إسلام ويب

تفسير سورة النساء (35)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله عز وجل في هذه الآيات الوعد والوعيد، الوعد والبشرى لعباده المؤمنين، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون الشرك والمعاصي والمنكرات، وعدهم بجنات عرضها الأرض والسماوات، تجري من تحتها الأنهار، ويدخلهم ظلاً ظليلاً، وأما أهل الكفر والطغيان فقد توعدهم الله بإدخالهم النيران، كلما أنضجت النار جلودهم أبدلهم الله غيرها، ليستمروا في العذاب المقيم في نار الجحيم، لا يزحزحون عنها وما هم منها بمخرجين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً ...)

    الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    الحمد لله على ما أولانا وأعطانا، اللهم لك الحمد على ما أوليت وأفضلت وأحسنت، وأنت أهل ذلك يا رب العالمين، وها نحن مع سورة النساء الميمونة المباركة، ومع هاتين الآيتين.

    فهيا نتغنى بتلاوتهما ثم نأخذ في دراستهما، عسى الله أن يملأ قلوبنا إيماناً ونوراً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:56-57].

    هل تاقت نفوسكم أيها الأبناء والإخوان إلى معرفة ما في هاتين الآيتين؟

    إخبار الله تعالى عمن زكى نفسه ومن دساها

    أولاً: هذان خبران من الله، وإن شئتم فقولوا: هذا خبر من الله، والله عز وجل لا يشك في إخباره! ولن تكون إلا كما أخبر؛ وذلك لعلمه وقدرته، هذا الخبر في الحقيقة هو يحمل حكماً ربانياً، قضى الله تعالى وحكم بأن الذين كفروا يدخلهم النار يشقون فيها أبداً، والذين آمنوا يدخلهم الجنة يسعدون فيها أبداً، وهذا الخبر وهذا الحكم، يذكر بقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

    أفلح: فاز بنجاته من النار ودخوله الجنة؛ لأنه زكى نفسه طيبها وطهرها، أسألكم بالله: ما هي مواد التزكية، بِم تزكو النفس وتطهر؟ الإيمان والعمل والصالح.

    وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، خاب: خسر وأضاع كل شيء، خسر حتى نفسه وأهله، ما سبب خسرانه؟ تدسية نفسه، ما هي مواد التدسية حتى نهرب منها ونجانبها حتى لا نقع فيها؟ الكفر والمعاصي.

    قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أبيض كان أو أصفر، في الأولين أو في الآخرين، في الأشراف أو الضاعة، أفلح من زكى نفسه، هذا حكم الله، والله إذا حكم لا يعقب على حكمه، إذ لا أعلم منه ولا أحكم ولا أعدل، وقد حكم أن من دسى نفسه خسر، بم تدسو النفس أو تنتن وتتعفن؟ بالكفر والمعاصي، سبحان الله، ما أسهل الطريق وما أوضحه، ومع هذا الناس يمشون في ضلال.

    فهاتان الآيتان ما خرجتا عن بيان حكم الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

    كثيراً ما نقول للمستمعين: هنا تقرير المصير، أو في الأمم المتحدة؟ هنا تقرير المصير، في الدنيا أو في الآخرة؟ في الدنيا هنا، الآدمي يقرر مصيره، فإن آمن وعمل الصالحات وتجنب الشرك والمعاصي والله لقد فاز ونجا وأفلح، وقل ما شئت عنه، على شرط أن يموت على الإيمان والعمل الصالح، ومن أشرك وكفر، وغشي الذنوب والمعاصي خسر.

    وعند المستمعين أهل الحلقة المباركة الحكم، لماذا الذين تزكو أنفسهم يدخلون الجنة، والذين تخبث أنفسهم يدخلون النار؟ لأن الله لا يقبل ذا نفس خبيثة منتنة يجاوره في الملكوت الأعلى، بل ينزله إلى أسفل سافلين، وذو النفس الخبيثة المنتنة العفنة هل تتلاءم مع أرواح الملائكة والأنبياء والصديقين والشهداء؟ ما تقبل، الآن نحن هكذا، لو يدخل علينا رجل ملطخ بالدماء والقروح والبول والعذرة والأوساخ، تسمحون له يدخل عندكم، يجلس بينكم؟ اذهب اغسل نفسك تطيب، هذا واقعنا.

    فلهذا ما ننسى هذا الحكم الإلهي: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، وعلى كل عاقل أن يعرف مواد التزكية وكيف يستعملها، وأن يعرف مواد التخبيث والتلويث وكيف يبتعد عنها؟ ( طلب العلم فريضة ) لا بد من هذا، أو غششنا أنفسنا.

    هيا نقرر مصيرنا بأيدينا اليوم لا غداً، ونعود إلى الآيتين الكريمتين نتدارسهما.

    مصير الكافرين بآيات الله ورسله

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا [النساء:56] أولاً: القرآن الكريم، التوراة والإنجيل، وكل آيات الله.

    ثانياً: آيات الله الحاوية لشرائعه وأحكامه وقوانينه، وأخباره وصفاته وكماله، هؤلاء الذين كفروا بها، أي: جحدوا بها، وأبوا أن يعترفوا بها، أو يقروا بما فيها، أو يقبلوا على فهمها والعمل بها، هؤلاء كفروا وغطوا ودسوا هذه الآيات، هؤلاء يخبر تعالى عن حكمه فيهم، فيقول: سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا [النساء:56]، (نصليهم) من أصلاه يصليه إذا أدخله النار ليحترق فيها، و(سوف) على بابها، أي: بعدما يموتون ويعودن إلينا ما هو الآن.

    (ناراً) التنكير للتفخيم والتعظيم.

    والنار إليك بيانها: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [النساء:56] نضج اللحم إذا استوى.. نضجت تهرت وتساقطت: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56] لِم؟ لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56].

    وهنا لطيفة! كان عمر رضي الله تعالى عنه جالساً وإذا بأحد المؤمنين يقرأ هذه الآية، أو انتهى إليها، فقال عمر: أعد تلاوة الآية؛ لأن التدبر يحتاج إلى تكرار السماع، والمتدبر للقرآن هو الذي كلما ختم الآية وانتهى إلى دبرها أعادها من أولها، المرتين والثلاثة والأربعة حتى تدخل بكاملها في قلبه.

    وقد عرفنا أن بعض الصالحين أحيا ليلة كاملة بآية واحدة، قام يتهجد فانتهى إلى قول الله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]، ويبدأ بالبكاء ويعيدها فيبكي.. ويعيدها حتى قضى ليلة كاملة في هذه الآية.

    والمراد من تدبر الآيات: أنك كلما ختمت الآيات في موضع واحد تعيدها من جديد، كلما أعدتها لاحت أنوار أخرى لك.. وهكذا حتى تفهم وتمتلئ بنورها.

    أعد يا قارئ فأعاد، وكان حبر اليهود، وهو كعب الأحبار هو تابعي، كان حاضراً في المجلس، فقال لـعمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين! إن عندي تفسيرها، تأذن لي أن أفسرها لك؟ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56]، قال: أنا عندي تفسير لها، فذكر له أنها تبدل في الساعة الواحدة مائة وعشرين مرة، تحترق الجلود وتتساقط، ثم تعاد كما كان في الساعة الواحدة -قطعاً ما هي ستين دقيقة؛ لأن ما عندهم ساعة- لكن المعروف تقريباً من هذه الساعات، مائة وعشرين مرة، هذا عرفه من التوراة.

    كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56] لماذا؟ علل؟ قال: لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، والآن نحن إذا زالت القشرة والجلد ما يشعر الإنسان بالألم كما كان يشعر به والجلد على جسمه؛ لأن الحساسية والآلام في الجلد.

    إذاً: كلما تهرت الجلود وتساقطت يعيدها الله كما كانت في الساعة الواحدة مائة وعشرين مرة، وإلى متى؟ بلا نهاية، ما في نهاية، الحياة القابلة للنهاية انتهت، انطوت صفحاتها، والآن حياة خالدة أبدية.

    قال: لِيَذُوقُوا [النساء:56] والتذوق في الحقيقة يكون للحلوى والعسل أو لا؟ لكن هنا فيه ضرب من التهكم.

    لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، وسمي العذاب عذاباً؛ لأنه يُذهب بالعذوبة، عذوبة الحياة ينهيها، كل التمر أو البطاطس أو البقلاوة وأنت مريض ما تشعر؛ فالعذاب سمي عذاباً لأنه ما فيه عذوبة.

    ثم قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ وما زال: عَزِيزًا غالباً قاهراً، لا يمانع في شيء يريده: حَكِيمًا [النساء:56]، يعذب من يستحق التعذيب ويسعد من يستحق السعادة، ما تفهم أن الله يخلط ويخبط!! لا حكمة عنده، قد يدخل أبا طالب النار ويخرج أبا جهل منها؟!! والله ما كان، هذا الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه، هذه العدالة الإلهية، هذا التعليل: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا [النساء:56] أي: قادراً على أن يعذب من يعذب، ولكن يعذبهم بعدالة إلهية لا ظلم فيها، هذا هو الله، هذا رب العالمين.

    هؤلاء دسوا أنفسهم بالكفر والشرك والمعاصي.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ...)

    قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57].

    تلازم الإيمان والعمل الصالح

    الإيمان أول أو ثان؟ الإيمان أول، حتى إذا ذكر في القرآن العمل الصالح، يأتي بجملة حال، كقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، والحال: وأنه مؤمن، أولاً: لا يتصور وجود عمل صالح بدون إيمان، من لا يؤمن الإيمان الحق هيهات هيهات أن يوجد له عملاً صالحاً ينجيه من النار ويدخله الجنة، ولهذا علمتم زادكم الله علماً أن الإيمان بمثابة الروح للحياة، المؤمن حي بروح الإيمان، والكافر ميت لسلبه روح الإيمان، أو تشكون في هذه؟ المؤمن الصادق الإيمان حي، يسمع ويبصر، وينطق ويأخذ ويعطي، ويجيب؛ لأنه حي، والكافر أصم أعمى ميت، والدليل حتى لا يجادلوكم أهل الباطل، الدليل قولوا لهم: إذا دخلنا دار كفر وسدنا أهلها، وسمحنا لهم بالبقاء على دينهم كاليهود والنصارى لا نأمرهم لا بغسل، ولا بصلاة، ولا بصيام، ولا بحج، ولا بجهاد أبداً، قولوا: لِم؟ لأنهم أموات، أتكلف الميت أنت، انفخ فيه روح الإيمان، فإذا عرف وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن يقوم يغتسل بالماء البارد، ويسبقك إلى المحراب ليصلي، أما وهو ميت تكلف الميت أنت، سبحان الله العظيم، هذا معروف عند أهل العلم أو لا؟ أهل الذمة من اليهود والنصارى تحت رايتنا نحميهم وندفع الأذى عنهم ولا نظلمهم ولا نسيء إليهم، ومع هذا لِم نحن نصلي وهم ما يصلون؟

    نحن نصوم وهم ما يصومون، نحن نخرج للجهاد نموت، ونحمي ديارهم وهم لا نسمح لهم بالخروج، والله ما نقبلهم يجاهدون معنا، لِم؟ نحن نجاهد لندخل الجنة، وهم يجاهدون ليدخلوا النار .. كفار.

    علامات صحة الإيمان

    قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57] حق الإيمان.

    وما زلت أردد وأقول: من أراد أن يعرف هل هو مؤمن أو غير مؤمن، يقرأ القرآن الكريم، إذا كان يحسن القراءة، أو يستمع إلى من يقرأ عليه، فإن وجد نفسه مؤمناً حمد الله وأثنى عليه وسأله التثبيت عليه، وإن وجد نفسه ضعيف الإيمان فليجدد العهد، فليؤمن.

    ومعنا آيتان كالشاشتين البيضاوين، من أراد أن ينظر: هل هو مؤمن أو لا؟ فليصغِ إليّ ويسمع: وليشاهد نفسه، قال تعالى في بيان المؤمنين بحق وصدق: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4]، واضحة أو لا؟

    والآية الثانية: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ [التوبة:71] بحق وصدق، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] أولياء بعض؟ هذه الولاية تتمثل في شيئين، من يعرفهما؟ الحب والنصرة، إذا لم تحب أخاك المؤمن أو أختك المؤمنة ما أنت بمؤمن، هل يوجد مؤمن يكره المؤمن؟ ما هو بمؤمن، يكره ولي الله! إذا استنصرك أخاك وأنت قادر على نصرته ثم انهزمت وتركته ما أنت بمؤمن: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].

    ثانياً: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، ثالثاً: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ [التوبة:71]، رابعاً: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة:71]، خامساً: وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71] في الأمر والنهي: أولئك هم المؤمنون حقاً.

    صور من الأعمال الصالحة وشرط قبولها

    وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57] أولاً وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النساء:57].

    الصالحات: جمع صالحة، الفعلة الصالحة، الخصلة الصالحة، العبادة الصالحة، هذه الصالحات أين توجد؟ لو طلبناها أين نجدها؟ في كتاب الله وبيانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو في كتب العلم والفقه.

    الصالحات: هي أعمال القلوب والألسن والجوارح، وهي من كلمة: (لا إله إلا الله) إلى (إماطة الأذى عن طريق المؤمنين والمؤمنات الصلاة، الزكاة، الصيام، الجهاد، الذكر، الدعاء، وقراءة القرآن) كل هذه العبادات هي الصالحات فقط، علمناها: أنك لا بد وأن تؤديها تفعلها، كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن زدت فيها أو نقصت منها أو قدمت أو أخرت بطل مفعولها.

    وعلى سبيل المثال في الزيادة والنقصان: كم صلاة الصبح من ركعة؟ اثنتان.

    لو أن مؤمناً قوي الإيمان قال: أنا أصلي أربعاً، لِم أبخل على ربي؟! أصلي أربعاً، هل يوجد فقيه يقول: صلاتك صحيحة، هو يعتذر يقول: أنا أصلي لربي أكثر، ما دام طلب مني ركعتين سنزيد ركعتين، هل يوجد فقيه يقول: صلاتك صحيحة؟ لا.

    صلاته باطلة ويقال له: أعد صلاتك، وأنتم يا أهل البصيرة لم نقول: بطلت، ما معنى بطلت؟ ما تولد ولا تنتج الحسنات المزكيات للنفس؛ لأنه عمل فاسد، عرفنا السر أو لا؟

    تكبيرة الإحرام فقط، لو تركها مصلٍ، وبعدما قرأ الفاتحة والسورة كبر تكبيرة الإحرام تصح صلاته؟لا. باطلة، لماذا؟ ما تنتج له؟ أعد صلاتك، هذا التقديم والتأخير والزيادة والنقصان لا يجوز.

    والظرف: لو أننا الآن نصلي العشاء ونقول: نحن لا ندري أنصبح أو لا نصبح هيا نصلي الصبح، ويؤمنا الإمام ونصلي الصبح، هل نجد فقيهاً في الدنيا يقول: صلاة الصبح صحيحة الآن؟ لماذا؟

    لأنه ليس وقتها، إذاً: والله ما تنتج أبداً ولا تولد طاقة ولا نوراً.

    إذاً: الصالحات تلك العمليات التي شرعها الله في كتابه وعلى لسان رسوله، وبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كيف تؤدى، بين أوقاتها، بين تقديمها، تأخيرها كمياتها.. يجب أن نعلم هذا علماً حقيقياً ونعبد الله به.

    فلهذا الجهل حرام أو حلال؟ لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش وهو لا يعرف كيف يعبد الله؟ لو اضطر إلى الهجرة والله يجب أن يهاجر، يعني: وجد في قرية ما فيها من يعرف شيئاً، يريد أن يسأل: كيف يتوضأ؟ ما يجد، يجوز البقاء له في هذه البلدة؟ والله يجب أن يهاجر، ولا يحل له البقاء في هذا البلد.

    جزاء من عمل الصالحات

    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النساء:57] ماذا لهم؟ اسمع خبر الله عنهم: سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ [النساء:57] جمع جنة، والجنة: البستان ذو الأشجار ذات الزهور والأوراق التي إذا دخلتها تحسها غطتك وجنْتك: جَنَّاتٍ [النساء:57] من وصفها: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [النساء:57] تجري من تحتها، أي: من تحت القصور والأشجار الأنهار، كم نهراً يرحمكم الله في الجنة؟

    أربعة، ما هذه الأنهار؟

    أولاً: نهر الماء العذب الفرات، الغير الآسن -المتغير- أبداً: أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [محمد:15] لا بالحموضة ولا بغيرها، نهر كامل كالنيل يجري لبن.

    وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ [محمد:15] ما في وصف أعظم من هذا؛ لأننا ما نعرف الخمر ما هي؟ كذا أو لا؟ ما ذقناها، إذاً: قال: لَذَّةٍ [محمد:15]، تعرفون اللذة أو لا؟ في الأكل الطيب والشراب الطيب.. لذة، لذة لمن؟ للشاربين.

    اسمعوا هذا الخبر الجديد: من مات مدمناً على الخمر.. مات يشرب بلا توبة لن يشربها في الجنة.. من مات مدمناً للخمر لم يتركها ولم يتب منها حتى مات على ذلك فإن كان مستحلاً لها، فهو كافر من أهل النار بلا جدال، وإن كان يفعلها وهو خائف وهو مؤمن حتى إذا دخل الجنة يصرف عنها، ما يشربها، لا تفهم أنه يريد أن يشرب ويمنع: لا، أبداً، يصرف عنها ما يريدها ولا يسمع عنها، وإلا في دار السلام أقل من يأخذ من المساحة مثل الدنيا عشر مرات، أقل ما تأخذ، عشرة كواكب فقط.

    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [النساء:57] جمع (نهر)، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]، خلوداً أبدياً، يخرجون إلى أين؟ في عالم آخر، ما في إلا عالمان، فوق الجنة وأسفل جهنم، ما في عالم آخر.

    خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]، أبداً: بمعنى لا يخرجون منها، إلى أين يخرجون؟ أولاً: لا يموتون، لا يمرضون، لا يكبرون، لا يهرمون، لا.. لا، إذاً: يبقوا هكذا في نعيمهم.

    خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57] الأزواج: جمع زوجة أو زوج؟ أين أهل الحلقة؟ جمع زوجة أو جمع زوج؟

    عرفنا: أن الفرد إذا ضم إليه آخر قيل فيه: زوج، فلهذا: الرجل زوج وامرأته زوج، وإنما يقال: زوجة (بالهاء) للعامة حتى يفهموا، لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ [النساء:57] بمعنى: زوجات، كم؟ الله أعلم.

    فقط عندنا يقين: أن امرأتك إذا كانت من أهل الجنة لإيمانها وصالح أعمالها، وبعدها عن الشرك والمعاصي، إذا ماتت في عصمتك هي زوجتك، لا يأخذها آخر، وإن طلقتها أو مت وتزوجت غيرك ما لك فيها نكاح، الذي تموت عنده هو زوجها.

    فلهذا: أحد الأصحاب في الشام وهو أبو الدرداء مرض وكان وباء كبير -عافانا الله وإياكم والعالم الإسلامي- قد أصاب البلاد، فلما أصيب قال لزوجته: أي فلانة إذا تريدين أن تكوني زوجتي كما أنت الآن يوم القيامة فلا تتزوجي بعدي، وإذا ما تريدين شأنك، فما تزوجت، وما هي إلا أشهر وماتت بعده، رضي الله عنهما وأرضاهما.

    أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57] ما قال: (مطهرات) لأن القرآن أسلوبه راق، يحمل معنى الخفة وعدم الثقل (مطهرة) كل واحدة مطهرة، من طهرها؟ الله.

    كيف طهرها؟ عند العامة التطهير هو الختان، مطهرة من كل أذى، ومن كل قذى، ومن أبرز ذلك: دم الحيض والنفاس، لا ولادة ولا حيض ولا نفاس، أما عرق الرجال كالنساء، والله لأطيب من ريح المسك، أضف إلى ذلك: لا تخرأ ولا تبول، أبداً.

    إذاً: وتأكل؟ إي نعم، أصناف الأكل، ولكن يتحول ذلك كله إلى عرق وجشاء، وهذا الجشاء أطيب من ريح المسك.

    لطيفة! كان أحد اللبنانيين من المؤمنين يركب سيارة مع مسيحي، فقال المسيحي للمسلم: أمركم عجب أنتم أيها المسلمون! تؤمنون بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون؛ لأن النصارى يقولون: الجنة تدخلها أرواح فقط، ضللهم اليهود ومسخوهم، كيف إذاً: يأكل ويشرب وما يبول وما يتغوط، ما هذا الاعتقاد الفاسد عندكم؟!

    فيلهم الله تعالى ذاك اللبناني العامي، وهذا ما نستشهد به دائماً عند قول الله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83]، عامي قال: يا مسيو! أنت تقول هذا؟ عندنا الطفل في الشهر السادس والسابع والثامن والتاسع وهو يتغذى يبول في بطن أمه، يخرأ؟ لو كان يبول ويخرأ كيف يصبح بطن أمه؟

    يبول ويخرأ، أين الغذاء الذي يتغذاه؟ يتحول إلى دم، فكذلك أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منها نأكل ونشرب ويتحول ذلك إلى جشاء وإلى عرق.

    وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57]، إن شئت قل بمعنى: حياة النعيم الواسعة الوارفة، لا، ما هناك حاجة هو حاصل، ولكن حتى الظل؛ لأن الجنة قال تعالى من سورة الإنسان: لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا [الإنسان:13]، الزمهرير: البرد، أي: لا حر ولا برد، اعتدال دائم.

    والظل يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن شجرة طوبى: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد:29]، هذه الشجرة (طوبى) يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها.

    إذاً: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57]، قولوا: اللهم اجعلنا منهم؟ اللهم اجعلنا ووالدينا وكل المؤمنين والمؤمنات منهم يا رب العالمين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    قال: [ على ذكر الإيمان والكفر في الآية السابقة ]، تقدم أو لا؟ بالنسبة إلى اليهود.

    قال: [ ذكر تعالى في هاتين الآيتين الوعيد والوعد، الوعيد لأهل الكفر، والوعد لأهل الإيمان ] في فرق بين الوعد والوعيد، الوعيد بالعذاب، والوعد بالخير، دائماً وأبداً.

    قال: [ فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا [النساء:56] يريد: يدخلهم نار جنهم يحترقون فيها ويصطلون بها، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [النساء:56]، تهرت وسقطت بدلهم الله تعالى فوراً جلوداً غيرها ليتجدد ذوقهم للعذاب وإحساسهم به، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:56]، تذييل ] تعرفون التذييل تأتي جملة بعد الأخرى كذيل لها.

    [ تذييل المقصود منه إنفاذ الوعيد بهم؛ لأن العزيز الغالب لا يعجز عن إنفاذ ما توعد به أعداءه، كما أن الحكيم في تدبيره يعذب أهل الكفر به والخروج عن طاعته ]؛ لأنهم خرجوا عن طاعته ووسخوا أنفسهم. هذا ما تضمنته الآية الأولى من وعيد لأهل الكفر.

    [ وأما الآية الثانية فقد تضمنت البشرى ]، البشرى ما هي؟ الخبر السار إذا سمعته تهلل وجهك بالبشر والطلاقة، البشرى.

    [ فقد تضمنت البشرى السارة -المفرحة- لأهل الإيمان وصالح الأعمال، مع اجتناب الشرك والمعاصي ].

    أما يعبد الله ويقول كلمة شرك ينمسح، ينتهي ذلك ما ينفع، لا بد مع اجتناب الشرك والمعاصي.

    قال: [ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57]، يريد نساء من الحور العين ]، ما معنى الحور العين؟

    الحور: جمع حوراء التي يغلب بياض عينيها على سوادهما، عرفتم؟ إذا كان الظاهر سواد عينها أكثر تصير كالحية، إذا كان بياض العين أكثر من السواد أجمل، حوراء، والعين: جمع عيناء ذات العين الواسعة.

    قال: [ من الحور العين، مطهرات من كل ما يؤدي أو يُخل بحسنهن وجمالهن نقيات من البول والغائط ودم الحيض ]، أما النفاس لا وجود له.

    [ وقوله تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57] وارفاً كنيناً -يكنهم ويسترهم ويغطيهم- يقيهم الحر والبرد، قال: وحدّث يوماً رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة، فقال: ( في الجنة شجرة تسمى شجرة الخلد يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطع ظلها )]، اللهم اجعلنا من أهلها.

    هداية الآيات

    الآن: [ هداية الآيتين ] ولا تخلو آية من هداية.

    [ أولاً: الكفر والمعاصي موجبات للعذاب الأخروي ].

    يقيناً: الكفر والمعاصي موجبات للعذاب الأخروي.

    [ ثانياً: بيان الحكمة في تبديل الجلود لأهل النار، وهي: أن يدوم إحساسهم بالعذاب.

    ثالثاً: الإيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي موجبات للنعيم الأخروي.

    رابعاً: الجنة دار النعيم خالية من كدرات الصفو والسعادة فيها ].

    كل شيء يكدر صفوها أو السعادة ممنوع، لا يوجد في الجنة ما يكدر أبداً صفوها وسعادة الناس فيها، اللهم اجعلنا من أهلها.

    وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755830368