إسلام ويب

شرح كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب - موضع العرش والكلام عليهللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الصفات الفعلية لله صفة الاستواء على العرش، فالله مستو على عرشه بائن عن خلقه محيط بهم، والإيمان باستواء الله على عرشه يلزم منه الإيمان بأن لله عرشاً يستوي عليه، وأن عرشه تعالى كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض وبعد خلقهن صار العرش فوق السماء.

    1.   

    الكلام على عرش الرحمن والاستواء عليه

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    المسألة الأخيرة التي ختم بها المصنف كلامه: وهي عرش الرحمن.

    فالإيمان بالله يتضمن الإيمان بربوبية الله، والإيمان بإلهية الله، والإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، ومن ضمن الإيمان بصفات الله جل في علاه: أن تؤمن بصفات الله الفعلية، ومن صفات الله الفعلية الاستواء على العرش، قال الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فإذا آمنت بأن الله استوى على عرشه فلا بد لزاماً أن تؤمن بأن هناك مخلوقاً اسمه العرش، فالله جل وعلا خلق العرش، وذكره في غير ما موضع من القرآن، قال الله تعالى: وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:129]، وقال جل في علاه: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4]، وقال جل في علاه: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15].

    وأيضاً في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا إله إلا الله رب العرش العظيم).

    فهذا العرش عظيم معظم مكرم ممجد عند الله جل في علاه، وتمجيد هذا العرش وتعظيم هذا العرش بأن الله استوى عليه، وكفى بالعرش شرفاً أن الله استوى عليه، فهو جسم مجسم.

    معنى العرش وبيان عظمته

    معنى العرش: هو سرير الملك، وهو جسم مجسم له قوائم، لكن لا يعلم عظم خلقه ولا كيفية خلق العرش إلا الله جل في علاه.

    أما الدلالة على قوائم العرش فالحديث الذي في الصحيح وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يبعث الناس قال: (فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش).

    وخلق العرش عظيم كما قلت، كيف لا وقد أحاط بكل السماوات والأرض، والدليل على ذلك قول الله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255].

    وقد ورد في الآثار بأسانيد صحيحة: (أن السماوات وما فيهن والأرضين وما فيهن بالنسبة للكرسي كحلقات في ترس)، وهذا الكرسي فقط، وابن عباس يقول: الكرسي موضع القدمين، وجنة الفردوس سقفها عرش الرحمن، فلك أن تتخيل عظم خلق العرش عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أن السماوات والأرضين وما فيهن بالنسبة للكرسي كحلقات في ترس)، والكرسي هو موضع القدمين كما قال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.

    وأيضاً لك أن تتصور عظم خلق العرش لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (إن الله أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)، فكيف بطوله؟! وكيف برجله؟! وكيف بيده؟! وهو يحمل العرش يسبح لله جل في علاه.

    ويروى في بعض الإسرائيليات -التي ينظر في أسانيدها والتي تقال للترقيق- أن حملة العرش بعدما يأتي يوم القيامة ينظرون إلى عظمة الله فيبكون ويقولون: ما عبدت حق عبادتك، سبحانه وتعالى جل في علاه، هو الذي يشكر القليل من العمل ويغفر الكثير من الزلل، وحتى القليل من العمل لا يكون إلا منه، وما من شيء فيه خير للعبد إلا هو من الله جل في علاه.

    والمقصود: أن العرش عظيم وعظم خلق العرش لا يقدر قدره إلا ربنا جل في علاه.

    بيان مكان العرش

    العرش له حالتان:

    الحالة الأولى: قبل الخلق، والحالة الثانية: بعد الخلق.

    فالعرش قبل الخلق كان على الماء، كما قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود:7] يعني: العرش كان قبل خلق السماوات والأرض على الماء، ويفسر لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم -لأن السنة مبينة لمجملات القرآن مفسرة له- وهو يقول: (كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء)، فالله جل في علاه كان ولم يكن شيء مع الله جل في علاه، وكان عرشه على الماء، ثم استوى الله جل وعلا إلى السماء فسواهن سبع سماوات.

    فكان الله جل وعلا ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، فاستوى الله جل وعلا إلى السماء بعدما كان العرش على الماء فسواهن سبع سماوات، ثم بعد ذلك أصبح العرش فوق السماء.

    وفي الصحيح عن ابن مسعود بسند صحيح وهو في حكم المرفوع أنه قال: (بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء وأخرى مسيرة خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء -وهذه اللفظة فيها كلام- مسيرة خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، ويعلم ما أنتم عليه).

    فضائل العرش

    والعرش له فضائل كثيرة في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فهو يحب المؤمنين، وفي هذا رد على أهل البدعة والضلالة وأهل التأويل الذين يقولون: إن هذه جمادات لا تشعر وليس لها ذلك، ولا بد أن تؤول، فيؤولون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا أحد جبل يحبنا ونحبه) يقولون: المقصود به أهل الجبل، يقولون: وهو كقوله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا [يوسف:82]، قالوا: اسأل أهل القرية، فإن الجدران لا تنطق.

    والصحيح أن الجبل يحب، فقد كان يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأرض نفسها تبغض أهل المعاصي وتنقم على أهل المعاصي، وما من شيء إلا ويشكو من ابن آدم ومعاصي ابن آدم.

    فالجمادات لها شعور ولها إحساس ولها عبادات، كيف لا وقد صرح الله بذلك، وكيف أرد على ربي قوله، وهو يقول: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44].

    ولقد ورد بسند بصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام فكانوا يأكلون ويسمعون تسبيح الطعام.

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكئ على جذع أثناء خطبته، ثم بعدما بني له المنبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عليه، فحن الجذع إلى رسول الله وسمعوا له أنيناً من شدة الحزن، وما سكت الجذع حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن المنبر ووضع يده الشريفة عليه.

    وموسى عليه السلام عندما اغتسل وكانوا قد اتهموه بأنه آدر، وأراد الله جل وعلا أن يبين أنه ليس به مرض، فقام الحجر فأخذ ثوب موسى وفر به وموسى يجري خلفه يضربه.

    وكان الشجر يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.

    وفي الصحيح وفي سنن ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العرش قد اهتز لجنازة سعد) وفي بعض الروايات: (اهتز العرش فرحاً بقدوم سعد).

    فقال الذين يؤولون -ونقل ذلك البيهقي غفر الله لنا وله-: إن المقصود: اهتز حملة العرش فرحاً بقدوم روح سعد ، والصحيح الراجح أن العرش هو الذي اهتز؛ لأن هذا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لنا أن نقدر تقادير أو نقول أن هذا مؤول إلا بقرينة، ولا قرينة هنا.

    فمن فضائل العرش أنه يحب المؤمنين ويعتز بالمؤمنين، واهتز لـسعد سيد الأنصار، وسعد هذا هو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (كأنك تومئ إلينا يا رسول الله! قال: اللهم نعم، فقال: يا رسول الله! أحبب من شئت وابغض من شئت، وصل حبل من شئت واترك من شئت، والله لو خضت البحر لخضناه معك).

    وسعد بن معاذ هو الفقيه الأريب اللبيب صاحب المكانة عند الله جل في علاه، وهو الذي قال: اللهم! لا تمتني حتى تقر عيني ببني قريظة، وذلك لما نقضوا العهد مع المسلمين في غزوة الأحزاب، فلما أقسم هذا البار على الله أبر الله قسمه وما أماته حتى حكمه فيهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه)، ولما أتي به في مرضه ووضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم به فقال له النبي: (إن القوم رضوا بحكمك عليهم، فنظر إلى اليهود فقال: أترضون بذلك؟ قالوا: نعم، أخ كريم، فأشار إلى ناحية رسول الله وطرفه لم ينظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهذا من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال:أترضون بذلك؟ قال رسول الله: نعم، فقال: الرجال يقتلون، والنساء والذراري تسبى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد حكمت عليهم بحكم الله من فوق سبع سماوات).

    هذه مكانة سعد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( لمناديل سعد في الجنة خير من كذا وكذا).

    سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه اهتز عرش الرحمن لقدومه؛ فأي فضيلة وأي مكانة لـسعد بن معاذ عند الله جل في علاه، لما يستشعر هذا العرش العظيم بفضل سعد فيهتز لقدوم روحه رضي الله عنه وأرضاه.

    ومن فضل العرش في الدنيا أيضاً: أن الله جل وعلا وضعه كما وضع الكعبة تطوف حوله الملائكة، ثم أوحى الله لملائكته الذين يحملون العرش والذين يطوفون حوله أن يستغفروا لمن في الأرض، فالملائكة الذين يحفون بالعرش ويطوفون حوله: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ [الشورى:5].

    وفضل العرش يوم القيامة فضل عظيم، لكن هذا لا يناله إلا الخاصة والشرفاء عند الله جل في علاه، فالله جل في علاه إذا حشر الخلائق حشرهم على أرض غير الأرض وسماء غير السماء: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ [إبراهيم:48].

    فهذه الأرض لا معلم لأحد فيها ولا مستظل لأحد فيها، فالشمس تدنو من الرءوس قدر ميل ولا مستظل لأحد منها إلا عرش الرحمن.

    فعرش الرحمن أفضل ظل يستظل به المؤمن الشريف الذي له المكانة الراقية عند الله جل في علاه، والله ما جعل هذا العرش ظلاً لأحد إلا للخاصة.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، ثم سرد السبعة.

    نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً من هؤلاء السبعة فنستظل بظل عرش الرحمن، وهاء الضمير في قوله إلا ظله تعود على عرش الرحمن، ولا تعود على الله؛ لأن الظل ليس صفة من صفاته تعالى، نسأل الله جل وعلا أن يغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها، ويجعلنا من المستغفرين، ويجعلنا من المتذللين الخاضعين له، المتقنين في أمر التوحيد الذي هو فرض عين علينا، المتعبدين له به.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757097763