إسلام ويب

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على جمال البناللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لم يسلم ديننا الإسلامي من الاعتداءات والانتقاصات والذم والقدح من قبل أعدائه في الداخل والخارج، وأعداء الإسلام من أبناء جلدتنا أشد خطراً وأكثر ضرراً من أعدائنا اليهود والنصارى وغيرهما، وجمال البنا أحد هؤلاء المارقين الذين سخروا كتبهم للطعن في أحكام الشريعة وإنكار دلالات السنة النبوية.

    1.   

    موقف أعداء الإسلام تجاه الإسلام

    إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين.

    ثم أما بعد:

    فما زال الكلام موصولاً عن الدفاع عن الله عز وجل وعن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعن العقيدة والشريعة في آن واحد.

    وإن الناظر اليوم إلى حال المسلمين شرقاً وغرباً في أنحاء الأرض لا بد أن نظره سيرتد إليه بنتيجة واحدة، وهي أن المسلمين يقتلون بأيدي أعدائهم وربما بأيدي بعضهم، فهذه روسيا قامت قومة رجل واحد على إخوانكم في الشيشان فقتلوهم وذبحوهم وأحرقوهم حتى جعلوهم رماداً، وقتلوا النساء والأطفال الأبرياء، وشقوا وبقروا بطون النساء، وقتلوا الأجنة في بطون أمهاتهم.

    في هذا الوقت لو أنك نظرت إلى ما تفعله أمريكا بالعالم لوجدت أن أمريكا أذكى بكثير من روسيا، فروسيا أدخلت نفسها في هوة سحيقة، ربما لا تستطيع أن تخرج منها مع مرور الوقت، فإن المسلمين رجعوا إلى ربهم ودينهم، أما أمريكا فهي دخلت كل بيت، وأفسدت كل عقل، وأفسدت عقيدة المسلمين بنهج لا يمكن لأحد قط أن يعترض عليه، وهذا ما قد تنبهوا له قديماً: أن حرب المسلمين وقتال المسلمين أمر لا يكاد يجدي ولا ينفع، فاستمالوا المسلمين بالنساء تارة، وبفساد الفكر تارة أخرى، وبالتطبيع ثالثة، وغير ذلك من هذه الأسلحة التي يسمونها أسلحة هادئة، وقد نفعت معهم هذه الأسلحة.

    ليس هذا هو المهم؛ لأن الحرب إنما أتت من خارج بلاد المسلمين، أتت من الكافرين الذين لا خلاف على كفرهم، ولكن الخلاف أن تبتلى بلاد المسلمين بآحاد أبنائها، وأن تبتلى الشريعة بمن ينسب إليها، وأن تبتلى العقيدة بمن يطعن فيها من بني جلدتها.

    واليوم نعيش مع أحد هؤلاء، لا أقول: الجهلة المتعالمين، ولكني أقول: مع أحد الملاحدة المفسدين الذي هو أيد سمينة وغنيمة باردة لليهود، فوالله لا تحلم اليهود أن تفعل في بلاد المسلمين في عقيدتهم وشريعتهم ما يفعله جمال البنا الشقيق الأصغر للشيخ المجاهد الداعية المصلح حسن البنا رحمه الله، الذي قضى حياته دعوة وإصلاحاً وجهاداً هنا وهناك لأجل رفع راية التوحيد، ورفع راية نصرة الإسلام على ضعف ينصره الله عز وجل، وهذا شأن البشر جميعاً، لا يخلو جهد بشري من نقص وعيب، والحال كما ذكرنا.

    1.   

    موقف جمال البنا من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة

    ولكن جمال البنا نهج نهجاً لم يراع فيه عقيدة ولا شريعة، ولا حتى راعى فيه الأخوة الإيمانية لأخيه حسن البنا ، وإنما تبرأ من هذه الأخوة بقوله: إنه قد ربطني بأخي حسن البنا رابطة عضوية. وهو يدري ما يقول، والرابطة العضوية إنما هي رابطة الدم والنسب، لا رابطة الإيمان والعقيدة والأخوة الإيمانية، فلم يقل: تربطني به عقيدة أو نهج أو فكر أو غير ذلك، وإنما قال: تربطني به رابطة عضوية، فهو من أول الأمر قد تبرأ مما عليه أخوه، وتبرأ من كل جماعة ودعوة على الساحة، حتى تبرأ من الصحابة رضي الله عنهم، وتبرأ من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فكان هذا الرجل صريحاً جداً مع نفسه، ومع الناس، وقد رد عليه علماء الأزهر ظناً منهم أنه جاهل، وفي كل رد يعقب عليه ويقول: أتدرون أني لم أقرأ ردودكم هذه؟! إنما قرأتها قبل أن يلتقي آباؤكم بأمهاتكم.

    كبر وعنجهية وغطرسة، بل -والله- إلحاد وزندقة وإفساد في الأرض، يقول: أتظنون أني لا أعلم تعقيبكم هذا أو ردكم علي؟ لا والله، أنا أعلمه، وقد قرأته وعندي من الكتب والمكتبات ما ليس عند واحد فيكم ولا حتى في المكتبات العامة.

    هذا الرجل ليس نكرة في المجتمع حتى أذكره أنا على المنبر، وإنما قد صنف أكثر من عشرين كتاباً يحارب فيها دين الله عز وجل، ولكن يبدو أن الوقت لا يسمح له بالطعن في القرآن الكريم، وإنما طعن في السنة النبوية فقال: السنة التي يقال: إنها نبوية -انظروا إلى هذا اللمز والغمز- تحتاج إلى إعادة نظر، والفقه لا بد أن يجمع عن بكرة أبيه ويحرق، ونحن في أمس الحاجة لفقه جديد، حتى قال: إني نظرت في كتب الفقه فوجدت أن معظم هذه الكتب تتكلم عن العبادات مما يؤدي في نهاية الأمر إلى توثين الصلاة! أي: جعل الصلاة وثناً.

    تصوروا أن رجلاً اسمه جمال -بل هو إلى القبح والفساد والزندقة والإلحاد أقرب- جعل الفقهاء القدامى وثناً يعبد، فهو آلمه جداً أن الفقهاء توسعوا في الكلام عن العبادات، وأخذ للعبادات رمزاً وهو الصلاة، وقال: جعلوها وثناً.

    أمر عجيب جداً! والأعجب منه أن ينبري علماء الأزهر للرد عليه، ظناً منهم أنه جاهل، على أية حال: جهد مشروع، وعمل مبذول لرد هؤلاء الملاحدة إلى الإسلام مرة أخرى، ولكن هيهات هيهات! الهداية بيد الله عز وجل، ففي صفحات الجرائد والمجلات والصحف الرد عليه، بل صنف بعضهم كتباً للرد عليه.

    لم كل هذا الجهد؟ هل أنتم تفرغتم تماماً لهؤلاء الملاحدة؟ عندنا دعوة عظيمة وطويلة وعريضة، عندنا شباب هو أحق بهذا الجهد، بأن يبذل لهم لتربيتهم والأخذ بنواصيهم إلى الله عز وجل، حتى لا يجتمع المسلمون شرقاً وغرباً للرد على كلب من كلاب اليهود والنصارى اسمه جمال البنا .

    1.   

    موقف جمال البنا من الغيب وتفاسير القرآن والسنة النبوية

    جمال البنا أنكر جميع المعلوم من الدين بالضرورة، وأول شيء أنكره الغيب، ثم قال: التفاسير كلها كلام فارغ، ورد عليه الدكتور المطعني حفظه الله، وقال: يا جمال ! أين الكلام المليان؟ هل ننتظره منك؟ وهل نترك فقهاءنا وأئمتنا القدامى وسلفنا الصالح ونمشي خلفك؟

    جمال البنا ينكر تماماً اتباع المسلمين لنبيهم عليه الصلاة والسلام، ويقول: وما يدرينا أن السنة قد ثبتت؟!

    هذا حرب للأصول؛ كان علماؤنا يردون على المعتزلة في إنكارهم حجية حديث الآحاد في العقيدة، أما الآن فلا أحاد ولا متواتر، ولا قرآن ولا سنة، فهذا أمر عجيب وخطير جداً، وإنني تكلمت مراراً عن حجية السنة وأنها من حيث الحجية هي والقرآن سواء بسواء، وإن الله تبارك وتعالى نفى الإيمان عمن لم يحتكم إلى الله ورسوله في الوقت نفسه، قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65] أي: يا محمد. فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

    فهذه كلها شروط لأصل الإيمان، أن تلجأ إلى الله عز وجل في كتابه، وأن تلجأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، أو إلى سنته بعد مماته، وإن إثبات السنة من عدمها له علماء وله محدثون قد وضعوا القواعد الأصيلة المتينة، وغربلوا السنة حتى لم يبق حديث قاله أو لم يقله النبي عليه الصلاة والسلام، أو فيه علة من العلل إلا ميزوه وحيزوه وجعلوا السنة الصحيحة في جانب، والضعيف منها في جانب آخر.

    فماذا يبقى لـجمال البنا أن ينكر أو لغيره والأمر كما قال الله؟!

    وفي الأمة ألف جمال البنا وأكثر، والأمر كما قال الله تعالى: إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا [البقرة:70]، فهم والله أبقار، بل الأبقار أعظم منهم نفعاً على الأقل، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اشربوا ألبان البقر؛ فإن ألبانها دواء)، أما هؤلاء فلا يأتي الداء إلا من قبلهم، وليس الدواء، والنبي عليه الصلاة والسلام هو المبين والشارح لمجمل الكتاب، ولمطلقه، والمفصل لعمومه، ولا يمكن لعقل قط يحترم نفسه أن يقول: إنه يفهم القرآن لأول وهلة بغير الرجوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم إلى الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمعين، ومن سار على نهجهم من الأئمة المتبوعين وغيرهم إلى قيام الدين.

    لا يمكن -إلا أن يكون مخبولاً مجنوناً- أن يقول: أنا إذا فتحت الكتاب قرأته فعلمت مراد الله عز وجل. لا بد أن يرجع إلى كلام أهل العلم من السلف أجمعين رضي الله عنهم.

    ولذلك اقرأ قول الله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، هل ذكر في القرآن أن الظهر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والصبح ركعتان؟!

    اقرأ قول الله عز وجل: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، ما كيفية السجود؟ وما عدده في كل الصلوات؟ أو في كل صلاة على حدة؟ وماذا تقول فيه؟ وما هو الواجب فيه؟ وما هو الذي يحرم عليك أن تقوله في السجود؟ وغير ذلك من الأحكام، هل تجدها في كتاب الله عز وجل؟!

    الجواب: لا.

    وأما قوله: وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، فزكاة ماذا؟ وكم زكاة البقر والغنم والإبل؟ وكم زكاة المال؟ وكم زكاة الذهب؟ وما مقدار هذه الزكوات، وما شروطها؟

    اقرأ قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ [المائدة:38]، متى تقطع يد السارق؟ فالسنة بينت أنه لا قطع في أقل من ربع دينار، ومتى يكون القطع؟ وهل يكون مع قيام الشبهة أو بعدمها؟ ومن أي موضع في اليد تقطع، هل من الكف أو المرفق؟ وهل تقطع اليد كلها أم شيء منها؟ وبينت ذلك كله السنة، وغير ذلك من الأحكام الكثيرة جداً التي وردت مجملة عامة، فصلها وبينها وشرحها النبي عليه الصلاة والسلام.

    ثم هؤلاء يشككون في السنة، فيقولون تارة بأن السنة ما هي إلا مجموعة أخلاق وآداب ونصائح، ومعلوم أن هذه الأخلاق وهذه الآداب والنصائح غير ملزمة، إذاً: السنة عندنا غير ملزمة.

    وتارة يطعنون في السنة بالطعن في رواتها الأوائل، كالطعن في أبي هريرة لعلمهم أن أبا هريرة يروي معظم أحاديث الشريعة، فقد روى آلافاً مؤلفة من الأحاديث، فأرادوا هدم كيان أبي هريرة ليهدم ما قد أتى به من مرويات، ولكن هيهات هيهات! فإن هذا هو دين الله عز وجل، وهو الذي تكفل بحفظه، وأجمع علماء السنة أن قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] أن الذكر هو الكتاب والسنة.

    وكل آية فيها الكتاب والحكمة أجمع العلماء على أن الحكمة هي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أبداً أن تكون الحكمة هي الكتاب؛ لأن الله تبارك وتعالى غاير بينهما، وعطف الكلمة الثانية على الأولى، فكان لا بد من مدلول جديد لمعنى الحكمة، ولا يمكن أن تكون إلا السنة؛ لأن الله تعالى من على المسلمين بالكتاب والحكمة، فلا بد أن تكون الحكمة غير الكتاب، وإن كانت في نفس الأمر وحياً كما بين الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ [النجم:3] أي: محمد عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فلا ينطق النبي صلى الله عليه وسلم بحرف واحد مما يتعلق بدين الله عقيدة أو شريعة أو أخلاقاً أو آداباً أو غيرها إلا بإذن الله عن طريق وحي السماء، فلا يقال بعد ذلك: إن السنة قد دخلها التحريف، ولذلك قيل لـعبد الله بن المبارك: ما هذه الأحاديث؟ أي: أتتركوننا وهذه الأحاديث لم يميز منها الصحيح من الضعيف، قال: تعيش لها الجهابذة. هم يطلبون منه أن يميز الصحيح من الضعيف، وقد بذل جهده في هذا المضمار، ثم بين لهم أن هذا الباقي لا بد وأن الله تعالى يقيض له ويسخر له من علماء المسلمين من يميز بين الصحيح والضعيف حتى قيام الساعة، ولذلك نرى حتى في هذا الزمان المتأخر وبعد مرور ما يقرب من خمسة عشر قرناً من الزمان علماء وطلاب علم من الدرجة الأولى والطراز الأول، قد انبروا أقلامهم لتمييز صحيح السنة من ضعيفها، حتى يعبد العابد ويسلك السالك إلى ربه مسلكاً حسناً، فلا يعبد ربه إلا بما جاء في كتابه وبما صح عن نبيه عليه الصلاة والسلام.

    وكلام أهل العلم في منكر السنة وجاحدها كثيراً جداً، وأنقل هذا من كتاب لعالم نحرير وشيخ فاضل وإمام من أئمة الهدى وهو الشيخ عبد الغني بن عبد الخالق الأزهري ، صنف كتاباً اسمه (حجية السنة) أبدع فيه أيما إبداع، واستفاد كل من كتب بعده في هذه المسألة من هذا الكتاب، فكان كالأصل الأصيل بعد كتب السلف المسندة في هذه المسألة.

    نقل عن ابن عبد البر في كتابه العظيم: (جامع بيان العلم وفضله) قوله: وأما أصول العلم فالكتاب والسنة، وهما أصلان عظيمان.

    1.   

    الرؤية الجديدة لأصلي العلم عند جمال البنا

    وربما يقول جمال البنا : أنا كتبت كتاباً بهذا العنوان! وفعلاً قد كتب كتاباً هو معي الآن، قال فيه: الأصلان العظيمان الكتاب والسنة، وأضاف إلى ذلك عبارة: رؤية جديدة.

    فهو يطرح رؤية السلف وتفسير السلف وبيان السلف وفهم السلف للكتاب والسنة، ثم يتقدم هو بعقله النتن القذر الوسخ لينظر في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم من جديد، زاعماً أننا في عصر قد تقدم فيه كل شيء، ولم يبق لمجهود السلف واقع في حياتنا، ويقول: عندنا الكمبيوتر والتكنولوجيا والمطابع والأوراق والأقلام وغير ذلك، ولم يكن هذا عند السلف، فإذا نظرت إلى كتابه وجدت أنه وضع معظم السم في بعض العسل.

    ولكن ابن عبد البر يقول: أصول العلم عندنا الكتاب والسنة، والسنة تنقسم إلى متواتر وآحاد، والقرآن نقل إلينا بالتواتر، أي: نقل الجمع الغفير عن الجمع الغفير في كل طبقة، وهكذا ورد إلينا بعض السنة، فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم فقد رد نصاً من نصوص الله عز وجل يجب استتابته عليه، وإراقة دمه إن لم يتب لخروجه عما أجمع عليه المسلمون وسلوكه غير سبيل جميعهم.

    والضرب الثاني: أحاديث الآحاد، وفيه خلاف، وقد ذكر أهل العلم من السلف أن حديث الآحاد يفيد العلم والعمل معاً، قال ابن حزم في كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) في أثناء استدلاله على حجية السنة: لا يحل لأحد من المسلمين أن ينكر أن السنة بنفسها حجة في العقائد والأحكام، وقد قال الله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، فالله تعالى يردنا إلى كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، فلم يسع مسلماً يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وجد في القرآن والسنة، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمر الله ورسوله وموجباً لطاعة أحد هما عن الآخر فهو كافر، ولا شك عندنا في ذلك، وقد ذكر محمد بن نصر المروزي أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تأويل سائغ فهو كافر، ومن استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو كافر، والحجة في تكفيره قول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وهذه الآية كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر، وأيقن أن العهد عهد ربه إليه ووصيته عز وجل الواجبة عليه.

    ثم قال: وقال الله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61]، فليتق الله الذي إليه المعاد امرؤ على نفسه، ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية، وليشتد إشفاقه من أن يكون مختاراً للدخول تحت هذه الصفة المذكورة المذمومة الموبقة الموجبة للنار، فإن من نازل خصمه في مسألة من مسائل الديانة وأحكامها فدعاه خصمه إلى ما أنزل الله تعالى وإلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فصده عنهما ودعاه إلى قياس أو إلى قول فلان وفلان، فليعلم أن الله عز وجل قد سماه منافقاً.

    وقال ابن حزم : لو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة.

    وهؤلاء هم القرآنيون، أما الملحدون في زماننا فلا يأخذون بقرآن ولا سنة، ولا يلزمهم شيء من هذين.

    وإجماع الأمة على أن من قال: أنا لا آخذ إلا بالقرآن فحسب دون السنة فإنه كافر، فكيف سيصلي وقد قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]؟ فالقرآن أمرنا بالصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل، فلا يلزمنا إلا أن نصلي في هذين الوقتين وصلاة أخرى حين طلوع الفجر؛ لأن ذلك أقل ما يطلق عليه اسم صلاة ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال وإنما ذهب إلى هذا بعض غلاة الرافضة.

    ابن حزم : لم يذهب هذا المذهب وهو الأخذ بالقرآن دون السنة إلا بعض غلاة الرافضة، أما الآن فقد وجد أن بعض المسلمين ممن ينسبون إلى السنة يقولون هذا.

    قال: وإنما ذهب إلى هذا بعض غلاة الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم، ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص لكان فاسقاً بإجماع الأمة.

    قال عليه الصلاة والسلام: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: ما وجدنا في كتاب الله حلالاً أحللناه، وما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمناه).

    ويقول النبي عليه السلام: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه). فالمثلية هنا لا يمكن أبداً أن تنطبق إلا على سنته عليه الصلاة والسلام، ولذلك أجمع العلماء قاطبة من أهل السنة والجماعة -بل ومن غيرهم- أن الحجة تقوم بكتاب الله عز وجل، وبسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وبإجماع الأمة، فالحجة تكمن في هذه المصادر الثلاثة.

    إذا علمت هذه المقدمة البسيطة اليسيرة، والكلام في حجية السنة لا ينتهي، وهذا الكتاب الذي بلغ خمسمائة ورقة إنما يتكلم عن حجية السنة بأدلتها وأقوال العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم، وسرد مثل هذا الكتاب أمر يشق جداً على المتكلم والسامع، فإنما أحيلك إلى الكتاب، لتعلم ألاعيب هؤلاء المرجفين المبطلين، وهؤلاء الملاحدة المفسدين الذين يفسدون في الأرض شرقاً وغرباً، يريدون أن يضعوا سداً منيعاً بينك وبين سنة نبيك عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    موقف جمال البنا من الاحتجاج بالحديث المتواتر والآحاد

    قال جمال البنا : والسنة قد خضعت لعدد كثير من المؤثرات التي جعلت مصداقيتها تحتاج إلى نقاش.

    فمثلاً: هناك عمليات الوضع في الأحاديث، وعمليات الرواية بالمعنى، وعمليات التفاوت بين الأحاديث بعضها مع بعض، فمثلاً: الحديث المتواتر ملحق بالقرآن من حيث الحجية، ومن حيث إنه متواتر.

    وهذا من تضاربه، فهو يقول: الحديث المتواتر كالقرآن تماماً بتمام، ويقول في موضع آخر: ليس هناك حديث متواتر.

    حتى تعلم أنه متضارب وأنه أحمق، وجاهل، واستخدمه الأعداء استخداماً غبياً أحمق.

    وقال: وبعد ذلك يقولون: أحاديث المهدي وأحاديث الدجال وأحاديث الحوض من المتواتر. أي: حوض النبي عليه الصلاة والسلام الذي من شرب منه مرة لم يظمأ بعدها أبداً.

    ثم يقول: وهذه أشياء كلها لا قيمة لها ولا معنى لها، وهي أبعد ما تكون عن مجرد الذكر فضلاً عن المتواتر، وهذه المعاني كلها وضعناها في كتاب (السنة ودورها في الفقه الجديد).

    والفقه الجديد هو فقه جمال ، فهو يريد منا أن نترك ابن تيمية وابن القيم وابن قدامة والنووي والسرخسي وغير هؤلاء من العلماء الأقطاب، أقطاب الدين.

    ويقول: فالمفروض أن السنة تضبط بضوابط القرآن.

    هو لا يقول: أنا أجحد السنة؛ لأنه يعلم أن الشباب المسلمين الذي يمشون في الشارع والذين لا يصلون سيكفرونه.

    لكنه قال: إن السنة دخلها الوضع والتحريف، فالأصل أن نضبط السنة بالقرآن، يعني: أن نأخذ الحديث ونعرضه على القرآن، فإذا وافق القرآن أخذنا به، وإلا فيكون حديثاً موضوعاً حتى وإن كان في الصحيحين: صحيح البخاري ومسلم.

    1.   

    موقف جمال البنا من حكم الردة

    قال: وأما حديث: (من بدل دينه فاقتلوه)، فإنه يعارض عدة آيات صريحة كل الصراحة في حرية الاعتقاد.

    طبعاً من مصلحة جمال البنا أنه يقول: لا يوجد حديث يقول: (من بدل دينه فاقتلوه)، وهذا الحديث في البخاري؛ لأنه من أول المبدلين لدينهم، فهو ينفي عن نفسه حد الردة تحت شعار حرية الفكر وحرية العقيدة، ولم يعلم أن هذه الآيات كقول الله عز وجل: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، إنما تطبق في حرية الاعتقاد أولاً لا آخراً، فالنبي عليه الصلاة والسلام ما أقام الحد على المشركين وعبدة الأوثان وقتلهم؛ لأنهم بدلوا دينهم، بل هم باقون على ديانتهم الكفرية، ولذلك لم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما تركهم، وكان يدعو الواحد منهم بالحكمة والموعظة الحسنة, ولم يحكم عليه بالردة؛ لأنه كافر.

    أما هذا الحديث فإنه ينطبق على المسلم فقط؛ فإنه يقتل ردة بعد استتابته ثلاثاً.

    فإن الدين ليس مرتعاً لكل أحد أن يرتع فيه ما شاء، يخرج منه ويدخل فيه؛ بل لك الحرية أن تدخل في دين محمد، فإذا دخلت فيه فليس لك الحرية أن تخرج منه، فإذا خرجت منه فإن حدك القتل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).

    إذاً: قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] أي: من شاء فليبق على كفره أو يكفر بعد إسلامه وله حد الردة.

    1.   

    موقف جمال البنا من الأحاديث التي ذكرت بعض أمور الغيب

    ولذلك يسأله سائل فيقول: هل ممكن أن تعطينا بعض أمثلة لأحاديث تتعارض في نظرك مع القرآن الكريم؟

    فيقول: كل ما أتى عن الغيب: الجنة والنار والميزان والساعة والصراط والحساب والجزاء، وكل الغيب استأثر الله به، أي: لم يطلع عليه نبيه، ولم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من هذا قط.

    فيقول: وأنه إذا اطلع الرسول على جزء منه فليس لكي يشيع هذا.

    يعني: أنه يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم مخطئ، حتى لو قال له ربنا وحدثه عن الجنة والنار والحساب والصراط والجزاء وغير ذلك؛ ما كان ينبغي للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبر الأمة بهذا، فهو يصحح للنبي عليه الصلاة والسلام.

    وذكر له حديث أبي هريرة : (إن في الجنة شجرة يسير في ظلها الراكب مائة عام)، فأنكر هذا؛ بل ضحك وسخر حتى وقع على قفاه من شدة الضحك.

    اللهم احرمه منها، اللهم احرمه منها.

    يقول: وكل الآيات الصريحة بعلم الغيب الذي استأثر الله بعلمه تتنافى مع وجود آلاف الأحاديث التي تحدد تحديداً دقيقاً كل ما في الجنة والنار والحساب والعقاب منذ أن يموت الإنسان؛ فهذه نتوقف عنها ولا نقول فيها بشيء.

    هكذا يقول جمال البنا الإمام المجتهد!

    ويسأله سائل فيقول: في ضوء رؤيتك للتعامل مع السنة، كيف ترى أحاديث يأجوج ومأجوج والمهدي والمسيح الدجال وعذاب القبر وما إلى ذلك من أمور غيبية؟

    يقول جمال البنا : كل هذا من الغيب، ولا قيمة له ولا يعنينا في شيء، فالإسلام لا يريد من المسلمين إلا أن يعيشوا سعداء في مجتمعهم وتكون أخلاقهم سليمة والعدالة سائدة بينهم، والعلاقة طيبة بين الحاكم والمحكوم، وبين الرأسمالي والعمال، وبين الزوج والزوجة، فالقيم هي أهم شيء.

    وهذه المقولة هي نفس مقولة مصطفى محمود .

    ويقول: والأستاذ البنا رحمه الله كان يقول: كل علم لا يتعلق به عمل فهو لغو لا قيمة له.

    وهذا من غبائه؛ فقد استشهد بكلام الشيخ حسن البنا رحمه الله ليؤيد ما هو عليه، فإذا بكلام الشيخ يخالف كلامه؛س فإن الشيخ حسن البنا يقول: كل كلام لا ينبني عليه عمل لا قيمة له. وأي كلام في الشرع لا قيمة له أو لا ينبني عليه عمل؟!

    فكل كلام في الشرع له قيمة وينبني عليه عمل، ولذلك فإن العمل القلبي شرط في صحة الإيمان، وعمل الجوارح شرط في كماله وتمامه، والعمل إما أن يكون قلبياً أو متعلقاً بالجوارح لا ثالث لهما.

    1.   

    موقف جمال البنا من الفقه القديم

    ثم يقول السائل: هل تعتقد أننا مؤهلون للاجتهاد واستنباط فقه جديد، وهل عندنا علماء مثل هؤلاء الأفذاذ الذين صاغوا الفقه في الماضي؟

    فيقول: نحن أقدر من الأوائل على إبداع فقه جديد؛ لأنه توافر لنا ما لم يتوافر للأوائل من أدوات البحث، فلم تكن المطبعة موجودة، وأكبر أسباب اختلاف المحدثين والأئمة الفقهاء: أن إماماً ألم بحديث لم يلم به الآخر.. وهكذا، وأما نحن فقد ألممنا بكل شيء.

    ثم يقول: هذه الدعوة لن تظهر لها ثمرة الآن. وهذا كما يقول الكفار: فامشوا واصبروا على آلهتكم.

    ويقول: وهذا المذهب الجديد والفقه الجديد ربما لا يكون له أنصار الآن، لكن لا بد حتماً أن يكون له أنصار في المستقبل.

    فهو يرسل قواعد الآن لتأتي بعد ذلك أجيال نوح فيعبدون هذا الكلام من دون الله عز وجل.

    فيقول: هذه الدعوة لن تظهر لها ثمرة الآن، فليس من الطبيعي أن تضع البذرة وتثمر ثمرتها في نفس الوقت، فبقدر ما تكون البذرة تمثل زراعة ثمينة بقدر ما تتطلب الوقت، فهناك فرق بين أن تزرع برسيماً أو فجلاً أو جرجيراً وتأخذ منه بعد شهر مثلاً، وبين أن تزرع زيتونة تحتاج إلى عدة سنوات حتى تثمر، فالذي نقوله لن يثمر الآن، ولكن قطعاً سيسود في السنوات التالية وبعد أن يموت صاحبه.

    ثم يسأله السائل فيقول: هل تعتقد أنك صاحب هذا الفقه الجديد وصاحب الاجتهاد السديد؟

    يقول: هذه أشياء يعلمها الله، والتطور هو الذي سيحكم بها. أي: أنه متواضع جداً!

    يقول: وضروري أن الداعية يموت حتى يمكن الاعتراف به، ويمكن أن هذه الأشياء ربنا رزقنا بها. يريد أن يقول: أن الله رزقه هذا الاجتهاد، لكن لا أستطيع أن أقول بهذا.

    يقول: وأعطانا هذه الصفة، فلم يجعلنا نرتبط بوظيفة ولا بحزب ولا بهيئة، ولا نحن مشايخ ولا ننتمي إلى أي شيء، ولسنا محتاجين مادياً إلى أحد، فقد رزقنا الله الاكتفاء ولم يجعل لأحد سلطاناً علينا يفصلنا أو يضطهدنا أو غير ذلك، ومع هذا فنحن نقول كلاماً نؤمن به -يعني: أنه ليس جاهلاً ويفهم ماذا يقول- وننشره، ولسنا مكلفين بشيء أكثر من ذلك، لكن أن ينجح هذا الكلام فهذه ليست قضيتنا. يعني: هو يقول هذا الكلام من أجل الأمة، لكنه ترك النتيجة على الله عز وجل!

    1.   

    موقف جمال البنا من كتب التفسير

    ثم يقول مرة أخرى: كل تفاسير القرآن كلام فارغ، والأزهر مجرد مدرسة وشيخه ناظرها.

    يسأله سائل فيقول: ما معنى أنكم ترفضون تفسير القرآن؟

    قال: هذا من ضمن أفكارنا الأساسية؛ لأن كل تفسيرات القرآن أساءت إليه إساءات بالغة وحجبت نوره وجوهره من أن يصل إلى النفوس، وطرحت فكرها وإيمانها على القرآن الكريم.

    ويضرب لذلك مثلاً ويقول: المعتزلة -مثلاً- عندما فسروا القرآن صبغوا القرآن بصبغة الاعتزال، والخوارج كذلك، والقدرية كذلك، والأشعرية كذلك، ثم يقول: حتى السلف صبغوا القرآن بالآثار والأحاديث التي لا يدري أحد ما صحتها. أي: أنه يشكك في السنة النبوية.

    ويقول له السائل: وكيف يفهم الناس القرآن دون تفسير؟

    فيجيب المجتهد: الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعو الناس إلى تلاوة القرآن ولم يفسره؛ لأنه في جوهره معجزة بموسيقاه وقوة آياته وترابطها، ففي المدينة انتشر الإسلام بالقرآن، وكان أكبر وأول فتح في الإسلام.

    وهذا من الغباء، فقد انتشر الإسلام في مكة بالقرآن، أما المدينة فكانت محلاً للأحكام والتشريع.

    ثم يقول: وكل التفاسير كلام فارغ، فهي عبارة عن أقاصيص وروايات مبتورة وأبيات شعر مجهولة منقولة عن التوراة وبني إسرائيل.

    ثم يسأله السائل: هل تلغون عقوبة المرتد؟

    يقول: هذا الفرق بيننا وبين المذاهب الأخرى، فنحن نجزم بأنه ليس للمرتد عقوبة؛ بل إن القول بعقوبته يعتبر ضد القرآن، قال تعالى: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، فإذا أردت إنقاذ نفسك فلتؤمن وإذا لم ترد فلتكفر، ويوم القيامة هو الفيصل، وما يميز الإسلام عدم وجود مؤسسة دينية فيه، ولا يملك أحد حق التحريم أو التحليل، حتى الرسول عليه الصلاة والسلام لا يملك ذلك.

    ويقول: وأحب أن أؤكد أن التعليم الديني كلام فارغ وإساءة للعقول وقتل للملكات والإبداع، ويسيء كذلك للإسلام، فالأزهر مدرسة وشيخ الأزهر ناظرها لا أكثر.

    أي: أن التعليم الديني وتعليم أولادنا في الأزهر حرام على مذهب جمال البنا ، فلا يخرج كل الناس أبناءهم إلى المدرسة؛ حتى لا يقعوا في الإثم ويقعوا تحت طائلة العذاب ودخول النار يوم القيامة.

    1.   

    موقف جمال البنا من تطبيق الشريعة الإسلامية

    ويقول جمال البنا : أرفض شعار تطبيق الشريعة، والعلة أن العدل أهم شيء، وهو أن يعيش الناس بسعادة وبحب وبألفة وود ووطنية وقومية وديمقراطية، وهذا ما يريده منا ربنا.

    ويقول: تطبيق الشريعة سنة، والسنة -كما تعلمون- لم يثبت منها شيء.

    ثم يقول: وحجاب المرأة عرف. أي: أنه ليس ديناً.

    وآيات القرآن كلها التي تأمر المرأة عند البلوغ بالتزام الحجاب، وأحاديثه عليه الصلاة والسلام التي بلغت العشرات في الأمر بالحجاب، والتوعد بالنار على من لم ترتد الحجاب، كل هذا لا علاقة له بالفقه ولا بالعلم ولا بالإيمان؛ لأن الحجاب عرف، فما تعارف عليه المجتمع فهو حسن، وما أنكره المجتمع فهو منكر.

    فقد جعل عرف الناس قاضياً على كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

    ثم يقول: وأحاديث عذاب القبر، والشفاعة، ويوم القيامة لا تتفق مع القرآن الكريم.

    ثم يقول السائل: إذا كنت من دعاة التجديد فماذا تقول للمعارضين لك من الرافضين للتجديد؟ وبماذا تنصحهم؟

    قال: هؤلاء لا يستحقون الرد، وعلينا أن نتركهم يعمهون في عالمهم؛ لأن سنة التطور مستمرة، فالقضية أنهم يقولون: لماذا نجدد في الفقه وليس هنالك فقه جديد؟ وأنا أقول: لماذا لا يكون فقه جديد؟

    التجديد في الفقه هذا كلام فقهائنا، ومعناه: أن كل مستحدث في حياة الناس يجتهد المجتهدون من أهل كل عصر في إثبات حكم شرعي منشؤه الاجتهاد لهذه القضية، وهذا اسمه التجديد في الفقه لا الفقه الجديد.

    فالفقه الجديد هو إلقاء الفقه القديم في مزبلة التاريخ وإحلال فقه جديد مكانه على مذهب جمال البنا .

    والأئمة الذين وضعوا الفقه أوتوا من العبقرية والنبوغ والذكاء ما لم يؤته أحد من العالمين.

    يعني: الشافعي وأبو حنيفة أو أحمد بن حنبل أو عمر بن الخطاب وأبو بكر؛ لم يكونوا أحسن من جمال البنا. وهذا القول يصدر منه لأنه لم يجد من يربيه، ولم يجد من يضربه بالنعال على رأسه، فهو يرتع بما يشاء: ألا خلا لكِ الجو فبيضي واصفري.

    يقول: وبالتالي فأنا أقول بأعلى صوت: نحن أقدر على الاجتهاد بعصرنا من الفقهاء القدامى، بل إنني أقول: إن الرافضين لتجديد الفقه مرتبطون بمصالح ذاتية -أي أنه يطعن في نياتهم-، فدعوتنا لتجديد الفقه أو لفقه جديد ضرورية، ولا يساورني أدنى شك أنه ما بين خمسين إلى مائة سنة فإن كل هذا الركام العالي من الفقه التقليدي والتفاسير وغيرها ستنحى جانباً في الماضي السحيق ويأتي فقه جديد.

    1.   

    موقف جمال البنا من الاجتهاد

    يسأله السائل: هل معنى هذا أن نترك الباب لكل من هب ودب ليقول: أنا مجتهد ويفسر على حسب رأيه وهواه؟

    يقول: نعم، فلنترك الباب لكل من هب ودب، ماذا يضايقكم في ذلك؟!

    فيرد عليه الدكتور الطعني ويقول: إذاً: نأذن لبائع البطاطا بالاجتهاد.

    فيقول: وما المانع أن نأذن لبائع البطاطا بالاجتهاد، فإن أخطئوا قومناهم، وإذا أصابوا باركنا إصابتهم.

    فاليهود لا يمكن أن يعملوا في الأمة مثلما عمل فيها جمال ، وبوتين زعيم روسيا مع ما يصنعه مع إخواننا في الشيشان لا يجرؤ أن يعتدي على القرآن والسنة هذا الاعتداء، وأن يسفه جهود الفقهاء والعلماء والأئمة على مدار ألف وأربعمائة سنة، والذي يجرؤ على هذا هو من يقيم بيننا ويتكلم بألسنتنا ويدعي أنه على ديننا.

    يقول: فلنترك الباب لكل من هب ودب، ماذا يضايقكم في ذلك؟! وعلينا ألا نغلق الباب عليهم، بل علينا أن نعلق على ما يقولون ونرد عليه إن شط، فالمهم المقولة لا القائل.

    ثم يقول: دع الآراء كلها تتصارع وتتبارز وتشتبك حولها الأقلام؛ لأن هذا معناه أن هناك حياة فكرية نشطة وإعمال للذهن، أما هذا الصدأ والخمول -ويعني به الفقه القديم- والغفلة التي تحدث عنها القرآن وجعل أصحابها أقل من الأنعام في قوله: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179]، هكذا يصف المجتهدين.

    وهو سعيد بالدكتور إسماعيل منصور أحد المهرجين، وأحد الملاحدة، الذي صنف كتاباً عن موقفه من السنة، وإن كان في وقت من الأوقات شيخاً لي، وقد درست عليه أيام استقامته، ولكنه انحرف انحرافاً شديداً، بل ألحد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عندما نغضب في الرد عليهم يناقشوننا بهدوء وببرودة وكأن أعصابهم في ثلاجة، ويقولون: لماذا أنتم غاضبون؟! ولماذا أنتم -يا أهل السنة- تكفرون دائماً، وتحكمون بالردة، وتسيئون الظن؟!

    فنقول: أنت دمرت العقائد والفقه ودمرت كل شيء، وتطالبني ببرودة الأعصاب؟! أنت تطعن في ديني، ولو طعن أحد في امرأتك أو في ابنتك ماذا سيكون ردك؟!

    ذات مرة ذهب عالم إلى بعض الإخوة ليناقشه رداً على باطله، فكان يهدم في شريعة الرحمن بعقائدها وأصولها ما شاء الله له أن يهدم، ثم قال هذا الملحد: وشرف بنتي أنا لم آت إلى هنا بدفع من أحد إلا بوازع النصح. فقال له أحد الحاضرين: هل عند بنتك شرف حتى تحلف بشرفها؟! فغضب غضبة شديدة، وعندما كان يهدم في الدين من أوله إلى آخره لم يغضب مرة، ولم يكف لسانه عن الطعن في الشريعة قطعه الله هو وأمثاله.

    ثم يقول السائل: ألا ترى أن الحرية يجب ألا تتطرق إلى الثوابت كالصيام والصلاة والزكاة والحج والعقيدة وغير ذلك؟

    فقال: لا، هذا الكلام غلط، ينبغي أن تذكر الحرية في مثل هذا، بل إنني أقول: إن الحرية يجب أن تتوجه إلى الثوابت، فالعلماء عندما قالوا: (من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة) يمكن أن نضع تحت هذه المقولة الفضفاضة مائة تهمة على أقل تقدير، فهذه الثوابت لو تركناها دون أن نتحدث عنها بحرية فإنها تتوثن وتصدأ، يعني: لو تركنا الصيام والصلاة والزكاة والحج وغيرها دون أن نطعن فيها وندمرها؛ ففي المستقبل ستكون عبارة عن أصنام يعبدها الناس، فعلينا أن ننشئ الأجيال القادمة على ألا يوجد شيء اسمه صلاة وصوم وزكاة وحج ولا شيء من هذا أبداً، لا تقل لي: أصلي؛ لأن تعودك على الصلاة يجعل الصلاة وثناً يعبد.

    1.   

    موقف جمال البنا من الحجاب

    ويسأله السائل: ما رأيكم في الحجاب؟

    قال: الإسلام لا يريد الحجاب، وإنما يريد الحشمة، والحجاب ليس من العقيدة ولا من الأصول؛ لأنك حين تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا تضيف عبارة: وأشهد أن الحجاب حق أو واجب، إذاً: فالحجاب ليس من الدين!

    والرد عليه: أنه يحصل نفس الشيء لكي أدخل الإسلام أن أقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ولا أقول: وأشهد أن الصلاة حق وأن الزكاة حق وأن الصيام حق وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق، وغير ذلك من فرائض وواجبات الإسلام.

    إذاً: كل هذا ليس مطلوباً، والمطلوب أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالها اليهودي أو البوذي أو الوثني أو النصراني سيصبحون مسلمين، والأصل في القضية أن ربنا يريد أن يعيش الناس في عدل وسلام وحرية وأمان.

    أما عن قضية تطبيق الشريعة فقال: إنها من القضايا الشائكة التي اختلفت حولها الآراء بشدة ما بين مؤيد ومعارض، والموقف من ذلك أنني كتبت كتاباً عن تلك القضية، وأوضحت فيه أننا -للأسف- عبدة شعارات، تطبيق الشريعة ومطالبة الأمة بأسرها بتطبيق شريعة الله عز وجل هو عبارة عن شعارات فضفاضة لا قيمة لها.

    ثم يقول: ولو كنا صادقين في تطبيق الشريعة لا بد أن تواجهنا عقبات تحملنا على المطالبة مرة ثانية بعدم تطبيق الشريعة، وهذه العقبات هي وجود المذاهب الفقهية، هل سنطبق الشريعة على مذهب أبي حنيفة أم على مذهب أحمد بن حنبل أم الشافعي أم مالك أم الظاهرية أم مذهب الليث أم مذهب إسحاق بن راهويه؟!

    يعني: لو أخذنا بمذهب أبي حنيفة سنغضب الشافعية وبقية المذاهب، وهكذا لو أخذنا في تطبيق الشريعة بأي مذهب لا بد أننا نغضب ونثير ثورة بقية المذاهب علينا.

    ثم يقول: وهناك مذاهب اعتقادية أيضاً، كوجود الشيعة، نحن لو طبقنا الشريعة على مذهب السنة سنفرط في حق إخواننا الرافضة، وغير ذلك من الكلام الكثير.

    على أية حال كلامه مذكور في كتبه، وقد نقل وبث على صفحات الجرائد، ولكني أكتفي بذكر هذا، وإن كان الكلام لا ينتهي، ولكني أسأل الله تعالى -وأنتم تسألونه معي- باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب أن يخلصنا من أمثال هؤلاء، اللهم خلصنا منهم، اللهم خلصنا منهم على خير، اللهم افضحهم يا رب العالمين، اللهم افضحهم بالليل والنار، اللهم افضحهم في قعر بيوتهم، اللهم افضحهم عند أبنائهم وزوجاتهم، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن سار في ركابهم، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن سار في ركابهم، ممن يدعي أنه مسلم، اللهم إما أن تردهم إلى دينهم رداً جميلاً أو تأخذهم كما أخذت فرعون وثمود، اللهم خلصنا منهم على خير، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا.

    وصلى الله على نبينا محمد.

    في حقيقة الأمر العلماء قد رجعوا إلى أبواب العبادات في كتب الفقه فلم يجدوا الصلاة قد احتلت من الكتب إلا بمقدار (12%)، أي: أن هناك (88%) لباقي أبواب الفقه، وقال عن التراث الفقهي: إنه من أكبر أسباب تخلف المسلمين ومجتمعاتهم في العصر الحاضر، وشكك في المنهج الفقهي الذي وضعه الأئمة بدءاً من الرسالة للإمام الشافعي، وقال: إن هذا المنهج لم يعد صالحاً للعصر.

    هل رأيتم رجلاً كافراً قال مثل هذا الكلام؟! هل رأيتم رئيس دولة كافرة -مثل بريطانيا أو روسيا أو أمريكا- قال هذا الكلام؟ لا يجرؤ أحد أن يقول هذا، بل -والله العظيم- إن الكفر كله مجتمع على أن الدين الإسلامي هو أعظم دين عرفته البشريه، لكن القضية أنهم خائفون من الدين، فيريدون أن يدفنوه ويقبروه حياً.

    والدين حي يحتاج إلى رجال يحملونه، ولذلك فإن اليهود لا يعبئون بكل أصحاب المعاصي والاتجاهات والأفكار، ولكنهم يخافون من الأصوليين، الذي هم نحن، مع أن كلمة الأصولية كلمة نصرانية أو يهودية في أصلها، لكن على أية حال هم يعبرون بها عنا، فيقولون: الأصولي الذي هو متمسك بأصله وتراثه، متمسك بالأصلين العظيمين وهما الكتاب والسنة، فهم خائفون؛ لعلمهم ويقينهم أن منهج الكتاب والسنة وأن منهج دين الإسلام هو أعظم دين عرفته البشرية، وهو الدين الحي الذي لو قام أصحابه به خير قيام لسادوا العالم الآن كما سادوه سابقاً، فهم يعلمون هذا، ولذلك لم يقولوا: هذا القرآن كلام فارغ، وهذه السنة كلام فارغ، والتفاسير كلام فارغ، والسنة فيها كذا وكذا.. وإنما يعملون بالليل والنهار مكراً ليطمسوا معالم الشريعة، وأن يصنعوا أجيالاً تتلو الأجيال سماتها قطع العلاقة بينها وبين دينها، حينئذ يستريح اليهود والنصارى.

    ولا يكون هذا، بل الحرب سجال إلى قيام الساعة، قال تعالى: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [الأعراف:128].

    يقول جمال البنا : لم يعد هناك شك في أن التقيد بهذا الفقه كان من أكبر أسباب التخلف في المجتمعات الإسلامية؛ لأنه ضم مجالات في صميم الاقتصاد والسياسة والاجتماع، فهو مشارك في مسئولية تدهور وضع المرأة!

    هل الإسلام الذي حفظ للمرأة كيانها هو الذي شارك في تدهور المرأة وفي استشراء ظلم الحكام وفقد المنهجية في التنظيم السياسي وشيوع الخرافة والعقلية النقلية؟!

    يعني: أن الإسلام هو السبب في شيوع العقلية النقلية، والعقلية النقلية هي (قال الله) و(قال رسوله).

    يريد أن يقول: إن الفقه هو سبب هذا الضلال، عندما تأتي لحكم في مسألة من المسائل يقول لك: حرام، بدليل (قال الله) و(قال رسوله)، هذا تخلف عند جمال البنا ، والتقدم عنده أنني أقول لك: هذه المسألة قال فيها جمال البنا كذا وكذا!

    كذلك مرة يتهم الفقهاء بالتقوقع في فقه العبادات وترك مجالات الحياة الأخرى، ومرة يناقض نفسه ويقول: إن الفقه شمل مجالات في صميم الاقتصاد والسياسة والاجتماع، أي: يريد أن يقول: إن الفقهاء لم يكن لديهم منهج ولا نظام، ولم يضعوا قواعد صحيحة على الإطلاق.

    كذلك وصف الصحابة بعدم المنهجية، وأنهم كانوا يتضاربون في فتاواهم.

    وقال عن تفاسير القرآن: ما هي إلا ركام تجمع حتى أخفيت عظمة القرآن، أي: هذه التفاسير ما هي إلا ركام حتى أخفى تحته جوهر القرآن وعظمة القرآن، والرد عليه: ليس كل الناس أهلاً لفهم القرآن بدون تفسير.

    والواقع أن جمال البنا بالرغم من إلحاده وزندقته ما زال هناك أناس يقولون عنه: أخ.

    يقول: والواقع أن الأخ جمال البنا يود أن يظهر أننا في حاجة أن نعمل عقولنا وأن نفكر وأن نجتهد، وألا نقف على ما وقف عليه الأولون، كان يريد أن يقول شيئاً، فلما أراد أن يعبر عنه وقع في المطب ولم يعرف أن يعبر!

    ويقول كذلك: إن الأحاديث المتواترة أبعد ما تكون من الصحة؛ وللعلم أن الأحاديث المتواترة لا يزيد عددها على الخمسة.

    وقبل ذلك أنكر جميع الأحاديث المتواتر، مع أن العلماء يذكرون أن الأحاديث المتواترة بلغت مائة ونيفاً.

    قال: وليس منها أحاديث المهدي المنتظر ، بل إنها أحاديث مشكوك فيها، فكيف نقول عنها: إنها متواترة؟!

    والملاحظة العامة في كتابات جمال أنه جريء على العلماء، ولا يليق أن يقول: إن الفقهاء ارتكبوا جريمة، فلا يصح أن تلقي الاتهامات جزافاً، فإنه ينادي على نفسه بالنفاق.

    والدكتور عبد العظيم المطعني يكشف المغالطات الفكرية لـجمال البنا ، فيقول: فتح باب الاجتهاد لكل من هب ودب، وهذا فيه تصريح بالفتوى لأصحاب البطاطا، وروجت أكاذيب المستشرقين، وتجرأ على العلماء وأصدر أحكاماً ساذجة.

    يقول شعبان إسماعيل أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر: ما هي مؤهلاتك لتجعل من نفسك مفتياً ومجتهداً يا جمال؟! أفكارك روجت لها جماعات هندية ضالة تقدس القرآن فقط!

    حتى تعرف أنهم عصابة وفرقة مرتبطون بعضهم ببعض حتى في أقطار الأرض كلها، وليس في مصر فقط، فمثلاً: مصطفى محمود ، وحسن حنفي الذي كان يدرس أبناءكم وبناتكم في جامعة عين شمس في القاهرة، ويشربهم السم القاتل الزعاف ضد النبي عليه الصلاة والسلام وضد الله عز وجل وضد شرعه ودينه، وكتبه كلها عندي، ونصوصه التي كتبها بخط يده.

    1.   

    الضوابط والمفاهيم التي يجب الاحتكام إليها

    والدكتور شعبان إسماعيل يقول تحت عنوان: (ضوابط ومفاهيم يجب الاحتكام إليها).

    أولاً: الدعوة إلى الاحتكام إلى القرآن وحده وترك السنة الصحيحة كفر لا مراء فيه، وقد انعقد الإجماع على ذلك كما نقلناه من كلام ابن حزم والشافعي وابن عبد البر وغيرهم.

    يقول: والسنة هي المصدر الثاني للتشريع، فتركها ترك لأكثر أحكام الشريعة والقرآن الكريم، ولذلك نجد آيات القرآن الكريم تحث على طاعة الله تعالى وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا تكاد تجد آية تحث على طاعة الله تعالى إلا وتجدها تأمر بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، والعلماء مجمعون على أن المراد بطاعة الرسول اتباع سنته الشريفة.

    ثانياً: دعوى أن الله تعالى قد تكفل بحفظ القرآن من التحريف والتبديل ولم يتكفل بحفظ السنة، وبالتالي فلا نأخذ منها الأحكام ونكتفي بالقرآن؛ دعوى مرفوضة يكذبها الواقع والشواهد الشرعية، فالله تعالى قد تكفل بحفظ شرعه كاملاً بمصدريه: القرآن والسنة.

    ثالثاً: دعوى عدم قبول أي حديث لا يؤيده القرآن دعوى مغلوطة ومرفوضة، فليست هناك أحاديث تعارض نص القرآن الكريم ومنطوقه، بمعنى أنه ليس هناك حكم شرعي يحله القرآن أو يحرمه وتأتي السنة بعكس ما جاء به القرآن، وهذا هو المعروف بالتعارض، ولو أحلت الآية القرآنية شيئاً ثم حرمته السنة أو العكس نظرنا في الناسخ والمنسوخ، فإن لم نجد حكمنا على الحديث بالوضع مباشرة، وهذا كلام اجتهد فيه المحدثون اجتهاداً عظيماً جداً، وصنف ابن القيم عليه كتاباً اسمه: المنار المنيف في إثبات الصحيح والضعيف، وذكر علامات الوضع في الحديث النبوي، وجاء بعد ذلك ابن الجوزي عليه رحمة الله، وكتب كتاباً بعنوان: (مقاييس المحدثين في نقد المتون) وغيرها من الرسائل العلمية الكثيرة في الدكتوراه والماجستير أثبتت أن علماء الحديث قد أفنوا أعمارهم في قطع معايير تميز صحيح السنة من ضعيفها، والثابت منها وغير الثابت.

    فليس هناك تعارض، وإذا كان هناك تعارض فالحكم كما قلنا، إنما مقصود جمال البنا وأصحابه بالتعارض هو أن السنة تنفرد بذكر أحكام عن القرآن الكريم، وهذا يتعارض عندهم، فيقولون: أحاديث الشفاعة أحاديث موضوعة وباطلة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن كله نفى الشفاعة، نسأل الله تعالى ألا يشفع نبيه فيمن ينكر الشفاعة، قال أنس رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جحد الشفاعة فلا حظ له فيها).

    والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها يجوز على مذهب جمال البنا، بل إنهم قالوا: يجوز نكاح الأم! وهذا موجود في كتبهم تحت شعار الحرية الشخصية، وفي طبعة أخرى: الحرية الجسدية.

    والمحرمات التي ذكرت في سورة النساء لا تتعارض مع الأحاديث التي ذكرت المحرمات التي لم تذكر في كتاب الله عز وجل، وكذا لو تتبعنا الأحكام التي جاءت بها السنة ولم يأت بها القرآن لم نجد فيها تعارضاً مع القرآن الكريم، وإنما هي أحكام جاءت بها السنة زيادة على ما جاء به القرآن الكريم، والكل من عند الله تعالى، فالقرآن وحي الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم.

    رابعاً: فتح باب الاجتهاد لكل من هب ودب دعوة مرفوضة عقلاً وعرفاً وشرعاً، ولا تحتاج إلى تعليق، فلكل فن وعلم وحرفة أو صناعة أهلها المتخصصون فيها، ولا يسمح لمن ليس من أهلها أن يدخل فيها، فلا يتصور أن بائع البطاطا يجري عملية جراحية لأحد المرضى، كما لا يتصور أن دكتوراً أو مهندساً أو صيدلياً يقوم بعمل شباك للحمام أو للمطبخ، إذاً: لكل فن أهله، وجمال البنا ليس من أهل هذا.

    والله تعالى يقول: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

    وقال الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فأهل الذكر في الأسواق هم الباعة، وأهل الذكر في الطب هم الأطباء، وأهل الذكر في الهندسة هم المهندسون، وأهل الذكر في العلم الشرعي وتعليم الناس هم العلماء والمشايخ والدعاة، وغير ذلك.

    أما قضية تطبيق الشريعة وعدم تطبيقها فهو المحك والفيصل بين الإسلام والكفر. وهذا كلام جميل جداً من الدكتور إسماعيل شعبان ، فإنه يقول: تطبيق الشريعة ليس شعاراً، وإنما هو قضية حاسمة بين الإيمان والكفر، فإما أن تقول: إنك مؤمن وتطالب بتطبيق الشريعة، وإما أن تقول: أنك كافر صراحة، وحينها يكون تطبيق الشريعة شعاراً

    .

    خامساً: أستطيع من خلال قراءتي لما كتبه جمال البنا في الأعداد السابقة، وما صرح به في ندوة مركز ابن خلدون، هذا المركز الذي صنعه اليهود في مصر، أنا أسميه مركز ابن صهيون، فهو يضع البرامج التعليمية للابتدائي والإعدادي والثانوي، وأنت من غفلتك أنك لا تطلع على كتب أبنائك وتقرؤها ورقة ورقة وموضوعاً موضوعاً، وتقرأ الكتب السابقة والذي أسبق منها وغير ذلك حتى تعلم أن نقض عرى الإسلام يأتي عروة عروة، وليس مرة واحدة، وإلا ستكون العملية شكلها سيء جداً.

    وقد ادعى مركز ابن خلدون أن اليهود مصريون، ووراء هذه الدعوى أن أرض مصر ملك لليهود، كان منذ زمان اليهود يكتبون: دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات، فعلى دعوى مركز ابن خلدون لم يعد شعارهم كذلك، بل أصبح شعارهم: الأرض كلها ملك لليهود، وحكام أمريكا وروسيا يمشون تحت نعال ستة ملايين أو سبعة ملايين يهودي؛ لأنهم ملكوا اقتصاد العالم، وليس الاقتصاد لوحده فقط، واليهود وزعماء اليهود إنما ينطلقون من خلال عقيدتهم، بخلاف حكام المسلمين شرقاً وغرباً: لا عقيدة لهم ولا فقه ولا صلاة ولا صوم.

    وزاد جمال البنا الطين بلة فقال بأن الإله أدوريس إله الفراعنة هو نبي الله إدريس!

    إذاً: التفاسير ليست كلاماً فارغاً، ولو تركناك يا جمال تفسر لوحدك وكما تشاء ربما تقول: إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو فرعون أو خوفو أو خفرع أو منقرع !

    1.   

    موقف بعض العلماء الأشاعرة والصوفية من جمال البنا

    وأصبح كل العلماء وغير العلماء لا يعجبهم جمال البنا ، حتى محمد داود ، والدكتور محمد شاكر فؤاد ، والدكتور محمد ربيع الجوهري، القائمون على مسجد العمرانية، وهم في المعتقد لو قلنا: أشعرية لظلمنا الأشعرية، وفي المسلك هم زعماء وأقطاب الطريقة الخلوتية، ومحمد ربيع الجوهري ألف كتاباً اسمه: عقيدتنا، وهذا الكتاب يدرس في معاهد إعداد الدعاة في الجمعية الشرعية وهو كتاب أشعري، والشاهد من هذا الكلام أن محمد ربيع ومحمد شاكر ، ومحمد داود برغم ما فيهم لم يعجبهم جمال البنا ، وردوا عليه.

    على أية حال: من بذل لله عز وجل يشكر على بذله، فنحن نشكرهم على دفاعهم عن دين الله عز وجل ضد جمال البنا .

    والدكتور محمد سيد أحمد المسير من أعلام الدعوة إلى الله عز وجل وتاريخ الفقه والإفتاء وغير ذلك، رد على جمال البنا فقال له: طوعت النفوس لأهوائك، وعقوبة المرتد ثابتة في القرآن والعرف، فالخارج عن النظام خائن، فكيف لا يكون المرتد خائناً لدينه؟!

    وهذا كلام جميل جداً، ولو أن أحداً تهرب من الضرائب في بلاد الكفر في أمريكا ولندن وغيرها فحكمه الإعدام، وهنا لا أحد يستطيع أن يهرب من الضرائب، رغم أنها غير شرعية، بل هي مكوس لكنك ستدفعها، إلا إذا كنت من علية القوم فإنك تستطيع أن تأكل مائة مليون أو ثلاثمائة مليون أو المليار وغير ذلك.

    وليس هذا موضوعنا، موضوعنا أن الخارج عن أي نظام وضعي خائن يستحق العقوبة، فكيف بمن خرج عن دين الله عز وجل لا يكون مرتداً يستحق العقوبة؟!

    ومن كتبه أيضاً: مسئولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث. انظر إلى العنوان!

    ويقول: يتساءلون: أين البرنامج؟ ها هو ذا البرنامج الإسلامي، وهو: الدولة والنظام السياسي والخلافة، القومية، الاشتراكية، النظام الاقتصادي، الربا، النظام الاجتماعي، الصحافة، تعليم المرأة، الفنون والأدب، وكل هذه الموضوعات قد عالجها الإمام المجتهد الفقيه الحبر النحرير جمال البنا في كتاب (نحو فقه جديد)، وهو من جزأين، ولم أحصل على الجزء الأول، وطبعاً يكون الجزء الأول بث فيه سمومه؛ لأن المؤلف ينشط في أول الكتابة وبعد ذلك يفتر في نهايتها، فأنا للأسف لم أحصل على الجزء الأول، أما الجزء الثاني فقد قال فيه: (نحو فقه جديد)، و(السنة ودورها في الفقه الجديد).

    ثم يقول: رسالة إلى الدعوات الإسلامية، إلى إخواننا المسلمين في مصر، والجماعة الإسلامية في باكستان، والجماعة الإسلامية في الجزائر، الجماعة الإسلامية القائمين على السودان، والشيعة الجعفرية في إيران، والوهابية في الحجاز.. إلخ، وإلى الشباب المسلم في العالم أجمع.

    و جمال البنا رق قلبه على هؤلاء، ويريد أن ينصح كل الفرق والشباب الذي ليسوا في الجماعات ولا في غيرها، فهو يبث السم الزعاف القاتل في هذا الكتاب الأزرق، تحت عنوان: نحو فقه جديد، وليس اجتهاد جديد أو تجديد الفقه.

    يقول في ضمن الموضوعات: البراءة الأصلية ودائرة الحلال والحرام.. التمييز بين العقيدة والشريعة .. أسباب تضخم فقه العبادات.. الاجتهاد هذا المعلوم المجهول.. فهم الخطاب القرآني أيام الرسول.. التفسيرات التقليدية .. محمد عبده هو محمد أركن. وهذا الكتاب موجود في دار ابن صهيون، فهؤلاء الغوغائيون كـجمال البنا وإسماعيل منصور ونصر أبو زيد وحسن حنفي هم أعضاء مركز ابن خلدون .

    ثم يقول: فهم الخطاب القرآني كما يجب أن يكون، كما فهمه جمال البنا.

    والكتاب الأخير يقول: الأصلان العظيمان: الكتاب والسنة ورؤية جديدة. وهذا من وجهة نظره هو.

    وبعد ذلك: الإسلام هو الحل، لكن بعيداً عن أي شعارات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756281940