إسلام ويب

ونيسرك لليسرىللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • دين الإسلام يسر، وشريعته هي الحنيفية السمحة، وبعض الناس يتشدد غيرةً للإسلام يتشدد، والبعض الآخر قد يرتكب المعاصي ويقول: الدين يسر، وفي هذا الدرس بيان لحقيقة اليسر مدعماً بنماذج من حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

    1.   

    اليسر بين الإفراط والتفريط

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:-

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    إنني لأشعر بسعادة غامرة وأنا أجلس بين ظهرانيكم في هذا البلد الكريم، الذي طالما تشوقت إلى لقاء أهله، وإلى لقاء إخواني في الله تعالى في هذا البلد، فالحمد لله الذي يسَّر هذا، في هذه الليلة المباركة ليلة الخميس، الثالث عشر من شهر ذي القعدة لعام (1412هـ) وعنوان هذه المحاضرة -أيها الأحبة- هو آية من كتاب الله تعالى: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8].

    وإنما رغبت في الحديث عن هذا الموضوع، موضوع أن الدين كله موصوف بأنه يسر، لأن هذه الكلمة أصبحت في نظر كثيرين كلمة مطاطة، فأصبح الواحد منهم من الممكن أن يصنع كل شيء، ويرتكب كل مخالفة، فإذا وجد من يمنعه أو يردعه أو ينكر عليه قال له: يا أخي! ما بك؟ قال: الدين يسر.

    فاتخذوا من هذه الكلمة ذريعة إلى ارتكاب حرمات الله تعالى، وتعدي حدوده، بحجة أن الدين يسر.

    وفي المقابل نجد أن آخرين -وهذا واقع أيضاً- يقولون فعلاً: الدين يسر، ولكن هذه الكلمة تحولت عندهم إلى مجرد شعار غير قابل للتطبيق، فهو يوافق نظرياً على أن الدين يسر، لكن عندما تأتي إلى سلوكه العملي في حياته الشخصية، وفي معاملته لأهله، وفي عمله وفي دعوته وفي تعليمه وفي فتواه وفي أي عمل من الأعمال أو أمر من الأمور؛ لا تجد هذا اليسر الذي وصف به الدين، فهو يصف الدين باليسر إجمالاً، ولكنه لا يدخل هذا اليسر في التفصيلات، ولذلك ينال الناس من هذا حرجٌ شديد.

    فأحببت أن أحاول من خلال النص القرآني والنص النبوي، أن أمسك العصا من الوسط -كما يقال- وأن أجعل القرآن والحديث هادياً لنا في هذا الطريق، حتى نعرف كيف كان الدين يسراً، وما هي مجالات اليسر لهذا الدين.

    معاني آيات اليسر

    الكثيرون يقرءون القرآن ويرددون آياته، ويسمعون -مثلاً- قول الله عز وجل: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] والآية نص صريح في أن شريعة الله تعالى يسر لا عسر فيها بوجه من الوجوه، ولهذا ذكر أهل العلم أن كل أمر أدَّى إلى العسر والمشقة فهو مرفوع عن الأمة، وكل ما فيه حرج فهو مرفوع عنهم، فإذا ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير.

    ويقرأ المسلمون -أيضاً- قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8] واليسرى هي الشريعة الميسرة، التي ليس فيها حرج ولا عنت ولا شدة، واليسرى هي الحياة الهنيئة السعيدة، التي ليس فيها قلق ولا ضيق ولا ضنك.

    إنها حياة المؤمنين الأتقياء الذين كتب الله لهم في هذه الدنيا السعادة بطاعته وعبادته، واليسرى هي كلمة التوحيد، بما فيها من وضوح ونقاء وسلامة وملاءمة للفطرة، واليسرى هي الجنة نهاية المؤمنين المتقين، الذين جعل الله لهم السعادة في الدنيا عربوناً للسعادة التي تنتظرهم في دار القرار.

    ويقرأ المسلم -أيضاً- قول الله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] فيفهم من هذا بفطرته السليمة، أن القرآن كتاب ميسر، ليس فيه مشقة ولا حرج ولا عنت، يقرؤه الشيخ الكبير، ويقرؤه الأعجمي والطفل الصغير، حتى إنك تجد -أحياناً- طفلاً صغيراً ربما لم يجاوز السابعة أو الثامنة أو العاشرة من عمره، وهو يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وقد رأيت بأم عيني أطفالاً يؤمون الناس في أوزاعٍ في المسجد الحرام يقرأ الواحد منهم القرآن عن ظهر قلب، وربما كان دون العاشرة من عمره، وهذا من تيسير القرآن في لفظه، وتيسيره في معناه، وتيسيره في فهمه، وتيسيره في قراءته، فهو ميسر، وتيسيره -أيضاً- في فهمه والاتعاظ به، ولهذا قال: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:15].

    اليسر في حياة المؤمن

    ويقرأ المسلم -أيضاً- قول الله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً [الكهف:88] فاليسر مصاحب للإيمان وللعمل الصالح، ولهذا تجد حياة المؤمن تيسيراً كلها، كلما طرق باباً فٌتِحَ له، لأنه يطرق الباب بقوة الله عز وجل، ويطرق الباب متوكلاً على الله، وهو يعلم أن الأمور كلها بيد الله، فيطرقه برفق وبهون، فحيثما توجه تجد أنه يتوجه بيسر، وإذا أراد أن يبحث عن وظيفة، أو عن عمل، أو عن دراسة، أو عن زوجة، تجد أنه يسير بهدوء ويفعل الأسباب، ولكن قلبه مستقر في صدره.

    لأنه يعلم أن الأمور كلها بيد الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن القضاء والقدر نافذٌ لا محالة، ولكنه متعبد بفعل السبب، فيفعل السبب وكله ثقة بالله، فإن أجرى الله هذا الأمر فرح به وسُر، وقال: شكراً لك يا رب. وإن امتنع رضي أيضاً، وقال: شكراً لك يا رب. فربما كان الخير فيما منعه الله تعالى منه قال تعالى: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] وقال أيضاً: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]

    المسلم والمشقة

    وقد يواجه المسلم في حياته بعض المشقة، فالمسلم لم يوعد بالجنة على ظهر هذه الأرض، إنما وعد بالجنة في الدار الآخرة، ولهذا قد يصيب المسلم المرض، وقد يفتقر، وقد يُؤذى، ويُسجن، ويُعذَّب، وقد تلصق به التهم الباطلة، وقد تؤذيه زوجته، وقد يؤذيه ولده، والله تعالى خاطب المؤمنين الأولين بقوله: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] وقال: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28].

    فإذا أصابه شيء من ذلك لم تضق الدنيا في عينه، ولم تظلم في وجهه، لأنه يتذكر الآية القرآنية التي يقول فيها ربنا عز وجل: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6] فيدرك أن هذه الدنيا يصحب العسر فيها للمؤمن خاصة يسر بل يسران {ولن يغلب عسر يسرين} فحيثما اشتد الأمر شعر المسلم بأن هذا مؤذن بقرب الفرج:

    اشتدي أزمة تنفرجي     قد آذن ليلك بالبلج

    فيؤمن بأن هذا العسر يتبعه يسر.

    1.   

    قواعد عامة في الدين

    لا حرج في الدين بوجه من الوجوه

    وعلى كل حال، فالشريعة التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم تتلخص في آية واحدة، هي قول الله عز وجل: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] وبذلك نعلم أولاً: أن كل أمر أمر الله به أو الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن يكون فيه حرج بوجه من الوجوه، حتى ولو سالت من ورائه الدماء، ولو تقطعت الرقاب، ولو تدهدهت الرءوس، ولو فارق الإنسان أهله، وخلانه، وبلدانه، وأوطانه، يعلم أنه ليس في ذلك حرج، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]

    مثلاً: الجهاد شريعة إسلامية، هل فيها حرج؟ لا، لأنه وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] فيعلم المسلم وهو يجاهد، ويخوض المنايا، ويصارع الموت وينازله في المعارك، ويرى إخوانه وأحبابه تتساقط رؤوسهم أمامه، ويعقر جواده، ويهراق دمه، ويقسم ماله، وتتزوج زوجته من بعده، يرى أن هذا كله ليس فيه حرج بوجه من الوجوه، لأن الله تعالى نفى عنه الحرج، وقال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].

    إذاً القاعدة الأولى: أن كل أمر من الدين لا يمكن أن يكون فيه حرج.

    كل ما فيه حرج فليس من الدين

    القاعدة الثانية: وهي أنَّ كل أمر فيه حرج حقيقي فليس من الدين بوجه من الوجوه، ولو كان مأموراً به -أصلاً- ثم ترتب عليه حرج، فإن الله تعالى يرفع الحرج عن هذه الأمة، ولهذا قال الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [النور:61] ليس عليهم حرج -مثلاً- في الجهاد والقتال؛ لأنهم لا يستطيعون ذلك، وفي هذا العمل من المشقة عليهم ما فيه، إذ أنهم عاجزون عن مقاومة عدوهم ومواجهته، فرفع الله تعالى عنهم الحرج في هذا، وفي غيره فيما هو مجال للرخصة والتيسير.

    وهكذا جاءت سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم مرادفةً للقرآن، ومؤكدة على هذا المعنى، أن الدين ليس فيه حرج بوجه من الوجوه، فمثلاً في حديث أبي هريرة، الذي رواه البخاري في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا} فوصف الدين بأنه يسر كله، فقوله: { ولن يشاد الدين أحد } أي يأخذه بالشدة والقوة { إلا غلبه} أي: غلبه الدين، ولذلك تجد أن الذين يفرطون في أمور الدين يؤول بهم الأمر إما إلى مشقة شديدة على أنفسهم، وإما إلى إفراط وتضييع والعياذ بالله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: { فسددوا } أي: احرصوا على أن يكون رميكم صواباً، وأن يكون اتجاهكم سليماً ووسطاً قصداً، بين الإفراط والتفريط، بين الغلو والجفاء.

    وإذا أعوزكم التسديد، وحصل عند الإنسان شيء من التقصير فليقارب، أي يحرص على أن يكون قريباً من الصواب وأبشروا، واستعينوا على طريقكم إلى الله -تعالى وطريقكم إلى الجنة { بالغدوة، والروحة } بالسفر أول النهار، حيث النشاط والقوة والروحة وهي: السير بعد الزوال حينما تهدأ الشمس وتبرد، {وبشيء من الدلجة} يعني: مسير الليل أيضاً. {والقصد القصد تبلغوا } يعني اعتدلوا.

    فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم، شبه المسلم والعالم وطالب العلم والداعية بإنسان يريد أن يسافر، فلو فرض أن هذا المسافر قال: الطريق طويل، وأمامي مواعيد وارتباطات، ولابد من السرعة، فجار على راحلته -سواءً كانت بعيراً أو غيره، كما كانت وسيلة النقل في الماضي، أو حتى لو كانت سيارة، كما هي وسيلة النقل اليوم- فتجد أنه يجور عليها ولا يتوقف، فيركب هذه السيارة ولا يتوقف لملاحظة عيارات السيارة مثلاً، ولا لغير ذلك، ولا يقف ليبرد الجو، وإنما وضع رجله، وسار مسرعاً يقطع الفيافي والقفار، وينهب المسافات نهباً، وبعد ذلك ربما تعرض للسيارة عطل، وترتب عليه تأخير طويل، وربما أصبحت السيارة غير قابلة للمشي، فتأخر كثيراً أو ترك المسير، فترتب على ذلك أنه ضيع هذه الدابة أو السيارة وأتلفها، وكذلك لم يحصل على ما يريد من السفر.

    ولهذا جاء في الحديث الآخر: {إن المُنبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى} فلا هو قطع المسافة ولا هو احتفظ بالظهر أي: (الدابة) التي كان يركبها، ولهذا قال: {القصد القصد تبلغوا} لكن الذي يسير بهدوء واعتدال، ويعطي السيارة حقها، فإنه يصل -بإذن الله تعالى- في وقت مقارب، وهو -أصلاً- إذا كان عَّود نفسه على الاعتدال، فإنه يحتاط لسيره احتياطاً مناسباً، فتجد أنه لا يصيبه من لأواء السفر ووعثائه إلا الشيء اليسير.

    أخذ الدين باعتدال ويسر

    وهكذا دين الله تعالى، الطريق إلى جنة الله وإلى رضوانه، فلو أن إنساناً -مثلاً- كان قارب المعاصي والموبقات، وركب ما ركب من الذنوب، ثم بعد ذلك اهتدى وأقبل إلى الله تعالى، فقال: لقد مضى من عمري أربعون سنة، ولابد أن أستدرك، ولذلك أريد أن أضاعف أعمالي وأكثف عباداتي، وأريد أن أزيد، فتجد أنه أصبح يقوم من الليل كثيراً، ويصوم من النهار كثيراً، ويقرأ أجزاءً من القرآن، ويحرص على حفظ القرآن، ويحضر دروس العلم، ويقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبح يضرب في كل ميدان بسهم، فإذا سمع بعد ذلك بخبر الجهاد في أفغانستان وفي غير أفغانستان، وخبر الشهادة في سبيل الله، قال: أظن أنه لا يكفر عني سيئاتي إلا الموت في سبيل الله، فترك هذه الأعمال كلها وذهب إلى هناك.

    بعد فترة وجد أنه لم يجد المجال الذي ينتظره، فذهب إلى ميدان ثالث، فأصبح هذا الإنسان مشتتاً لا يستقر على حال من القلق، لكن لو أنه مشى رويداً، وبدأ يحافظ على الفرائض ويبكر إليها، ويحافظ على وضوئها وركوعها وسجودها، ويقرأ ما تيسر من القرآن كما أمر الله عز وجل، ويصلي من الليل ما كتب له، ويصوم الاثنين والخميس، وأيام البيض، وأيام الست من شوال، وما أشبه ذلك، ويأمر بالمعروف، ويقول كلمة الحق، ومع ذلك فإنه يستمتع بما أحل الله تعالى له من أكل وشرب ونوم وغير ذلك، ويصل رحمه، ويحسن إلى جيرانه، ويقوم بتجارته ودراسته وأعماله وغير ذلك، فإن هذا الإنسان غالباً يستقر على تلك الحال، ولا يكون عرضة للتقلب والتلون.

    حث النبي ومدحه لليسر

    قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي رواه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد وسنده حسن في الشواهد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة} يعني: أحبُّ الأديان إلى الله تعالى هذا الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وهو دين أبينا إبراهيم وملته الحنيفية، المائلة عن الشرك إلى التوحيد، السمحة التي ليس فيها عسر ولا شدة بوجه من الوجوه.

    وعن أعرابي لم يُسم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {خير دينكم أيسره} والحديث رواه أحمد وسنده صحيح، وكذلك قال عروة الفقيمي فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم: {إن دين الله تعالى يسر} وسنده أيضا حسن، وكذلك حديث بريدة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {عليكم هدياً قاصداً} قاصداً: معتدلاً، لا إفراط فيه ولا تفريط، قال صلى الله عليه وسلم: {فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه الدين}.

    اليسر طابع لشخصية الرسول

    روى محجن بن الأذرع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة وخير دينكم اليسرة} فاليسر خيرٌ كله في كل شيء، فاحرص على أن يكون اليسر طابعاً لشخصيتك، وستعلم بعد قليل أن هذا اليسر من طابع شخصية النبي المختار صلى الله عليه وسلم قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوصي معاذ وأبا موسى الأشعري حينما بعثهما إلى اليمن: {يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا} والحديث في صحيح البخاري وغيره.

    إذاً اليسر طابع عام للإسلام، وطابع لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، في كل أموره وفي كل أعماله، بل هو صفة للدين، في العقيدة، وفي الشرائع، وفي الأحكام، وفي المعاملات، وفي البيوع، والدعوة، والتعليم، والجهاد، وفي كل شيء.

    وإليك نماذج من اليسر في الدين، وما يقابلها من اليسر في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه أحد كتاب الغرب وأدبائهم، ويقال له برناردشو يقول: لو كان محمد -ونقول: صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: حياً لحل مشاكل العالم ريثما يشرب فنجاناً من القهوة.

    إذاً مشاكل العالم كلها، اقتصاديها وسياسيها واجتماعيها وإداريها، يمكن أن تحل، لكن ليس بالتعقيد وليس بالتشديد وإنما باليسر.

    آثار الغفلة والذكاء على اليسر

    لقد ارتبط في أذهان الكثير من الناس؛ أن اليسر يصحبه شيء من الغفلة والبساطة والوضوح، وأن العالم اليوم يتطلب الذكاء والنبوغ، وبعد النظر وبُعد التخطيط، وغير ذلك من الأشياء التي ربما كانت من أهم الأسباب في تعقيد الأمور، وفقدان الثقة بين الأطراف، فأصبحت أنا أعتقد أنك تخطط ضدي، وأنك تريد أن تمكر بي، وأنك تتآمر علي، ولذلك أتعامل معك بحذر ويقظة، وأفتح أعيني وآذاني، وأحاول أن أعمل ذهني، ماذا أراد بهذه الكلمة؟! وماذا أراد بهذه الخطة؟! وماذا أراد بهذا العمل؟! فلا أكاد أقبل منك شيئاً، إلا وفق معيار دقيق شديد يفتش في الأمور كلها، وأنت -أيضاً- تعاملني بهذه الطريقة، فتظن أن كل ما أقوله لك، أو أنصحك به، أو أقترحه عليك، أو أقدمه لك من المرئيات والخطط والاجتهادات، أنها أمور وراءها ما وراءها، ولهذا تتقبلها أنت بتحفظ وتقول: ربما يكون وراء الأكمة ما وراءها، ولابد من دراسة ولابد من خبراء.

    فهناك فقدان الثقة في العالم كله، فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الأب وابنه، وبين الزوج وزوجته، وبين المدير أو الرئيس وبين من تحت يده، وبين المدرس والطالب، وبين الدولة والأخرى، وعموماً فقدان الثقة هو من أهم أسباب تعقيد الأمور، فلو أن أمورنا كلها حُلَّت عن طريق اليسر والتيسير والمسامحة، لربما زال من ذلك شيء كثير.

    1.   

    نماذج من اليسر في الدين وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم

    مثلاً: اليسر في الدعوة. تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دعا، قال لقريش: {يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} ما قال: هؤلاء القوم مشركون ووثنيون، وقديمو عهد بكفر، ولذلك لابد أن نقدم لهم برنامجاً متكاملاً من الألف إلى الياء، يشمل أمور الدعوة كلها، ويحدثهم في الكبير والصغير والجليل والحقير، لا، إنما دعاهم إلى كلمة واحدة واضحة، ليس فيها تعقيد ولا غموض.

    الأعرابي كان يعرف معنى: (لا إله إلا الله) فكان يناديهم: {يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} فجعل الهم كله هماً واحداً، ودعاهم إلى كلمة واحدة وقضية واحدة، ولم يشعبهم في الأموركلها، لماذا؟ لأن هذه الكلمة هي المفتاح، فإذا قبلوا هذه الكلمة انتهى كل شيء، وزالت الحرب، وانتهت الخصومة، وأصبح هؤلاء القوم مسلمين، وبدأوا بعد ذلك يتقبلون كل شيء أتاهم عن الله عز وجل.

    فهكذا كانت سيرته، وديدنُه صلى الله عليه وسلم، ينـزل في القبائل قبيلة قبيلة، وفي المواسم في الحج، وفي الأسواق وفي نوادي قريش، وفي المسجد الحرام، وكل ما يقوله صلى الله عليه وسلم يثير معركة واحدة فقط، هي معركة الألوهية، معركة التوحيد: {يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}.

    وقد أجَّل صلى الله عليه وسلم كل شيء آخر غير هذه الكلمة وغير هذه الخصومة، لأن هذه الكلمة من شأنها أن تنهي جميع الخصومات التي يمكن أن تقوم. كان الرجل من الناس يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قضى خمسة وعشرين سنة في الجاهلية، وقضى خمسة وثلاثين سنة وهو يسجد للآت والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فيجلس إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دقائق، أو ربع ساعة على أكثر، فيعلمه الدين والإسلام، ويخرج هذا الرجل -لا أقول مسلماً- بل يخرج مسلماً مؤمناً داعيةً إلى الله عز وجل.

    الطفيل بن عمرو الدوسي

    وخذ على ذلك بعض الأمثلة اليسيرة السريعة:

    مثل: الطفيل بن عمرو الدوسي، والقصة طويلة لكني أختصرها وأصل قصته في صحيح مسلم: { يأتي إلى قريش فما يزالون به حتى يضع في أذنيه القطن، لئلا يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب منه أبى الله إلا أن يسمعه شيئاً، فقال: أنا والله رجل لبيب أعرف الشعر، وأعرف ألوانه وهزجه وقصيده ورجزه ومقبوضه، ومبسوطه، فأسمع من الرسول (صلى الله عليه وسلم) فإن رأيت حقاً قبلته وإن رأيت باطلاً رددته، ولا يمكن أن أجبر بعقل غيري، فيقوم وينـزع القطن، ويسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم، فسمع كلاماً جزلاً فخما قوياً عظيماً، وهو القرآن، فآمن وأسلم. وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إلامَ تدعو؟ فعلمه الإسلام، فقام هذا الرجل من عند الرسول صلى الله عليه وسلم -لا أقول مسلماً فقط- بل قام مسلماً مؤمناً داعية، وذهب إلى قومه، فتأتيه زوجته لتسلِّم عليه، فقال: إليك عني، فلستُ منكِ ولستِ مني، قالت: ولم فداك أبي وأمي؟ قال: إني قد أسلمت وتبعت محمداً صلى الله عليه وسلم. قالت: ديني دينك. فقال: اذهبي واغتسلي. فذهبت واغتسلت ثم شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله }.

    يأتيه أبوه وأمه فيقول لهم نفس الكلام, ويأتيه قومه وقبيلته فيقول لهم كذلك، فيسلمون كلهم عن آخرهم على يد رجل لم يمكث في مدرسة إلا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، تلَّقى فيها درساً أو محاضرة كانت مدتها خمسة عشر دقيقة أو قريباً من ذلك.

    عمرو بن عبسة

    مثال آخر: عمرو بن عبسة رضي الله عنه، كان في الجاهلية يعرف أن الناس ليسوا على شيء، ويكره الأصنام، فسمع ببعثة رجل في مكة يقال له: (محمد) صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه يتصنت الأخبار ويتسمعها، وقد ورد هذا الحديث في البخاري ومسلم {فلما لقيه قال: ما أنت؟ قال: أنا نبي. قال: وما نبي؟ قال له: أرسلني الله. قال: آلله أرسلك؟ قال: نعم. قال: بماذا بعثك؟ قال: بأن يُعبد الله وحده لا شريك له، وتُهجر اللات والعزى، وتُكسر الأصنام، وتُوصل الأرحام} فهذه خمس كلمات يمكن أن يحفظها أصغر الناس وأقل الناس ذكاءً، يحفظها العجمي ولو كان لا يحفظ اللغة العربية، فخرج من عنده داعية، قال: {إني أريد أن أعلن الإسلام، قال: لا. لا تستطيع ذلك يومك هذا -لأنه -عليه السلام- كان مستخفياً بـمكة، وقومه عليه جرآء- قال: ولكن اذهب إلى قومك، فإذا سمعت أني قد ظهرت فأتني}.

    فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلي المدينة، جاءه عمرو بن عبسة بعد زمان طويل ربما عشر سنوات أو أكثر، فلما لقي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الذي أتيتني بـمكة، قال: نعم} فهذه البساطة - إن صح التعبير - والبعد عن التعقيد في تعليم الدين.

    بُعِثَ بالعبودية لله وحده لا شريك له، وأن تهجر الأوثان، لا لات ولا عزى ولا مناة ولا هبل، وأن يُوحَّد الله، وأن تُوصل الأرحام، وتُكرم الضيوف، ويُحسن إلى الفقير والمسكين وابن السبيل، فهذه هي الصورة الواضحة النقية لدعوة التوحيد التي كان يدعو إليها النبي صلى الله عليه وسلم.

    الجن

    خذ نموذجاً من الجن مما ذكره الله تعالى بقوله: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ [الأحقاف:29] صرفهم الله تعالى إلى الرسول، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي الفجر في بطن نخلة، بين مكة والطائف، فسمعوا شيئاً من القرآن قدر60 أو 80 آية أو 100 آية، كان يقرأ في صلاة الفجر كما في الصحيح ما بين الستين إلى المائة، فلنفرض أنهم سمعوا مائة آية، وربما أنهم جاءوا الصلاة في منتصفها -مثلاً- المهم أنهم سمعوا القرآن، فلما حضروه قالوا: أنصتوا. كل واحد يشير للآخر ويقول: اسكت، لا يريدون أن يفوتهم شيء، آذانهم مفتوحة، ولا يوجد حواجز بينهم وبين القرآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] لم يقل: مسلمين، ولا مؤمنين! وإنما قال: (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)!.

    إذاً تجاوزوا مرحلة الإسلام، وتجاوزوا مرحلة الإيمان أيضاً، وتعدوه إلى مرحلة الإنذار، إنهم منذرون، أي: صاروا دعاة بمجرد حضورهم صلاة واحدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنذرون من طراز فريد، يقف الواحد منهم خطيباً أمام قومه، وهو يقول: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأحقاف:30-32]. فهؤلاء القوم هزوا قلوب الجن بالإنذار والتحذير، وقالوا لهم: بعث نبي جديد من بعد موسى يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وفي الآية الأخرى قال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً [الجن:1-2] كلام طويل يعبر عن لهفتهم وتأثرهم وانفعالهم بهذا الذكر وهذا الوحي، قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].

    على الداعية تجنب التعقيد

    إن الدين واضح ليس فيه غموض ولا حواجز تحول بينه وبين الناس، كأي عِلمٍ آخر حينما يقدم للناس سهلاً بسيطاً، بعيداً عن التعقيد والإطالة وغير ذلك، وأن يُحشى بأمور ليس لها علاقة بالدين، فالعقيدة واضحة سهلة والدعوة كذلك، وعموماً لاشك أن هذا الأمر الذي كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ما دُعِيَ أحد إليه إلا قبله.

    ولكن كثيراً من الناس وضعوا أثقالاً وأغلالاً بين الناس وبين الدين، فأصبح الكثيرون يعتقدون أن هناك صعوبة في تدين الإنسان والتزامه واستقامته، لماذا؟ لأننا بمحض إرادتنا واختيارنا -وأحياناً باجتهادنا- نضع عقبات أمام الناس، تحول بينهم وبين الالتزام، وأضرب لذلك مثلاً:

    الصوفي -مثلاً- الذي يقول لمن يريد الإسلام: لا يمكن أن تكون مؤمناً حقاً حتى تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ومع ذلك لا بد أن تتبع شيخنا، وتكون مريداً له، وتتابعه فيما يريد، وتصدقه فيما يقول، وتحضر درسه مثلاً، هذا أضاف إلى الدين تعقيداً ليس من أصل الدين حال بين الناس وبين الدين.

    كذلك المتعصب لمذهب من المذاهب الفقهية، والذي يقول لأي مسلم جديد: لا يمكن أن تكون مسلماً حقاً إلا إذا آمنت بالله ورسوله، وأيضاً اعتقدت بأن مذهب الشافعي -رحمه الله- هو الحق، واتبعته في الفروع كلها، أو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- أو مالك -رحمه الله- أو غيرهم، فأضفنا شيئاً جديداً ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما أمر به، ولا ألزم به أحداً من الناس، وكان يمكن أن نقول لأي مسلم جديد: لا نحتاج إلى أحد من الناس، يكفيك أن تكون تابعاً لإمام الأئمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيكفيك القرآن، والحديث، فتقرؤه وتعمل بما فيه، فقد نـزل للفيلسوف في صومعته، ونـزل للعالم في مختبره، ونـزل للذكي شديد الذكاء، والعبقري، كما نـزل للغبي الذي ربما لا يفهم من الأمور إلا القليل، ونـزل للعربي كما نـزل للعجمي.

    سهولة الدخول في الدين

    لهذا من الأهمية بمكان أن نُسهِّل الأمر للناس، ونبين لهم أن الدين يمكن فهمه بسهولة، ويستطيع أي عالم بل استطاع كثير من العلماء أن يُلخِّص الدين في عشر ورقات، بل أقل من ذلك، يقرؤها الإنسان في نصف ساعة، ويمكن أن تترجم لغير العربي في نصف ساعة أيضاً، فيفهم من خلالها أصول الدين ومبادئه العظام، التي بها -بإذن الله تعالى- النجاة من النار ودخول الجنة، وأنت تجد مثلاً كتاب الأصول الثلاثة في أصول الدين لا يتعدى بضع ورقات، وما زاد عن ذلك فإنه من الخير والبر الذي يمكن أن يستفيد منه الإنسان ويتزود، ولكنه مما لا يلزم الإنسان أن يتعرف عليه، إلا أن يكون من العلوم الضرورية، كتعلم الطهارة -مثلاً- إذا جاء وقتها، والصلاة والحج إذا أراد وهكذا.

    فالطريق إلى الإسلام مفتوحة، وهذا من التيسير في الدعوة، فمثلاً الأمم السابقة كان يقال لهم: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:54] فكانت توبتهم أن يقتلوا أنفسهم حتى قتل بعضهم بعضاً، قيل: قتل منهم في ليلة واحدة أكثر من سبعين ألفاً من بني إسرائيل، فهذه كانت توبتهم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ).

    النصارى اليوم، لا يستطيع الواحد منهم أن يتوب هكذا ببساطة، حتى يأتي إلى القسيس، ويقوم بعملية الاعتراف أمامه، فيعترف أمامه بذنوبه، وبناءً على هذا يكون هذا القسيس وسيطاً وشفيعاً بينه وبين الله عز وجل، لكن في الإسلام كل هذه الطقوس لا مكان لها، كل ما في الأمر أن المذنب ولو بلغت ذنوبه عنان السماء، ولو أتى من الجرائم بكل ما يخطر على بال؛ من الزنا والفجور والقتل وسفك الدم الحرام ونهب المال وغير ذلك، كل ما يتطلبه الأمر أن يرفع يده إلى السماء ويقول: أستغفر الله وأتوب إليه. ويواطئ قلبه لسانه على ذلك، فإن كان في ذلك حقوقاً للمخلوقين ردها إليهم، ولا يحتاج إلى شفيع ولا إلى وسيط في هذه الدنيا لقبول توبته، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح من حديث صفوان بن عسال: {إن للتوبة باب قبل المغرب مسيرة سبعين عاماً لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها}

    نموذج آخر ليسر النبي

    وهاهنا نموذج من نماذج اليسر: الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي إلى أحد الناس حتى يصلي في بيته، لم يقل صلى الله عليه وسلم: من أنت حتى آتيك؟ أو أنا مشغول وما عندي وقت لمثل هذه الأمور. بل واعده ثم أتاه صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: {أين تريد أن أصلي؟ قال: صلّ في مكان كذا، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى، بعد ذلك جلسوا يتحدثون، قال: حبسناه على خزيرة صنعناها له} لون من الطعام المتواضع آنذاك، انتظره النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جلسوا يتحدثون: أين فلان؟ أين فلان؟ فذكروا رجلاً اسمه مالك بن جشعم أين هو؟ فقال واحد من الحضور: {دعوه، هذا رجل لا يحب الله ورسوله، فاستعظم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة وقال: أليس يقول: لا إله إلا الله؟ قال: بلى يقولها، ولكننا نرى أن قلبه وذيله ورأيه مع المنافقين، ولا تنفعه لا إله إلا الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس يقول: لا إله إلا الله؟ قال: بلى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله -وفي رواية أنه قال-: أولئك الذين نهيت عنهم} دع باطنهم طالما أن ظاهرهم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي الصلوات الخمس مع المسلمين، فخذ الظاهر ودع الباطن لله عز وجل، فإن ظهر لك شيء فخذ به,

    1.   

    يُسر النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الأخطاء

    الأخطاء موجودة في كل مجتمع، حتى المجتمع النبوي وجد فيه أخطاء كثيرة، فقد زنا ماعز وزنت الغامدية، فكيف واجه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخطأ؟

    يأتي ماعز، والغامدية، فيقول: لعلك قبَّلت، لعلك غمزت، لعلك لعلك... حتى يعترف الرجل ويُصرّ على اعترافه، فيقيم عليه الحد. وكذلك الغامدية قال لها: لعلِّكِ لعلَّك... تقول: {تريد أن تردني كما رددت ماعزاً يا رسول الله! والله إني لحبلى من الزنا} فيقيم عليها الحد بعدما ولدت، وفطمت، فلما نال منها رجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {والله لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له} وفي رواية: { لقد تابت توبة لو وزعت بين سبعين من أهل المدينة لغفر لهم}.

    فأصل الاعتقاد في التجاوز عن الأخطاء؛ أن الإنسان يعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد يغفر لكل إنسان إلا الشرك، لقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فقد يغفر الله تعالى للعبد كل ذنب إلا الشرك، فلا تحكم على أحد بخطأ أن الله تعالى سوف يعذبه أو يعاقبه، فإن الله تعالى بكرمه ينجز الوعد، ولكنه قد يعفو عن الوعيد، وكما قيل:

    ولا يرهب ابن العم والجار سطوتي          ولا أنثني عن سطوة المتهدد

    وإني وإن أوعدته أو وعدته               لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

    تعامله صلى الله عليه وسلم مع المجامع في رمضان

    { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت، قال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره بالكفارة على ما هو معروف. لكنه لا يجد شيئاً، لا يستطيع أن يعتق رقبة، ولا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين أو أن يطعم ستين مسكيناً، فلما جلس الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه بعد قليل شيء من التمر، فقال: خذ هذا فتصدق به. فقال: يا رسول الله! أتصدق به على أفقر منا، فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: خذ هذا فأطعمه أهلك } فقد جاء الرجل خائفاً وجلا مذعوراً يخشى من أشد العقوبات؛ لأنه وقع في هذا الذنب العظيم، بل هو كبيرة لأنه لم يجعل عليه كفارة إلا وهو من كبائر الذنوب، وذهب الرجل مبتسماً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطاه هذا التمر الذي جاء به إلى أهله، فرجع إلى قومه يقول: وجدت عندكم الضيق والعسر والشدة، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة واليسر.

    قصة معاوية بن الحكم

    قصة معاوية بن الحكم، سبقت معنا قبل قليل، كيف خاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف علمه كذلك قصة الأعرابي الذي بال في ناحية المسجد، ولمَّا نهره الصحابة أو هموا به، أمرهم فتركوه، ثم دعاه وعلَّمه أن هذه المساجد لم تُبْنَ لهذا، وإنما بنيت لذكر الله تعالى وقراءة القرآن. فهذا الرجل تعجب من حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى وقال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً. فقال له: النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد تحجرت واسعاً}

    1.   

    يُسر معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة

    يسر النبي صلى الله عليه وسلم في معاملته مع أصحابه أمر عجيب! كان معهم طيلة الوقت أو أكثر الوقت، في السفر، والإقامة، في الحرب والسلم، في الحج والعمرة والجهاد والغزو وفي المسجد بل في البيت، ولذلك قالت عائشة: [[كانت معظم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره قاعداً بعدما حطمه الناس]] هذا داخل وهذا خارج، وهذا في شفاعة وهذا في قضية.

    شفاعة الرسول لمغيث

    كان هناك شيخ كبير في السن اسمه مغيث، كان له زوجة اسمها بريرة، وكانا مملوكين ولما أعتقت قالت: لا أريد هذا الرجل. فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له عند هذه المرأة التي يحبها حتى تقبل به، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ودعاها وقال لها: {ما لك عن مغيث أي: لماذا لا تقبلين به؟ قالت: تأمرني يا رسول الله. قال: لا، إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي به }.

    فكان العباس رضي الله عنه يقول: [[كنا نراه في أسواق المدينة يمشي ودموعه تقاطر على لحيته]] حباً في هذه المرأة التي لم تُرِدْه بعدما أعتقت.

    المهم حتى أدق الأمور يأتون بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان معهم أكثر وقته، ومع ذلك لم يكن ليتكلم على هذا ويوبخ هذا ويعاتب هذا، بل بالهشاشة والبشاشة والبسمة ولين الجانب والسماحة.

    الرسول وعمرو بن العاص

    عمرو بن العاص رضي الله عنه -وهو ليس من متقدمي الإسلام- لما أسلم عيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية ذات السلاسل أميراً عليهم، وكان فيهم أبو بكر وعمر.

    فتوقع p=1000174عمرو بن العاص

    رضي الله عنه، أنه أحب الناس إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لما يرى من حسن خلقه معه ومعاملته ولطفه وبشاشته في وجهه، فقال كما في صحيح البخاري: {يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها} ثم عد أناساً، فسكت عمرو قال: من أجل ألا أكون في آخرهم، فلم يواصل السؤال. المهم لماذا توقع وطمع أن يكون من أحب الناس؟ لما رأى من حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم معه ولطفه ولين جانبه.

    ما لعن أحداً ولا سب ولا شتم، وقلَّ أن يرى الغضب في وجهه إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، فإنه حينئذٍ لا يقوم لغضبه شيء.

    الرسول والجارية

    كانت الجارية تأخذ بنبي الله صلى الله عليه وسلم، فتذهب به إلى أي سكك المدينة شاءت، أو تواعده في أي مكان، فيأتي إليها ويصغ أذنه لها، ماذا تتوقع أن تقول الجارية؟ أمة في أحد البيوت تشتكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من سيدها، أو من أهل البيت، أو من شدة العمل أو من غير ذلك، وربما تذكر تفاصيل وأموراً لا حاجة بها، ولو أن هذه الجارية جاءت إلى واحد منا الآن -وأنا على يقين- وحدثته بمثل هذه الأمور لقال لها: لست بفارغ لهذه التفاصيل، وهذا الكلام الذي ليس لنا به حاجة، وليس عندي وقت لمثل هذه الأشياء، اذهبي وابحثي عن غيري. مع أن الواحد منا قد لا يكون عنده عمل يذكر.

    ولكن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ورسول الله وخاتم النبيين كانت تواعده في أي مكان من سكك المدينة، فيصغي أذنه لها، فتتكلم وتتكلم حتى ينتهي ما عندها، ولا ينتهي الأمر، بل يذهب الرسول صلى الله عليه وسلم ليشفع لها، أو يتدخل عند أوليائها وعند سادتها إلى غير ذلك من الأمور.

    الرسول وعتبان بن مالك

    عندما دعاه عتبان-كما ذكرت لكم- وحبسه على خزيرة، وهذا ليس إنسانا عادياً، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من هم الملوك؟! ومن هم الرؤساء؟! ومن هم الأمراء؟! ومن هم السادة؟! ومن هم العباقرة؟! ومن هم القواد؟! ومن هم الأثرياء بالقياس إلى شخصية النبي صلى الله عليه آله وسلم؟! لا شيء، هم أقزام صغيرة ونقط ضعيفة، ومع ذلك هذا السيد صلى الله عليه وسلم يأتي إلى عتبان بن مالك فيحبسونه على خزيرة صنعوها له، ويقول صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: {لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إليَّ ذراع أو كراع لقبلت} تواضع لله، ويسر في الشخصية، وبُعدٌ عن التكلف، وكان عليه الصلاة والسلام يزور أصحابه، ويجالسهم ويضاحكهم، ولم يكن عنده شيء من التكلف في لباسه أو فراشه، فيلبس ما تيسر ويفترش ما تيسر بعيداً عن الأبهة والكبر.

    تواضع الرسول في حجة الوداع

    حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ومعه أكثر من مائة وعشرة آلاف، إحصائية الحجيج عام حجة الوداع مائة وعشرة آلاف أو يزيدون والناس كثير، فلم يكن أحد يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غمار الناس لا يقال: إليك إليك، وليس هناك حراس، ولا حجاب، ولا جنود، ولا شُرَط، ولا سياط، ولا أعوان، ولا بنادق، ولا عصي، إنما كان في غمار الناس يمشي صلى الله عليه وسلم يقول: {أيها الناس، السكينة السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع} فينصحهم بالهدوء، يأتون إليه وهو يرمي الجمار على ناقته صلى الله عليه وسلم، ويطوف ويسعى، كل ما في الأمر أنه من أحب أن يسأله عن شيء سأله، ويحيطون به ويسألونه، وهو قائم أو قاعد أو ماشٍ صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    يُسر النبي صلى الله عليه وسلم في معاملته مع أزواجه

    قصة زواج عائشة

    وعلى سبيل المثال: عائشة في قصة زواجها، لما دخل بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كانت تلعب مع البنات، فدعتها أمها أم رومان إلى نسوة من الأنصار، فأصلحن من شأنها وغسلن رأسها، ثم قلن لها: على اليُمن والبركة وعلى خير طائر. وأدخلنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:[[فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنني إليه وذلك ضحى]] بدون تكلف ولا مبالغات، في الالتزامات والمواعيد والمناسبات والتكاليف، وغير ذلك من الأشياء التي حوَّلت الزواج إلى مشكلة صعبة ربما لا يستطيع الكثيرون أن يجتازوها أو يقتحموها.

    تيسيره لأمر الزواج

    جاءته المرأة فلما قال الرجل: يا رسول الله! زوجنيها. قال: {التمس ولو خاتماً من حديد. فلم يجد، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: زوجتكها بما معك من القرآن} هذا جانب من التيسير في أمر الزواج.

    وضوح المشاعر

    من معاملته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه: وضوح المشاعر: {سئل: من أحب الناس إليك قال: عائشة}.

    كثيرون اليوم يستحي الواحد منهم أن يعبر عن شعوره تجاه زوجته مثلاً، ويستحي الواحد منهم، بل يستعيب أن يذكر أو أن يعرف الناس اسم زوجته، ويعتبر هذا عاراً، وأنه منافٍ للمروءة والرجولة، لكن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم يُسأل: من أحب الناس إليك؟ فيقول: عائشة. فذكر اسم زوجته وأيضاً أنها أحب الناس إليه.

    وكان عليه السلام يقف لـعائشة وهي تنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون في المسجد حتى تمل، فإذا ملت وسئمت انصرفت وانصرف صلى الله عليه وسلم.

    غيرة عائشة رضي الله عنها

    ثارت غيرة عائشة يوماً على خديجة من كثرة ما يذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: [[يا رسول الله! ما تذكر من عجوز شمطاء هلكت في الدهر الأول، أبدلك الله تعالى خيراً منها]] أي: تذكرها دائماً كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة. فقال لها: النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تبسم وتحمل غيرتها: {إنها كانت، وكانت، وكانت...، وكان لي منها ولد} فرجع -بأبي هو وأمي- صلى الله عليه وسلم يذكر محاسن خديجة مرة أخرى، وهذا يغير أمّنا عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    مرة من المرات كسرت عائشة رضي الله عنها الصحفة من الغيرة أيضاً، جاءت زوجة أخرى فقدمت طعاماً، وهو يوم عائشة، فضربت الصحفة فكسرتها وانتثر الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {طعام بطعام وصحفة بصحفة} وأمر أن الصحفة السليمة ترسل إلى تلك المرأة، وأن الصحفة المكسورة ترد إلى عائشة، ويؤكل الطعام بها.

    أخطأت عائشة رضي الله عنها يوماً، فوضعت قراماً فيه صور أو تماثيل في سهوة لها، أشبه بالنافذة للغرفة، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم استعظم ذلك، فرأت الغضب في وجهه، فقالت: أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال: {إن هؤلاء المصورون يعذبون يوم القيامة....الخ}. المهم أمرها أن تهتك هذا الستر، فهتكته وجعلته وسائد.

    نحن والرسول

    انظر إلى التيسير في الأمور، وفي معالجة الأخطاء، والتيسير في مواجهة المرأة، وكيفية علاج الغيرة، وكيفية المعاملة. كم مرة هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه؟ المعروف أنه هجرهن مرة واحدة، شهراً كاملاً من الهلال إلى الهلال، هذا المعروف المذكور.

    لكن كثيراً من الرجال تجد أن حياتهم مع زوجاتهم تقوم على أساس الهجر، فهو يغضب من أجل الطعام، ويغضب لأن الثوب غير مكوي اليوم، ويغضب لأن الأطفال ليسوا نظيفين بما فيه الكفاية، ويغضب لأن البيت لم يكنس، ويغضب لأسباب كثيرة جداً، وربما تكون علاقة الزوجين تقوم غالباً على أساس الهجر والترك، وأول وآخر علاج يعالج به زوجته هو أن يهجرها، إما بترك الكلام أو يهجرها في المضجع أو غير ذلك.

    1.   

    يُسر النبي النبي صلى الله عليه وسلم مع خصومه

    كيف كان عليه السلام يتعامل مع خصومه؟ وكيف كان تيسيره في ذلك؟

    تعامله مع اليهودي

    مات الرسول صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهون عند يهودي، معناه أنه كان يبيع ويشتري منهم.

    دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة كما في الصحيح، فأجابه وأكل منها صلى الله عليه وآله وسلم.

    دعته امرأة بـخيبر -زينب كما هو معروف- هو وجماعة من أصحابه، دعتهم إلى طعام، فأكل صلى الله عليه وسلم وأكلوا، ونهس نهسة وكان فيها سم، فألقاها عليه الصلاة والسلام وقال: {إن هذا الذراع يخبر أنه مسموم} والقصة معروفة وهي في الصحيح.

    {جاءه اليهود وقالوا: السام عليك يا رسول الله! فغضبت عائشة وقالت: عليكم السام واللعنة. -والسام هو الموت والهلاك- فنهاها الرسول علية الصلاة والسلام وقال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، قالت: ألم تسمع ما قالوا يا رسول الله! كأنها ظنت أنه ما اطلع وما علم، أو أن الأمر فاته، قال: أولم تسمعي ما قلت؟ قلت: وعليكم } أي الموت حتم للجميع، لا أحد يموت دون أحد.

    وكان في جيرانه غلام يهودي، فكان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما حضرته الوفاة جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: { يا غلام! قل لا إله إلا الله. فنظر إلى أبيه فقال له أبوه: أطع أبا القاسم. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يرفع يديه إلى السماء ويقول: الحمد الله الذي أنقذه من النار} وأسلم هذا الغلام ومات على الإسلام، والحديث في صحيح البخاري

    المنافقون والمشركون

    كيف عامل المنافقين؟ أخذهم بالظاهر، لم يقتل أحداً منهم، بل إنه لما طلب إليه ذلك، قال -كما في صحيح البخاري عن جابر-: {فكيف إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} فما دام يعلن الإسلام فإني آخذه بالظاهر وأدع سريرته إلى الله عز وجل.

    المشركون كيف عاملهم؟ عاش في مكة ثلاث عشرة سنة بين أظهر المشركين والوثنيين، فكان يعاملهم ويبيع منهم ويشترى، ويدعوهم ويتحدث معهم، وغير ذلك من ألوان المعاملات التي تجري عادة بين هؤلاء الناس، ومما يقطع به قطعاً لا شك فيه: أن النبي عليه السلام لم يكن يهجرهم أبداًً، بل كان يعاملهم، ويأخذ منهم ويعطيهم، ويبيع منهم ويشتري، ويدعوهم إلى الله عز وجل، ويحضر مجالسهم ويحادثهم، وربما كنى بعضهم إلى غير ذلك.

    نموذجان من معاملاته بصفة خاصة لبعض المشركين:

    الأول: قصة غورث بن الحارث، وهي في صحيح مسلم: { لما نـزلوا في منـزل، وكانوا يتركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مكان تحت شجرة، فنام تحته صلى الله عليه وسلم، وتفرق أصحابه في الأشجار، فجاءه رجل مشرك فأخذ السيف وسله على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد! من يمنعك مني؟ فقال: الله. فسقط السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: من يمنعك مني؟ فقال: لا أحد، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: لا } انظر كيف الوضوح عند هذا الرجل وإن كان مشركاً لكن ليس عنده نفاق، ما آمن ولذلك قال: لا، والسيف على رقبته قال: {ولكني أعاهدك ألا أحاربك، ولا أكون مع قوم يحاربونك} فجاء الصحابة فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم خبر هذا الرجل.

    القصة الثانية: قصةثمامة بن أثال سيد بني حنيفة، لما أخذه المسلمون وكان يريد أن يعتمر، فقبضوا عليه وأودعوه في المسجد، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمد خير. إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه النبي عليه السلام، وفي اليوم الثاني تكرر نفس الكلام، وفي اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة فأطلقوه، فخرج الرجل وذهب إلى ماء قريب من المدينة - نخل - فاغتسل، ثم جاء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والله يا محمد ما كان على وجه الأرض أرض أبغض إلي من أرضك، فقد أصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، والله يا محمد، ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله يا محمد ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الأديان كلها إلي } ففرح النبي صلى الله عليه وسلم.

    ثم ذهب هذا الرجل إلى قريش فقال لهم: والله لقد أسلمت، ولا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فرض عليهم الحصار الاقتصادي إلا بإذن الرسول عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    هديه وتيسيره في العبادات

    الصلاة

    الصلوات خمس وهي خمسون في الأجر، كما في صحيح البخاري، وفي حديث عبادة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه أصحاب السنن وسنده صحيح: {خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من حافظ عليهن بركوعهن وخضوعهن وسجودهن وطهورهن، كان له عهد الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له}.

    جاءه أعرابي فسأله عن الإسلام، فذكر له الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، فقال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق} بل في رواية: {من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}.

    ليس هناك أحد من الصحابة ذكر في سيرته أنه صلى لله في ليلة ألف ركعة، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يصلي إحدى عشرة ركعة من الليل، وفي بعض الأحيان ثلاث عشرة ركعة، كان يصلي من الليل وينام كما قال الله: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:2-5]. كيف كان صلى الله عليه وسلم يُعِّلم الناس الصلاة؟

    {جاءه رجل فصلَّى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فصلّ فإنك لم تصل ثلاث مرات وهو المسيء في صلاته، والحديث في الصحيحين- قال له: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني. قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تعتدل جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها}.

    هذه هي الصلاة في أوضح وأبسط وأجلى صورها، علمها النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل، بل إنه عليه الصلاة والسلام ذكر أنه من لم يحسن قراءة الفاتحة فليذكر الله تعالى ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلابالله. وذلك إذا كان لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة ولا يحسنها ولا يتعلمها.

    وأذن للإنسان أن يصلي في كل مكان، فقال عليه الصلاة والسلام: {جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة صلى حيث كان} وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم متواضعاً، مبنياً بناءً بسيطاً بعيداً عن التكلف، وعن التشييد، وكانت أبوابه مشرعة -مفتوحة- حتى قال ابن عمر كما في صحيح البخاري: [[كانت الكلاب تقبل وتدبر]] وفي رواية: [[وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما كانوا يرشون شيئاً من ذلك]] لأنه إما أن الشمس تزيل هذا، أو لأنه لا يظهر أثر البول على مكان معين.

    وقال صلى الله عليه وسلم بالنسبة للعاجز، كما في حديث عمران بن حصين وهو في الصحيح: {صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب} قال تعالى: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].

    الطهارة

    توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وكان وضوؤه يسيراًً بعيداً عن التكلف وما ابتلي به الموسوسون وغيرهم، يتوضأ بكل ما لم يعلم فيه نجاسة، فالأصل في الماء أنه طهور، ولما سُئِلَ عن الماء الذي ترده السباع والدواب والكلاب وغيرها، قال: {إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث} وكان يتوضأ بمد ويغتسل بصاع، ويقول: {أما أنا -أي في الغسل- فأفيض الماء عل رأسي، ثم على جسدي فإذا أنا قد طهرت} وإذا لم يجد الماء، أو تضرر باستعماله، لجأ صلى الله عليه وسلم إلى التيمم.

    الصوم والذكر

    أما في الصوم، ورخصه للمريض والمسافر والحامل وغيرهم، أو الحج، ورخصه للمرأة والضعيف والصبي والرعاة.

    كذلك الذكر وقراءة القرآن -مثلاً- من جواز القراءة عن ظهر قلب حتى لغير المتوضئ ما لم يكن جنباً، لكن لا يمس القرآن إلا طاهر، وكذلك يذكر الله تعالى وسبحه ويهلله، ولو كان جنباً، وهذا بالإجماع، لكن لا يقرأ القرآن حتى يغتسل.

    1.   

    حال الموسوسين في العبادات

    ولو قارنت ذلك بحال كثير من الموسوسين الآن لرأيت العجب العجاب.

    هذا سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وهذا تيسيره في أمر العبادة، في أمر الطهارة والصلاة والحج والزكاة والصوم وغيرها، وبعده عن ألون التكلف في ذلك.

    أو تقارنه بحال الغلاة من المتصوفة وغيرهم، وما يذكر عنهم من طول التعبد فيما يزعمون، وما هي بعبادة، أو ما يذكر عنهم من الأحوال وغيرها.

    أو تقارنه بحال الخوارج، الذين هم كما قال عنهم عليه الصلاة والسلام: {يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وقراءته إلى قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} وقد آل بهم الأمر إلى تكفير المؤمنين، بل تكفير بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هؤلاء القوم غلوا في العبادة، ولم يفهموا معنى التيسير في الإسلام، فكانت عندهم جرثومة تعظيم ورؤية النفس والاغترار بالعمل.

    أما صاحب المعصية -مثلاً- فعلى رغم معصيته هو خير منهم، لأن صاحب المعصية لا يقوم في نفسه دافع الغضب من المعصية والمقت لأهلها، ولا يقتنص النصوص من أجل أن يكفر فلاناً وفلاناً، بل تجده متواضعاً لله عز وجل، ولهذا ربما يكون الإنسان الذي عنده قدر من العبادة خيراً من الإنسان الذي بالغ في التعبد إذا صاحب تعبده اغترار، أو إعجاب، أو رؤية النفس، أو يظن أنه بذلك استحق الجنة، كلا! بل عبادة قاصدة معتدلة، مع تواضع لله عز وجل واعتراف بأن النعمة منه، وأن العبد لو قضى حياته كلها في سجدة واحدة ما أدى شكر نعمة الله عز وجل، بل العبادة من نعمه، والإيمان من نعمه، والشكر من نعمه، وكما قيل:

    إذا كان شكري نعمة الله نعمة     علي له في مثلها يجب الشكر

    فكيف أقوم الدهر في بعض حقه     وإن طالت الأيام واتصل العمر

    عدم السؤال الافتراضي؛ لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمح بأن يفترض الناس أسئلة خيالية، ثم يسألون عنها، وكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها كما في صحيح مسلم.

    فالأصل في الأشياء الطهارة، في المياه والبقاع والثياب وجميع الأشياء، ولذلك كان يلبس الثياب التي نسجها المشركون، ولا يلزم أن يغسلها، بل أجمع المسلمون عل جواز لبسها دون أن تغسل، وكان أصحابه يلبسون من الثياب الرومية وغيرها، ولا يقال عن شيء إنه نجس إلا بدليلٍ ظاهرٍ قاطع على نجاسته.

    ولهذا استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم آنية المشركين، وأكل فيها وشرب منها، كما في الحالات التي دعوه فيها إلى بيوتهم، وكما إذا سيطر المسلمون على أرض، أو غنموا شيئاً من الغنائم من المشركين، كالملابس أو الأواني أو غيرها، كانوا يستعملونها دون غسل، بل توضأ النبي صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة، كما في حديث عمران وأصله في صحيح البخاري، إلى غير ذلك.

    عدم السؤال الافتراضي: لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمح بأن يفترض الناس أسئلة خيالية، ثم يسألون عنها، وكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها كما في صحيح مسلم.

    إجراء عقود المشركين ومناكحاتهم

    ومثله -أيضاً- من التيسير في الأحكام: إجراء أنكحة المشركين وعقودهم على ما كانت عليه قبل الإسلام، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس متزوجون وعندهم عبيد، وعندهم بيوع، أشياء باعوها وأشياء اشتروها وأشياء رهنوها إلى غير ذلك، فأجرى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كله على ما كان عليه من قبل.

    ومثله -أيضاً- ما يتعلق بأسمائهم وملابسهم وعوائدهم التي لا تعارض الشرع، فإن النبي عليه السلام لم يغيرها، ولم يكن يشترط في كل من أسلم أن يغير اسمه ما دام أن الاسم ليس فيه تعبيد لغير الله مثلاً، ولا أن يغير ملابسهم بل كانت الملابس التي يلبسونها هي ملابس العرب التي كانت في الجاهلية، إلا ما كان منها معارضاً للشرع، مثل أن يكون حريراً محرماً أو مسروقاً أو مغصوباً أو مصبوغاً بمحرم أو نجساً، فهذا أمر آخر.

    الأصل في الأشياء الإباحة

    كذلك من التيسير في أمر الأحكام: اعتبار أن الأصل في الأعيان الإباحة، ولا يحتاج إلى دليل في الإباحة، لكن الذي يقول بالتحريم هو الذي يحتاج إلى دليل، فالأصل في الأشياء أنها مباحة، كما قال الله عز وجل: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية:13]

    جواز المحرم للحاجة وللمصلحة الراجحة

    ومن التيسير -أيضاً- في الأحكام: أن المحرمات -تحريم الوسائل- تجوز للضرورة وللحاجة، وتجوز للمصلحة الراجحة أيضاً، كما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم -مثلاً- النظر إلى المرأة المخطوبة، وإن كان النظر أصله حرام؛ لكن أجاز ذلك للمصلحة، وكذلك إذا سام أو استام أمة، وأراد أن يشتريها ينظر إليها.

    ومثله إذا كان يعاملها ويحتاج إلى أن يعرفها لغرض في أمر البيع، ويمكن أن يلحق بذلك -أيضاً- على سبيل المثال: موضوع التصويرعند من يقول بتحريمه، فإنهم يرون تحريمه تحريم الوسائل، فيكون جائزاً للضرورة وللحاجة وللمصلحة الراجحة أيضاً.

    ولهذا كان من قواعد أهل العلم: المشقة تجلب التيسير، ويقول بعض الأصوليين: إذا ضاق الأمر اتسع وما ذلك إلا جانب من تيسير النبي صلى الله عليه وسلم في هديه، ودعوته، وعقيدته، وتعليمه، وأحكامه، وعبادته، ومعاملاته، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي الله تعالى عن أصحابه الكرام، الذين تلقوا عنه هذا اللون من العلم ومن الدعوة ونقلوه إلى من بعدهم.

    1.   

    الأسئلة

    نصيحة للمدرسين

    السؤال يقول: ما هي نصيحتكم للمدرسين وخاصة من يشرف منهم على النشاط؟

    الجواب: هذا التدريس الآن نموذج للتيسير، هذا مدرس يتمثل التيسير في تعليمه، فتجد أنه ميسر في معاملته للطلاب، يعطف عليهم، ويتجاوز عن أخطائهم، ويلطف بهم، إن أراد وضع الأسئلة يسر فيها، ليس بمعنى أنه ضيع المنهج، لكنه يكون معتدلاً، فيضع أسئلة تدل على مستوى الطالب تماماً، ليس فيها مبالغة في التشديد، وليس فيها أيضاً مبالغة في التسهيل وتضييع المنهج. عندما يأتي إلى دور التصحيح مثلاً، تجد أنه يعطي الطالب الدرجة التي يعتقد أنها مناسبة له، فبعض الناس يقف طويلاً عند الدرجة، وينقر فيعطي ربع درجة، وثلث درجة، ونصف درجة، وهناك أشياء من الممكن التسامح فيها، لأنه ليست القضية رياضيات 1 + 1 = 2، وإنما فيها مجال للأخذ والرد.

    فتجد معلماً -مثلاً- يتسامح مع طلابه، وييسر في معاملاته، ويعطف عليهم، ومع ذلك يضبط الدرس، ويضبط المادة، وينهي المنهج، وجاد في تدريسه ومحبوب عند الآخرين، فهذا نموذج للتيسير في هذا الموضوع.

    صيدلي نصراني ينصر

    السؤال: هناك صيدلي نصراني، إذا جئته هش في وجهك ويقول: نحن نحب المسلم. لكنه يحاول إغواء الشباب ببث أفكار نصرانية؟

    الجواب: أولاً: نتساءل لماذا يوجد هذا النصراني؟ خاصة أنه يبدو أنه عربي، وليس هناك أخبث من النصارى العرب، ولا أكثر حقداً منهم على الإسلام والمسلمين، فأقول: يجب أن نبذل النصيحة لمن أحضره إلى هذه البلاد، أن يبعده ويستبدله بحنيف مسلم، خاصة ونحن الآن على حالة حرب مع النصارى في كثير من البلاد، بل في كل الدنيا، حرب بين الإسلام والنصرانية، أو كما يقول بعضهم حرب بين الهلال والصليب، لكن هذا لا نرتضيه شعاراً، بل بين الإسلام وبين النصرانية، حرب قائمة لا يهدأ أوارها ولن يهدأ حتى قيام الساعة، فينبغي أن يكون جزءاً من مقاومتنا لهؤلاء الذين يذبحون إخواننا في يوغسلافيا، ويذبحون إخواننا في بلاد العرب، ويتآمرون على مكتسبات المسلمين في الجزائر، وفي تونس، وفي مصر وفي كل مكان، ويؤيدون كل عدو ضد الإسلام.

    ينبغي أن يكون أقل ما نفعله أن نبعدهم عن بلادنا، ولا نتعامل معهم، لا في صيدليات، ولا في ورش، ولا في مصانع، ولا في تعليم، ولا في تدريس، ولا في استشارات، ولا في غير ذلك. ثم ينبغي إذا ظل هذا الرجل قائماً أن نكون يقظين له، ونتتبع كل ما يقوم به من أعمال، وإذا ثبت لدينا أنه يبشر أو ينصر، أو يدعو إلى ديانته، أن يضبط ذلك عنه ويبلغ لمن يستطيع أن يبعده.

    أسهم المزاد في البنوك

    السؤال: ما حكم شراء الأسهم المطروحة في مزاد البنوك الربوية؟

    الجواب: لا شك أن هذا لا يجوز، لأن البنوك الربوية قامت على أساس محاربة الله ورسوله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279] فالربا من أكبر الكبائر، ولا يجوز تعاطيه ولا التعامل مع أهله بحال من الأحوال، ولا يجوز تأجيرهم محلات، ولا العمل عندهم في وظائف ولا غيرها، ويجب أن تعلم أن الرزاق هو الله.

    حدثني أمس أحد الإخوان يقول: كنت أعرف موظفاً في أحد البنوك، وكان راتبه في البنك عشرة آلاف، فتركه لله، وتوظف بـ (2800) ريال، يقول لي: والله قلت له بالأمس: أريد أن أسألك سؤالاً. فقال: لا تسألني أنا أعرف ما ستسألني. ستقول لي: كيف استطعت أن تتعايش مع الوضع الجديد 2800 فقط؟ فقلت له: نعم. قال: والله إن بقية الراتب لا زالت في جيبي إلى الآن ونحن في نهاية الشهر، وقبل وعندما كان عندي عشرة آلاف لم يكن فيها بركة، كانت تنتهي قبل ذلك وكنت أستدين، أما الآن فيقول: والله أحتفظ ببعض المال وبعض الراتب، ويقول: والله وجدت في نفسي كرماً ما عهدته من قبل.

    فالمسألة مسألة بركة، وإذا بارك الله فلا حد لبركته، وإذا محق الله البركة فلا ينفعك أن يكون عندك الملايين من الأموال.

    فأنصح الإخوة الذين يتعاملون مع البنوك شراءً للأسهم، أو عملاً فيها أو إيداعاً أو تأجيراً لها، أو تعاملاً بأي لون من الألوان، أن يتوبوا إلى الله تعالى من ذلك، وأن يقاطعوا هذه البؤر التي يُحاربُ فيها الله تعالى ورسوله.

    الجهاد والخلاف بين المجاهدين في أفغانستان

    السؤال يقول: يرغب السامعون في معرفة آخر تطورات الجهاد في أفغانستان وما هي حقيقة الخلاف الذي تثيره وسائل الإعلام؟

    الجواب: أولاً: وسائل الإعلام إذا أثارت الخلاف، فهي تذكر بعض الحقيقة، ولكنها تتعمد تضخيم هذه الحقيقة لحاجة في نفسها، فالصحيفة التي تتمنى أن تقوم حرب أهلية في أفغانستان، تجد أنها تكتب بالخط العريض: الحرب الأهلية تدق طبولها في أفغانستان، لأن هذا ما يتمنون، قال تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118] فالخلاف قائم ولا شك، بل منذ أن قام الجهاد والخلاف قائم وموجود، ولكن الواقع أن الأمور الآن - في اعتقادي تسير نحو صورة قد تكون أفضل مما يتوقع الكثيرون، صحيح أنها ليست الصورة التي نتمناها.

    وفي أوضاع الجهاد سلبيات ربما تحدثت عن بعضها فيما مضى، ولا داعي للحديث عنها الآن.

    ولكن من آخر الأخبار التي وصلتني هذا اليومك أن الجناحين الذين بينهما اختلاف، الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار، وجناح أحمد شاه مسعود، أن هناك لقاءً بينهما، وأن هناك اتفاقاً على أن تكون هناك قوات محايدة يقودها جلال الدين حقاني، وهو من جناح يونس خالص، تقوم بحراسة كابول وحمايتها، وتحول بين الطرفين، وأن هذا الاتفاق يمكن أن يحظى بالقبول من الطرفين، وربما يكون كل من الطرفين يشعر بالحاجة إلى الوحدة، وإلى عدم نـزف الدماء، وأن وجود خلاف بين المجاهدين قد يكون سبباً في تدخل أطراف خارجية، هذا آخر الأخبار وهو خبر -إن شاء الله- مشجع.

    الأمر الذي أحزنني كثيراً، وأحزن المسلمين أيضاً، هو وجود مجددي على رأس وسدة الحكم هناك، ولا أدري كيف تسلل هذا الرجل؟! مع أنه يرأس حزب من أصغر الأحزاب، ومع أنه رجل صوفي، وغير مرضي في مسلكه ولا في اعتقاده، ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون.

    ومما يؤسفني أن هذا الرجل وضع شهرين، ولكنه يقول: إن الشعب الأفغاني يحبني وأنا لا يكفيني شهران، بل أحب أن أحكم سنتين أو أطول من ذلك، ولكنني أقول: ينبغي أن يقول المسلمون كلمتهم، وأن يضغطوا على المجاهدين في منع هذا الرجل من مثل هذه الأشياء وإيقافه عند حده.

    الحب في الله والحب الطبيعي

    السؤال: شخصان متحابان في الله إلى درجة كبيرة، حتى أصبح أحدهما لا يأمر الثاني بالمعروف ولا ينهاه عن المنكر؟

    الجواب: هذا ليس حباً في الله، لأن الحب في الله كلما زاد كان سبباً في التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، ولكن هذا الحب قد يكون حباً طبيعياً أو حب ألفة، أو قد يكون غير ذلك أيضاً، فينبغي أن يعرف أن الحب في الله كلما زاد، كان سبباً في أن يزيد أحدهما لصاحبه دعوة إلى الله ونصيحة له، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، فالحب يعرف بثمراته.

    واجب الإنسان تجاه تارك الصلاة

    السؤال يقول: بماذا تنصح من له زوجة لا تصلي، وتسمع الغناء وتشاهد التمثيليات والأغاني في التليفزيون؟ أو امرأة لها زوج به هذه الصفة؟

    الجواب: يجب أن يأمر الرجل زوجته بالصلاة، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] فيأمرها بذلك، بل أن يحملها على الصلاة حملاً، فإذا أصرت على ترك الصلاة، فإنه ينبغي له أن يتركها ولا خير له فيها؛ بعد أن يستفرغ الوسع في دعوتها، وكذلك المرأة ينبغي لها أن تأمر زوجها بالصلاة، وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وتلح عليه في ذلك، وتكثر وتبذل الوسائل والأسباب، وتعطيه الكتب والأشرطة، وتوصي به الجيران، وتوصي به إمام المسجد، وتوصي به من تعرف من الأخيار، فإذا أيست من صلاحه ورأت أنه مصر على ترك الصلاة بالكلية؛ فينبغي لها أن تفارقه ولا خير لها فيه.

    غشيان المعصية بذريعة التيسير

    السؤال: بعض الناس يتركون كثيراً من الفرائض ويرتكبون بعض المعاصي، ويقولون: الدين يسر.

    الجواب: نقول لهم: هذه كلمة حق عندكم أريد بها باطل، الدين يسر ولكن ليس من اليسر أن تعصي الله تعالى؛ لأن المعصية عسر على العبد، والله تعالى قال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] فالدين يسر، وكل ما أمر به الدين فهو يسر، وكل ما نهى عنه الدين فهو عسر.

    حكم صلاة الجمعة للعسكريين في خارج المدينة

    السؤال: نحن أفراد عسكريون لا يتجاوز عددنا خمسة عشر، ونعمل في مركز يبعد عن المدينة كثيراً، وحيث أننا نمكث أكثر من شهر في المركز، وصلاة الجمعة تفوتنا وقد قيل إنها لا تقام إلا بأربعين، أفيدونا؟

    الجواب: إذا كنتم تقيمون دائماً في هذا المكان، فإنه يمكن أن تستأذنوا في إقامة صلاة الجمعة، لأن الجمعة على الصحيح لا يشترط لها أربعون، بل يمكن أن تقام الجمعة بثلاثة، وليس للجمعة عدد يشترط له، وما ورد في ذلك من الأحاديث ليس بصحيح، إنما إذا كانوا جماعة مقيمين مستقرين، فإنه يمكن أن يقيموا الجمعة فيها، ويستأذنوا في ذلك من جهات الأوقاف، أو من الإفتاء أو من غيرها.

    التعامل مع اليهود والنصارى

    السؤال: هل معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود والنصارى تصلح لمعاملتهم في هذا الزمان؟والله يقول: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [محمد:35].

    الجواب: اليهود الآن في حالة حرب معنا، خاصة اليهود في إسرائيل، وكذلك النصارى في عدد من البلاد، هم في حالة حرب مع المسلمين، والمحاربون لهم أحكام خاصة في المعاملات، ولكن إذا كان المسلمون في حالة استضعاف، فإنهم يسلكون المعاملة التي سبق، فإذا كانوا في حالة قوة فإنهم يسلكون معاملة أنهم يدعون الناس إلى الإسلام، فإن أبوا استعانوا بالله وقاتلوهم.

    طلب حث على الجهاد بالمال

    السؤال يقول: نرجو حث الإخوان على التبرع لإخوانهم في جمهورية البوسنة والهرسك، الذين يتعرضون للذبح والتعذيب والاضطهاد من الصرب الصليبيين؟

    الجواب: تحدثنا البارحة في أمسية أو ندوة بعنوان: مشاهدات من يوغسلافيا ، عن مشاهدات مؤسفة، ومؤذية جداً، عما يلقاه المسلمون هناك من مصائب ونكبات على أيدي الصرب النصارى، الذين يذبحونهم ذبح الخراف، وهناك أشياء يندى لها الجبين لا يتسع المجال لها، لذلك أحيلكم على الشريط الذي ذكرت وعلى غيره، وأدعو الإخوان إلى أن يبذلوا لله تعالى ويساعدوا إخوانهم بما تجود به نفوسهم.

    بل يجب أن يكون هناك بذل حقيقي وصادق لهؤلاء الإخوة؛ لأنهم الآن يدافعون عن أنفسهم، وقد ترى منهم شاباً شجاعاً جلداً قوياً تنهمر الدموع من عينه، لأنه يقول: لا أملك السلاح الذي أدافع به عن نفسي، وهو شجاع، ولو طلبت منه أن يهد معسكرات فيها (300) ألف إنسان لفعل. ولا يوجد من الحليب الذي يتغذى به أطفالهم إلا نحو خمسين أو أربعين كرتوناً مثلاً. من لهؤلاء المسلمين؟! من للجياع وللأراملة وللأطفال وللنساء؟! من للشباب الشجعان الذين يقولون: نريد السلاح؟!

    أنت لهم يا أخي، وهم يستغيثون بالله ثم بك، ولا يجوز لك أن تخذلهم، والله العظيم إن خذلتهم فسيخذلك الله عز وجل في موقف تحب فيه نصرتك، فأدعوكم ثم أدعوكم إلى أن تسارعوا بالبذل لإخوانكم.

    ولا نسامح واحداً منكم -يستطيع- أن يخرج من هذا المسجد إلا ويبذل ما يسر الله تعالى له، من لم يجد المال فليتبرع بما يستطيع، حتى لو أن تتخلى عن ساعتك التي في يدك في سبيل الله عز وجل، قال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً [المزمل:20] ومن لم يجد اليوم، فمن الممكن أن يأتي في الغد أو بعد الغد بما يستطيع، وندعو النساء، وندعو الإخوة إلى أن يوجهوا هذه الدعوة -أيضاً- إلى كل الناس، وينقلوا لهم هذا الكلام، ويرسلوا إليهم بعض الأشرطة التي تتكلم عن هذا الموضوع، يجب أن تكونوا كلكم رسلاً لدعوة الناس إلى التبرع لإخواننا المسلمين في يوغسلافيا.

    اختلاط الأقارب من غير المحارم

    السؤال: كثير من الناس يقولون: الدين يسر ويفهمون فهماً خاطئاً، ومن الأفهام لهذه المسألة الاختلاط بين الأقارب الذي يعتبر من الأخطاء الشائعة في كثير من الأماكن، وإذا ما نصحته ووجهته إلى أن هذا لا يجوز، قال: إن الدين يسر، ولم يحرم دخول الأقارب بعضهم على بعض، فبماذا تنصح؟

    الجواب: الجواب هو أن تذكر له النص، من اليسر ألاّ تعقّد له المسألة، بل توضحها له، عندك نص من الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، يقول: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} فخلوة الرجل بامرأة غير محرم لها حرام، هذا من اليسر في التعليم، كذلك أن تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق قال: {إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو -وهو أخو الزوج وقريبه- قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت} وكلا الحديثين في الصحيح.

    تدريس البنات من قبل الرجال

    السؤال يقول: تقيم وزارة الصحة بـجيزان دورة للممرضات، والذين يدرسون هؤلاء الممرضات رجال، فما رأيكم في هذا المنكر؟ وما الدور للمشايخ والعلماء، وطلبة العلم من شباب الصحوة؟

    الجواب: الحمد لله الخير الآن كثير، والعلماء والمسئولون عن الدعوة والقضاة والأخيار موجودون في هذا البلد وفي غيره، فما عليك إلا أن تبلغ هؤلاء بأي وثيقة تدل على أن هذا المنكر قائم فعلاً، وثق ثقة تامة أن هؤلاء العلماء لا يمكن أن يتخلوا عن دورهم في إنكار هذا المنكر، بزيارة المسئولين عن الشئون الصحية، ومطالبتهم بتغيير هذا المنكر وإزالته، وتطمئن قلوب الناس لذلك.

    هذا وأسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألَّا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وأن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756199226