أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني في الله! إن الله إذا أحب عبداً من عباده شرح صدره لطاعته، فإذا أراد أن يتمم عليه نعمته وأن يكمل عليه منته تممها وكملها بمكارم الأخلاق، يوم يصير للخيرات سباقاً، ولطاعة ربه ورحمته توَّاقاً ومشتاقاً، يوم يصير مفتاحاً من مفاتيح الخيرات، وسبباً من أسباب الرحمات، يوم يفرج الله به هموم المسلمين وغمومهم يوم يفرج الله به كربات المكروبين، ويرحم به المعذبين، ويغني به الفقراء والبائسين، يوم يجعله الله جل وعلا رحمة من رحماته، حين يملأ قلبه عطفاً على المسلمين، ورحمةً بهم ومواساة للمحتاجين.
إنها صنائع المعروف التي اصطفى الله لها رجالاً واختار لها على مر العصور والدهور أجيالاً، يوم جعلهم مفاتيح الخيرات والرحمات، فعاشوا في هذه الحياة بالذكر الجميل والعمل الصالح الجليل، وخرجوا من الدنيا والله راضٍ عنهم غير غضبان، يوم أصبحوا نعمة على العباد لا نقمة عليهم، أصبح الواحد منهم مسلماً لله منقاداً مطيعاً مستسلماً ما إن يسمع رحمة من الرحمات ولا باباً من أبواب الخيرات إلا كان إليه سباقاً طالباً لـه ومشتاقاً، إنها الرحمة التي أسكنها الله قلوب الرحماء ولم تدخل الرحمة إلى قلب عبد من عباد الله، إلا أهله الله لرحمته، فالله يرحم من عباده الرحماء والله يحلم على الحلماء، وييسر على الذين ييسرون على عباده، ويرفق بمن رفق بخلقه وعبيده.
إنها أبواب الخيرات، وأبواب الطاعات والرحمات التي يحقق بها المسلم إسلامه، التي يحقق بها المؤمن طاعته لربه والتزامه، إنها الاستقامة الصالحة، إنها الاستقامة الصادقة، يوم يتفطر قلب العبد شوقاً وحنيناً إلى رحمة من رحمات الله، وما يدريك فلعل دمعة اليتيم التي كفكفتها يكفكف الله بها دموعك في الحشر، وما يدريك عن هذه الكربة من أرملة من أرامل المسلمين فرجتها عنها فلعل الله أن يفرج عنك بها كربة من كرب يوم الدين، في يوم شديد الأهوال، في يوم تشيب منه ذوائب الأطفال، في يوم تضع فيه الأثقال ذوات الأحمال.
أيها الأحبة في الله: ما شرح الله صدر عبدٍ من عباده لهذه الخيرات إلا جعله من أحب الخلق إليه، ومن أكرمهم وأعظمهم زلفى لديه، لذلك كان من أجلِّ نعم الله بعد الهداية أن يشرح صدر الإنسان لصنع المعروف.
صنائع المعروف وما أدراك ما صنائع المعروف؟ التي يخط بها العبد الصالح في دواوين الصالحات تلك الحسنات العظيمة.
صنائع المعروف وما أدراك ما صنائع المعروف؟ التي غفر الله بها الذنوب، وستر بها العيوب وفرج بها الهموم والغموم والكروب، فيا لله من أقوام عاملوا الله جل وعلا بهذه الأعمال الصالحة، خرجوا وقد ملئت دواوين أعمالهم بالحسنات الباقية، إنه الأجر الذي يتقدم الإنسان إلى الدار الآخرة، إنها مزارع الآخرة التي يحصدها الإنسان في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
لذلك أيها الأحبة في الله! كل مؤمن صالح ينظر في كتاب الله أو يقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد تلك الأبواب أمام عينيه مفتحة، يجد أمام عينيه الخيرات مؤهلة، تلك الخيرات وتلك الرحمات التي ندب الله إليها الصالحين والصالحات، فقال في كتابه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148].
أن تنفق يوم تنفق والآخرة أمام عينيك، أن تنفق يوم تنفق ومزارع الجنة كأنها أمام ناظريك، أن تشتري رحمة الله بكل مالٍ تُعطيه ولكل فقير تواسيه، أن تشتري رحمة الله بقلب لا يريد إلا ما عند الله جل جلاله، ما كان لله دام وبقي .. ما كان لله نفع العبد في الدنيا وفي الآخرة.
فينبغي على الإنسان إذا فتح أبواباً من أبواب الخير، أو أوقفه الله جل وعلا أمام باب من أبواب الخير أن يفكر أول ما يفكر في المتاجرة مع الله.
إن المتاجرة مع الله باقية، وهي الصدقة الطيبة الخالدة التي يثيب الله صاحبها عليها في الدنيا والآخرة إخلاص العمل لله.
وكم من عامل أحبط الله عمله بالرياء! وكم من عامل أحبط الله عمله بالثناء! فاشترِ ما عند الله جل وعلا، فإن الثناء كل الثناء من الله، وإن أعظم ما ينتظره العبد رضوان الله جل جلاله، ولذلك ورد في الحديث وإن كان قد تكلم بعض العلماء على إسناده ولكنه عبرة وعظة ومعناه صحيح: (أن العبد إذا أقامه الله يوم القيامة وذكره أعماله الصالحة، قيل له: قرِّب، فيقرب أعماله، فيقول الله: ما تقبلت منها شيئاً) نسأل الله السلامة والعافية.
وجاء في رواية أن الله تعالى يقول لـه: (اذهب فخذ أجرك ممن رائيته) اذهب وخذ الحسنات والأجور من ثناء الناس، خذ ما تريد من مدح الناس، خذ ما تريد من ذكر الناس، فاليوم لمن أراد الله والدار الآخرة، اشتر رحمة الله فإنها باقية خالدة تالدة.
أن يكون عند الإنسان قلب رقيق، قلب إذا جاءه المهموم بهمه لا يتحمل أن تفيض عيناه، وكأنه صاحب شكواه.
أن يكون عند الإنسان قلب يعيش أشجان المسلمين وأحزانهم، فإذا جاءه المكروب بكربه أو جاءه المهموم بهمه أو المغموم بغمه فتح له ذلك القلب الرقيق الرحيم؛ حتى تهون على صاحبه الدنيا فيشتري بها رحمه الله جل جلاله.
أن يكون عند الإنسان قلب يعطف على المسلمين ويرحم المسلمين، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الله) الراحمون أي: الذين أكرمهم الله جل وعلا بلين القلوب، والعطف على عباد الله، والشفقة على خلق الله جل جلاله، فليكن الإنسان رحيماً بعباد الله.
إذا أتاك المهموم أو صاحب الحاجة أو المغموم فاعلم أن له فضلاً عليك يوم اختارك من بين الناس لهمه وغمه.
ولذلك قال ابن عباس : [ما سألني صاحب حاجة حاجته إلا اعتقدت الفضل لـه أن اختارني من بين الناس] اختارك من بين الناس لحزنه، واختارك من بين الناس لهمه وغمه، فأعطه من الحنان وأعطه من الرحمة والإحسان فوق ما يرجوه منك.
فإذا رزق الله الإنسان إخلاص العمل ورزقه قلباً رقيقاً بعباد الله رحيماً رفيقاً؛ تهيأت له أبواب الخيرات وتيسرت له سبل المكرمات جعلنا الله وإياكم منهم.
ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه يقام للرجل يوم القيامة ديوانه فتأتي أعمال كالغمامات فيقول: يا رب ما هذا؟ فيقال: سنن هديت إليها كان لك أجر من عمل بها) أي: سنن وخيرات دللت عليها وصنعت بها المعروف أجرت مثلما أجر أصحابها.
والسعي على الأرامل والأيتام قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة واليتيم كالصائم النهار الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر) قال بعض العلماء: إنما فضل النبي صلى الله عليه وسلم السعي على الأرامل والأيتام بهذا الفضل لأن النفع متعدٍ، ومثل اليتيم والأرملة لا يجد من يعينه إلا الله جل جلاله، فإذا أهَّل الإنسان نفسه للسعي عليهم وتفريج كرباتهم والإحسان إليهم كان ذلك من أعظم الخير والبر.
وقال بعض العلماء: من زكاة الجاه والذكر الجميل، أن يسعى الإنسان في تفريج كربات الناس بذلك الجاه، من شكر نعمة الله بالجاه أن تبذله في تفريج الهموم وتفريج الغموم بالشفاعة الحسنة قال الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85] الشفاعة الحسنة التي تعين على إيصال الخير للناس وتفريج الهموم والغموم عن عباد الله من صنائع المعروف.
فالمسلم يحتاج من أخيه إذا نزلت به ضائقة أن يواسيه ويسليه، يحتاج من أخيه إذا نزل به همٌّ وغمٌّ أن يثبته، فإن القلوب إذا نزلت بها المصائب تزلزلت، إلا أن يثبتها الله جل وعلا من عنده، فإذا جاء العبد الصالح وذكّر أخاه بما عند الله من الأجر والمثوبة كان ذلك من أعظم المعروف الذي يسديه إليه.
إنها لخطوات عزيزة عند الله يوم تسعى في لمِّ شملٍ قد تفرق .. يوم تسعى لجمع قلوب المؤمنين، فما أحوج الناس إذا وقعت بينهم الخصومات والنـزاعات إلى من يجمع شملهم .. إلى من يؤلف بين قلوبهم .. إلى من يقطع سبيل الشياطين عنهم .. إلى من يقف معهم لكي يذكرهم بما في العفو من الأجر عند الله جل جلاله!
فلذلك كان من أحب الأعمال إلى الله: السعي بالصلح بين الناس .. الصلح بين الزوجين .. الصلح بين المتخاصمين، فلا تعلم بقطيعة بين مسلم ومسلم إلا أهّلت نفسك للصلح بينهم، فإن الله يشكر خطوات الصلح ويحب أهلها ويثني عليهم كما أخبر الله جل وعلا بحسن الأجر لهم، وأن من احتسب أجره وثوابه عند الله أن الله يؤتيه أجراً عظيماً.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخيرات، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وتفريج الكربات، اللهم فرج عنا همومنا، وفرج عنا غمومنا، اللهم أصلح لنا أحوالنا إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
باسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا أحب في المحاضرة أن يكون الحديث لي وحدي، بل يكون هناك طرف للأسئلة، علَّ أن يكون الأجر للجميع، فمن سأل لـه أجر مثل أجرنا، وهذا من صنائع المعروف، أسأل الله العظيم أن يكتب خطاكم وأن يقرن بطيب الجنة مسعاكم، لا خيبكم الله، وأسأل الله بعزته وجلاله أن يجعل كل خطوة خطوتموها درجة في الجنان، موجبة للروح والريحان والحب منه والرضوان.
أما أنا فبين أيديكم، وما جئت إلا شوقاً إليكم، فأسأل الله أن يدخلنا بهذا الشوق والحب فيه إلى الجنان، وأن يمتعنا بها وإياكم في الرضوان، وما يمنعني أن يكون هناك مشاركة في الأسئلة، وهذا أفضل من أن يكون الحديث مني وحدي.
الجواب: أخي في الله: ما ألذ العبودية لله، فلقد ذهبت من الدنيا حلاوتها ومضت طلاوتها ولم يبق إلا مناجاة الله، لقد تغير الزمان وكثرت الفتن، ولم يبق إلا الأُنس بالله الواحد الديان، إن مناجاة الله خاصة إذا هدأت العيون وسكنت الجفون ولم يبق إلا الحي القيوم، إنها ساعة وأي ساعة هي الساعة التي دمع عليها الأخيار آخر الدموع من الدنيا، فقال قائلهم: والله لا أبكي على فراق الدنيا فما غرست فيها الأشجار، ولا أحبها لغرس الأشجار ولا لجري الأنهار ولكن لمكابدة الأسحار وظمأ الهواجر.
ما ألذ الساعة التي يقوم فيها ولي الله من حبه وزوجه؛ لكي يناجي الله جل جلاله، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن العبد إذا قام في الليل من عند زوجه لكي يتعبد ويتذلل لله ويناديه ويناجيه، يقول الله: يا ملائكتي عبدي ما الذي أقامه من حبه وزوجه وفراشه؟ قالوا: يرجو رحمتك ويخشى عذابك، قال: أشهدكم أني أمنته من عذابي وأصبته برحمتي).
ما ألذها من ساعة حين يقف العبد بين يدي الله جل جلاله وقد رمى بالدنيا وراء ظهره يناجيه ويناديه بذلك الكلام العظيم، حين يقرأ القرآن فينقله القرآن من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ينقله مع أهل النعيم والرضوان المقيم، ينقله إلى مراتع جنات الخلود مع المقربين الشهود، وكأن نسماتها تحركت.
ما ألذها من ساعة حينما يتلذذ العبد بكلام الله جل جلاله، إنها ساعة الصدق، فلا تراك عين ولا تسمعك أذن، ولا يعلم بك أحد إلا الله جل جلاله.
ما ألذها من ساعة، والله لو أن العبد صدق مع الله جل وعلا وابتدأ قيام الليل لربما بزغ عليه الفجر وهو لا يشعر بنفسه، وأذكر عن الوالد رحمة الله عليه أنني تذاكرت معه في قراءة القرآن في الليلة الواحدة: هل يختم الإنسان القرآن في ليلة واحدة؟ وأحرجته وألححت عليه في السؤال، قال: والله يا بني لقد كنت أخرج من المسجد بعد العشاء وأستفتح قيام الليل وفي ركعة واحدة لا أشعر إلا وأني في آخر القرآن عند السحر، من لذة مناجاة الله جل جلاله، إنها اللذة التي لا يعلم حلاوتها إلا من ذاقها.
جرِّب فوالله إنك ستحس بحقارة الدنيا وأن هناك متعة غير متعتها، ومع هذا كله فعاقبة السجود وعاقبة الركوع إذا صار الناس إلى الهجود رضوان الله الواحد المعبود، مع هذا كله لربما بزغ عليك الفجر وأنت قائم بين يدي الله في شدة البرد أو ضيق الحر فلم تنفتل من السجدة الأخيرة إلا ربما تنفتل من ذنوبك كيوم ولدلتك أمك، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن العبد إذا توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه -في إحدى الروايات- ثم سلم إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
قيام الليل هو دأب الصالحين الذين عرفوا قيمة الآخرة وقيمة الدنيا، مزارع للآخرة يشتري العبد بها رحمة الله في ركعة أو سجدة أو في تسبيحة أو استغفار، فنسأل الله بعزته وجلاله أن يرزقنا هذه اللذة، وأن يجعلنا من أهلها وأن يميتنا عليها، والله تعالى أعلم.
أرجو من فضيلتكم أن تبين لي ولأخواتي لكي لا يخطئن مثل خطئي أين تكون السعادة؟ هل هي في الشهادة أم في غيرها؟ كذلك أرجو نصيحة لإخواني الشباب الذين يعزفون عن الزواج بأخواتهم في الله تعالى إذا كبرن عن السن المختار؟
الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن السعادة كل السعادة ليست في جمع الأموال، ولا إصلاح الأحوال، ولكنها في حب الله الكبير المتعال، يوم يحب الله عبده فيشرح صدره وييسر أمره، ويجعله عبداً تقياً من معصية الله خلياً نقياً، يوم يفتح الله عز وجل لـه أبواب الطاعات حتى يصير من السعداء، فالسعادة كل السعادة في تقوى الله جل وعلا.
ولست أرَ السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد
السعادة في تقوى الله؛ لأن الله جمع فيها خيري الدنيا والآخرة، فخير الدنيا في أمرين: إما أن يدفع عنك ضرراً أو يجلب لك نفعاً، فقال الله في التقوى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] فجمع لـه الدنيا في هاتين الآيتين.
وأما الآخرة فإن الله جل وعلا جعلها للمتقين: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:31-33] فالسعادة في تقوى الله جل وعلا، يوم تمسي المرأة المؤمنة وتصبح وليس في قلبها إلا الله جل جلاله، يوم تعمل للدار الآخرة فتلك هي السعادة الحقيقية، حتى تجد آثار الصالحات في دنياها وأخراها، والله ما اتقى عبد ربه إلا أقر عينه في الدنيا قبل الآخرة، ولا أطاع عبدٌ مولاه على أكمل ما تكون عليه الطاعة إلا أسعده في الدنيا قبل الآخرة مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] أي: والله لنحيينه حياةً طيبة، السعادة كلها في حب الله، والسعي الحثيث لمرضاة الله جل جلاله.
أما القضية الثانية: فإن الابتلاء الذي بليت به جاء من سوء النية إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] أنعم الله على المرأة بحسن الحال، وكانت في شبابها وعز حالها، والناس يطلبونها لكرامتها عليهم، فلما كفرت نعمة الله ونظرت إلى ما ورائها من طلب الشهادات وعلو الدرجات من هذه الدنيا الفانية، بليت بهذه العاقبة الوخيمة نسأل الله السلامة العافية، فهذه من عاجل العقوبة أنك طلبت العلم للدنيا ومن طلب العلم للدنيا مكر الله به في الدنيا قبل الآخرة، هذا معلوم ونص عليه العلماء: أن من طلب العلم للدنيا .. لشهادة .. لعلو درجة .. لطلب جاه، فإن الله يمكر به في الدنيا قبل الآخرة نسأل الله السلامة والعافية.
فأوصيك أولاً: بالاستغفار من هذه النية، فالزواج يهون ولكن الخطب كل الخطب (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لينال به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) نسأل الله السلامة والعافية، هذه هي المصيبة العظيمة مصيبة الدين.
أما الوصية الثانية التي أوصيكِ بها: فمن الليلة استغفري ربك وتوبي إليه ،فإن الله يصلح حالك، فإن الله يقول: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46] فإنكِ إن استغفرتِ الله واستدمتِ الاستغفار وسؤال الله الرحمة فليرحمنك الله في الدنيا قبل الآخرة، أكثري من الاستغفار علّ الله أن يغفر لك الذنب الذي بليت به حتى حيل بينك وبين هذا الخير الكثير، وما يدريك لو تزوجت فأخرج الله منك ذرية صالحة تعبد الله آناء الليل وأطراف النهار، فاغتنمي أختي المسلمة هذه الفرصة وهي كثرة الاستغفار، فإنها من أسباب الرحمة من الله جل وعلا.
الوصية الثالثة: يجب أن تكون مثل هذه المواقف عبر للمؤمنين والمؤمنات، عبرة للمرأة المؤمنة ألا تتأخر بعذر الدراسة أو بإكمال الدراسة، فإن المرأة المؤمنة جعلها الله جل وعلا حرثاً للمؤمنين، لكي تبني الأسرة المسلمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ندبنا إلى النكاح والتناسل والتكاثر، فقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث النكاح: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة).
الوصية الرابعة: لا تيأسي من رحمة الله، فأكثري من الدعاء أن يسخر الله لك زوجاً صالحاً، وأحسني الظن بالله، فإن الله على كل شيء قدير.
الوصية الخامسة: أوصي الشباب الأخيار الذين يلتمسون رحمة الله ورضوان الله أن يفرجوا هموم أمثال هؤلاء من النساء، إن في النساء صالحات قانتات، إن في النساء خيرات دينات ولكن بُلين بكبر السن، فإما بسبب ولي أو بسبب منها، فتجد وليها لا يرغب كل زوج ويماطل في زواجها، وإما أن يكون السبب منها كحال هذه السائلة.
فأوصيكم إخواني في الله أن تفرجوا هموم أمثال هؤلاء، فإنه من احتسب الأجر في أمثال هؤلاء فلعل الله أن يخرج منهن ذرية صالحة، فإن العبد إذا احتسب الأجر عند الله فإن الله يجزيه على حسن نيته، فاحتسب الأجر عند الله، فليس السن هو المهم، ولكن المهم كل المهم الصلاح والديانة والاستقامة وشراء مرضاة الله جل وعلا بتفريج كرب مثل هذه، فإن المؤمنة إذا لم تجد من يحصنها قد تتعرض للحرام والنفس ضعيفة والشهوات كثيرة، فاحتسب الأجر عند الله.
عبد الله: إذا علمت بامرأة صالحة أنها لا تجد من يخطبها لكبر سن فاحتسب، فلعلك أن تخرج من الدنيا ولك صحيفة عمل أنك تزوجت لا لجمال ولا لمال ولكن لوجه الله الكبير المتعال، أن تخرج من الدنيا بحسنة من حسنات مؤمنة تفرج عنها كربها، وهذا أمر يتساهل فيه الكثير، فالبعض يبحث عن الشابات والجمال، هذه كلها متع زائلة وفانية، ولعلك أن ترزق بامرأة كبيرة عاقلة يكون من ورائها خير كثير، فإن الله ثبت قلب نبيه صلى الله عليه وسلم بـخديجة وهي أكبر منه سناً رضي الله عنها وأرضاها، جاءها ذعراً مرعوباً مرهوباً فقالت لـه: [كلا والله ولا يخزيك الله، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق] فثبّت الله قلب نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه المرأة الصالحة، لما كانت كبيرة السن عاقلة، فالمرأة الكبيرة لها عقل، ولعل الإنسان أن يأجره الله على نيته فيكون منها ذرية صالحة، فاحتسبوا الثواب في أمثال هؤلاء، وكذلك احتسبوا الثواب في المطلقات والأرامل.
إن الإنسان إذا علم أن هناك مطلقة أو أن هناك امرأة صالحة أرملة ابتلاها الله بزوج سيئ فطلقها وأهانها، وتستطيع أن تتزوجها، فاحتسب عند الله، فهذه هموم وغموم من نوى فيها الخير آجره الله جل جلاله، فاحتسبوا أيها الأحبة في الله الزواج يكون للدنيا والآخرة، فما كانت للدنيا فلذة ساعة وألم دهر، ولكن ما كان للآخرة فلذة الدنيا والآخرة، وسعادة الدنيا والآخرة، والتجارة الرابحة، نسأل الله العظيم أن يلهمنا السداد والرشاد.
والكلمة الأخيرة التي أحب أن أوجهها، فأوجهها لكل ولي امرأة بأن يتقي الله جل جلاله فيها، اتقوا الله في النساء فإن الله حملكم أمانتهن، ليتق الله الوالد، وليتق الله الأخ، وليتق الله كل ولي امرأة، ولا يبق متمسكاً بأمور قد لا ترضي الله جل وعلا من العصبيات ونحوها، فإنها قد تحول دون زواج المؤمنين والمؤمنات.
بعض النعرات التي لا ترضي الله وهي من أمور الجاهلية كالفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، فالكل من التراب وإلى التراب.
فإن المرأة إذا حبسها وليها بدون حق وماطل في زواجها حتى عنست وربما تعرضت للزنا لاشك أنه يحمل ذنبها بين يدي الله جل جلاله، والله إن هموم الليل والنهار التي تعيشها كثير من النساء المظلومات من أوليائهن يحملها الأولياء على ظهورهم، فاتقوا الله يا عباد الله! إنها مسئولية عظيمة، وكل إنسان يعلم أن أخته قد تأخر زواجها أو أن ابنته قد تأخر زواجها فعليه أن يتقي الله فيها، وكم من هموم وغموم يسلطها الله على أمثال هؤلاء لأنهم لم يتقوا الله في النساء، فاتقوا الله إخواني في هذه الأمانة العظيمة، والمسئولية الجليلة الكريمة، وليخرج الأب بهذه الأمانة بما يرضي الله جل جلاله، نسأل الله العظيم أن يوفقنا للسداد، وأن يكرمنا بحسن العاقبة في المعاد، والله تعالى أعلم.
الجواب: أوصيك بهذا الصيام الذي ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم واحتسب الأجر عند الله، وما تجده في نفسك من هذا الحديث فلعله وسوسة من الشيطان، احتسب عند الله الأجر وصم الإثنين والخميس واحتسب الثواب عند الله جل وعلا في صيامها، فإن وجدت شيئاً من الرياء أو شيئاً من العجب فاستغفر الله وتب إليه، فإن الله غفار لمن تاب ويصفح عمن ندم وأناب، والله تعالى أعلم.
الجواب: أولاً أحب أن أنبه على أمر مهم وهو الوصف لقولك: كثير من الشباب، لقد اتهمت الشباب والله سائلك عن هذه التهمة، عليك نفسك وقل: إني أجد هذا البلاء في نفسي فلا تقل: كثير من الناس، فإن الأخيار إن شاء الله هم أقرب إلى الخير، فلعل سامعاً أن يسمع هذا السؤال فيظن بالأخيار سوءاً، وأرجو من الله أنهم خير من ذلك وأرفع، ولا يحكم الإنسان إلا على نفسه.
أما الأمر الثاني: فإن الذنب إذا بلي به العبد ينبغي عليه أن يتفقد نفسه، فإن الله لا يخذل الإنسان بذنب إلا بسبب بينه وبين الله، فتفقد نفسك وحالك مع الله جل وعلا، واقترب من الله جل وعلا حتى يعينك على التخلص من هذا البلاء، وخذ بالأسباب:
أولاً: ألا تخلو بنفسك قدر المستطاع، فإنه قد حكى بعض الإخوان ممن بلي بهذا البلاء أنه ما وجد شيئاً مثل إشغال نفسه بأكثر الوقت، وأنه لا يقدم إلى بيته إلا في ساعة متأخرة منهكاً متعباً حتى يرتاح وينام، فهذه من الأسباب التي تعين على ترك هذه المعصية.
ثانياً: ذكر الآخرة وخشية الله جل جلاله، وهي من أعظم الأسباب، أن تذكر أنه تمر عليك مثل هذه الساعة وأنت ضجيع اللحد والبلاء، هل يسرك أنك فعلت هذا الفعل؟ وأنه قد تمر عليك هذه الساعة وأنت في سكرات الموت وشدة الموت وآخر نظرتك إلى الدنيا، هل تتمنى أنك فعلت هذا الفعل؟ الآخرة هي التي تهذب سلوك المؤمن .. كثرة ذكر الآخرة .. ذكر الموت وسكرته، والقبر وضغطته، والحساب وشدته، والصراط وزلته، والجبار وسؤاله وهيبته، كل ذلك يعين على كبح جماح النفس على معصية الله.
والناس في خوف الله وذكر الآخرة مراتب:
فإن كمل خوفك وأصبحت كثير الذكر للآخرة كمل ردع الآخرة لك عن الأمور التي لا ترضي الله جل وعلا، كلما كمل خوف الإنسان من الآخرة كلما كان ذلك أحصن لفرجه وأعف لنفسه، فلا زال ذكر الآخرة بأهله حتى أخرجهم من الدنيا أعفة عن الحرام .. أعفة عن الفواحش والآثام، أكثر من ذكر الموت وذكر سكرته، وذكر القبر وضغطته، وكذلك الحساب وفجعته وشدته، فإن ذلك من أعظم الأسباب التي تحول بين هذا الإنسان وبين الخطايا، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يمن علينا وعلى المسلمين جميعاً بصلاح الأحوال، والله تعالى أعلم.
الجواب: أما هذا الحديث فقد تكلم العلماء رحمهم الله على سنده، فهو حديث ضعيف ولكن معناه صحيح، فهو صحيح المعنى لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الصدقة تطفئ غضب الرب كما يطفئ الماء النار) فأخبر أن الصدقة تطفئ غضب الرب، والصدقة من صنائع المعروف.
وثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها -في صلاة الكسوف- (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس إذا كسفت الشمس أن يدعوا وأن يصلوا وأن يتصدقوا)، فدل هذا -كما يقول العلماء- على أن أعظم أسباب الخير الصدقة وفعل المعروف.
وأذكر حادثة قصها رجل من أصدقاء الوالد غريبة جداً، وسمعته بأذني يحكيها للوالد رحمة الله عليهما -فقد توفيا- يقول هذا الرجل -أحسبه من الأخيار والصالحين وهو رجل كان أميراً في قومه- أنه كان نازلاً من الطائف إلى مكة في يوم الجمعة وكان معه ابنه، فأراد الله عز وجل أنه رأى رجلاً ضعيفاً، فقال لابنه: قف لهذا الضعيف، فكأن الابن رأى إلى رثاثة حال هذا الضعيف وما هو عليه من الملبس الرث، فكره أن يركب معه في هذه السيارة الفارهة.
يقول الوالد: فعلمت ما في نفس ابني، فلما ركب الرجل ذكرت ابني بصنائع المعروف، وأن الله يقي بها مصارع السوء، وأن الله يحفظ بها، وأن الله يلطف بها، فلما دخلنا إلى مكة ونحن في أشد ما تكون السيارة في السرعة لندرك الجمعة، وإذا بطفل أمام السيارة تماماً لا نستطيع أن نفر عنه، فمرت عليه السيارة، فأصابه شيء من الرعب، فتوقفنا على أن الابن قد قضى ومات، وإذا به قائم على رجليه ليس به أي بأس.
يقول: فلما ركبت السيارة انكفأت على وجهي وأنا في حالة لا يعلمها إلا الله، قلت: يا بني والله ما أعرف لك إلا هذا المعروف الذي فعلته فحفظنا الله وإياك به.
وهذا عاجل ما يكون في الدنيا، فالله يلطف، وغالباً إذا رحم الإنسان عباد الله لطف به الله عز وجل، والقصص في ذلك كثيرة جداً في لطف الله، وأن صنائع المعروف يحفظ الله جل وعلا بها، والله تعالى أعلم.
الجواب: بكل اختصار أولاً: لا يمكن للإنسان أن يشهد الصلوات ويحافظ عليها إلا بكمال الإيمان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المنافقين: (لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) فالإيمان هو الذي يحرك القلوب لشهود الصلوات مع الجماعة.
ثانياً: احتساب الأجر والثواب، ولذلك قال العلماء: إن الإنسان يحافظ على الخير إما رغبة أو رهبة، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر رغبتهم في الدنيا، فقال: (لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً) فإذا استشعرت ما في الصلاة مع الجماعة من عظيم الأجر والرحمة والرضا من الله جل وعلا أعانك ذلك على ترك الفراش والمبادرة إلى الصلاة.
ثالثاً: كثرة الخطا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ وذكر منها: كثرة الخطا إلى المساجد)، فخروجك إلى الصلاة مع الجماعة، واحتسابك للأجر في كثرة الخطا وشهود الصلاة، فإن شهدتها من أول ما تكون من تكبيرة الإحرام والتأمين مع الإمام وغير ذلك من الفضائل كان ذلك أعظم حظاً لصاحبها.
إن استشعار هذا الثواب من الله جل وعلا هو الذي يحرك الإنسان لما عند الله، لكنه لم يكن إلا بإيمان، فإذا كان عند الإنسان إيمان وشعور بالثواب من الله عز وجل حركه إلى المبادرة والمسارعة إلى مثل هذه الصلوات.
رابعاً: الأخذ بالأسباب، فمن أعظم الأسباب النوم مبكراً، فقد قرر العلماء أنه إذا كان سهر الإنسان ولو في النوافل يؤدي إلى ضياع صلاة الفرض أنه لا يجوز له أن يسهر، لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به، فإذا كان سهر الإنسان يؤدي إلى ضياع صلاة الفجر فلا يجوز له السهر إلا من ضرورة ملحة، فإن سهر وضع بجواره منبهاً أو يوصي أحداً أن يوقظه، أو يوصي جاره، أو يوصي إمام المسجد أو مؤذن المسجد أو نحو ذلك، أو من يتصل عليه، يأخذ بالأسباب، فإذا أخذ بذلك فإن الله يعينه.
والأصل في هذا حديث أبي حذيفة في الصحيحين : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرس في مقدمه من غزوة، قال: يا
خامساً: يقول بعض العقلاء والحكماء: إن من الأمور التي تعين على الاستيقاظ أن الإنسان يجعل في نفسه الرغبة في القيام، فإنه إذا جعل في نفسه ذلك دعاه إلى القيام، وهذا مجرب فإنك إذا نمت وفي نفسك أن تقوم آخر الليل أعانك الله على قيام آخر الليل، وإذا جعلت في نفسك أن تقوم لصلاة الفجر أعانك الله على قيام صلاة الفجر، ولذلك تجد الكثير إذا وضع في نفسه أنه يقوم لاختباره أو لامتحانه قام بكل سهولة ويسر، نسأل الله السلامة والعافية.
فلذلك ينبغي على الإنسان أن يأخذ بالأسباب، وإذا أخذ الإنسان بالأسباب أعانه الله جل وعلا، وأجر عليها وكفي المئونة والذنب، والله تعالى أعلم.
الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعــد:
فجزاك الله خيراً على هذا السؤال الذي هو من أهم الأسئلة لتعلقه بالصلاة.
أما الخشوع في الصلاة فهي نعمة إلهية، ومنة ربانية يمنحها الله من يشاء، وذلك فضله، ونعم والله العطاء يوم يكرم الله العبد فيقبل على الله بقلبه وقالبه.. يوم يقبل على الله جل وعلا يستشعر هيبة الموقف بين يديه جل جلاله.
أوصيك أخي في الله إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله فادخله وليس في قلبك إلا الله، أثر عن بعض السلف أنه أكثر من عشرين عاماً ما سها في صلاة واحدة، فقيل: لقد أممت في أكثر من عشرين عاماً ما سهوت في صلاة واحدة فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما دخلت المسجد وفي قلبي غير الله.
أن تدخل إلى هذه المساجد وأنت على عقيدة وإيمان أنها لله لا للدنيا.. أن تدخلها وأنت ترعد فرائصك من خشية الله جل جلاله.. أن تخاف المقام بين يدي الله.
كان علي زين العابدين إذا توضأ احمر وجهه وتغير لونه، فقيل: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ قال: ألا تدرون من الذي أناجيه وأقف بين يديه.
كان السلف الصالح رحمة الله عليهم يدخلون بيوت الله بقلوب نقية، بقلوب خالية ليس فيها إلا الله، يشترون رحمة الله بكل عمل صالح، وهذا من أعظم الدلائل على الإخلاص لوجه الله جل جلاله.
فإذا دخلت المسجد وقلبك معمور بذكر الله انشغلت عن كل شيء سوى الله، وقد أثر عن مسلم بن يسار رحمه الله -إمام من أئمة التابعين علماً وصلاحاً وخيراً- أنه كان يصلي في مسجده بـالكوفة، فسقط المسجد -وذلك في الضحى- فهرع الناس من السوق يقولون: هلك مسلم، فلما جاءوا وجدوه يتشهد وسلَّم من صلاته فقال: والله ما شعرت به إلا بعد السلام. نصف المسجد يسقط ولا يشعر به من لذة مناجاة الله، كانوا إذا دخلوا دخلوا بقلوب فارغة ليس فيها إلا الله سبحانه وتعالى.
الأمر الثاني: أخي في الله! تذكر هذه الصلاة يوم يجعلها الله لك نوراً في القبرِ، تذكر يوم يجعلها الله لك نوراً في الحشر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة نور) الصلاة نور أي: نور في القبور، ونور يوم البعث والنشور، وهذا النور أحوج ما يحتاجه الإنسان، فإن للقبور ظلمة، نسأل الله العظيم بعزته وجلاله وكماله أن يكفينا ظلمتها ووحشتها، ولا يستطيع الإنسان أن يجد لتلك الظلمة نوراً إلا من فضل الله جل جلاله ورحمته وحلمه به سبحانه وتعالى، فلا إله إلا الله من قوم أدوا الصلاة على أتم وجوهها أصبحت عليهم القبور اليوم أنواراً، الصلاة نور واستشعار عظيم الأجر بها، وأنها ستكون لك نوراً بالقبر ونوراً في الحشر ونوراً لك على الصراط، ذلك يدعوك إلى إتقانها وإكمالها، فاستشعر هذا.
أولاً: لا تدخل إلى المسجد وفي قلبك غير الله.
ثانيا: اشعر بحاجتك إلى هذه الصلاة، ودائماً إذا تذكر الإنسان القبر وهول القبر، وأنه ستمر عليه مثل هذه اللحظة وهو ضجيع القبر أحوج ما يكون إلى ما يؤنسه، دعاه والله ذلك إلى استشعار هيبة الموقف بين يدي الله جل جلاله.
الأمر الثالث: أن تصلي صلاة المودع، أن تجعل هذا الصلاة ولو كانت سنة، اجعلها آخر عهدك من الدنيا، فإن العبد إذا صلَّى صلاة مودع فإن الله جل وعلا يرزقه الخشوع، ويرزقه إحسان هذه الصلاة وإتقانها.
الأمر الرابع: استشعر عواقبها الحميدة، فوالله ما أديت الصلاة على أكمل خشوع إلا حفظك الله به، ولذلك أخبر الله جل وعلا أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكنه قال: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] من هم يا رب الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:46] حتى قال بعض العلماء: إن هذه الآية تدل على أن الخشوع في الصلاة سببه وأساسه كثرة ذكر الآخرة الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ [البقرة:46] يظنون بمعنى: يوقنون، كقوله تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20] فالظن يستعمل بمعنى اليقين أي: توقن بلقاء الله، وذلك يدعوك إلى إتقان الصلاة بين يدي الله جل وعلا.
الأمر الخامس: الحياء والخجل وأنت تقف بين يدي الله وقلبك مصروف إليه، يخجل الإنسان ويستحي من الله جل جلاله، حين يقول: الله أكبر ويقبل على الله ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، ومن بيده ملكوت كل شيء سبحانه لا إله إلا هو، الذي لا أعظم من نعمته ولا أجل من منته، ومع ذلك يجد الإنسان أنه فضله وأكرمه أنه يقف بين يديه، وهو يقول: الله أكبر ودون حياء ولا خجل ولا وجل ينصرف إلى دنيا فانية ومتاع حائل وظل زائل، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
صدق الله يوم أن قال: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91] إيه والله ما قدرنا الله حق قدره، ولكن نسأل الله بعزته وجلاله أن يرزقنا وإياكم تعظيمه، ونعوذ به من عين لا تدمع، ومن دعاء لا يسمع، ومن علم لا ينتفع به، استعذ بالله جل جلاله، سل الله يعطك، سل الله أن يرزقك خشوع العبادة، فوالله إن القلوب بين إصبعين من أصابعه وفي طرفة عين لربما قلبك فأصبحت من الخاشعين، إذا دخلت الصلاة تمنيت أن حياتك كلها صلاة فاسأل الله يعطك فإنها خزائن ورحمات من الله ينفح بها من يشاء.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من أهل هذا الفضل وهذا العطاء والنوال، والله تعالى أعلم.
الجواب: أسأل الله العظيم أن يكتب خطواتك، وأن يعظم أجرك، وأن يكثر من حسناتك يوم أن خرجت من بيتك طالباً للعلم راغباً فيما عند الله فأبشر بخير من الله إن شاء الله.
أخي في الله! أحسن الظن بالله فإن الله جل وعلا عند حسن ظن عبده به، هذا ابتلاء ابتلاك الله به، ولعل الله بعده أن يرفع درجتك، وأن يعظم أجرك وأن يحسن وأن يعلي بالعلم ذكرك، أبشر بخير، فما طلب أحدٌ العلم إلا ابتلاه الله، إن الله يبتلي طالب العلم بالهموم والغموم فيجد من يخذله ويجد من يهينه، ويجد الشدائد في التغرب في غربة الأسفار والبعد عن الأوطان والأحباب والخلان، ومفارقة الأهل والولدان، إلى غير ذلك من المحن والفتن، حتى يكون عاقبتها رضوان الله الواحد الديان، إن العلم يحتاج إلى جهاد لأن فيه فتناً ومحناً لا يعلمها إلا الله جل جلاله.
قال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أوحى الله إليه بجبريل أخذه فغطه حتى رأى الموت، ثم أخذه فغطه حتى رأى الموت، ثلاث مرات وهو يقول له: اقرأ فيقول: ما أنا بقارئ، ففي هذا دليل على أن العلم لا يكون ولن يكون إلا بعد الامتحان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلمه الله رأى الموت، (أخذني فغطني) يعني حتى كاد أن يهلك صلوات الله وسلامه عليه، وهذا فيه سلوان لكل طالب علم، تحفظ وتسهر الليل وتتعب ولا تجد لذة النوم ولا لذة الدنيا، كل ذلك من عاجل الامتحان؛ لأن الحياة التي ترضي الله مبنية على الجهاد وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] أي: والله لنهدينهم سبلنا، أنت الآن في الثمن وغداً بإذن الله تنال المثمن، حين تفوز بعلم يرضي الله، وجنة هي المأوى من الله جل جلاله.
أبشر بخير وأحسن الظن بالله، وقل لعدوك إبليس: اخسأ عدو الله فلن تنثني لي عزيمة ولن يضعف لي عزم في طاعة الله ومرضاة الله بطلب هذا العلم.
كان السلف الصالح يتغرب الرجل منهم عن أهله حتى لا يسمع عنهم خبراً، وكانوا يتغربون عن أوطانهم، وكانوا يسيرون الأسفار التي ترى فيها الأهوال والشدائد والموت والمصائب، ومع ذلك كله رفع الله بالعلم قدرهم، وعظم بالعلم أجرهم، فلا يزال أهل العلم وطلاب العلم في هذا الامتحان من الله جل جلاله.
أبشر بخير وأحسن الظن بالله جل جلاله، ولكن لا تستجب لنوازغ الشيطان وتوهين الشيطان، واستعن بالله العظيم المنان، وسل الله أن يثبتك فإن الله بيده ثبات القلوب.
أما الوصية الثانية التي أوصيك بها: تفقد نفسك في الذنوب التي بينك وبين الله، وفي الذنوب التي بينك وبين عباد الله، فإنه ما دخل همٌّ ولا غمٌّ على عبد إلا بسبب ذنب: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] فلعلك في يوم من الأيام أتاك العجب بطلب العلم، وقلت: إني سافرت لطلب العلم، أو إني أفعل وأفعل فمقت الله منك ذلك فكان سبباً في هذا الابتلاء، قال سفيان : أذنبت ذنباً فحرمت قيام الليل أربعة أشهر، وهو إمام من أئمة السلف وديوان من دواوين العلم، فلعل هناك ذنباً بينك وبين الله أو بينك وبين عباد الله، ربما مع إخوانك وطلاب العلم من جيرانك، آذيت أحداً منهم من أحباب الله والأخيار، فغضب الله عز وجل عليك بأذيته فحرمك لذة العلم.
تفقد معاملتك مع إخوانك ومعاملتك خاصة مع طلاب العلم، فإن كثيراً من طلاب العلم يبتليهم الله بسبب التعامل مع بعضهم.
أما الوصية الأخيرة: فانطرح بين يدي الله، وأكثر من سؤال الله وناجه وناده فإنه عليه المعول وهو مصلح الأحوال، وإليه المرجع والمآل، سبحانه الكبير المتعال، والله تعالى أعلم.
الجواب: أخي في الله أهنئك ببشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه تصعد الملائكة إلى الله جل وعلا -وقد جلست في مجلس ذكر في بيت من بيوت الله- فيذكرون لله جل وعلا حال هؤلاء الأخيار يوم جلسوا في المسجد يذكرون الله العظيم، فقالوا: أتيناهم وهم يذكرونك ويسبحونك ويمجدونك فيقول: ماذا يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة. قال: وهل رأوها؟ قالوا: لا. قال: كيف لو رأوها لكانوا أشد طلباً لها أو رغبة فيها، ثم يقول: ممَّ يستعيذونني؟ فيقولون: من نارك. فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا يا رب. قال: كيف لو رأوها؟ ثم يقول: قد غفرت لهم. فتقول الملائكة: إن فيهم فلاناً، عبد خطاء كثير الذنوب جلس معهم؟ فيقول الله: وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فأسأل الله بعزته وجلاله كما جلست في مجلسنا أن يغفر لك ولكل مذنب ذنبه، وأن يفرج لنا ولكل مكروب كربه.
أبشر أخي في الله! ومن هذه الساعة عاهد الله جل وعلا على توبة نصوح، أوصيك أخي في الله يوم أثقلتك الذنوب وعظمت عليك الخطايا والعيوب أن تتذكر رحمة الله علام الغيوب، واعلم أن الله يناديك ويبسط يده بالليل لتتوب إليه بالنهار (لكي تنيب إليه) فأبشر يوم أقبلت عليه، أقبل على الله، ومن هذا المجلس أحسن الظن بالله، واطو صفحة الماضي وقل: يا نفس توبي، ويا نفس أنيبـي، وأقبل بصفحة جديدة فلعل الله جل وعلا أن يغفر لك ذنوبك الماضية وأن يجود ويتفضل فيجعلها حسنات باقية، أقبل على الله وأحسن الظن بالله فإنه نعم المولى ونعم النصير.
من منا لا يخطئ، ومن منا لا يذنب، ومن منا لا يسئ، ومن منا لم يقفل بابه على ذنب بينه وبين الله، ومن منا من لم يرخ حجابه على ذنب بينه وبين الله، ومن لهذه الذنوب والهموم والخطايا والعيوب غير الله جل جلاله، ولذلك نادى عباده فقال: قُلْ يَا عِبَادِ [الزمر:10] سبحانه ومن لهم غيره! فهو اللطيف بهم وهو الرحيم بهم وهو العليم بحالهم، فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن علينا جميعاً بالتوبة النصوح.
اللهم إنا نسألك الإنابة إليك، وأن تتقبلنا من عبادك التائبين المنيبين، والله تعالى أعلم.
الجواب: أخي في الله: ورد في السؤال أن طلب العلم منفعة للنفس وهذا محل نظر، فإن طلب العلم جمع الله فيه بين الفضلين: فضله على النفس وفضله للغير، ولذلك فإن طلب العلم أفضل من صنائع المعروف لأنه أشرفها وأعظمها وأعلاها وأجزلها ثواباً عند الله جل وعلا؛ لأنه أعظم المعروف.
فأعظم المعروف أن تأخذ بحجز القلوب عن النار، وأعظم المعروف أن تقرب العباد إلى رحمة الله الكريم الغفار، فأبشر بخير ما أنت فيه من طلب العلم، ففيه خير كثير.
ولكن كما قال العلماء: ينبغي على طالب العلم أن يمزج طلب علمه بشيء من الصالحات؛ مثل تفريج كربات المكروبين، والإحسان إلى الضعفاء والمحتاجين؛ فإن هذا يعينه على طلب العلم، ولذلك كانوا يستحبون لطلاب العلم أن يجمعوا بين الحسنيين لكن شريطة ألا يؤثر على طلب العلم، فاجعل لك صدقة في الشهر جارية .. ابحث عن بيت من بيوت الأيتام والأرامل تعطيه كل يوم طعاماً فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد:11-17].
فلذلك أوصيك أن تجمع بين الحسنيين توصي بالصبر والمرحمة عن علم حينما تتعلم العلم، وتقتحم العقبة فتفك الرقبة وتطعم في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة.
فيا أخي في الله: اجمع بين الحسنيين، والغالب في طالب العلم أنه إذا انشغل بطلب العلم وترك الأعمال الصالحة أن يكون علمه جافاً، ولذلك تجد بين طلاب العلم تفاوتاً كبيراً؛ فمن طلاب العلم من جمع الله لـه بين العلم وبين الإحسان، وهذا أعلى المراتب وأفضلها وأحبها، ومن طلاب العلم من عود نفسه من البداية على الاقتصار على نفسه، والاقتصار على تعليم الناس دون تفريج كرباتهم وقضاء حوائجهم، ودون السعي في مصالحهم وهو على خير، ولكن يفوته من الخير ما هو أعظم، فهذا حسن وهذا أحسن، وهذا فاضل وهذا أفضل.
فلذلك ينبغي لطالب العلم أن يجمع بين الحسنيين، والله تعالى أعلم.
الجواب: الله أكبر! تسألوني وعندكم عالم العلماء وإمام الأئمة الشيخ محمد حفظه الله، أنا لا أفتي في الأحكام، ولن أفتي إن شاء الله بعد هذا السؤال في الأحكام، نسأل الله أن يحفظ الشيخ وأن يرعاه وأن يبقي خيره للإسلام والمسلمين، والله إني لأذوب خجلاً ووجلاً في بلد فيه مثل هذا العالم، أسأل الله أن يحفظه وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين كل خير.
أما الأحكام فجنبوني، فعندكم الشيخ حفظه الله، ولكن سلوني عن أمور القلوب، ومع ذلك والله إني لأعده من الخطأ أن أفتي في هذا المكان المبارك الذي فيه الشيخ، أسأل الله أن يحفظه، وأن يرعاه وأن يعلي قدره، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.. فاعذروني رحمكم الله.
الجواب: أنت بين تجارتين: تجارة فانية وتجارة باقية، فإن قلت: أطلب التجارة للدين فهذا فضل ونية صالحة، ولكن هل تستطيع أن تضمن نفسك على هذا الثبات، وعلى هذا الحب لما عند الله جل وعلا إلى أن تصيب التجارة؟ لا تستطيع، ولكن إذا طلبت العلم نفعت الناس في تجارة مصلحتها باقية، فأنت بين تجارتين: تجارة مصلحتها مضمونة وتجارة مصلحتها باقية خالدة تالدة حتى تكاد تكون قطعية؛ لأن الإنسان إذا طلب العلم كسر قلبه للآخرة.
ولذلك الإنسان إذا طلب العلم وفقه الله لبذله إذا أخلص لوجه الله، فأنا أوصيك أن تؤثر تجارة الآخرة على تجارة الدنيا، فلعل الله أن يرى منك صدقاً في طلب تجارة الآخرة وتطلب العلم، ثم يفتح لك باباً من أبواب الدنيا، فيكون قد جمع الله لك بين التجارتين، فلذلك لا أوصيك أن تترك تجارة العلم، والله إنها لأعظم التجارات وأربحها وأحبها إلى الله جل وعلا، يأتيك الرجل في دياجير الظلمات لا يدري امرأته تحل له أو تحرم عليه، مهموماً مغموماً مكروباً فتفتيه الفتوى، فيقول: الله يرحم والديك، سبحان الله! يعني ليس خيرها لك فحسب، بل حتى لوالديك، فقد يكونا ميتين تغشاهم الرحمات بهذه الدعوة الصالحة، تجارة العلم تجارة رابحة.
ولذلك قال بعض العلماء في قوله تعالى: فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ [النساء:69] ثم من بعدهم وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69] قال بعض العلماء: الصديقون هم العلماء العاملون جعلنا الله وإياكم منهم.
العلم مع العمل أفضل وأعلى وأسمى وأصل التجارات وأقربها إلى الله جل وعلا وأحبها إليه، فلذلك أوصيك بهذه التجارة الباقية، أما تجارة الدنيا فاتركها لأهلها، ولذلك ورد في الحديث الصحيح في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب البقاع إلى الله مساجدها) هذه تجارة العلم التي فيها مساجدها: (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها).
قال بعض العلماء: أبغض البلاد إلى الله أسواقها؛ لأن فيها النجش، وفيها الحلف بالله كاذباً، وفيها غش المسلم، وفيها أكل أموال الناس بالباطل، وفيها الربا، وفيها المحرمات والمنكرات، وغير ذلك من الغفلة عن الله جل وعلا وعن ذكر الله.
فلذلك لا أوصيك أن تزج بنفسك إلى هذه الفتن، وقد تقول: إني أريد المال للآخرة، لكن لا تضمن نفسك، ولذلك لما أمر المنصور أبا قلابة أن يتولى القضاء فر إلى الشام رحمة الله عليه، فقيل له: لم لا تتولى القضاء وأنت أنت؟ فقال رحمه الله: أرأيتم لو أن رجلاً يسبح ورمي في البحر إلى متى يسبح. حتى لو كان سباحاً إذا رمي في البحر فإلى متى يسبح؟! تأتيه الأمواج تلو الأمواج تلو الأمواج حتى يفنى ويهلك ثم يغرق.
هكذا الإنسان ولو كان قوي الإيمان في خضم الفتن الكثيرة تأتيه الفتنة تلو الفتنة، ويأتي رجل يكذب ويقول: لمصلحة العمل، ويأتي آخر يغش ويقول: لمصلحة العمل، قد يخالط الأشرار، قد يخالط الفجار، قد يسمع الحلف بالله كاذباً، يسمع المنكرات فلا يستطيع أن ينكر منها منكراً، فلا يزال يفقد نوراً من الإيمان .. نوراً من الإيمان، حتى لربما دخل السوق وليس في قلبه إلا مثقال الذرة من الإيمان نسأل الله السلامة والعافية.
هذه فتن سلم نفسك وفر من الله إلى الله، وخذ بصلاح دينك ودنياك وأخراك، والله تعالى أعلم.
السبب الثاني: أن بعض الأخوات تتمسك بالعمل وترفض الزواج من أجل العمل، فما توجيهك وفقك الله خصوصاً في المسألة الأولى وهي مسألة التعدد، أليس نساء الصحابة، بل نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل كتاب الله تعالى ذكر التعدد في النساء، نرجو التوجيه وبيان أن ذلك الأمر ليس عيباً، وإنما هو من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: الله المستعان، الله يعين النساء علينا!
أما قضية التعدد فهي قضية بيَّن الله حكمها وأنزل على نبيه فصل القول فيها، فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحرم ما أحل الله.
أختي المسلمة: ارضي بما كتب الله وأعيني زوجك على تحصين فرجه، حتى يكون ذلك أغض له عن الحرام وعن الفواحش والآثام، ليس في التعدد غضاضة، فلو كانت فيه غضاضة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين، إن التعدد يجمع شمل أهل الإيمان، حتى إن الرجل يتزوج أربع نسوة إذا مرض مرضت بيوت المسلمين؛ لأن هذا رحيمه وهذا رحيم لرحيمه فتجتمع القلوب وتتآلف ويصبح الناس كالبيت الواحد، ولذلك ما إن فقد الناس هذا المعنى حتى أصبح الرجل يعيش في الحياة هو وزوجه فقط، فلذلك التعدد هدف سامٍ إسلامي نبيل يكثر به عباد الله وأولياء الله، وينتشر به النسل الطيب، وكذلك يعم به الخير ويكون فيه من المصالح والمنافع ما الله به عليم، والله أعلم بخلقه وأحكم بشرعه ونظامه.
فينبغي على المؤمنة أن ترضى بحكم الله جل وعلا، ولا ينبغي لها أن تضايق زوجها، ولا تضيق على بعلها في زواجه من الثانية، اتقي الله فإن الله سيجعل لك فرجاً ومخرجاً، كم من امرأة كرهت زواج الثانية فكان زواج الثانية سبباً في صلاح زوجها، تزوج زوجها الثانية فعرف فضل الأولى وهذا من حكمة الله جل وعلا، أن المرأة لا يعرف فضلها إلا بغيرها.
فلذلك أوصي أخواتي المسلمات خاصة الصالحات والمتدينات، فإنه للأسف أن بعض الصالحات والمتدينات يكرهن ذلك ويشنعنه، حتى إن بعضهن يقلن: ذاك رسول الله وتلك الصحابيات، ومن لنا نحن برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن يشبهه في حسن عشرته وغير ذلك من الأعذار، لا ينبغي هذا ولا يجوز، ينبغي على المؤمنة أن تتقبل حكم الله بكل رضاً وبكل تسليم، يقول الله جل وعلا لنبيه: فَلا وَرَبِّكَ [النساء:65] يقسم سبحانه فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].
فسلمي رحمك الله تسليماً، وإذا علمت أن زوجك يريد تحصين فرجه فأعينيه، أو كفي أذاك عنه؛ فإن الله لا يحب من المؤمنة أن تكون أذية على المؤمن، أسأل الله العظيم أن يبصرنا بحكم دينه، وأن يعيننا على التزام شريعته، والله ما منعت امرأة بعلها وضيقت عليه من الزواج من الثانية فصبر خوفاً من قطيعة رحم، وما زال يتعرض للفتن فآذته أن يتزوج الثانية حتى وقع في فتنة أو في حرام إلا كان لها من ذلك نصيب.
اتق الله إذا رأيت البعل يريد أن يحصن فرجه خاصة في هذا الزمان الكثير الفتن، الكثير المحن، فأعينيه أعانك الله .. أعينيه على دينه .. أعينيه على إعفاف فرجه وإحصان نفسه، وكوني مؤمنة حقاً ملتزمة بشريعة الله تعالى، فلعل الله أن يجمع شملك بامرأة صالحة، وبصالحات يعنك على ذكر الله وطاعة الله، ودعي وساوس الشيطان وكوني من الصالحين من أهل الإيمان، والله تعالى أعلم.
الجواب: اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، يا من عز جاهك! وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك.
يا ذا الحبل الشديد! يا مبدئ يا معيد! يا جبار يا قهار! يا واحد يا أحد! يا فرد يا صمد! يا من عجت ببابك الأصوات! وفرجت منك الهموم والغموم والكربات، يا من أنت السند والعضد! وأنت الملجأ والمنجى والمهرب، أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى وجلالك العظيم، اللهم مُنَّ على إخواننا في البوسنة والهرسك بالصبر والثبات، اللهم ارحم موتاهم، اللهم تقبل شهدائهم، اللهم استر عوراتهم، اللهم آمن روعاتهم، اللهم إنهم خائفون فأمنهم، اللهم إنهم متفرقون فاجمعهم، اللهم ألف بين قلوبهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم داو جرحاهم، وارحم موتاهم، والطف بنا وبهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم عليك بالصرب ومن شايعهم، اللهم أحصهم عددا، اللهم اقتلهم بدداً، اللهم لا تغادر منهم أحداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك في الدنيا قبل الآخرة، اللهم شتت شملهم، اللهم فرق جمعهم، اللهم ألق الرعب في قلوبهم، اللهم انتقم منهم فإنك عزيز ذو انتقام، اللهم أنزل بهم بأسك الشديد، وعذابك الأكيد، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل الرعب في قلوبهم، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر