كثير من المسلمين يقبلون على العبادة في رمضان، فإذا ولى رمضان تولوا عن العبادة، وكأن رب رمضان غير رب شوال!!
والعبادة هي الغاية من الخلق، فيجب على المسلم أن يلزمها حتى يلقى ربه.
-
انتهى رمضان وبقي الرحيم الرحمن
-
لا تفارق العبادة حتى تلقى الله
-
أليس الله أهلاً لأن يعبد؟
أليس الله أهلاً لأن يعبد؟! أليس الله أهلاً لأن يوحد؟! أليس الله أهلاً لأن يمجد؟! أليس الله أهلاً لأن يطاع؟! أليس الله أهلاً لأن نستحيي منه؟! أليس الله أهلاً لأن نراقبه؟! أليس الله أهلاً لأن نمتثل أمره .. ونجتنب نهيه .. ونقف عند حدوده على الدوام حتى نلقاه؟! هذا هو عنصرنا الرابع: أليس الله أهلاً لأن يعبد؟
أيها الجاحد بعبادة الله! أيها المنحرف عن أوامر الله! أيها البعيد عن طاعة الله! هل أحسن إليك بشر من الخلق وأنكرت إحسانه؟ بل تظل تعترف له طوال حياتك بالإحسان، فمن الذي أحسن إليك وأنت في العدم؟! ومن الذي أحسن إليك الآن؟! ومن الذي سيحسن إليك في الآخرة؟! من صاحب الإحسان؟! من صاحب النعم؟! من صاحب الفضل؟! من صاحب الكرم؟! من صاحب الجود؟! من الذي خلقنا من العدم وصورنا في أحسن صورة؟! من الذي أنزل علينا القرآن؟! من الذي بعث لنا محمداً عليه الصلاة والسلام؟! من الذي خلقنا موحدين وجعلنا من أمة سيد المرسلين؟! من الذي خلق لنا الكون وأمده بهذه النعم التي لا تعد ولا تحصى؟! من الذي خلقك في أحسن صورة؟! نظرك في نفسك يكفيك دليلاً على أن الذي يستحق أن يعبد على الدوام هو الله، ونظرك في الكون من حولك يكفيك دليلاً على أن الذي يستحق العبادة على الدوام هو الله، فالله أهل لأن يعبد، الله أهل لأن يوحد لذاته جل جلاله (
إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فوالله ما قدرنا الله حق قدره، والله ما قدرنا الله حق قدره، والله ما قدرنا الله حق قدره.
جاء حبر من أحبار اليهود للمصطفى -والحديث في صحيح
مسلم- فقال: (
يا محمد! إنا نجد مكتوباً عندنا في التوراة: أن الله تعالى يجعل السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والشجر على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم قوله جل وعلا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67]).
لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك
الكون مشحون بآيات إذا حاولت تفسيراً لها أعياك
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداك
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاك
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواك
بل سائل الأعمى خطا وسط الزحام بلا اصطدام من يقود خطاك
قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا ء لدى الولادة ما الذي أبكاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاك
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاك
بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث من ذا الذي صفاك
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نخل شق نواك
وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار من أوراك
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساك
وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فاسأله من أسراك
لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك
الكون مشحون بآيات إذا حاولت تفسيراً لها أعياك
من الذي يستحق أن يعبد؟! الله اسم لصاحبه كل كمال، الله اسم لصاحبه كل جمال، الله اسم لصاحبه كل جمال، الله هو الاسم الذي تستجاب به الدعوات، الله هو الاسم الذي تستنزل به الرحمات، الله هو الاسم الذي تقال به العثرات، الله هو الاسم الذي من أجله قامت الأرض والسماوات، الله هو الاسم الذي من أجله. أنزل الكتب وأرسل الرسل. الله اسم ما ذكر في قليل إلا كثره، الله اسم ما ذكر عند خوف إلا أمنه، الله اسم ما ذكر عند كرب إلا كشفه، وما ذكر عند بطش إلا أزاله.
الله هو الذي يستحق أن يعبد وحده، وأن يمتثل لشرعه وحده، وأن يسمع له وحده، وأن يطاع وحده، وأن يراقب وحده، وأن يتوكل عليه وحده، وأن يحلف به وحده، وأن يستغاث به وحده، وأن يلجأ إليه وحده، وأن يفوض إليه وحده، وأن يسأل وحده، أئله مع الله؟! أئله مع الله؟! أئله مع الله؟!
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:44]، فالذي يستحق أن يعبد وحده هو الله جل جلاله، لا في رمضان فقط، بل على الدوام حتى نلقاه.
أسأل الله أن يختم لنا ولكم برضاه، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الأحبة الكرام! لا بد أن نعلم أن المنهج التعبدي من صيام وقرآن وصلاة وذكر وإنفاق وقيام لليل؛ إنما هو للوصول إلى هذا المنهج العقدي الإيماني.
فالعبادة -أيها الأحبة- غاية من أجلها خلق الله الخلق:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، الهدف من هذه الغاية وهذا المنهج من صلاة وصيام وزكاة وحج؛ أن يرتقي المؤمن بهذا المنهج التعبدي إلى المنهج العقدي الإيماني، فنحن لا نريد أن نتعبد بعيداً عن هذا المنهج الإيماني العقدي؛ لأننا نريد للأمة الآن أن ترتقي بعبادتها هذه إلى المرتبة التي تكون بها أهلاً لنصر الله، فكم من مصل يصلي، وكم من صائم يصوم، وكم من قارئ للقرآن يتلو، وكم من قائم لليل يقوم، لكن لماذا منع الله النصرة عن الأمة؟! لماذا منع الله العزة عن الأمة؟! لماذا لم يمكن الله للأمة في الأرض ولم يستخلفها إلى الآن، مع أننا نرى المصلين والقارئين والمنفقين؟!
أقول: أريد أن نرتقي بهذا المنهج التعبدي إلى المنهج العقدي الإيماني الذي نحقق به حقيقة الإيمان لنكون أهلاً للنصرة والعزة والاستخلاف والتمكين، قال الله:
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، ولم يقل: نصر المصلين، ولا المتصدقين، فلا بد أن تورثك الصلاة حقيقة الإيمان، لا بد أن يرفعك هذا المنهج التعبدي إلى الإيمان الحق.
فلنرب أنفسنا وأولادنا وبناتنا ونساءنا على هذا المنهج، التعبد من أجل أن نحقق الإيمان: نصوم، ونصلي، ونقرأ القرآن، ونقوم الليل.. إلى آخر أفراد المنهج التعبدي لنحقق الإيمان، لنكون أهلاً لنصرة الرحمن، لنكون أهلاً للعزة والاستخلاف والتمكين.
أيها المصلي! لا تخرج من المسجد لتضع المنهج التعبدي الذي كنت عليه في بيت الله على عتبة بيت الله، فتكون في العمل والتجارة إنساناً آخر يختلف اختلافاً كلياً عما كنت عليه في المسجد، هذا هو حال كثير من المسلمين الآن، يصلي، ويصوم، ويخرج لأداء العمرة في رمضان، ولربما يسافر للحج، ولكنه قد أغلق الجانب التعبدي على نفسه، فإذا انطلق إلى الحياة الفسيحة الواسعة الرحبة يتفلت من أوامر هذا المنهج التعبدي الذي ألزم به نفسه داخل بيوت الله تبارك وتعالى: فترى امرأته متبرجة، وترى بناته متبرجات، وتراه يتعامل بالربا، وتراه يأكل الحرام، وتراه يسيء إلى الوالدين، وتراه يسيء إلى مرءوسيه أو إلى موظفيه، وتراه يؤذي جيرانه، وتراه يتورع عن أكل الحلال الطيب وهو صائم ولا يتورع عن أكل لحوم إخوانه وأخواته في الليل والنهار.
لا يمكّن الله عز وجل لنا ونحن على هذه الحال أبداً، بل لا بد أن نعلم أن هذا المنهج التعبدي بأفراده وجزئياته هو لنحقق الإيمان الحق، فرب ولدك، ورب امرأتك، ورب نفسك بهذا المنهج التعبدي؛ لتصل إلى حقيقة الإيمان، لتحقق الإيمان، فالإيمان ليس كلمة تقال باللسان فحسب، ولكنه: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان.
ووالله لن نحقق نصرة أو عزة أو استخلافاً أو تمكيناً إلا إن حققنا الإيمان؛ لأن الله وعد بكل ذلك لمن حققوا الإيمان:
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] ،
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] ،
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].
هذا المنهج لا يجوز لك البتة أن تتخلى عنه حتى تلقى الله: الصلاة في جماعة .. الورد اليومي.. القرآن .. قيام الليل .. قيام الليل هو المدرسة التي أغلقتها الأمة فذلت، وخرجت منها الأمة فهانت.
أقول: كم من المسلمين يتركون قيام الليل، أقول هذا وأنا أعي تمام الوعي أن كثيراً من المسلمين الآن لا يصلون الفجر، أسقطوا فريضة من فرائض الله مع الإصرار، يضبط المسلم ساعة الوقت على وقت العمل ويسقط صلاة الفجر! النبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في سنن
الترمذي بسند صحيح من حديث
بريدة -: (
من ترك صلاة واحدة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله)، مع سبق الإصرار والترصد يسقط صلاة الفجر.
حافظ على الصلاة في جماعة .. قراءة القرآن .. قيام الليل .. تجديد التوبة .. المحافظة على الأذكار .. المحافظة على الأوراد اليومية .. المداومة على الذكر والاستغفار .. الحرص على البذل والإنفاق .. التذكير للنفس الأمارة بالسوء دوماً على أنك عبد لله كما كنت تذكرها وأنت صائم: اللهم إني صائم، اللهم إني صائم، فلتذكرها الآن: اللهم إني عبد لله، اللهم إني عبد لك فأعني، اللهم إني عبد لك فأعني، فكن دوماً على طاعة، وإن زلت قدمك لبشريتك فما عليك إلا أن تجذب ثيابك من بين أشواك المعاصي والذنوب، وأن تطهرها بدموع الأوبة والتوبة والندم، وأنت على يقين مطلق أن الله جل وعلا سيفرح بتوبتك وهو الغني عنك.
هذا هو حال المؤمن دوماً حتى يلقى الله سبحانه وتعالى وهو ممتثل لأمره:
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً.
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى.
اللهم إني أسألك ألا تخرجنا اليوم من هذا المكان جميعاً إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور، برحمتك يا عزيز يا غفور.
اللهم تقبل منا صالح الأعمال، واغفر لنا ذنوبنا، واستر علينا عيوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم إنا نسألك جميعاً أن تذيقنا جميعاً برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم كما آمنا بالمصطفى ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، وأوردنا حوضه الأصفى، واسقنا منه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً يا أرحم الراحمين.
اللهم إني أسألك أن تنصر الإسلام وتعز المسلمين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وفي الشيشان، وفي الفلبين، وفي كشمير، وفي كل مكان.
اللهم إني أسألك أن تجعل مصر واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم، ثم أعوذ به أن أذكركم به وأنساه.
ولا أنسى أن أذكر أحبابي وإخواني بإخراج الحق الذي عليهم لله تبارك وتعالى لهذا المسجد الطيب المبارك؛ وذلك للدعوة، ولطبع بعض الكتيبات الهادفة النافعة إن شاء الله عز وجل.
نسأل الله أن يجعل المال في أيدينا لا في قلوبنا، إنه ولي ذلك ومولاه، وأقم الصلاة.