ذكرنا فيما سبق ما يجب في فعل محظورات الإحرام، وذكرنا فداء الصيد، وذكرنا ما يجب في الجماع أيضاً، وذكرنا ما يجب في حلق الرأس، وأنه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، والصيام بينه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه صيام ثلاثة أيام، والصدقة بأنها إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك ذبح شاة، وهذه الشاة توزع على الفقراء، ولا يؤكل منها شيء؛ لأنها وجبت جبراناً للنسك، وهذه الفدية تسمى عند أهل العلم فدية الأذى، لأن الله تعالى ذكرها في ذلك، حيث قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، قال أهل العلم: وفدية الأذى واجبة في كل محظور من محظورات الإحرام ما عدا الجماع قبل التحلل الأول في الحج، وجزاء الصيد؛ لأن في الأول بدنة وفي الثاني النسك أو ما يقوم مقامه، فكل المحظورات التي فيها فدية فديتها فدية الأذى، فدخل في ذلك لبس القميص والسراويل والبرانس وما أشبهها، وتغطية الرأس للرجل، وتغطية الوجه للمرأة والطيب والمباشرة.. وما أشبه ذلك، هكذا قال أهل العلم في هذه المحظورات.
الشيخ: الجواب على هذا أن نقول: محظورات الإحرام تنقسم إلى أقسام: منها ما لا فدية فيه أصلاً، ومثل له العلماء بعقد النكاح وخطبة النكاح، ومنها ما فديته فدية الأذى، ومنها ما فديته بدنة، ومنها ما فديته شاه، وكل شيء فيه فدية فإن فاعله لا يخلو من ثلاث حالات:
إما أن يفعله عالماً ذاكراً مختاراً، وفي هذه الحال يترتب عليه الإثم وما يجب فيه من الفدية.
وإما أن يفعله متعمداً عالماً مختاراً لكن بعذر، فهذا ليس عليه إثم، ولكن عليه فدية، مثل: أن يحلق رأسه لأذى أو شبهه متعمداً عالماً ذاكراً، فإنه يجب عليه الفدية ولا إثم عليه لأنه معذور.
وإما أن يفعل هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فهذا ليس عليه شيء لا إثم ولا فدية أياً كان المحظور؛ لعموم قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وقوله: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5]، وقوله تعالى في جزاء الصيد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، فإذا اشترطت العمدية في جزاء الصيد مع أن قتل الصيد إتلاف فما عداه من باب أولى، وعلى هذا نقول: إذا فعل أحد شيئاً من هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء لا إثم ولا فدية ولا يسقط نسكه ولا يتعلق بذلك شيء أصلاً.
المقدم: حتى ولو كان الجماع؟
الشيخ: إي نعم، ولو كان الجماع.
الشيخ: تبديل المحرم لباس الإحرام بثوب يجوز لبسه في الإحرام لا بأس به، سواء فعله لحاجة أو لضرورة أو لغير حاجة ولا ضرورة، فأما فعله للضرورة، فمثل: أن يتنجس ثوب الإحرام وليس عنده ماء يغسله به، فهنا يضطر إلى تبديله بثوب طاهر؛ لأنه لا يمكن أن تصح فيه الصلاة إلا بثياب طاهرة.
ومثال الحاجة: أن يتوسخ ثوب الإحرام فيحتاج إلى غسل، ثم يخلعه، ويلبس ثوباً آخر مما يجوز لبسه في الإحرام.
ومثال ما لا حاجة لخلعه ولا ضرورة: أن يبدو للإنسان أن يغير لباس الإحرام بدون أي سبب فله ذلك ولا حرج عليه.
الشيخ: نعم، المحرم يجوز له أن يغتسل من أجل النظافة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم، ويجوز للمحرم أن يغير ثياب الإحرام إلى ثياب أنظف منها أو أجد، ويجوز له أيضاً أن يترفه بالتكييف وغيره من أسباب الراحة.
وأما قول أهل العلم: إنه لا يجوز له أن يقلم أظفاره، وقاسوه على حلق شعر الرأس بجانب الترفه، فهذا أمر ينظر فيه وليس محل إجماع من أهل العلم.
المقدم: بالنسبة للنبات الذي ينبت في مكة المكرمة وفي الحرم، ما حكم قلع المحرم لهذا النبات أو التعرض له بالإتلاف؟
الشيخ: النبات والشجر لا علاقة للإحرام بهما؛ لأن تحريمهما لا يتعلق بالإحرام، وإنما يتعلق بالمكان بالحرم، فما كان داخلاً في الحرم فإنه لا يلزم قطعه ولا حشه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة: ( إنه لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها )، فقطع شجرها وحشيشها حرام على المحرم وغيره.
وأما ما كان خارج الحرم فإنه حلال للمحرم وغير المحرم، وعلى هذا فيجوز للحجاج أن يقطعوا الشجر في عرفة ولا حرج عليهم في ذلك، ولا يجوز لهم أن يقطعوا الشجر أو الحشيش في مزدلفة وفي منى؛ لأن مزدلفة ومنى داخلة في الحرم، ويجوز للحجاج أن يضعوا البساط على الأرض ولو كان فيه أعشاب إذا لم يقصدوا بذلك إتلاف الحشيش الذي تحته؛ لأن تلفه حينئذ حصل بغير قصد، فهو كما لو مشى الإنسان في طريقه وأصاب حمامة أو شيئاً من الصيد بغير قصد منه فإنه ليس عليه فيه شيء.
الشيخ: التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، فيحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه، ويحرم ضحى، ويذهب إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كما أثبتنا ذلك في بيان صفة الحج.
المقدم: لكن هل يلزم المحرم في يوم التروية أن يطوف بالبيت أو يحرم من البيت؟
الشيخ: لا يلزمه أن يطوف بالبيت، ولا أن يحرم من البيت ولا يسن له ذلك أيضاً؛ لأن الصحابة الذين حلوا من عمرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أحرموا من مكانهم ولم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يذهبوا إلى البيت ويحرموا منه أو أن يطوفوا قبل إحرامهم.
الشيخ: أولاً: عرفنا أن الإنسان في اليوم الثامن يخرج إلى منى ويبقى بها إلى صباح اليوم التاسع، ثم يخرج إلى عرفة، فلو أن الحاج لم ينزل بمنى اليوم الثامن، وذهب إلى عرفة رأساً، هذا سؤال أيضاً ينبغي أن يرد: فهل يصح حجه؟
والجواب على ذلك: نعم، يصح حجه، بدليل حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه: ( أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى معه صلاة الفجر في مزدلفة، فقال: يا رسول الله! إني أتعبت نفسي وأكللت راحلتي، فلم أدع جبلاً إلا وقفت عنده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه )، وهذا يدل على أنه لا يجب أن يبقى الحاج بمنى في اليوم الثامن وليلة التاسع، وأنه لو ذهب إلى عرفة رأساً لكان حجه صحيحاً، لكن الأفضل أن يبقى في منى من ضحى اليوم الثامن إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع.
وأما سؤالكم الذي سألتم عنه، وهو: ما حكم من ذهب إلى عرفة مبكراً؟
الشيخ: نعم، إذا لم يذهب إلى عرفة مبكراً ووقف بها قبل أن يطلع فجر يوم العيد فقد تم حجه، يعني: ينتهي الوقوف بعرفة بطلوع فجر يوم العيد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر