه الله بتدريس النحو والفرائض، فكان عبد اللطيف يجلس بعد المغرب، ويجلس بعد الفجر، ويجلس إليه طلابٌ كثيرون يقرءون عليه في النحو والفرائض، وكان ملهماً في معرفة الإعراب، وفي قسم التركات ونحو ذلك، وهذا كان في آخر الأمر.

    رد الشيخ على مفتي قطر في مسألة رمي الجمار

    السؤال: سمعت أن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله هو الذي اقترح إنشاء هيئة كبار العلماء، فهل هو الذي رشح أعضاءها؟ الجواب: ما سمعت بهذا، ولكن كان يأمر باجتماعهم، ولم يكن هناك أعضاءٌ مخصصون في زمانه، إلا أنه كان يجمع من رأى منه أهلية ونجابة عند مشاوراته في بعض الأمور، وأذكر في سنة أربعة وسبعين عندما أفتى مفتي قطر ابن محمود بأن رمي الجمار يجوز في كل وقت، وأصدر في ذلك رسالةً، فأنكر الشيخ محمد ذلك، وأرسل إلى ابن محمود ولما جاء جمع له المشايخ، فكان المشايخ كلهم مع الشيخ، منهم: عبد اللطيف وعبد العزيز بن باز ، وعبد الله بن حميد ، ومحمد بن مهيزا وعبد العزيز بن رشيد ، ومحمد بن الواردي ، وقد جمع نحو عشرين شيخاً لمناقشة ابن محمود في هذه الرسالة، ولما لم يقتنع رد على ابن محمود برسالته التي سماها: تحذر الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك، وابن محمود له اجتهاده، وكان الأولى أن يقول: لك اجتهادك ولنا اجتهادنا، ولكن لما كان هذا مخالفاً لما ذكره العلماء المتقدمون في مؤلفاتهم: من أن الرمي لا يجوز إلا ما بين الظهر إلى الليل شدد في ذلك، وبعد ذلك رأى المشايخ -وبالذات الشيخ ابن باز التوسعة في الرمي، ليلاً ونهاراً.

    الشيخ محمد بن إبراهيم ونظم الشعر

    السؤال: سمعت أن الشيخ كان ينظم الشعر، وأن له نظماً في بعض المسائل العلمية؛ فهل مر بكم ذلك وحفظتم شيئاً منه؟ الجواب: له بعض المراثي في مشايخه وفي أقاربه، ومما أذكره أنه ألقى إلينا لغزاً، وعجزنا أن نحله، وذلك في آخر كتاب الوسائط، يقول هذا من نظمه: هنا مريضٌ مخوف الموت ليس له سوى عبيدٍ يساوي قدر خمسينَا فأعتق العبد قبل الموت واكتسب العبيد قبل ممات السِّيـْدِ سـبعينَا ونـازع العبـد ورَّاثٌ لسـيده من بعد أن مات في السبعين أفتونا هل هي له أو لهم أو بينـهم وإذاً ما الوجه في القسم إن كنتم مجيبينَا وبحثنا في كتب الوصايا ولم نجد جواباً، ومات الشيخ قبل أن يخبرنا، ووجدنا هذه الأبيات عند أحدِ تلاميذه الآن، ولعله من زملائه، وهو الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، ويمكن أنه أخذها من الشيخ، ويمكن أن له أبياتاً أخرى.

    وجود تسجيل لخطبتين بصوت الشيخ محمد بن إبراهيم

    السؤال: هل يوجد تسجلٌ للشيخ بصوته ولو شريطاً واحداً؟ الجواب: عرض علي بعض التلاميذ تسجيل خطبتين من خطب الشيخ في الجامع الكبير بصوته، إلا أن المسجل كان بعيداً فكان في الصوت شيء من خفاء بعض الكلمات، ولا أذكر أننا كنا نحضر المسجل، وكان المسجل شيئاً غريباً، وكذلك الراديو، ولا أحد يستعمل المسجل مع شدة الحاجة إليه، ومع أنه كان موجوداً، ولكن لم يعتنِ أحد من التلاميذ بتسجيله، ولو سجل لسجل علمٌ كثير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718655

    عدد مرات الحفظ

    754775233