إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. حسن أبو الأشبال الزهيري
  5. شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي
  6. شرح أصول اعتقاد أهل السنة - عقيدة الإمام الأوزاعي وابن عيينة وابن حنبل

شرح أصول اعتقاد أهل السنة - عقيدة الإمام الأوزاعي وابن عيينة وابن حنبلللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تناول الإمام اللالكائي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) اعتقاد عدد من أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ومن هؤلاء الأئمة: الإمام الأوزاعي، والإمام ابن عيينة، والإمام أحمد بن حنبل، فبين اعتقادهم في كثير من مسائل العقيدة، خاصة المسائل التي لا يسع المسلم الجهل بها.

    1.   

    اعتقاد الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد: ففي الدرس الماضي تكلمنا عن عقيدة الإمام العظيم سفيان الثوري ، وتكلمنا عن ذلك في سبع مسائل: القرآن كلام الله غير مخلوق، تكلمنا عن الإيمان، قول وعمل ونية، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تكلمنا عن اتباع السنن، ومعنى السنن في مسائل العقيدة: هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ثم تكلمنا عن عدم القطع لأحد بالشهادة، وبينا أن هذا يستلزم القطع له بدخول الجنة، وهذا لا يجوز لأحد إلا ما ورد بالنصوص، ثم تكلمنا عن جواز المسح على الخفين مخالفة للشيعة، وتكلمنا عن الإيمان بالقدر، وتكلمنا عن جواز الصلاة خلف كل بر وفاجر، وعلى كل بر وفاجر، فهذه هي النقاط الأساسية التي وردت في عقيدة الإمام العظيم سفيان الثوري.

    وسنشرع الآن في عقيدة الإمام أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الشامي، وهو إمام أهل الشام بلا منازع. قال أبو إسحاق: [ سألت الأوزاعي فقال: اصبر نفسك على السنة ]. أي: وطن نفسك على التزام السنة، وإن وجدت في ذلك المشاق. قال: [ وقف حيث وقف القوم ]. أي: كل ما وقف فيه السلف ينبغي علينا أن نقف عنده، وكل ما تكلموا فيه لنا أن نتكلم فيه، وما تورعوا عنه فإن الورع يلزمنا أكثر مما يلزمهم. [ وقل بما قالوا ]. وخاصة في باب العقائد، وفي أسماء الله وصفاته، فإنهم آمنوا بها كما جاءت، وأمروها من غير خوض فيها. [ وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم ].

    قال: [ وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدعة ]. أي: بدعة خلق القرآن. هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ وهذا الكلام إنما نشأ في العراق كما قلنا، وقوله: (وقد كان أهل الشام) باعتباره إماماً لهم. قال: [ حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ]، كما أخذ عمرو بن لحي الأصنام من الشام وأدخلها مكة وقال: اعبدوها؛ لأنه ما من ساقطة في الأرض إلا ولها لاقطة، وكذلك ما من بدعة -وإن كانت كفراً- إلا ولها رواد وأنصار وأتباع.

    قال: [ حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممن دخل في تلك البدعة بعدما ردها عليهم فقهاؤهم وعلماؤهم ]. أي: بعد ما رد فقهاء وعلماء العراق هذه البدعة، ولم يكن لها رواج، وفضح أمر المعتزلة في بلاد العراق، ولما فضحوا وظهر عوارهم، وفساد منهجهم وفكرهم في أسماء الله وصفاته أخذ بعض شياطين الإنس هذه البدعة المفتراة الضالة من العراق وأدخلوها إلى بلاد الشام، فلا بد وأن تجد لها في بلاد الشام أنصاراً وأعواناً.

    قال: [ فأشربها قلوب طوائف من أهل الشام، واستحلتها ألسنتهم، وأصابهم ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيه ]. أي: أن نفس الفتنة التي وجدت في العراق قد انتقلت إلى الشام، ونفس الضلال الذي وقع فيه عامة أهل العراق هو نفس الضلال الذي انتقل إلى بلاد الشام.

    قال الإمام الأوزاعي: [ ولست بايس أن يرفع الله شر هذه البدعة حتى يصيروا إخواناً ] متوادين كما كانوا قبل أن تدخل عليهم تلك البدعة.

    قال: [ ولو كان هذا خيراً -كأنه ينصح أهل الشام- ما خصصتهم به دون أسلافكم ]. أي: ليس معقولاً أن هذا الخير العظيم يخزنه الله سبحانه وتعالى عن نبيه وعن صحابة رسوله ثم أنا أطلعكم عليه! إن هذا لا يعقل.

    قال: [ فإنه لم يدخر عنهم خيراً خبئ لكم دونهم لفضل عندكم -أي: أنتم لستم بأفضل منهم حتى يخصكم بنعمه حرمهم منها سبحانه وتعالى- وهم أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم وبعثه فيهم، ووصفه بما وصفهم به فقال سبحانه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [الفتح:29] ].

    فهذا ملخص عقيدة الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى، وقد تكلم في قضايا معينة، ولذا ليس بلازم إذا سئل الإمام عن عقيدته أن يسرد جميع مسائل العقيدة، بل يذكر المسائل التي ينبني عليها العمل، أو التي تموج بها البلاد، أو التي ظهرت بها الفتنة، كالمسائل التي كانت غائبة عن أهل الشام ودخلت إليهم من قبل أهل العراق، فبين لهم الأوزاعي أنهم على الجادة في كل شيء، إلا في هذه المسألة، فإنهم قد خرجوا عن الهدى وعن الصراط المستقيم.

    1.   

    اعتقاد الإمام ابن عيينة رحمه الله تعالى

    سفيان بن عيينة الإمام الكبير، مولده كوفي، لكنه تحول بعد ذلك واستقر في مكة، وهو وسفيان الثوري فرسي رهان، وعليهما مدار السنة، وهما من شيوخ الإسلام والأئمة العظام، فإذا كان في إسناد أحد السفيانين والإسناد إليه ثقة أو ثقات فدونك هو.

    قال: [ قال بكر بن الفرج أبو العلاء: سمعت سفيان بن عيينة يقول: السنة عشر مراتب فمن كن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك شيئاً منها فقد ترك السنة: إثبات القدر ]. وأنتم تعلمون أن فرقة بأسرها خرجت عن حد الاعتدال والسنة بسبب قولها في القدر، فأنكرت القدر، وأنكرت علم الله تبارك وتعالى، وأنكرت الكتابة.

    قال: [ وتقديم أبي بكر وعمر ]. أي: على سائر الأمة بمن فيهم عثمان وعلي رضي الله عنهما، بينما الشيعة قدموا علياً على أبي بكر وعمر ، وقالوا: بأنه أولى بالخلافة منهما، ولذلك فالشيعة ليسوا من أهل السنة، فمنهم من هو من أهل القبلة، ومنهم من هو خارج لا له في القبلة ولا في غيرها.

    وقد قلنا في الدرس الماضي: إن الخلاف وقع بين بعض علماء السنة في التفاضل بين عثمان وعلي. وأقول: في التفاضل لا في الخلافة؛ لأن أهل السنة قاطبة مجمعون على أن الخلافة على الترتيب المعهود لدينا: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، لكن وقع التفاضل بين الإمامين عثمان وعلي ، فمنهم من قال: علي أفضل من عثمان ، وجمهور أهل السنة: على أن عثمان أفضل من علي ، كما استقر رأي جمهور أهل السنة على أن المفاضلة بين الأئمة الأربعة هي على نفس ترتيب الخلافة.

    قال: [والحوض]، وللنبي عليه الصلاة والسلام حوضاً طوله كعرضه، ومسيرته مسيرة شهر، وكأن ابن عيينة رحمه الله تعالى أراد أن يؤكد على مسائل الغيب.

    ثم قال: [والشفاعة]. أي الشفاعة بجميع أنواعها؛ لأن الله تبارك وتعالى يأمر بإخراج من كان في قلبه مثقال ذرة من خير من النار. وقيل: من إيمان. فيأمر الله تبارك وتعالى بهم أن يخرجوا من النار بعد أن امتحشوا فيها. أي: بعد أن حرقوا فيها بالنار فصاروا حمماً وفحماً، فيؤمر بهم فيلقون في نهر الحياة على باب الجنة، فينبتون في هذا النهر كما تنبت الحبة في حميل السيل، وذلك كما إذا ألقى شخص حبة في ذلك الزبد الذي يطوف على سطح الماء، لكن بجوار الشط، فإنها تنبت صفراء ملتوية، وهؤلاء من أهل المعاصي، أما الكافر فإنه مخلد في النار أبد الآبدين، ولا يخرج منها قط، والنار لا تفنى ولا تبيد.

    وهناك شفاعات أخرى غير شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام، ومنها: شفاعة أهل الإيمان، وشفاعة الملائكة، وشفاعة الولدان الذين لم يبلغوا الحلم ولم يجر عليهم القلم، وغير ذلك من أنواع الشفاعات، فـسفيان بن عيينة جعل الإيمان بإثبات الشفاعة، وأنها حاصلة يوم القيامة، وهي من علامات استقامتك على السنة.

    قال: [والميزان، والصراط، وأن الإيمان قول وعمل، والقرآن كلام الله، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشهادة لأحد من المسلمين].

    1.   

    اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى

    أصول السنة عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى

    أصول اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل طويلة وعظيمة، ولا تخرج عن أصول من ذكرنا، لكنها تطول، فقد سأل عبدوس بن مالك العطار -وهو من تلاميذ أحمد المقربين- الإمام أحمد عن السنة فقال كلاماً عظيماً جداً، ألا وهو: [ أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ]، فهو رحمه الله تعالى لم يذكر فرعيات العقيدة، وإنما ذكر كليات وأصول في العقيدة. قال: [ أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم -لأنهم الأسوة والقدوة- وترك البدع وكل بدعة ضلالة، وترك الخصومات ]. أي: ترك الخصومات والجدال في الدين؛ لأن هذا ليس من علامات أهل السنة، وإنما هو من خصال ومزايا وصفات أهل البدع. قال: (والجلوس -أي: وترك الجلوس- مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين) ].

    عقيدة أحمد بن حنبل في السنة

    قال: [ والسنة عندنا: آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ]، أي: إذا كانت أصول السنة عند الإمام أحمد هي التمسك بما كان عليه النبي وأصحابه، فما هو الذي كان عليه النبي وأصحابه؟ إنها الآثار التي وردت إلينا بالأسانيد الصحيحة.

    عقيدة ابن حنبل في تفسير القرآن

    قال: [ والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن ]. ولذلك أعظم التفاسير: أن يفسر القرآن بالقرآن والسنة، ومن الأخطاء الشائعة: أن يقول بعض الناس: أعظم التفسير: أن يفسر القرآن بالقرآن، ثم يقول: أو يفسر القرآن بالسنة، فيجعل السنة في مرتبة متأخرة عن القرآن، وهذا خطأ، ولذلك حكم أهل العلم من المحدثين كـالبخاري رحمه الله على حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن بأنه حديث منكر من جهة المتن، أما سنده فإنه ضعيف؛ لأن أصحاب معاذ الذين رووا عنه هذا الحديث ضعفاء، ونكارته من جهة أنه جعل ترتيبة للاجتهاد: القرآن، فإن لم يجد الحكم في القرآن انتقل إلى السنة، وكأنه يريد أن يقول: إنه لا حاجة لنا إلى السنة ما دامت بغيتنا موجودة في القرآن، وهذا كلام خطأ بلا شك. والصحيح: أن تعتقد أن السنة لزيمة للقرآن، وقرينة له في الاحتجاج والإيمان، فلا يجوز أبداً أن نؤخر السنة عن القرآن. نعم يجوز لنا أن نؤخر الرأي، بل يجب علينا أن نؤخر الرأي إذا كان مع السنة، ولذلك المقطع الثاني من الحديث ربما يكون منضبطاً، قال: (فإن لم تجد في السنة؟ قال: اجتهد رأيي ولا آلو). فالسنة مقدمة على الرأي بلا شك، لكن هل القرآن يقدم عليها؟

    الجواب: لا. لأنهما متلازمان، فلا يجوز تقديم أحدهما على الآخر، وإلا لو قدم القرآن لزم أن نرد السنة، ولو قدمنا السنة لزمنا أن نرد القرآن. إذاً: أعظم التفسير وأحسنه: أن يفسر القرآن بالقرآن والسنة في وقت واحد.

    عقيدة ابن حنبل في ضرب الأمثال بالسنة

    قال: [ وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال ]. أي: إذا أخبرتك بحديث فلا تقل لي: لكن المثل يقول كذا! طيب ما هو رأيك لو عملنا كذا! طيب العقل يقول كذا! والكتاب يقول كذا! أبداً هذا كلام لا يجوز أبداً لمسلم أن يتفوه به في مقابل السنة الصحيحة، وهي لا تدرك بالعقول ولا الأهواء، ولكن بالاتباع وترك الهوى.

    فلو أننا -مثلاً- نظرنا إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر). وعرضنا هذا النص على العقل فإنه لا يقبله.

    والحوض الذي طوله مثل عرضه، ومسيرته مسيرة شهر، لا يقبله العقل كذلك، ومسائل كثيرة جداً من أمور الغيب، لو عرضناها على العقل فإنه لا يقبلها، كعذاب القبر، ومشاهد يوم القيامة، والجنة والنار، وغيرها من المغيبات، ولذلك لو كان الدين بالعقل لرددناها، والعرض على العقول ليس منهجاً لأهل السنة، وإنما هو منهج المعتزلة، ولذلك جعلوا العقل هو الميزان الأعظم الذي توزن به الأعمال، بل أقول: الذي توزن به النصوص، فإذا وافق النص بعد عرضه على العقل العقل أخذوا به وقالوا به؛ لأنه يدخل في حد عقولهم، وإذا خالف النص العقل ردوه، أو أولوه تأويلاً يتناسب مع العقل، أما أهل السنة فإن ظهرت لهم الحكمة من كلام الله ومن كلام رسوله فخير ونعمة، وإن لم تظهر لهم آمنوا به وسلموا دون نزاع وجدال وخصومات.

    عقيدة ابن حنبل في الإيمان بالقدر

    قال: [ ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه ]، أي: التصديق بالأحاديث التي وردت إلينا بالسند الصحيح في إثبات القدر لله عز وجل، قال: [ والإيمان بها لا يقال: لم؟ ولا كيف؟ ] أي: لم قال الله كذا؟ وكيف قال الله كذا؟ ولذا لابد أن تؤمن بالقدر، وأن تسلم لله عز وجل بأقداره المؤلمة وغيرها دون أن تقول: لم كذا؟ وكيف كذا؟ قال: [ إنما هو التصديق بها والإيمان بها ].

    قال: [ ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به، والتسليم له، مثل حديث الصادق المصدوق ]، وهو حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثني النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق؛ لأن الأمر أكبر من عقل ابن مسعود ، فأراد أن يقول لك ابن مسعود : أنا صدقت النبي عليه الصلاة والسلام في هذا وإن كان فوق حد عقلي، فقدم أنه مصدق بهذا الكلام؛ لأنه صادر عن الصادق صلى الله عليه وسلم، أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفه)، إلى آخر الحديث.

    ثم قال: [ وما كان مثله في القدر ].

    عقيدة ابن حنبل في الرؤية

    قال: [ ومثل أحاديث الرؤية كلها، وإن نبت عن الأسماع، واستوحش منها المستمع ]. أي: أنه حين يعرض هذه المسائل على العقل فيقول: أنا أنظر إلى الله! كيف ذلك؟! وأين ربنا؟ وما أوصافه؟ فإنه ربما قد ينحرف ويضل، لذا يجب أن يؤمن بأنه سوف يرى الله عز وجل بعيني رأسه، أما كيفية الرؤيا فلا يعلمها إلا الله عز وجل؛ لأنك لو رأيت الله تبارك وتعالى وأنت على حالتك البشرية الآن لخررت ميتاً، لذا فالله تبارك وتعالى يعطيك يوم القيامة مؤهلات معينة تؤذن وتسمح لك بالنظر إلى وجه الله الكريم، وهذه المؤهلات لا نعرفها أبداً، لكننا نؤمن بها ونسلم بها، وعليه فالمسألة إذا أتت في كتاب الله أو في سنة النبي عليه الصلاة والسلام أكبر من العقل فليس للمسلم غير التسليم والتصديق، قال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51]، وهذا شعار ومبدأ ينبغي أن يكون منهجنا ومسلكنا في ديننا على جهة الخصوص.

    قال: [ ومثل أحاديث الرؤية كلها، وإن نبت عن الأسماع، واستوحش منها المستمع -أي: استنكرها واستغربها- فإنما عليه الإيمان بها، وألا يرد منها جزءاً واحداً ولا حرفاً واحداً، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات ].

    عقيدة ابن حنبل في الجدل والخصومة

    قال: [ لا يخاصم أحداً ولا يناظره، ولا يتعلم الجدل، فإن الكلام في القدر والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه، ولا يكون صاحبه -وإن أصاب بكلامه السنة- من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم ].

    قد قلنا سابقاً: إن من الخطورة بمكان أن تخاصم وأن تجادل في دين الله عز وجل، وخاصة إذا لم تكن من أهل العلم، وأن أصحاب الخصومات هم أصحاب الأهواء، وكلما أتى واحد بهوى هو أعظم من هواهم تركوا هواهم لهواه، وكلما أتى بحجة هي أعظم من حجتهم تركوا ما كانوا عليه لحجته القوية، فهم كل يوم في تقلب، وكل يوم في بدعة جديدة، وكل يوم في هوى جديد؛ لأنهم لا يسيرون على الأصول الثابتة التي جاءت من عند الله عز وجل، ومن عند رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد أتى رجل من الخوارج وقال لـابن عباس : الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم. وكأنه يريد أن يوقع بـابن عباس ، لكن هذا الحبر والبحر قال: كل هوى ضلالة. أي: أن المسألة ليست بالهوى، بل بالاتباع والاقتداء.

    عقيدة ابن حنبل في القرآن الكريم

    قال: [ ويؤمن بالآثار، والقرآن، وأنه كلام الله وليس بمخلوق، ولا تضعف أن تقول: ليس بمخلوق ]؛ لأن الوقوع فيها كفر، وذلك إذا وقعت فيها عالماً بخطورتها، غير مكره ولا مجبر عليها، أما إذا كان الأمر غير ذلك فإنك إن شاء الله تعالى معذور. ومن العجيب أن مسألة خلق القرآن هذه لا يوجد له ظل، والأمراء والسلاطين والحكام في وادي آخر ليس لهم علاقة بالقرآن ولا بالسنة، والقضية لا تعنيهم، بل لا يعرفها كثير من أهل العلم والدعاة والمشايخ، فلا يعرفون ما معنى القرآن كلام الله غير مخلوق، ولو سألت أحدهم فقلت له: القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ لقال لك: القرآن مخلوق؛ لأنه إذا لم يكن مخلوقاً فماذا سيكون؟ على الرغم أنه شيخ كبير جداً. ونحن نرى بعض الناس إذا حلف على شيء وضع يده على القرآن وقال: ورب هذا القرآن -ثلاث مرات- فإذا كان الله تبارك وتعالى هو رب هذا القرآن فيلزم من ذلك أن يكون القرآن مربوباً -أي: مخلوقاً- ومن هنا فكأنه يقول: إن القرآن مخلوق؛ لأنه لا يعرف شيئاً، فهو حلف على المصحف ولم يدر ما تبعة ذلك.

    قال: [ ولا تضعف أن تقول: ليس بمخلوق، فإن كلام الله منه -أي: منه بدأ- وليس منه شيء مخلوق، وإياك ومناظرة من أحدث فيه ]. أي: من قال: بأنه مخلوق، فلا تجادله ولا تخاصمه، والعجيب أنك قد تجد نصرانياً في الشارع فتسأله: هل عيسى ابن الله؟ فيرد عليك مغضباً: يا شيخ! إن أردت أن تسأل عن شيء في الدين فاذهب إلى الكنيسة واسأل الأسقف، أما أنا فلا تسألني عن شيء من الدين، ويهرب منك، بينما الواحد منا لا يعرف أي شيء، بل لا يعرف أن يتوضأ وأن يصلي، ويقول: أعرضوا علي ما عندكم، فو الله ما تسألوني عن شيء من أمر الدنيا والدين إلى قيام الساعة إلا وسأفتيكم فيه قبل أن أقوم من مقامي هذا!

    قال: [ وإياك ومناظرة من أحدث في القرآن، ومن قال باللفظ وغيره ]. هذه مسألة فرعية، وقد ظهرت في العراق كما ظهر أصل الاعتزال في بلاد العراق، وذلك لما تعرضوا لمسألة القرآن: أهو مخلوق أم غير مخلوق؟ فماجت البلاد بهذه الفتنة، واختبر بها العباد وخاصة أهل العلم، كالإمام البخاري عليه رحمة الله تعالى، وذلك لما خرج من بخارى ودخل العراق، فقال أهلها: سوف نختبر البخاري : هل القرآن مخلوق أم لا؟ فسألوه ذلك بدل أن يستفيدوا منه، ولو أجاب عليهم: بأن القرآن مخلوق، فإنه سيكون له أتباع وأعداء، ولو قال: إنه غير مخلوق، فإنه سيكون له أيضاً أتباع وأعداء، ففي كل الأحوال لا بد وأن تقوم الفتنة، فأجاب فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، ثم أتوا مرة أخرى للبخاري بعد أن سلموا له في الأولى، وقالوا له: ماذا تقول يا إمام في اللفظ؟ هذه بلوى جديدة، وما دام أنه نجح في الأولى فلا بد أن يقع في الثانية. فقال رحمه الله: لفظي بالقرآن مخلوق. فأحدثوا ضجة عظيمة، وانصرفوا في الشعاب والأودية يقولون: يقول البخاري : القرآن مخلوق، مع أنهم سألوه عن اللفظ ولم يسألوه عن القرآن، حتى طردوه من العراق، ثم دخل نيسابور، وكان أول ما دخل نيسابور قال محمد بن يحيى الذهلي : عليكم بهذا الرجل، فإنه لن يدخل في بلدكم أفضل منه، وليس هناك أعلى منه إسناداً، فخرجت نيسابور عن بكرة أبيها تستقبل البخاري حتى أدخلوه المدينة، ثم أخذ الناس في حضور مجلسه وترك مجلس إمامهم محمد بن يحيى الذهلي ، وقد كان من أعظم تلاميذ محمد بن يحيى الذهلي الإمام مسلم ، فقد أخذ يحضر عند الإمام البخاري ، وترك مجلس شيخه الذهلي ، ثم بعد مرور فترة من الزمن جاء الحسد والغيرة عند الذهلي ، فأخذ يفكر في إخراج البخاري من نيسابور، فكتب الذهلي رسالة وأرسلها إلى السلطان قال فيها: إن فلاناً قد فتن القوم، وإنه يقول: إن القرآن كلام الله ليس مخلوقاً؛ لأن الاعتزال كان ظاهراً، وكان هو دين السلطة في ذلك الوقت، فلما وشى به عند السلطان أمر البخاري أن يترك البلاد، فجهز متاعه وأدلج ليلاً، وفي اليوم الثاني حضر مسلم مجلس الذهلي، وامتلأ المجلس إلى آخره، لكن الإمام الذهلي أراد أنه يصفي حساباته مع البلد كلها خاصة الإمام مسلم ، فقال: من قال بقول البخاري في القرآن فليعتزل مجلسنا. فعرف الإمام مسلم أنه هو المقصود، والإمام مسلم في الحقيقة كان سريع الغضب حاد المزاج، فكان أول ما سمع هذه الكلمة من الذهلي وقف قائماً في وسط الطلاب، ووضع عمامته على كتفه وخرج من المجلس، ولما رجع إلى البيت برك بعيراً وحمله وقره مما كتبه عن الذهلي. ولك أن تتصور أن الإمام مسلم قد أخذ عن الذهلي ما يملي دفاتر تبلغ حمل بعير، وأمر الجمال أن يدفع هذه الكتب إلى الذهلي ، وأن مسلماً لا حاجة له فيها. ومع ذلك لم يرو مسلم عن البخاري. قال الذهبي : وإنما ذلك ينبئ عن حدة في مزاج مسلم ٍ.

    أما قضية اللفظ بالقرآن فنحن نقول: إن القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود، يتكلم ربنا كيف يشاء، بما يشاء، في أي وقت شاء، والصوت الذي نسمعه عند قراءة القرآن مخلوق، وتحريك اللسان والشفاه ونظر العينين إلى كتاب الله عز وجل، كل ذلك مخلوق.

    إذاً: صوتي ولفظي بالقرآن مخلوق، ولا علاقة له أبداً بذات القرآن، فذات القرآن هو كلام الله، أما تعاملي مع القرآن قراءة ونظراً وتدبراً، فهذا مخلوق لله عز وجل، ولا بأس أن تقول: لفظي بالقرآن مخلوق. أما القرآن نفسه فليس مخلوقاً؛ لأنه كلام الله منه بدأ وإليه يعود.

    عقيدة ابن حنبل في رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لربه ليلة المعراج

    قال: [ ومن وقف فيه فقال: لا أدري أمخلوق أو ليس بمخلوق؟ فإنما هو كلام الله وليس بمخلوق ].

    قال: [ والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام من الأحاديث الصحاح وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه، وأنه مأثور عن رسول الله عليه الصلاة والسلام صحيح ]. لا شك أن رؤية الله تبارك وتعالى محالة في الدنيا على العموم والإطلاق، أما رؤية النبي خاصة لربه فالمقطوع به: أنه عليه الصلاة والسلام رأى ربه في المنام، وقد روي ذلك في مسند أحمد من حديث اختصام الملأ الأعلى، أما رؤيته لربه في الدنيا بعيني رأسه فهي محل خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الخلاف لا يبدع به المخالف؛ لأننا لم ندر من المخالف، فمنهم من يقول: إنه رآه بفؤاده. ومنهم من يقول: إنه رآه بعيني رأسه، وعائشة رضي الله عنها تقول: من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. والنبي عليه الصلاة والسلام لما سئل هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه؟). أي: نوراً كيف أراه؟ كما وردت آثار بإثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم -في حديث ابن عباس - لربه في ليلة المعراج، فمن الصحابة من أجرى هذا النص على ظاهره وقال: إن النبي قد رأى ربه عياناً. أي: رآه بعيني رأسه. وجمهور أهل السنة ينفون هذه الرؤية بعين الرأس، ويثبتونها بالفؤاد والقلب، ويؤولون رؤيته عليه الصلاة والسلام لربه في ليلة المعراج بأنها رؤية الفؤاد لا رؤية العين.

    وأما الرؤية لله عز وجل يوم القيامة وفي الجنة فإنها تكون بعين الرأس، وذلك لكل من دخل الجنة، ولأهل الإيمان في الموقف وفي المحشر، ويحجب عن ذلك الكفار، فلا يرون الله عز وجل.

    قال: [ رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس. ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ، ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس . والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره، ولا تناظر فيه أحداً ].

    عقيدة ابن حنبل في الميزان

    قال: [ والإيمان بالميزان، كما جاء: (يوزن العبد يوم القيامة) ]. والرواية الصحيحة: (يزن الله تبارك وتعالى العبد يوم القيامة فلا يوزن عنده جناح بعوضة). ولا شك أن هذه الأعمال التي توزن من الأمور المعنوية، مع أن الأمور المعنوية لا وزن لها في الأصل، بل الذي يوزن الأمور المحسوسة؛ لأنه لا يتصور أن تأتي بهواء وتضعه في كفة الميزان! فالأعمال هذه شيء معنوي ليس محسوساً، لكن كيف توزن؟! سلمها لله عز وجل؛ لأن الله تبارك وتعالى قادر على ذلك، فهو قادر على أن يجعل للأعمال وزناً، فيكون لها ثقلاً وخفة، ولا نعرف كيفية ذلك، بل لا يلزمنا ذلك؛ لأن من أصول السنة عندنا: التسليم والتصديق، وكما أخبرنا الله تعالى بأنه يزن الأعمال فأيضاً يزن العبد بعمله، هذا العبد بلحمه ودمه وعظمه شيء محسوس يوضع في الميزان، فيزن أو يطيش، وهذه بالنسبة لنا ليس فيها إشكال، لكن العبد طاش أول ما وضع في الميزان؛ لأنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، لأن الرجل يوزن بعمله وإيمانه، أو بإيمانه وعمله؛ لأن العمل يأتي بعد الإيمان، أليس كذلك؟ بلى.

    أولاً: أن الله تبارك وتعالى قادر على أن يزن الأعمال وإن كانت شيئاً غير مادي؛ لأن هذا له، وهو سبحانه إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون.

    ثانياً: أن العبد يأتي يوم القيامة - طول وعرض - لا يزن عند الله جناح بعوضة، فلو وضعت جناح بعوضة في كفة ووضعت هذا العبد البغل في كفة أخرى، لرجحت كفه جناح البعوضة، والله تبارك وتعالى يزن العبد ومعه العمل.

    ثالثاً: أن الله تبارك وتعالى يأمر الأعمال أن تتجسد -أي: تأتي في صورة محسوسة- فتوضع في الميزان فيكون لها وزناً, لكن المسألة الإيمانية التي نريد أن نؤكد عليها في وزن الأعمال: أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يزن هذه الأعمال فإنه قادر على ذلك، وعلى النحو التي كانت عليه، سواء كانت محسوسة أو غير محسوسة.

    اعتقاد ابن حنبل بتكليم الله لعباده يوم القيامة دون ترجمان

    قال: [ والإيمان به، والتصديق به، والإعراض عمن رد ذلك وترك مجادلته ].

    قال: [ وأن الله تبارك وتعالى يكلم العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان، والإيمان به، والتصديق به ]، وهذا الأمر إن عرضته على العقل فإنه لا يتصوره، لكنه إخبار الذي لا ينطق عن الهوى، فقد جاء في حديث ابن عمر في الصحيحين أنه قال: (وإن العبد المؤمن يؤتى به يوم القيامة بين يدي ربه، حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، يا عبدي! فعلت كذا يوم كذا وكذا، فيقول: نعم يا رب! ويسأله مرة ثانية وثالثة، والعبد يقول: نعم يا رب! حتى يظن العبد أنه قد هلك؛ لأن صحيفته كلها منشورة، ولا يستطيع أن ينكر منها شيئاً، وإلا ختم الله على فيه فتتكلم أعضاؤه وجوارحه، ثم يقول المولى عز وجل: قد سترتها عليك في الدنيا واليوم أغفرها لك). فهذا كلام مباشر بين العبد وربه؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: (ليس بينهما ترجمان). أي: ليس هناك أحد يترجم بين العبد وربه، وكل الناس إما أن يتكلموا بلغة واحدة لغة القرآن، وإما أن يخاطب الله تبارك وتعالى كل شخص كل على قدر فهمه وعقله.

    عقيدة ابن حنبل في الحوض

    قال: [ والإيمان بالحوض، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة ترد عليه أمته، عرضه مثل طوله مسيرة شهر ]، قوله: (مسيرة شهر) هل هو للراكب المسرع، أو البطيء، أو الذي يمشي على رجليه، أو الذي يركب دابة، أو غير ذلك؟ الله أعلم، وإنما نؤمن بأن هذا الحوض طوله مثل عرضه.

    قال: [ آنيته عدد نجوم السماء ]. أي: أن أوانيه عدد نجوم السماء، وماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منه شربة واحدة لا يظمأ بعدها أبداً. أي: لا يحتاج أن يشرب بعدها أبداً حتى في الجنة.

    عقيدة ابن حنبل في عذاب القبر وفتنته

    قال: [ والإيمان بعذاب القبر -أي: الإيمان بإثبات عذاب القبر- وأن هذه الأمة تفتن في قبورها، وتسأل عن الإيمان، وعن الإسلام، ومن ربه؟ ومن نبيه؟ ويأتيه منكر ونكير، كيف شاء الله عز وجل وكيف أراد. والإيمان به والتصديق به ]. وهذا الأمر أيضاً لو عرضته على العقل فإنه لا يتصوره، ولربما حار في ذلك، لذا يلزم العبد المسلم الإيمان والتسليم، وإلا ضل والعياذ بالله، والمعتزلة ما وقعوا في هذا الضلال إلا بسبب أنهم قالوا: لم؟ وكيف؟

    وكذلك عندما نعرف قول النبي عليه الصلاة والسلام: (اللحد لنا والشق لغيرنا). أي: أن الأصل أنك لا تدفن في قصر وغيرك أيضاً في العالية الواسعة، ووقتها ممكن نقول: إن منكراً ونكيراً سيأتون؛ لأن المكان سيسعهم، بينما اللحد صغير لا يمكن أن يسعهم! ثم لو أتى منكر ونكير فأين سيجلسون؟ وكيف سيكلمونه؟ وكيف يجلسون هذا الميت حتى يسألوه؟ إن كلمة (كيف) لا بد وأن تؤدي بك إلى الشك والاعتراض على كتاب الله وعلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لذا يجب على المسلم تجاه هذه الأمور وأمثالها أن يؤمن ويسلم، فهذا جبريل عليه السلام له ستمائة جناح، والجناح الواحد يسد الأفق ما بين السماء والأرض، فلو أنه ظهر على حالته هذه وأخذت تنظر في السماء فلن ترى شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا أي شيء؛ لأنه قد سد الأفق، وحجب الرؤية عن السماء، فهل أيضاً ستقول: كيف ذلك؟ وكيف أن جبريل يأتي في صورة رجل؟ فيسأله النبي الكريم عن الإيمان والإحسان، والصحابة ينظرون إليه. إذاً: كلمة (كيف) تصدر من جاهل ضارب في أعماق الجهل وأطناب الجهل، وإما من إنسان شاك ومعترض على كل شيء، مثل: طه حسين ، يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) فيشك فيها، ويقول: لماذا بسم الله؟ لماذا لا تكون: باسمك اللهم؟ ومع ذلك لو كانت: باسمك اللهم يشك فيها أيضاً، ولقال: لماذا لم يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم؟ ولذلك لم يثبت أن أحداً ممن ينسب للدين والعلم أهان كتاب الله وشك فيه كما شك فيه طه حسين ، وقد كتبوا في جريدة الشعب قبل سبع أو ثمان سنوات أنه لما هلك هذا الأديب أخذت زوجته الفرنسية أولادها منه وانصرفت إلى بلدها، وبعد ذلك أتوا بخبر أن ابن طه حسين ذهب إلى الكنيسة وأعلن نصرانيته وارتد عن دين الإسلام، وغضبت الناس! مع أن أباه كان نفس الشيء، والولد أخذ ذلك من أبيه وأمه.

    عقيدة ابن حنبل في خروج الدجال وقتل عيسى عليه السلام له

    قال: [ والإيمان أن المسيح الدجال خارج ومكتوب بين عينيه: كافر ]. أو (ك ف ر)، والمسيح الدجال أعظم فتنة منذ أن بعث الله تعالى نبيه إلى قيام الساعة، إن لم يكن هناك أعظم منها.

    قال: [ والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن -أي: لا بد وأن يكون- وأن عيسى بن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لد ]. فيكون التزامن والتعاصر حاصل بين خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام.

    عقيدة ابن حنبل في الإيمان

    قال: [ والإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما جاء في الخبر (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) ]، فمن كان خلقه حسناً فإيمانه أعلى من إيمان رجل ليس بحسن الخلق.

    عقيدة ابن حنبل في حكم تارك الصلاة

    قال: [ من ترك الصلاة فقد كفر ]. ولا شك أنه كافر، وقد اختلف أهل العلم في نوع كفره، والجميع -أي: الأمة بأسرها- أثبتوا أن تارك الصلاة كافر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر). وقال عليه الصلاة والسلام في حديث جرير : (من ترك الصلاة فقد كفر وأشرك). واختلافهم واقع في نوع الكفر: هل هو كفر عمل أو كفر اعتقاد؟ كفر يخرج به صاحبه من الملة أم لا يخرج؟

    فقال الحنابلة وبعض أهل العلم: بأنه كافر خارج عن ملة الإسلام. وقال جمهور علماء الأمة: أن كفره كفر عملي لا يخرج به صاحبه، وأنا أقول: يكفي تارك الصلاة عاراً أن أهل العلم اختلفوا فيه: هل هو مسلم أو كافر؟

    قال: [ ومن ترك الصلاة فقد كفر، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، من تركها فهو كافر وقد أحل الله قتله ].

    خير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام

    قال: [ وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ] كما ورد ذلك عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر : كنا نخير بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فنختار أبا بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم يأتي من بعدهم علي بن أبي طالب.

    قال: [ نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا في ذلك.

    ثم من بعد هؤلاء الثلاثة: أصحاب الشورى الخمسة: علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص كلهم يصلح للخلافة، وكلهم إمام.

    ونذهب إلى حديث ابن عمر -في التفاضل-: كنا نعد -ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت.

    ثم من بعد أصحاب الشورى: أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، على قدر الهجرة والسابقة، أولاً فأولا.

    ثم أفضل الناس بعد هؤلاء: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم.

    كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه، وسمع منه، ونظر إليه نظرة.

    فأدنهم صحبة -أي: أدنى الصحابة، ولو بمجرد النظر فقط إلى وجه النبي عليه الصلاة والسلام تثبت به الصحبة- هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال ]. لأن صحابياً واحداً أفضل من القرن الذي يأتي من بعده، مع أن هناك فرقاً بين الأفضلية وبين العلم، فالصحابة أفضل من غيرهم من سائر الأمة، وهذا بالاتفاق، لكن فيهم من لم يطلب العلم، وغير الصحابة بلغوا ذروة العلم.

    إذاً هناك في الأمة من هو أعلم من كثير من الصحابة، لكن من ثبتت له الصحبة فهو أفضل من هذا العالم وغيره ممن لم تثبت له الصحبة، ولا أقول: أعلم من كل الصحابة؛ لأن الصحابة كان فيهم أوتاد في العلم، إذ الواحد فيهم يربي أمة بأسرها، ولو كان ذلك بلحظه دون لفظه، وخير مثال على ذلك: القضايا العظيمة التي كانت تطرح على أبي بكر وعمر ، فكان يحلها أحدهم بكلمتين أو ثلاث كلمات، بينما نحن قد نجلس نأخذ ونعطي فيها إلى يوم القيامة ولا نجد لها حلاً، فمثلاً: لو كانت قضية فلسطين هذه موجودة في زمن أبي بكر أو في زمن عمر لكانت حلت في وقتها، ولم يكن لها ظل، ونحن نعرف كيف فتحها عمر ، لا سلام ولا أمان، ولا صحبة، ولا صداقة، ولا ديمقراطية، كل هذا الكلام كذب وخداع لهذه الأمم والشعوب الإسلامية، وهذا الكلام لن ينطوي أبداً على أبي بكر وعمر ؛ لأن القرآن أخبره أن اليهود والنصارى لن ترضى عنه وعن المسلمين، فقال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]. أي: لا بد أن تكون يهودياً مثلهم، ولا بد أن تكون نصرانياً مثلهم، حتى يرضوا عنك.

    عقيدة ابن حنبل في السمع والطاعة لكل أمير بر أو فاجر

    قال: [ والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين البر والفاجر ]. أما البر فلبره وطاعته لربه، وأنه لا يأمر إلا بطاعة الله ورسوله، وإلا فلماذا وصف بالبر؟ لأنه ما من عمل يبر به كتاب الله وسنة رسوله إلا وهو مقبل عليه، فيأمر أمته وينصح لهم، وأما الفاجر فالطاعة له لازمة، والفجور هنا متوقف عند حد الفسق، أما الكفر فلا بد وأن تجتمع الأمة على خلعه، وتعيين إمام آخر وإن كان فاجراً، وتأثم الأمة بأسرها إذا لم تجتمع على خلعه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، فلا يجوز لأحد من الكفار أن يتولى إمرة أهل الإيمان قط، فإن كان الإمام براً طائعاً عاملاً بالكتاب والسنة، آمر بهما، ناهياً عن غير ذلك، فإن الطاعة له واجبة، والطاعة واجبة للإمام الفاجر ما لم يبلغ فجوره حد الكفر؛ وذلك حقناً لدماء المسلمين، وجلباً للمصالح ودرءاً للمفاسد.

    قال: [ والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين البر منهم والفاجر، ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به.

    ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين ]. أي: أن الأصل أن مجلس الشورى يجتمع فيختار الخليفة، لكن في واقعنا اليوم: أن الرجل يدفع الرشاوى، ويسرق من هنا، ويؤلب من هناك، من أجل أن ينجح في الانتخابات، وهو شخص صعلوك، أو شخص هلفوت، لذا فالأصل أن يحمل الخليفة حملاً على تولي هذه المهمة والرسالة، ومن طلبها لا بد وأن يحرمها؛ لقول النبي الكريم: (إنا لا نولي هذا الأمر من طلبه). لكن: شخص خرج بشلة وعصابة، وبين يوم وليلة جلس على الكرسي، وأصبحت السلطة بين يديه، والعدة والعتاد، ومن تكلم فيه بكلمة واحدة دمر البلد كله فوق رأسه، لذا نحن نسمع ونطيع حقناً لدماء الأمة كلها.

    وتولية الخليفة إما عن طريق الاختيار والبيعة، وإما أن عن طريق القهر والغلبة، وفي الحالتين يجب السمع والطاعة، في الأولى؛ لأنه طائع، وفي الثانية؛ لأنه يملك إراقة دماء المسلمين.

    قال: [ والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر، لا يترك. وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ]، أي: لا يصح إقامة الحدود من قبل عامة الناس، فلو أنك دخلت على زوجتك ووجدت عندها رجلاً، فأنت مباشرة سوف تقيم عليه حد الزنا، لكن هو لم يزن، وكذلك حد القذف، هو لم يقذف، وحد السرقة، وهو لم يسرق ولم تتوفر شروط السرقة في هذا الحادث، وحد القتل، هو لم يقتل، لكنه ساعد أو أشار بالقتل، لذا فلكل حد ظروفه وأركانه وشروطه، لا بد من توفرها، وأدنى شبة تدرأ هذا الحد، ولو أن هذا الأمر أوكل إلى عامة الناس لاجتهدوا جميعاً في إثبات الحد وإقامته، وخاصة مسائل التكفير ومسائل الردة، فلو أن شخصاً قال كلمة هي في نظرك ردة، وعليه فيقتل، لكن لو هو في نظرك مرتد فأنت أيضاً في نظره مرتد، وتصبح نصف الأمة في نظرها أن النصف الثاني مرتد، والنصف الثاني في نظرها أن الأول أيضاً مرتد، فهل يتصور أن الأمة تقوم كلها على بعضها، فتدمر نفسها ويحطم بعضها بعضاً؟ نعم يتصور ذلك إذا أسند إقامة الحد إلى عامة الناس، لكن إن أسند إقامة الحد إلى الوالي أو السلطان فلا، بينما التعزير قد يقوم به السلطان أو غير السلطان، ومن الخطورة بمكان أن ترى رجلاً يقيم الحد على ولده أو امرأته أو غيرهما.

    قال: [ وقسمة الفيء -أي: توزيع الغنائم- وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم.

    ودفع الصدقات إليهم جائزة ونافذة، من دفعها إليهم أجزأت عنه، براً كان أو فاجراً. وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولى جائزة تامة ركعتين من أعادهما فهو مبتدع ]. وقد ذكرنا صلاة أنس والبراء وعبد الله بن عباس خلف الطاغية الكبير: الحجاج الثقفي .

    عقيدة ابن حنبل في الخروج على السلطان

    قال: [ ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه ]. وتأمل هذا الكلام للإمام أحمد بن حنبل وهو الذي تعرض لفتنة كانت أعظم فتنة بعد فتنة المرتدين في عهد أبي بكر ، إذ لم يكن الضرر له أو لبعض الناس، بل كانت فتنة ماجت بها البلاد والعباد، وتوقف عليها استقامة عقيدة الأمة أو فسادها وانحرافها، ومع هذا فالذي يقول هذا الكلام هو الذي تعرض لهذه الفتنة هذا التعرض العظيم، فهذا الخليفة المعتصم أركب أحمد حماراً بالمخلوف. أي: كان وجه أحمد في دبر الحمار، ومشى به في شوارع بغداد كلها، لكن ثبت الله تبارك وتعالى هذا الإمام العظيم، وكان يقول: أنا من أنا؟ من عرفني فقد عرفني، ومن لا يعرفني فأنا أحمد بن حنبل ، القرآن كلام الله غير مخلوق، فانظر إلى أين وصل به الإصرار على الحق مع الإهانة والتعذيب؟ لأنه ليس شخصاً من عامة الناس، بل هو إمام يشار إليه بالبنان، وقوله دين إلى يوم القيامة.

    قال: [ ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق ]، ولا بد أن تفرق بين حبك للإسلام وغيرتك عليه وعلى ما نزل بالمسلمين، وبين الخروج على السلطان، إذ إن حبك للسنة وشفقتك على ما وصلت إليه الأمة لا يحل لك أن تخرج، ونحن أيضاً نعرف نتيجة الخروج وما جلب للأمة من متاعب ومشكلات.

    عقيدة ابن حنبل في دفع الصائل

    قال: [ وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله، فله أن يقاتل عن نفسه وماله، ويدفع عنها بكل ما يقدر عليه. وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس لأحد إلا للإمام، أو ولاة المسلمين، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك وينوي بجهده ألا يقتل أحداً، فإن أتى عليه في دفعه عن نفسه في المعركة، فأبعد الله المقتول، وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة كما جاء في الأحاديث ]. هذا الكلام يعبر عنه الفقهاء بـ(دفع الصائل). أي: الظالم الباغي الذي هجم على بيتك ليسرقه ظناً منه أنه ليس هناك أحد في البيت، أو أنه رتب أموره وأخذ في حسبانه أنه يحتاج إلى العدة معه، فهو عمل حسابه أنه سوف يسرق، لكن لو كان هذا الرجل يدفع بالتخويف، كأن حس أن هناك أحداً في البيت، أو أن صاحب البيت مستيقظ، ولم يتخذ صاحب البيت أقل جهد، وأنه سوف يخاف ويخرج، فأنا أقول: هل يجوز لك أن تجري خلفه؟

    الجواب: لا. لأنه إذا دفع بوسيلة خفيفة فلا يجوز لك أن تستخدم الوسيلة الأعلى معه، فإذا كان يدفع بالخوف فلا يحل لك بعد أن خاف وولى مدبراً أن تولي خلفه، وأن تسرع وتهرول لتضربه وتقتله، وإن كان الصائل لا يدفع إلا بالضرب فلا يجوز لك أن تضربه بالسكين، وإن كان لا يدفع إلا بالسكين فلك ضربه بالسكين، وإن كان لا يدفع إلا بالقتل جاز لك أن تقتله، وعليه فلا تنتقل إلى الوسيلة الأعلى إلا بعد فشل الوسيلة الدون؛ لأن المقصود: ألا يقع عليك منه ضرر.

    عقيدة ابن حنبل في الشهادة بالجنة أو النار لأحد من أهل القبلة

    قال: [ ولا يشهد على أهل القبلة بعمله يعمله بجنة ولا نار، وإنما يرجو للصالح ويخاف عليه، ويخاف على المسيء المذنب ويرجو له الرحمة ]. وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة.

    عقيدة ابن حنبل في مرتكب الكبيرة

    قال: [ ومن لقي الله بذنب يجب له به النار تائباً غير مصر عليه، فإن الله عز وجل يتوب عليه، ويقبل التوبة من عباده، ويعفو عن السيئات ]. عقيدة أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة: أن مرتكب الكبيرة قد خالفت فيه فرقتان عظيمتان: الخوارج والمعتزلة، بينما أهل السنة يعتقدون أن صاحب الكبيرة لا يكفر بكبيرته، وإنما هو مسلم فاسق عاص بكبيرته، ففيه جانب إيمان وجانب فسوق، فإن تاب فيما بينه وبين الله تاب الله عليه، وإن أقيم عليه الحد فالحد كفارته، ولا يسأله الله تبارك وتعالى عن هذا الذنب يوم القيامة، بل يقيله من صحيفته تماماً، وإن مات مصراً على هذه الكبيرة وهو معتقد حرمتها فهو في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وإن مات مصراً عليها غير معتقد لحرمتها بعد قيام الحجة الرسالية عليه، وأن الله ورسوله قد حرما ذلك، لكنه عاند وجحد وأصر، فقد خرج من الملة؛ لأنه في هذه الحالة قد أنكر ما علم من الدين بالضرورة، وقد أحل ما حرم الله عز وجل.

    قال: [ ومن لقيه كافراً عذبه ولم يغفر له ]. واليهود والنصارى كفار قولاً واحداً، لكن ربما عامة الناس يقولون: هم أتباع نبي ونحن أتباع نبي، وعلى ذلك فهم على الإسلام! لا إن اليهود والنصارى كفار قولاً واحداً، ومآلهم إلى النار خالدين فيها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756514204