إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (8)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أنزل الله سبحانه القرآن الكريم برهاناً على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتحدى العرب وغيرهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بسورة فعجزوا، بل إن الله سبحانه قد بين أنهم لن يستطيعوا، وأن الأجدر بهم أن يتقوا النار التي وقودها العصاة من الناس والحجارة، والتي هيأها الله سبحانه لكل من جحد به أو بدينه.

    1.   

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إن السورة ما زالت -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع بعض الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.

    استشعار العبودية لله في كل شئون الإنسان وأحواله

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! دراسة كتاب الله وقراءته من أجل استخراج تلك الدرر والمعاني التي تغمر النفس والقلب بالنور الإلهي، فيصبح عبد الله وأمة الله النور على علمه وفي سمعه وبصره وفي لسانه، ويصبح أشبه بملاك في الأرض، فلا يصدر عنه شيء اسمه معصية لله ورسوله، ويقضي أوقاته كلها في ذكر الله وطاعته وعبادته.

    وقد قلت وبينت أن هذا المؤمن الذي يعيش على طاعة الله تحقيقاً للعبودية، تراه يحصد الزرع والمنجل في يده وهو في طاعة الله! تراه يضرب بفأسه الصخرة ليكسرها وهو في طاعة الله! تجد المائدة بين يديه يأكل ويشرب وهو في عبادة الله!

    هذا هو العبد الخالص لله. لمَ؟ لأنه يذكر دائماً بأنه خلق لذكر الله وشكره، وذكر الله تعالى يكون بالقلب واللسان، وشكره يكون بالأركان .. بالطاعة، فعبد الله إذا وجدته يبني أو يهدم اسأله: لم؟ يقول: أردت أن أبني غرفة أو حجرة لتكنني من الحر والبرد أنا وأفراد عائلتي، فعملي هذا لله. وتراه يحرث أو يزرع أو يصنع، لم؟ لله، لأنني وقف لله، وهذا الزرع أو هذه الصناعة من أجل عباد الله، أنتفع أولاً بشيء يسد حاجتي، والعمل كله لله، وينتفع به عباد الله.

    وإذا جلست في مجالس هؤلاء فإنك لا تسمع كلمة سوء، ولا بذاء، ولا باطل، ولا منكر أبداً كأنهم الملائكة، فأحاديثهم وكلامهم لا تخرج أبداً عن دائرة مرضاة الله عز وجل، وهؤلاء أهل النور الإلهي الذي اكتسبوه من كلامه؛ لأن كلام الله نور، إذا يقول تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، و جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].

    وآية الوقفية على الله ينبغي أن لا ننساها؛ لتفهم أنك إذا كنت مؤمناً حقاً فأنت وقف على الله، فريعك ودخلك وغلالك كلها لله، وحياتك وموتك لله، وفي هذا يقول تعالى من سورة الأنعام واحفظوا الآية وتأملوها: قُلْ [الأنعام:162]، والمخاطِب هو الله، والآمر هو الله، والمخاطَب هو رسول الله، والمأمور هو رسول الله، وأمته تابعة له، ولا تنفك عنه في أغلب الأحوال، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، فهذه هي آية الوقفية، فنحن وقف على الله، فنأكل من أجل الله، ونشرب من أجل الله، ونتزوج من أجل الله، ونطلق من أجل الله، ونبني .. نهدم .. نبيع .. نشتري .. الكل من أجل الله. فصاحب هذا النور إذا باع أو اشترى هل يغش .. يخدع .. يكذب؟! والله لا يفعل، وصاحب هذا النور إذا بنى هل يبني على غير هدي الله ورسوله؟ يقتطع قطعة أرض ويبني عليها؟! والله لا يفعل.

    المهم فيما نريد أن نقوله: هيا نتدبر كلام الله، فإنه الروح التي بها الحياة، والنور الذي به الهداية.

    هداية القرآن الكريم

    عرفنا مما درسنا أن هذا القرآن الكريم -كلام الله- لا ريب فيه، وأن فيه هدى، والهدى: ما يصل بك إلى مطلوبك، وينتهي بك إلى رغائبك، وما تريد أن تنتهي إليه من كمال وسعادة، لكن هذا الهدى مكنون في باطنه.

    من ينال هذا الهدى؟

    أولاً: من يؤمن بالله ولقائه .. بالله ورسوله .. بالله وكتابه، ثم يتقي الله عز وجل فلا يخرج عن طاعته فيما يأمر وفيما ينهى، فهذا الذي تتجلى له أنوار الهداية ويجدها في القرآن الكريم، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].

    وذكر الله تعالى أنهم: هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5]، واقرءوا إن شئتم: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:2-5]، لا سواهم.

    أقسام الكافرين

    ثم ذكر تعالى حال الكافرين، وقد عرفنا أنهم صنفان: صنف توغلوا في الشر، في الظلم، في الفساد، في الخبث يوماً بعد يوم، عاماً بعد عام، حتى مضت فيهم سنة الله عز وجل، فختم على قلوبهم وعلى أسماعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، فهم لا يسمعون، ولا يفهمون، ولا يعقلون، ولا يبصرون، هؤلاء مصيرهم معلوم، الخلود في عالم الشقاء في النار دار البوار، لا يخرجون أبداً بليارات السنين، وليس هناك مكان آخر، وفيهم يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] لم؟ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [البقرة:7]، الختم على الظرف، الختم على الآنية، من أين يدخل الشيء والختم موجود؟ من أين يدخل نور الإيمان أو معاني الإيمان أو مفاهيم الكلام وقد أغلق على القلب، خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7]، نعوذ بالله أن نكون منهم، أو يكون بيننا أحد منهم!

    الصنف الثاني: كفروا، وظلموا، وفسدوا، لكنهم ما توغلوا، أي: ما وصلوا إلى مستوى أن طبع على قلوبهم وختم على سمعهم وأبصارهم، فهؤلاء بلغهم دعوتك يا رسولنا! وأنذر وخوف، فإنهم يدخلون في رحمة الله، وقد دخل من هذا العدد بلايين.

    صنف المنافقين

    جاءت الآيات تذكر لنا صنفاً آخر من الخلق، ألا وهم المنافقون.

    ومن هم المنافقون أيها المؤمنون؟ هم الذين يبطنون الكفر في قلوبهم ويخفونه في نفوسهم ولا ينطقون به أمامكم أيها المؤمنون، وهم الذين يتظاهرون بالإسلام فيصلون معكم، وقد يجاهدون إلى جنبكم، ولكن من باب أن يحفظوا على أنفسهم حياتهم وأموالهم ووجودهم؛ لأنهم لو أعلنوا عن الكفر والردة لقتلوا بيننا، ولا نسمح لهم بالبقاء في ديارنا.

    فخوفهم من السيف حملهم على أن يصروا على كفرهم، وعلى تكذيبهم بوجود الله .. بعلم الله .. بقدرته .. بحقه في الطاعة والعبادة .. بالكفر برسول الله وبكتابه، ولكن يداهنون مؤقتاً.

    وهؤلاء المنافقون كانوا موجودين والقرآن ينزل في هذه المدينة النبوية، فما زال القرآن ينزل ويصفي ويغربل حتى ما بقي منهم أحد، فمنهم من مات على كفره ونفاقه، وأغلبهم مات على الإيمان والتوحيد.

    والآن لا يسمون بالمنافقين بل يسميهم العلماء بالزنادقة، والواحد زنديق، والجمع زنادقة، فالزنديق: هو الذي يتكلم ببسم الله، ورسول الله، كأنه مؤمن، وهو فقط يضحك على المؤمنين، ويسخر منهم من أجل أن يصل إلى أغراضه الهابطة الدنية، أو يخاف أن يطرد من القرية أو من الحي أو يهجر فلا يتكلم معه، فهذا يقال عنه: الزنديق، وهو المنافق.

    وهؤلاء المنافقون نسمع الله تعالى يخبرنا عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، ومن أخبر عنهم؟ العليم بقلوبهم، وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9]، إي والله.

    فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة:10]، أي مرض هذا؟ هل يعرفه الأطباء؟! هل هو الخفقان؟! هذا مرض الشرك، والكفر، والنفاق، وبغض الإسلام وأهله، وبغض التوحيد والداعين إليه، وبغض دار السلام وأهلها، فهؤلاء يزيدهم الله مرضاً، والمرض إذا لم يعالج في الجسم فإنه يستشري وينتصر فيعجز الأطباء عن مداواته، فهذا الفريق من المنافقين يموت على الكفر ولا يعالج.

    وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10]، إن ماتوا على كفرهم ونفاقهم.

    وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ [البقرة:11-12]، وقد ذكرنا وأشرنا إلى أنهم كانت لهم اتصالات باليهود، واتصالات بالكافرين في مكة وخارجها، بل حتى مع الروم، وإذا سئل يقول: هذا من أجل تحقيق الأمن للبلاد .. من أجل أن ندفع شر هؤلاء الكفار أو اليهود، نحن مصلحون، وعندما يقول له المؤمن: كيف تتصل بفلان، فالبارحة كنت في بيته وهو كافر من اليهود؟ يقول: لغرض صحيح، للدفاع عن الحقيقة، لرد هؤلاء عن ظلمنا والاعتداء علينا.

    إذاً: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [البقرة:11] أي: بالمعاصي، فالإفساد في الأرض يكون بماذا؟ وأنا أريد أن يبقى هذا علماً راسخاً في نفوس المؤمنين والمؤمنات فلا نتردد: الإفساد في الأرض بم يكون؟ الإفساد يكون بمعصية الله ورسوله؛ لأن الذي عصى الله: أجرم، ظلم، فجر، اعتدى، سرق، كذب.

    إذاً: هذا هو الفساد؛ ولهذا جاء في آية سورة الأعراف: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، كان في البلاد كفر، وظلم، وشر، وفساد، فجاء نور الإيمان فاشتملته القلوب والأبصار، وظهر النور، واستقام أهل البلاد، فمن جاء يحدث باطلاً أو شركاً أو كفراً أو ذنباً فقد جاء ليفسد في الأرض.

    إذاً: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ [البقرة:12-13]، آمنوا كما آمن فلان وفلان وفلان من إخوانكم وجيرانكم: قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13]، فيعتبرون الذين دخلوا في الإسلام من اليهود ومن العرب المشركين سفهاء، كيف يذوبون في هذه الدعوة ويتخلون عن عقائد آبائهم وأجدادهم ومميزاتهم، ويدخلون في هذه الدعوة التي قد لا تدوم أعواماً بعد اليوم؟! فيقولون بهذا القول: أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13].

    قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13]، كيف يعلمون وهم كالأبقار انطمست بصائرهم وعميت عيونهم.

    ضرب الأمثال للمنافقين

    ضرب الله تعالى للمنافقين مثلين فقال: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:14-16]. هنا مثلين: مثل ناري: مضروب للذين علم الله أنهم يموتون على النفاق، ومثل مائي: مضروب لمن يرجى لهم العودة إلى الطريق المستقيم، وإلى الدخول في رحمة الله.

    قال تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18]، وهذا النور معبر عنه بالنار والنور القرآني، والآيات تنزل، فإذا نزلت الآية وكانت تحمل بشرى وهداية، وما سمتهم، ولا عرَّضت بهم، فرحوا واطمأنوا، فإذا نزلت الآية كالرعد القاصف تخرج نفاق المنافقين -والعياذ بالله تعالى- أصابهم ما أصابهم، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18].

    المثل الثاني: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [البقرة:19]، مطر يقال فيه: الصيب؛ لأنه يصب، أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [البقرة:19]، هذه هي الآيات وأنوارها، فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ [البقرة:19-20]، برق الآيات وأنوارها. كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20]، ولو شاء الله لأصابهم ما أصاب الأولين، وماتوا على النفاق، ولا دخول في الإسلام، ولا نظر إلى رحمة الله.

    نداء الله للناس أجمعين

    بعد الآيات الأولى التي كشفت الهدى وبينته جاء نداء الله عز وجل للبشرية كلها بعنوان: الناس، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، أبيضكم وأسودكم .. عربكم وعجمكم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أمرنا بأن نعبده، كيف نعبده؟ نعبده بما يبين لنا من أنواع الطاعة، إذ العبادة من العبودية، إذا قال: قوموا قمنا، وإذا قال: اقعدوا قعدنا، وإذا قال: انظروا، نظرنا، وإذا قال: أغمضوا أعينكم غمضنا. ولو لطول الحياة؛ لأننا عبيد.

    قوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أي: بما شرع لكم من أنواع العبادات والطاعات.

    لم هذه العبادة؟ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، إذا خطر ببال أحد: مَنْ هو هذا الذي يأمرنا بعبادته؟ من هو؟ الله الذي خلقك، وخلق أمك، وأباك، وجدك، وجدتك وإلى آدم الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21]، قد يقولون: نحن لسنا بمخلوقين، إذاً: هؤلاء مجانين، فلا يدخلون في دائرة الكلام معهم، مخلوقون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] أيضاً، ما أنتم وحدكم، أي: اعبدوا الله الذي خلقكم، وخلق من قبلكم بل وخلق كل شي، وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81]، فالذي صنعك، وصورك، ووهبك حياتك، طلب منك أن تطيعه من أجل أن يكملك ويسعدك وأنت تقول: لا، لا. هذا جنون أو عقل؟! خلقك وصورك، ووهبك سمعك وبصرك وحياتك، وخلق كل شيء في الكون من أجلك، وطلب منك أن تطيعه؛ لأجلك أنت لا لأجله هو، حتى تكمل وتسعد في الدار الأولى والدار الثانية، وأنت تقول: لا، لا.. لا أعرفه.

    أرأيتم هبوط الكافرين والمشركين؟! دون البهائم، فالذين يرفضون عبادة الله مستواهم أحط من البهائم، والله تعالى ما قال: اعبدوا الجبار العظيم الذي بيده أرواحكم وأرزاقكم، والذي إن شاء أماتكم وأبادكم. ما نادى بهذا النداء، بل نادانا بما يمكن أن يعقله الرجل والمرأة والعربي والعجمي.

    اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أي: خالقكم، الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، وعلل فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] بذلك عذابه ونقمه، أي: اعبدوه لتحصلوا بتلك العبادة على النجاة مما تخافون، ومما تحزنون وتتألمون.

    لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، نتقي ماذا؟ عذاب الله، حتى لا نقع في فقر، ولا في فتنة، ولا في اضطراب، ولا في آلام، ولا في حروب، ولا ولا.. هذا في الدنيا، وعلَّنا نتقي أيضاً عذاب الدار الآخرة التي نرحل إليها تباعاً، واحداً بعد واحد، ومائة بعد مائة، والمصير واحد إلى دار البوار أو دار السلام.

    سبحان الله العظيم! ماذا يريد الله تعالى من العباد؟ يريد أن يكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة، وأسباب الكمال والسعادة في طاعته، طاعته فيما وضع من قوانين من شأنها أن تزكي النفس وتطهرها، وأن تهذب الأخلاق وترفعها، وأن تحسن الآداب وتسمو بها، فينتهي الظلم والشر والخبث والفساد، فيعيشون على سطح الأرض كالملائكة في السماء، قالوا: لا، الشيطان ما يريد.

    إثبات ربوبية الله على العباد وتفضله عليهم

    زاد الله الأمر بياناً فقال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، إذا ما عرفتم الله بخلقه لكم، وخلق من قبلكم انظر .. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، مبسوطة: تبني، تنام، تحرث، أليس كذلك؟! وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22]، فوقكم، لو شاء لخرَّت من فوقكم، من يبقى؟ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65].

    لو تسقط الشمس فقط -والعياذ بالله- والله لا يبقى موجود على الأرض. لا يا شيخ! ما من شأنها أن تنزل، أن تسقط فقط، فلو نزلت عن مستواها لاحترق الكون، والشمس حرارتها معروفة والأبعاد ما تدركها بعقلك، ومع هذا لو تخرج عن فلكها وتنزل لاحترق كل شيء، ولو ارتفعت لتجمد كل شيء، فنحن نعيش بحرارة الشمس بفضل الله.

    الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة:22]، تكلمنا عن المطر الصناعي، وهل هناك مطر صناعي هذه الأيام في الصين أو في اليابان؟ قالوا: المطر الصناعي .. المطر الصناعي، وكتبت الجرائد والصحف: يتحدون بالمطر الصناعي، هل فعلاً حصل مطر صناعي؟ فرنسا عندما أصابها جدب في عام من الأعوام قالوا للمسلمين: صلوا وادعوا لنا الله عسى أن يمطرنا، وخرجنا وصلينا وأمطرهم الله.

    أين المطر الصناعي؟! فقط أنابيب مخروقة يخرج الماء منها، وقالوا: هذا المطر الصناعي.

    تدرون قبل ثلاثين .. أربعين سنة لما بدءوا يفكرون في قضية الطلوع إلى القمر، أخذت صحف العرب تكتب: من يحجز من الآن؟ احجزوا منازل في القمر، وشطحوا ورقصوا. فأين الطلوع إلى القمر؟! وقبل أيام أعلن أنها مناورات وكذب، وتمثيليات في الجبال فقط، وقد سبقت إلى هذا الصين الشيوعية أيام قوتها وشدتها، فنشرت في مجلاتها أنها مؤامرة ضد البشرية تمت بين الدولتين العظيمتين: روسيا وأمريكا، لإذلال البشر وإخضاعهم، وكل ما قالوا باطل، والذي يعرضونه في التلفاز وشاشات السينما تمثيليات فقط. أما نحن فبكينا، وقلنا: يا رب!

    يا مسلمون! اخجلوا، لا تتبجحوا بانتصارات أعدائكم، فعدوك يحقق هذه الأهداف السامية العالية، وأنت تمدحه وتثني عليه، ما تستحي؟! أما الصين فما أخفت هذا عن شعبها ولم تذكره، بل قالت: باطل، ليبقى الشعب الصيني متماسكاً وقوي الروح، ويستطيع أن يقف في وجه روسيا أو أمريكا، ونحن أبقار هابطون نصفق لهم، وإذا قلت: ما طلعوا. قالوا: اسكت، أنت رجعي، وأنت كيف ما طلعوا؟! وهذا الحديث سمعتموه أو لا؟ أعدناه من ثلاثين سنة، أين الطلوع إلى القمر؟ آه.

    إذاً: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22]، رزقاً لمن؟ لله وملائكته! لا، لكم يا بني آدم، من ينزل الماء من السماء؟ كيف يتحول هذا الماء؟ كيف يتكون؟ كيف؟ دعنا من آثار تكوينه، نزل ماءً عذباً فراتاً، فإذا انقطع ماتت الأرض ومات أهلها، وهذا ما نعرفه، أنه ربنا وخالقنا، نقول: من هذا؟

    ربوبية الله تقتضي توحيده في عبادته وعدم الإشراك به

    قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، فبعد هذه المعرفة اليقينية يجوز أن تقول: يا ألله! ويا عيسى؟! أو يا رب ويا هبل؟ أو يا رب وسيدي عبد القادر ؟! يجوز أن تجعل مضاداً لله تضاده به؟! لا يصح أبداً إلا التوحيد: لا إله إلا الله، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا ولي من الصالحين، فضلاً عن الأوهام، وما عبد البشر إلا بأمر الشيطان وتزيينه، إذ عبدوا حتى الفروج.

    إذاً: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22]، تضادونه بها بأن تعبدوه، فمعه تدعونها، تستغيثون بها، تذبحون لها الذبائح، تنذرون لها النذور، تتمسحون بها، تعكفون عليها، تعلقونها في أعناقكم.

    واليوم أخبرني طالب وهو صادق، أن مسيحياً مصرياً مدسوساً هنا جاء للعمل، فضبطوه وفي عنقه سلسلة الصليب، فمسكوه وكسروا الصليب وتركوه، وهو لا ينفعه. وعيسى نفسه الذي وضع الصليب له والله لن يغني عنك من الله شيئاً، والصليب في عنقه مضادة لله ومحادة له، فماذا ينفع الصليب؟ ماذا ينفع عيسى، أو أمه، أو جبريل عليهم السلام؟ من يستحق أن يعبد؟ الله، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فالذي ما خلق، ولا أمر، ولا كوَّن كيف يعبد؟

    إذاً: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، نعم يعلمون، لو تسألوه عن هذا الصليب: هل يشفيك من مرضك؟ تترك العلاج؟ يقول: لا، لا يشفي، هذا الصليب يمثل عيسى، وعيسى عليه السلام أنت تقول: ذبحوه وقتلوه، فلو كان ينفع ويضر فكيف يصلبونه على أخشاب والناس يشاهدون؟ أين عقول النصارى؟! والله -سبحان الله العظيم- إذا تكلم البصير منهم يقول: عادات فقط جرى عليها الناس، الإله يذبح ويصلب! سبحان الله العظيم! والدليل على أنه صلب أنهم يعلقون الصليب؛ لأنه صورة عيسى لما قتل وصلب من قبل اليهود، يا سبحان الله! والقرآن يصرح بأن عيسى ما قتل ولا صلب، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، ونقول: لا. القرآن يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، لا لا لا.. هذا قرآن العرب.

    وتمضي الأيام وتتوالى القرون والأعوام ونسمع ونحن في الدرس أن بولس الثامن أعلن أن اليهود برآء من دم المسيح، أما سمعتم بهذا بولس ! والغريب أن بولس هذا اسم قس، ورئيس كنيسة، وبولس عندنا ماذا في جهنم؟ درك من دركات النار اسمه: بولس.

    بولس يقول: إن اليهود برآء من دم السيد المسيح، فلا تحملوا لهم أيها النصارى العداء والبغضاء، وما قال هذا إلا بالمال؛ لأن اليهود سيطروا على العالم في باب البنك والرصيد والمال، فأخضعوا أوروبا وأمريكا، وأخضعوا العرب والمسلمين. سمعتم بهذه؟

    قلنا: آمنا بالله، نحن من قبل نقول: عيسى حاشاه ما قتلوه وما صلبوه، بل رفعه الله إليه، وسينزل، وهم: لا لا لا.. قتلوه، هل استطاعوا أن ينزعوا الآن الصليب من أعناقهم؟ ما استطاعوا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ...)

    الآن مع قول ربنا: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23]، يخاطب الله تعالى البشرية كلها، وبخاصة الكافرين، والمشركين، والمنافقين، فيقول لهم: وَإِنْ كُنتُمْ [البقرة:23]، وبعد هذا النداء الذي وجهناه إليكم، والبيانات والبراهين التي لاحت في الآفاق بينكم بأنه لا إله إلا الله، فاعلموا أن محمداً رسول الله.

    يا من شهدوا أن لا إله إلا الله لما ظهر لهم من الآيات ولاح لهم في الآفاق من بينات، وعرفوا ألا يعبد إلا الله، فقالوا: لا إله إلا الله قولوا: محمد رسول الله.

    والبرهنة والتدبير على أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله اسمع! وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة:23]، والريب: الشك الذي معه اضطراب في النفس، وقلق وحيرة، فليس مجرد شك وصاحبه هادي النفس بل في قلق.

    وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، من عبده هذا؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الإضافة للتشريف: عبد الله، ومن منا يرقى إلى هذا المستوى، ويصبح حقاً عبد الله؟ تصبح عبداً لله مطيعاً له في حركاتك وسكناتك، وفي أفكارك، وميولك، وما تحمل من حياة، كل ذلك لله فأنت عبده إذا قال: قف. وقفت الدهر كله، وإذا قال: نم. نمت كذلك، ولا تصرف لك أبداً بل الكل لله. هذا العبد الذي استعبده بالخدمة، بالطاعة .. بالعمل المتواصل .. بترك كل شيء من أجل الله عز وجل.

    وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] من الآيات القرآنية التي حواها هذا الكتاب. ومن نزل هذا الكتاب؟ الله جل جلاله.

    فإن كنتم في ريب من تنزيل هذا الكتاب، أي: من كونه نزله الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ليقرر رسالته ونبوته، وليجيب طاعته والاتباع له فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، تفضلوا! الباب مفتوح، نعطيكم عاماً .. عامين .. ثلاثة .. ألف سنة، تفضلوا فأتوا بسورة من مثل محمد في أميته، وعدم قراءته وكتابته وعلمه، أو من مثل هذا القرآن الكريم، والقرآن حمال أوجه.

    والشاهد في الاثنين، فأتوا بسورة من مثل محمد صلى الله عليه وسلم وقد عاش أربعين سنة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ونزل عليه القرآن، وهو لا يفرق بين الألف والباء، ولا بين الهاء والواو.

    ولما بلغ الأربعين سنة نبئ، وهذه سنة الله في تنبئته وإرسال رسله، فعامتهم ينبئهم إذا بلغوا سن الرشد والكمال العقلي؛ لأن الفتوة والشباب يوجد فيها طيش للعبد؛ ما فيه ثبات ورصانة، ولكن إذا بلغ الأربعين اكتمل عقله ونماؤه، فسنة الله في هذا الباب ما نبأ ولا أرسل إلا من بلغ الأربعين، هذا في الغالب.

    فَأْتُوا بِسُورَةٍ [البقرة:23] من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، وتفضلوا!

    ووجه آخر: فَأْتُوا بِسُورَةٍ [البقرة:23] من مثل القرآن.

    وهذا التحدي الإلهي قائم إلى الآن، فهل استطاعت البشرية أنت تأتي برجل يقول: أوحي إلي القرآن وأنزل علي كتاب، وهذه سورة من سوره؟! ما استطاعوا.

    وهنا حقيقتان أو وجهان مشرقان:

    الأول: أن الله عز وجل صرف قلوب البشر عن محاولة الإتيان بسورة، ومن يقوى على صرف قلوب البشر إلا الله؟ أجيال، الجيل بعد الجيل، وما هناك من حاول أن يأتي بسورة من مثل القرآن، ومن يقدر على قلب القلوب وصرفها؟ ما هي من جيل ولا من أمة؟ ألف وأربعمائة سنة، وهو كذلك.

    ثانياً: القرآن المعجز بألفاظه .. بكلماته .. بجمله .. بمعانيه لا يستطيع أحد مهما أوتي من الفصاحة والبلاغة والبيان لن يستطيع أن يأتي بسورة من مثل القرآن.

    إذاً: هذا التحدي قائم وباقٍ إلى الآن، فهو وحده يشهد أن محمداً رسول الله، إن طولبت وطلب منك التدليل على نبوة محمد ورسالته أجيبوا بكل سهولة: أنزل الله عليه كتابه مائة وأربعة عشر سورة، وتحدى الله البشرية كلها أن تأتي بسورة من مثله فعجزت، فدل هذا يقيناً أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، وجاء قول الله عز وجل: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13]، وجاء أيضاً: فأتوا بمثل القرآن، فعجزوا إذ قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ [الإسراء:88] وتعاونوا وتضافروا، عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء:88]، من سورة الإسراء، قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، أي: معيناً ومساعداً، فالشياطين والجن فسقتهم وفجرتهم، والبشرية فجارهم وطغاتهم كلهم تعاونوا على أن يأتوا بمثل القرآن في هدايته وقضائه وأحكامه وشرائعه وبلاغته وبيانه فوالله ما استطاعوا، ومن هنا نزل تعالى وتحداهم بعشر فقط: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود:13]، ثم تحداهم بسورة واحدة من سورة يونس: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38]، وفي البقرة هذه الآية التي ندرسها: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، أي: من القرآن بأحكامه، وشرائعه، وآدابه، وقصصه، وأخباره، وأنبائه: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ [البقرة:23] الذين تعبدونهم، وتستغيثون بهم، وتستعينون بهم، وترجون شفاعتهم فليتفضلوا ليعينوكم، ويقفوا إلى جنبكم، ويساعدوكم على إتيان سورة فقط من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، ويشهدوا لكم بأنكم على حق أيضاً، فعجزوا وما استطاعوا إلى اليوم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين)

    تصريح القرآن بعجز المنكرين له عن الإتيان بسورة من مثله

    قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، يفعلون ماذا؟ الإتيان بسورة من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، مستعينين بشهدائهم، بآلهتهم، بشركائهم، بمن يدعونهم، بمن يعولون عليهم من الإنس والجن، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، هذه (لن) الزمخشرية.

    وقد اختلف النحاة في (لن) هل نفيها مؤبد أو نفيها كنفي لا: لا تأكل .. لا تشرب، لن تأكل بعد اليوم ولن تشرب؟ فالجمهور على أنها مثل لا النافية، أما الزمخشري اللغوي البحر فيقول: (لن) هذه تدل على النفي المؤبد، فإذا أردت أن تحرم أخاك من شيء، تقول له: لن أعطيك بعد اليوم، فلا يطمع، أما إذا قلت له: لا أعطيك بعد اليوم. ممكن تتراجع وتعطيه، لكن إذا قلت: (لن) أبَّدت النفي، وهنا (لن) للتأبيد.

    وَلَنْ تَفْعَلُوا هل فعلوا؟ لا.

    وهنا دائماً أذكر الأبناء والإخوان والمؤمنات من باب التبيين والتوضيح، أقول: لو أن أمريكا أنتجت آلة من الآلات الصناعية، ثم أعلنت أنها تتحدى العالم الإنساني سبعين سنة، ومن بين ذلك أوروبا الصناعية، واليابان الصناعية، وروسيا الاتحادية، فإذا استطاعوا أن ينتجوا مثل هذه الآلة، وهل تفعل أمريكا هذا التحدي؟ لا تفعل، وإذا تحدت فإنها تفضح.

    وأقول كذلك: اليابان الصناعية الآن متفوقة، فهل تستطيع أن توجد شيئاً من الصناعات ولو إبريقاً من أباريق الماء أو الشاي وتقول: أتحدى العالم الإنساني لمدة خمسين سنة أن ينتجوا مثل هذا؟ ممكن يقع هذا؟!

    والجبار جل جلاله وعظم سلطانه يقول: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، إلى الأبد، هل فعلوا؟ ما فعلوا.

    لو اجتمع علماء اللغة والبيان والفصاحة والسحر والمنطق كلهم وقالوا: نجمع عقولنا وقلوبنا على أن نأتي بسورة، ونعلن عنها في الصحف وفي الجرائد وفي الكتب أنها كسور القرآن:

    أولاً: الله يصرفهم، والله ما يجتمعون على ذلك، أليست قلوبهم بيد الله فهو الذي يصرفهم!.

    ثانياً: لو أراد الله أن يتركهم يتخبطون ليفضحوا، وتنكشف عورتهم، والله ما أن يقدموه حتى يضحك منها النساء والرجال: هذا كلام الله؟ هذا يشبه كلام الله حتى ننسبه إلى الله عز وجل؟ وتتم الفضيحة الكبرى.

    هذا معنى قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24].

    كيفية اتقاء النار

    إذاً: ماذا تنتظرون؟ ثبتت نبوة محمد، وتقررت رسالته، صح دينه. إذاً: فانجوا واطلبوا النجاة لأنفسكم: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، وما دمتم عجزتم، وعرفتم ضعفكم وعجزكم، ولاحت أنوار الكمال المحمدي وأنه رسول الله، وأن هذا وحي الله وكتابه، فأنقذوا أنفسكم من النار.

    إذاً: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا [البقرة:24]، أي: ما تتقد به وتشتعل، ليس فحماً، ولا حطباً، ولا بنزيناً، ولا غازات، بل وقودها أجسام الكفرة والكافرات، والمشركين والمشركات، العظام واللحوم، ومادة أخرى هي حجر من سجين، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، وهذا النوع من الحجارة ما رأيناه، ولكن البشر رأيناهم، فما هناك حطب، ولا خشب، ولا غازات، ولا.. هذا العالم المشتعل يشتعل بأجسام البشر وبالحجارة التي كانت آلهة وأصناماً يعبدها المشركون، وهذه الحجارة هي أصنام المشركين التي نصبوها حول بيوتهم وفي المنعطفات يعكفون عليها ويأتونها، ويتقربون إلى الله بالتمسح بها، والعكوف حولها.

    ومن الأمثال اللطيفة، أن العرب في جاهليتهم لما جاءهم عمرو بن لحي بالأصنام من الشام، الذي رآه الرسول في النار لما كشفت له وشاهدها، فوجده يجر قصبه في جهنم، فـعمرو بن لحي لما جاء بالأصنام انتشرت، وأصبح كل منعطف، كل حي في المدن، يجعلون تمثالاً، وإذا بأحد الأعراب ذهب إلى صنمه ليزوره ويستشفع به ويتبرك به، فلما دنا منه وجد ثعلباً قد رفع رجله ووضعها على كتفه ويبول عليه، كعادة الذئاب والكلاب عندما يبول أحدها يرفع رجله على شيء مرتفع، فنظر إليه ثم قال:

    أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب

    واعتزله حتى مات، وتخلى عنه. ففطرته اقتضت هذا، كيف أن ربي آتيه لأعبده والثعلب يبول على رأسه، وما يدفعه ولا يقتله؟!

    ووا أسفاه، ووا حسرتاه!! فقد وقع آباؤنا وأجدادنا من القرن الثامن أو السابع في مثل هذه العمياء فعبدوا قباب الصالحين وقبورهم، وتقربوا إليها أكثر مما يتقربون إلى الله، فيحلفون بها، ويستغيثون بها، ويجعلون البقر والغنم لها، ويجعلون الأشجار لها، وهكذا مثل ما كان المشركون، ولا لوم ولا عتاب؛ لأن نور القرآن صُرف عنهم، فعاشوا في ظلام.

    وأنتم الآن ترون شيخاً يدرسكم القرآن أو لا؟ هذا كان مستحيلاً، يقولون: كيف يتكلم في كلام الله؟ ممنوع، لم؟ يقولون: القرآن فيه الناسخ والمنسوخ، فيه مجمل ومفصل، فيكفينا كتب الفقه، لا نتورط ونكذب على الله، فأصبح من يقول: قال الله؛ يرمى بالحجارة، فصرفوا أمة الإسلام عن القرآن.

    إذا ذهب القرآن بنوره أسألكم بالله: من أين تأتي الهداية؟ كيف يعرفون التوحيد؟! هذا هو السر.

    الحمد لله الآن، ولا ندري لو كنا في بلد آخر يسمحون لنا أو لا؟ الآن الحمد لله من نيف وأربعين سنة ندرس كلام الله في بيت الله ومسجد رسوله.

    والشاهد عندنا في أن ظلام الجهل هو الذي أوقعهم في عبادة غير الله عز وجل يستشفعون بغير الله.

    وقوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، والسؤال معاشر الأبناء: بم نتقي النار؟ كنا نقول بالأمس: بم نتقي الله أو لا؟ وبم نتقي الحر أسألكم بالله؟ بالمكيفات والشمسيات أو لا؟ وبم نتقي البرد؟ وبم نتقي الجوع؟ لكل ما نخاف منه له ما يتقى به أو لا؟ فالنار بم تتقى؟

    إن عرفنا بم يتقى الله عرفنا بم تتقى النار، وإذا اتقينا الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمرا باعتقاده وقوله وعمله، وفيما نهيا عن اعتقاده وقوله وفعله، فذاك الذي نتقي به النار؛ لأننا إذا اتقينا الله وبعُد غضبه عنا وعذابه اتقينا النار، لكن من باب التوضيح ومن باب البيان: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، فلا تشتعل بمادة غير أصنام المشركين وآلهتهم التي عبدوها ثم بأجسامهم الضخمة في تلك النار أو ذلك العالم.

    إعداد النار للكافرين برب العالمين

    هذه النار أُعِدَّتْ [البقرة:24]، الإعداد للشيء إذا كان ذا قيمة، تقول: أعددنا لكم عشاء، معناه تعبنا وهيأنا، كذا أو لا؟ أعددنا للحرب عدتها، أعدت وهيئت بعناية خاصة.

    لمن أعدت النار؟ للكافرين، للكافرين بيض أو حمر، سود أو سمر. من هم الكافرون؟ إنهم الذين أنكروا وجود الله، وقالوا: الحياة مادة، وهؤلاء كفار جدد ما مضى عليهم أكثر من مائة وخمسين سنة، وهم البلاشفة الحمر الروس، وهؤلاء لم يسبقهم من كفر كفرهم قط في البشرية، بل البشرية موحدوهم ومشركوهم، مؤمنوهم وكافروهم يؤمنون بوجود الله الخلاق العليم، الذي يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، ولكن أهل الشرك يتوسلون إليه بعبادة غيره، تلك العبادة التي زينها العدو لهم فعبدوها من أجل الله، واقرءوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

    ويدلك لذلك أن أبا سفيان يحلف بالله، وأبا جهل يقسم بالله عز وجل، ويحج بيته، فهم مؤمنون بوجود الله، وأما هذا الكفر فجديد، وقد تغير بعدما انهزمت الشيوعية وتحطمت فلبسوا بدلة جديدة وهي العلمانية؛ ليسلبوا عقول البشر، وليتغنوا بالعلم، فيرفضون كل شيء إلا العلم، وهم ما يسمون بالعلمانيين.

    هل عرفتم الآن العلمانيين؟ ما استطاعوا أن يقولوا: لا إله والحياة مادة. فشلت هذه النظرية. إذاً: كيف يختبئون؟ تستروا بالعلم، فلو رفعت يديك بالدعاء قيل لك: قم اشتغل واسترزق، ولا ترفع يديك إلى السماء، بل اعمل وتعلم العلم.

    ومن هو الذي وضع هذا المبدأ البلشفي؟ والله إنهم اليهود، ولا عجب، فهم الذين وضعوا هذه من أجل التعجيل بتدمير البشرية والقضاء عليها لتصبح حيوانات يركبون منها ما شاءوا، ويأكلون ويذبحون ما شاءوا، وترتفع راية بني إسرائيل، ومملكة بني إسرائيل، فكل العظائم من السحر ومن موبقات الجرائم من وضعهم، وهم السر في ذلك، لو يسمعون كلامي هذا تأخذهم الحمى، ونحن ما يأخذنا شيء.

    وأخيراً: ما قلت لكم منذ أيام أنهم عرفوا أن هذه الدولة القرآنية لا تسقط ولا تزول إلا إذا عم أفرادها الخبث، وغطاها الفسق والفجور بالله العظيم، ومددنا أعناقنا كالأبقار، وما بكينا ولا اطرحنا بين أيدي ربنا، واستجبنا لهم ونحن لا نشعر، فهم يعملون على نشر الإلحاد والفسق والفجور؛ حتى تزول هذه العقبة من بين أيديهم، وهذه هي المانعة، عرفوا هذا أو لا؟ فهيا نقارن معرفتهم بأن نستقيم، لا نأكل إلا الحلال، ولا ننطق إلا بالحق، ولا نسكت إلا على الحق، وهكذا طهر وصفاء، ولو يجمعون الجن كلهم بسحرهم ما يؤثرون علينا، ولا يطفئون هذا النور الذي نعيش عليه، لكن عرفوا وما عرفنا، نشروا أفلام الدعارة والفجور بأنواعها، والسحر بضروبه، والآن في المدينة سحرة فكل يوم يكتشفون ساحراً.

    واسمع الآن، يقول لي طالب: في المدرسة أساتذة يقررون أن كشف الوجه ليس بحرام، بدليل القرآن والسنة، المرأة تكشف عن وجهها وكفيها. يا هؤلاء! أنسيتم قول ربنا: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60] أية ثياب يضعونها؟ تنزع ثيابها وتخرج حمراء؟ هذا مقصود الله؟ أعوذ بالله! ما الذي تنزعه؟ تنزع ما كانت تغطي به وجهها وعنقها ويديها، ومع هذا يقول الله: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] تبقى كالبنت، عمرها مائة وعشرون سنة وهي تخرج كالكتلة في ثيابها السوداء، لا تعرف كبيرة هي أو صغيرة.

    ولولا هذه الصيحات لفعلوا ما فعلوا، وبدأ الحجاب من عشرين سنة يزول في جامعة جدة، لكن بكى العلماء وبكى المسلمون وأدبوهم، الآن بدءوا يرددون -أيضاً- عن كشف الوجه، وهل ترضى أن تخرج امرأتك كاشفة وتضحك في الشوارع يا ديوث؟ يرضى بهذا مؤمن أو عاقل؟! حتى ولو كانت رمصاء، عمشاء، عمياء ما تريد أن تفضح بين الناس.

    إن نساء المؤمنين مستورات في الخيام مقصورات حتى في الجنة، فكيف نرضى بأن تصبح المرأة كاشفة عن وجهها ثم عن عنقها أيضاً، وكفيها وهي تلوح في الشوارع؟ أعوذ بالله.

    ثم لما بدأ دعاة السفور؛ عملاء اليهود في العالم الإسلامي، هل انتهى السفور فقط إلى الوجه؟ نزل إلى الفخذين والركبتين والساعدين، ودمج النساء مع الرجال في كل الأعمال والوظائف حتى أصبحوا كاليهود والنصارى.

    وهؤلاء في المدرسة لا يستحون أن يقولوا: الكشف ليس في الوجه والكفين، إذا كان فقط الكف والوجه مكشوفان إذاً ماذا بقي؟

    أنا أقول لهم: انظروا، أنا مستور أو مكشوف؟ انظروا إليّ، هل هناك غير وجهي وكفي؟ هذا هو الحجاب، إذاً السعوديون كلهم متحجبون، هذا فهم وذوق الذي يقصر الحجاب على الوجه والكفين.

    والشاهد عندنا: هذه أصابع الماسونية اليهودية لعنها الله عز وجل وقطع دابرها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755898463