إسلام ويب

رسالة إلى شابللشيخ : علي عبد الخالق القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى خلقنا لغاية نبيلة، ولحكمة جليلة ألا وهي عبادته سبحانه وتعالى، فحثنا على التفكر في مخلوقاته، وبين لنا صراطه المستقيم، ورغبنا في جنته ورهبنا من ناره، وجعل باب التوبة مفتوح، فهل من مبادرة ورجوع إلى الله؟

    1.   

    الحث على التفكر في مخلوقات الله

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنىً له طرفة عين عن رحمته، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعــد:

    أيها الأحبة: شكر الله لكم هذا الترحيب الحار، ونسأل الله عز وجل أن يجعل جمعنا وإياكم على الخير دائماً وأبداً، نسأله أن يجعل جمعنا حباً فيه، فهو الرباط الذي لا ينفصم، وإذا كان الحب في الله ثبت ونبت وآتى ثماره، وإذا كان الحب لغرض آخر -وحاشاه أن يكون بيننا- فسرعان ما يذهب وكأن لم يكن، ما كان لله يبقى دائماً وما كان لغير الله يذهب سريعاً.

    يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[والذي لا إله غيره لو أنفقت مالي كله في سبيل الله، ثم صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، ثم أصبحت لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار ولا يبالي]].

    أي رباط نرتبط به أيها الأحبة؟!

    نحن نرتبط بلا إله إلا الله، ولاؤنا فيها، وعداؤنا لمن لم يقم بها.

    أيها الأحبة: أسأل الله عز وجل الذي جمعنا وإياكم في هذه الروضة أن يجمعنا وإياكم في روضة الخير في جنات ونهر، في معقد صدق عند مليك مقتدر.

    ما أريد أن أتحدث به إليكم أيها الأحبة، هو حديث الأخ لإخوته، وحديث الأب لأبنائه، حديث ربما سمعتموه وعرفتموه ولكننا نكرره ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.

    يا أيها الأحبة:

    ألا كم ذا التراخي والتمادي      وحادي الموت بالأرواح حادي

    تنادينا من المنية كل وقت      فما نصغي إلى قول المنادي

    فلو كنا جماداً لاتعضنا      ولكنا أشد من الجمادي

    وأنفاس النفوس إلى انتقاص     ولكن الذنوب إلى ازديادي

    إذا ما الشرع قارنه اضطرار      فليس دواؤه غير الحصادي

    كأنك بالمشيب وقد تبدى      وبالأخرى مناديها ينادي

    وقالوا قد قضى فاقضوا عليه      سلامكم إلى يوم التنادي

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    سؤال يا أيها الأحبة! من القائل لهاتين الآيتين؟

    من المتكلم بهاتين الآيتين؟

    ومن المتكلم بقوله: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ [يونس:101] كأني بكل واحد منكم يقول: إنه الله الذي لا إله إلا هو.

    الكواكب من كوكبها؟

    السماء من رفعها؟

    الجبال من نصبها؟

    الأرض من سطحها؟

    إنه الله الذي لا إله إلا هو الذي قال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] ما صفاتهم؟ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

    يا أيها الأحبة: تساؤل أتساءله وأقول لكم قبل هذا التساؤل: يا أيها الأحبة! كل شيء في هذا الوجود ينطق بوحدانية الله عز وجل، وسأضرب لكم على ذلك أمثلة ولستم في حاجة إلى أن تضرب الأمثلة، لكن من باب التأكيد على ذلك، ومن باب طرح الأنظار، ومن باب التفكر والنظر في ملكوت السماوات والأرض.

    ورقة التوت -يا أيها الأحبة- هذه الورقة إذا أكلتها النحلة تخرج عسلاً، فإذا أكلتها الشاة أخرجت روثاً، فإذا أكلتها دودة القز تخرج حريراً! ورقة واحدة تأكلها ثلاثة مخلوقات فيكون الإخراج مختلفاً ما بين طيب ونافع وخبيث!! إن ورقة التوت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لسان حالها ينطق بذلك، ولسان مقالها ينطق بذلك.

    أيها الأحبة: هي ورقة تشهد أن لا إله إلا الله، وإن بشراً أنعم الله عليه بقلب وعقل وعين وأذن ونعم لا تعد ولا تحصى ثم لا يعرف أن الله هو الذي لا إله إلا هو! فإن ورقة التوت في هذه أعلى منه وأعظم منه وأعلى وأحب عند الله عز وجل من هذا الذي انتكس فهمه، فلم يعرف مَنْ خلقه، ولم يعرف من يجرد نفسه له، ومن يتحرك له ومن يعبده، ورقة التوت أولى منه بذلك.

    تأمل في الوجود بعين فكر      ترى الدنيا الدنية كالخيال

    ومن فيها جميعاً سوف يفنى      ويبقى وجه ربك ذو الجلال

    قل للطبيب تخطفته يد الردى      من يا طبيب بطبه أرداكا؟

    قل للمريض نجا وعوفي بعدما      عجزت فنون الطب من عفاكا؟

    قل للصحيح يموت لا من علة      من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟

    قل للبصير وكان يحذر حفرة      فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟

    بل سائل الأعمى خطا بين الزحام     بلا اصطدام من يقود خطاكا؟

    قل للجنين يعيش معزولاً بلا      راع ومرعى ما الذي يرعاكا؟

    قل للوليد بكى وأجهش بالبكا      لدى الولادة ما الذي أبكاكا؟

    وإذا ترى الثعبان ينفث سمه      فاسأله من ذا بالسموم حشاكا؟

    واسأله يا ثعبان كيف تعيش      أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟

    واسأل بطون النحل كيف تقاطرت     شهداً وقل للشهد من حلاكا؟

    بل سائل اللبن المصفى كان بين      دم وفرث ما الذي صفاكا؟

    ستجيب ما في الكون من آياته      عجباً عجاباً لو ترى عيناكا

    ربي لك الحمد العظيم لذاتك      حمداً وليس لواحد إلاكا

    لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كل شيء ينطق بوحدانيته، وكل شيء ينطق بقدرته، وكل شيء ينطق بأنه سبحانه المعبود بحق وما عداه فطاغوت عبد من دونه.

    لا إله إلا الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44] موكب عظيم سار إلى الله، انفلت منه من انفلت، فشقي، ومشى في ركاب هذا الموكب من مشى فسعد بإذن ربه سبحانه وتعالى.

    1.   

    الحكمة من خلق الإنسان

    أسأل سؤالاً آخر من خلقك أيها الشاب؟ من خلقك أيها العبد؟ سؤال قد يكون ساذجاً لكن لابد له من إجابة، إنه الله الذي لا إله إلا هو.

    هل خلقك عبثاً؟ هل تركك هملاً؟ هل خلقك والبهائم سواء، تأكل كما تأكل البهائم أم كلفك وشرفك؟

    إنه قد كلفك وشرفك وجعل حكمة لخلقك وإيجادك، فما الحكمة من خلقك وإيجادك؟ ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:26-58].

    إذاً لماذا خلقت؟ أللهو خلقت؟ أللعبث خلقت؟ هل تركت سدىً أم كلفت بأشياء لابد أن توقف أمام الله وتسأل عنها واحدة واحدة في سجلات محكمة وثيقة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها؟ ستجد ما عملته في سجلات أمامك فإما وجه مبيض -أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا الصنف- وإما وجه مسود -أسأل الله ألا يشقي أحدنا فيكون من أهل هذه الوجوه السوداء-.

    إذاً: خلقنا الله لحكمة وهي عبادته سبحانه وتعالى، ثم اعلم أنه لا تنفعه طاعتك ولا تضره معصيتك، وإنما تضرك معصيتك وتنفعك طاعتك لله عز وجل، فيا لخسارة من ضيع هذه الحكمة فاستعمل هذا الجسم وهذه الجوارح وذاك العقل في غير ما يرضي الله جل وعلا.

    أحد السلف يمر بصبية صغار يلعبون، وهناك طفل ينظر إليهم ويبكي، فيمر عليه ظن أنه يبكي؛ لأنه ليس له لعبة كما لهم لعبة فقال له: يا بني! أتريد أن أشتري لك لعبة؟ قال: ما لهذا أبكي يا قليل العقل.. شاب صغير عرف الله جل وعلا. قال: لمَ تبكي؟ قال: أبكي لأن هؤلاء يفعلون غير ما خلقوا له، أو لم يسمعوا قول الله موبخاً أهل النار: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116] فقال هذا الرجل وقد دهش من جواب هذا الشاب الذي تربى على القرآن ففهم معاني القرآن وطبقها حياً واقعاً، ماذا قال؟ قال هذا الرجل له وقد أعجب به: يا بني.. إنك لذو لب (لذو عقل) وإن كنت صغيراً فعظني. قال له بيتاً واحداً:

    فما الدنيا بباقية لحي     وما حي على الدنيا بباقي

    موعظة عظيمة أيها الأحبة!

    أما والله لو علم الأنام     لمَ خلقوا لما هجعوا وناموا

    لقد خلقوا ليوم لو رأته      عيون قلوبهم ساحوا وهاموا

    ممات ثم نشر ثم حشر     وتوبيخ وأهوال عظام

    ليوم الحشر قد عملت أناس      فصلوا من مخافته وصاموا

    ونحن إذا أمرنا أو نهينا      كأهل الكهف أيقاظ نيام

    1.   

    الصراط المستقيم

    أيها الأحبة: رسم الله لنا طريقاً مستقيماً، وجعل له مواصفات من اتبعها هدي وكفي ووقي، ومن تنكفها فويل له ثم ويل له، ألم تسمعوا لقول الله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] طريق واحد مرسوم له مواصفات، وله مقاييس، قالها المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً، فانقسم الناس من ذلك الحين إلى حزبين، ثم انقسم حزب إلى أحزاب وإلى شيع وإلى فرق حتى افترقت هذه الأمة كما أخبر المصطفى أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ما مواصفات هذه الفرقة الناجية؟

    ما مقاييسها؟

    ما موازينها؟

    ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) من كان على مثل ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم، من كان على مثل ما كان عليه سلف الأمة الكرام، هو الذي لا زال على الصراط المستقيم، فهل جندت نفسك أيها الشاب لتكون من أهل هذه الفرقة؟ هل جندت نفسك لتكون ممن يستحق أن يأخذ لقب هذه الفرقة؟

    كلنا يدعي ذلك، وكلنا يقول: أنا من السلف ، أنا من أهل السنة والجماعة ، لكن لابد لكل ادعاء من بينة..

    وكلٌ يدعي وصلاً لليلى      وليلى لا تقر لهم بذاكا

    فليكن حالك يوم تسمع مثل هذا السؤال تقول:

    حاشاي يغويه سراب خادع      ومعي كتاب الله يسطع في يدي

    ليكن لسان الحال لنا جميعاً لن نضل أو نقتدي بشرق أو بغرب وإنما هدينا الكتاب والسنة نتمسك به وإن خالفنا الناس جميعاً.

    1.   

    الحث على طاعة الله

    اختبر نفسك يوم تسمع نداء الله جل وعلا، يوم يناديك ويشرفك باسم الإيمان وباسم الإسلام، ويدخلك تحت عموم الناس مرة أخرى، اسمع إليه يوم يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:20-22] أسمعت نداء الله؟

    أقرأته؟

    لقد قرأته كثيراً وسمعته كثيراً فأسأل الله أن يجعلك ممن أطاع الله ورسوله، هل أطعت الله ورسوله بحق؟

    بشرى لك! بأي شيء؟

    وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] بشرى لك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، في دار..

    قصورها ذهب والمسك طينتها      والزعفران حشيش نابت فيها

    في الأثر أن الله عز وجل يقول: (إني إذا أُطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية) سبحانه وبحمده!

    أما الآخر الذي عصى ولم يطع الله ولم يطع رسوله، فماذا قال الله عز وجل له في مثل هذا الأثر؟ قال: (وإذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد، وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب فينتقل إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يحب إلى ما يكره، وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أكره فينتقل إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب) وعد من الله عز وجل وفرصة لك يا من عملت ما يغضب الله أن تعود إلى الله عز وجل:

    فانتبه من رقدة الغفلة فالعمر قليل      واطرح سوف وحتى فهما داء دخيل

    الأمر جد وهو غير مزاح      فاعمل لنفسك صالحاً يا صاح

    1.   

    حال الخلق في يوم القيامة

    ثم اعلم أن كل شيء خلا الله باطل، وكل شيء خلا الله زائل: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] كتب الفناء على كل مخلوق، واختص نفسه بالبقاء سبحانه وبحمده، ووالله لو كان الأمر سينتهي بالموت لكان هيناً، ووالله إن الموت مع سكرته ومع شدته أهون مما سيليه، وإن القبر مع ظلمته ووحشته أهون مما سيليه، كل ذلك يا أيها الأحبة هين متى؟ إذا قورن بالوقوف بين يدي علام الغيوب، وتلفت المرء يميناً فلم ير إلا ما قدم، وتلفت شمالاً فلم ير إلا ما قدم، وتلفت أمام وجهه فلم ير إلا النار، قد غضب الرب غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله قط، الشهود منك وفيك، أيدٍ تشهد، وألسنة تشهد، وآذان تشهد، وجوارح تشهد ، الناس وأنت منهم قد جاءوا حافية أقدامهم، عارية أجسادهم، ذاهلة قلوبهم، قد تفطرت قلوبهم، وقد تفتت أكبادهم، قد دنت الشمس منهم قدر ميل، فبلغ العرق منهم مبلغاً حتى ألجم بعضهم إلجاماً: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] حشروا بلا طعام ولا شراب، تتقطع منهم الأكباد وتتفطر القلوب، وتحترق الأجواف.

    عذاب أهل النار

    ثم تنصب الموازين ثم يقول الله: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: أخرج بعث النار من ذريتك. قال: وما بعث النار من ذريتي يا رب؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، عند ذلك: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].

    تذكر يوم ينصب الميزان، ثم يقول الله للملائكة في سعي المجرم: خُذُوهُ [الدخان:47] فيبتدره سبعون ألف ملك، كل ملك لو أذن الله أن يلتقم السماوات السبع والأرض في لقمة واحدة لفعل، فيتفتت في أيديهم ويقول: ألا ترحموني؟ قالوا: كيف نرحمك ولم يرحمك أرحم الراحمين: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [المعارج:12-16].

    أوقد عليها ثلاثة آلاف عام: ألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا يطفأ شررها: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات:32] تشهق على الكافر شهقة البغلة الجوعاء إلى الشعير فلا يبقى ملك مقرب إلا خر على ركبتيه جاثياً، حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعامها زقوم وصديد، ومقامعها حديد.

    إنها جهنم التي يكذب بها المجرمون، ما أشد عقابهم! وما أعظم عذابهم! يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت:55] لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر:16] إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:71-72] كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء-56] إذا بلغ العذاب بهم مبلغه لجئوا إلى الله يستغيثون: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29] يلقي الله عليهم عطشاً عظيماً حتى تحترق أجوافهم ثم ينشئ الله لهم سحابة سوداء، ويقول: ما تبغون، ما تريدون؟ فيقولون: يا رب الشراب الشراب، يا رب الشراب الشراب. فيمطرهم الله أغلالاً إلى أغلالهم، وسلاسل إلى سلاسلهم، وجمراً ونيراناً إلى جمرهم ونيرانهم.

    ثم يأتون بعدها بالحميم، فلا إله إلا الله! أي أجسام تتحمل ذاك العذاب يا أيها الأحبة؟!! يؤتون بالحميم ليشربه ولابد له من شربه: يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم:17] قبل أن يشربه تسقط فروة وجهه عند قدميه من شدة حره، ولما يشربه بعد، ثم لابد له من شربه: يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم:17] فإذا شربه قطع أمعاءه وسلت ما في بطنه مع قدميه، فذلك قول الله: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ [إبراهيم:17] يأتيه من تحت شعره ومن تحت أظفاره ومن تحت كل مفصل من مفاصله، تعلق نفسه عند حنجرته لا تخرج فيستريح ولا تعود إلى مكانها، يمشي على النار، لا يهدأ ولا ينام ولا يستريح، طعامه من النار، وشرابه من النار، وحياته في النار: لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [طه:74].

    ثم يلجئون بعد ذلك إلى خزنة جهنم: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر:49-50] يتجهون بعدها إلى خازن النار إلى مالك، فيقولون: يا مالك! قد أثقلنا الحديد، يا مالك! قد نضجت منا الجلود، يا مالك! أخرجنا منها فإنا لا نعود. فيرد عليهم بعد أربعين عاماً -كما قال الأعمش - يرد عليهم بعد أربعين عاماً فيقول: إنكم ماكثون. فيلجئون إلى أرحم الرحمين، سبحانه وبحمده لا إله إلا هو، فيقولون: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:106-108] فلا ينبس أحدهم ببنت شفة، لا يتكلم أحدهم بكلمة وإنما هو الشهيق والزفير، يبكون الدموع حتى تنتهي حتى لو أرسلت السفن في دموعهم ودمائهم لجرت، نسأل الله العافية والسلامة.

    هذا جزاء المعرضين عن طاعة الله ورسوله، ذكرت ذلك ترهيباً لا ترغيباً؛ لأني أرى قلبي وقلوبكم قد قست، وقلوب الأمة كلها قد قست، فلابد يا أيها الأحبة أن نعود إلى القرآن، ولابد أن نعود إلى آيات القرآن لتلين القلوب فإذا لانت القلوب فأبشروا بخير أيها الأحبة.

    أشبابنا فلتسمعوا      مني النصيحة والعتاب

    من مخلص في حبكم     يرجو لكم حسن الثواب

    يخشى على هذى الوجوه     من الحميم من العذاب

    أحبابنا لا تغضبوا      فالحق أولى أن يجاب

    1.   

    استشعار معية الله

    إن أوصيتكم بوصية فأوصيكم بتقوى الله عز وجل في السر والعلانية، في المنشط والمكره، في العسر واليسر، في السراء والضراء، الجئوا إلى الله، اجعلوا رقيبكم هو الله، اجعلوا حسيبكم هو الله، لا رقيب إلا هو ولا حسيب إلا هو، لا مهرب منه إلا إليه، لا منجا منه إلا إليه سبحانه وتعالى، لا ملتجأ إلا إلى الله عز وجل.

    يا أيها الأحبة! خلق الله السماوات سبعاً والأرضين سبعاً، جعل سبحانه وتعالى -كما في الأحاديث- ما بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، والله عز وجل من فوق ذلك فوق عرشه بائن على خلقه مستوى على عرشه: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] هل استشعرنا هذه المعية يا أيها الأحبة؟ لو استشعرنا هذه المعية لاستقام الحال.

    إذاً: من هو الرقيب على تصرفاتنا وأعمالنا؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو.

    إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل      خلوت ولكن قل علي رقيب

    ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

    1.   

    باب التوبة مفتوح

    سبحان الله وبحمده، يعلم دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، فلا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، امتثل أمر الله واجتنب نهي الله عز وجل، واستسلم واخضع وانقدْ لله عز وجل، ثم إن حصل منك تفريط فراجع نفسك وتب إلى ربك، واعلم أنه سبحانه يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] هو القائل كما في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم) هو القائل: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).

    يا أيها الشاب! يا أيها الحبيب! إن أخطأت وزللت فاعلم أنك لم تخف عن عين الله وعن رقابة الله جل وعلا، هو الرقيب والحسيب، إذا استترت بالجدران والحيطان والظلام فاعلم أنه رب الظلام ورب كل شيء سبحانه وبحمده فارجع عن ذلك، إذا كنت في فراشك ثم جاءك النداء من الله "حيّ على الصلاة، حي على الفلاح" فأنت أحد شابين: إما مطيع لله ورسوله، وإما عاص لله ورسوله وحاشاك أن تكون كذلك، إن أطعت الله فقمت وذهبت وأديت ما عليك؛ كان لك عند الله ما أعده لك: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] نحتاج إلى التقوى عندما نقوم إلى للصلاة، نحتاج إلى التقوى يوم نأخذ الريال لنذهب به إلى المدرسة، نعرف من أين أخذنا هذا الريال وأين سننفقه، لا ينفق إلا في طاعة لله عز وجل؛ لأن هذا الريال ستقف أمام الله عرياناً كما خلقك فيسألك عن هذا الريال من أين اكتسبته وفيما أنفقته؟ بأي لسان تجيب ربك سبحانه وتعالى إن أنفقته في معصية؟

    يا أيها الحبيب! إذا سمعت صوتاً يغضب الله عز وجل، فاعلم أن الله أنعم عليك بهذه الأذن فأصمها عن سماع هذا الصوت، وإن استطعت أن تغيره فغيره.

    يا أيها الحبيب! إذا نظرت إلى منظر لا يحل لك أن تنظره، فالأُولى لك، ثم اذهب بعينك، واعلم أنك محاسب على هذه النظرة ممن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

    يا أيها الشاب! جوارح سوف تشهد عليك بين يدي الله، يوم تنفرد لوحدك، اعلم أن الشاهد سيكون من نفسك يوم تقف بين يدي الله، يد تشهد ورجل تشهد، وعين تشهد، وأذن تشهد، وكل شيء يشهد: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ [النور:24].

    1.   

    نموذج من سلف الأمة في الإقبال على الله

    يا أيها الأحبة! أريد في الختام أن أذكر لكم نماذج، وهذا النماذج حافزة لكم أن تكونوا مثلها، للصغار أقول يا أيها الأحبة: في موقعة بدر -أول وقعة للمسلمين- والتي أثخن فيها المسلمون المشركين ماذا كان بطفل بمثل أعماركم؟ ماذا كان من شاب بمثل أعماركم؟ إنه عمير بن أبي وقاص ، شاب صغير عرف قدر نعمة الله عليه عز وجل بالإسلام، فتوجه إلى الله جل وعلا يوم بدر ، فكان أن أخذ حمائل السيف، وكانت طويلة عليه فأخذها سعد وربطها فأصبح يسحب في الأرض من قصر الرجل وطول السيف عليه! ويتجه إلى الله، ماذا يقدم؟ هل يقدم ركعة -وإن كانت عظيمة-؟ هل يقدم كلمة -وإن كانت عظيمة-؟ إنه لم يرض للجنة ثمناً إلا أن يقدم دمه لله عز وجل، فيأخذ السيف ويتوارى بين صفوف المسلمين؛ لأنه لو رآه النبي صلى الله عليه وسلم لرده، فرآه المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال لـعمير : ارجع. فماذا كان من عمير ؟ أفرح والسيوف تنتظره هناك؟ بل دمعت عيناه ورجع هذا الصبي حسيراً كسيراً، فيقول أخوه سعد بعد أن تأثر من منظره: يا رسول الله! والله ما خرج إلا ليقتل في سبيل الله فلا تحرمه الشهادة في هذا اليوم، فيسمح له النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل غزوة بدر فينتصر المسلمون ليكون أحد شهدائها بإذن الله، عمير بن أبي وقاص .

    كم عمره آنذاك؟ عمره بمثل أصغر أعماركم الآن، وما ذلك على الله بعزيز أن نرى من شبابنا عميراً وعميراً وعميراً، نسأل الله أن يجمعنا بـعمير وأمثاله في جنة عدن، فهو الرحيم سبحانه وبحمده.

    أيها الأحبة: هذا مثل من الماضي لكن هل الماضي فقط؟ والله يا أيها الأحبة إن من شبابنا هذه الأيام، بل من أطفالنا هذه الأيام من يحمل هم الدين ويحمل هم الإسلام أفضل ممن عمره المائة عام، إن هذا الطفل ليحمل بين طياته أعظم مما يحمل أبو المائة عام.

    شاب من الشباب يأتي إلى أبيه يوماً من الأيام ويعترض عليه ويقول: يا أبتاه! نحن في نعمة لا يعلمها إلا الله جل وعلا، وعندنا في كل شارع من الشوارع هذه الثلاجة التي نضع فيها الريال فتخرج لنا من هناك عصيراً أو ما أشبهه، ففكر هذا الشاب كيف يخدم دينه من خلال هذه، الشراب ليس ضرورياً، البيبسي ليس ضرورياً، هذه المشروبات جميعاً ليست ضرورية، إن أيقاظ القلوب وغذاء الأرواح أهم من هذه، ماذا فكر هذا الصبي؟ قال: لتملأ هذه الثلاجة بالأشرطة الإسلامية فيأتي الواحد فيضع الريال فيخرج له شريطاً، إن كان من الذين يحبون هذا فهذا شيء طيب، وإن لم يكن من هؤلاء فقد ذهب الريال ولن يعود إليه ولابد أن يأخذه لعله يستفيد منه.. تفكير صبي من الصبيان إنه تفكير عظيم يا أيها الأحبة..!

    فنحتاج إلى هذا التفكير كيف نخدم ديننا؟ لا نخدم ديننا يا أيها الأحبة إلا بعد أن نتشبع من هذا العلم، العلم الشرعي الذي يقربنا من الله عز وجل، يوم تمتلئ قلوبكم علماً ويقيناً تتجهون إلى الله عز وجل، ويوم يصد الإنسان يعم الله بصيرته، لكن نقول للصاد: عد تجد الله تواباً رحيماً واحمد الله أن أمهلك.

    شاب من شباب هذا البلد كان يعصي الله عز وجل في حرم الله -ويا أيها الإخوة هذه نعمة نحن فيها إن استغلينا هذه النعمة، فإن انعكست فويل ثم ويل لنا أن نعصي الله في حرم الله- هذا الشاب كان صاداً وناداً عن الله عز وجل، لا يكاد يرعوي فيأتيه أحد الشباب الطيبين أمثالكم ويقول له: يا أخي! اتق الله، تعصي الله في حرم الله؟! اللهم لا تغفر له. وهذا يأس من هذا الشاب، ولكن ذاك زُئر ودهش وتذكر قدومه على الله عز وجل، وتذكر أن الذي لا يغفر له مصيره إلى النار التي سمعتم بعض أوصافها قبل قليل، فماذا كان منه؟ قال: يا رب أسألك بحسن ظني فيك إلا قبلتني، اللهم إني ألقيت إليك مقاليد أمري فاقبلني، اللهم قد أقلعت وتبت وندمت وعدت إليك فاقبلني، ويذهب حسيراً كسيراً نادماً على المعصية التي فرط فيها، يوم صحا قلبه وتأثرت روحه ورقت، رجع إلى الله عز وجل.

    يقول: فقام يصوم نهاره ويقوم ليله، ويأتي فيذهب ليحرم من خارج الحرم، ويدخل إلى الحرم وبينما هو يطوف بالبيت وبين الركن والحجر يسقط هناك ميتاً.. حسن خاتمة بإذن الله جل وعلا.

    من عاد إلى الله عز وجل بصدق بلغه الله عز وجل حسن الخاتمة، وما بعد حسن الخاتمة إلا كل خير بإذن الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    الحث على طلب العلم

    فيا أيها الأحبة! أدعوكم إلى أن تطلبوا العلم بإخلاص، ثم تعلموا لما خلقتم وأن باب التوبة مفتوح فإياكم أن يغلق الباب وأنتم تقولون سوف وسوف وسوف

    أعماركم تمضي بسوف وربما      لا تجتنون سوى عسى ولعلما

    هم المسوف كالتعلق بالسما     أعماركم تمضي عجالا إنما

    أنتم سفارا من الأسفاري

    فيا أيها الحبيب!

    اتق الله وقصر الأملا      ليس في الدنيا خلودٌ للملا

    أسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بما قلنا وسمعتم، وأن يجعله شاهداً لنا لا شاهداً علينا يوم نلقى الله عز وجل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    .

    التحذير من الغيبة

    السؤال: بعض الإخوة بالله لا يتركون الغيبة فأرجو النصيحة.

    الجواب: يا أيها الأحبة: داء الغيبة خطير، يقول الله عز وجل: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] أيحب أحدنا أن يأكل لحم أخيه ميتا؟ إن الذي يغتاب هذا الأخ في الله عز وجل، نقول له: أنت تأكل لحمه حياً ليس ميتا، فما بالك إن كان ميتا، أما تخشى الله أن تأتي في آخر نهارك بصلاة وذكرٍ لله عز وجل، ثم يسلم منك اليهود ويسلم منك النصارى، ويسلم منك جميع أعداء الدين ثم لا يسلم منك إخوانك يا أيها الحبيب!

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرج به إلى السماء: {ومررت على قومٍ لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، قال: قلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الذين يقعون في لحوم الناس ويأكلون أعراضهم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فانتبه أن تحول ما لديك من حسنات لغيرك، والقصاص بين يدي الله عز وجل.

    عرض النفس على القرآن

    السؤال: كيف أعرف نفسي هل أنا صالحٌ أم طالح؟

    الجواب: أنا أقول: اختبر نفسك عندما تقرأ القرآن إن وجدت نفسك مع القرآن تأتمر بأمره، وتنتهي بنهيه فأنت إن شاء الله صالح، وإن وجدت نفسك وأنت تقرأ القرآن لا تلقي له بالاً، فاسأل الله أن يمن عليك بقلبٍ فإنه لا قلب لك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766467857