وأكبر مثال: طعن الرافضة في الصحابة رضي الله عنهم، ما ذنب الصحابة حتى تقدح فيهم الرافضة؟! أيُقدح فيهم لأنهم حفظوا السنة؟! أيُقدح فيهم لأنهم بلَّغوها؟! أيُقدح فيهم لأنهم سبقوا إلى الإسلام؟! أيُقدح فيهم ويُعابون ويكفَّرون لأنهم حفظوا على الأمة دينها؟! أيُقدح فيهم ويُعابون ويكفَّرون لأنهم الذين فتحوا البلاد، ونصروا الله ونصروا رسوله؟! هذه مآثرهم، متى كان للرافضة مثل هذه المآثر حتى يلعنوهم ويسبوهم ويُكفروهم ويتهموهم بأنهم منافقون وبأنهم ضالون وبأنهم مبتدعون وبأنهم حَسَدة خائنون؟!
هذه الأوصاف تنطبق على الرافضة أتم الانطباق، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منها برآء، نشهد بذلك وندين به.
ومَرَّ بنا أن الرافضة يكرهون كلمة (عشرة)؛ لأنه ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عشرة في الجنة)، فهؤلاء العشرة لما كانوا يكفِّرونهم صار لفظ (العشرة) عندهم ممقوتاً مكروهاً لا يقبلونه ولا يتقبلونه، مع أنهم يستثنون منهم واحداً فقط وهو علي ، وأما بقيتهم فإنهم يلعنونهم ويشتمونهم، فيكفرون تسعة من هؤلاء العشرة، والعاشر يوالونه ويتولونه، لماذا كرهتم لفظ العشرة ولم تكرهوا لفظ التسعة؟! أليس ذلك من الخطأ؟! ما ذنب لفظ كلمة (عشرة)؟! ما ذنبها؟! مع أنها وردت في كلام الله تعالى، وفي كلام الرسول، وفي كلام أهل العلم؟ فقد ورد ذكرها وتكرر، ولم يرد ما يفيد ذمها؛ ولكن في قلوبهم حقد على هؤلاء العشرة ما عدا علياً ، وحقد أيضاً على جميع الصحابة إلَّا أفراداً منهم قلة قليلة.
فنقول: هذا الحديث صحيح رواه مسلم وغير مسلم في كتبهم الصحيحة بأسانيد صحيحة؛ ولكن لا ينطبق على أئمتكم الذين تدعون، فهو ينطبق على أئمة لهم ولاية، أئمة لهم إمارة، أئمة وخلفاء لهم أمر ونفوذ وسلطة وأتباع وولاية تامة، يكون من آثارهم الإصلاح العام، ومن آثارهم الاقتداء بهم، ومن آثارهم نفوذ الأوامر، ومن آثارهم تجهيز الجيوش، وغزو البلاد وفتحها، وجمع الأموال لبيت المال، وتصريفها في وجوهها، هل كان أحد أئمتكم هكذا ما عدا علياً وما عدا الحسن ستة أشهر؟! لا، إنما كانت هذه الولاية لأئمة وولاة كلهم من قريش، وقد عد الشارح هؤلاء الأئمة الاثني عشر، فعدَّ الخلفاء الأربعة؛ وذلك لأنهم تمت لهم الولاية، وعدَّ معاوية وابنه؛ لأن معاوية تولى عشرين عاماً، وابنه تولى أربع سنين، وكان لهما ولاية، وكان الغزو في زمانهما مستمراً، وعد عبد الملك بن مروان وأولاده الخلفاء الذين هم أربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز، قبله ولدان لـ عبد الملك ، وبعده ولدان، فهؤلاء اثنا عشر، وقد كان لغيرهم ولاية ولكنها ناقصة، كـ ابن الزبير وكذلك مروان، فولايتها ناقصة، وكذلك مروان بن محمد الأخير كانت ولايته ناقصة أيضاً؛ لأنها سلبت منه.
إذاً: فما بقي إلا هؤلاء، أما بعدهم في خلافة بني العباس فقد خرجت الفتن، وكثرت البدع، وانتشر الضلال، وقرَّبوا اليونان، وقرَّبوا الترك، ومكَّنوهم من الولاية، وظهر القول بخلق القرآن، والقول بإنكار الصفات، والقول بالقدر، والقول بالإرجاء، وتمكن الرفض في تلك الأيام أي: في خلافة بني العباس.
إذاً: الأئمة الاثنا عشر هم: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، ثم معاوية ، ثم يزيد بن معاوية ، ثم عبد الملك بن مروان ، ثم الوليد بن عبد الملك ، ثم سليمان بن عبد الملك ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ، هؤلاء اثنا عشر خليفة.
ونقول: لا شك أن الرافضة يدعون الأئمة الاثنا عشر أئمتهم فنقول: صحيح أن علياً كانت له خلافة، وهو من الخلفاء الراشدين، وأما الحسن فليس له خلافة، وإنما استولى ستة أشهر ثم تنازل لـ معاوية ، أما الحسين فلم يتم له ولاية، وإنما وعده أهل العراق بأن يبايعوه ثم لما جاءهم قُتِل، أما ولده الذي هو علي بن الحسين زين العابدين فهو علم من العلماء ولم يكن له ولاية، وهكذا أولاده الذين تسلسلوا منه إلى أن كان آخرهم الحسن بن علي العسكري ، وهو آخر السلسلة من ذرية زين العابدين ، والحسن العسكري ليس له ولد، لم يخلِّف، ولما كان إماماً عند الرافضة رأوا أنه لا بد أن يكون له ولد، فجعلوا له ولداً؛ ولكن جعلوه مختفياً، فادعوا أن له ولداً اسمه محمد بن الحسن ، وأنه مختفٍ، وأنه سيخرج، وادعوا أنه دخل سرداب سامراء، وأنه سوف يخرج، وقد ذكرنا شيئاً من الكلام عن هذا المنتظر عندهم، وعرفنا أن هؤلاء الأئمة الذين تدعي الرافضة ليس لهم ولاية ولا نفوذ ولا سلطة، ما عدا علياً والحسن بضعة أشهر، ومن بعدهم بقوا كأفراد قريش، وكسائر العلماء الذين لهم علم، ومعهم من العلم ما يعملون به أو يدعون إليه، وليسوا وحدهم، بل في زمانهم علماء من قريش ومن غير قريش، وقبلهم وبعدهم، وكانوا يماثلونهم أو يفوقون كثيراً منهم، فما الذي خصص هؤلاء حتى تجعلوهم -أيها الشيعة- أئمتكم دون غيرهم، مع أنه لا مميز لهم ولا شيء يخصصهم؟
فالحاصل أن استدلالهم بهذا الحديث: (لا يزال هذا الأمر ظاهراً حتى يليه اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) ليس فيه حجة لهم، بل هو حجة عليهم، فليُنتبه لذلك.
تقدم بعض ما ورد في الكتاب والسنة من فضائل الصحابة رضي الله عنهم، وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بماء يُدعى: (خماً) بين مكة والمدينة فقال: (أما بعد: ألا أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. ثلاثاً)، وخرج البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: ارقبوا محمداً في أهل بيته.
وإنما قال الشيخ رحمه الله: (فقد برئ من النفاق) لأن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق قصْدُه إبطال دين الإسلام والقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك العلماء، فإن عبد الله بن سبأ لما أظهر الإسلامَ أراد أن يفسد دين الإسلام بمكره وخبثه، كما فعل بولِس بدين النصرانية، فأظهر التنسُّك، ثم أظهر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان وقتلِه رضي الله عنه، ثم لما قدم علي الكوفة أظهر الغلو في علي والنصر له؛ ليتمكن بذلك من أغراضه، وبلغ ذلك علياً فطلب قتله، فهرب منه إلى قرقيس، وخبره معروف في التاريخ، وتقدم أن من فضَّله على أبي بكر وعمر جلده جلد المفتري، وبقيت في نفوس المبطلين خمائر بدعة الخوارج من الحرورية والشيعة.
ولهذا كان الرفض باب الزندقة، كما حكاه القاضي أبو بكر بن الطيب عن الباطنية، وكيفية إفسادهم لدين الإسلام قال: فقالوا للداعي: يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلماً أن تجعل التشيُّع عنده دينك وشعارك، واجعل المدخل من جهة ظلم السلف لـ علي وقتلهم الحسين ، والتبري من تيم وعدي وبني أمية وبني العباس، وأن علياً يعلم الغيب، يفوَّض إليه خلق العالم! وما أشبه ذلك من أعاجيب الشيعة وجهلهم! فإذا أنِسْت من بعض الشيعة عند الدعوة إجابةً ورشداً أوقفتَه على مثالب علي وولده رضي الله عنهم. انتهى.
ولا شك أنه يتطرق مَن سب الصحابة إلى سب أهل البيت، ثم إلى سب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ أهل بيته وأصحابه مثل هؤلاء الفاعلين الضالين].
بعد أن ذكر المصنف الخلفاء العشرة ذكر بقية الصحابة وذكر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم شيء من فضائل الصحابة جميعاً أو بعضهم كقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] وكانوا ألفاً وأربعمائة وزيادة رضي الله عنهم.
وكذلك أيضاً قد أخبر تعالى بأنه رضي عنهم في آية أخرى كقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100] والآيات كثيرة كما تقدم، ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه) هذا في الصحابة رضي الله عنهم، وما ذاك إلا لأنهم فاقوا غيرهم بالصحبة، متى يدركهم غيرهم؟! متى يصل إلى ما وصلوا إليه؟!
لقد سبقونا وسبقوا مَن قبلنا بصحبتهم لنبينا صلى الله عليه وسلم، وبقتالهم معه وجهادهم، وبإيثارهم له، وبإنفاقهم أموالهم في سبيل نصرته، وبالأخذ عنه والتعلُّم منه، وبالقيام بعده بالسنة وتبليغها، وبالجهاد في سبيل الله معه وبعده، متى يدركهم غيرهم رضي الله عنهم؟!
نقول بعد ذلك: حق الصحابة وأمهات المؤمنين على جميع المؤمنين الترضي عنهم، ومحبتهم، والاعتراف بحقهم، والاعتراف بفضلهم، ونقول: إن من أحب الصحابة ومن أحب أمهات المؤمنين فهو -كما يقول الشارح:- بريء من النفاق، ومن أبغضهم ففي قلبه نفاق.
لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبراً
و قنبر هو غلام له، فصاروا يدعونه وهو يحرقهم ويقذفهم في النار واحداً واحداً، فهؤلاء أول الغلاة، ولا يزال لهم ورثة يدعون أن علياً هو الله، حتى يقول قائلهم:
أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين
حيدرة أي: علي، فيعني: لا إله إلا علي، تعالى الله! فمن إله الناس قبل علي ؟! من إله الناس بعد علي ؟! ولكنهم لا يعقلون.
ومن أخبار هؤلاء القرامطة الباطنية حادثتهم الشنيعة، التي هي أشنع الأمور، وهي قتلهم الحجاج في الحرم المكي سنة ثلاثمائة وسبعة عشر، كان الحجاج محرمين في يوم التروية يطوفون فلم يشعروا إلا وقد سلّ ذلك القرمطي وأصحابه سيوفهم عليهم، وأخذوا يقتلون الحجاج قتلاً ذريعاً، فجعل الحجاج يلوذون بالكعبة، ويتعلقون بأستارها، وجعل يقتلهم، ولا يبالي بهم، حتى قتل من شاء منهم، وقذفهم في بئر زمزم حتى امتلأت من القتلى، وامتلأت الساحة من القتلى، وكان من أمره أن خلع كسوة البيت، وفرقها بين أصحابه، وأصعد رجلاً ليقلع ميزاب الكعبة، ولكن ذلك الرجل الذي صعد ليقلعها سقط على أم رأسه فمات إلى النار، فخاف الملعون أن تكون هناك عقوبة، ولكنه قلع الحجر الأسود، وخرج هارباً بمن معه ومعه الحجر الأسود، بعد أن فشا القتل في الحجاج، وبقي الحجر عندهم اثنين وعشرين سنة، إلى أن رد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة بعد أن ضعفت شوكتهم وهددوا.
وتعرفون أن من مبادئهم التقية، وهي أنهم يلعنون الرافضة ويلعنون الشيعة أمام أهل السنة، ويترضون عن الصحابة في ظاهر أمرهم، ولكنهم كالذين قال الله فيهم: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] تعالى الله عن قولهم، كأنهم يستهزئون بالله ويستهزئون بالمسلمين، فهذه مقالة هؤلاء، فكيف يوثق بهم؟!
وقد عرفنا أن من أحب الصحابة رضي الله عنهم وأحب أمهات المؤمنين ووالاهم وسار على نهجهم فهو إن شاء الله بريء من النفاق؛ وذلك لأن محبتهم تحمل على اتباعهم، وتحمل على العمل بسنتهم وبنقلهم وبما جاء عنهم، أما بغضهم، أو بغض أحد منهم، أو تهمتهم بأنهم خانوا، أو أنهم كذبوا؛ فهذا سوء ظن بالله، وادعاء أنه ما حفظ كتابه، وما حفظ دينه، وتكذيب لقول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فلينتبه لمثل هذا، وليعلم أن محبة الصحابة رضي الله عنهم براءة من النفاق، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق الأنصار: (لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق)، وإذا كان هذا في حق الأنصار، فالمهاجرون بطريق الأولى، لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق.
ونحن نحب أهل البيت، ونحب علياً رضي الله عنه وزوجته وأولاده، ونبرأ إلى الله ممن كفرهم أو ضللهم، نحبهم ونشهد الله على محبتهم، فبماذا تطعنون علينا يا معشر الرافضة؟! نحن نحبهم أشد من محبتكم لهم، فلو قلتم: إن من أحب علياً لزمه أن يبغض أبا بكر، قلنا: كذبتم، أبو بكر هو صديق علي وحبيبه، وقد سمعنا ما نقل الشارح رحمه الله أن علياً رضي الله عنه كان يؤدب من فضله على أبي بكر وعمر، ووالله! لو خرج علي لأدب هؤلاء الرافضة الذين يشتمون أبا بكر وعمر ، ويشتمون أجلاء الصحابة، ولنكل بهم، ولكنهم قوم لا يعقلون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر