إسلام ويب

قصص لا تنسىللشيخ : إبراهيم الفارس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن التاريخ خير أستاذ لمن تأمل فيه، وتتبع أحداثه، وعاش أجواء من سبقه من الأمم، ولذا قيل من أراد أن يضيف عمراً إلى عمره فليقرأ التأريخ، وذلك لما فيه من العبرة والعظة.

    1.   

    مأساة أسرة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    قبل أن أبدا في عرض القصص التي ينبغي ألا تنسى فإن الشباب الصالح الذين يتلون آيات القرآن يجدون فيه قصصاً هي التي ينبغي ألا تنسى، بل ولن تنسى باعتبار أنها في كتاب الله، والله قد حفظ هذا الكتاب عن أن يتعرض لتحريف أو تأويل أو تغيير، من هذه القصص قصة يوسف مع إخوته ومع والده، فهذه القصة لو تمعن في دراستها الآباء لعرفوا أن فيها من العبر ومن الأساليب التربوية الشيء العظيم.

    فهذا يعقوب عليه السلام ذلكم النبي الصالح فضل أحد أبنائه على البقية، وقد كانوا في سن لا تجعلهم يحكمون على الأمور بمنظار عقلي بل بمنظار عاطفي، فترتب على ذلك أنهم قرروا أن يستأثروا بوالدهم الذي صرف الحنان والمحبة والرعاية ليوسف وأخيه بنيامين ، فقالوا: لا بد أن نقتل هذا الابن؛ حتى نستحوذ على والدنا. فتلك الآيات تعطيك أيها الوالد الكريم عبرة ودرساً، وتعطيك قصة لا تنسى: وهي أن الأبناء ينبغي أن يكونوا في مرتبة واحدة، حتى لو كنت تفضل البعض، أو تحب البعض، أو تقدر البعض قدراً زائداً على غيرهم، أو تقدر البعض وتكره الآخرين، فإنه ينبغي عليك أن لا تظهر ذلك أمام الجميع، فلا تظهر هذه المحبة فيحسد الأبناء المفضولون إخوتهم الذين فضلتهم عليهم ويكرهونهم، وقد يكيدون لهم كما فعل إخوة يوسف مع يوسف عليه السلام، فنصيحتي للآباء أن يقرءوا هذه السورة، وأن يتمعنوا فيها، وأن يأخذوا المناهج التربوية العجيبة من هذه السورة.

    خرج رجل صالح من بيته متجهاً إلى متجره بعد أن اشترى قليلاً من الخبز الجاف الذي حصل عليه بصعوبة ووضعه في بيته لأولاده، وأوصى زوجته بأن تهتم بهم، خرج إلى متجره الذي يسمى متجراً وهو في الحقيقة لا يحتوي إلا على شيء قليل جداً من البضاعة، وكان متعباً نحيلاً هزيلاً، فقد أنهكه الجوع فهو لا يستطيع أن يحصل على لقمة العيش التي تكفيه ومن يعول، والمادة ليست بموجودة، والغذاء لا يباع في الأسواق، فهو يريد أن يبيع ولو شيئاً قليلاً ليشتري ما يسد رمقه فحسب، هو لا يريد أن يتفنن في الطعام، ولا يريد أن يتففن في الشراب، وغاية ما يريده خبزاً جافاً فقط، فتح الرجل متجره بعد أن استعان بالله تعالى، وبقي فيه يرقب الغادي والرائح ويتمنى أن يطل عليه أحد العملاء ليشتري منه ولو شيئاً قليلاً.

    وفجأة! تقف سيارة على باب لمتجر، إنها مليئة بالجند، إنها سيارة الشرطة؟! تقف متجهة إليه، إنه لم يبلغ بعد سن الكهولة بل لا زال فيه روح الشباب، فنزل بعض الجند واتجهوا نحوه ثم سحبوه بكل قوة وأركبوه في السيارة، ثم ذهبوا به.. ولكن إلى أين يا ترى؟ لقد أخذوه إلى منطقة قريبة وأخذوا صندوقاً من الرصاص كبير الحجم، ثقيل الحمل، ثم قالوا له: احمل هذا على ظهرك واذهب به من المكان الفلاني إلى المكان الآخر! فتلكأ وتردد؛ لأن هذا الصندوق لثقله لا يطيقه ثلاثة أو أربعة فكيف بواحد؟ وعندما أبدى الرفض توالت عليه الصفعات واللكمات والضربات، فاستعان بالله وحمل الصندوق ومشى به ثلاثة أو أربعة أمتار ثم سقط؛ فهو لا يستطيع فعلاً أن يحمل هذا الصندوق، وعندما رأوه بهذه الصورة ضربوه فتحامل على نفسه وحمله مترين أو ثلاثة إلا أنه سقط مغمىً عليه من شدة الإعياء، وعندما رأوه بهذه الكيفية أخذوه وذهبوا به إلى جذع شجرة قريبة منهم، ثم ربطوه وأوثقوه في هذه الشجرة وسمروا يديه في الشجرة، ثم بدءوا يضحكون عليه ويتلاعبون به، فبدءوا ينتفون شعره بأيديهم، ويخلعون أضافره بزراديات كانت معهم، ثم بعد ذلك خلعوا ثيابه وقطعوا مذاكيره ثم أدخلوها في فمه، ثم أخذوا حربة وضربوه بصدره، فارتفعت روحه إلى بارئها، كانوا يضحكون جذلين من هذا المشهد! وبعد أن انتهوا من فعلتهم الشنيعة ذهبوا إلى حال سبيلهم بعد أن أخذوا هذا الصندوق معهم.

    فوجد الناس جثة الرجل المسكين وبدءوا يحدثون بما حصل له، فسمعت زوج هذا الرجل المدعوة زهرة بما حصل لزوجها من قبل الجيران؛ لأن الحادثة كانت قريبة من قريتهم، فذهبت مسرعة بكل قوة إلى مكان الحادث، وحدثت الفاجعة فما أن وصلت الشجرة حتى رأت مشهداً مخيفاً مرعباً هائلاً لا يمكن أن يصدق، حاولت أن تنزله من على الشجرة لكنها لم تستطع، فقد كانت ضعيفة هزيلة فهي لم تأكل شيئاً منذ مدة من الأيام، فعادت مسرعة تستنجد برجالات القرية لعلها تجد أحداً يساهم معها في إنزال زوجها من الشجرة، وقبل أن تصل إلى البيت إذا بسيارة شرطة أخرى فيها مجموعة من الجند ينظرون إليها، وعندما أدركت ذلك اتجهت مسرعة إلى بيتها، وقبل أن تتوارى ناداها أحدهم وهو شاخص إليها ينظر إليها: إنها جميلة وفيها مسحة من جمال، فطلبوا منها أن تأتي معهم، فصرخت واستغاثت ورفضت، لكنهم جروها بشعرها بكل قوة حتى أركبوها في السيارة، ثم ذهبوا بها إلى معسكرهم، وهناك سألوها مع من تسكنين؟ قالت: في بيتي مع زوجي الذي قتلتموه، ومع أولادي الخمسة، ومع أختي، ومع أخي.

    فسألوها: أين أخوك؟ فأجابت لقد سافر وهرب، فما كان منهم إلا أن رجعوا إلى البيت وهي معهم فأخذوا يبحثون في البيت فلم يجدوا إلا الأطفال، وفجأة وقعت أعينهم على بنت في الثانية عشرة من عمرها، فسحبوها معهم واتجهوا بها إلى المعسكر! ثم بدءوا يتوالون عليها اغتصاباً شرساً بكل قبح وجنون، وبكل شراسة وحماقة، وحينها لم تتحمل البنت الصغيرة هذه المشاهد المريعة المخيفة! ومن جراء هول ما يحصل لها أسلمت الروح إلى باريها، وليست الكبيرة بأحسن حال منها فهي الأخرى تكاد أن تسلم الروح إلى باريها، فلما رأوا ذلك تركوها، فرجعت إلى بيتها وقد أسدل الليل ستاره على هذه القرية الحزينة البائسة، فنظرت إلى البيت ونظرت إلى أولادها الذين يكادون يموتون من الروع من الخوف من الجوع، يا إلهي! ماذا تفعل: تنادي! تصرخ! لا مجيب، نظرت فإذا رجل يتسلل في جنح الظلام حتى دخل البيت مسرعاً وأخذ يهمس في أذنها: زهرة .. زهرة .. زهرة انتبهي إلي إنني أخوك، فانتبهت إليه فإذا هو أخوها، فضمته وهي تبكي وتصرخ: لقد قتلوا زوجي، لقد قتلوا أختي، لقد كادوا أن يقتلوني، فقال لها: هيا خذي ما خف حمله وغلا ثمنه نريد أن نهرب، إنهم سيقتلوننا إذا جاء الصباح، فأخذها هي وأولادها وانطلقوا مسرعين يمشون الليل مع النهار وبعد ثلاثة أيام من الإعياء والتعب والمشقة اجتازوا الحدود ووصلوا إلى منطقة آمنة، فألقوا أجسادهم مباشرة على الأرض الجرداء نياماً لا يريدون شيئاً إلا الراحة، وعندما استيقظوا من نومهم ورأوا أنهم قد أمنوا من مكر هؤلاء بدءوا يقصون على الآخرين ماذا جرى لهم.

    أتدرون هذه الحادثة لمن حصلت؟ ومن هي هذه المرأة؟ ومن هو هذا الرجل؟ وأين حصلت هذه الحادثة؟ ومتى حصلت هذه الحادثة؟ إنها حادثة من عشرات بل مئات بل آلاف الحوادث التي تتكرر يومياً في منطقة من مناطق العالم الإسلامي، إنها منطقة بورما التي تحاذي بنجلادش، حيث يقوم فيها البوذيون بحملة شرسة هائلة مخيفة لطرد ستة ملايين مسلم من هذه البلاد، فهم لا يريدون مسلماً واحداً يبقى فيها على الرغم من أنها منطقتهم وبلادهم! فقد عاشوا فيها منذ عشرات القرون، فقد دخلها الإسلام في القرن الثاني الهجري ونحن اليوم في القرن الخامس عشر، فهي منذ ثلاثة عشر قرناً أرض إسلامية، فالإسلام فيها ينتشر ويزداد لكن هؤلاء المسلمين لا بواكي لهم، فلا أحد يلقي لهم بالاً أو يعطف عليهم من أمة الإسلام، فما كان من الشعب البوذي المجرم إلا أن قام بعملية مسخ واستئصال هذا الشعب المسلم في منطقة آراكان التي هي جزء من منطقة بورما، والتي كانت بلداً إسلامياً سيكون في طي النسيان، وإذا استمر هذا الحال فسيكون بلداً بوذياً بعد فترة يسيرة؛ لأن الحملة الشرسة مستمرة. والمشهد السالف الذكر يتكرر دوماً، فاللاجئون في بنغلادش يزداد عددهم كما ذكرت الأخبار، فقد يصل عددهم إلى ألف لاجئ في اليوم، وهذا رقم هائل، وأما الذين لا يصلون والذين يموتون من الجوع والقهر والتعب فيتجاوزون الألفين يومياً.

    وأما الذين يقتلون فلا أحد من البشر يستطيع أن يحصي عددهم، إنها مأساة عجيبة رهيبة هائلة من يستطيع أن يتصورها؟ لا يتصورها الذين انطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).

    إن الشعب المسلم في جميع أرجاء الأرض لا هم له إلا كيف يأكل، وكيف يشرب، وكيف ينام، وكيف يقوم، وأما أن يفكر في أمته وما يحل بها من الويلات! وأما أن يتذكر ويتابع ويدعو فلا.

    ومن العجب أن هذه القصص المتكررة المتوالية ليس لها ذكر في جرائدنا أو مجلاتنا التي تصدر في عالمنا الإسلامي! بل إنها تذكر في مجلات الغرب وجرائدهم، فهذه القصة موجودة في مجلة الصنداي تايمز التي تصدر في بريطانيا، ولنا أن نسأل لما يا ترى لا يذكرون شيئاً عنهم؟

    1.   

    حقد رافضي

    قام رجل مشهور يعمل وزيراً من الوزراء بإرسال رسالة إلى هولاكو زعيم التتار الذي دمر الخلافة الإسلامية العباسية سنة 656هـ، وقتل في ثلاثة أيام متتالية أكثر من مليون ومائتي ألف ما بين رجل وامرأة وطفل.

    كان هذا الوزير وزيراً لآخر الخلفاء العباسيين الذي يدعى بـالمستعصم بالله، وقد كان خليفة المسلمين غارقاً في اللعب واللهو، وكان قد استوزر مجموعة من الوزراء منهم هذا الوزير الذي تميز بأنه رافضي خبيث. وكان من خبر هذا الوزير أنه قام سراً بإرسال رسالة إلى هولاكو الذي اجتاح أجزاء من العالم الإسلامي إلى أن وصل إلى إيران ثم توقف؛ لأن أهدافه قد تحققت فأراد الرجوع إلى بلاده، فأرسل له هذا الوزير رسالة: إلى هولاكو من فلان بن فلان: إنني أستحميك وأطلبك وأرجوك أن تقدم علينا وتخلصنا مما نحن فيه، فرد عليه هولاكو رسالته بقوله: لا أستطيع أن أقدم عليكم؛ لأن عندكم في بغداد مائة ألف جندي مدربين أقوياء، فأخشى أن أتعرض وجيشي إلى الهزيمة، فرد عليه هذا الوزير: لك علي في فترة وجيزة أن أصرف الجند ولا يبقى في بغداد إلا الضعاف منهم.

    ثم وفّى بوعده فقام بصرف الجند من بغداد مستغلاً وزارته التي منحها، فبدأ يرسل كتائب الجند إلى مصر وإلى سوريا وغيرهما، ولم يبق في بغداد إلا عشرة آلاف جندي من أضعف الجند، ثم أعاد الرسالة مرة أخرى إلى هولاكو وقال له: تعال على الرحب والسعة فلم يبق أحد يردك عما تريد، فقدم هولاكو ثم حاصر بغداد حصاراً يسيراً فسقطت بغداد في أيدي التتار، ثم أذن لجنده بأن يفعلوا الأفاعيل، ومعهم هذا الوزير الخائن وأتباعه، فبدءوا يعيثون في المسلمين فساداً، فقتلوا في يوم واحد: خمسمائة ألف، وفي اليوم الثاني: خمسمائة ألف، وفي اليوم الثالث: مائتي ألف، فكان القتلى في ثلاثة أيام مليوناً ومائتي ألف رجل وامرأة وطفل، فأنتنت بغداد من كثرة الجيف ولا أحد يستطيع أن يدفنهم، حتى إن رائحة الجثث كانت تشم في دمشق على مسافة سبعمائة كيلو متر من بغداد.

    وذكر ابن كثير أن الذين قتلوا مليون ومائتا ألف، وثمانمائة ألف آخرين ماتوا من شدة الرائحة والوباء.

    أتدرون من هو هذه الوزير؟ إنه رجل يدعى مؤيد الدين ابن العلقمي ، وقد كان رجلاً رافضياً شيعياً يحقد على أهل السنة كما يحقد غيره من الشيعة على أهل السنة، فهم يكرهونهم كراهية عجيبة. وكان يهدف من إرسال الرسالة أن يقيم دولة شيعية على أنقاض الدولة السنية التي يحكمها الحاكم العباسي، وفعلاً أقيمت الدولة الشيعية ولكن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد فقد قتل ابن العلقمي على يد التتار، وقتل الوزير الآخر نصير الدين الطوسي الذي كان ملازماً لـابن العلقمي على أيدي التتار أيضاً، ولم تقم لهم قائمة.

    وإنما كانت هذه القصة من القصص التي لا تنسى؛ لأنها تتكرر دوماً وأبداً فالشيعة باستمرار يخططون ليكيدوا للعالم الإسلامي.

    مكائد لا تنتهي والتأريخ يعيد نفسه

    هذه الصورة حصلت سنة 656هـ، لكننا في هذا القرن: قرن التطور، قرن الحضارة كما يسمى نجد أن هذه الصورة تتكرر يوماً بعد يوم، إن الشيعة الذين تقرءون وتسمعون عنهم يكيدون للإسلام أيما مكيدة، ولعل ما حصل في الحرمين في الأعوام 1407هـ و1408 لم يغب عن أذهانكم بعد.

    ولذا يجب أن يتنبه الناس لهؤلاء ويعرفوا حقيقتهم، وأنهم أشد عداوة لنا من اليهود والنصارى! لأنهم يتسترون بستار الإسلام، ويتمسحون بالإسلام اسماً وهم ليسوا بالمسلمين، وهم بعيدون كل البعد عن الإسلام، إنهم يخططون الآن لا للحصول على المال ولا للحصول على المتاع! ولا للحصول على البنايات! ولا للحصول على السيارات ولا للحصول على التجارة؟ وإنما يخططون لإنشاء الأمبراطورية الشيعية الإسلامية العظمى في أجزاء من أفغانستان وإيران والعراق وسوريا والأردن ولبنان وشمال الجزيرة والخليج بأكمله.

    إنهم يسيرون على مخطط دقيق منظم، ولا يلزم أن يتحقق ذلك في يومين أو شهرين أو عامين، فاليهود عندما اجتمعوا في بال في سويسرا في سنة 1898م في آخر مؤتمر من مؤتمراتهم، أعلنوا قراراتهم وكان من ضمن هذه القرارات: يجب علينا أن نعلن دولة إسرائيل بعد خمسين سنة، ومع ذلك لم يلق العرب لذلك بالاً، ولكنهم كانوا يسعون ويخططون وينظمون وينظرون، وفي النهاية أعلنت دولة إسرائيل سنة 1948م.

    فكانت أهدافاً تحققت ليست رجماً بالغيب، بل توقعات مبنية على دراسة وتخطيط، ولذلك ينبغي أن يتنبه الناس لهؤلاء الأعداء الذين يعيشون بيننا ويرتبطون بنا، وربما الكثير من الناس اليوم قد احتك بهم.

    1.   

    صاحب النقب

    اتجه مسلمة بن عبد الملك رحمه الله تعالى القائد الأموي المشهور ومعه جيش قوي قوامه أكثر من مائة وعشرين ألف جندي إلى بلاد الروم؛ ليفتتح عاصمة الروم القسطنطينية آنذاك والتي تسمى اليوم اسطنبول، وتقع الآن في الشمال الغربي من تركيا، وكانت هذه العاصمة عاصمة قوية جداً، وقد استعصت على مسلمة بن عبد الملك ولم يستطع أن يفتحها، ولكن الله يسر فتحها على يدي محمد الفاتح القائد العثماني المظفر.

    وعندما اتجه مسلمة بن عبد الملك إلى القسطنطينية كان في طريقه مجموعة كبيرة من المدن والقرى والمناطق الشاسعة التي يمتلكها النصارى ففتحها مدينة مدينة، وبلدة بلدة، ثم توقف عند حصن كان ذا بنايته قوية، وحصانة شديد، وجنوده كثيرون ومدربون وأشداء، فبدأ الجيش الإسلامي في الحصار واستمر الحصار فترة من الزمن ولكنه لم يسقط! وحينها حاول مع مجموعة من البنائين أن يحفروا حفرة في هذا الحصن، ومعلوم أن الحصون القديمة من طين، فحفروا فتحةً يدخل منها الرجل أو الرجلان، ولكن من الشجاع القوي الذي يدخل من هذه الفتحة ويقاتل ويقاتل إلى أن يصل إلى الباب ويفتحه، فهذا عمل لا يستطيع أحد أن يفعله إلا الشجعان الذين باعوا حياتهم لله تعالى، فصاح مسلمة فيهم من منكم يستطيع أن يدخل على هؤلاء فيفتح لنا إن قدر له الله النجاة؟ فقال أحدهم: أنا وهذه الحادثة تكرر شبيه لها في حصار اليمامة التي تقع على مقربة من الرياض الآن أو قريبة من منطقة الجبيلة والعينية؛ فقد حدثت هناك معركة قوية جداً عندما قام خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ومعه الصحابة ومن معهم بحصار مسيلمة في حديقته المحصنة المسورة، فاستعصت عليهم وما استطاعوا أن يفتحوها، فقام البراء بن مالك أخو أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ضعوني على ترس وارفعوني إلى الأعلى وسأقفز عليهم وأقاتلهم إلى أن أفتح لكم، وفعلاً قفز على جدار الحديقة ثم نزل عليهم كالصاعقة وبدأ يقاتل ويقاتل ويحارب ويضرب مع كل اتجاه إلى أن وصل إلى الباب ففتحه ثم دخل المسلمون وقضوا على جند مسيلمة، وكانت النتيجة أن البراء بن مالك لم يبق في جسده منطقة إلا وفيها طعنة أو ضربه أو جرح أو غير ذلك حتى إن الصحابة مكثوا شهراً كاملاً يمرضونه نتيجة لذلك، فقد أبدى رضي الله عنه بطوله عجيبة غريبة نفتقدها في هذا الزمان.

    فعندما صاح مسلمة وقال: من منكم يستطيع أن يدخل على هؤلاء فيفتح لنا؟ فقام رجل وقال: أنا، فدخل النقب وقاتل وضارب مع كل اتجاه حتى وصل إلى الباب ففتحه فاستسلم أهل الحصن وسلموا أنفسهم، حينها قام مسلمة وقال: أين صاحب النقب ؟ فلم يقم أحد، فالكل رفض أن يعرف بنفسه، فقال مسلمة : إن بابي مفتوح وأنا أقسم على صاحب النقب أن يأتيني، فأدرك صاحب النقب بعد هذا القسم أنه لا بد أن يبر بهذا القسم، وفي يوم من الأيام كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي جالساً في خيمته وإذا برجل يستأذن يريد أن يقابله، فقيل له: أنت صاحب النقب؟ قال: لا، أنا سأخبركم من هو، قال: ادخل، ثم قال: تريد مني أن أخبرك عن صاحب النقب؟ قال: نعم، قال: سأخبرك من هو ولكن بشروط ثلاثة -فكانت هذه الشروط هي العبرة-، فقال: أولاً: ألا تذكر اسمي للخليفة، والثاني: ألا تسألني عن اسمي، الثالث: ألا تأمر لي بمكافأة، قال: لك علي ذلك، قال: أنا صاحب النقب، فطأطأ مسلمة رأسه عجباً، فخرج صاحب النقب واختفى بين الجند لا يعرف له حال ولا يعلم له صفة، وكان مسلمة رحمه الله كلما صلى في صلاته وسجد وكان قريباً من ربه بدأ يدعو: اللهم اجعلني مع صاحب النقب، اللهم اجعلني مع صاحب النقب، اللهم اجعلني مع صاحب النقب؛ لأن هذا الرجل لا يريد بعمله جزاءً ولا شكوراًً، وإنما يريد الجزاء الأوفى عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان مسلمة كلما تذكر صاحب النقب بدأ يدعو ويبكي؛ لأنه عرف أن في المسلمين أناساً لا هم لهم إلا العمل لخدمة هذا الدين ولخدمة هذه الأمة بصمت، فيحمل أحدهم همّ هذا الدين بصمت مستشعراً مسئولية حمل هذا الدين على عاتقه، لكنه يعمل بصمت، وهذا هو المطلوب منا، وهي العبرة التي ينبغي أن نستقيها ونحن نعمل لهذا الدين، ونجتهد في أن نقدم له وندعو إليه ساعين إلى نكثر سواد الأمة؛ لأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، فالنصر لا يمكن أن يأتي إلا بقاعدة قوية صلبه تستطيع أن تطيح بالباطل وتقضي عليه وتحل محله.

    1.   

    الخاتمة السيئة

    الرابعة: انطلق ثلاثة من الشباب في سيارة فارهة متجهين من الرياض إلى المنطقة الغربية، وكانت الموسيقى الصاخبة تصدع بكل جنون وحماقة، وكان هؤلاء الشباب يصفقون معها جذلين مستبشرين مع المغني الغربي الذي يزعق ويصرخ، وفجأة وفي لحظة من اللحظات انقلبت السيارة مرة وأخرى وثالثة ورابعة ثم توقفت وإذا الناس يتقاطرون عليها جماعات ووحداناً؛ ليروا من فيها، فإذا بقائد السيارة قد أصيب بإصابة قاتلة، وأما من معه من أصدقاء في السيارة فكانت إصاباتهم أقل منه، وكانت هذه الحادثة قريبة من منطقة حلبان بين الرياض والطائف، فقدمت سيارة الإسعاف مسرعة ثم حملت المصابين، فجعلت المصاب الأول -قائد السيارة- هو المسجى في نعش الإسعاف وصاحبيه بجانبه عن يمينه وعن يساره، ومع هؤلاء ركب أحد الجند الصالحين الطيبين، فعادت سيارة الإسعاف مسرعة إلى مستشفى القويعية، وقبل أن تصل كان ذلكم المسجى في وسط السيارة يتنفس بصعوبة وكلفة بالغتين، وكانت الدماء تغطي وجهه وعينيه وأنفه وفمه، فعرف هذا الجندي أن هذا المريض أو هذا المسجى يلفظ أنفاسه الأخيرة فأراد أن يلقنه الشهادة؛ لأنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، فقال له: يا فلان! -عرف اسمه من صاحبيه- قل: لا إله إلا الله، يا فلان! قل: لا إله إلا الله يرددها مرات ومرات، ففتح هذا الشاب عينين ذابلتين مليئتين بالدموع والدم، ورفع رأسه إلى هذا الذي يناديه: يا فلان: قل لا إله إلا الله، ثم قال بصوت خافت: إنني في سقر، ثم أغمض عينيه وسقط رأسه ولفظ روحه، طأطأ الضابط رأسه ثم انتبه فجأة ونظر إلى أحد الأصحاب وقال له: هل كان صاحبكم يصلي؟ قال: لا والله ما كنا نعرف الصلاة قط، لم نذهب إلى مسجد قط، عند ذلك سمع الضابط الكون يردد قول الله سبحانه وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:38-43].

    أسباب حسن الخاتمة

    فهذه الحادثة المؤلمة، وهذا الموقف الرهيب الواقعي الذي يتكرر يعطي المتأمل دلالات، منها: أن الإنسان في هذه الدنيا لا محالة واقع في أحد طريقين: إما سوء الخاتمة، وإما حسن الخاتمة، فمن كانت خاتمته حسنة فإنه سيراها قبل أن يلفظ نفسه الأخير، وإن كانت خاتمته سيئة فسيراها كذلك قبل أن يلفظ النفس الأخير.

    ولعل سائل يسأل ويقول: أنا أتمنى وأرجو وأطلب أن أكون ذا خاتمة حسنة، فهل هناك أسباب أو وسائل إن تمسكت بها منّ الله علي بالخاتمة الحسنة؟

    والجواب: نعم، هناك أسباب ووسائل إن تمسك المرء بها كانت خاتمته حسنة إن شاء الله، وسأعرضها بإيجاز:

    أما السبب الأول من هذه الأسباب: فهو أن تتذكر الموت باستمرار وما بعد الموت وما يحصل في القبر، وليكن في مخيلتك.

    أيها الحبيب! هذا الموت الذي لا يفرق بين غني ولا فقير، ولا بين صعلوك وملك، فشأن الموت أنه يأتيك كما أتى غيرك، وسينقلك من دار إلى دار، فإنك إذا فكرت في ذلك فإن الدنيا ستهون عليك، وبالتالي ستبدأ بالتفكير بما هو أهم وهي أمور الآخرة.

    أما السبب الثاني: أن تحرص على أن تشارك بقدر ما تستطيع في تشييع الجنائز، وفي تغسيل الموتى، وفي زيارة المقابر، فهذه تذكرك باستمرار بالآخرة، بل ولعلك ترى مشهداً أو منظراً أو موقفاً وأنت تغسل ميتاً يعطيك صورة تنطبع في قلبك لا تزول أبداً إما حسن خاتمة أو سوء خاتمة.

    أما الثالث: فالابتعاد عن مقسيات القلوب، فنحن اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله نعيش بقلوب كالحجارة بل أشد قسوة، والذي جعلها قاسية يتمثل في جملة أسباب من أبرزها وأشهرها: وسائل الإعلام، نحن وللأسف الشديد نعكف على وسائل الإعلام فتقسو قلوبنا، ثم نشتكي للآخرين ونقول: نحن ذوو قلوب قاسيه. نسمع القارئ يقرأ في صلاة التراويح أو في صلاة القيام قول الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:36-37].

    و(هم يصطرخون فيها) أي: يصرخون ويصيحون بأعلى صوت، فلا تتأثر! كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إلى والي من ولاته موعظة فقال له: تذكر صراخ أهل النار في النار مع خلود للأبد. فما كان من هذا الوالي إلا أن أغلق الكتاب ثم ركب ناقته وقدم على عمر وقال: والله يا أمير المؤمنين لقد خلعت فؤادي بخطابك هذا، والله لا عملت لك عملاً، ثم اتجه إلى عبادة ربه.

    لقد أخاف هذا المشهد الوالي وعظم في صدره وأصبح يتخيل دائماً صراخ أهل النار في النار مع خلود للأبد، وأما نحن فنسمع الآيات التي تصف هؤلاء في النار ومع ذلك لا نلقي لها بالاً.

    ومن تلك الآيات: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77]، فهم يتمنون الموت فلا يجدوه، فهذا مشهد ينخلع له القلب الحي، أما نحن فنسمع ذلك فلا تتحرك الأفئدة؛ لأنها قاسية، فأسباب القسوة كثيرة ومن أبرزها:

    وسائل الإعلام التي ينبغي على كل أن يحذرها ويتنبه لخطرها ويقي نفسه وأبناءه ونساءه من شر هذه الوسائل المدمرة التي تقضي على كل دين، وعلى كل حياء، وعلى كل خلق موجود في ذواتنا وفي ذوات أبناءنا أو من نعول.

    أما السبب الآخر من أسباب الخاتمة الحسنة: فهو الارتباط بالصالحين، فنصيحتي للآباء أن دعوا أبناءكم يرتبطون بالصالحين، وأنتم كذلك ارتبطوا بالصالحين، فإن الذين يرتبطون بالصالحين سيكونون معهم في الدنيا باستمرار وسيحشرون معهم في الآخرة.

    أما السبب الآخر: فهو الكسب الحلال فلا بد على كل منا أن يحرص كل الحرص أن يكون كسبه حلالاً؛ لأن المطعم الخبيث إذا نما الجسد منه فإن الإنسان إذا رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب! أحسن خاتمتي، يا رب! توفني مسلماً، يا رب! اجعلني مع الصالحين، فإن الدعاء سيرد عليه ولا يستجاب له؛ لأن مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك! ولكن نجد البعض منا لا يلقي لهذا بالاً، فيضع أمواله في البنوك الربويه، ويساهم في دعمها ونموها، فإذا بها تفتح الفرع تلو الفرع، وما ذاك إلا لأننا وضعنا أموالنا لديهم، فهم يتاجرون فيها ويستغلونها، لكننا لو امتنعنا جميعاً عن أن نشارك في هذا الفرع الذي يوجد في حينه فإن هذا الفرع سيغلق أبوابه، ويجر أذيال الخيبة متجهاً إلى منطقة أخرى.

    1.   

    قبسة من زمن العز

    معلوم أن هارون الرشيد رحمه الله تعالى من الملوك الذين كثر الكلام السيئ عنهم من قبل أعداء الدين، فكان الناس يعرفون عن هارون الرشيد أنه صاحب لهو وغناء وخمر وغير ذلك، لكن لو اطلعت فعلاً على سيرة هذا الرجل لرأيت في الليلة الواحدة مائة ركعة، ولرأيت أنه يحج عاماً ويغزو عاماً، فقد كان رجلاً مجاهداً صاحب خلق ودين، ولكن الذين دمر عليهم بلادهم وأفسدها عليهم من المشركين أو النصارى أو الشيعة أو المجوس ألفوا فيه المؤلفات المضادة له.

    ومن مواقف هذا الرجل أنه ذات مرة جاءه خطاب طويل كثير الحروف والكلمات من ملك الروم يشتم ويسب فيه الخليفة هارون الرشيد ، كما يسب المسلمين ويضحك عليهم في خطابه هذا، وأخذ يهدد في خطابه قائلاً: سأدمركم.. سأقضي عليكم.. سأكون جيشاً هائلاً قوياً يكتسح بلاد المسلمين فلا يرده أو يقف أمام وجهه أحد حتى يصل إلى الكعبة فيقضي عليها ويدمها، فلما وصل هذا الخطاب إلى هارون الرشيد قرئ عليه، فالتفت إلى كاتبه وقال: اكتب خلف الخطاب -فهو لا يريد أن يرسل له خطابه في ورقة جديدة استحقاراً له وإهانة له!- من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، إن الجواب ما ترى لا ما تسمع، والسلام على من اتبع الهدى.

    فكان الخطاب ثلاث كلمات، ثم نادى في الناس: الغزو الغزو الجهاد الجهاد، فاجتمع الناس زرافات ووحداناً، وما هو إلا وقت قصير فإذا بالجيش يلتئم، وإذا بالقوة تتجمع، ثم يقودها هذا البطل العظيم متجهاً إلى نقفور بذاته، ويصل إليه بعد أن يفتح البلاد تلو البلاد، والقرى تلو القرى إلى أن يصل إلى عاصمة نقفور ، فيحاصرها ويستمر في الحصار ويحلف ألا يرجع إلا برأس نقفور ، ولما شعر الروم بالخطر عرضوا عليه ما شاء من مال جزية ولكنه رفض، ثم في النهاية قام الروم بالانقلاب على نقفور وسلموا رأسه إلى هارون الرشيد قتيلاً، ثم استسلموا جميعاً إلى هارون الرشيد ودفعوا له الجزية أذلة صاغرين، فعاد رضي الله عنه ورحمه الله منتصراً قوياً إلى بلاده، قد رفع راية الإسلام عالية خفاقة على تلك البلاد، وأما نحن اليوم:

    رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم

    لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

    تصرخ امرأة في عمورية: وا معتصماه! بعد أن اعتدى عليها الروم، فيقول المعتصم : لبيك لبيك. ويتجه بجيش قوي إلى عمورية وهي بلد قوي من أحصن معاقل الروم، ثم يفتحها ويدمر الروم ويقضي على من اعتدى على هذه البلاد الإسلامية، ويخلص الأسارى المسلمين منهم، ثم يأتي إلى المرأة ويقول: هل استجبنا لك؟ قالت: نعم وجزاك الله خيراً.

    وفي هذا الزمان يصرخ المسلمون في الجزائر، وفي بورما يصرخون، وفي يوغسلافيا يصرخون، ويصرخون في إرتيريا، وفي الحبشة، وفي الفلبين، وفي أفغانستان، وفي إيران، وفي العراق، وفي سوريا في كل البلاد بلا استثناء يصرخون:

    رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم

    لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

    يعني: لامست أسماع الحكام والولاة.

    وهذا الذي نعيشه من بلاء ومن ذل ومهانة من قبل الأعداء في كل مكان هو بسببنا نحن! إذ أن الذل والهوان سببه الوقوع المستمر في الذنوب، فالله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فقد غير المسلمون العهد مع الله، أما كانوا عاهدوا الله على نصر دينه، والسير في طريقه، وترك البدع والمعاصي والآثام والخطايا؟ لكن هذا العهد انهار فكنا ممن خالف العهد ونبذ الميثاق وراء ظهره، فغير الله حالنا من حال العزة إلى حال الذلة التي نعيشها الآن.

    فبينما كنت أقرأ في كتاب يتحدث عن صلاح الدين الأيوبي ، وكان هذا الكتاب يتحدث على سيرة هذا الرجل عن قرب، إذ إن مؤلف هذا الكتاب رجل عاش مع صلاح الدين وعاشره طوال حياته، كان هذا الرجل هو القاضي الذي عينه صلاح الدين قاضياً على الجند.

    فاستوقفني في هذا الكتاب موقفان: أما الموقف الأول: فهو عبارة عن قصة موجزة، وأما الموقف الثاني فهو عبارة عن خاطرة لـبهاء الدين شداد قاضي صلاح الدين .

    يقول القاضي: كان صلاح الدين رحمه الله تعالى يحب الأطفال محبة شديدة، ويعطف عليهم، وكان له من الأبناء سبعة عشر ابناً، وبنت واحدة، وكان يحبهم محبة شديدة، وكان إذا اجتمع معهم عطف عليهم ويقرئهم القرآن بنفسه، ويحفظهم الحديث بنفسه، ويؤكلهم بيده، لكنه يرى الإفرنج الصليبيين يكتسحون بلاد العالم الإسلامي بلدة بلدة ومدينة مدينة فهل يبقى مع أبنائه في لذة ومتعة، وفي نعمة وسعادة وهو الملك الذي يملك شمال أفريقيا والسودان ومصر والجزيرة والشام وأجزاء من العراق؟ لقد كان بإمكانه أن يمكث في قصره الفاره ويرسل القوات إلى كل مكان ويتمتع مع أبنائه، لكنه قال: لا، إن لم أقد الجيوش بنفسي ضد هؤلاء فربما يترتب على ذلك هزيمة؛ لأنه عاش في وقت كثرت فيه الخيانات وكثر فيه الضعف. فبدأ يقود الجيوش تلوى الجيوش واحداً تلو الآخر مدة تسعة عشر عاماً.

    يقول بهاء الدين شداد : كان إذا دخل مدينة ورأى أطفالاً صغاراً ناداهم، ثم حن عليهم وعطف عليهم وقبلهم وبكى، فكان يبكي رحمه الله؛ لأنه يتذكر أبناءه الذين مضت عليه سنوات طوال لم يرهم، فهو في جهاد مستمر ضد الروم الذين كانوا يتوافدون على البلاد الإسلامية في مئات الآلاف، فكان لا يفكر إلا في مجابهتهم ودحرهم، ولو فكر في أبنائه لضاعت أمور الأمة، أما نحن في هذا الزمن وللأسف الشديد لا نعطي الدعوة إلى الدين ونشره إلا فضول أوقاتنا، وصلاح الدين أعطى الدعوة والعمل لنشر الإسلام ومحاربة أعداء الإسلام كل جهده ووقته، وكل قوته وطاقته فنصره الله، لذلك لا بد أن نعتبر بهذا الموقف فنعطي ديننا كل أوقاتنا لا فضولها حتى يقدر الله سبحانه وتعالى لنا النصر.

    وأما القصة فيحكيها القاضي بهاء الدين شداد فيقول: لم أر البحر في حياتي فاتجهت مع صلاح الدين إلى منطقة عسقلان، وعندما فتحناها وحررناها من الروم النصارى قررنا أن نركب البحر إلى عكا، فاتجهنا إلى سفن وركبناها ثم اتجهنا إلى عكا، يقول: فماج البحر موجاً هائلاً وبدأت تتأرجح السفن فخفت وارتعت روعة هائلة، بل وحلفت الأيمان المغلظة بالطلاق والعتاق ألا أركب البحر مرة أخرى، وفي لحظة جلوسي وتفكيري دخل علي صلاح الدين وقال: في نفسي خاطرة هل أذكرها لك؟ يستأذن من قاضيه احتراماً؛ لأنه عالم، فقال: تفضل يا أمير المؤمنين، -وكان يسميه أمير المؤمنين وهو فعلاً كان أميراً للمؤمنين-، فقال: في نفسي أنني إذا حررت بلاد الإسلام من الروم وطردتهم إلى بلادهم أن أكتب وصيتي وأودع أهلي وأودع أولادي، وأقبلهم واحداً واحداً، وأذرف الدموع الأخيرة عليهم، ثم أركب هذا البحر وأتجه إلى النصارى وأتتبعهم في جزائرهم وفي بلادهم وفي ديارهم، فأدعوهم إلى الإسلام أو أقتلهم دون ذلك حتى يمن الله علي بالنصر أو أموت دون ذلك، فيقول بهاء الدين : فكدت أن أموت.

    وإنما قال القاضي ذلك لما رأى الفرق بين الحالتين المتضادتين، فهو يتمنى ألا يركب البحر ويعقد العزم على ذلك، وصلاح الدين يفكر في أن يودع أولاده وأزواجه وأهله، ويكتب وصيته، ويتجه في البحر ليقاتل الروم في ديارهم في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وجميع دولهم.

    والناظر إلى هذه القصة يجد مدى العزم والقوة على خدمة هذا الدين، وهي القوة والعزيمة التي نفتقدها وللأسف الشديد، بل لا أكون مبالغاً إذا جزمت أنه لا يوجد فينا ولا ذرة واحدة من هذه العزيمة الهائلة الرهيبة القوية عند صلاح الدين .

    ولعل هذا الموقف تكرر من عقبة بن نافع الفهري عندما افتتح بلاد المغرب وموريتانيا، فقد دخل بفرسه في المحيط الأطلسي، وبدأ ينظر في الأفق فلا يرى إلا الماء ثم أخذ يقول: والله لو أعلم أن خلفك أرضاً -وقد كان خلفه أرض فعلاً وهي أمريكا لكنه لا يعلم- لركبتك حتى أجاهد في سبيل الله حتى أموت.

    إن النظر إلى هذه العزيمة وهذه القوة بعين العبرة لا بد أن يعطينا الدروس تلو الدروس في أن نتمرن ونتمرس ونتدرب على خدمة هذا الدين، ونجتهد في إعطاء هذا الدين جل أوقاتنا، بل كل أوقاتنا لعل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بالنصر، ولعله سبحانه أن يمن علينا بالقوة والهداية.

    1.   

    همة تستعصي على العاهات

    كان هناك شاب صغير عمره اثنا عشر عاماً يدرس في المرحلة الابتدائية في آخر سنة منها، وقد أتم تلك السنة بنجاح، ثم في العطلة الصيفية أصيب بمرض في حلقه جعله لا يستطيع أن يتكلم، فوجد نفسه غير قادر على أن يواصل الدراسة، فما كان منه إلا أن عقد العزم على أن ينفع أهله؛ لأنه ابنهم الأكبر، فوالده مريض، ووالدته كبيرة، وهو أكبر الأولاد، فكيف يحصل على قوت لهم؟

    اتجه الغلام إلى محل لتعليم الطباعة وبدأ يتعلم الطباعة، ثم توظف في إحدى الوزارات طباع على آلة طباعة، وكان يأخذ الراتب الذي يتقاضاه ويصرف على والديه وإخوته الصغار، وكان من عادته أن يجلس في مجالس الناس مع أقربائه، لكنه كان يحس بأنه شاب سلبي، فهو فعلاً يسمع ويفهم وقد رزق ذكاء لا بأس به، لكنه لا يستطيع أن يعبر وأن يشارك، فكان هذا الشاب يعيش في عزلة مع هؤلاء فكره هذه المجالس وبدأ يفكر في مجالس يطغى عليها الجانب السلبي -أي: التي يكون فيها الحديث من جانب واحد- كالدروس والمحاضرات والندوات وغيرها، فبدأ يشارك في الندوات والدروس ويواظب على سماع المحاضرات سواء من الأشرطة وغيرها، فبدأ العلم يزداد في ذهنه شيئاً فشيئاً وبدأ يعرف من الدعاة في المساجد أن هناك شيئاً اسمه الدعوة إلى الله، وأن هناك شيئاً اسمه نشر هذا الدين، وأن هناك شيئاً اسمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأراد أن يشارك وأن يبذل لكنه لم يستطع؛ لما أصابه من عاهة عدم الكلام.

    ومع ذلك لم يستسلم لهذه العاهة! بل قرر أن يخصص جزءاً من مرتبه للدعوة وكان مرتبه ألفين ومائة، فكان يعطي والده الألفين ويذهب بالمائة الباقية إلى مكتبة فيشتري بها كتيبات وأشرطة ونشرات، ثم بدأ يحملها معه ويذهب إلى الأسواق، فكلما دخل على صاحب محل وهو في الغالب إما يسمع الغناء، أو يشاهد التلفاز، أو يدخن أهدى إليه شريطاً أو كتيباً أو نشرة، ولأنه لا يستطيع أن يتكلم فقد كان يخرج كلمة هدية بكل صعوبة ثم يذهب.

    يقول الذي روى الرواية عنه يقول: التقيت به بعد مدة طويلة فقلت له: هل رأيت أثراً من آثار نشاطك الذي تعمله؟ قال: نعم، -يعبر كتابةً-، ثم قال: ذهبت إلى محل من المحلات وأعطيت صاحب المحل شريطاً من الأشرطة ثم بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر -وكان صاحب المحل أو العامل مصرياً- عدت إلى المحل بعد فدخلته وقد نسيت أنني دخلت في هذا المحل قبل ذلك، فقدمت إليه كتيباً فعندما رآني هذا العامل أخذني وضمني وقبل رأسي، ولأني لا أتذكره جيداً فقد قلت له: أنا لا أعرفك، قال: نعم أنت لا تعرفني ولكنني أعرفك، فو الله بسبب شريطك الذي أهديت إلي في المرة السابقة اهتديت أنا وأصحابي وعددنا ثمانية! فقد تنقل بيننا هذا الشريط في شقتنا التي نسكنها وكلنا تأثر به، فترتب على ذلك أننا عرفنا طريق الهداية وتركنا طريقة الغواية.

    فاهتدى ثمانية أشخاص بسبب ريالين فقط! ولا عجب فإن الإخلاص إذا كان مرتبطاً بالعمل فإن الثمرة تكون عظيمة.

    1.   

    الأسئلة

    قصة أب وأد ابنته في الجاهلية

    السؤال: أرجو أن تذكر لنا قصة البنت التي وأدها أبوها قبل الإسلام؟

    الجواب: ذكرها الإمام الطبري في تفسيره وسأذكرها بتصرف، يقول الإمام الطبري : كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً بين أصحابه وفجأة دخل عليه أعرابي وجلس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ في سرد قصته، يقول هذا الرجل: تزوجت ومكثت مع زوجتي، وكنت إذا حملت هذه الزوجة أنظر فإذا كان المولود بنتاً أخذتها مباشرة ثم حفرت حفرة وألقيتها في التراب وهي حية، ثم رجعت إلى زوجتي، وإذا كان المولود ذكراً تركته، فقد كان يصنع هذا الصنيع باعتبار أن هذا المنهج كان منهجاً يعيشه بعض الناس في الجاهلية، يقول: وفي مرة من المرات حملت زوجتي وعندما ولدت وإذا بالمولودة بنتاً فأردت أن أصنع بها صنيعي بمن سبقها، فمنعتني زوجتي وبكت بين قدمي وتوسلت إلي أن أترك لها هذه البنت، فرحمتها وعطفت عليها وتركت لها البنت، فبدأت تربيها تربية حسنة حتى شبت البنت وترعرعت وإذا هي من أحسن البنات جمالاً وخلقاً ومحبة لوالديها، فبدأ الخطّاب يقدمون عليّ من كل مكان يريدون هذه البنت لتكون زوجة لأحدهم، فأخذتني الغيرة الجاهلية، وفكرت أأعطي ابنتي لرجل غريب؟! ثم عقد العزم وقرر قراراً تعيساً وهو: أن البنت لا بد أن تقتل، فقال لزوجته: أريد أن أسافر لأزور قرابتي في القرية الفلانية وأريد أن آخذ معي ابنتنا، فخافت الأم وقالت في نفسها: لقد حان موعد الرحيل الأبدي، ثم قالت له: أخشى عليها أن تصنع بها مكروهاً، فأعطاها الأيمان والعهود والمواثيق ألا يمسها بسوء وهو في قرارة نفسه كاذب، ثم اتجه مع القافلة إلى القرية المقصودة، وعندما وصل إلى طريق مهجور رأى في نهايته بئراً مهجورة، فاتجه بناقته وناقتها إلى البئر، فعرفت البنت ما يريد أبوها أن يصنع فقد كانت كبيرة وذكية، وقد سبق وأن حذرتها أمها وأخبرتها بما قد يمكن أن يصنع بها، فبدأت تبكي وتصرخ وتتمسح برداء والدها، وتقبل قدميه، وتتوسل إليه، وتطلبه الرحمة، فأخذ ينظر إليها وإلى جمالها فتأخذه الغيرة وينظر إلى البئر السوداء المظلمة فيرحمها، فأخذته الحمية الجاهلية فسحبها بشعرها بكل عنف وقسوة وألقاها على الأرض، ثم أخذ يجرها وراءه وهي تتشبث بكل صخرة وتريد النجاة لكن الرجل كان أقوى من المرأة، فسحبها إلى أن وصل إلى شفير البئر ثم نظر إليها النظرة الأخيرة وهي تتوسل إليه، ثم ألقاها في البئر فهوت فيه وهي تصرخ ولكن هيهات، وبعد الارتطام القوي أخذ صوتها المصحوب بالأنين والبكاء يخفت شيئاً فشيئاً حتى انقطع، ثم قفل الرجل عائداً إلى قريته.

    وعندما وصل هذا الحد رفع رأسه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا عيناه -بأبي هو وأمي- تذرفان، وإذا الصحابة يبكون؛ فقد كان الموقف عنيفاً، ويمثل جريمة بشعة لا يمكن أن يتصورها إنسان، فقال المصطفى عليه السلام: (والله لو كنت معاقباً أحداً على عمل عمله في الجاهلية لعاقبتك، ولكن الإسلام يجب ما قبله) .

    هذا الموقف يعطينا مدى ازدراء المرأة في الجاهلية من قبل هؤلاء، فقد كانت المرأة محتقرة مهانة لا قيمة لها، وكما أن جاهلية الماضي كانت تعيش هذا المنهج فإن جاهلية القرن العشرين تعيش هذا المنهج، إذ المرأة لا قيمة لها مهانة مستذلة فليست سوى لعبة يلعب بها اللاعبون، ويستمتع بها الساقطون، فإذا كبرت نبذت، وأما الإسلام فقد أعزها واحترمها وجعلها في منزلة الرجل لها ما للرجل وعليها ما عليه، وليس ذلك إلا في الإسلام.

    حكم صداقة اليهود أو النصارى

    السؤال: هل يأثم المسلم عندما يصادق اليهودي أو النصراني؟

    الجواب: إن كانت مصادقته لهذا اليهودي والنصراني بقصد دعوته إلى الإسلام فهذا مطلوب، وأما إن كان يصاحبه إخوة وغير ذلك فلا يجوز له أن تخذه ولياً، ولا يجوز له أن يتخذه صديقاً، ولا يجوز له أن يتخذه قريناً، فإن هذا قد نهى عنه الشرع في آيات كثيرة وفي نصوص متعددة.

    طريق الاستقامة

    السؤال: أنا أريد الاستقامة فما الطريق الذي يوصلني إليها؟

    الجواب: طريق الاستقامة طريق واضح بين ليس فيه عوج، لكن الشيطان يأتي إلى الشاب في أول الأمر يريد أن يهول عليه هذا الطريق، فيصوره في ذهنه صعباً مستحيلاً، وإلا فإن هذا الطريق لو سار فيه فوالله ثم والله لن يتخلى عنه؛ لأنه طريق كله لذة وسعادة، كله متعة وطمأنينة، فهو السعادة التي يصبو إليها كل البشر ويبحثون عنها.

    إن هذا الطريق هو الذي قال فيه إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: نحن في لذة لو علم بها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف، ولا عجب إنها لذة الإيمان والهداية، إن أبناء الملوك يعيشون في فراغ قاتل، نعم هم يمتلكون الأموال والسيارات بل والطائرات لكنهم ليسوا سعداء، ولذا تجدهم يبحثون عن اللذة بأي وسيلة لكن إبراهيم وجدها فقال: لو علموا بهذه اللذة لقاتلونا عليها بالسيوف؛ ليحصلوا عليها.

    فنصيحتي لك أيها الشاب! أن تعقد العزم على أن تنتهج هذا النهج، ثم لا بد لك أن ترتبط بالشباب الصالحين، فإن كنت مرتبطاً بغير ذلك من شباب سيئين أو غيرهم فاقطع العلاقة معهم مباشرة، ثم بعد ذلك إن كنت مرتبطاً بوسائل التربية الفاسدة من إعلام وغيره فاقطع علاقتك بها قطعاً كلياً، ثم بعد ذلك ارتبط بأحد الشباب الصالحين ليدلك على الخير وأهل الخير وأهل الصلاح وستسلك الطريق الحق إن شاء الله، وستستمر عليه.

    من خطط الرافضة لتكوين دولتهم العظمى

    السؤال: الرجاء إعطاؤنا نبذة عن آخر أخبار الرافضة.

    الجواب: لعلكم تعرفون أن في كتبهم: أن من قتل سنياً دخل الجنة، ولا يجد القارئ في أي كتاب من كتبهم شيئاً حول اليهود أو النصارى أو المجوس، وإنما يجدها طافحة بالعبارات المعادية لأهل السنة، فهم أعداؤهم، لذلك يحقدون عليهم حقداً عجيباً، فهاهم الآن يخططون لتكوين دولتهم العظمى، ولكي لا نطيل نكتفي بذكر مخطط واحد فقط من أعمالهم، فبينما أعطت دول العالم العربي البالغة إحدى وعشرين دولة دولة نيجيريا -وهي دولة فقيرة وعدد سكانها أكثر من (130) مليون- 75 منحة دراسية موزعة في جامعات العالم العربي، فقد أعطت إيران نيجيريا في عام 1408هـ فقط 3000 منحة دراسية، بمعنى أن 3000 نيجيري في سنة واحدة سيدرسون في جامعات طهران وقم وشيراز وتبريز وغيرها، وسيعودون إلى نيجيريا دعاة للتشيع، والأطم من ذلك أن من الـ(75) منحة 50 في علوم تطبيقية، أي: كيمياء وفيزياء وأحياء، وحوالي 23 منحة كما عرف هي العلوم الشرعية، أي أن 23 طالباً فقط سيعودون دعاة إلى الإسلام إن كانوا صالحين كلهم، وأما الشيعة فهم (3000) في جامعات شرعية شيعية في إيران.

    ومن هنا ندرك أن إيران تسعى الآن إلى ما يسمى بتصدير الثورة الفكرية عن طريق نشر المنهج الباطل الرافضي في جميع أنحاء العالم، ولذلك تجدهم يتحركون في كل مكان، فلو ذهبت إلى سفارة من سفاراتهم في أوربا: إلى لندن مثلاً أو إلى بلجيكا وإلى سفارة من سفارات العالم الإسلامي كدول الخليج مثلاً تجد أن سفارات العالم الإسلامي تعطيك كتيبات ورسائل وصور عن الحضارة والتقدم والشوارع والعمارات الموجودة في البلد الخليجي الفلاني وغير ذلك، وأما السفارة الإيرانية فإنها تعطيك كماً هائلاً من الكتب والأشرطة والرسائل والمنشورات في الدعوة إلى التشيع، وهذا يدلك على مدى نشاط هؤلاء وحرصهم على الدعوة إلى مذهبهم الخبيث، ولذلك نراهم الآن ينتشرون في كل أصقاع الأرض، ويحاولون أن يفسدوا الجهاد في أفغانستان عن طريق دعم المجاهدين الشيعة للانفصال بجزء من أفغانستان لتكوين دولة شيعية هناك، وكذا في جنوب العراق، وكذا في سوريا فإن الذي يتحكم فيهم هم النصيريون وهم فرع من فروعهم، وفي لبنان حزب الله ومنظمة أمل والدروز وكلهم ينتسبون إلى المنهج الشيعي، وفي المدينة النخاولة، وفي نجران المكارمة، في القطيف الإمامية البحارنة، وإن ذهبت إلى الكويت والإمارات وقطر والدول الأخرى فكذلك، وإذا ذهبت إلى مصر والسودان فكل هذه الدول تجد أن للشيعة فيها نشاطاً مستمراً، وهم لا يخططون ليصلوا إلى أهدافهم في سنتين أو في خمس سنوات، بل قد يكون التخطيط على مدار عشرين سنة أو ثلاثين سنة، وبالتالي يسعون له خطوة خطوة وسيصلون إن لم ننتبه إلى هذا المخطط.

    التعاون في دعوة العصاة والحذر من الانحراف معهم

    السؤال: يقول: أنا رجل مستقيم بإذن الله، وفي العمل تعرفت على أصحاب كثيرين، وهم يأتون إلى منزلي وأعرف أنهم مقصرون في الصلاة ولكنني أجالسهم وأناصحهم وأطمع إن شاء الله أن يهديهم الله وأن يستقيموا، فهل علي شيء في مجالستهم؟

    الجواب: هذا الرجل إن كان هدفه من مجالسة هؤلاء أن يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يحرص على أن يغير حياتهم من الأسوء إلى الأحسن فهذا منهج من مناهج الدعوة، ولكن ينبغي الحذر ففي القضية نوع من الحساسية، فقد يأتيك الشيطان ويقول: إنك تدعوهم، ثم تستمر معهم في لهوهم ولعبهم وتقصيرهم بحجة أنك لا تريد أن تنفرهم وفي نهاية المطاف قد تنحدر معهم.

    فنصيحتي لمثل هؤلاء إذا كان نجاحك مع هؤلاء صعباً فلِمَ لا تحاول أن تستعين بعد الله سبحانه وتعالى بآخرين، فتدعو أحد المشايخ والعلماء أو أحد طلبة العلم كإمام المسجد مثلاً، أو شباب آخرين في الحارة ليجلسوا معهم، أو تزورهم أنت بنفسك في بيوتهم كل على حدة، فلا يشترط أن يجتمعوا لكي تناصحهم، بل إن مناصحتهم على انفراد قد تكون أنفع بإذن الله سبحانه وتعالى، ولعل الله أن يهدي أحداً منهم فينضم إليك، وكلما كثر عدد الصالحين في هذا المجتمع الذي أنت فيه كان تأثيرهم أقوى.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756249326