إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [167]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء

    السؤال: توضأت أمام شخص فغسلت يدي إلى منتصف العضدين ورجلي إلى منتصف الساقين، فأنكر علي فعلي هذا بقوله: من زاد في غسل الأعضاء في الوضوء فقد تعدى حد الله ورسوله، فقلت له: إنه ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه أنه قال: ( تدعى أمتي يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) فقال: هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: ما ذكره من الحديث فهو صحيح، ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء )، وهذا ثابت لا شك فيه.

    فأما قوله: ( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل ) فقد اختلف فيه أهل العلم بالحديث، فمنهم من قال: إنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إنه من كلام أبي هريرة ، ورجح هذا ابن القيم رحمه الله في كتابه النونية حيث قال:

    وأبو هريرة قال ذا من كيسه فغدا يميزه أولو العرفان

    وعلى هذا فإن صدر الحديث من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء ).

    أما من الناحية العملية وهي كون هذا الرجل الذي توضأ زاد حتى بلغ نصف العضد ونصف الساق فإن هذا أيضاً محل خلاف بين أهل العلم بناءً على صحة آخر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن رأى أنه من قوله قال: إنه ينبغي مجاوزة محل الفرض، ومن رأى أنه ليس من قوله قال: إن الله تعالى في القرآن حدد إلى الكعبين في الرجلين، وإلى المرفقين في اليدين، فلا نتعدى ما حده الله تعالى، وكذلك الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم تحدد اليدين بالمرفقين، والرجلين بالكعبين، وأكثر ما ورد في ذلك فيما أعلم حديث أبي هريرة أنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضدين، وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين، وهذا الإشراع معناه: أنه تجاوز المحل لكن ليس إلى هذا الحد، وهذا الذي فعله أبو هريرة ذكر أنه وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

    وعلى هذا: فالذي ينبغي أن يعدو الكعبين قليلاً، وأن يعدو المرفقين قليلاً، وفائدة ذلك: هو التحقق من غسل ما أوجب الله غسله إلى المرفقين وإلى الكعبين.

    1.   

    حكم الصلاة قبل دخول الوقت جهلاً بالوقت

    السؤال: إذا صلى الإنسان قبل وقت الصلاة بعشر دقائق أو أقل مثلاً، مع العلم أنه لم يكن يعلم أنه تقدم الوقت، فهل تبطل صلاته؟ وهل عليه الإعادة بعد علمه بمخالفته للوقت أم لا؟

    الجواب: صلاته التي صلاها قبل الوقت لا تجزئه عن الفريضة؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوقات في قوله: ( وقت الظهر إذا زالت الشمس ) إلى آخر الحديث.

    وعلى هذا فمن صلى الصلاة قبل وقتها فإن صلاته لا تجزئه عن الفريضة، لكنها تقع نفلاً، بمعنى: أنه يثاب عليها ثواب نفل، وعليه أن يعيد الصلاة بعد دخول الوقت.

    المقدم: إذا استمر جهله بأنه صلى في غير الوقت هل تجزئه الصلاة؟

    الشيخ: إذا كان حين أداها قبل الوقت شاكاً في دخول الوقت فإنها لا تجزئه ولو لم يتبين له، أما إذا كان قد غلب على ظنه دخول الوقت فإنها تجزئه، ولكن ينبغي للإنسان أن يحتاط ولا يتعجل حتى يتبين له الأمر.

    1.   

    العجز عن الواجبات والفرق بين الفقير والمسكين

    السؤال: إذا كان حالف اليمين الذي يريد أن يكفر عن يمينه مسكيناً ولا يملك أن يطعم عشرة مساكين ولا يستطيع الصيام لعذر صحي ومرض يمنعه من الصيام، فماذا يفعل؟ وكذلك بخصوص فدية الصوم في رمضان إذا كان لا يجد ما يطعم به ثلاثين مسكيناً ولا يستطيع أن يصوم فماذا يفعل؟ وما هي صفات المسكين؟ يعني: متى يكون المرء مسكيناً؟ وهل هناك فرق بين الفقير والمسكين؟

    الجواب: إذا لزم الإنسان كفارة يمين ولم يجد ما يطعم ولم يستطع الصوم فإنها تسقط عنه، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، ولا يلزمه شيء؛ لأن من القواعد المقررة: أن الواجبات تسقط بالعجز عنها إلى بدلها إن كان لها بدل أو إلى غير شيء إذا لم يكن لها بدل، وإذا تعذر عن البدل سقطت عنه نهائياً.

    أما بالنسبة لصيام رمضان فإن الواجب على المرء أن يصوم رمضان، فإن كان مريضاً فله الفطر وينتظر حتى يعافيه الله إلا أن يكون مرضه مستمراً فإنه في هذه الحال يلزمه الإطعام، وإذا لم يجد ما يطعم سقط عنه أيضاً لما سبق.

    أما الفرق بين الفقير والمسكين فإنه إذا ذكر أحدهما دون الثاني فهما بمعنىً واحد، فإذا قلنا مثلاً: أطعم عشرة فقراء فهنا لا فرق بين الفقير والمسكين، وإذا قلنا: أطعم عشرة مساكين فلا فرق بين المساكين والفقراء. أما إذا ذكر الفقير والمسكين في كلام واحد كما في آية الصدقات: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] فإن الجميع يشتركون في الحاجة، لكن الفقير أحوج من المسكين، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الفقير من يجد دون نصف الكفاية، والمسكين من يجد النصف ودون الكفاية.

    1.   

    فعل عبادات وترك أخرى وحكم الحجاب

    السؤال: بعض الناس يقولون: إن كل شيء من العبادات مستقل بنفسه ويبررون تركهم لبعض الفرائض وهم يقومون ببعضها الآخر، فمثلاً: نجد شخصاً يصلي ولا يصوم، أو امرأة تصلي ولا تضع الخمار على وجهها، فإن قلت لها: لماذا تصلين ولا تتحجبين؟ فتقول: كل شيء لوحده والله يحاسبني على الصلاة وحدها وعلى الخمار لوحده، ومنهن من تقول: أعرف أنه واجب ولكن الظروف لا تسمح لي، فما رأيكم بذلك؟ أليس هذا من جنس الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض؟ وهل تكون صلاة المرأة التي تخرج سافرة صلاة صحيحة مقبولة؟ وما الحكم لو كان زوجها هو الذي يمنعها من الحجاب؟

    الجواب: العبادات لا شك أنها تتجزأ وأن كل عبادة مستقلة بنفسها، فهذه صلاة وهذه صدقة وهذا صيام وهذا حج وهذا بر والدين، ولكل منها حكم نفسه، ويقبل منها كل واحد وإن كان مفرطاً في الآخر إلا عبادة واحدة وهي الصلاة؛ فإنه إذا تركها لا تقبل منه عبادة أخرى، وذلك لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، وإذا كان كفراً مخرجاً عن الملة فإن الكافر لا تقبل منه العبادة، لقوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] إنما غير الصلاة إذا ترك عبادة وفعل عبادة أخرى فإنها تقبل منه التي فعلها إذا كانت على الوجه الشرعي وإن كان متهاوناً في العبادة الثانية، إلا إذا كان تركه للعبادة الثانية ترك تكذيب وجحود وهي مما يخرج عن الملة جحوده، فحينئذ لا تقبل منه العبادات الأخرى لما ذكرناه قبل قليل.

    وأما بالنسبة للمرأة التي تصلي وهي لا تحتجب الحجاب الشرعي -والحجاب الشرعي هو تغطية الوجه واليدين ومواضع الفتنة من المرأة- فإن صلاتها تكون صحيحة، وهي آثمة بترك الحجاب الشرعي، وإذا كان زوجها يأمرها بأن لا تحتجب فإنه لا طاعة له، ويجب عليها معصيته في طاعة الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ [التوبة:62]، وفي هذه الحال إذا عصته فإنه لا يحل له أن يقصر في شيء من واجباتها بناءً على هذه المعصية بحجة أنها نشزت بمعصيتها إياه؛ لأن هذا ليس من النشوز، فإن معصية المرأة زوجها في طاعة الله سبحانه وتعالى ليس من النشوز في شيء، بل ينبغي للمرء أن تزيد زوجته غلاءً في قلبه إذا عصته في طاعة الله سبحانه وتعالى، أي: من أجل طاعة الله.

    1.   

    حكم الحجب عن الزواج ونحوه

    السؤال: امرأة عمرها خمسة وعشرون عاماً، فمنذ صغرها وهي تطلب للزواج ولا يحصل نصيب لا يكون ذلك برفض منها ولكنها لا تدري ما هو السبب، فهي إنسانة طبيعية متوسطة الجمال فقال الناس لأمها: إن ابنتك لها حجاب عن الزواج، ولكن أمها رفضت هذه الفكرة من الأصل لأنها تخاف الله ولا تصدق بهذه الأشياء، وفي يوم من الأيام ذهبت الفتاة لوحدها إلى امرأة يقال لها شيخة، فقالت لها: إن لك عدة أعمال محجوبة من ضمنها الزواج والوظيفة والقلق والكراهية وما إلى ذلك، وعملت لها عدة أشياء منها ما يعلق على الصدر وعلى الكتف اليمين ومنها ما يشرب ويرش، فبقيت تستعمل هذه الأشياء بالسر عن والدتها، ومضى شهر وشهران وأكثر ولم يطرق بابها أي خاطب، أما ما قالته لها بخصوص العمل فهي موظفة، أما ما تعانيه فهو صحيح فهي تكره أن ترى الناس وبعد ذلك تغيرت وأصبحت حالتها أحسن، وذات مرة خطر ببالها أن تمزق هذا الحجاب الذي أعطته لها تلك المرأة، وعندما فتحته وجدت بداخله تكراراً لأسماء الرسول والخلفاء وبعض الرسوم وبعض الأسماء الغريبة فحرقتها جميعاً، فتسأل: هل صحيح أن يمنع الحجاب الذي يعمله المشعوذون الفتاة عن الزواج؟ وهل ما قامت به من تمزيقه حرام مع العلم أن بعض ما أخبرتها به صحيح؟

    الجواب: هذا السؤال يتلخص جوابه في شيئين:

    الشيء الأول: تعليق هذه الحجب سواء كان لطلب الزواج أم للبراءة من المرض الجسمي أو النفسي هل هو جائز أو ليس بجائز؟

    في هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه ليس بجائز على كل حال؛ لأنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعليق مثل هذا يكون سبباً في إزالة ما يكره أو حصول ما هو محبوب، وإذا لم يثبت شرعاً فإنه لا يجوز إثبات كونه سبباً.

    ومن العلماء من يقول: إنه لا بأس به، أي: بتعليق الحجاب لدفع ضرر أو حصول منفعة، لكن بشرط: أن يكون من إنسان موثوق به، وأن يعلم ما كتب به، وأن لا يكون هذا المكتوب مخالفاً لما جاء به الشرع، فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فهو جائز، وبعضهم يشترطون شرطاً رابعاً، وهو: أن يكون من القرآن خاصة، وعلى هذا القول الثاني يجوز التعليق بالشروط الأربعة، ولكن الذي أرى أنه لا يجوز مطلقاً؛ لأن تعليل من قال بعدم الجواز قوي، حيث إنه لم يثبت في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا من الأسباب النافعة، وكل شيء لم يثبت سبباً لشيء ولم يكن معلوماً بالشرع أو معلوماً بالحس فإنه لا يجوز إثباته.

    أما الشيء الثاني مما يتضمنه جوابنا هذا على سؤال المرأة: فإن هذا الذي عملته في هذا الحجاب من المعروف وهو عمل طيب، بل يجب عليها إذا كانت لا تدري ما الذي فيه أن تكشف عنه، فإذا رأت فيه مثلما ذكرت أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء الخلفاء وبعض الرسوم فإنه لا يجوز تعليقه؛ لأن هذا شيء غير مؤكد للتأكيد، وإذا رأت فيه قرآناً فإنه ينبني على الخلاف الذي ذكرناه قبل قليل، والذي نرى أيضاً أنه لا يجوز تعليقه، فإذا كان قرآناً فهناك طريقان: إما أن تدفنه في محل نظيف، وإما أن تحرقه وتدقه بعد إحراقه حتى يتلاشى نهائياً.

    وبهذه المناسبة أود أن أحذر إخواننا من التردد على أولئك الناس الذين يكتبون هذه الأحراز وهذه الحجب وحالهم لا تعلم لا من جهة الديانة ولا من جهة العلم؛ لأن هذه من الأمور الخطيرة، وكون الإنسان إذا فعلها يتأثر ويجد خفة قد لا يكون ذلك من جراء هذا العمل، قد يكون الله تعالى أذن ببرئه أو شفائه وصادف أن يكون عند هذا الشيء لا به.

    وأيضاً: فإنه من المعلوم نفسياً أن الإنسان إذا شعر بشيء منه نفسياً فإنه يتأثر به جسمه، حتى إن الإنسان -كما هو مشاهد- إذا كان غافلاً عما به من مرض فإنه لا يحس به، فإذا التفت بفكره إليه أحس به، هذا الرجل يكون مشتغلاً بتحميل عفشه مثلاً فيجرحه مسمار أو زجاجة تجده لا يحس بها حين اشتغاله بالعمل، فإذا تفرغ فإنه يحس به لأنه جعل فكره إليه.

    والمهم أننا ننصح إخواننا عن هذه الطرق التي لا يعلم من سلكها، ولا يعلم ما فيها من مكتوب، والإنسان ينبغي له أن يعلق قلبه بالله عز وجل ويتبع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستشفاء بالقرآن والدعاء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756250639