إسلام ويب

اللحظات الحاسمة عند الموتللشيخ : إبراهيم الفارس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن لسوء الخاتمة وحسن الخاتمة علامات وأسباباً، فينبغي للمؤمن أن يبتعد عن أسباب سوء الخاتمة، وأن يسعى إلى تحصيل أسباب حسن الخاتمة، فإنما الأعمال بالخواتيم.

    1.   

    قصة النهاية

    قصة شاب حدث له حادث مروري

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد:

    فقد انطلقت سيارة فارهة فيها ثلاثة من الشباب، وكانت مسرعة سرعة عالية، وهي متجهة من الرياض إلى المنطقة الغربية، كانت الموسيقى تصدح بكل قوة من مسجل السيارة، والمغني الغربي يصرخ بكل شدة، وثلاثة من الشباب يصفقون جذلين فرحين مستبشرين لسماعهم لمغنيهم المحبوب، وفجأة حصل ما لم يكن في الحسبان في منطقة قريبة من حلبان، وذلك أن السيارة انقلبت وتدحرجت عدة مرات ثم توقفت، تتقدم سيارة الإسعاف مسرعة وتحمل المصابين، وكان أحدهم وهو قائد السيارة مصاباً إصابة شديدة، فحُمل على نقالة الإسعاف وركب صاحباه بجانبه، وركب أحد رجال الأمن معهم، واتجهت السيارة منطلقة إلى أقرب مستشفى، ولعله مستشفى القويعية، وكان هذا المسجى يتنفس بصعوبة، والدم يغطي وجهه وعينيه، بل كان يغطي كل جسده باعتبار قوة الإصابة، فبدأ هذا الضابط ينظر إليه بشفقة وحنان؛ لأنه يرى فيه إصابات تكاد أن توصله إلى النهاية، وفجأة يبدأ التنفس يزداد صعوبة ويتغير، ويحس الضابط بحكم المعاشرة والمعايشة لمثل هذه الحالات أن هذا الرجل يلفظ أنفاسه الأخيرة، فبدأ يلقنه الشهادة، فقد عرف اسمه من صاحبيه، فكان يقول: يا فلان قل: لا إله إلا الله، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يرددها مرات ومرات؛ لأنه يعلم قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (من كان آخر كلامه من هذه الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، فرفع هذا المسجى عينيه ناظرتين إلى هذا المتحدث، وركز النظر وحدده، فكان كلما قال له: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قال: إنني في سقر، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يقول: إنني في سقر، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يقول: إنني في سقر، ثم يغمض عينيه ويسقط رأسه بعد ارتفاعة يسيرة، حينها طأطأ الضابط رأسه؛ فقد كان مشهداً مريعاً مخيفاً لأول مرة يرى مثل هذا المشهد!

    التفت الضابط إلى صاحبيه بسرعة، وقال: ماذا كان يصنع زميلكما؟ أكان يصلي؟ قالا: لا، والله ما كان يعرف الصلاة قط، وما كنا نعرف الصلاة قط، عند ذلك جعل هذا الضابط يردد قول الله سبحانه وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:38-43].

    إذاً: كانت لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير، وبينت النهاية لهذا الشاب.

    الأعمال بالخواتيم

    موقف ثان: ولعل المواقف التي ستتردد كلها مواقف موثوقة مذكورة على ألسنة علماء أفاضل قدماء ومعاصرين.

    هذا شاب نشأ في فساد وضلال، درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة تخصص لغة إنجليزية، تخرج من هذا التخصص، وعمل في شركة، ترقى درجاته في هذه الشركة، وكان يمضي كل وقته في لعب ولهو وضلال وفساد، ولكن الله سبحانه وتعالى هيأ له سبل الهداية، وبين له طريق الحق فالتزمه وتمسك به وتشبث به، فأراد أن يكفر عما أمضاه من سنين عديدة في مجال الفساد، فصار يعتكف الخميس والجمعة في الحرم، ولكن هذا لم يكفه، فقرر قراراً ونفذ هذا القرار: وهو أنه اتجه إلى أفغانستان للجهاد أيام الروس، وكان قد أخذ إجازة استثنائية من عمله ثلاثة أشهر، ثم عاد بعد ذلك إلى بلده، وهو في شوق للعودة مرة أخرى إلى أفغانستان، وفي السنة الثانية ذهب إلى أفغانستان للجهاد ومعه زوجته تعلم وتدرس وتربي.

    وفي السنة الثالثة ذهب لوحده إلى أفغانستان ودخل في معارك في جلال آباد حارب حرباً يريد بها الشهادة، يريد بها الانتقال إلى الله سبحانه وتعالى، وفعلاً نالها، فقد أصابته قذيفة هاون مزقت جسده قطعة قطعة، فحمل هذا الرجل في سيارة أحد المجاهدين -وهذا الرجل ممن أعرفهم- حمل هذا الرجل ولف في عمامته الأفغانية الكبيرة، وأثناء عودة السيارة به إلى أقرب قرية آمنة كانت رائحة المسك تفوح منه بشكل نفاذ، ودفن، وأخذت العمامة إلى الشيخ عبد الله عزام رحمه الله فسافر إلى الرياض في زيارة له بهذه العمامة كدليل وكبيان لوالده بأن ابنه قد استشهد، أخذ هذا الوالد هذه البشارة وحفظها لديه وأبقاها في حقيبة عنده، كان الزوار الذين يزورونه وبالذات الذين لهم صلة قوية به، كانوا يشمون رائحة المسك بعد أن تفتح لهم هذه الحقيبة بعد مضي أكثر من سنة من استشهاد هذا الرجل.

    إذاً: هذه لحظة حاسمة ودقيقة وحرجة بينت النهاية، وأوضحت المصير لهذا الشاب.

    خطر رفقة السوء ووجوب الحذر منهم

    موقف ثالث: هذا شاب نشأ في هداية وفي طاعة، ولكن أهل الضلال وأهل الباطل -وما أكثرهم! وما أكثر ما يخططون، وما أكثر ما يعملون، وما أكثر ما يبذلون- نجحوا في استمالته إليهم، فمال معهم وازداد ميلاً، فانحرفت أعماله، بل وانحرف فكره، وكان له أخ صغير بدأ يبذل الوسع لعل الله سبحانه وتعالى أن يعيد هذا الأخ إلى جادة الحق وطريق الصواب، ولكن هيهات هيهات: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56].

    مرض هذا الشاب المنحرف، ورقد في المستشفى فترة معينة ثم أعيد إلى منزله، مكث في المنزل فترة، وفي ليلة ما كان المرض قد ازداد عليه واشتد، وتحلق حوله والداه وإخوته، وطلب من أخيه الصغير في لحظة من اللحظات المصحف، فرح هذا الأخ الأصغر فرحاً شديداً بهذا الطلب، لعل هذا هو الطريق الذي ينقذ أخي، فركض الأخ الصغير بسرعة وبحث عن أقرب مصحف فجاء به وهو مستبشر وهو مسرور وهو فرح وهو يبتسم، وأعطاه لأخيه، فأخذه بين يديه يقلبه يمنة ويسرة، ثم رفعه ودار به بيده على أهله الذين يتحلقون من حوله، وقال لهم: أشهدكم يا أهلي أني كافر بهذا، ثم أغمض عينيه ومات!

    إذاً: لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة حددت النهاية، وبينت المصير لهذا الشاب.

    اسوداد وجه قاطع الصلاة عند تغسيله غسل الموت

    موقف رابع: هذا شخص آخر جيء به إلى مسجد الراجحي أو لعله جامع زياد لا أعلم، إنما الحادثة وقعت بهذه الصورة التي سأذكرها لكم، وتعرفون أن جامع الراجحي في الربوة، وجامع زياد في حي سبيع، كلها لديها إمكانية في تغسيل الموتى، جيء بشاب جميل القسمات أبيض مشرباً بحمرة، وهذا الشاب مات في حادث، وكان عمره يتراوح بين الثالثة والعشرين إلى الخامسة والعشرين فأدخل إلى المغسل، فبدأ أحد الشباب المتطوعين يغسله، وكان معه أحد المعاونين، وفجأة بدأ ينظر إلى وجه هذا الشاب الجميل فعلاً، لكن هذا الوجه بدأ يتغير تدريجياً من البياض إلى السمرة، والسمرة تزداد وتزداد حتى اسود وجهه تماماً وصار كالفحم.

    ارتاع هذا الشاب الذي تطوع بغسله، فهو لأول مرة أو للمرة الثانية يشارك في تغسيل الموتى، خرج من المغسلة وهو في أشد حالات الخوف، لأنه شاهد الجسد أبيض والوجه أسود، فسأل عن ولي أمر هذا الشاب، فقيل له: ذلك الرجل الذي في الركن الفلاني، فذهب إليه مسرعاً، وقال له: أنت والده؟ قال: نعم، قال: ماذا كان يعمل ابنك؟ قال: لا أعرف، قال: أكان يصلي؟ قال: لا، والله ما كان يعرف الصلاة قط، قال: فأخرج ابنك فو الله لا أغسله في هذه المغسلة، فحُمل ولا يعلم أين ذهب به.

    إذاً: لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير وبينت النهاية لهذا الشاب.

    قصة الشيخ المؤذن

    موقف خامس: هذا رجل آخر يسكن في منطقة الملز بالقرب من كلية أصول الدين، وكان في مسجد من مساجدها مؤذناً، وكان يؤذن في المسجد قبل إنشاء ما يسمى بوزارة الحج، منذ زمن بعيد، فكبر في عمره، وكان يمضي وقته في قراءة القرآن، وفي القيام بالمسجد، وفي الأمر بالمعروف في الأسواق القريبة في شارع الأمير عبد الله وما جاوره، عند ذلك قرر بعض جماعة في المسجد أن يقترحوا عليه اقتراحاً وهو: أن يترك الأذان باعتبار أنه قد بلغ من العمر ما بلغ، فذهبوا إليه وطرحوا عليه هذه الفكرة، لكنه أجابهم بإجابة صارمة حازمة، قال لهم: والله! إن الأذان يسري في دمي ولا أستطيع أن أتخلى عنه، فإذا كان قصدكم الراتب فخذوا الراتب لا أريد منكم قرشاً واحداً، لكن اتركوا لي الأذان، قالوا: ما كنا نقصد ذلك، وإنما أردنا أن نريحك، فاستمر في عمله، وكانت زوجته كفيفة، وكان يسكن مع قريب له، فاستمر فترة من الزمن، ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان.

    لقد قرر هذا القريب الانتقال إلى مكان بعيد في حي السلام، فلابد أن ينتقل هذا الرجل الكبير مع قريبه، وكذلك هذا الرجل الكبير المؤذن فقد بصره فصار كفيفاً مثل زوجته، فرفض هذا الكفيف أن ينتقل مع قريبه، وأصر هذا القريب أن ينقله معه، باعتبار أنه لا يمكن أن يعيش لوحده، وفي النهاية اتفقوا على حل وسط، ألا وهو أن يقوم أحد أقرباء هذا الكفيف أو أي إنسان يسكن معهم في توصيله إلى المسجد قبيل أذان الظهر، ويعود لأخذه بعد أذان العشاء، فكان يمكث في المسجد وهو كفيف الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كل هذا الوقت كان يقضيه في ذكر وطاعة وعبادة، وفي قيام بمهمة الأذان.

    فأصيب هذا المؤذن بمرض أقعده الفراش، وهذا المرض جعله لا يستطيع الحركة، حتى إنه كان يؤخذ ما تحته من قاذورات وغير ذلك، لعجزه وشدة مرضه، وفي ليلة من الليالي يقول أحد الصالحين الذين كانوا يسكنون معه: في وسط الليل استيقظ وطلب مني أن أدله على دورة المياه، فقلت له: إنك لا تستطيع، فأنت مقعد وكبير ومريض، قال: أقول: دلني على دورة المياه، فنهض كأحسن ما يكون النهوض، فأخذت بيده وذهبت به إلى دورة المياه، فتوضأ كأحسن ما يكون من وضوء، ثم انطلق على وجهه إلى صالة البيت، واتجه إلى القبلة وهو كفيف بدون دلالة مني، ثم رفع صوته بالأذان كأحسن ما يكون الأذان، ثم بعد أن انتهى أقام للصلاة كأحسن ما تكون الإقامة، ثم سقط ميتاً.

    كانت لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير لهذا الرجل، وبينت النهاية له.

    خطر إطلاق النظر في الحرام

    موقف سادس:

    ذكره الشيخ ابن القيم رحمه الله: أن رجلاً شاباً كان يقوم بمهمة الأذان في أحد المساجد، وكان يصعد المنارة في كل فرض لأداء الأذان، ولكنه لم يلتزم بالنهي الشديد فيما يرتبط بغض البصر، فكان يطلق لبصره العنان، يقلبه يمنة ويسره، وكانت المنارة تعلي البيوت، فنظر في لحظة من اللحظات إلى بيت، وإذا بفتاة جميلة في شكلها، ولم تكن متسترة باعتبار أنها في حرزها وفي بيتها ومأمنها، فأخذت بلبه وسلبت عقله، وأكمل الأذان بصعوبة، وعرف مكان البيت، ونزل مسرعاً متجهاً إلى البيت، وعرف أن هذا منزل رجل نصراني، فرجع إلى المسجد وأكمل الصلاة بصعوبة، ودخل بيته وتزين بأحسن الأزياء، ثم ذهب إلى هذا الرجل النصراني في منزله وطرق الباب واستأذن، ولم تكن هناك حشمة باعتبار أنهم لا يلقون بالاً للحشمة، ودخل فرأى البنت وإذا هي أجمل مما رآها من قبل، فطلب من صاحب البيت أن يتزوج من هذه البنت؛ لأنه علم أنها لم تكن متزوجة، فقال له صاحب البيت: لا نستطيع أن نزوجك باعتبار أنك لست على ديننا، فإذا كنت على ديننا فلا مانع من أن نعطيك ما تريد، فخرج وهناك صراع هائل رهيب بين العاطفة وبين العقل، صراع هائل يعيش في داخله، هل يا ترى يضحي بدينه في سبيل هذه الفتاة الجميلة، أم يصمد على دينه ويتمسك به ويفقد هذه الدرة التي لم يرَ أحسن منها؟ وفي النهاية تغلب الهوى وتغلبت النفس، فذهب إليهم وقال: ليس عندي مانع من الدخول في دينكم، وفي قرارة نفسه أنه سيعود إلى الإسلام بعد أن يظفر بها، قالوا له: لا، والله، إلا بعد أن نختبرك، بعد أن تعيش معنا فترة من الزمن. ولعل تلك الفترة التي تحدث عنها ابن القيم كانت فترة ضعف للأمة الإسلامية، بحيث لم يكن هناك إمكانية لإقامة حد الردة على هذا المرتد فاتجه هذا الشخص معهم إلى كنائسهم وبدأ يرعى الخنازير ولبس الزنار، واستخدم كل العبادات التي يستخدمونها، وأكل مما يأكلون وشرب مما يشربون، وترك الدين جملة وتفصيلاً، وعندما وثقوا منه، قالوا له: إن موعد الزواج الليلة، فاتجه إلى منزله وبدأ يتجهز ويجهز ما استطاع تجهيزه، فصعد إلى سطح بيته وبدأ ينظم بعض الأشياء، وكان سطحاً خرباً، وكان الرجل قد تعب من التنظيم والترتيب فأرد أن يتكئ على الجدار قليلاً، فاتكأ على جدار مهترئ ضعيف البنية، وعندما اتكأ عليه سقط الجدار وسقط الرجل وكانت النهاية، فمات على دين النصرانية.

    وكانت لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير وبينت النهاية لهذا الشاب.

    1.   

    الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة

    لعل المواقف كثيرة جداً ومتكررة، ولكن الوقت ربما لا يسعف بذكرها كلها، فندخل في نقطة أخرى من النقاط التي لابد أن يعملها كل مسلم، هذه النقطة: هي أن كل فرد على وجه هذه الأرض لا يمكن أن يخطئ واحداً من هذين الطريقين: إما أن يختم له بخاتمة حسنة، وإما أن يختم له بخاتمة سيئة، وليس هناك طريق ثالث غير هذين الطريقين، فانظر يا أخي إلى أي الطريقين تسلك.

    قد يسأل سائل وقد يطرح سؤالاً: يا ترى ما هي الوسائل وما هي الطرق وما هي الإمكانات التي إذا تمسكت بها وسرت عليها أظفر بالطريق الذي يدلني والذي يرشدني إلى النهاية السعيدة، والخاتمة الخسنة؟!

    كنت قد ألقيت هذه المحاضرة في منطقة القويعية قبل فترة في العطلة الصيفية، وسبحان الله العظيم! كانت الفترة التي ألقيت فيها هذه المحاضرة، قبلها بيومين قد حصلت حادثة في هذه المنطقة تدل على حسن الخاتمة، عرفها كل أهل القويعية والمناطق المجاورة لها.

    يقولون: إن هناك سيارة فيها رجلان وامرأة اتجهت من القويعية إلى قرية قريبة من القرى في تلك المنطقة، واصطدمت هذه السيارة مع سيارة أخرى وجهاً لوجه، واحترقت السيارة التي تحمل الرجلين والمرأة، وجاءت وسائل الإطفاء والإسعاف، وقد رأيت السيارة وأخرجوا الجثث المحترقة، كانت الجثث محترقة تماماً ليس فيها شيء يميز هذه الجثث عن بعضها، فحملت لتدفن، وقبيل الدفن فقد أهل المرأة يد المرأة، وهي لم تغسل باعتبار عدم إمكانية التغسيل.

    فقالوا: إن يد المرأة غير موجودة، فاتجهوا مرة ثانية إلى السيارة ففتشوا فيها ووجدوا يد المرأة منقطعة من الكتف، وإذا هي لم تتعرض لأي أثر من آثار الحريق، وإذا هي قد ضمت أصابعها بهذه الكيفية، ورفعت إصبعاً، وأغلب أهل القويعية رأوا هذه اليد بهذه الصورة، يقولون: فذهبنا لنسأل عن هذه المرأة، فقالوا لنا: إنها امرأة صوامة قوامة تمضي الليل في قيام، وتمضي النهار في صيام، وكانت خاتمة حسنة لهذه المرأة.

    إذاً: هذا المنهج وهذا السبيل وهذا الطريق لابد له من عمل، ولا بد له من بذل، وهو ما اصطلح على تسميته بالأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة.

    السبب الأول من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة تذكر الموت

    الأسباب كثيرة ومتنوعة ومتعددة، لكن يمكن أن نحصرها في الأسباب التالية:

    أولاً: تذكر الموت وما بعد الموت باستمرار.

    للأسف الشديد ليس لدينا أي جانب من جوانب التذكر المرتبط بالموت وما بعد الموت وما في الموت وما حول الموت، ليس لدينا أي اهتمام بذلك؛ باعتبار الانشغال المستمر بالدنيا الذي جعل كل حياتنا تمضي في هذا الجانب، وربما يكون الإنسان مشتغلاً بأمور قد حث عليها الشرع، ولكن الأصل في ذلك أن يخصص المرء شيئاً يسيراً من وقته لتذكر الموت وما بعد الموت باستمرار.

    إن تذكر الموت يجعل الحياة هينة بالنسبة للإنسان، ويجعل قيمة هذه الحياة تنحدر تدريجياً حتى تصل إلى لا شيء بالنسبة لهذا الإنسان، حتى يصل به الأمر إلى أن يرى هؤلاء التجار وهؤلاء الأغنياء وهؤلاء الفساق ممن أنعم الله عليهم بالنعم الهائلة من ملك وسلطان ووزارة وغير ذلك، ينظر إلى هؤلاء على أنهم قد ابتلاهم الله ببلية عظيمة، لكنهم لم يحسنوا التصرف فيها، فتهون عليه الدنيا، بل تذكر الموت يجعلك يا أيها الإنسان تعمل الطاعات باستمرار.

    يذكر عن أحد الصالحين أنه حفر قبراً في منزله، وكان إذا أحس بضعف إيماني رقد في قبره، وكان يغطي هذا القبر بغطاء قوي، فيبدأ في التذكر ومحاسبة النفس، فكان يخاطب نفسه: يا نفس ماذا تتمنين؟ يا نفس ماذا ترغبين؟ يا نفس ماذا تريدين؟ فتجيبه أريد أن أصلي ركعتين، أريد أن أتصدق بدرهمين، أريد أن أفعل وأفعل، فيقول: الطريق أمامك مفتوح، والباب أمامك واسع، فيخرج من قبره وقد ازداد إيماناً، يا ترى هل طبقنا مثل هذا؟ هل ذهبنا إلى المقابر؟ هل زرنا المقبرة؟ هل جلسنا على شفير القبر؟ هل مكث أحد منا لوحده بجانب قبر يتذكر ماذا يلاقي صاحب هذا القبر؟ هل دخل أحد منا في القبر لوحده؟ هل رقد فيه لوحده؟ هل غطى على نفسه؟ كلنا لم يفعل ذلك للأسف الشديد إلا من رحم الله، لماذا يا ترى؟ مثل هذا الموقف يجعل إيماننا يزداد، ونحن نعيش في وقت قست فيه قلوبنا قسوة عجيبة، وصلت فيه الأمور إلى أن هذه القلوب ربما تفوق الحجارة في القسوة وفي الشدة، لماذا لا نرققها؟ لماذا لا نلينها بهذا العمل وبغيره من الأعمال؟

    السبب الثاني من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة زيارة المقابر وتشييع الموتى وغسلهم

    السبب الذي يليه: زيارة المقابر وتغسيل الموتى وتشييع الجنائز، فقضية تغسيل الموتى وتشييعهم مع زيارة المقابر قضية مترابطة، فلابد أن تذهب إلى المقبرة، وتجلس فيها لتتفكر وتنظر من يأتي ومن يخرج، وتتفكر في موقف هؤلاء، فمثلاً تقول: كان هذا الرجل وزيراً يقود وزارة كاملة فيها آلاف الموظفين، وأمره مطاع ونهيه مطاع، ومع ذلك لا قيمة له في هذه الحالة.

    وهذه ضابط كبير قائد معسكر كبير ومع ذلك انتهى كل ذلك فلا قيمة له؛ لأن القيمة في العمل، فإن كان قدم خيراً فهو الذي سيجد، وإن كان غير ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يكون تغسيل الموتى له دور في ذلك، بل وقد ترى موقفاً من مواقف حسن الختام أو من مواقف سوء الختام وأنت جالس، بل وربما تجلس بجانب رجل يحتضر، وربما يكون لهذا الاحتضار دور في إنماء الإيمان وتقويته في قلبك، بعد أن أوشك على الموت والاندثار.

    كنت بجانب الوالد في المستشفى المركزي، وكان مصاباً بكسر في حوضه، وكان في الغرفة المجاورة لنا رجل كان يبدو عليه لا أقول سماع خير، إنما سماع شر، وفي ليلة من الليالي وفي آخر الليل بدأ هذا الرجل يصرخ، ذهب إليه الأطباء ولم أكن موجوداً، لكن حدثني أحد المرافقين الذي كان في مرافقة الوالد، قال: إنه عندما بدأ هذا الرجل يحتضر كان أحد الأطباء الصالحين الطيبين معه الأكسجين، وكان يحاول أن ينقذ حياته، فعندما وجد أن لا فائدة ولا نتيجة، بدأ يلقنه الشهادة، فكان يقول وللأسف الشديد بصوت عالٍ: هل رأى الحب سكارى مثلنا، كان يصرخ بكل قوة وبكل شدة، يقول هذا المرافق ومعه مجموعة: والله لقد ارتسمت الصورة في أذهاننا، ولن تزول أبداً صورة هذا الرجل.

    إذاً: جلوسهم بجانبه أعطاهم دفعة إيمانية قوية ارتسمت في قلوبهم، ولن تزول ولن تضيع بمشيئة الله تعالى.

    السبب الثالث من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الابتعاد عن مقسيات القلوب

    هذا سبب إذا اتبعه الإنسان مع أسباب أخرى أحسن الله له الخاتمة ألا وهو: الابتعاد عن مقسيات القلوب، ومقسيات القلوب كثيرة، ولعل الحديث عنها يطول ويطول، ولكن أبرز مقسيات القلوب في هذا الوقت بالذات هي وسائل الإعلام بصورها وأشكالها وأنواعها المتعددة المتكررة، كالفيديو والسينما والتلفاز والصحافة والمجلات .. وغير ذلك مما هو موجود لدينا، عندما يعكف الإنسان عليها باستمرار وبشكل متتابع ومستمر، فإن قلبه يميل معها، وقلبه يحب هذا الشيء الذي يعرض فيها، ثم بعد ذلك يلتصق به التصاقاً لا ينفك عنه إلى أن يموت؛ لأن من أحب شيئاً مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.

    فهذا الرجل الذي يعكف على الغناء أو على الأفلام، أو على كذا، سيترتب على ذلك أن هذا الرجل سيدمر نفسه وحياته وأسرته.

    ومجال الدخول في وسائل الإعلام ليس هذا وقته، ولعل هناك من هو أقدر مني ممن يستطيع التحدث عنه ومناقشته.

    السبب الرابع من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الارتباط بالصالحين

    الارتباط بالصالحين سبب مهم جداً؛ ليسير الإنسان في طريق صحيح، ويختم له بخاتمة حسنة، لأن الإنسان عندما يساير الصالحين ويحب الصالحين ويعيش مع الصالحين، ويسايرهم في تنقلاتهم وتحركاتهم وأعمالهم وتصرفاتهم، يسير معهم على الهدى وطريق الحق، ويكون مثلهم، هذا هو الأصل في هذه القضية.

    ولعل هناك قصة تحضرني حول هذا الجانب، وهي من القصص اللطيفة المعاصرة فيما يتعلق بالارتباط بالصالحين وآثار ذلك على النفس والأسرة، وهذه القصة هي: كان هناك مدرس مرحلة ابتدائية، يقول: ونحن مجموعة في أحد المجالس، فحدث موقف غريب.

    يقول: بجانب المدرسة التي كنت أدرس فيها قصر ضخم جداً، وكان هذا القصر الضخم العالي الأسوار مجهول الهوية، لكبره واتساعه، يقول: كان هذا القصر يسكنه أحد الأشخاص، وكان لا يصلي ولا يعرف من الإسلام إلا الاسم فقط، كان يسكن القصر هو وزوجته وأبناؤه الصغار الذين لا تكليف عليهم، فبلغ أحد الأبناء سن الدراسة، فبدأ هذا الأب يتردد ويحتار، هل يا ترى يدخل هذا الابن في المدرسة الحكومية الملاصقة لبيته، المدرسة التي تمتاز بسوء البنيان وبضعف الخدمات، أم يذهب به إلى مدرسة أهلية من أفخم المدارس وأجمل المدارس، المال لا قيمة له عنده، لكنه بدأ يفكر، المدارس الأهلية تحمل الغث والسمين، والغث هو الغالب، أما هذه المدرسة الحكومية فقد لاحظ عليها ملاحظات جميلة، ففيها نشاط جميل، والأساتذة الذين يدخلون ويخرجون كان يلحظهم كلهم من الصالحين، وكان يسمع إذاعة المدرسة في الصباح، ويسمع البرامج التي يربى عليها النشء، وأخيراً عقد العزم على إدخال ابنه هذه المدرسة، فدخل هذا الابن إلى هذه المدرسة في الأسبوع الأول.

    يقول المدرس: كان الطفل يخرج في الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف، وفي الأسبوع الثاني، بدأ يمكث معنا حتى صلاة الظهر، لم يكن يعرف كيف يصلي، وكان لا يعرف الركوع ولا السجود، فأخذته جانباً وطلبت منه أن يبين لي لماذا لا تعرف الصلاة؟

    قال: لم أذهب إلى مسجد قط، أبداً؟ قلت له: ألم يكن والدك يصلي؟ قال: أبداً، يقول: فعقدت العزم على أن أركز على هذا الشاب لعل الله سبحانه وتعالى أن يجعله سبباً لهداية أسرته.

    وفعلاً بدأ هذا المدرس يربيه شيئاً فشيئاً، وأحب هذا الطفل المدرس، وبدأ يحافظ على الصلاة في المسجد القريب الظهر والعصر في المدرسة، والمغرب والعشاء في المسجد، لكن بقيت صلاة الفجر، كيف يصلي الفجر يا ترى وهو لا يوقظ من أحد؛ ولا يستيقظ إلا إذا أوقظ في الساعة السابعة، فقرر قراراً -وقد كان طفلاً ذكياً- فطلب من والده أن يوقظه لصلاة الفجر، قال له والده: إنك صغير على الصلاة فأصر الطفل، ثم لم يوقظ وفي اليوم الثاني هدد أباه بأنه إذا لم يوقظه لصلاة الفجر فإنه لن يدرس، وفي اليوم التالي لم يوقظه أبوه إلا قبيل الذهاب إلى المدرسة بقليل، فبدأ يبكي بشدة، فلم يدرس باعتبار أنه طفل مدلل، ولم يرغم على الدراسة وترك في البيت، وفي اليوم الثاني نفذ التهديد وترك الدراسة، وفي اليوم الثالث أوقظه الوالد وذهب به إلى المسجد بالسيارة، فدخل الطفل المسجد وصلى، أما الأب وللأسف فكان في السيارة ينتظر، تكررت العملية مرة أو مرتين أو ثلاثاً، وفي اليوم الرابع لم يستيقظ، فغاب عن المدرسة وكانت القضية واحدة بواحدة، إن أيقظتني للصلاة درست وإلا فلا، كان الأب في فترة المكوث جانب المسجد يفكر: وهل من المعقول أن يكون هذا الطفل الساذج الصغير أفهم مني وأعقل مني وأحسن إدراكاً مني؟ وكانت الخواطر تأتيه واحدة تلو الأخرى، وأخيراً عرف أنه كان على طريق خاطئ، وعلى ضلال، فهداه الله سبحانه وتعالى، واهتدت الأسرة بكاملها، بفعل هذا التصرف من المدرس.

    إذاً: هذا الأب عندما قرر أن يجعل ابنه في مدرسة فيها مدرسون صالحون، كان هذا سبيلاً لهدايته إلى الحق، فلعل الحكاية الطريفة حول هذا الطفل لم تنته، وهو لا زال في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي الآن، يقول المدرس: في يوم من الأيام أخرجت الطلاب الذين لم يؤدوا الواجب، فضربتهم، وبقي هذا الطفل وكان معهم فطلبت منه أن يفتح يده لأضربه باعتبار أنه يستحق العقاب؛ لعدم أدائه واجب المادة، فقال الطفل: يا أستاذ لا تستطيع أن تضربني، لقد كانت كلمة هائلة من طفل صغير، قلت: لماذا؟! قال: لأني صليت الفجر في جماعة، وإمام المسجد الذي أصلي فيه حدثنا بعد العصر وقال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي)، وأنا في ذمة الله، فلا تستطيع أن تضربني.

    كان عملاً ذكياً وقولاً صادقاً في نفس الوقت، وهو يدل على ذكاء عجيب.

    وهذا الطفل الآن في السنة الدراسية الثالثة أو الرابعة وهو من أذكى أطفال هذه المدرسة.

    السبب الخامس من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الكسب الحلال

    من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة: الكسب الحلال، هذه القضية للأسف الشديد لم تلقَ منا أي اعتبار، ولعل الدخول فيها قد يؤدي إلى أخذ كثير من الوقت، لكني أحصرها في جانبين اثنين:

    الجانب الأول: جانب التنمية المالية للأموال الموجودة لدينا.

    الجانب الثاني: هو ما يرتبط بأكلنا وشربنا.

    أما الجانب الأول فيما يرتبط بالتنمية المالية: كلنا يسعى إلى الحصول على المال، وكلنا يتمنى أن يزداد هذا المال ويتكاثر وينمو، ليصرفه في مجالات الخير، هذا الهدف موجود لدينا جميعاً في تنمية أموال، لكن ما هو السبيل وما هو الطريق إلى تنمية المال؟ هذا الطريق وهذا السبيل هو الذي ضل فيه الكثير من الناس للأسف الشديد، فبدءوا يضعون الأموال في البنوك الربوية وتدر عليهم بالأرباح الربوية، وتزداد الأموال بهذه الطريقة وبهذه الكيفية، فيغذي جسده بمال حرام، ويترتب على ذلك وللأسف الشديد أن النار ستكون قريبة منه؛ لأنه ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به).

    نحن ندعم البنوك الربوية بأموالنا لماذا يا ترى؟ لنفترض أن لدينا في هذه الحارة أحد البنوك الربوية، ولنفترض أنه البنك الأمريكي، هذا البنك يقوم بأموالنا ويعمل بأموالنا، فلو سحبنا جميعاً هذه الأموال منه وجعلناه قاعاً صفصفاً فإنه سيغلق أبوابه، وسيجر أذيال الخيبة باحثاً عن مكان آخر.

    إذاً: نحن الذين ندعم ونشجع هذه البنوك الربوية، قد يقول قائل: أنا لا آخذ الربا، أنا أعطي أموالي ولا آخذ عليها ربا، نقول: وأنت كذلك قد أحييت هذا البنك؛ لأنك وضعت المال فيه، وجعلت التعاون على الإثم والعدوان هو الماثل أمامك؛ لأنك دعمته وأيدته وشجعته بهذه الكيفية وهذه الطريق.

    إذاً: لابد أن يكون في ذهن كل منا منهج وطريق، وهو ألا تدعم هذه البنوك، وألا يساهم فيها، وألا يضع المرء المسلم ماله فيها، حتى تغلق هذه البنوك أبوابها، ثم بعد ذلك ننشئ بقدراتنا بنوكاً إسلامية، ونسأل الله أن يفك قيد هذه البنوك الإسلامية وتفتح.

    أما الجانب الآخر: فهو جانب الأكل والشرب، نحن لا نلقي بالاً ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟ فقضية أكل الحلال والبحث عنه والابتعاد عن الحرام وتركه هذا الجانب لم نلقِ له بالاً، ولعلكم تعرفون الحديث ولو أن فيه ضعفاً، ولكنه معتضد بأحاديث أخرى، عندما طلب سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون مجاب الدعوة، فقال له عليه الصلاة والسلام: (أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة)، فهل أطبنا المطعم يا ترى، أم أننا نأكل مما شئنا، ونبحث عن أي شيء لنأكله بدون النظر هل هذا من حلال أم من حرام؟!

    وهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ذلك الرجل العظيم الذي بنى للإسلام ذروة ومجداً ومكانة، هذا الرجل طلب من أحد خدامه أن يأتي له بلبن من إبله الخاصة، فذهب الخادم ولم يجد نياقه الخاصة، فوجد ناقة من إبل الصدقة فحلب منها، ثم أعطاه لـعمر ، فشرب منه شربة واحدة، ولكن نفسه عافته، فقال له: من أين جئت بهذا اللبن؟ قال: من إبل الصدقة، فحاول وبذل جهداً حتى استقاء ذلك اللبن الذي شربه؛ لأنه لا يريد أن ينمو جسده من حرام، مع العلم أن لـعمر عذراً في ذلك؛ باعتبار أنه لا يعلم، فكيف بمن يعلم وبمن يعرف؟!

    السبب السادس من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة إحسان الظن بالله تعالى

    من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة: إحسان الظن بالله تعالى، هذه القضية من القضايا التي غفلنا عنها وتناسينها؛ لأن ما في هذه الحياة من الملاهي أخذت منا كل أوقاتنا، فجعلتنا ننسى مسألة رحمة الله تعالى وعظم فضل الله تعالى، وأن الله سبحانه وتعالى قد ادخر عنده تسعة وتسعين رحمة، وأنزل علينا رحمة واحدة في الأرض نتراحم بها منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتلك الرحمات العظيمة المدخرة عند الله خصصت لعباده الصالحين، فينبغي أن تكون دائماً نصب أعيننا، لعل الله سبحانه وتعالى يجعلنا من أهلها، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن ما في هذه الحياة من فعل حسن فعلناه ربما لا يقبل منا، ولذلك روي عن أحد الصالحين أنه قال: والله ما كنا نخشى من قلة العمل، ولكنا نخشى من عدم القبول.

    وكان أحدهم يقول: والله لو علمت أن الله قد قبل مني حسنة واحدة لما وسعتني الدنيا من الفرح؛ لأن الله قال: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

    إذاً: ينبغي في هذه الحالة أن يكون حسن الظن نصب أعيننا باستمرار، لكن لا يطغى ذلك فيجعل القضية كلها رجاء مستمر، وليس هناك أي خوف من عذاب الله ومن عقاب الله، ومن عدم قبول العمل ورده علينا، ولعل هناك رواية تذكر عن عمر بن الخطاب فإن صحت فجدير أن تكتب بماء الذهب، تقول هذه الرواية العظيمة: والله لو أن منادياً نادى: يا أهل المحشر! ادخلوا الجنة كلكم إلا واحداً لظننت أنه أنا هذا الواحد!

    إذاًً: منتهى الخوف والرجاء عند عمر بن الخطاب ، تعادل الرجاء وتعادل الخوف عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهذا الذي ينبغي أن نسير عليه باستمرار.

    السبب السابع من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة المداومة على العمل الصالح

    السبب الأخير من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة: المداومة على العمل الصالح، وإن قل هذا العمل، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل، فلابد لكل منا أن يجعل لنفسه من غير الفرائض أعمالاً صالحة يلتزم بها باستمرار، ولو كانت قليلة لكنها دائمة، فالإنسان إذا داوم على عمل صالح فلعله يموت في أثناء تأديته لذلك العمل، أو بعد أن أدى هذا العمل بقليل، باعتبار أنه يداوم على أعمال متنوعة، من كونه يقرأ من القرآن قدراً معيناً، ويؤدي من الصلوات أو الركعات المسنونة قدراً معيناً، وله جلسات ذكر معينة وله .. وله، فهذه كلها إذا ارتبط بها الإنسان وسار عليها والتزم بها سيجد فيما بعد صعوبة في تركها، وسيجد أثر ذلك على نفسه وعلى حياته، وسيجد أهم من ذلك كله، سيجد أثر ذلك في آخرته، سيجده عندما يكون أحوج ما يكون إلى هذا العمل.

    1.   

    علامات حسن الخاتمة

    قد يقول قائل: هل لي أن أعرف هل مات فلان على خاتمة حسنة أو خاتمة سيئة؟ نقول: هذه القضية في علم الغيب، لكن هناك علامات قد تعطيك بعض الدليل وليس كل الدليل، وتعطيك نوعاً من الرجاء وليس كل الرجاء في أن فلاناً أو فلاناً قد ختم له بخاتمة حسنة.

    أولى هذه العلامات: النطق بالشهادتين عند الوفاة.

    قد يقول قائل: إن من السهل إذا جاء الموت أن الإنسان ينطق بالشهادتين، وأن هذا أمر ميسور، ولكني أقول لك كما قال العلماء الذين سطروا هذه القضية في كتبهم: إن النطق في لحظة الوفاة يرتبط بما عاشه الإنسان طوال حياته، فعندما يعايش الإنسان قضية ما، ثم تأخذ عليه كل لبه وكل وقته، فإنه لا يتذكر في لحظة الوفاة إلا تلك القضية، فعندما يأتيه من يلقنه الشهادتين ويقول له: يا فلان! قل: لا إله إلا الله، لا يتذكر إلا تلك القضية التي عايشها.

    ولعل ما ذكره ابن القيم من قصة حول هذا المعنى تعطينا الدليل، يقول: كان هناك شاب ورث عن والده مالاً كثيراً، فبنى به قصراً ضخماً، وبدأ يتزين ويتهيأ أمام هذا القصر ليتصيد من يمر بهذا القصر، فمرت به فتاة جميلة وسألته: يا عبد الله! أين حمام منجاب؟ فقال لها: هذا، وأشار إلى بيته، فدخلت وكشفت عن وجهها، ودخل خلفها فرأى وجهاً جميلاً، فأخذت بعقله أخذت ولبه، وعندما رأت أنها وقعت في الفخ، رأت أنها لا تستطيع أن تنجو إلا بحيلة، فقالت: كم كنت أتمنى أن ألتقي بشاب مثلك في جمالك وفي غناك، لكن ترى أن المجلس لا يحلى إلا بكذا وكذا وكذا، وطلبت أشياء توقعت أنها غير موجودة في هذا المنزل، ففرح هذا الشاب بهذه الموافقة العجيبة من هذه الفتاة، فخرج مسرعاً إلى أقرب محل فاشترى ما أرادت ورجع إلى البيت فلم يجدها، فبحث في كل أرجاء البيت وفي كل زوايا البيت، لكنه لم يجدها، فزاغ عقله وذهب لبه في هذه الحالة؛ لأنه فقدها، فخرج من البيت وهو يردد البيت المشهور:

    يا رُب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب

    كان يردد هذا البيت في الأسواق، فجن عقله وهو يردد هذا البيت، وكانت البنات الصغيرات يخرجن إليه عندما يرينه يمر بجوار منازلهن ويرددن:

    هلا جعلت سريعاً إذ ظفرت بها حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب

    عندما اقترب موعد الأجل، كان أهله يلقنونه الشهادة، وكان يردد:

    يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب

    لا يتصور عقله أن في هذه الدنيا إلا هذه الكلمة فيرفض قبول الشهادة، وهذا هو واقع هذا الرجل الذي كان يردد هذا البيت من الشعر.

    العلامة الثانية: الموت في رشح الجبين:

    يروى: (أن بريدة بن الحصيب الصحابي الجليل، ذهب في زيارة أخ له في منطقة خراسان، ووجده في الموت، فرأى جبينه يعرق، فقال: الله أكبر! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين).

    إذاً: إذا رأيت رجلاً في شدة البرد وهو يعرق منه الجبين فقط، فهذه علامة، ولقد رأيت العرق على جبين أحد المتوفين في يوم ما، ولم يكن هناك أي عرق على خديه أو على الرقبة، أو غير ذلك من المواضع التي غطيت ببعض اللحف، لم يكن هناك أي عرق إلا على الجبهة فقط، ولعل هذا فيه دلالة على حسن الخاتمة إن شاء الله.

    العلامة الثالثة: الموت ليلة الجمعة، أو نهار الجمعة من المؤمنين بالذات، ولعل هناك كفار يموتون ليلة الجمعة ويوم الجمعة ويصلى عليهم في الحرم النبوي أو المكي، ويدفنون في البقيع، ومع ذلك فهم كفار، إنما المؤمن إذا مات في ليلة الجمعة أو نهارها، فلعل الله أن يختم له بخاتمة حسنة.

    العلامة الرابعة: الاستشهاد في ساحة القتال، أو الموت أثناء الطريق إلى القتال في سبيل الله، هذا فيه دلالة على حسن الخاتمة إن شاء الله.

    العلامة الخامسة: موت المؤمن بأمراض متعددة إذا صبر واحتسب، كالكوليرا والطاعون والسل وغيرها، فقد ذكرت الأدلة الصحيحة في ذلك فيما يرتبط بداء البطن، الذي ذكره الأطباء أنه الكوليرا الآن والطاعون والسل، وكالموت غرقاً أو هدماً أو حرقاً بالنسبة للمؤمنين، هذا يرجى فيه أن يكون الشخص قد مات شهيداً، وهناك أنواع كثيرة للشهداء، فقد جاء في الحديث: (أن المصطفى عليه الصلاة والسلام زار عبد الله بن رواحة وكان مريضاً فجلس على طرف السرير، وسأل سؤالاً وقال: من الشهداء في أمتي؟ فقيل له: الشهيد الذي يقتل في سبيل الله، فقال: إذاً شهداء أمتي قليل، ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إن الشهداء سبعة، وذكر منهم: المصاب بالطاعون، والمصاب بداء البطن، والغريق والذي مات بالهدم، ومات بالحرق، والمرأة تموت في نفاسها ..,) إلى آخر الحديث، فذكر أن هؤلاء كلهم شهداء، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة.

    إذاً: أختم هذا الكلام بمقولة جميلة جداً ذكرها أحد العلماء، نقلها ابن القيم في الجواب الكافي رحمه الله تعالى، يقول: قال الحافظ أبو محمد الأشبيلي : واعلم أن لسوء الخاتمة أسباباً وطرقاً وأبواباً، أعظمها الانكباب على الدنيا والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية وجانب من الإعراض ونصيب من الجرأة والإقدام فملك قلبه، وسبى عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حجبه، فلم تنفع فيه التذكرة، ولا نجحت فيه الموعظة، وربما جاءه الموت وهو على ذلك، وسمع النداء من مكان بعيد، فلم يتبين المراد ولا علم ما أراد، وإن كرر عليه الداعي وأعاد.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    1.   

    الأسئلة

    كيفية التخلص من المعاملة مع البنوك الربوية

    السؤال: كيف نتخلص من الربا مع أن معاملة حكومات الدول الإسلامية والناس مع البنوك الربوية منتشرة، واختلط الحلال بالحرام؟

    الجواب: نحن نعلم أننا في الزمان الذي ربما ينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان من لم يأكل الربا أصابه غباره)، فنحن وللأسف الشديد نعيش أزمة، ولا يحس هذه الأزمة إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، هذه القضية هي قضية دخول المال الحرام مع المال الحلال واختلاط هذا بهذا، لكننا نسعى ونبذل ولعل الجهود تنجح، وإذا تضافرت الجهود أتت الثمار بمسألة التقليل من هذا البلاء.

    وهناك مسائل ربما يطلق عليها قضايا الاضطرار ومسائل الاضطرار، فإذا اضطر الإنسان إليها اضطراراً لا مفر منه، فهذه تأخذ حكماً مستقلاً عن الحكم العام لسائر القضايا، فإذا اضطر الإنسان إلى مسألة ولم يجد مناصاً لهذه القضية، فعليه أن يتحرى أولاً مسألة البحث عن الحلال أو سلوك طريق الحلال، فإن لم يعثر على ذلك فليسأل وليستفسر لعل غيره يدله على طرق الحلال، ثم بعد ذلك إن لم يجد فالمسألة إن شاء الله فيها نوع من التخفيف، ولعل القضية هنا مثل ما ذكرها الأخ، وهي: أن قضية الحساب الجاري لبنك من البنوك ليست مسألة ملزمة بالنسبة لكل البنوك، بل عليه أن يتجه إلى بنك لا يتعامل بالربا، وبالتالي يبرئ ذمته في هذه الحالة أو بهذه الكيفية.

    واجب الأمة في النهوض بها إلى العزة والكرامة

    السؤال: يقول السائل: أنا تائب إلى الله سبحانه وتعالى، ولقد ارتكبت كثيراً من المعاصي، وأطلب منكم بيان طريق النجاة، وأطلب من الحاضرين الدعاء لي ولهم بالهداية؟

    الجواب: أما بيان طريق النجاة وسلوك طريق النجاة فهذا أمره ميسور وسهل، ونحن في هذا الزمان وفي هذا الوقت بالذات نعيش مرحلة من المراحل الحرجة التي تمر بالأمة المسلمة، والتي تحتاج من كل فرد أي كان هذا الفرد كبيراً أو صغيراً ذكراً أو أنثى أن يبذل ويبذل في سبيل النهوض بهذه الأمة الشابة، بهذه الأمة الفتية التي عاشت مدة طويلة وفترات طويلة فيما يسمى بالغثائية، هذه الفترة لابد أن تنزاح ولابد أن تزول ولابد أن تنجلي، ولا تنجلي هذه القضية وهذه المسألة إلا بالعمل؛ لأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، فلابد من البذل والتضحية، ولابد من العمل الدءوب المستمر.

    ولعلك أيها الشاب التائب من يساهم في نهضة الأمة وبروزها ورفعتها، فقد سامها الذل أحط الناس وأرذلهم وهم اليهود والنصارى، ولعلي أذكر لكم البشارة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال لنا في الحديث الصحيح: (تكون نبوة، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم تكون خلافة راشدة، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم يكون ملكاً عضوضاً، ثم يشاء الله له إلى أن ينقضي، ثم تكون جبرية، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم تكون خلافة راشدة تعم الأرض، ثم سكت عليه الصلاة والسلام).

    فالنبوة انتهت، والخلافة الراشدة انتهت، والملك العضوض انتهى بالأمويين والعباسيين والعثمانيين، ملك قوة وعزة مع وجود بلاء ودخن، لكن كان المسلمون في عزة وقوة ونشاط وحيوية، ثم انتهت الخلافة العثمانية وتبدد العالم الإسلامي إلى دويلات جبرية وتسلط فيها الناس، هذا شيوعي وهذا علماني وهذا بعثي وهذا ماركسي وهذا نفعي وهذا وهذا، وهذا هو حالنا، وهذه المرحلة ستزول عندما نعمل كلنا بلا استثناء، فإن العمل سيثمر، والثمرة ستكون هداية الآخرين، وكلما كبرت القاعدة توسعت القاعدة وازدادت القاعدة، فرتب على ذلك عودت الأمة إلى عزها وإلى قوتها.

    قد يقول قائل: ماذا أفعل؟ لا قدرة لي على الخطابة، لا قدرة لي على الإلقاء، لا قدرة لي على المشاركة، ماذا أصنع؟ ماذا أفعل؟ أقوال: المجال مفتوح بطرق كثيرة متعددة، خذوا مثالاً على ذلك:

    شاب صغير يدرس في سادس ابتدائي أصيب في حباله الصوتية بمرض، هذا المرض جعله لا يستطيع أن يتكلم إلا بصعوبة وبكلفة، فهو يتعتع في كلامه، وفي نهاية المطاف ترك الدراسة واتجه إلى مدرسة أهلية تعلم الآلة الطابعة، توظف في إحدى المصالح الحكومية براتب ضعيف، لكنه يسد الحاجة، بدأ يصرف على والده المقعد، وأمه الكبيرة وإخوته الصغار، وبدأ يجلس في المجالس، لكن هذه المجالس لا تعترف بالشخص السلبي؛ لأنه يجلس يستمع، ولا يشارك بكلام، فهو لا يستطيع أن يتكلم.

    بدأ يبحث عن الأماكن التي فيها الدروس والمحاضرات والندوات والخطب، وبدأ يسمع الأشرطة ويقرأ الكتب وتثقف وعلم، ثم إنه بعد ذلك عرف أنه مطالب بالدعوة والإرشاد، لكنه ماذا يفعل؟ لا يستطيع الكلام، فهداه الله سبحانه وتعالى إلى مجال لا يحتاج إلى كلام، فبدأ يأخذ مائة ريال من راتبه الشهري ويشتري بها مجموعة أشرطة ومجموعة كتيبات، ويذهب إلى الأسواق، مثل: سوق النسيم والهزاع وغيرهما من الأسواق، فكان إذا رأى رجلاً يستمع إلى غناء أو ينظر إلى التلفاز أو يدخن أعطاه شريطاً أو كتيباً، يقول الذي يروي الرواية عنه: في يوم من الأيام سألته وقلت له: يا ترى هل رأيت لعملك نتيجة؟ قال: نعم، في يوم من الأيام دخلت على صاحب محل وهو مصري فأعطيته شريط وكان يستمع إلى أغنية، فقلت له: أيش رأيك تأخذ مني هذا الشريط وتعطيني هذا الشريط الذي معك، يقول: أخذت ما معه وأعطيته ما معي وذهبت، يقول: وبعد أربعة أشهر دخلت على صاحب هذا المحل وأنا لا أذكر بأنني دخلت عليه، فعندما رآني بشكلي عرفني وقام مسرعاً إلي وقبلني، قلت: يا أخي أنا لا أعرفك، قال: ولكني أعرفك، فوالله بسبب شريط واحد أعطيتني إياه لقد اهتدت عزبة كاملة كنا نعيش فيها، وعدد أفرادها ثمانية أفراد، ثمانية أشخاص انضموا إلى ركب الدين بفعل شريط واحد، وجهد يسير بذله شخص، ربما لو رأيته لا تلقي له بالاً.

    إذاً: أقول: يجب علينا أن نساهم، ويجب علينا أن نعمل لهذا الدين.

    بيان مكفرات الذنوب وطرق محوها وإذهابها

    السؤال: هل بعض صغائر الذنوب تؤدي إلى سوء الخاتمة؟

    الجواب: مسألة صغائر الذنوب التي لا ينفك منها أحد، هذه كلنا نعملها، ليس هناك إنسان معصوم إلا الأنبياء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم).

    إذاً: كلنا نذنب، بل ولا بد أن نذنب، هكذا أراد الله إرادة كونية، لابد من أن نواجه الذنب، لكن مطلوب منا عمل الصالحات التي تقضي على الذنوب وتمحوها، قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].

    فإذا عمل الإنسان الصغائر وكرر الأعمال الصالحة ورددها فإن هذه تمحو هذه، وهذه تلو هذه، وهذا ما اصطلح العلماء عليه من مكفرات الذنوب، ومكفرات الذنوب كثيرة، منها: التوبة، والاستغفار، والأعمال الصالحة، ومنها: المصائب الدنيوية التي تصيب المؤمن، ومنها: ما يعمله المؤمن في حال حياته وينظر إلى نتيجته عندما يموت، ومنها: القبر وما فيه، ومنها: القيامة وأهوالها، ومنها: رحمة الله، كل هذه تعد من مكفرات الذنوب التي تلغي عن المؤمن كثيراً من ذنوبه التي فعلها في حال الدنيا.

    كيفية تلقين المحتضر المغمى عليه الشهادتين وحكم النطق بها بدلاً عنه

    السؤال: كيف يلقن المحتضر الشهادتين وهو في حالة إغماء عند الوفاة، خاصة بما يعرف بالموت الدماغي حين يفقد الإنسان وعيه وتموت مراكز الإحساس في المخ، وما يزال قلبه ينبض؟ وهل يمكن لمن حضر الوفاة أن يفعل ذلك بدلاً عن المحتضر؟

    الجواب: لا يفعل ذلك بدلاً عن المحتضر، فإن كان الإنسان يقدر على أن ينطق بالشهادة فبها ونعمت، وإن لم يستطع لسبب ما، إما لمرض رهيب جداً، أو لحالة من الحالات لا يستطيع أن ينطق بها المسلم أو المؤمن، فيحاول أن يلقن، ولا يلزم من ذلك أن تسمع أيها المؤمن النتيجة؛ لأنه قد ينطق الشهادة في داخله، وقد ينطقها بقلبه، وقد ينطقها بلسانه بدون أن يخرج صوته، إنما أنت تبذل، ولست مطالباً بالنتيجة، لكن تلقنه وتكرر عليه مرات ومرات، ثم بعد ذلك تنتهي، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يميته على الحق.

    حكم من مات بالغرق أو الهدم أو الحرق وهو لا يصلي إلا الجمعة أحياناً

    السؤال: من الشهداء: الغريق، فإذا كان الشخص لا يصلي إلا يوم الجمعة أحياناً فهل هو شهيد؟

    الجواب: لا، لابد أن نعي ولابد أن نعلم أن الغريق والذي مات في الهدم أو في الحرق أو سقط على دابته أو وقصته وكذا لابد أن يكون مؤمناً، فموته بهذه العلة الإضافية المؤلمة تعد خيراً إضافياً على ما عاش فيه من خير طوال حياته، فهو مؤمن في الأصل، ولو مات موتاً عادياً فإنه سيموت على الإيمان، لكن عندما يموت بالغرق أضيف له أجر جديد ألا وهو أنه يعامل معاملة الشهيد في الآخرة، وليس في الدنيا؛ باعتبار أنه يصلى عليه ويدفن ويغسل، بخلاف الشهيد المقتول في الحرب، فأما إن كان لا يصلي، فهذا وللأسف الشديد يعد ليس بمؤمن بل ليس بمسلم؛ لأنه ترك ركناً من أركان الإسلام التي تخرجه من ملة الدين، فهو كافر في هذه الحالة؛ لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).

    طرق علاج الوساوس في الصلاة وغيرها

    السؤال: أنا أصلي منذ كان عمري خمسة عشر سنة، والآن عمري سبع وثلاثون سنة، ولكن أحس أحياناً بالخسارة حيث إنني أوسوس في الصلاة؟

    الجواب: أذكر قصة لطيفة، يقول بعض الرواة: إن اليهود جاءوا إلى عبد الله بن عباس وقالوا له: يا ابن عباس ! إنكم أيها المسلمون توسوسون في صلاتكم، أما نحن اليهود فلا نوسوس في صلاتنا، فقال لهم: وماذا يريد بكم الشيطان حتى يجعلكم توسوسون في صلاتكم؟

    يعني: أن دينكم من ألفه إلى يائه باطل، فلا داعي أن يقضي الشيطان وقتاً في إغواء إناس ضالين في الأصل، ولكن تجده يركز على أهل الحق وعلى الصالحين، لذلك أقول لك: عليك إذا وقفت بين يدي الله سبحانه وتعالى أن تستحضر بقلبك ما يقرأ الإمام، وأن تتفكر فيما يقرأ، وفي هذه الحالة إذا جاهدت نفسك تدريجياً سيزول الوسواس بالتدرج، ولعلك تستعيذ بالله من الشيطان باستمرار، فلعل الله سبحانه وتعالى أن يعيذك شر ذلك.

    كلمة توجيهية للنساء وأوليائهن من الرجال

    السؤال: هل من كلمة توجيهية للنساء؟

    الجواب: أذكر لكم حادثة، ولو أن المجال ليس مناسباً لذكرها، لكن لنأخذ العبرة منها، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه:

    كان هناك رجل ومعه زوجته في سوق من الأسواق الكبيرة لا داعي لذكره، وكانت متزينة بأبهى زينة، وكانت إذا وصلت إلى رصيف من الأرصفة تكشف عن وجهها كشفاً كاملاً، وكانت قد زينت نفسها بالمساحيق وغيرها.

    أمسكت الهيئة على مجموعة من الشباب في حدود الخمسة أو الستة ومعهم عدد هائل من الصور، وعندما حقق معهم، قالوا: إنهم رءوا المرأة التي ذكرت لكم في السوق، ورءوا وجهها ورءوا شكلها، فأخذت بعقولهم، فتابعوها وعرفوا موقع المنزل وموقع عمل الزوج ومتى يخرج ومتى يدخل، ثم دخلوا عليها عنوة وأخذوا معهم جهاز تصوير، ثم اعتدوا عليها وصوروها كما شاءوا بالتصوير، ثم اتصلوا فيها وهددوها، إما أن تعطيهم ما أرادوا باستمرار أو ستفضح بهذه الصور، وكانت المرأة عفيفة وصالحة، لكنها أعطت لنفسها العنان عن طريق هذا التبرج وهذا السفور عند غير محارمها، لكن ماذا فعلت يا ترى؟!

    لقد أخبرت زوجها مباشرة، فذهب زوجها إلى الهيئة وعرض عليهم القضية، فقال أعضاء الهيئة: اجعلها تواعدهم وتلين القول معهم، وفعلاً عندما اتصلوا عليها ألانت القول وضحكت معهم، ثم حضروا إليها في نفس الموعد الذي اتفقوا عليه، فدخلت مجموعة كبيرة من أعضاء الهيئة وقبضوا على هؤلاء، وعندما حقق معهم قالوا: والله ليس لنا ذنب، لكنا دخلنا السوق لنأخذ بعض المقاضي ليس لنا هدف، لكن عندما رأيناها بهذه الصورة غطت على عقولنا ففعلنا ما فعلنا.

    إذاً: الرجل بنفسه قد يؤدي إلى أن تقع المصيبة ببيته وهو لا يشعر، لذلك أقول لكم جميعاً: لننتبه إلى نسائنا وبناتنا وبنات من نعرف وحتى من لا نعرف، وننصح، فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذكر هذه القصة نافعاً وموقظاً من الغفلة، وأنا قد فعلتها فعلاً في أحد الأسواق: والله لقد رأيت امرأة بهذه الكيفية، فأخذت زوجها وعرضت عليه القصة، فقلت: والله هذا الذي حصل، طلب من زوجته أن تغطي وجهها وأخذها وخرج من السوق، وترك ما معه من أغراض في السوق، وتأثر فعلاً بهذه القصة.

    إذاً: أقول لكم جميعاً: على المرأة أن تنتبه لنفسها.

    كذلك لتعلم المرأة أنها ما خلقت لتمضي جل وقتها في أمور تافهة غير مهمة، ويكون ذلك على حساب أمور مهمة فيما يتعلق بتربية أولادها في الإشراف على أسرتها، وفي العكوف في محرابها، وفي البحث عما يسر الزوج وينال رضاه، فهذه الأمور هي التي ينبغي أن توجه المرأة لها؛ لأن المرأة نصف المجتمع، فإذا فسدت المرأة فسد المجتمع؛ ولذلك كان اليهود ومن سار معهم يركزون على المرأة.

    ولعلي أختم الحديث بمقولة تكشف عن مخطط رهيب ضد المسلمين: إن الاستعمار الصليبي الذي عاشته البلاد الإسلامية في القرن التاسع عشر عندما لم ينجح الاستعمار النجاح الذي أرادوه، إذا بهم يجتمعون في إيجاد خطة ينجحون فيها ويحققون بها مخططاتهم، فقال أحدهم: علينا أن نخلع حجاب المرأة المسلمة ونغطي به المصحف.

    يعني: علينا أن نجعل المرأة في سفور وتبرج واختلاط وضياع، والمصحف لا يؤخذ بأحكامه، يجنب جانباً، عند ذلك تضيع الأمة المسلمة فتستعبد أيما استعباد، ولعل كثيراً من الدول الإسلامية قد انطبق عليها هذا الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    طرق علاج قسوة القلب

    السؤال: هذا يسأل عن قسوة القلوب ومسألة علاجها، ومسألة النظر فيها؟

    الجواب: القلب الذي في الصدر ينقسم إلى قسمين اثنين: قلب محسوس ملموس، مهمة هذا القلب دفع الدم، والمحافظة على الجسد ومده بالغذاء، وتنمية الخلايا وغيرها.

    أما القلب غير المحسوس فهو القلب الذي إذا أحسست بألم أحسست به في صدرك، إذا أحسست بفرح أحسست به في صدرك، إذا أحسست بخوف أحسست به في صدرك، إلى غير ذلك، هذا هو القلب الذي يقسو وهو القلب الذي يلين.

    وهذا القلب له درجات، وهذه الدرجات تستطيع أنت أيها الإنسان أن تصعدها أو تنزل فيها، كلما ارتقيت درجة رق قلبك، وكلما نزلت درجة قسا هذا القلب، هذا القلب الذي يلين ويقسو مرتبط بالجوارح، مرتبط باللسان وباليدين وبالرجلين، فإذا عملت عملاً صالحاً ارتقيت درجة، وإذا عملت عملاً فاسداً نزلت درجة، إذا قلت قولاً فاسداً نزلت درجة، وإذا قلت قولاً صالحاً ارتقيت درجة.

    إذاً: القضية في يدك وأنت الذي تمسك بزمامها، فعليك في هذه الحالة إذا أردت أن تعالج هذا القلب أن تبحث عن العلاج، عليك أن توجد هذا العلاج، والعلاج سهل، وهو مجان ليس هناك ثمن يدفع، وهذا العلاج هو كتاب الله سبحانه وتعالى، فكتاب الله هو العلاج الأول الذي إذا التزمت به وارتبطت به ولازمته قراءة وخشوعاً وتذكراً وتدبراً ستجد أنك ترتقي شيئاً فشيئاً في سلم لين القلب.

    كذلك ذكر الله سبحانه وتعالى، إذا واظبت عليه ستجد فعلاً أن القلب بدأ يلين، ولذلك يقول الحسن البصري عندما سأله سائل قال له: إن قلوبنا قاسية، قال: ألينوها بذكر الله. نحن لا نذكر الله سبحانه وتعالى وللأسف الشديد إلا قليلاً، هذا حالنا.

    والرسول عليه الصلاة والسلام كان الصحابة يحصون له في المجلس الواحد فقط سبعين مرة وهو يقول: (أستغفر الله) وفي رواية: (مائة مرة، وهو يقول: أستغفر الله)، ونحن في المجالس المتعددة ربما لا نقول: أستغفر الله ولا حتى مرة واحدة، لماذا يا ترى؟ لأن ذكر الله سبحانه وتعالى لم تعتده الألسنة، فالذكر إذا رددته الألسنة وأكثرت منه سنجد الرقة في القلب، وتسمع القارئ يقرأ القرآن فتدمع عينك؛ لأن رقة القلب تؤثر في العين، كذلك عندما يرق القلب ستجد أن الجلد يقشعر عندما يسمع كلام الله، عندما يرق القلب ستجد أن القلب يرجف عندما يسمع وعيد الله سبحانه وتعالى؛ لأن القلب لين ورقيق.

    إذاً: هناك علاجان يسيران سهلان وهما: القرآن، والذكر المستمر، ويضاف إليهما العكوف المستمر على الأعمال الصالحة بشتى أنواعها، ففيها خير كثير وفيها أثر بين.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا رقة القلب وأن يباعد بيننا وبين قسوة القلوب.

    وقسوة القلوب قد وصف بها أعداء الله سبحانه وتعالى من اليهود والمنافقين، ونحن بيننا وبينهم البين الشاسع، فلابد أن يكون البون بيناً في قلوبنا، فهم قساة القلوب، ونحن نبحث عن الفرق بيننا وبينهم ألا وهو رقة القلوب، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756010575