أما بعد:
فهذا هو اللقاء الرابع لهذا العام عام (1416هـ) وهو من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والذي يتم كل خميس في كل أسبوع، وهذا هو يوم الخميس الرابع والعشرون من شهر محرم عام (1416هـ).
البسملة آية من كتاب الله، يؤتى بها في ابتداء كل سورة ولا تحسب من آيات السورة لا في الفاتحة ولا في غيرها على القول الراجح من أقوال العلماء، فأول آية في الفاتحة هي قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1] والثانية: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2] والثالثة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:3] والرابعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:4] والخامسة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:5] والسادسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6] والسابعة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]
إلا أنه لم يؤت بها في أول سورة براءة؛ نظراً لأن ذلك لم يثبت عند الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأشكل عليهم الأمر: هل هي بقية سورة الأنفال، أم هي سورة مستقلة؟ فلهذا وضعوا فاصلاً دون البسملة.
يقول الله تعالى: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2] (القارعة) اسم فاعل من قرع، والمراد التي تقرع القلوب وتفزعها، وذلك عند النفخ في الصور، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [النمل:87] فهي تقرع القلوب بعد قرع الأسماع، وهذه القارعة هي قارعة عظيمة لا نظير لها قبل ذلك، وهي من أسماء يوم القيامة كما تسمى الغاشية والحاقة.
وقوله: مَا الْقَارِعَةُ (ما) هنا استفهام بمعنى التعظيم والتفخيم، أي: ما هي القارعة التي ينوه عنها؟
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ هذا زيادة في التفخيم والتعظيم والتهويل، يعني: أي شيء أعلمك عن هذه القارعة، أي: ما أعظمها وما أشدها.
القسم الأول: من ثقلت موازينه، وهو الذي رجحت حسناته على سيئاته.
والقسم الثاني: من خفت موازينه، وهو الذي رجحت سيئاته على حسناته، أو الذي ليس له حسنة أصلاً كالكافر، يقول تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [القارعة:6-7] العيشة مأخوذة من العيش وهو الحياة، يقال: عاش الرجل زمناً طويلاً، أي: بقي وحيي زمناً طويلاً، والعِيْشَة هنا على وزن فعلة فهي هيئة وليست مصدراً، المصدر الدال على الوحدة أن تقول: عَيْشَة، وأما إذا قلت: عِيْشَة فهي فعلة تدل على الهيئة كما قال ابن مالك رحمه الله:
وفعلة لمرة كجَلسة وفِعلة لهيئة كجِلسة |
المعنى: أنه في حياة طيبة راضية، وراضية قيل: إنها اسم فاعل بمعنى اسم المفعول أي: مرضية، وقيل: إنها اسم فاعل من باب النسبة أي: ذات رضا، وكلا المعنيين واحد، المعنى: أنها عيشة طيبة ليس فيها نكد، وليس فيها صخب، وليس فيها نصب، كاملة من كل وجه، وهذا يعني: العيش في الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم، هذا العيش لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48] لا يحزنون ولا يخافون، في أنعم عيش، وأطيب بال، وأيسر حال، فهي عيشة راضية.
في هذه الآية: التخويف والتحذير من هذا اليوم، وأن الناس لا يخرجون عن حالين: إما رجل رجحت حسناته، أو رجل رجحت سيئاته، وفيها أيضاً دليل على أن يوم القيامة فيه موازين، وقد جاء في بعض النصوص: أنه ميزان، فهل هو واحد أو متعدد؟
قال بعض أهل العلم: إنه واحد وإنما جمع باعتبار الموزون؛ لأنه يوزن فيه الحسنات والسيئات، وتوزن فيه حسنات فلان وفلان، وتوزن فيه حسنات الأمة هذه والأمة الأخرى، فهو مجموع باعتبار الموزون لا باعتبار الميزان وإلا فالميزان واحد.
وقال بعض أهل العلم: إنها موازين متعددة، لكل أمة ميزان، ولكل عمل ميزان فلهذا جمعت.
والأظهر والله أعلم: أنه ميزان واحد لكنه جمع باعتبار الموزون على حسب المال أو على حسب الأمم أو على حسب الأفراد.
وفي هذه الآية: دليل على أن الإنسان إذا تساوت حسناته وسيئاته فإنه قد سكت عنه في هذه الآية، ولكن بين الله تعالى في سورة الأعراف أنهم لا يدخلون النار وإنما يحبسون في مكان يقال له (الأعراف) وذكر الله تعالى في سورة الأعراف ما يجري بينهم وبين المؤمنين وأنهم وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف:47].
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن رجحت حسناته على سيئاته، وأن يغفر لنا ولكم، ويعاملنا بعفوه إنه على كل شيء قدير.
الشيخ: اختلف العلماء رحمهم الله في الحبوب التي لا تؤكل ولا تكون قوتاً هل فيها زكاة أو لا؟
فمنهم من قال: إن فيها زكاة لعموم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [البقرة:267].
ومنهم من قال: إنها لا تجب فيها الزكاة. وهذا هو الأقرب، وهو أن الزكاة لا تجب إلا في المطعوم الذي يكال ويدخر، وعلى هذا فلا تجب الزكاة في هذه البذور؛ لأنها ليست مطعوماً مدخراً، وهذا القول هو الأرجح، والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على الوجوب.
ولقد أخرج البخاري قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليس في ما دون خمسة أوسق من ثمر ولا حب صدقة) وهذا الذي يوسق في العادة الذي يطعم ويدخر.
الشيخ: لا حرج عليه أن يستمع الإنسان إلى القرآن وهو مشتغل بالأكل؛ لأن ذلك لا يمنعه من الاستماع، أما لو كان العمل يستدعي حضور القلب والفكر ويلهيه عن استماع القرآن فالأولى ألا يستمع مثل: لو كان يعمل عمل مهنة مثلاً يصلح سيارة، أو يصلح أشياء تحتاج إلى أن يكون الذهن مرتبطاً بهذا العمل فهنا نقول: الأولى ألا يستمع إلى القرآن؛ لأنه حينئذٍ يكون غافلاً عنه.
السائل: والمحاضرات يا شيخ؟!
الشيخ: وهو يقرأ يعني؟
السائل: لا، وهو يأكل أو يشرب؟
الشيخ: لا بأس لأن الذي غير القرآن أمره أخف.
الجواب: معناها: أنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير الديني والدنيوي.
وفي هذا الحديث: تحذير من الحسد الذي هو كراهة ما أنعم الله به على غيرك؛ لأن الحسد من خصال اليهود. وبهذا عرفت أنه ليس المعنى أنه ليس له إيمان إطلاقاً، بل المعنى لا يكمل إيمانه.
الشيخ: إذا تقدم الإنسان إلى البنك العقاري لبناء بيتٍ له فإنه لا يجوز أن يتحول عن هذا الطلب إلا بموافقة البنك؛ لأنه لو فتح الباب لتلاعب الناس بهذا، فيقال لهذا الرجل: إن كنت استغنيت الآن عن البناء، أو عدلت عن رأيك فاذهب إلى البنك وقل: ألغوا اسمي، وإن كنت محتاجاً فاستعن بالله وكمل المسيرة.
السائل: لا يجوز يا شيخ؟!
الشيخ: لا، لا يجوز البيع؛ لأنه ليس لك إلا حق الانتفاع فقط، فإن انتفعت بما قيدت به اسمك وإلا فاترك.
الجواب: الأذكار بعد الصلوات أول ذكر: أن تستغفر الله ثلاثاً.. أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثم تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات، إلا في المغرب والفجر فتقولها عشر مرات، وتزيد فيها يحيي ويميت. ثم تسبح والتسبيح له أربع صفات:
الصفة الأولى: أن تقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات.
والصفة الثانية: أن تقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين.
والصفة الثالثة: أن تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم تقول لإتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
الصفة الرابعة: أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة.
فصار ثلاثاً منها تكمل المائة، وواحد لا تكمل المائة ما تقول إلا ثلاثين سبحان الله عشراً، والحمد لله عشراً، والله أكبر عشراً.
الشيخ: أولاً نقول لهذا الزوج: أنه أخطأ حيث أراد من زوجته أن تضع حملها، وليس له الحق في إجبارها على ذلك، ثم إنه إذا بلغ إلى هذه المدة ثلاثة أو أربعة شهور لا يجوز إسقاطه إلا لضرر محقق.
وليعلم أن إسقاط الجنين إن كان بعد نفخ الروح فيه فإنه لا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال؛ لأنه قد نفخ فيه الروح، وإسقاطه يؤدي إلى قتله وهلاكه، حتى لو قيل: إن الأم إن لم يسقط عنها هذا الحمل ماتت، نقول: ولتمت؛ لأنها إذا ماتت ماتت بفعل من؟ بفعل الله، لكن لو أننا أسقطنا الحمل وأمتناه ومات في ذلك فقد مات بفعلنا، ومن المعلوم أنه لا يجوز إماتة شخص لإحياء شخص آخر.
الحالة الثانية: قبل أن تنفخ فيه الروح لا شك أنه يختلف بحسب بلوغ الجنين فهو أول ما يكون نطفة أهون، ثم إذا كان علقة صار إسقاطه أشد، ثم إذا كان مضغة صار إسقاطه أشد. هذا حكم إسقاط الجنين.
فنقول لهذا الزوج: إنك أخطأت بعملك هذا كونك ترغم امرأتك على أن تسقط الجنين ونقول: للزوجة ليس عليك أن تضعي الحمل بل لكِ أن تعصي هذا الزوج.
وإذا لم تضعه فهل يقع عليها الطلاق أو لا؟ هذا يرجع إلى نية الزوج إذا كان نيته بهذا الكلام منعها وتأكيد منعها من إبقاء الحمل في بطنها فإنها لا تطلق، وأما إذا كان قصده الطلاق فإنها تطلق.
السائل: مع العلم أنها الطلقة الثالثة لها.
الشيخ: سواء الثالثة أو الثانية أو الأولى، الحكم واحد، إن كان ناوياً للطلاق فهي تطلق.
الشيخ: وكيف تكون عقيدته هو؟
السائل: حسب زعمه صحيحة.
الشيخ: لا يسلم عليهم حتى في الصلاة، يعني: ما يقول: السلام عليكم ورحمة الله.
السائل: بعد الصلاة لا يسلم.
الشيخ: يعني: إذا قرأ التحيات قام ولا يسلم؟
السائل: لا يسلم عليهم.
الشيخ: يعني يسلم في الصلاة؟
السائل: إي نعم.
الشيخ: ولكن لا يلتفت؟
السائل: لا. بعد الصلاة لا يسلم عليهم أساساً حتى داخل المسجد، وهم واحد باكستاني وواحد هندي بحجة أن عقيدتهم فاسدة.
الشيخ: على كل حال السلام كما تعلم سنة، السلام في غير سلام الصلاة سنة إن شاء سلم وإن شاء لم يسلم، لكننا نرى أن هذا الإمام ما دام إماماً فالذي ينبغي أن يتألف هؤلاء، وأن يعلمهم العقيدة الصحيحة؛ لأنهم جهال، وغالب هؤلاء العمال الذين يأتون إلينا عاشوا في بلدٍ أهله عندهم بعض الانحراف ولا يعلمون، ومن حقهم علينا أن نعلمهم وأن ندعوهم للسنة، فنشير على هذا الرجل أن يسلم إذا دخل، وأن يتألفهم، وأن يعلمهم إما في كل فرض وإما في الفرض الذي يكونون فيه غير مشغولين.
الجواب: أولاً: إن هذا قوله لا يصح، وقد قيل: إن علي بن أبي طالب بايع أبا بكر من يومه لكنه أسرَّ ذلك عن فاطمة ؛ لأن فاطمة رضي الله عنها صار في قلبها شيء على أبي بكر رضي الله عنه حين منعها من ميراث أبيها صلوات الله وسلامه عليه وقوله هو الحق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إننا معشر الأنبياء لا نورث) لكن تعرف النساء، وربما يكون هناك أحدٌ من الأعداء يملأ قلبها غيظاً على أبي بكر رضي الله عنه، ولا أدري إن كنت نسيت أنها رضي الله عنها بايعت في آخر الأمر، لكن علياً بايع بلا شك مع الناس، إنما غاية ما هنالك أنه أسر ذلك عن فاطمة رضي الله عنها.
الشيخ: إذا تيقن أن هذا اللاصق كان قبل الوضوء فوضوؤه لم يصح، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] وما تحت هذا اللاصق لم يغسل، فيكون وضوؤه غير صحيح، وأما إذا أشكل عليه هل حصل هذا قبل الوضوء أو بعده فوضوؤه صحيح ولا تلزمه الإعادة؛ لأن الأصل عدم وجوده.
السائل: وهل يعيد الصلاة؟
الشيخ: إذا كان قد تيقن أنه قبل الوضوء فإنه يزيله ويتوضأ ويعيد الصلاة.
الجواب: أرى أن هؤلاء أضاعوا أوقاتهم بلا فائدة، واشتغلوا عما هو مهم فيما ليس فيه فائدة أيضاً، بل فيه مضرة، خصوصاً الكلام عما يتعلق بأهل العلم والأمراء لما في ذلك من الضرر العظيم على الأمة؛ لأن الكلام في العلماء في الغيبة يهون قدرهم في نفوس الناس، وإذا هان قدر العلماء في نفوس الناس صار قبولهم لما يقول هؤلاء العلماء ضعيفاً، واختلت بذلك الشريعة، وأما الأمراء فيقال أيضاً: إنه إذا تُكلم فيهم بالغيبة، والسب، والشتم، وذكر المساوئ، والإعراض عن المحاسن؛ فإنه يؤدي إلى كراهة الناس لهم، وعدم انصياعهم لأمرهم، وإلى الفوضى والتفرق بين الأمة، والوزر على هؤلاء إن حصل شيءٌ من ذلك، ثم نقول لهؤلاء: هل كلامكم هذا يؤدي إلى الإصلاح؟ سيكون الجواب: لا، لا يؤدي إلى الإصلاح بل يزيد الشر شراً.
الجواب: والله أنا أرى أنها قابلة قبولاً لا يعدل عنه إلى عدم الخوض في ذلك، لأن هذا ليس عندنا منه علم، أما الذي أعلمه أن هناك قشرة ولب يتعاكسان في المسير ثم يتباطأ أحدهما فيتفقان، ثم تنعكس المسألة فيكون الليل نهار والنهار ليل، هذا لا علم لنا به، كل هذا من الأقوال التخرصية التي لا يمكن أن يصل فيها إلى علم أبداً.
أما هذا فغلط لأن ذا القرنين كان قد أعطاه الله تعالى ملكاً وقدرة ولهذا قال: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ [الكهف:89-90] فهناك غاية مدة، و(أتبع سبباً) أيضاً يعني السبب كل ما وصل إلى المقصود، وكونه يأت بصيغة التنكير يدل على أنه سبب عظيم، وليس المعنى أنه في لحظة ولحظة وصل هذا وهذا، وأما قوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً [الكهف:90] المعنى: أنهم بدائيين ليس عندهم منازل، ولا أظلة، ولا شيء كالحيوانات.
الشيخ: لا يستنشق خوفاً من الماء؟
السائل: يضره الماء.
الشيخ: الخياشيم؟
السائل: الخياشيم.
الشيخ: لا، هو ممكن أن يدخل الماء بين المنخرين وإن لم يستنشقه.
السائل: يعني ليس هناك داعي للاستنشاق
الشيخ: إي نعم. ما دام يعرف أن منه ضرراً؛ لأن بعض الناس يكون عنده جيوب في الخياشيم إذا دخلها الماء تضرر من ذلك.
السائل: ما عنده ضرر، لكن هو يخاف كالأولاد الصغار؟
الشيخ: العيال الصغار.
السائل: هم لا يستنشقون، لكن هو يخاف.
الشيخ: على كل حال إذا كان مجرد وهم لا عبرة به، فلا يصح وضوؤه، هو لابد أن يصل الماء إلى باطن المنخرين هذا الواجب.
السائل: قريب أم بعيد؟
الشيخ: قريب هذا الواجب.. ما هو لازم يصل إلى الخياشيم.
الجواب: يكون ذلك يوم القيامة، لأن الله تعالى قال: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [النمل:87-88] وهذا معنى كونها هباءً، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، ومن فسرها: بأنه دوران الأرض في الدنيا. فقد قال على الله بلا علم، بل قال ما يخالف قول الله عز وجل؛ لأن الله ذكر هذا بعد أن ينفخ في الصور.
وأما قوله: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً أن يوم القيامة كله يقين ولا يمكن فيه شيء يسمى فيه حسباناً ولا ظناً، فيقال: إن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى [الحج:1-2] ومع هذا فإن الله يقول: وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وهذا يكون يوم القيامة.
الجواب: أما الصنف الأول الذي يكون فيه تكرار الحرف هذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى زيادة حروف في كلام الله عز وجل.
وأما الثاني الذي ليس فيه إلا تفخيم الصوت فينظر إن كان هذا أدعى للخشوع فلا بأس، وإلا فتركه أولى؛ لأن كون الناس يستمعون القرآن بدون واسطة في الغالب أخشع، وإذا اعتاد الإنسان أنه لا يخشع إلا إذا سمع عبر هذا الصوت صار إذا قرأ القرآن وحده لا يحصل له الخشوع، وعلى هذا فتركه أولى في كلا الحالين.
لكن الحالة التي تؤدي إلى تكرار الحروف يكون فيها حراماً؛ لأنه لا يحل للإنسان أن يزيد في كلام الله ما ليس منه.
الجواب: لا يجب على النساء صلاة الجماعة لا في بيوتهن ولا في المساجد، لكن اختلف العلماء: هل تسن صلاة الجماعة للنساء في بيوتهن أو لا؟
فمنهم من قال: تسن لهن صلاة الجماعة.
ومنهم من قال: إنها لا تسن.
فلتنظر هذه المرأة مع بناتها إذا كانت صلاتهن جماعة أحسن لأنهن يقمن من النوم ويصلين جميعاً، ثم إن إمامتهن ستكون مطمئنة في الصلاة لا تسرع الإسراع المخل، فإنه في هذه الحال تكون صلاتهن جماعة أفضل، وإذا كان لا يحصل هذه الميزة فلتكن صلاتهن جماعة أحياناً وأحياناً.
الجواب: الدين الإسلامي ليس فيه قشور، كله أصول، وكله لب، وكله نافع، وكله خير، قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، وقال تعالى: ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الممتحنة:10]، وقال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8] وهذا كله يدل على أن القرآن ليس فيه شيء لا فائدة منه.
نعم في الدين الإسلامي ما هو مؤكد أكثر من الآخر، فالصلوات المفروضة آكد من التطوع، والصلاة أفضل من الصيام، وما أشبه ذلك، أما أن يقال: قشور ولب فلا، ولا يجوز لنا أن نقول هذا إطلاقاً؛ لأن هذا يفهم أن القرآن فيه ما لا فائدة منه، كما أن القشور ليس منها فائدة.
منهم من يتشدد فيكفر الحكومات ومن يعمل بها، ويكفر كذلك المجتمعات.
ومنهم -وهو الصنف الثاني- من تساهل في هذا الأمر وقال: إن الكفر لا يكون في الكفر العملي أي: لابد أن يكون في الاعتقادي، ولابد أن يكون تكذيباً وجحوداً، وإذا لم يكن كذلك فليس هناك كفر.
وبين يديَّ رسالة تكلمت في هذه المسألة، وانتشرت بين الناس، وطبعت بكثرة، ووزعت على الناس، وهي مسألة: إحكام التقرير في أحكام مسألة التكفير لمصنف سمى اسمه: بـمراد شكري، وذكر في هذا الكتاب مسائل كثيرة، أذكر نموذجين يا فضيلة الشيخ.
قال في الصفحة السابعة عشرة: وهذه السطور أخي الموفق لخصت فيها أقوال نحارير أهل العلم، وأكابرهم في كل عصر، أعلم الناس بمقالات السلف ومن بعدهم، وأعيد لك التلخيص بألخص منه مرة أخرى: فلا يكفر قطعاً إلا المكذب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد ثبوت أمرين اثنين: الأول: ثبوت النص قطعياً بإجماع ضروري متواتر أنه صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: ثبوت المعنى كذلك بإجماع متواتر ضروري أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد كذا. وعندها نجزم أن المخالف لهذين الشرطين مكذب، ومثله الجاحد؛ فهو مكذب للنبي صلى الله عليه وسلم بلا أي شبهة، ولا عارض تأويل؛ فهو كافر، فاعلم واحرص على هذا التحقيق، واحرز دينك من الموسوسين.
وقال في الصفحة الثامنة والعشرين بعد أن ذكر أقوال الناس: فهذه النصوص -يعني: الأقوال- المتقدمة ظاهرة وجلية أن الكفر هو: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، والجحود هو الاستحلال والعناد والإنكار والنفي كلها بمعنى، وبهذا التقرير لا يمكن أن يكون عملٌ من الأعمال كفراً ناقلاً عن الملة إلا إذا تضمن ضرورة وقطعاً التكذيب وذلك مثل: سب الله، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو السجود لصنم، أو إلقاء المصحف في القذر، ومثل ذلك دون أي شبهة تتعرض أو إشكال يفترض. فما توجيهكم فضيلة الشيخ في هذين الصنفين؟
الجواب: هذه مسألة كما ذكرت خطيرة وهي التكفير والتبديع والتفسيق وما إلى ذلك، تجد بعض الناس يتحاشى أن يقول: هذا حلال أو هذا حرام إلا بعد أن يكون ذلك ثابتاً بالشرع. ويقول: ليس لي أن أحلل وأحرم، التحليل والتحريم من الله ورسوله، لكنه في مسألة التكفير يتساهل، ويكفر من لا يكفره الله ورسوله، ولم يعلم هذا المسكين أن خطر التكفير أعظم من خطر التحليل والتحريم؛ لأن من كفر من ليس أهلاً عاد كفره عليه كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواءً قلنا: إنه يعود إليه شرعاً، أو يعود إليه قدراً، فهو لن يتخلص من أن يكون كافراً إذا كفر من لم يكفره الله ورسوله.
وأما حصر التكفير بالاعتقاد فهذا غلط أيضاً ومخالف للقرآن وللسنة وأقوال السلف :
أما القرآن: فإن الله تعالى ذكر عن إبليس أنه كفر مع أن إبليس مقر بالله عز وجل وعالم بما له من الأسماء والصفات والقدرة، ومع هذا كفر بتركه السجود الذي أمر به، وهذا ليس كفراً عقدياً بل هو كفر عملي.
وأما السنة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) وهذا كفر عملي يكفر بترك الصلاة مع اعتقاده وجوبها.
وأما مخالفته لأقوال السلف: فقال عبد الله بن شقيق رحمه الله: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال -وانتبه إلى قوله من الأعمال- تركه كفر غير الصلاة].
فالكفر نوعان: كفر جحود وتكذيب، وكفر استكبار وإباء، وكلاهما ثابت.
وأما المفرط الذي يكفر كل إنسان كان على غير رأيه فهذا أيضاً على خطر عظيم، ويشبه أن يكون من الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة، ويقولون: إن فاعل الكبيرة كافر مخلد في النار. فعليك بالطريق الوسط لا تتجاوز ما دل عليه الكتاب والسنة، والعباد عباد الله، هو الذي يحكم بكفر هذا أو إسلام هذا، وأنت لست محللاً ولا محرماً، ولا مكفراً ولا نافياً للكفر، الأمر إلى الله عز وجل.
فرأيي: أن هؤلاء مفرطون، وهؤلاء مفرطون، فمن كفر بكل شيء فهو مفرط، ومن نفى الكفر العملي فهو مفرط.
الجواب: أقول: نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يعيد نشاط الشباب فيما فيه الخير لهم وللبلاد.
جماعة التبليغ جماعة نشطة، وجماعة فيها خير، وجماعة لها تأثير لا يوجد لأي جماعة أخرى، وجماعة تكف شرها عن الناس لا تتكلم في الناس؛ لا في الحكام، ولا في العلماء، ولا في الأمراء، وهذا شيء مشهور، بل إنهم يحاولون ترك الجدال عندهم حتى في مسائل العلم، كل هذا للابتعاد عن التنافر، وتأثيريهم واضح، كم من إنسان فاسق صار بواسطتهم عدلاً مستقيماً، وكم من إنسان كافر دخل في الإسلام من أجلهم، وحسن أخلاقهم، لكن ينقصهم العلم، يحتاجون إلى طلبة علم يكونون معهم ويبينون لهم الحق؛ حتى يكونوا على بصيرة من الأمر، ويخشى من السفر إلى الخارج إلى باكستان أو بنجلادش أو غيرها مما يخاف عليهم من البدع هناك، على أن بعض الإخوة من أهل القصيم ذهبوا في هذه السنة لاجتماع كان في باكستان أو بنجلادش -لا أدري- لكنهم ذكروا أن كبيرهم الذي ألقى الخطبة في هذا الجمع الغفير كان من أول ما بدأ من صلاة المغرب إلى أربع ساعات بعد الغروب وهو يقرر التوحيد، يقولون: ولم نسمع عنه ما يدل على مخالفة التوحيد أبداً، ومع ذلك لما حصل بيننا وبينهم لقاء أثنى على أهل العلم في هذه البلاد وقال: نحن نتمنى أن يأتينا أحدٌ منكم يبين لنا الخطأ حتى نرجع عنه.
فعلى كل حال: يحتاجون إلى طلبة علم يكونون معهم، فطالب العلم إذا كان معهم سيستفيد من جهتين:
الجهة الأولى: أنه يعلمهم ويرشدهم ويوجه هذه الفئة التي تدعوا الناس بأخلاقها، وآدابها، وإيثارها، يعلمهم ما يجب عليهم من أمور الشرع.
والجهة الثاني: أنه هو بنفسه إذا كان شامخ الرأس لكونه طالب علم؛ فإنه يلين ويعرف التواضع، والقيام بالإيثار، فذمهم مطلقاً غلط، ومدحهم مطلقاً غلط، لكن فيما أعلم حسناتهم أكثر من سيئاتهم، والنقص الذي عندهم هو مسألة العلم، عندهم جهل.
نسأل تعالى أن يجمعنا جميعاً على العلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيء قدير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر