إسلام ويب

شرح أصول اعتقاد أهل السنة - من أفتى فيمن قال القرآن مخلوقللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الكلام صفة من صفات الله تعالى، والقرآن كلام الله غير مخلوق، والله يتكلم كيفما شاء ومتى شاء، ومن قال غير هذا فقد ضل سواء السبيل، وخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وقد حكم عليه أئمة الإسلام بأحكام غليظة هي لازم تكفيرهم له، فقالوا في معتقد ذلك أنه لا يرث ولا يورث، وماله فيء للمسلمين إن مات، وامرأته تبين منه بينونة كبرى، ولا ينكح، ولا يصلى خلفه، ولا يعاد إذ مرض ولا تشهد جنازته، وما ذاك إلا لعظيم فريته، وخطر ما قال به من فساد معتقده.

    1.   

    سياق ما روي عمن أفتى فيمن قال القرآن مخلوق

    إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    فلا يزال الكلام موصولاً عن كتاب الله عز وجل المتمثل في صفة الكلام، وهو: أن القرآن العظيم كلام الله تعالى غير مخلوق، وقد فرغنا من تصحيح الاعتقاد في أن كلام الله عز وجل هو صفة من صفاته سبحانه، وأن من قال: إن كلام الله تعالى مخلوق فلاشك أنه قد حاد عن جادة الصواب، وانحرف عن عقيدة النبوة.

    وهذا الباب الذي نحن بصدده انعقد في إفتاء من أفتى فيمن قال بأن القرآن مخلوق، أي: في حكم من قال: إن القرآن مخلوق.

    اضطراب مالك في إصدار الحكم على من قال القرآن مخلوق

    لقد اضطرب الإمام مالك عليه رحمة الله في إصدار الحكم على من قال: بأن القرآن مخلوق، فقال تارة: اقتلوه، وفي مرة أخرى سئل فقال: سلوه واستتيبوه، فإن تاب وإلا فاضربوا عنقه.

    فهل يقتل دون أن يسأل ويستتاب، أو لابد من استتابته ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل؟

    قال مالك في مرة ثالثة: ربما كان مخطئاً. فمن قال: إن القرآن مخلوق إما أن يكون مخطئاً، أو متأولاً، أو معاند.

    فاضطرب مالك عليه رحمة الله في إطلاق هذه الأحكام، وأما غيره فقد ورد عنه الاستتابة مرة واحدة، وغيرهم ورد عنه القتل مباشرة.

    الجمع بين ما ورد عن سلفنا في حكم من قال القرآن مخلوق

    وبعد قراءة ما ورد عن سلفنا فيما يتعلق بحكم من قال: بأن القرآن مخلوق؛ خرجنا بنتيجة تأليفاً لأقوالهم، وعدم تضاربها: بأن من قال: القرآن مخلوق وهو جاهل لا يعلم ذلك فإنه يعلم ولا يستتاب؛ لأنه جاهل، فبمجرد أن يتعلم فإنه يترك هذا الخطأ الذي كان عليه، وينحاز إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وإنما سمع الناس يقولون: مخلوق، فقال: مخلوق، وهو لا يدري ما معنى هذه الكلمة ولا ما خطورتها، وأما من قال ذلك متأولاً -والتأويل في هذه القضية غير سائغ ولا معتبر- فإنه لابد أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.

    وأما من قال ذلك عناداً وجحوداً وهو يعلم خطورة الأمر فإنه يقتل دون أن يستتاب، ولو أنك تصفحت كلام أهل العلم لخرجت بهذه النتيجة؛ ولذلك سئل أحمد بن حنبل رضي الله عنه ورحمه عمن قال: القرآن مخلوق ما هو؟ قال: كفر، وقائله إما مخطئ فيعلم، وإما عالم فيقتل.

    وأرجو أن ينسحب الكلام الذي قلناه في هذه الصفة على صفات الله عز وجل كلها، فهذا كلام ذكرناه على صفة الكلام لله عز وجل؛ لأن المناسبة استدعت ذلك، وأن الفتنة قامت فيما يتعلق بهذه الصفة، فوضع كل أصولاً؛ ليمشي عليها بقية جماعته وفرقته؛ فوضع أهل السنة في مقابل أصول أهل البدعة أصولاً؛ لتجري هذه الأصول على بقية الصفات، فإذا كانت صفة الكلام غير مخلوقة لله عز وجل فكذلك بقية صفاته غير مخلوقة، ولا يجوز أبداً أن نقول عن أي صفة: إنها مخلوقة، فإن صفات الله تبارك وتعالى منه وإليه، ولا يجوز أبداً أن تقول: إن الله كان بغير صفات ثم اتصف بهذه الصفات، أو كان بغير أسماء ثم تسمى بهذه الأسماء؛ لأنه يلزمك -والحالة هذه- أن تقول: إن الذات العلية كانت مجردة عن الأسماء والصفات، ثم أحدثها الله تبارك وتعالى لنفسه.

    وقولك: (ثم أحدثها) يعني: ثم خلقها، وهذا بلا شك كفر؛ لأن فيه نسبة النقص إلى المولى عز وجل، وأنه كان مجرداً ثم اتصف، وكان مجرداً ثم تسمى، وكأنه كان عاجزاً من أول الأمر أن يتسمى أو يتصف، ثم لما علم سبحانه أن هذا نقص وعيب أراد أن يتمه وأن يكمله؛ فسمى نفسه بأسماء، ووصف نفسه بصفات.

    فمن جاء عنه ذلك مالك عليه رحمة الله، ومن الخلفاء: أبو جعفر المنصور ، وأما من الفقهاء فكثير جداً لا يكاد العد يحصرهم.

    قالوا لـمالك : ما تقول فيمن قال: القرآن مخلوق؟ قال: اقتلوه؛ كافر، فقال السائل: يا أبا عبد الله! إني لم أقله، إنما قلت لك: قال إنسان، قال مالك : إنما سمعته منك.

    يعني أن مالكاً أمر الناس أن يقتلوا الذي سأله، فلم يقل مالك : اقتلوا القائل، وإنما قال: اقتلوا السائل.

    فقال السائل: أنا أقول لك: إن شخصاً يقول كذا، وأنا لم أقل ذلك، فقال: أنا ما سمعته منه، وإنما سمعت هذا منك.

    وهذا يدل على حساسية الأمر لدى السلف، وأنهم ما كانوا يحبون أن ينتشر هذا الكلام ولو على سبيل السؤال؛ لأنه باب عظيم من أبواب نشر الفاحشة بين الناس.

    والفاحشة إن كانت عند إطلاقها تعني: الزنا وتغير الذنوب، إلا أن أعظم من ذلك وأشر هو الكلام في أسماء الله وصفاته بغير علم.

    وقال سفيان بن عيينة : قال يحيى بن السراج : كنا عند ابن عيينة فتشوش الناس -يعني: أحدثوا أصواتاً متداخلة ومختلطة- فقال ابن عيينة : ما هذا؟ قالوا: قدم بشر المريسي ، قال: وما يقول هذا؟ قالوا: يقول: القرآن مخلوق، قال: آتوني بشاهدين حتى آمر الوالي بضرب عنقه.

    أي: شهد عندي اثنان أو ثلاثة أنه يقول هذا أمرت الوالي أن يضرب عنقه.

    وعن حفص بن عمر قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما كنت أعرض أحداً من أهل الأهواء على السيف إلا الجهمية.

    قال الربالي : هم والله كفار.

    وقال ابن مهدي : لوددت أن أقوم على رأس الجسر فلا يمر أحد إلا سألته، فإن قال: القرآن مخلوق؛ ضربت عنقه، وألقيته في الماء.

    فهذا عبد الرحمن بن مهدي إمام عظيم جداً من أئمة السنة، وهو شيخ الإمام الشافعي، قال: من زعم أن الله عز وجل لم يكلم موسى بن عمران تكليماً فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

    وقال وكيع بن الجراح : من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن القرآن محدث -أي: حادث- ومن زعم أن القرآن محدث فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وأرى أنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

    وهكذا جاء عن عبد الله بن داود الخريبي وغيرهم.

    وسئل أبو عبيد القاسم بن سلام : ما تقول يا إمام! فيمن قال: القرآن مخلوق؟ قال: هذا رجل يعلم ويقال له: إن هذا كفر، فإن رجع وإلا ضربت عنقه.

    وهذا النص يستلزم الاستتابة، كما أن فيه عقيدة عظيمة جداً لأهل السنة وهي: مبدأ ورود العذر بالجهل.

    وعن القاسم قال: من قال: إن القرآن مخلوق فهو شر ممن قال: إن الله ثالث ثلاثة -فالذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة هم النصارى، والذي يقول في القرآن: إنه مخلوق شر من النصارى- قال: إن أولئك يثبتون وهؤلاء لا يثبتون.

    فالنصارى يثبتون أن الله موجود، ومتصف بصفاته، ومسمى بأسمائه، وكل ما في الأمر أنهم يجعلون الإله ثلاثة، فقالوا بالتثليث.

    وأما هؤلاء فإنهم نفوا الصفات تماماً عن ذات الله تعالى عن قولهم علواً كبيراً، فإن النصارى بزعمهم أن الله ثالث ثلاثة أولى وأحسن ممن ينفي جميع الصفات عن الله عز وجل.

    وقال بندار -وهو محمد بن بشار-: الدعاة لا يستتابون -يعني: الدعاة إلى بدعتهم- بل تضرب أعناقهم مباشرة؛ لأنهم يعلمون ما يقولون.

    فمن قال جهلاً منه: إن الله لم يستو على العرش، وأول الآية بأنها استواء رفعة وعلو شأن وليس علواً لذات لله عز وجل؛ فإنك لو ناقشته فيه فإنه يقول: أنا جاهل بذلك لا أعرف شيئاً، وقد سمعت هذا الكلام من الشيخ الذي في المسجد الفلاني، فهذا الرجل يعلم ولا يستتاب، حتى إذا صار عالماً وأصر على هذا الكلام يقتل مباشرة دون أن يستتاب؛ لأنه قاله بعد قيام الحجة عليه.

    ولذلك لا نسوي قط بين رجل جاهل تكلم في أسماء الله وصفاته كلاماً لا يستقيم مع عقيدة أهل السنة، وبين الجعد بن درهم أو الجهم بن صفوان الذي قال: لو كان بإمكاني أن أحك هذه الآية من المصحف لفعلت: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فهل يتصور أن هذا الرجل قال هذا الكلام بجهل؟ لا يمكن أبداً، خاصة: وأنه رأس الجهمية، وأنه الداعي إلى هذا المذهب الفاسد.

    فيقول: لو استطعت أن أحك هذه الآية من كتاب الله لفعلت، ويتحسر ويتندم على أن ذلك ليس في إمكانه، فهذا الرجل الذي أراد أن يطمس كلام الله عز وجل ليس بجاهل.

    وأما الجعد بن درهم فقال: إن الله لم يكلم موسى تكليماً. فنفى أن الله تعالى يتكلم، قال: ولم يتخذ إبراهيم خليلاً؛ فأتى به خالد بن عبد الله القسري في خطبة عيد الأضحى وربطه في المنبر في صلاة العيد، وبعد أن فرغ من خطبته قال: ضحوا أيها الناس! تقبل الله منا ومنكم ضحاياكم، فإني مضحٍ بـالجعد بن درهم ؛ لأنه قال: إن الله لم يكلم موسى تكليماً، فكذب بالقرآن، وقال: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، فكذب بالقرآن، فنزل وذبحه عند المنبر الذي كان يقف عليه لخطبة الأضحى؛ لذلك هذا الأمر حاز اهتمام الفقهاء والعلماء والمحدثين، بل وحتى الخلفاء وشغلهم أيما شغل؛ لأنه كلام يتعلق بذات الإله.

    شناعة إنكار صفات المخلوق الثابتة، فكيف بإنكار صفات الخالق

    إن صفات المخلوقين تختلف عن صفات الخالق تبارك وتعالى، فلو أنك موصوف بالحلم والناس يعرفون عنك ذلك، فجاء شخص وأنكر أنك حليم، فإنك ستفقد هذا الحلم وتغضب؛ لأنه نفى عنك صفة لازمة لك جبلك الله عز وجل عليها، إذ إن الصفات إما جبلية، وإما مكتسبة.

    فالمرء إما أن يولد بصفات جبله الله عز وجل عليها وخلقه عليها، وإما أن يكتسب هذه الصفات بالتعلم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم).

    وقيل: إن الحسن البصري رحمه الله ذهب إلى السوق ليشتري عبداً سيئ الخلق، فقيل: ولم؟ قال: حتى أتعلم فيه الحلم.

    يعني: يسيء إلي وأحسن إليه إلى أن يكون الحلم سجيتي.

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه: (إن فيك خصلتين يحبهما الله).

    وفي رواية: أنه قال: (إن فيك لخصلتين من خصال الله عز وجل)، ومن صفات الله عز وجل: الحلم والأناة. قال: يا رسول الله! أجبلني الله عز وجل عليهما، أم أنهما مكتسبتان -كما في معنى الرواية- قال: بل جبلك الله عليهما، يعني: خلق فيك هاتين الخصلتين، فالصفات إما جبلية، وإما مكتسبة.

    والشاهد من هذا الكلام: أنه لو أتى واحد وأنكر عليك صفة ونفاها عنك وأنت متصف بها على الحقيقة مجبول عليها، فإنك تغضب غضباً شديداً جداً؛ لأنه قد نفى عنك الصفة، فما بالكم بمن ينفي الصفات اللازمة لله عز وجل، وله المثل الأعلى؟!

    الأحكام المترتبة على مقالة: إن القرآن مخلوق

    إن هذا الأمر خطير؛ ولذلك حاز اهتمام الأئمة والخلفاء والراشدين، بل قال بعض أهل العلم: إن من قال: القرآن مخلوق لا يرث ولا يورث، فإذا مات أحد من أقربائه وله في ماله ميراث فإنه لا يرثه، وإذا مات هو فإن ماله فيء للمسلمين، وليس لأحد من الورثة أن يطالب بشيء منه؛ لأنه لا توارث بين أهل ملتين، فلا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.

    فمن قال: القرآن مخلوق لا يرث ولا يورث، وامرأته تبين منه بينونة كبرى، أي: كأنه بمثابة من طلق امرأته ثلاثاً وبانت عنه بينونة لا رجعة فيها؛ ولذلك قال عبد الله بن المبارك : سمعت الناس منذ (49) سنة يقولون: من قال: القرآن مخلوق فامرأته طالق ثلاثاً البتة. قلت: ولم ذاك؟ قال: لأن امرأته مسلمة، والمسلمة لا تكون تحت كافر.

    وكثير من أهل العلم قالوا: من قال: القرآن مخلوق لا ينكحون، ولا يصلى خلفهم، ولا يعاد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، وإن موالاة الإسلام انقطعت بينهم وبين المسلمين.

    فانظروا إلى هذا الكلام الخطير العظيم الذي يدل على أن من قال ذلك -وهو عالم بما يقول- فهو خارج ومارق ومرتد عن ملة الإسلام.

    حكم العلماء على الواقفية

    وقال أحمد : الواقفي لا يشك في كفره.

    أي: من قال: أنا متوقف في هذه القضية، فلا أقول: إنه مخلوق، ولا إنه غير مخلوق، فإن وقف لجهل منه فإنه يعلم، وإن وقف وهو يعلم أنه كلام الله غير مخلوق فإنه شر ممن قال: إنه مخلوق.

    ولذلك قال أحمد : إنما يقول: أتوقف يستتر بها من قوله: مخلوق.

    وفي رواية أخرى قال: فإن من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، وإن من وقف في إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وقال: أنا لا أقول بأنه مخلوق ولا غير مخلوق؛ فهو شر من الذي يقول: إنه مخلوق.

    فلا يجوز اعتقاد أن كلام الله مخلوق، كما لا يجوز التوقف في أن كلام الله غير مخلوق.

    معنى أن القرآن كلام الله حقيقة

    إن سياق الآيات في كتاب الله تعالى، وما روي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والصحابة والتابعين يدل على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة، وأهل السنة والجماعة لم يلجئوا لهذه المصطلحات إلا في مقابل مصطلحات أهل البدع؛ لأن أهل البدع يقولون: القرآن كلام الله، وأهل السنة يقولون: القرآن كلام الله، لكن أهل البدع يقولون: مخلوق، وأهل السنة يقولون: غير مخلوق، فهم مشتركون في اعتقادهم أن القرآن كلام الله، ومختلفون في أنه مخلوق أو غير مخلوق، فأهل السنة وأهل البدعة متفقون على الله تكلم بهذا الكلام، لكن من أهل البدع من يقول: إن القرآن هو كلام الله تكلم به مجازاً.

    ومنهم من يقول: إن القرآن كلام الله تكلم به كلاماً نفسياً. ومعنى ذلك: أن الله تعالى تكلم بهذا الكلام، لكنه كلام ليس بحرف ولا صوت، إذ إن جبريل عليه السلام علم ما دار في نفس الله عز وجل وما أراد أن يتكلم به، فعبر عما دار في نفس الله عز وجل، فعلى ذلك يكون القرآن من كلام جبريل لا من كلام الله عز وجل، وهذا قول الأشاعرة، فإنهم لا يثبتون أن الله تكلم بهذا الكلام بحرف وصوت، وإنما يقولون: إن الله تكلم كلاماً نفسياً، يعني: أصل هذا الكلام دار في نفس الله عز وجل، فنقله إلينا جبريل، فلم يتكلم الله تعالى به على الحقيقة بحرف وصوت.

    والأشاعرة والماتريدية -وهم من أضل فرق المسلمين- قال عنهم الأزهريون: هم من أهل السنة والجماعة. وليس الأمر كذلك، بل هذا من باب الخلط واللبس، فالأشاعرة ليسوا من أهل السنة، والماتريدية شر منهم، وليسوا من أهل السنة كذلك، فأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تبارك وتعالى تكلم بهذا الكلام على الحقيقة بحرف وصوت، لكن بحرف وصوت يليق به عز وجل، فليس كحرفي وصوتي، فانتبه.

    1.   

    سياق ما دل من الكتاب والسنة والإجماع على أن القرآن كلام الله على الحقيقة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [سياق ما دل من الكتاب والسنة والإجماع على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة].

    وكلمة (على الحقيقة) وضعها أهل السنة للرد على من قال: إن كلام الله مجازي، وإن كلام الله نفساني، فكلام الله على الحقيقة، تكلم به بحرف وصوت، وأنزله الله سبحانه وتعالى على محمد صلى الله عليه وسلم من السماء، وهذا يدل بمفهوم الموافقة أو بالاستنباط على أن الله تبارك وتعالى مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وقد أنزل هذا القرآن على محمد وأمره أن يتحدى به، وهذا يدل على أن القرآن معجز ولا يستطيع أحد أبداً أن يأتي ولو بآية من مثل كتاب الله عز وجل، وأمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس إليه، وهذه صفة خامسة: أن النبي عليه الصلاة والسلام بعد البيان لابد أن يدعو الناس إلى هذا القرآن، وأنه القرآن على الحقيقة، يعني: تكلم الله به بحرف وصوت.

    قال: [متلو في المحاريب، مكتوب في المصاحف، محفوظ في صدور الرجال، ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن].

    أي: ليس بقصة افتعلها جبريل، ولا عبر جبريل عن هذا الكلام الذي دار في نفس الله عز وجل.

    فقوله: (ولا عبارة عن قرآن) يعني: هو كلام الله على الحقيقة.

    قال: [وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول -والمجعول بمعنى: المخلوق- ومربوب -أي: وغير مربوب- بل هو صفة من صفات ذاته، لم يزل به متكلماً -يعني: يتكلم في أي وقت شاء- ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة].

    هذا مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بكلام الله عز وجل، كما قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، فالله تعالى يتكلم، وقد كلم موسى، والذي يقول: إن الله لم يكلم موسى معناه: أنه مكذب للقرآن، منكر لهذه الصفة.

    وقال الله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144].

    وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، يعني: أن الله عز وجل يتكلم.

    وقال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:15].

    فالله عز وجل يتكلم بكلام أنزله من السماء على نبيه؛ ولذلك قال الله عز وجل: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل:6].

    وقال تعالى: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ [الأنبياء:50].

    وقال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29].

    فهذه الآية لها حكاية وقصة عصرية، إذ كل زعيم في كل زمان يبحث له عن آية تناسبه، فيتأول القرآن هؤلاء المنافقون الزنادقة ويتأكلون به، فيصرفون كلام الله عز وجل على غير مراده، وهكذا إلى أن ظهر الرئيس مبارك، فيقال: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، والله إن هذا التأويل قد حدث في جامع الأزهر.

    وقال تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، إذاً: هذا القرآن منزل من عند الله عز وجل.

    وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء:192-193] أي: جبريل عليه السلام.

    فأشار الله عز وجل إلى أن كلامه غير مخلوق، وهو منزل منه سبحانه، فمن قال: إن القرآن هو الذي في السماء -أي: في اللوح المحفوظ فقط دون الذي بين أيدينا- أو من قال: إن القرآن في السماء -يعني: لم يتكلم به الله عز وجل وإنما دار في نفسه- فقد خالف الله ورسوله، ورد معجزات نبيه، وخالف السلف من الصحابة والتابعين والخالفين لهم من علماء الأمة.

    وقال عكرمة : سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله)، والضمير يعود على الله عز وجل (خضعاناً لقوله)، إذاً: فهو يتكلم، قال: (كأنها سلسلة على صفوان)، والصفوان: هو الحجر أو الجبل الأملس.

    قال: (فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير)، أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

    وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل! ماذا قال ربك؟ قال: يقول الحق، قال: فينادون الحق.. الحق)، فيرددون أن الله تعالى يتكلم بالحق.

    وهنا منقبة عظيمة لـعبد الله بن مسعود أنه كان عالم الكوفة، قال مسروق : سألنا عبد الله -ولولا عبد الله لم نجداً أحداً يخبرنا- فقال: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان. قال: فيرون أنه من أهل السماء فيفزعون، فإذا سكن قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير.

    وحديث الإفك الطويل تقول فيه عائشة : ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى إلى يوم القيامة.

    معناه: أن عائشة لما نزلت براءتها فرحت بذلك، وقالت: أنا شأني أحقر من أن يتكلم الله في بكلام يتلى.

    والشاهد: قولها: (من أن يتكلم الله)، فالله عز وجل يتكلم كلاماً على الحقيقة بحرف وصوت.

    وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول بعد أن يعرض نفسه على الناس في المواسم: (ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي)، فالله يتكلم.

    وعن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

    قال أبو عبد الرحمن : فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرب على خلقه، وذلك أنه منه، وإليه يعود.

    وعن أبي هريرة : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه).

    وفي هذا الحديث ضعف.

    وقال خباب بن الأرت لـفروة بن نوفل : يا هناه! تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لست تتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه، أي: من تلاوة القرآن الكريم.

    1.   

    تحريم السفر بالقرآن إلى أرض العدو المحارب

    وعن ابن عمر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو؛ مخافة أن يناله العدو)، والحديث عند البخاري ومسلم .

    إن الانجليز والفرنسيين أعداؤنا، وكل من لم يكن مسلماً فهو عدو لنا، وها نحن نسافر بالقرآن إلى أمريكا وروسيا ولبنان -لبنان تعتبر نصرانية- فإنا لله وإنا إليه راجعون، فما الموقف من فعلنا وواقعنا مع نهي النبي عليه الصلاة والسلام ألا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو؟

    إنك عندما تصل إلى المطار فإنه يفتشك ويلاقي بجيبك مصحفاً فيقوم يأخذه منك، ويرميه في الزبالة، فماذا تعمل في هذه الحالة؟ إن لم تقتله لن ترجع إلى هذا البلد مرة أخرى.

    إن هذا الحديث ليس على ظاهره، بل المراد منه معنى آخر، فكل من لم يكن مسلماً فهو عدو لك، لكن هناك من الأعداء من هو محارب، ومن الأعداء من هو مسالم.

    فهناك فرق عظيم جداً بين ديار الكفر وديار الحرب، فدار الحرب كفر أصلاً، ولكنها زادت أنها رفعت لواء الحرب مع دار الإيمان، والحرب والله لابد أن تدور، ولابد أن يكتب النصر لأهل الإيمان، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يعجل بما وعدنا به.

    والعدو ينقسم إلى محارب ومسالم، فأما المسالم فإن النهي لا ينطبق عليه، وأما المحارب فينطبق النهي عليه، وهذا مقصود الحديث.

    مثال ذلك: الحرب التي دارت بين مصر وإسرائيل في فلسطين، ففي هذه الآونة من الحرب لا يجوز قط لواحد أن يأخذ معه المصحف ويدخل به فلسطين؛ لأن غلبة الظن أن القرآن يتعرض للإهانة، وأن العدو ينال منه؛ لأن البلدين في حالة حرب.

    واحترام اليهودي لكتاب الله ليس معناه: أنه محب للقرآن، بل هو عدو وخبيث ومجرم، وأقرب إلى أن يكون محارباً، لكن ليس هناك حرب بين البلدين الآن، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام من أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو المحارب.

    1.   

    الأمر بتعاهد القرآن

    يقول عبد الله : عن النبي عليه الصلاة والسلام: (بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كذا وكذا، بل هو نسي).

    وهذا القول فيه كراهة شديدة، كذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في البخاري : (لا تقل: نسيت آية وكذا، وإنما قل: نسيت آية كذا وكذا).

    يعني: أن الذي أنساك هذه الآية هو الشيطان، فقال عبد الله : تعاهدوا هذه المصاحف -وربما قال: القرآن- فلهو أشد تفلتاً من صدور الرجال من النعم من عقلها.

    وانظر إلى الإبل حين تتفلت من عقالها ورباطها، ثم تنطلق في الصحراء، فكذلك القرآن إن لم يتعاهده صاحبه فإنه يتفلت منه.

    1.   

    حكم من قال: لفظي بالقرآن مخلوق

    قال أهل العلم بكفر من قال لفظي بالقرآن مخلوق، ولا فرق بينه وبين من يقول: القرآن مخلوق؛ لأن قوله: لفظي يعني: ملفوظي بالقرآن، أي: الذي تلفظت به مخلوق، بخلاف قولك: تلفظي بالقرآن يعني: حركة اللسان والفم والأضراس والحلقوم والصوت والحروف، فكل هذا قد خلقه الله عز وجل فيك، وأما المنطوق والمتلو والمقروء والملفوظ فإنه ليس بمخلوق.

    فقولك: لفظي بالقرآن مخلوق يعني: القرآن الذي تلفظت به مخلوق، وهذا بلا شك قول كفر، بخلاف قولك: حركاتي أنا قد خلقها الله في، فحركة شفتيك ولسانك هذه مخلوقة بلا شك.

    1.   

    رؤية العبد النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، وما تقوله الصوفية في معنى اليقين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن من رآه في النوم فقد رأى الحق، والنبي حق صلى الله عليه وسلم، وأن الشيطان لا يتمثل به -أي: لا يأتي في صورته- وفيمن رآه وسأله عن القرآن فأجاب بأنه غير مخلوق من العلماء والسلاطين].

    هذا باب عظيم في الرؤيا، والرؤيا من الله عز وجل، والحلم من الشيطان.

    فالرؤيا التي هي من عند الله عز وجل مبشرات، وهي عاجل بشرى المؤمن، وهي منحة الله تبارك وتعالى لعباده الصالحين في الدنيا، ولا يعني ذلك: أن هذه الرؤيا يؤخذ منها الأحكام والعقائد، بل هي مبشرات فقط؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من رآني في المنام فسيراني حقاً، أو قال: فكأنما رآني في اليقظة؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي).

    وقد يأتي إليك الشيطان ويقول لك: أنا النبي؛ وهو كذاب، أو يقول لك: أنا محمد، أو يقول: أنا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لك: كيت وكيت، ورفع عنك الصلاة والصوم والزكاة والحج، ورفع عنك كل شيء، ويقول: ما دمت قد بلغت درجة اليقين فليس عليك عبادة، فأنت رجل بلغت درجة لم يبلغها أحد من الأمة ولا حتى أنا.

    فهؤلاء المجرمون يقولون: سقطت عنا التكاليف؛ لأننا بلغنا مرحلة اليقين، والله تعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، ونحن قد حصلنا على مرتبة اليقين التي ليس بعدها يقين؛ ولذلك وضعت عنا العبادة.

    فنقول لمثل هؤلاء: هل بلغت من اليقين مبلغاً لم يبلغه النبي عليه الصلاة والسلام؟! إن عمر طعن وهو يصلي، وأبو بكر الصديق صلى إلى آخر لحظة في حياته، وكل الصالحين وأهل السنة يصلون ولم يرفع عن واحد منهم قط شيء، ولم يرفع عنهم خلق من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام فضلاً عن عبادة أو واجب أو فرض من الفروض، واليقين في الآية كما يفهمه القاصي والداني هو الموت.

    فبعد الموت محاسبة على ما مضى من تقصير وتفريط، والصوفية يقولون: اليقين درجة من درجات التوكل على الله عز وجل، يبلغها المرء فيكشف له الحجاب، وكل هذا كذب.

    فهذا عبد القادر الجيلاني -وهو ممن تزهد، وقد أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية عدة مرات- أتاه الشيطان في صورة شيء عظيم، فقال له: يا جيلاني! أنا ربك، وقد وضعت عنك كل شيء، فقال الجيلاني: اخسأ أي عدو الله! فذهب ولم ير شيئاً بعد ذلك.

    وشيخ الإسلام ابن تيمية في ترجمة الجيلاني يثني عليه ثناءً قوياً، ويقول: هذه هي الولاية لله حقاً.

    فالشاهد: أن الشيطان لا يتمثل في حقيقة النبي عليه الصلاة والسلام ولا يستطيع، لكن قد يأتي في صورة أخرى غير صورة النبي عليه الصلاة والسلام ويدعي أنه النبي، فقد ادعى أنه الله عز وجل، وقد ادعى أنه الإله، فكيف لا يدعي أنه نبي في صورة غير صورة النبي؟!

    فالشيطان قد يتمثل على هيئة أخرى ويدعي أنه محمد، ثم يلقي بعد ذلك مفترياته على ذلك الرائي أو صاحب الحلم.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني فإنما رأى الحق).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).

    فالرؤيا الصالحة يراها العبد لنفسه أو ترى له، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وهذه منحة من الله عز وجل.

    وليس معنى ذلك: أن الذي يرى ستاً وأربعين رؤيا يكون نبياً؛ لأنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، ولكنها مبشرات.

    رؤيا الصالحين لرسول الله وهو يخبرهم أن القرآن غير مخلوق

    قال محمد بن منصور : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، ومعه رجلان أعرفهما بوجهيهما، قلت: يا رسول الله! ما نقول في القرآن؟ قال: كلام الله غير مخلوق، قلت: هذه رؤيا جميلة، فقلت للرجلين: اشهدا على هذا الكلام.

    وقال يحيى بن عبادة : سمعت رجلاً من أهل دمشق ممن يكتب عنه العلم يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، فقال لي: قل لـيحيى بن أكثم : من قال: القرآن مخلوق فقد كفر، وقد بانت منه امرأته.

    ثم قال الرجل: والله ما رأيت يحيى وما أعرفه، أتروني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

    وذكره عبد الرحمن قال: حدثني يوسف إلى أحمد بن الوليد قال: حدثني علي العابد قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بعبادان -قرية- فقلت: يا رسول الله! أما ترى ما نحن فيه من الاختلاف في القرآن، هذا يكفر هذا وهذا يكفر هذا؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: وما ذنبي وقد رفعت لكم علماً، فضم إليه قوم وانقطع عنه آخرون. فقلت: يا رسول الله! فكيف السنة وكيف أقول؟ قال: هكذا، وعقد ثلاثين وأومأ إلى فيه، كأنه أراد أن يقول: إن القرآن ثلاثون جزءاً، وقال: كلام الله وليس بمخلوق. فقلت: يا رسول الله! هؤلاء الذين وقفوا فقالوا: لا نقول كذا ولا كذا؟ قال: فكلح وجهه وقال بيده كهيئة المستخف.

    يعني: أشار بيده أن ابعد عني ولا تخبرني عن هؤلاء.

    وقال محمد بن عبد الله بن طاهر : كان أبي لا يكاد يرى رؤيا فقال: رأيت في النوم رجلاً حسن الهيئة فقال لي: ما تقول في القرآن؟ فقلت: لأسألنه عنه، فقلت: ما تقول أنت فيه؟ قال: فقال: الخلق في كلام العرب: التقدير، وكلام الله أجل من أن يكون مقدراً.

    يعني: كلام الله غير مخلوق وغير مقدر، فهو يتكلم بما شاء، في أي وقت شاء.

    قال ابن الأعرابي : ما رأيت قوماً أكذب على اللغة من قوم يزعمون أن القرآن مخلوق.

    يعني: هب أنهم يكذبون على الله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن قول: القرآن مخلوق لا يستقيم في لغة العرب.

    وقال أحمد بن محمد المروزي صاحب الإمام أحمد : رأيت أحمد بن حنبل في النوم وعليه حلتان -والجزاء من جنس العمل- خضراوان، وفي رجليه نعلان شراكهما من الرمجان، وعلى رأسه تاج مكلل بأنواع الجواهر، فقلت: يا أبا عبد الله! ما الذي فعل الله بك؟ قال: غفر لي وتوجني وكساني، وقال لي: يا أبا عبد الله! إنما أعطيتك هذا لمقالتك: القرآن كلام الله غير مخلوق.

    فانظر إلى هذه الرؤيا العظيمة، فإنها مبشرات قليلة ونادرة.

    ما روي من الرؤيا السوء لمن قال بخلق القرآن في الدنيا، وما أعد الله عز وجل لهم من العذاب في الآخرة

    قال خالد بن خداش : رأيت في المنام كأن آتٍ آتاني بطبق قطن، فقال: اقرأ، فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن ابن أبي دؤاد يريد أن يمتحن الناس، فمن قال: القرآن كلام الله كسي خاتماً من ذهب، فصه ياقوتة حمراء، وأدخله الله الجنة، وغُفِر له أو قال: غَفَر له.

    ومن قال: القرآن مخلوق جعلت يمينه يمين قرد، فعاش بعد ذلك يوماً أو يومين، ثم يصير إلى النار.

    وابن أبي دؤاد صاحب فتنة أن القرآن مخلوق.

    وقال الحسين بن الصباح : رأيت في المنام قائلاً يقول: مسخ ابن أبي دؤاد ، ومسخ شعيب ، وأصاب ابن سماعة فالج -مرض- وأصاب آخر الذبحة ولم يسمه.

    وقال: علي بن الموفق : حدثني أبو عمرو التمار قال: كان لنا جار مجوسي يقال له: بهرام فمات، فرأيته بأقبح رؤيا فقلت: أي بهرام ! فقال لي بصوت ضعيف: نعم؛ أنا بهرام يا أبا عمرو ! فقلت: إلى أي شيء صرت؟ قال: إلى قعرها، قلت: فتحتكم أحد؟ قال: نعم. هؤلاء الذين يقولون: القرآن مخلوق.

    قال أبو بكر بن أبي العوام : ثم لقيت أبا عمرو التمار فسألته عن هذا فحدثني كما حدثني علي بن الموفق عنه.

    وكان علي بن الموفق يقول: كان لي جار مجوسي فكنت أعرض عليه الإسلام فيأبى، فمات على المجوسية، فقال: نحن في الدرك الأسفل من النار. قلت: وتحتكم أحد؟ قال: نعم، قوم منكم. قلت: من أي الطوائف؟ قال: الذين يقولون: القرآن مخلوق.

    وقال الدورقي : سمعت أحمد بن نصر الشهيد يقول: مررت برجل وقد صرع، فجئت أقرأ في أذنه، فإذا قائل يقول: دعني أقتله؛ فإنه يقول: القرآن مخلوق.

    أي: حتى الجن لا يرضون بهذا، وليس من عقيدتهم.

    فنسأل الله تبارك وتعالى أن يحيينا وإياكم على كتابه، وسنة نبيه على مراد الله ومراد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

    1.   

    الأسئلة

    أهمية الاعتقاد بأن القرآن كلام الله غير مخلوق

    السؤال: ما الفرق بالنسبة لنا بين أن يكون القرآن كلام الله أو مخلوقاً؟

    الجواب: لو قلت لك: ما هو معتقد أهل السنة والجماعة في كلام الله عز وجل؟

    أو قلت لك: ما هو معتقد أهل السنة والجماعة في استواء المولى عز وجل على عرشه؟ أو قلت: اشرح لي هذه الآية: قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزمر:28].

    فإنك ستقول كما قال ابن عباس : غير مخلوق.

    فالفائدة بالنسبة لك أن تستقيم لديك صفة من صفات الله عز وجل على منهج أهل السنة والجماعة، وأن تعتقد أن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ومن قال بغير ذلك فهو كافر.

    ففائدة علمك أن هذا القرآن كلام الله، وهو غير مخلوق: أن تنجو بنفسك من الكفر، وأن تحسن اعتقادك في الله عز وجل وأسمائه وصفاته.

    تزيين الشيطان عمل من يدعي أنه المهدي حتى يدعي الألوهية

    السؤال: يوجد بالطالبية شاب متعلم، ويحفظ بعضاً من القرآن الكريم، وعنده شيء من علم الشرع، ويصلي بالليل ويبكي كما تقول زوجته، ويشاهد التلفزيون وزوجته متبرجة، ويدعي أنه المهدي المنتظر، وهذا الادعاء منذ سنوات، وعقله صحيح سليم، فعندما كلمته وأثبتَّ أنه كذاب ضحك مني وسخر، وأقر على ذلك.

    ويدعي أيضاً أنه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه مخلوق من نور الله، ورغم ذلك هو يسخر من صاحب اللحية والجلباب القصير، فهل هو كافر أم ماذا يكون حكمه؟

    الجواب: انتظروا شهرين أو ثلاثة أشهر وسيدعي الألوهية، وهذا الأمر ليس فيه خلاف، ولو قرأت في تاريخ الفرق فإنك ستجد في الفرق أمماً ادعت الألوهية، وذلك بعد أن كان الواحد منهم يدعي أنه المهدي، فإن لم يجد ذلك ادعى النبوة، فإن لم يجد النبوة ادعى الألوهية، وخاصة لو أراد الحكم ومعه العتاد والعدة، ففرعون ادعى الإلوهية؛ لأن معه المجرمين الذين يشيرون عليه، ويفرضون على الأمة المصرية أنه إله شاءوا أم أبوا، فكل من يدعي هذا ماذا يقصد من وراء ذلك؟ إن المسلم عندما يسمع هذا الكلام فإنه يقول: ما أحلم ربي! وما أعظم صبره على من يسبونه ويفترون عليه! بل ويغذيهم ويطعمهم ويسقيهم ويصحهم، ويكسوهم من عري، ويقويهم من ضعف.

    حكم رؤية الأب مخطوبة ابنه

    السؤال: هل يجوز للأب أن يرى من سيخطبها ابنه؟

    الجواب: لا يجوز، فالذي سيخطبها هو الولد وليس الأب، وأحاديث محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة وغيرهما من الصحابة كلها تقول: (انظر إليها). يعني: انظر أنت وليس أبوك.

    حكم من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه

    السؤال: رجل حلف بالله ألا يقوم ببيع شيء في محل ثم باعه، فما هي كفارة هذا الحلف؟

    الجواب: كفارة يمينه على هذا الترتيب: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو صيام ثلاثة أيام.

    والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من حلف على شيء فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه).

    نصائح لمن ابتلاه الله بالاستمناء

    السؤال: شاب رأيت فيه الالتزام، ومظهره يدل على ذلك، فهو يحفظ كتاب الله، ويحضر دروس العلم، ولكنه يشكو من أنه يقوم بالاستمناء، ويقول: إنه في حالة ضيق شديد من هذا الفعل، ولديه شهوة عظيمة جداً لا يستطيع ردها، حتى إن الشهوة تفاجئه وهو في الصلاة، فما حكم هذا الاستمناء؟

    الجواب: أسأل الله تبارك وتعالى أن يصرف عنه هذا السوء، وأن يبدله مكانه عفة وطهارة ونقاء، على هذا الشاب إن كان قادراً على الزواج أن يبادر به؛ لأنه لا علاج له إلا النكاح، فإن لم يكن قادراً فقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم علاجاً له وهو الصوم، فليكثر من الصوم، ولو أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فخير الصوم صيام داود عليه السلام.

    كما أنه يجب عليه أن يختار لنفسه الصحبة المؤمنة، والرفقة الطيبة، وألا يدع لنفسه المجال في أن يخلو بنفسه، فإن خلا بنفسه غلبه الشيطان، ويجب عليه أن يتذكر دائماً أن نظر الله تبارك وتعالى إليه أسبق من مد يده بالاستمناء، وليستشعر أن الله تبارك وتعالى يراقبه في السر والعلن، وهذه درجة الإحسان، وهي: أن تعتقد أن الله تعالى يراك، وإن كنت لا تراه في الدنيا فإنه تعالى مطلع عليك، محيط بك بسمعه وعلمه وبصره وقدرته عليك أيها العبد!

    كما ينبغي عليك أن تكثر من قراءة القرآن الكريم، وأن تطالع كتب أهل العلم.

    وأخيراً: لا تخلُ في وقت من الأوقات في أثناء نومك على جهة الخصوص بنفسك قط، وينبغي أن يكون معك أحد من إخوانك، أو أحد من أهل بيتك، ولا تطالع تلك المجلات الخبيثة والجرائد الفاضحة التي تعرض صور الفاتنات التي يفتن بها من تزوج أربعاً!

    فهذه فتنة عظيمة جداً، أسأل الله تعالى لي ولكم النجاة منها.

    عدم طاعة الولد أباه في تطليق زوجته إلا لمصلحة شرعية

    السؤال: لو قال رجل لابنه: طلق زوجتك، فماذا يفعل؟

    الجواب: هذا الأب معتمد على الأثر الذي روي عن عمر بن الخطاب مع ولده عبد الله، وليست هذه الرواية على إطلاقها، فقد دعت الضرورة والمصلحة الشرعية إلى أن يأمر عمر ولده أن يطلق امرأته، وليس هناك حجة في قول عمر وأمره لولده، بل الحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال لـعبد الله : (أطع أباك)، وكانت هذه المرأة جميلة جداً، وقد كادت تفتن عبد الله بن عمر ؛ مما جعله يتخلف عن حضور مجالس علم النبي عليه الصلاة والسلام.

    فلما رأى عمر أن هذه المرأة بجمالها كادت تفتن ولده أمره أن يطلقها، وهذه حجة شرعية؛ ولذلك أقره النبي عليه السلام على هذا الأمر.

    وقد أتى رجل إلى أحمد بن حنبل وقال: إن أبي أمرني أن أطلق امرأتي، فماذا أفعل؟ قال: إن كان أبوك مثل عمر فطلقها.

    حكم قراءة القرآن وإعطاء ثوابه للميت

    السؤال: هل يجوز قراءة القرآن وإعطاء ثوابه للميت؟

    الجواب: الراجح من أقوال أهل العلم: أن ذلك لا يجوز، وأنه حرمان للقارئ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (خير مال المرء من كسب يده، وولده من كسبه).

    ويقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له...)، فإنك بمجرد عملك الصالح -ومنه قراءة القرآن- وبمجرد أن تهم به ويحول بينك وبينه حائل؛ يذهب ثوابه إلى الوالد مباشرة مع عدم حرمانك أنت، لكن لو قلت: اللهم إني قرأت ربع القرآن لك على أن تجعل ثوابه لأبي فإنك جريء على الله، وكأنك تتألى عليه، وهي على الأقل قلة أدب مع الله عز وجل.

    فينبغي للمرء أن يطيع الله تبارك وتعالى ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وليس عليه شيء بعد ذلك، فإن هذا الثواب سيأخذ القارئ حظه فيه تاماً كاملاً، ومن سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، فهي أجور توزع بغير نقصان.

    وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756590359